منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر ديوان العرب (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=48)
-   -   الشاعر محمد الحسن منجد/ حياته / شعره (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1789)

سارة رمضان 01-19-2011 10:58 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام بركات زريق (المشاركة 37852)
المصدر

ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (6)


لعلَّهُ بدعائي يبسمُ القدرُ



ما خُنتُ حبَّكِ لكنْ هكذا القدرُ
وما كفرتُ بهِ لكنَّهمْ كفروا

ما خُنتُ حبَّكِ لا واللهِ يا قمري
الدمعُ يشهدُ والتسهيدُ والسَّهرُ

مرَّتْ ثلاثونَ وازدادتْ ثمانيةً
حَملتُ ما ناءَ فيه الجِّنُّ والبشرُ

حملتُ صمتي وتَحناني وقافيتي
وكِدتُ أُصعقُ لمَّا جاءني الخبرُ

* * *
قالوا: التي كنتَ تهواها غَدَتْ هَمَلاً
مشلولةًً في زوايا البيتِ تنتظرُ

في كلِّ يومٍ يراها الناسُ باسطةً
كفَّاً إلى اللهِ ترجوهُ وتعتذرُ

تبكي زماناً بِهِ أرخَتْ ضفائرَها
تُغازلُ الأفْقَ كيما يبزغَ القمرُ

تلوذُ بالذكرياتِ الخُضْرِ تحضنُها
حتَّى تجذَّرَ في أعماقِها الوطرُ

* * *
مرَّتْ ثلاثونَ وازدادتْ ثمانيةً
لم يبقَ دماءُ الشوقِ تستعِرُ

* * *
واليومُ يا أيُّها الغافي على دعةٍ
ماذا تقولُ ؟ وهل يرضيكَ تنتحرُ

ألمْ تكنْ في حنايا الصدرِ تحضنُها
أيامَ كانت بشالِ الحُسنِ تأتزرُ

ألمْ تكنْ يومَ تنأى تكتوي ألماً ؟
فهلْ نسيتَ ؟ وزاغَ الفكرُ والبصرُ

أمِ انتبذتَ مكاناً تستحمُّ به
بين الغواني وطابَ الأُنسُ والسمَرُ ؟

* * *
فقلتُ : والنارُ تكوي أحرفاً دمعتْ
والقلبُ من نازفاتِ الوجدِ ينفطرُ

هيهاتَ .. هيهاتَ أنساها سأذكُرُها
فلم أزلْ رهنَ نارِ الشوقِ أنصهرُ

أرجو الشفاءَ لها ممَّا تكابده
لعلَّهُ بدعائي يبْسَمُ القدرُ



6/1/2000

جميلة جدا ,
نحزن حين نجد شعراء يستحقون التقدير كأستاذك و لا أحد يعرفهم
و آخرون شعرهم غثاء و شهرتهم كاسحة ,

لم تبالغ حين قلت أن له صوتا شعريا يناطح نزار و أبو ريشة ,
متابعة بإذن الله .

عبد السلام بركات زريق 03-05-2011 07:17 PM


قدَّمَ شاعرنا لديوانه (جراح الصميم)
بهذه الأبيات




الإهداء . . . . . . . .



إلى كلِّ من وجد نفسه في الحياة مرغماً أقول :


هذي جراحُ صميمي
سطَّرتُها في كتابي


تشفُّ عمَّا أُعاني
في هدأتي واضطرابي


خمسٌ وستون مرَّتْ
سريعةً كالسَّحابِ


وخلَّفتني وحيداً
على حدودِ السَّرابِ


أبكي عليَّ ودمعي
للموتِ يحدو رِكابي





عبد السلام بركات زريق 03-06-2011 05:27 PM

المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (1)




شبحُ الزَّوالِ





رضاكِ نَسجتُ ثوباً من حروفٍ
فراحَ يَشِفُّ عن فِتنِ الجمالِ

غزلتُ سُداهُ من سهرِ الليالي
ولُحْمَتُه مِن المُتعِ الحلالِ

على الكَتفينِ طرَّزتُ الأماني
فماجَ الصَّدرُ ينعمُ بالظِّلالِ

وصُغتُ من الربيعِ عقودَ فُلٍّ
وزيَّنتُ الحواشيَ باللآلي

* * *

تعاليْ... وارتدي ثوبَ القوافي
على أنغامِ موسيقا الوصالِ

تعاليْ... واعقدي زُنَّارَ ماسٍ
على خصرِ القصيدةِ في دلالِ

تثنَّيْ واعرضي أزياءَ فنِّي
على جمهورِ شعريَ باحتفالِ

وسيريْ بين أروقةِ الأماني
وخلِّي السَّعدَ يهزأُ بالمُحالِ

* * *

لقد سطعتْ بقلبي شمسُ هَدْيٍ
غداةَ محوتُ حالكةَ الضَّلالِ

وأشرقتِ الحياةُ فكلُّ فجرٍ
يطلُّ أخافُ من شبحِ الزَّوالِ

* * *

تُراكِ عرفتِ ما أنا فيهِ حتى
خشيتِ على الحقيقةِ من خيالي ؟

أمِ اعترضَتْ سبيلَكِ مُزعجاتٌ
من الأفكارِ ما هدأتْ ببالي ؟

أمِ اخترتِ البقاءَ على اتِّصالٍ
مع الأوهامِ في عَنَتِ الجدالِ ؟

لَعَمْرُكِ ما انفصالُكِ عن حياتي
بأصعبَ من رجوعكِ لاتِّصالِ

* * *

فخلِّي عنكِ أرديَةَ التَّخفي
وعودي للظهورِ والامتثالِ

أعيديني إليَّ ولا تعودي
لعلَّ الجُرحَ يأذنُ باندِمالِ

ولا تأْسَيْ إذا انطفأتْ يميني
فشمسُ الحقِّ تشرقُ من شمالي

* * *

لقد ضيَّعتِ عمركِ في الصَّحارى
وضعتِ مع الجواهرِ في الرِّمالِ

فلا تتشاغلي عنِّي فإنِّي
عزمتُ على اللقاءِ بلا انشغالِ

لعلَّ اللهَ يجمعُنا قريباً
بفيضٍ منْ دعائكِ وابتهالي

* * *

فهيَّا .. ننطلقْ لسماءِ صفوٍ
نعدُّ نجومَها تحت الليالي

لقد عتَّقْتُ خمركِ في عروقي
وأسكرتُ العرائشَ والدَّوالي

وهامَ بكِ الفؤادُ وعُدْتِ أهلاً
لِما عانيتُ من قيلٍ وقالِ

فجُبتُ فضاءَ روحيَ في تَحدٍّ
لأسقطَ من حسابيَ سوءَ حالي

وأقطفُ من نجومِ السعدِ نوراً
ولكنِّي رجعتُ بلا سِلالِ

* * *

فيا نفساً تعافينَ الدَّنايا
زمانُكِ هابطٌ وهواكِ عالِ

ألا تَعساً لمن يحيا بنفسٍ
يحطِّمُ عزَّها ذلُّ السؤالِ

ويا نفساً تتوقُ إلى المعالي
عُلاكِ بما حملْتِ من الخصالِ

لقد فسدَ الزَّمانُ فكلُّ فردٍ
بعالمنا يسيرُ إلى انحلالِ

فلا تأسَيْ على ما فاتَ إنِّي
أقدِّسُ فيكِ جوعكِ للنِّزالِ

أقدَِّسُ فيكِ صبركِ في الدَّواهي
وأُكبرُ فيكِ عزَّكِ دونَ مالِ

فكمْ أَلْقيْتِني في مُهْلكاتٍ
وكم خلَّصْتِني من كلِّ غالِ

وكمْ راودتِني فعَصيْتُ جَهراً
وحين زَجَرتِني بدأَ اشتعالي

فلا تَدعيْ صفاءَكِ تعتريهِ
شوائبُ من نزوعِكِ لانعزالِ

فأنتِ .. أنا .. ونحنُ على اتِّصالٍ
وأنتِ سوايَ في زمنِ انفصالي



27-7-1999

عبد السلام بركات زريق 03-06-2011 08:14 PM



المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (2)




أَوْقِفي النَّزْفَ





بين نارِ الأسى وشوكِ اغترابي
أكتبُ الشِّعرَ تحتَ وَقْعِ الحرابِ


أكتبُ الشعر !! فاهدئي يا جِراحي
أوقفي النزفَ من عروقِ الرِّغابِ


صوَّحَ العمرُ واستبدَّتْ همومي
ونما اليأسُ بعد موتِ الشَّبابِ


يا جراحاً تبوَّأَتْ عرشَ قلبي
واستدارتْ تُحيطهُ بالتهابِ


أوقفي النزفَ .. أوقفيهِ وإلَّا
أُعلنُ الآنَ منكِ بدءَ انسحابي


* * *

أنا فردٌ من عالَمٍ مُسْتَباحٍ
أرهقوهُ بالرَّكضِ خلفَ السَّرابِ


حَجَبوني عن عالمي بدُخانٍ
كثَّفوهُ فوق الذُّرى والشِّعابِ


جرَّحوني في السِّرِّ قولاً وفعلاً
زرعوا الشكَّ في أُصولِ انتسابي


نسبي للأصيلِ من كلِّ فنٍّ
أَزحمُ الشُّهبَ هازئاً بالضَّبابِ


يعبقُ الطِّيْبُ كلَّما سالَ جرحٌ
وتغني الدماءُ رغمَ اكتِئابي


وغداً تسألُ الحدائقُ عنِّي
والعصافيرُ والطِّلا والخوابي


والمعاني والمفرداتُ العَذارى
والأغاني وعازفاتُ الرَّبابِ


والغواني وكلُّ أهلي وصَحبي
وحبيبٌ أتقنتُ فيهِ عذابي


عندها يشمخُ التُّرابُ ويصحو
مِهرجانُ الضِّياءِ فوقَ ترابي


ويغنِّي الوجودَ يأسي بصوتٍ
يوقظُ الحسَّ في النُّفوسِ الخرابِ


* * *

فاهدئي يا جراحُ ..لا..لا تثوري
وامنحيني الأمانَ بعدَ ارتيابي


أنا من عالمِ الضِّياءِ طريدٌ
والليالي مسعورةٌ كالكلابِ


علِّميني كتابةَ الصمتِ حرفاً
نابضَ الفكرِ في سطورِ كتابي


إنَّ في أحرفي سُكوناً مَقيتاً
مُستهيناً برِعشتي واضطرابي


* * *

يا جراحي برغمِ ما نِلتِ منِّي
لا تَبيتي على الطَّوى في غِيابي


جرِّبي النَّيلَ من سوايَ قليلاً
ثمَّ عودي وأَنعمي بالثَّوابِ


قد تعلَّمتُ كيف أقتلُ نفسي
وتعلَّمتُ كيفَ أَلقى حسابي


صولجانُ القريضِ مُلْكُ يمني
ويساري مرفوعةٌ للضِّرابِ


* * *

رُبَّ مستنكرٍ وُعورةَ دربي
واقتحامي جوَّ الأسى والصِّعابِ


راحَ يُغري بيَ الذئابَ ويعوي
بَيْدَ أنِّي رجمتُه بشهابِ


فهوى مولَعاً بنهشِ حذائي
وبه السُّمُّ مودَعٌ للذئابِ


فاستعيذي باللهِ من هولِ ما بي
من تحدٍّ على الطَّريقِ الصَّوابِ


واحملي سُورةَ الحديدِ حِجاباً
لا تخافي من مُنذِرٍ بالعقابِ



5-8-1999





عبد السلام بركات زريق 03-07-2011 05:32 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (3)




سُوَيعاتُ الوِصالِ




ألقُ المشيبِ وبسمةُ الأقدارِ
قَلَبا دُجى ليلي لشمسِ نهارِ


ما كنتُ أحسبُ وصلَها مُتوقَّعاً
حتى طويتُ يمينَها بيساري


وغدتْ يَميني طوقَ خَصرٍ ناحلٍ
كالمِعصَمِ المحبوسِ ضِمْنَ سِوارِ


* * *

ومضتْ تشدُّ على يدي بيسارها
ثم انثنتْ عنِّي لحلِّ إزارِ


فخلعتُ أوهامي بخفَّةِ سارقٍ
ورميتُها في البحرِ للإعصارِ


وتعلَّقتْ بي كالغريقِ وقد رأى
غُصْناً يخلِّصُه من التَّيارِ


* * *

كَهْرَبْتُها باللَّثمِ حين توسدتْ
زَندي فشبَّ أُورُاها وأُواري


وبدأتُ أقطفُ من جِنانِ وصالِها
أحلى الكلامِ وأجملَ الأفكارِ


وتقولُ مَتِّعني بوصلِكَ إنَّهُ
وِزرٌ فحمِّلني لَظى أَوزاري


واحملْ معي ما لا أطيقُ فإنَّني
أطعمْتُ عُمْراً مُقفراً للنارِ


ودفنتُ أفكاري القديمة عندما
وافيتَني بالحبِّ والإيثارِ


ولقد بَرئتُ من الدُّموعِ وضَجَّ بي
حبُّ الحياةِ وغرَّدتْ أَطياري


وتفتَّحتْ أزهارُ عمريَ بعدما
أغفتْ على أغصانِها أزراري


فاجْنِ المواسمَ من خريفِ عواطفي
وامنُنْ عليَّ بساعةٍ مِدرارِ


فلربَّما عادَ الربيعُ وأورقتْ
مُتَعُ الحياةِ بنفحِها المِعطارِ


* * *

ومضتْ سُويعاتُ اللقاءِ كأنَّها
حُلُمٌ سرى في غفلةِ الأقدارِ


حتى غدونا شمعتينِ بلا لظىً
غَربَ الدخانُ وأشرقتْ أنواري


* * *

يا نفسُ حسبُكِ أنتِ أصلُ تعاستي
وسعادتي رهنٌ بفكِّ إساري


وصحوتُ أحتضنُ السَّرابَ وأحتسي
كأساً مزجتُ ثباتَها بفراري



29-8-1999

عبد السلام بركات زريق 03-07-2011 07:31 PM



المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (4)




أقداحُ السُّم






ثَقُلَتْ عليَّ وما انحنيتُ هُمومي
ومَضيتُ أغرسُ في الظَّلامِ كُرومي


فنما الصباحُ على أديمِ قصائدي
لمَّا رويتُ جذورَها بحميمي


ما لاحَ فجرُ الأمنياتِ ببسمةٍ
إلا لمحتُ مع الضِّياءِ همومي


وشربتُ أقداحَ السُّموم ولم أزلْ
أغتالُ زهرَ مواسمي بسمومي


* * *

قدرٌ أُعاني منهُ منذُ ترمَّدتْ
ذرَّاتُ روحي فوقَ نارِ جحيمي


صُورٌ تلوحُ وتَختفي وكأنَّها
أشباحُ جِنٍّ فُوجئتْ بِرجومِ


وأنا بساحِ عزيفِها مُتوثِّبٌ
أبداً أُصاولها لصدِّ هجومِ


تَزْوَرُّ بيْ قيمُ الحياةِ عن الخَنا
فأضمُّ أجنحتي أصونُ كُلومي


وأعودُ أبحثُ في دروبِ مواجعي
عن نبضِ جُرحٍ في صميمِ وُجومي


وكأنَّني وقْفٌ لغاشيةِ الأسى
النورُ خصمي والظَّلام نَديمي


* * *

ويقولُ مَنْ حَولي كفاكَ تعلُّقاً
بالموجعاتِ وطُفْ بدارِ نعيمِ


أومَا تعبتَ من العِراكِ مع اللَّظى
حتى وصلتَ صُراخَهُ * برَميمِ *


وجمعتَ أصداءَ النداءِ قصائداً
حَيرى تضمَّنَها رمادُ هشيمِ *


* * *

طُفْ في الرِّياضِ مع الصَّباحِ مُغرِّداً
وانصُب شراكَكَ لاقتناصِ نُجومِ


فأجبتُ والآلامُ تُزهرُ في دمي
شوكاً يعمِّقُ وَخزَهُ بصميمي


أنا لستُ وحدي بالشقاءِ مُحاصراً
كلَّا .. سَلوا في النازلاتِ غريمي


فهناكَ من يَشقى ويكتمُ أمرَه
يخشى شماتةَ جاهلٍ ولئيمِ


بَخِلَ الزَّمانُ بطيبِه وطبيبهِ
فسوادُ هذا الكون غيرُ كريمِ


تَخِمَتْ كلابُ الجاهلينَ ولم يزلْ
بالقوتِ يحلمُ مُبدعٌ لعلومِ


وسَلوا ملايينَ الظِّباءِ بعالمٍ
تجتاحُ جنتَهُ رياحُ سَمومِ


ثُمَّ ارجعوا لقصائدي وتَرسَّموا
دَرباً وصلتُ يباسَها بغُيومي


واستنطِقوا قلمي بلومٍ جارحٍ
وتَرقَّبوا " عفواً " جوابَ مَلومِ





25-8-1999



* صراخ الجيم
* نداء الرميم
* رماد الهشيم ... دواوين الشاعر



عبد السلام بركات زريق 03-07-2011 07:35 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (5)




ضِيَاءُ الشَّوقِ



غسلتُ بالدَّمعِ آلامي وأحزاني
ورحتُ أعزفُ رُغمَ الشَّيبِ ألحاني


لأجلِ عينيكِ يا لحناً سرى بدمي
يجدِّدُ العُمْرَ قد جدَّدتُ إيماني


لأجلِ عينيكِ أخشى أنْ تُفارقني
رُوحي ويخمُدَ قبلَ الوصلِ بُركاني


* * *

وحقِّ عينيكِ لم ألمحْ بغيرِها
حبَّاً كحبِّكِ يَجلو ليلَ حرماني


فهل أرى بسوى عينيكِ برقَ هوىً
يجلو شقائيْ ويمحو سِفرَ أشجاني ؟


وأنتِ من حملتْ حبِّي تُقدِّسُهُ
وتكتوي مُذْ أحبَّتْني بنيرانِ


وهل تصوَّرتِ يوماً أن أعيشَ بلا
سماعِ صوتِكِ يَدعوني ويَنهاني ؟


إذا تخيَّلتِ أن أهوى سواكِ خُذي
قلبي ..سليهِ.. لمنْ شوقيْ وتَحناني ؟


من التي أيقظتْ فيهِ صبابتَهُ ؟
سَلي عُيونيَ مَنْ باتتْ بأَجفاني


أحيا غريباً إذا ما غِبتِ عن نظري
فضوءُ عينيكِ يا عينيَّ عُنواني


* * *

لا يا حبيبةُ .. لا يا حُلوتي فأنا
بنارِ حبِّكِ قد أحرقتُ شيطاني


فلا تَغيبي إذا لَمْلَمْتُ أمتعتي
غداً لأوغِلَ في صمتي وأحزاني


لا تتركيني على أشواكِ ذاكرتي
وتُمْعِني باعتذاراتٍ ونِسيانِ


* * *

حبيبتي .. يا صلاةَ الحرفِ في سُوَري
إذا تلوتُ على السُّمارِ قُرآني


موجٌ بعينيكِ ما ينفكُّ يجذبُني
عبرَ المحيطِ إلى غاباتِ مَرجانِ


هناكَ أسلكُ تيَّارَ الهوى قلقاً
أُلَمْلِمُ الدُّرَّ أحميهِ بسُلطاني


أحنو عليهِ كما الأصداف أحفظُه
ليستقرَّ قريراً بينَ أحضاني


فلا تخافي النَّوى يا حلوتي فأنا
مهما بَعُدْتُ ضياء الشوقِ يَغشاني




10-8-1999


عبد السلام بركات زريق 03-07-2011 09:20 PM

المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (6)




قَـدْحُ الزِّنـادْ




أبداً يحنُّ لكِ الفؤادْ ....... فإلامَ هجركِ والبعادْ ؟

أهواكِ نوراً في دمي .......يجتاحُ حالكةَ السوادْ

أهواكِ حُلْماً يانعاً ........ يغريْ جُفونيَ بالرُّقادْ

أهواكِ رعشةَ بُلبلٍ ...... يشدو على فَنَنِ الودادْ

أهواكِ بوحَ قصيدةٍ .......سَكِرَتْ بأنفاسِ المِدادْ

* * *

يا مَنْ ملكتِ مشاعري... برضاكِ طوراً والعنادْ

برضاكِ أغرقُ بالشَّذا .. بجفاكِ أسبحُ في السُّهادْ

في مقلتيكِ أرى الحيا...... ةَ جميلةً وأرى العبادْ

وبراحتيكِ أحسُّ دفْ........ءَ الأمنياتِ إليَّ عادْ

* * *

غجريةَ الخُصُلاتِ نا.....رُ الوجدِ تُمعنُ في اتِّقادْ

مجنونةَ النظراتِ حبُّـ......ـكِ كالجحيمِ بلا رمادْ

معسولةَ الشفتينِ شو.........قكِ جامحٌ لا يُستقادْ

إنِّي أضعتُ بكِ الرَّشا... دَ فهل أضعتِ بيَ الرَّشادْ ؟

شوقي ينازعُني الرُّقا.......دَ مع القريضِ فلا أكادْ

أغفو ليوقظَ أحرفي النَّشـ.......ـوى خيالكِ لا أكادْ

أوَ تعجبينَ إذا بعُدْ.....تِ فهِمتُ أَضربُ في البلادْ

لا تَعجبي من شاعرٍ........ بدماهُ يحترقُ المرادْ

* * *

يا حُلوتي..لا تحزني....... هذي الحياةُ إلى نفادْ

نمضي ويَبقى عطرُنا........ في كلِّ رابيةٍ ووادْ

فالعمرُ ساعةُ مُتعةٍ....... بالوصلِ تَقدحُ كالزِّنادْ



3-9-1999

عبد السلام بركات زريق 03-08-2011 04:59 PM




المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (7)




وَحْـدي




وحدي أعيشُ مع الظَّلامِ حياتي
اليأسُ يقتلُني ولومُ عُداتي


وحدي بصومعتِي كأنِّي راهبٌ
أتلو على سَمْعِ الرَّدى صلواتي


وحدي بلا حبٍّ يُغازلُ أَنمُلي
لتظلَّ في سِفْرِ الهوى بَصماتي


وحدي على مُهَجِ السُّطور كأنَّني
طفلٌ يبعثرُ أحرفَ الكلماتِ


أَحسو طِلا الأوهامِ من كَبِدِ المُنى
صاباً وأقطعُ بالوجودِ صِلاتي


وأظلُّ ما بيني وبينَ هواجسي
في اللاشعورِ أهيمُ في نَزَعاتي


* * *

أنا بعضُ أفكارٍ تدورُ وأحرفٍ
حَيْرى تفتِّشُ كلُّها عن ذاتي


غذَّيْتُ بالفجرِ القتيلِ ظلامَها
فنَمتْ ونوَّر زهرُها مأساتي


فإذا بآمالي تعيشُ قصائداً
تقتاتُ من سَهَري ومن آهاتي


تنسابُ في خَلَدِ الخُلودِ كأنَّها
راحٌ يمازجُها ندى الصَّبواتِ


سكرتْ بها رُوحي وخفَّفَ ظِلَّها
سُكْري فشفَّتْ عن عظيمِ صفاتي


* * *

وحدي تلازمُني ظلالُ كآبتي
أنَّى ذهبتُ تجمَّدتْ خُطُواتي


فأفِرُّ من وهمي لأشهدَ واقعاً
بالنَّارِ تعجِنُهُ يدُ الشَّهواتِ


الناسُ مَوتى لا ضميرَ يهزُّهمْ
ذَبحوا ضمائرَهمْ على العَتَباتِ


والناسُ حمقى فيهِ يأكلُ بعضُهم
بعضاً ليَحظى قاتلٌ بفُتاتِ


يَتساومونَ على الحياةِ كأنَّها
سَقَطُ المتاعِ يُباعُ في الطُّرقاتِ


فأعودُ للوهمِ الذي ربَّيْتُهُ
مُذْ كنتُ طفلاً ميِّتَ البَسماتِ


وأهيمُ في الاشيء أبحثُ جاهداً
عن وِرْدِ نفسي عن مدى صَرَخاتي


* * *


وحدي ويخرسُ في ضميريَ هاتفٌ
للحبِّ أُغرقُهُ بعُمقِ شكاتي


فيُجيبني رَجْعُ الصُّراخِ مجرِّحاً
ستظلُّ وحدكَ في يدِ الظُّلماتِ



1-3-1976


عبد السلام بركات زريق 03-08-2011 06:32 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (8)



مَذْهَبي في الحُبِّ




صدِّقيني سأُجاوبْ .......لستُ فيما قلتُ لاعبْ

رُغمَ أنفِ الدهرِ يَكويـ....ـني بنيرانِ المصائبْ

سأجاوبْ سأجاوبْ .......فاكتُبي لي سأجاوبْ

* * *

جئتُ للدُّنيا شقياً .......صرتُ حقلاً للتَّجاربْ

كلما يَهوي شهابٌ .....من رصيدِ العُمْرِ ثاقبْ

يطحنُ الدَّهرُ شبابي ....بين أضراسِ النَّوائبْ

* * *

في سراديبِ ضياعي ..أَنتضي السَّيفَ أُحاربْ

أقتفي كلَّ ضميرٍ ....من صدورِ الناسِ هاربْ

أطلبُ الثَّأرَ ولكنْ ...........بعدها أرتدُّ خائبْ

* * *

أيُّها الليلُ تقدَّمْ ........إنَّ وجهَ الشمسِ شاحبْ

أَلبِسِ الكونَ مُسوحاً .......أصبحَ الناسُ ثعالبْ

يعبدونَ المالَ ربَّاً ...........وأنا يا ليلُ راهبْ

* * *

أحرَقَ السُّهدُ شبابي ......وضميرُ السَّعدِ غائبْ

كلَّما أفرغتُ كأسَ العيـ ...ـشِ من سُمِّ العقاربْ

يملأُ الدهرُ دِناني ........بالمآسي والمصاعبْ

* * *

رغمَ يأسي من جِراحي ..رغمَ آلافِ المتاعبْ

كلُّ إيماني بربِّي ..........لا أُحابي لا أُعاتبْ

أمرُهُ كُنْ في كتابٍ .......مُحْكَمِ التَّنزيلِ غالبْ

* * *

يا ثناءً في فؤادٍ ...............مؤمنٍ باللهِ تائبْ

يعشقُ الرُّوحَ ويَرقى ...بالهوى أعلى المراتبْ

مَذْهَبٌ في الحبِّ أرْ.......ضاهُ وللناسِ مَذاهبْ


17-6-1977



ناريمان الشريف 03-08-2011 08:01 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام بركات زريق (المشاركة 64114)

قدَّمَ شاعرنا لديوانه (جراح الصميم)
بهذه الأبيات




الإهداء . . . . . . . .



إلى كلِّ من وجد نفسه في الحياة مرغماً أقول :


هذي جراحُ صميمي
سطَّرتُها في كتابي


تشفُّ عمَّا أُعاني
في هدأتي واضطرابي


خمسٌ وستون مرَّتْ
سريعةً كالسَّحابِ


وخلَّفتني وحيداً
على حدودِ السَّرابِ


أبكي عليَّ ودمعي
للموتِ يحدو رِكابي





أعجبتني جداً هذه المقدمة

فتحية للشاعر .. وأخرى لك عزيزي عبد السلام




..... ناريمان

عبد السلام بركات زريق 03-08-2011 08:34 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناريمان الشريف (المشاركة 64498)
أعجبتني جداً هذه المقدمة


فتحية للشاعر .. وأخرى لك عزيزي عبد السلام




..... ناريمان




السلام عليك
الأخت الفاضلة ناريمان الشريف
وتحيتي وتحية الشاعر لك على إطلالتك هنا
تقديري واحترامي

عبد السلام بركات زريق 03-08-2011 08:39 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (9)




لا تُنْكرينِي




أُلقيت بمناسبةِ عيدِ المعلِّم العربيِّ
في المِهرجان المركزي بدمشق
عام 1987




قُصِّيَّ عليَّ حديثَ الحبِّ والتهِبي
وعلِّليني بصافٍ منْ دمِ العِنَبِ


قُصِّي عليَّ حديثاً لستُ أجهلُهُ
لقَّنتُهُ لصغاري في خُشوعِ نبي


فكم تَلوتُ على أسماعِهمْ سُوراً
وكم طبعتُ على أفكارهِمْ كُتُبي ؟!


قُصِّي عليَّ وخلِّي العتبَ واتَّئدي
لا تُكثري اللَّومَ ما للحبِّ منْ سببِ


حملتُ في القلبِ سرَّاً كادَ يفضحُهُ
لولا بقية تَهطالٍ من السُّحُبِ


وجئتُ لاجَعْبتي مَلأى ولا قلمي
ولا لساني يصبُّ الشَّهدَ في خُطبي


أنا المعلمُ لا حالي بخافيةٍ
على الزمانِ ولا سِرِّي بمُحتجِبِ


أعيشُ في عتماتِ اللَّيلِ يقتلُني
من راحَ يرفُلُ في أثوابِهِ القُشُبِ


لولا المعلمُ لم يظفرْ ببارقةٍ
ولمْ يَفُزْ بوسامِ المجدِ والرُّتَبِ


نقشتُ في الشمسِ آياتٍ أنَرْتُ بها
دنيا الطفولةِ في جِدٍّ وفي لَعِبِ


وسرْتُ في موكبِ الأجيالِ أحفزُها
كيما تجدَّ إلى العلياءِ بالطَّلبِ


حتى رأيتُ صغارَ الأمسِ كوكبةً
فرسانَ ملحمةٍ في عارمٍ لَجِبِ


هذا يجولُ بساحِ الطِّبِّ مِبْضَعُهُ
وذاكَ في حومةِ الجلَّى أَغرُّ أَبي


مَهَرتُ كلَّ شهاداتِ العُلى بدمي
فأَيْنَعتْ بثمارِ العلمِ والأدبِ


* * *

لا تُنكريني بلادي أنتِ في كَبِدي
بردٌ وأنتِ لعينيْ رفَّةُ الهُدُبِ


غنَّيتُ باسمكِ آياتِ القريضِ ولم
أبخلْ بمنسجمِ منها ومُضطربِ


لَئِنْ تَهدَّجَ صوتي في تلاوتِها
حقِّي عليكِ فكمْ أعطيتُ لم تَهبي


حقِّي عليكِ إذا أنشدتُ قافيةً
وبلبلُ الدَّوحِ لم يسمعُ ولم يُجِبِ


* * *

أنا النَّدى والهُدى في خافقي ويدي
أنا مطيَّةُ قومي للعُلى فثِبي


لا أسأمُ العيشَ مهما ضاقَ بي وطني
ولستُ أُنْكِرُ لو جارَ الحِمى نَسبي


أمِّي الشَّآمُ وأهلي العُرْبُ قاطبةً
وكلُّ حرٍّ على دربِ النِّضالِ أبي


* * *

لا تُنكريني إذا حمَّلتُ أَمتعتي
على يَراعي ولم أَحضرْ ولم أَغِبِ


فما غِنائي سوى حُبِّي وعاطفتي
وأدمعي وفؤادٍ مُشفقٍ حَدِبِ


لا تُنكريني فما تنفكُّ في كَبِدي
نارٌ تضيءُ لياليْ الهمِّ والنَّصبِ


أَتبخلينَ على حرٍّ يغالبُهُ
جَورُ الزمانِ ولا يَقوى على الغَلَبِ


* * *

عفواً نجيَّ همومي إنْ بكيتُ أسىً
وجاءَ شِعريَ بُركاناً من الغضبِ


أحرقتُ دمعةَ أحزاني على كبدي
فاعجبْ لإحراقِ دمعي أيَّما عَجَبِ


وليسَ مِنْ مُحرقٍ دمعاً بلا سببٍ
لكنَّني لم أزلْ أحنو على السَّببِ


واليومَ أُشفقُ من دمعي على كبدي
حَسْبُ الدُّموعِ فقد أوفتْ على العطبِ


* * *

لا تُنكريني أنا الرَّوضُ الذي رتعتْ
فيه الظِّباءُ وغنَّى الطَّيرُ من طَربِ


قد خابَ سعيُ العِدا للنيلِ من أدبي
لكنَّني في قِراعِ الغدْرِ لم أَخِبِ


أَشُقُّ صَدرَ ظلامِ الكونِ عن وَهَجٍ
كماردٍ من ملوكِ الجِّنِّ مُنتصِبِ


مداهنونَ لهم في كلِّ مُفْتَرَقٍ
وكرٌ تسوَّرَ بالبُهتانِ والشَّغبِ


إنِّي خلعتُ وقاري واستعرتُ لهم
وجهاً تساءلَ عنهُ الناسُ من قُرُبِ


فلا يَغُرَّنْكَ رأسٌ خلفهُ ذَنبٌ
جِحْرٌ الصِّلالِ يلُفُّ الرَّأسَ بالذَّنبِ


* * *

أفدي التي ألهبتْ رُوحي سلافتُها
فأسْكَرتني بخمرِ الحُسنِ والأدبِ


عذراءُ لمَّا تَزَلْ في ثوبِ عفَّتِها
لم تغفُ يوماً على الأرزاءِ والنُّوبِ


تشدو النواعيرُ في أحيائها طَرباً
تُسَلْسِلُ الماءَ للجناتِ كالضَّرَبِ


أحببتُها وبودِّي أنْ أموتَ بها
وتلكَ أُمنيَّتي بل مُنتهى أَربي


فالعيشُ مهما صفا في غيرِ ساحتِها
لو كانَ في جنَّةِ الفردوس لم يَطِبِ


* * *

آذارُ يا عيدنا الغالي وثورتَنا
يا فجرَ مجدٍ على التَّاريخِ والحِقبِ


أَدِرْ على العُرْبِ أكواباً مُعتَّقةً
من خمرةِ الحبِّ لا من خمرةِ العِنَبِ


واحرقْ بخورَ الأماني في مجامرِنا
النصرُ للحقِّ والإيمانِ والعَرَبِ





15-3-1987




عبد السلام بركات زريق 03-09-2011 06:47 PM

المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (10)



تَوَسَّدْ رِمالَ البيْدِ



في رثاء الصديق الشاعر
الكبير علي دُمَّر




توسَّدْ رمالَ البيدِ يا عاشقَ القممْ
ودعني حليفَ الخوفِ والسُّهدِ والسَّقمْ


وأَلْهِمْ يَراعي أنْ يسيرَ على هُدىً
فإنْ ضلَّ صالَ الذِّئبُ واسْتَنْسَرَ الرَّخمْ


ففي خافقي جرحانِ .. جرحٌ أُحبُّه
وأَنكؤُهُ إمَّا تَماثلَ والتَأمْ


وجرحٌ أُداريهِ وأخشى نزيفَه
وينزفُ محموماً فيصرعُني الألمْ


فأحسو دمائي جرعةً بعدَ جرعةٍ
وأغفو على بَرْدٍ وأصحو على ضَرَمْ


وأُبصرُ أَشطانَ الفناءِ تشدُّني
فأَزورُّ عن قبري وأَستبطئُ القدمْ


وأَنظرُ حولي لا أراكَ فأَنثني
أحثُّ الخُطى للموتِ أَهزأُ بالهَرَمْ


ألمْ تكُ خِلِّي يا عليُّ وصاحبي
ونبعَ طُموحي واعتزازي ألمْ .. ألمْ ؟


* * *

فكيفَ تركتَ الأهلَ والصَّحبَ والحِمى
وكيف هجرتَ الحبَّ والشِّعرَ والنَّغمْ ؟


أما كنتَ تتلو الشِّعرَ لحناً مُوقَّعاً
فأسكرُ إبداعاً وأقتاتُ من حِكَمْ


وأسمو إلى سَمْتِ النجومِ وأرتقي
بمجهولةِ* الأحلامِ من هُوَّةِ السَّأمْ


وأغرقُ في بحرِ الحنينِ* مُقيَّداً
بغيبوبةٍ* يَهوى الجمالُ بها الصَّنمْ


فأستنجدُ الإشراقَ* وَهْناً كأنَّني
غُروبٌ بأُفْقِ الكونِ يغتالني العَدمْ


وتسري بيَ الرِّعشاتُ* بعد عواصفٍ*
من الثورةِ الحمراءِ تقذفُ بالحِممْ


فأخلو بنفسي أُدمنُ الدمعَ أَحتسي
كؤوسَ اغترابٍ واصلاً بعضَ ما انصرمْ


* * *

أَتذكرُ كمْ هِمنا على شاطئِ الحِمى
بليلٍ ربيعيِّ النُّسيماتِ لم نَنَمْ


أتذكرُ كمْ أغرى الطيورَ غناؤنا
فصلَّى لنا غصنٌ وسبَّحتِ الأَجَمْ


يطوفُ بنا العُشَّاقُ في كلِّ محفلٍ
طوافَ المُلبِّي يغسلُ الرُّوحَ بالنَّدمْ


وأنتَ تصبُّ الرَّاحَ صِرفاً بجامنا
ونحنُ نعبُّ الشعرَ كالراحِ في شَمَمْ


* * *

وفي حِضنِ بابِ النهرِ* لمَّا تلبَّدتْ
سماءُ الحِمى والأُفْقُ أظلمَ وادلَهَمْ


فقلتَ دعوني للأعاصيرِ إنَّني
أحبُّ هَزيمَ الرَّعدِ والبرقَ في الظُّلَمْ


أحبُّ شتاءً في بلادي هجرتُهُ
فشوقُ فؤادي للشِّتاءِ قد اضطرمْ


* * *

أتذكرُ هذا يا عليُّ ولحظةً
تعرَّيتَ فيها تحتَ ساريةِ العلمْ


وغِبْتَ بماءِ النهرِ وارتاعَ خافقي
وصِحتُ " عليٌّ " قلتَ في نشوةٍ نَعَمْ


أتذكرُ عهداً يا عليُّ قطعتَهُ
ودمعُكَ من حرِّ الوداعِ قد انسجمْ ؟


وأقسمتَ ألا تهجرَ الأهلَ والحِمى
فهلْ كُنتَ بَرَّاً يا عليُّ بذا القسَمْ


* * *

حبيبي . أخي . خِدْني . ملاذي . ومَوئلي
أَتمضي وجوماً ؟ ويحَ شعريَ إنْ وَجَمْ


أَجِبني لقد بُحَّ النداءُ وأنكرتْ
صداهُ القبورُ النائياتُ عن الحَرَمْ


أَجِبني .. أَجِبني يا عليُّ فإنَّما
ندائيْ دميْ ينسابُ من مُقلةِ القلمْ


لعلَّ جواباً منكَ يوقفُ نزفَهُ
فترحلُ آلامي وتنكشفُ الغممْ


لعلِّي إذا ناديتُ باسمكَ هاتفاً
بأروقةِ التاريخِ تسمعُني الأُممْ


أَأُصبحُ في العاصي وتُمسي بِبَلدةٍ
غريباً وحيداً لا أنيسَ سوى الرِّمَمْ ؟


وتُدْفنُ في (الأَحسا) وقبرُكَ دارسٌ
وقبرُ دعيٍّ يسكنُ الحيَّ في عصمْ ؟


أما كنتَ فينا يا عليُّ مُجَلِّياً
ونوراً سماوياً وناراً على عَلَمْ


فكيفَ عشقتَ الأرضَ والأفقُ واسعٌ
وكيفَ ضممتَ الجانحينِ على الحَدَمْ


وهل كُنتَ إلا الطَّائرَ الغَرِدَ الذي
تغنَّى بأمجادِ العروبةِ والهممْ


فهزَّ عروشَ الظُّلمِ بالحرفِ ناطقاً
وأسمعَ بالصَّمتِ المخضَّبِ ذا صَمَمْ


ونادى على الأحرارِ هيَّا إلى الوغى
فأسرعَ جيشُ الحقِّ للسَّاحِ والتحَمْ


وأوقدَ شمسَ الشِّعرِ حتى تضرَّمتْ
تضيءُ دروبَ الصاعدينَ إلى القِممْ


وجرَّدَ سيفاً بالقوافي مرصَّعاً
فزيَّنَ جُدرانَ المقاصيرِ والخِيمْ


وأصدرَ حُكمَ الشعرِ فيمن تطفَّلوا
فكانَ إمامَ الحقِّ والعدلِ ما ظلَمْ


وأَودى بهمْ في مَهْمَهٍ من ضلالِهمْ
فبوركَ من حُكْمٍ وبوركَ من حَكَمْ


فما بالها الأقدارُ تُدمي قلوبَنا
وتُخرسُ صدَّاحاً وتُنطقُ مَنْ بَغَمْ


* * *

تَوسَّدْ رمالَ البيدِ يا خيرَ راحلٍ
عن الدارِ واتركْنا لحوماً على وَضَمْ


سيسألُ عنكَ الدمعُ في كلِّ مجلسٍ
فأعينُنا تَهمي وأدمعُنا عَنَمْ


وما غِبتَ عنَّا يا " عليُّ " للحظةٍ
فإنَّكَ في نبضِ القلوبِ ندىً ودَمْ


نراكَ بأبياتِ القريضِ تغزُّلاً
مُحبَّاً..بريئاً..طاهرَ القلبِ..مُتَّهمْ


أبيَّاً..كريماً..حازمَ الرأيِ..صادقاً
أميناً إذا استُودِعْتَ سرَّاً فكَمْ .. وكَمْ


شقيَّاً بأعباءِ الحياةِ وثائراً
وفيَّاً فلم تَخْفِرْ عُهوداً ولا ذِمَمْ


رضعتَ لبانَ الحبِّ والشِّعرِ والندى
فكنتَ كريمَ الأصلِ والشعرِ والشِّيَمْ


* * *

توسَّدْ رمالَ البيدِ واغفِرْ جنوحَنا
فنحنُ هروبٌ من مُحالٍ إلى عَدَمْ


نُذيبُ شموعَ العمرِ في مولدِ الهوى
ونصهرُ شريانَ الحياةِ على القِيَمْ


ونلْبَسُ ثوبَ الزُّهدِ في العيشِ تارةً
ونُبكي ضميرَ السَّعدِ أُخرى إذا ابتسمْ


ونعشقُ لو يدرونَ قلباً محطَّماً
ونَفنى لإسعادِ الحبيبِ ونُتّهمْ


ولولا قليلٌ من حبيبٍ يشدُّني
لقلتُ : حبيبي في التَّواصلِ كالصَّنمْ


يحبُّ بلا قلبٍ ويَحكي بلا فمٍ
ويرنو بلا عينٍ ويَسعى بلا قَدمْ


فنحنُ حَيارى والليالي كئيبةٌ
ونحن سُكارى نشربُ السُّمَّ في الدَّسمْ


ربيعٌ ولا نيسان يزهو بروضِهِ
وصيفٌ ولا تشرين يطفىءُ ما اضطرمْ


وهذا خريفُ العمرِ يرجو شتاءهُ
أتزهو أمانيْ العمرِ في موسمِ الهرَمْ


توسَّدْ رمالَ البيدِ يا عاشقَ القممْ
لقد بُحَّ صوتُ الشعرِ والشَّملُ ما التأمْ


ونَمْ في عبابِ الرَّملِ واهجُر ظلالَنا
فقبْر الحكيمِ الفذِّ يَحفرُهُ القلمْ



1-4-1985


* * * * * *
إشارة إلى أسماء دواوين الشاعر ...
- المجهولة
- حنين الليالي
- غيبوبة الحب
- إشراق الغروب
- رعشات
- عواصف على هضاب فلسطين


* باب النهر ... من أجمل الأماكن في حماة
حيث تشدو النواعير على ضفاف العاصي



عبد السلام بركات زريق 03-09-2011 06:51 PM

المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (11)

لا تَقتلوا فيَّ القصيدة

أُقتلوني عندما تزعجكمْ منِّي القصيدةْ
أُقتلوني عندما أطرحُ أفكاريْ الوليدةْ
أُقتلوني عندما أحلُمُ بالدُّنيا الســـعيدة
أُقتلوني عندما تبكي جراحاتي العنيدة
أقتلوني عندما أحرقُ أســــفارَ العقيدة
أقتلوني عندما أقرأُ بالفُصــحى جريدةْ
أقتلوني عندما أجمــعُ أشتاتي الطَّريدة
أقتلوني عندما أَقنصُ أطياريْ الشَّريدة
أقتلوني عندما تغفو على صدري شهيدة
أقتلوني لو رأيتمْ أنَّنــــي أبغي مَكـــــيدة
أقتلـــــوني إن سَمعتمْ جملةً منِّي مُفـــيدة
أقتلوني و اقتلوا كلَّ انطلاقاتي المَــجيدة
أقتلوني واقتلوا فيَّ انقساماتي الجــــديدة
أُقْتلوني إنَّما لا تقتلــــوا فيَّ القصـــــيدة


1998

عبد السلام بركات زريق 03-10-2011 03:53 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (12)



عَرُوسُ الشِّعْرِ




أشارتْ بلحظٍ مُترفِ السِّحرِ غامضٍ
فكادَ فؤاديْ كالفراشِ يطيرُ


وقالتْ : أحبُّ الشعرَ أُكتبْ قصيدةً
تغازلني فيها وأنتَ أميرُ


عرفتكَ وقَّادَ العيونِ مُصوِّراً
وغيرُكَ في كشفِ الجمالِ ضريرُ


أما حرَّكتْ شيطانَ شعركَ لهفتي
عليكَ ؟ إذاً واللهِ أنتَ غريرُ


أما كنتَ تعنيني بكلِّ قصيدةٍ
وترمزُ بالأسماءِ ليْ وتُشيرُ


فتُسكرني آياتُ شعرِكَ لوعةً
ويملكُني شوقٌ إليكَ أثيرُ


يداعبُ آمالي يثيرُ عواطفي
فيلمعُ برقٌ في الظَّلامِ ينيرُ


* * *

فقلتُ لها يا " نورُ " عفوكِ إنَّني
أخافُ فما ليْ إنْ وقعتُ مُجيرُ


أخافُ إذا أَلمحتُ ردَّكِ بالنَّوى
ويفلتُ من نُعمى لقاكِ أسيرُ


أخافُ على قلبي تباريحَ جفوةٍ
إذا غاضَ ينبوعٌ وجفَّ غديرُ


وما كنتُ قد مدَّدتُ أيامَ خدمتي
لكسبِ معاشٍ والكلامُ خطير


ولكنَّني واللهُ يشهدُ أنَّني
قصدتُ دوامَ القربِ وهو يسيرُ


وحاولتُ إذكاءَ المودَّةِ بيننا
وتمتينَ حبلَ الوصلِ وهو عسيرُ


فإنِّي مع الستينَ يا " نورُ " عاشقٌ
وعندي لما يَهوى الفؤادُ كثيرُ


أميرٌ أنا للشِّعرِ والحبِّ والندى
وما ليَ في دنيا الغرامِ نظيرُ


وعندي مزايا الحرِّ .. كلُّ مزيَّةٍ
جناحٌ بها للمكرماتِ أطيرُ


فلا تحرُميني من لَماكِ تَعِلَّةً
فوِردُكِ يا أحلى الظِّباءِ نَميرُ


وأنتِ ملاكٌ طاهرُ القلبِ حائرٌ
وحولكِ من نارِ العداةِ سعيرُ


ولستِ وإنْ كابرتِ ناجيةً غداً
فما لكِ فيهمْ مُنقذٌ ونصيرُ


أخافُ على عينيكِ من كلِّ دمعةٍ
تلوحُ ودمعُ الناعساتِ غزيرُ


وأخشى عليكِ السُّهدَ إنْ هيَ صوَّحتْ
أزاهيرُ هذا الحسنِ وهي نذيرُ


وغادرَ فصلُ الزَّهرِ روضَكِ واختفى
وأقبلَ فصلٌ بالشَّقاءِ مَطيرُ


ونفَّرَ طيرَ السَّعدِ عنكِ مخادعٌ
ينقِّبُ في ماضي الهوى ويُثيرُ


تُراهُ يعودُ الحسنُ والزهرُ والندى
ويمرحُ في جوِّ السرورِ كسيرُ ؟!


وتورقُ أغصانُ الخريفِ وتزدهي
رياضُ الأماني والهمومُ تُغيرُ ؟


جمالُكِ رهنُ الدائراتِ عقارباً
ومثلُكِ من يُخْشى عليهِ مصيرُ


فلا تتركي أيامَ حسنِكِ تنقضي
وما لكِ فيها مؤنسٌ وسميرُ


ولا تتركي الآمالَ تذوي بلا هوىً
وعندكِ من يهواكِ وهو جديرُ


ولا تتكريني ضائعَ السَّمتِ يائساً
غريباً على دربِ الجفاءِ أسيرُ


* * *

تعالَيْ لروضِ الحبِّ نقطفُ زهرَهُ
لقد جاءَ من روضِ الهُيامِ بشيرُ


فأنتِ عبيرُ الحبِّ والشوقِ والرِّضا
وما لِسِوى هذا الجمالِ عبيرُ

وما لِسِوى عينيكِ في القلبِ جذوةٌ
فدُنيايَ من وقْدِ العيونِ هَجيرُ


فلا تَحسبيني أُبدعُ الشعرَ جاهلاً
فإنِّي بأسرارِ الجمالِ خبيرُ


وأنتِ على عرشِ الجمالِ مليكةٌ
وإنِّي على مَتْنِ القريضِ أميرُ




1996



عبد السلام بركات زريق 03-10-2011 03:57 PM

المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (13)



وَتَرُ الخُلُودِ



أهوى ويرتعشُ الشَّذا بلَهاتي
فأَبثُّكِ النَّجوى على همساتي


أهواكِ لم يَثِبِ الفؤادُ إلى فمي
إلا بذكركِ عندَ كلِّ صلاةِ


وإذا سكرتُ بذكرِ ربِّيَ خاشعاً
ألقاكِ بين الذِّكرِ والسُّبُحاتِ

* * *


غفرانكَ اللَّهمَ حبّك في دمي
نورٌ يمدُّ القلبَ بالنبضاتِ


وعيونُ من أهوى بنوركَ أشرقتْ
فرفعتُ باسمكَ أخلصَ الدَّعواتِ

* * *


عينانِ هامَ السِّحرُ في جَفنيهما
متألِّقاً كالنُّورِ في مشكاةِ


وفمٌ بحبَّاتِ الجُمانِ منضَّدٌ
والدُّرُّ منتثرٌ من الكلماتِ


وأنا كمُقترفِ الذُّنوبِ لعفوها
أسعى كمنْ يسعى إلى عرفاتِ


أتلو على اسمِ اللهِ آياتِ الهوى
وأذوبُ يصهرُني لظى آهاتي


* * *

أهواكِ يا لَهَباً تأجَّجَ في دمي
فغدا يُشيعُ الدفءَ في رِعشاتي


أهواكِ يا وترَ الخلودِ لشاعرٍ
غنَّى هواكِ بأعذبِ النغماتِ


أهواكِ يا لغةً جعلتُ حروفَها
وقفاً على التَّعبيرِ بالنَّظراتِ


فإذا رنا الطَّرفُ الكحيلُ تزاحمتْ
كُلُّ اللُّغاتِ بأسطرٍ خَفِراتِ


* * *

لا تتركيني دونَ بارقِ مَأملٍ
أسعى لقلبِكِ حائرَ الخطواتِ


أتفيَّأُ الجدرانَ أعشقُ ظلَّها
ويطيرُ بي نظري إلى الشُّرُفاتِ


فإذا خطرتِ حضنْتُ ظلَّكِ واهماً
وإذا وقفتِ بعثْتُ بالقُبلاتِ

وإذا احتواكِ البيتُ واشتعلَ الجوى
وبَعُدْتِ عنِّي لُذْتُ بالعتَباتِ


وهتفتُ باسمكِ في المساءِ لعلَّني
ألقاكِ في الأحلامِ عندَ سُباتي


إنِّي أحبُّكِ يا قصائديَ التي
رتَّلتُ في نغماتها آياتي


لا تحرميني من لقائكِ مرَّةً
في كلِّ وقتٍ كيْ تَصِحَّ صلاتي




1997





عبد السلام بركات زريق 03-10-2011 11:57 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (14)



نَبْضُ الهَوَى



وَعَدَتْني وأخلفتْ بالوعودِ
أتُراها تشاغلتْ بالوليدِ ؟


أم تُراها تمنَّعتْ لاحتراسٍ
من مُريبِ الخُطى وعينِ الحسودِ


* * *

بعدَ عامٍ من الغيابِ أطلَّتْ
بحديثٍ في هاتفي كالنَّشيدِ


وغدا صوتُها يمازجُ صوتي
عَبر سِلكٍ على النوى مشدودِ


وسرى نبضُها يدقُّ فؤادي
فأعادتْ نبضَ الهوى من جديدِ


عندليبٌ مغرِّدٌ أم هزارٌ ؟
أم كمانٌ أوتارُه من وريدي ؟


صاغَها الحبُّ لوحةً من جمالٍ
في خيالي ترقى لسِفرِ الخلودِ


فهي فوقَ العقولِ حُسناً فريداً
بقوامٍ كالمائساتِ فريدِ


تتثنَّى بوارفٍ من حريرٍ
فوقَ ساقٍ تغري وخصرٍ وجِيدِ


وأنا شاعرُ الهوى أتلظَّى
بين نادي الحِمى وجسرِ الحديدِ*


أَذرعُ الدَّربَ جَيْئةً وذهاباً
والثواني نبضٌ بقلبي العميدِ


حائر الخطوِ غارقاً في شرودٍ
أرقبُ الأفْقَ خائفاً من بعيدِ


علَّها تمطرُ السماءُ وفاءً
لوعودٍ بعد انتظارٍ مديدِ


غيرَ أنِّي رجعتُ أسألُ نفسي
عبر موجِ الأسى ببحرِ القصيدِ


أَتُراها تجودُ بعد احتباسٍ
أمْ تُراها تجمَّدتْ كالجليدِ ؟


حطَّمَ المَطلُ أضلُعي وجناحي
وكواني الخذلانُ كيَّ العبيدِ


* * *

ويحَ قلبي يا لهفَ نفسيَ إنِّي
أُشعلُ الوجدَ من بريقِ الوعودِ


ويحَ شعري تغتالهُ بدمائي
إبَرُ الوردِ قبلَ لثْمِ الورودِ


* * *

يا غُصيناً يميسُ هل أنتِ خَجلى
من لقائي رغمَ الحنينِ الأكيدِ ؟


لا تقولي تركتُ قلبي ورائي
وتحرَّرتُ من جميعِ القيودِ


لا تقولي أطفأتُ نارَ التمني
وقتلت الإيمانَ بعد جحودي


لا تقولي .. أدَّيتُ كلَّ فروضي
وتحلَّلتُ من وفاءِ العهودِ


هذه بِدعةٌ أَكبَّتْ كثيراً
في جحيمٍ تقولُ هل من مزيدِ ؟


فتعالَيْ..أولا.. فإنْ جئتِ أهلاً
أو تعمَّدتِ لا وألَّا تعودي


فسلامٌ عليكِ من مُستَهامٍ
يعشقُ الحسنَ كافراً بالحدودِ





1998


نادي الحمى .... أحد نوادي مدينة حماة
جسر الحديد .... جسر معروف في مدينة حماة



إبراهيم النجمي 03-11-2011 12:46 AM

إنِّي أحبُّكِ يا قصائديَ التي
رتَّلتُ في نغماتها آياتي

لا تحرميني من لقائكِ مرَّةً
في كلِّ وقتٍ كيْ تَصِحَّ صلاتي




شاعرٌ عظيم ..
شكرًا لك عبدالسلام لأنك عرّفتني عليه ..
سأبقى هنا



عبد السلام بركات زريق 03-11-2011 10:12 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبراهيم النجمي (المشاركة 64852)
إنِّي أحبُّكِ يا قصائديَ التي
رتَّلتُ في نغماتها آياتي

لا تحرميني من لقائكِ مرَّةً
في كلِّ وقتٍ كيْ تَصِحَّ صلاتي




شاعرٌ عظيم ..
شكرًا لك عبدالسلام لأنك عرّفتني عليه ..
سأبقى هنا



السلام عليك
الأخ إبراهيم النجمي
أهلاً بك أخي الكريم
سعيدٌ بوجودك
تقديري

عبد السلام بركات زريق 03-11-2011 10:16 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (15)




مُسَلْسَلُ حُبّ



دَعي عنكِ الهوى فهوايَ صَعْبُ
مواسمُهُ بها مَحْلٌ وخِصبُ


دَعي عنكِ الهوى لا تدَّعيْهِ
ففي أجوائهِ خوفٌ ورعبُ


تعالَيْ .. بل دعيني في هُيامي
يقلِّبُني على النيرانِ قلبُ


فما كانَ الهوى هجراً وبعداً
ولكنَّ الهوى وصلٌ وقربُ


وأنتِ تُمثِّلينَ الحبَّ دوراً
لهُ بعدَ انتهاءِ العَرْضِ كَسْبُ


فكيفَ رأيتِ تمثيلي ؟ لَعَمري
لقد أتقنتُهُ والدورُ صعبُ


ولمْ أَكُ قبل هذا اليومِ أصبو
لهذا الدورِ فالتمثيلُ صعبُ


ولكنِّي رأيتُ الزَّيفَ يطغى
عليكِ فرحتُ للتزييفِ أصبو


ووطَّنتُ الفؤادَ على التَّحدي
وما لي حينَ يقضي الحبُّ ذَنْبُ


ففي عينيكِ أسرارٌ وعندي
لكشفِ السرِّ خلفَ الغيبِ غيبُ


فأنتِ غريبةٌ عن روضِ حبِّي
وبينكِ والهوى الصوفيِّ حربُ


وبينكِ في الصفاءِ وبين نفسي
حواجز دونَها يَعْيا المُحبُّ


وبينكِ لو سألتِ القلبَ يوماً
وبيني نهرُ أحزانٍ يصبُّ


تغلغلَ في شراييني وأورى
جراحي فالحريق به يشبُّ


وعلَّمني بأنَّ الحبَّ زَيفٌ
وأنَّ الغدرَ بالمحبوبِ عذْبُ


فلا تحلو الحياةُ بغيرِ حبٍّ
رخيصٍ همُّهُ سلبٌ ونهبُ


ولكنِّي برغمِ جموحِ فكري
لنيلِ رضاكِ أنسامي تهبُّ


لعلَّ هواكِ يَصدقُني بوعدٍ
سخيٍّ فيهِ من شفتيكِ سَكْبُ


تعالَيْ وانعمي في ظلِّ أيكٍ
وريفٍ فيهِ نارُ البُعدِ تخبو


أعلِّمُكِ الهوى وتُعلِّميني
يرقُّ لحبِّنا قلبٌ وربُّ







عبد السلام بركات زريق 03-11-2011 10:21 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (16)



إلى الأبدِ




لا تَكذبيني الهوى لا تطعني كَبِدي
يا طفلةَ الحبِّ يا فتَّانةَ الجسدِ


لا تَكذبيني الهوى ما عدتُ مُقترفاً
جريمةَ الحبِّ بين السُّقمِ والسَّهدِ


لا تَكذبيني الهوى ما عادَ يُسكرني
قولٌ يمازجُ بين السُّمِّ والشَّهدِ


لا تَكذبيني الهوى قلبي غدا حجراً
لا تَلمسيهِ فقد يهوي على أحدِ


لا تلمسيهِ بغيرِ الصدقِ وابتعدي
عن موردِ الصدقِ في قلبي فلا تَرِدي


إنِّي لأَدعو على عينيْ إذا نظرتْ
يوماً إليكِ ببعضِ العطفِ بالرَّمدِ


فأينَ أنتِ من الأشواقِ إنْ جمحتْ ؟
وأينَ أنتِ من الإيمان والرَّشدِ


وأين أنتِ وقد جاءتْ على قَدَرٍ
تحنو عليَّ وتَمْلا بالحنانِ غدي


كأنَّها الشمسُ تُحييْ الميْتَ طلعتُها
تهدي الضياءَ فتُصبي النفسَ بالرَّغَدِ


سحريَّةُ الصوتِ إنْ نادتْ سرى بدمي
لحنُ الحياةِ كصوتِ الطائرِ الغَرِدِ


فتَّانةُ الخطوِ إنْ ماستْ على هَيَفٍ
تميلُ كالغصنِ من لُطفٍ ومن مَلَدِ


* * *

أهواكِ يا حلوةَ العينينِ حانيةً
حُنُوَّ أمٍّ وقد خافتْ على الولدِ


أهواكِ يا أملاً وافى على قدَرٍ
ففي هواكِ أحسُّ الكونَ مُلكَ يدي


فقرِّبيني إلى عينيكِ واقتربي
من مُقلتيَّ وهاتي النارَ وابتردي


وكهربيني بأسلاكِ الهوى فدمي
يضيءُ في الحبِّ من قلبي ومن كبدي


إنِّي على عهدِ من أهوى أدلِّلُهُ
وأفتديهِ بروحي لو بَرى جسدي


وأكتمُ اللَّهفةَ الخَجلى ويفضحُها
شِعري وخفقُ فؤادٍ للحنانِ صدي


إنِّي أُحبُّكِ يا أحلى هوىً بَزغتْ
أنوارُهُ في حنايا العمرِ للأبدِ




1992



عبد السلام بركات زريق 03-11-2011 10:24 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (17)




الضِّياءُ المُقَدَّسُ




ما لعينيكِ تَغزوانِ فؤادي
تَسلباني الكرى وطيبَ الرُّقادِ


كلَّما لُذْتُ بالسريرِ تراءى
ضوءُ عينيكِ مُمْعِناً باتِّقادِ


عبثاً أدفعُ السُّهادَ ولكن
دفعَ صيدٍ لقبضةِ الصيَّادِ


فأراني وقد تعذَّرَ نومي
دائمَ الصَّحْوِ راغباً في ازديادِ


أتمنَّى لو أنَّ طيفَكِ يدنو
من سريري ويستبيحُ وِسادي


* * *

يا ندى الأمنياتِ في صيفِ عمري
يا ضيائي في حالكاتِ السَّوادِ


قيِّديني بالنورِ قيداً حنوناً
واصلُبيني على رحيقِ الوِدادِ


كيف لا أعشقُ القيودَ ورُوحي
من ضياءٍ مُقدَّسٍ في اعتقادي


* * *

يا لعينيكِ والربيعُ تهادى
يسرقُ اللونَ منهما في اتِّئادِ


أرشديني إليكِ قبلَ ضياعي
فطريقي محفوفةٌ بالأعادي


وحياتي لو تعلمينَ جحيمٌ
وصُراخٌ يضيعُ في بطن وادِ


في صحارى الضياعِ ضيَّعتُ عمري
باحثاً بين رملِها والقَتادِ


يتهاوى على الرمالِ طموحي
وعلى الشوكِ يستفيقُ جِلادي


كلَّما صُغْتُ للشفاءِ قصيداً
أوغلَ الجرحُ في صميمِ فؤادي


* * *

أنجديني بلهفةٍ من حنانٍ
خلِّصيني من مُوحشاتِ الرَّمادِ


وامنحيني الأمانَ إنْ بُحتُ يوماً
واهجري الخوفَ واسمعي إنشادي


آنَ للمُوجعِ المُسهَّدِ جفناً
أن يرى النومَ بعد طولِ السُّهادِ




1995




عبد السلام بركات زريق 03-12-2011 04:15 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (18)



أَغْرَقتُ أَحْلامِي




أَغرقتُ أحلامي ببحرِ شقائي
ونسجتُ من ليلِ الهمومِ ردائي


أحيا بلا أملٍ يداعبُ مهجتي
وأحسُّ أوردتي بغيرِ دماءِ


سُحُبٌ من الآلامِ تُمطرُ في دمي
يأساً وتتركُني بغيرِ رجاءِ


فيشبُّ في نفسي الشقاءُ وتكتوي
كلُّ الأماني في جحيمِ شقائي


* * *

كفَّنتُ آلامي بليلِ كآبتي
ودفنتُ طفلَ السعدِ في صحرائي


وزرعتُ أوهاماً رويتُ جذورَها
بدمي فأينعَ غرْسُها ببلاء


تتراقصُ الأشباحُ في أغصانِها
إنْ نُبِّهَتْ بالفجرِ والأنداءِ


في كلِّ زاويةٍ بحقلِ غراسِها
صُورٌ من الكتمان والإدلاءِ


وأنا أَهيمُ .. أَهيمُ بين رموزِها
فوضوحُها وقفٌ على الشُّعراءِ


ما بين معجزةِ القريضِ وسحرِها
صِلةٌ تشدُّ الجسمَ بالأعضاءِ


فلرُبَّ قافيةٍ إذا أنشدتُها
عانى خليُّ القلبِ من بُرَحائي


* * *

أستغفرُ الآلامَ تشربُ من دمي
فتثيرُ زَيفَ العطفِ في أعدائي


أنا لن أكونَ مثارَ عطفٍ كاذبٍ
يولي الأذى وشماتةَ اللُّؤماءِ


أنا إن أَكُنْ في الأرضِ غيَّبتُ المُنى
فغداً سأركزُ في السماءِ لوائي


ما ضرَّني فقدُ المدادِ وريشتي
فأصابعي موجودةٌ ودمائي


في كلِّ صبحٍ لي مكائدُ عاشقٍ
تلقى نهايتَها مع الإمساءِ


ما خنتُ من أهوى ولكنْ خانني
كلُّ الذين أًنرتُهُمْ بضيائي


* * *

أنا شمعُ من أهوى أضيءُ ظلامَهُ
وأعيشُ في كهفي وفي ظَلمائي


أَهبُ الضياءَ وأكتوي بلهيبهِ
ودخانُهُ أبداً بأُفْقِ سمائي


أَصْفيْتُ أحبابيْ الودادَ فأَرجفوا
أنِّي أبيعُ الحبَّ في الأحياءِ


لم يدركوا أنِّي نذرتُ لحبِّهم
رُوحي ورُمْتُ حياتَهم بفنائي


* * *

كم كنتُ مخدوعاً بسحرِ عيونِهم
حتى تحوَّلَ سحرهُم لرياءِ


أحببتُهم .. نزَّهتُهم .. ورفعتُهم
فوقَ السُّهى لمعارجِ الجوزاءِ


قد يخطئُ القلبُ المعذَّبُ مرةً
ويضلُّ بحرُ الشعرِ بالشعراءِ


حتى إذا بدتِ الحقيقةُ كالضُّحى
وجلا الوضوحُ الشكَّ بعد خَفاءِ


أَنصفْتُ أحبابي الذين هجرتُهم
جهلاً وعُدْتُ بخَيبتي وحَيائي


فلعنتُ قافيتي التي حمَّلتُها
بالأمسِ كلَّ صبابتي وصفائي


وشددتُ أوتاري وقلتُ لمن أبى
حبِّي وحمَّلني على أشلائي


يا منْ سكبتُ لكم دمي ومدامعي
وتلوتُ فيكم آيتي ودعائي


إنِّي لأغفرُ جهلَكم بمشاعري
فمشاعري تسمو على السُّخفاءِ


سامحتُكُمْ ألفاً وعُدْتُ لمن وعى
حبِّي وآثرني بكلِّ ثناءِ




1983



عبد السلام بركات زريق 03-12-2011 07:38 PM

المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (19)


رَمْيُ الجِمَارِ



بمناسبة حرب تشرين التحريرية




اِرمِ الجمارَ ضحىً كفراً وإيمانا
واتلُ المثانِيَ إسراراً وإعلانا

كُفراً بشهرِ حزيرانٍ ونكستهِ
وجدِّدِ اليومَ في تشرينَ إيمانا

* * *

كم من دعيٍّ بمحرابِ الهوى سقطتْ
عنهُ المسوحُ فعاشَ الدهرَ عُريانا

سوءاتُه لم تزلْ للكونِ باديةً
قد ضاقَ سِتراً بها وانهارَ كتمانا

وزأرةُ الليثِ تُنبي عن توثُّبهِ
وتصعقَ الخصمَ حملاناً وذؤبانا

* * *

يا أمَّةً لم تزلْ للكونِ هاديةً
تزهو بحاضرها فكراً ووجدانا

كم أرضعوكِ الأسى وهناً وقد وهنوا
وحمَّلوكِ الونى زوراً وبُهتانا

كم أشعلَ الحاقدونَ النارَ فانطفؤوا
غداةَ ثرنا بوجهِ الظُّلمِ بُركانا

* * *

تنفَّسَ الصبحُ عن تشرين مؤتلقاً
يلفُّ بالغارِ آذاراً ونيسانا

فأورقَ الأرزُ واخضلَّتْ منابتُهُ
وعانقتْ راسياتُ الشامِ لُبنانا

* * *

أهواكَ يا ملعبَ الأبطالِ يا وطني
أَلهمتَني الشعرَ أفكاراً وأوزانا

علَّمتني كيف أجلو الحسنَ مُنتضياً
له القريضَ تراتيلاً وألحانا

علَّمتني كيف أُزجي الحبَّ قافيةً
عذراء تنهلُّ أشواقاً وتَحنانا

أهواكَ في رفَّةِ الأهدابِ تسحرُني
أهواكَ في ضحكةِ الأطفالِ نشوانا

أهواكَ في الحرب إقداماً وتضحيةً
أهواكَ في السِّلمِ أزهاراً وألوانا

أهوى النواعيرَ والعاصي يغازلُها
وينثني للرياضِ الخضرِ سكرانا

لَكَمْ أَذبتُ بها قلبي وقافيتي
متيَّماً بالجمالِ البكرِ ولهانا

أهواكَ .. أهواكَ .. أهوى كلَّ بارقةٍ
نلقاكَ في أُفْقِها تسمو وتلقانا

إنِّي أُباهي بكَ الدنيا وزُخْرُفها
كما تباهي شَذا عَدْنٍ ضحايانا

* * *

يا شهرَ تشرين هذي الأرضُ ما فَتِئتْ
تَسْتسهِلُ الشوكَ حتى صارَ رَيحانا

تستلُّ من رحم الأحزانِ فرحتَها
فينظرُ الكونُ مذهولاً وغَيرانا

لا يُشعلُ الشَّمسَ إلا زَندُ قادحِنا
ولا يشقُّ الدُّجى إلا سرايانا

* * *

قالوا السلامَ : فقلنا : نحنُ أمَّتُه
وقد وضعنا لحكمِ العدلِ ميزانا

فكم أضلُّوا وضَلُّوا في تَثَعْلُبِهمْ
حتى غدوا من لَظى تشرين فِئرانا

ويطلبون سلاماً في مساومةٍ
ويُضمرون بهذا السلمِ عدوانا

فلْيَعلموا أنَّنا أهلُ السلامِ وقد
صُغنا ملامحَهُ في الساحِ شُجعانا

أوابدُ الحقِّ ما تنفكُّ ماثلةً
تُغري الخلودَ بنا علماً وعُمرانا

هذي الشآمُ وحيَّا اللهُ قائدَها
مُحصَّناً بكتابِ اللهِ إيمانا

سِفرٌ من المجدِ وضَّاحُ السنا عَبِقٌ
تجري العصورُ وتبقى الشامُ عنوانا

* * *

يا غابةَ الليثِ والأشبالِ يا وطني
إنِّي عشقتكَ ميداناً وفُرسانا

من كلِّ أسمرَ وكرُ النَّسرِ ملعبُهُ
ينقضُّ إما تراءى الصِّلُّ عَجلانا

إنَّا بترنا يدَ التوراةِ من كَتِفٍ
لما وصلناكَ إنجيلاً وقُرآنا

غفرانُهُمْ يملأُ الآفاقَ زَنْدقةً
فليسألوا السامريَّ الوغْدَ غُفرانا

من كوثرِ الجرحِ صُغْنا ألفَ ملحمةٍ
فيلسمعوا زمجراتِ الجُرحِ في قانا

فَشُمُّ لبنان لم تبرحْ مسيَّجةً
طرنا لها من راوبي الشامِ عُقبانا

ما زالَ تشرينُ في أحداقنا غضباً
وما لوى عَزْمَنا العنقودُ غضبانا*

* * *

هذي القيامةُ والأقصى وصخرتُه
أهلَّةً تَرقَبُ البشرى وصُلبانا

فليقتلوني على أعتابِ حُرمتِهم
وليصلبوني ببابِ القدسِ عُريانا

ولتكتبوا بدمي رَفْضَ السَّلامِ إذا
كان السلامُ لنا ذُلاً وإذعانا




1996


* إشارةً لعملية عناقيد الغضب
الصهيونية في لبنان

عبد السلام بركات زريق 03-12-2011 07:41 PM



المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (20)




تَمَنِّيَات




كم تمنَّيتُ أن أضمَّكِ لكنْ
حالَ بيني وبينَكِ الرُّقباءُ


كم تشهَّيتُ أن نذوبَ حناناً
في عناقٍ يموتُ فيه الحياءُ


ذوِّبيني يا " نورُ " ذُوْبي بوصلي
واحرقيني يشعُّ مني الضياءُ


أنتِ نارُ الحياةِ تُشعلُ وجدي
وأنا الزهرُ والندى والصفاءُ


وأنا الفجرُ يا احتراقَ الليالي
وأنا اللحنُ والطِّلا والغناءُ


وأنا .. من أنا ؟ شريدٌ .. طريدٌ
ضائعُ السَّمتِ يحتويهِ الشقاءُ


غارقٌ .. عائمٌ .. سقيمٌ .. صحيحٌ
مؤنسٌ .. موحشٌ .. براهُ انطواءُ


شاعرٌ .. ساحرٌ .. عصيٌّ .. مطيعٌ
ظالمٌ .. راحمٌ .. بهِ كبرياءُ


ذوِّبيني على لهيبِ احتراقي
يا احتراقي إذا دهاكِ انطفاءُ


يا اشتعالي وبوحُ عينيكِ يوري
كامنَ الوجدِ فاشتعاليْ ابتداءُ


أرضعيني من ناهديكِ حياتي
يا حياتي فكلُّ ما بي اشتهاءُ


لا تخافي الوِصالَ لا .. لا تخافي
نحنُ في الوصلِ والجفا أنبياءُ




1984



عبد السلام بركات زريق 03-13-2011 04:36 PM



المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (21)



صَوْتُ الثَّأْرِ




بعد نكسة حزيران





ضَمِّدِ الجُرحَ يا أخي وتجلَّدْ
واسلُكِ الدربَ للعلى وتمرَّدْ


واهجرِ اليأسَ والخضوعَ وشيِّدْ
فوقَ هامِ الخلودِ صرحاً مُمرَّدْ


مِرجَلُ الحقدِ في صدورِ الأعادي
يطبُخُ السُّمَّ فلتكوننَّ أحقدْ


قد ضللنا الطريقَ يومَ مَضينا
شِيَعاً في لقاءِ خصمٍ موحَّدْ


* * *

العدوُّ اللئيمُ شادَ حصوناً
في حِمانا ولم يزلْ يتوعَّدْ


والسُّكونُ العميقُ رانَ فقَومي
أظلمَ الحسُّ فيهُمُ وتبلَّدْ


يا لإرثِ الجدودِ أضحى مقاماً
للأعادي وكلُّ شبرٍ تهوَّدْ


والمروءاتُ بالمفاسدِ ذابتْ
جيلنا اليومَ فاقدُ العزمِ مُقعَدْ


ملءُ أشداقهِ الملذَّاتُ سُحقاً
أُيُّها الجيلُ إنَّ وجهكَ أسودْ


أعصلُ النابِ* بين قومكَ لكنْ
في لقاءِ العدوِّ بالساحِ أدردْ


تمضغُ الزَّيفَ غارقاً في خِضَمٍّ
من ذميمِ الصفاتِ بالسُّخفِ مُزبدْ


ثم تحسو بهارجِ العصرِ صاباً
زائغَ القلبِ يا غويُّ مُعقَّدْ


تائه الفكرِ خابطاً في ظلامٍ
تهجُرُ النورَ والحقيقةَ تجحدْ


مُثخناً بالجراحِ تنزفُ سُمَّاً
وجراحُ النفوسِ أضنى وأنكدْ


ثم تغفو على الجراحِ هزيلاً
تندبُ الحظَّ مُهطِعاً تتوجَّدْ


كيف ترضى الحياةَ عبداً وعهدي
بسليلِ الإباءِ والمجدِ سيِّدْ


كيف ترضى الجحودَ والذُّلَّ حتى
أشفقَ الذلُّ أن يراكَ مُصفَّدْ


* * *

أَلهاثاً خلفَ الحضارةِ تقضي
يومَكَ المرَّ لا تفكِّرُ بالغدْ


قم توحَّدْ وجدِّدِ العهدَ واضربْ
إن عشقتَ العلى بكلِّ مهنَّدْ


قمْ تحدَّ المنونَ فالموتُ أهنا
من حياةٍ بها الحقيقةُ تُوْأَدْ


واحطمِ القيدَ وانطلقْ كشواظٍ
آنَ للبغيِ أن يموتَ وتولَدْ


قُمْ تحدَّ الجراحَ أنتَ حرِيٌّ
بالتَّحدي وذي جراحُكَ تشهدْ


لستُ أخشى عليكَ ميْتةَ حُرٍّ
فاغسلِ الأرضَ بالدماءِ تُخلَّدْ


ليسَ عاراً إذا قضيتَ شهيداً
إنَّما العارُ أن تعيشَ مُقيَّدْ


* * *

أُمَّةَ العُربِ أَنجدينا بجيلٍ
يعربيِّ الإبا إذا الخصمُ عربدْ


أنجدينا بخالدٍ وضرارٍ
يركعُ الخصمُ إن حَمَلْنا ويسجدْ


أنجدينا بطارق بن زيادٍ
أرهفَ الفتح سيفه فتجرَّدْ


نحنُ جيلُ الفسادِ يبهرنا الزَّيـ
ـفُ ويغري أبصارَنا كلُّ مشهدْ


كم فتحنا أبوابَنا لدخيلٍ
أجنبيٍّ وبابُ فتحكِ مُوصدْ


كم حملنا معاولَ الهدمِ لؤماً
وهدمنا أساسَ صرحٍ مُشيَّدْ


كم عقدنا الراياتِ من كلِّ لونٍ
وبُنودِ الفداءِ تُطوى وتُبعَدْ


فانكفأنا وراحَ يفتكُ فينا
مخلبُ السُّمِّ كيفما شاءَ سدَّدْ


وحملنا إليكِ عاراً جديداً
أحرقَ القلبَ يا " حزيران " فاشهدْ


* * *

يا رُفاتَ الجدودِ في القدسِ صبراً
إنْ صُلِيتِ اللظى وأُحرقَ مسجدْ


سوف يصحو على روابيكِ فجرٌ
وترفُّ المُنى ويَسطعُ فرقدْ


سوف تشدو بلابلُ الروضِ مهما
طالَ فيه النعيبُ واغتيلَ مُنشِدْ


فغداً نغسلُ الضميرَ ونمضي
وبنودُ الفداءِ للنصرِ تُعقَدْ


لن يموتَ الجهادُ والعربُ فيهم
قَبَسٌ من ضياءِ عيسى وأحمدْ




1968



أَعصلُ الناب .. مِعْوَجُّ الناب

عبد السلام بركات زريق 03-13-2011 07:30 PM




المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (22)






صَرْخَةٌ منْ مَقْبَرَةِ التَّارِيْخ






حمامةُ السلمِ تَستهدي بصيَّادِ
وهامتي لم تزلْ في حِجرِ جلَّادِ


لا تذبحوني قُبيلَ الفجرِ إنَّ دمي
يضيءُ في الليلِ تاريخي وأمجادي


لا تصلبوني قُبيلَ الليلِ وانتظروا
حتى تضيعَ بجَوْفِ الليلِ أعوادي


فلن أَحُجَّ إلى أعتابِ دعوتكم
وفي حِمى القدسِ ضجَّتْ روحُ أجدادي


ولن أصلِّي على ناقوسِ مؤتمرٍ
وفي القيامةِ ناقوسي وإنشادي


* * *

أستغرُ اللهَ ما غيَّرتُ مُعتقدي
ولا جنحتُ إلى كفرٍ وإلحادِ


لكنَّ مقبرةَ التاريخِ في وطني
تثيرُ في صدريَ المطعونِ أحقادي


لقد تحجَّرتِ الآلامُ في كَبِدي
ولمْ أجدْ آسياً فيكمْ لأكبادي


دَعوا جراحيَ تُذكي الثأرَ في دمِ منْ
لم يُولدوا فهُمُ أَولى بإنجادي


لا ترسموا ليَ أبعادي فإنَّ يدي
أحنى على الرسمِ في تحديدِ أبعادي


* * *

أَسْكنتُموني فراغَ العصرِ فاحترفتْ
كفِّي السلاحَ بأغوارٍ وأنجادِ


لا تقتلوني فما عِرضي بعرضِكُمُ
ولستمُ يا دُعاةَ السِّلمِ قوَّادي


ما كانتْ امِّي بغيَّاً في بيوتِكُمُ
ولا أبي امرأَ سَوْءٍ أو بقوَّادِ


وما زنيتُ وأولادُ الحرامِ على
صدري يعيثونَ بينَ السفحِ والوادي


أمِّي العروبةُ إيماناً وتضحيةً
ووالدي السَّيفُ والثُّوارُ أولادي


* * *

كفَّنتموني قُبيلَ الموتِ لا سَلِمتْ
يدٌ تُكَفِّنُني في ثوبِ أعيادي


فكيف تبغونَ موتي والفداءُ على
زَنديَّ يشهدُ أنَّ السيفَ ميلادي


* * *

من خيمةِ الذُّلِّ في الأرضِ العراءِ نما
حقدي وحطَّمَ أغلالي وأصفادي


هناكَ خلفَ حدودِ الموتِ في وطني
آنستُ ناراً فشبَّتْ نارُ أحقادي


مزَّقتُ كلَّ خيامِ الذلِّ واقتلعتْ
ريحُ التَّمرُّدِ تحتَ الليلِ أوتادي


عقدتُ للنصرِ بَندَ الفتحِ فاقتحمتْ
يوم الكرامةِ بابَ الخوفِ أجنادي


* * *

لا أقسمُ اليومَ بالأقصى وصخرتِهِ
بلْ بالدماءِ بأولادي وأحفادي


لن ترجعَ " اللهُ أكبرُ " في مآذنِهِ
ولن ترُنَّ نواقيسٌ بآحادِ


وأنتُمُ بينَ مُسْتَجدٍ يمدُّ يداً
وتاجرٍ همُّهُ للسوقِ إعدادي


يفاوضُ الخصمَ في بُردينِ من ضِعةٍ
بُرْدِ اتفاقٍ وبُرْدٍ نَسْجِ أجسادِ


قد حِيْكَ فوق شِعابِ الأرْزِ واصطبغتْ
خيوطُهُ بدمي من يومِ ميلادي


وفصَّلوهُ بأشكالٍ منوَّعةٍ
وطرَّزوهُ بأزهارٍ وأورادِ


وسارَ عارضُ أزياءِ السلامِ بهِ
والمعجبونَ أتَوا كلٌّ بميعادِ


تجمَّعوا وسيوفُ الثأرِ في وطني
تهتزُّ تلعنُهُمْ من طولِ إغمادِ


دارتْ عليهم كؤوسُ الذلِّ مُترَعةً
حتى الثمالة في مَحوي وإيجادي


وعادَ جسماً بلا وجهٍ يُميِّزهُ
لمَّا تعاوَوا عليهِ بعدَ إجهادِ


كفى المفاوضَ عنِّي أنَّهُ حَمَلٌ
يبغي لمَذأبةِ الأعداءِ إرشادي


* * *

يا ناسكينَ بثوبِ الزُّهدِ في وطني
إنِّي كفرتُ بنُسَّاكٍ وزُهَّادِ


أتسمعونَ ؟ أمِ الإرعادُ أطرشَكُمْ
لمَّا أفقتُمْ على قَصفي وإرعادي


ألا ترونَ ؟ أمِ الأضواءُ تحجبُكمْ ؟!
فلا تبينُ طريقٌ دونَ أرصادِ


هناكَ جُثَّةُ آمالي مُحنَّطةٌ
في متحفِ السلمِ تروي حقدَ حُسَّادي


* * *

يا نادبينَ عفافي إنَّ أدمعَكمْ
أقسى على الطُّهرِ من تمزيقِ أبرادي


رُدُّوا خناجرَكُم إنِّي سأشعلُها
شعواءَ تضربُ طاغوتاً بجلَّادِ


حتَّى تُنوِّرَ أزهارُ السلامِ على
غُصنٍ رطيبٍ كريمِ الأصلِ ميَّادِ



15-4-1978

عبد السلام بركات زريق 03-13-2011 07:40 PM



المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (23)



إِلَى صَغيْرَة



في ضميري تُحرقُ الآلامُ ذكراكِ المريرة
يا نداءَ الزَّيفِ يروي قصَّةَ الغدرِ الخطيرة
يا حصادَ الشوكِ والآلامِ في حرِّ الظَّهيرة
سوف أَطوي دفترَ الأمسِ وقد أمحو سطورَهْ
وأصوغُ اليومَ شعري تحتَ عنوانِ (صغيرة)

* * *

خبِّريني أيُّ أنثى أنتِ لـــــــولا أُغنياتي
خبِّريني أيُّ حُسنٍ فيكِ لـــــولا أُعطياتي
أنا من صاغكِ وهمـاً من فنونٍ مُغرياتِ
أنتِ لولا صدق ما عانيتُ مثل الأُخرياتِ
فلتعــــودي مثلمـــا كنــتِ فقد عُدْتُ لِذاتي

* * *

أنا منْ أحرقتُ في عينيـــــكِ أغلى أمنياتي
ونسجتُ الطُّهرَ ثوباً من حـروفٍ طاهراتِ
كُنتِ في سرِّي وجهري وصيامي وصلاتي
ربَّةَ الشــــعرِ وإلهامــــي ومَجلى خاطراتي
فاخلعي ثوبَ العذارى أنتِ أمُّ ((العابثاتِ))

* * *

أيُّ حلْمٍ مرَّ لم يحســــبْ له العمرُ حســــــابا
عشتُ فيهِ الحبَّ إخلاصاً وغدراً واضطرابا
كلُّ ســــرٍّ كان فـــي عينيكِ أضنـاني ارتيابا
غِبتُ في عينيكِ عن ذاتـــي وأحرقتُ الشَّبابا
وزرعتُ الأمسَ شــــهداً وجنيتُ اليومَ صابا

* * *

لن أقولَ الشِّعرَ في عينيكِ لا ..لا .. لن أقوله
غاضَ نبعُ السـحرِ في عينيكِ لم يروِ الخميلة
وغَفتْ فيكِ أســـــاطيــرُ الهوى تحتَ الرذيلة
وغدتْ كلُّ المعانـــي فــي معانيــــــــكِ قتيلَة
سنَّةُ الكــــونِ تــــجلَّتْ يتبــــعُ الفرعُ أصولَه

* * *

كم أقمتُ الليلَ في ذكراكِ شوقاً وابتهالا
ولَكَــــمْ سبّــــَحتُ في عينيكِ للهِ تعالــى
وادَّعيتِ الطُّهرَ والعفَّةَ مَكـــراً واحتيالا
فاسأليني كيف يغدو الحبُّ وهماً وخيالا
بفمي ألفُ جوابٍ لِمَ أغفــــــلتِ السؤالا

* * *

أظلمتْ حتى حروفُ الشعرِ في وجهِ الرياءِ
عندما الغدرُ تبدَّى منــــــــكِ يهزَا بالوفاءِ
قصةٌ خُطَّتْ بسِفرِ الـــــحبِّ أملاها غبائي
وحديثٌ ماتَ فيهِ السِّــحرُ مخنوق الضِّياءِ
عندليبــــــاً كنتُ أشـــدو يا صيـاحَ الببّغاءِ

* * *

مثلمـــــا صُغْتُكِ بالأمـــسِ ضياءً من لهيبي
مثلمـــا أهديتُكِ الفجـــرَ المُندَّى من شُحوبي
مثلمـا ألبستُكِ الطُّهـــــرَ وأُلبــــــِسْتُ ذنوبي
سوف أنضو كلَّ سِترٍ عنكِ يا كهفَ العيوبِ




29-5-1975




عبد السلام بركات زريق 03-14-2011 05:54 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (24)




رِسالةُ حُبٍّ خَريفيّ




دعيني بأوهامي أعومُ وأغرقُ
فَلي كَبِدٌ من حرِّها تتشقَّقُ


تخافُ إذا ما مسَّها ألقُ المُنى
مكائدَ حقدِ الحاسدين فتُشفقُ


أحبَّتْ وهامتْ واستحالتْ دماؤها
عبيراً على دربِ الأحبَّةِ يعبقُ


تقضَّى شبابي فوقَ أرصفةِ الهوى
يُسامُ ولا يُشرى وعمريَ ينفقُ


وعشتُ ببحرِ الوهمِ أُشرعُ لهفتي
وموجُ بحارِ الوهمِ في الحبِّ يُغرقُ


أخافُ على قلبي وأحنو على الهوى
وأخشى على سرِّي وعينايَ تنطقُ


فكم من حبيبٍ كان يَكْذِبُني الهوى
ويحلفُ بي جهراً وهيهاتَ يَصدقُ


* * *

أحبُّ .. أحبُّ الحبَّ حتى كأنَّني
إليهِ بحبلٍ من فؤاديَ مُوثَقُ


أحبُّكِ يا منْ كنتُ أرجو صباحَها
قُبيلَ غروبي في سمائيَ يُشرقُ


* * *

وأشرقتِ بعد الأربعين وخمسةٍ
فكان صباحاً بالرَّجا يتدفَّقُ


عشقتُكِ والآلامُ تسري بأضلعي
وكنتُ يَؤوساً لا أُحبُّ وأُعشقُ


* * *

ويومَ تناجَينا وكان سبيلُنا
قصاصاتِ أوراقٍ تبوحُ وتنطقُ


شعرتُ بأنَّ الكونَ أصبحَ ملكَنا
بحُلْمٍ سماويِّ الرؤى يتحقَّقُ


حلمتُ بأنِّي في السماءِ مُحلِّقٌ
وحولي عصافيرُ الغرامِ تُحلِّقُ


وأنتِ بقربي في جناحينِ من هوىً
نسابقُ أفلاكَ السماءِ فنَسبقُ


ونقطفُ من زهرِ النجومِ قلائداً
لجيدكِ يا كلَّ الوجودِ تُطوِّقُ


وأنثرُ آمالي عليكِ جواهراً
تظلُّ على دفءِ الهوى تتألَّقُ


وأعقدُ من قلبي بشعركِ ماسةً
تشعُّ على طولِ الحياةِ وتخفقُ


* * *

حبيبةَ عمري لو سمحتِ ببسمةٍ
تندَّى بها صدري الذي يتحرَّقُ


لأغرقتِ أيامَ العذابِ بفيضِها
فيزهرُ عمري من نداها ويورقُ


* * *

دعيني أرى الدنيا بعينيكِ كلَّها
أرى فيهما الأقدارَ تحنو وتشفقُ


فأشرعُ أجفاني لأرسمَ صورةً
أخافُ عليها أنْ تَفرَّ فأُطبقُ


وأغفو على حُلْمٍ شهيٍّ مُؤنَّقٍ
وأنتِ به سحرٌ شهيٌّ مُؤنَّقُ


فلا تحرميني البوحَ لو برسالةٍ
تنامُ على صدري وعطرُكِ يعبقُ




1981




عبد السلام بركات زريق 03-14-2011 10:26 PM



المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (25)



لَوْحَات



من منكمْ يعرفُ أنِّي أسكنُ في قبرٍ مهجورْ ؟!
من منكمْ يسمعُ صوتي يطربُ سكَّانَ الماخورْ ؟!
من منكمْ يعرفُ أنِّي لن أستجدي إشفاقاً
لن أطْلبَ إنعاماً
لن أقبلَ عرضاً ..
لا .. لكنِّي سوف أثورْ .
سأثورُ من القبرِ المهجورِ على الجثَّةْ .
سأثورُ بأروقةِ الماخورِ على الخسَّةْ .
وسأكتبُ تاريخاً أحمرْ .
بيراعٍ من أرضيَ أسمر .
تاريخاً يحكي للأجيالِ حكايةَ حربٍ هَمَجيَّةْ .
بينَ الأشباحِ وبين الذَّاتِ العربيَّةْ .
تاريخاً يستجدي العنوانْ ..
القدس ستبقى عربيَّةْ .. القدس ستبقى عربيَّةْ ..
وسأرمي أعداءَ الإنسانِ بعُرضِ البحرْ .
وأصلي في الأقصى فجراً في عيد النحرْ .
في حفلةِ سلمٍ مشؤومةْ ..
وأمامي امرأةٌ محمومةْ ..
واللوحةُ قاتمةٌ سوداءْ
رسمتْها الخيلُ المهزومةْ .. رسمتْها الخيلُ المهزومةْ ..
في صومعةِ الفكرِ اختلطتْ ألوانُ الرسمِ الزيتيةْ
في لوحةِ صبرٍ فنيَّةْ
وكتبْنا تحت اللوحةِ بيتاً من شعرِ الأطفالْ .
الخطُّ رديءٌ لم يُقرَأْ ....
وأمامَ اللوحةِ أَشعلْنا شمعَ الميلادْ .
أحكمنا إغلاقَ الأصفادْ .
أحرقنا العتمةَ بالأبعادْ .
وأضعنا مفتاحَ التاريخِ ونحنُ نلوِّحُ للحاضرْ .
ونصفِّقَ للآتي الزاهرْ .
ونقيمُ النّصْبَ التذكاريَّ ونرقُصُ للنَّغمِ الثائرْ .
وزليخةُ تهوى الأهراماتْ
أهراماتُ السلمِ الأبديِّ تقامُ على كلِّ الجبهاتْ .
وجريمةُ يوسفَ إعراضُه .
يا يوسفُ أعرضْ عن هذا .
لا تعبثْ أبداً بالحُرماتْ .
السجنُ مصيركَ إن مزَّقتَ الإعلاناتْ
لتُؤوِّلَ أحلامَ السجناءِ المَنسيِّينْ
وتكيلُ الحبَّ لتطعمَ كلَّ الشَّحاذين
في عصرِ التَّهديدِ المُجدبْ
نستجدي كلَّ المُنتفعين
نسترضي حتى البيَّاعين
في لقمةِ عيشٍ مسمومةْ
وأمامي امرأةٌ محمومةْ
واللوحةُ قاتمةٌ سوداءْ
رسمتها الخيلُ المهزومةْ .. رسمتها الخيلُ المهزومةْ .


* * *

في صدري أغنيةٌ قُتِلتْ
بحرابِ اليأسِ المسمومةْ
وبعينيْ صورةُ عاريةٍ سمراءَ تستَّرُ بالأوراقْ .
أوراقُ جرائد يوميَّةْ .
وبسمعي حشرجةٌ ونُواحْ .
لا تقتلني لستُ الفاعلْ .
لا تقتلني لستُ القاتلْ .
لا تقتلني لستُ السفَّاحْ .
فهناكَ بمحكمةِ الموتى عقدٌ ونكاحْ .
زوَّجنا الظلمةَ للمصباحْ .
وأقمنا في الدارِ الأفراحْ .
لكنَّ الظلمةَ عاتيةٌ والريحُ تُحطِّمُ كلَّ جناحْ .
هربَ الفرسانُ من الحلبة .
وبنوا من حبَّتِهِمْ قبةْ .
في قطعةِ شعرٍ منظومةْ .
وأمامي امرأةٌ محمومةْ
واللوحةُ قاتمةٌ سوداءْ
رسمتها الخيلُ المهزومةْ .. رسمتها الخيلُ المهزومةْ


* * *

في بيتي أشباحٌ سكنتْ
تَستَرِقُ السمعَ من الجدرانْ .
في النومِ وفي الصحوِ أراها .
برغيفِ العيشِ أرى شيطانْ .
بالملحِ بقهوةِ سهرتِنا ،
بالسُّكَّرِ في عُلبِ الدُّخَّان .
لكنِّي أكتمُ أنفاسي
أختبئُ بجوفِ الأرماسِ ،
لأُعدَّ القهوةَ للسهرةْ
بين الأحياءِ الأمواتِ .
أَصِلُ الماضي برؤى الآتي
وبمقبرةِ الفكرِ الحرَّةْ ،
أتحدَّى الفكرةَ بالفكرةْ ،
في حفلةِ عُرسٍ مشؤومةْ ،
وأمامي امرأةٌ محمومةْ
واللوحةُ قاتمةٌ سوداءْ
رسمتها الخيلُ المهزومةْ .. رسمتها الخيلُ المهزومةْ


* * *

بيديَّ سأنتزعُ الأشواكَ
من الأزهارِ الصيفيَّةْ .
وسأزرعها في جَوفِ الليلِ
بعصْفِ رياحٍ شتويَّةْ .
كي تزهرَ ناراً ونصولا .
وسأنقشُ صورةَ أبناءِ الشُّهداءِ
على علمِ الوحدةْ
علم التحريرِ المتحدِّي
في جبلِ الزيتونِ الأخضرْ .
ليقومَ البحرُ الميِّتُ ، قبلِ فناءِ البحرِ الأحمر،
ويمزِّقَ أكفانَ اليأسِ
المنسوجةِ في أقبيةِ العار
زنزانات العصرِ الغارقِ بالدُّولار
زنزانات الفكرِ الحرِّ يموتُ غريباً في الظُّلمةْ .
لتعيشَ خفافيشُ العتمةْ .
وتبيضُ الحيَّةُ في القمةْ ،
وأنامَ على جُرُفٍ منهار .
لكنِّي أُقسمُ : لن أُقبرْ ،
وسأوقدُ مصباحاً أحمرْ .
فالأخضرُ غابَ من اللوحةْ
وطريقُ الثورةِ مرسومةْ
رسمتْها أحجارُ الأطفالْ ،
رغمَ الفرسانِ المهزومةْ
وأمامي امرأةٌ مسجونةْ
واللوحةُ ناصعةٌ بيضاءْ
رسمتها الأيدي المشحونةْ .. رسمتها الأيدي المشحونةْ


* * *

انظرْ ... في الزاويةِ اليُسرى
شمسٌ حمراء اللونِ بغيرِ شعاعْ .
نقشتْ لتدلَّ على الإبداعْ ،
لتحاولَ باللونِ الإقناعْ ،
لتحوِّلَ أفكارَ المتفحِّصِ للألوان ،
لتشتِّتَ أفكارَ الإنسان ،
لتجمِّدَ فُوَّهةَ البُركانْ
كي تزهرَ أغصانُ الأشجارِ بغيرِ ربيع
وتسقسقَ أسرابُ سنونو
في أرضِ صقيعْ .
والدُّبُّ الماجنُ يتسلَّى
بصناعةِ كُرةٍ ثلجيَّةْ ،
قد وضعَ بداخلِها حَجَراً .
ليشجَّ1 بها رأسَ الثور
المتغطرِسِ في ميدانِ صراعْ .
الحَكَمُ
تحيَّزَ في الحَلَبةْ .
واللعبةُ صارتْ مكشوفةْ .
كشفتها جاريةُ السُّلطانْ ،
في ليلةِ عشقٍ مجنونةْ ،
واللوحةُ ناصعةٌ بيضاءْ
رسمتها الأيدي المشحونةْ .. رسمتها الأيدي المشحونةْ .





عبد السلام بركات زريق 03-15-2011 08:41 PM




المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (26)




نَحْنُ التحَدِّي





بالسجْنِ نقذفُ أمْ بالنارِ نستعرُ
سيانَ لكنَّنا حتماً سننتصرُ


فلتَحْشِدوا بغيَكمْ في وجهِ ثورتِنا
نحنُ القضاءُ بوجهِ البغيِ والقدرُ


ما غيَّرَ الدهرُ منَّا طيبَ مَحْتدِنا
هنا نزارٌ .. هنا قيسٌ .. هنا مُضرُ


لو تعِقلونَ لما اخترتُم مصارعَكمْ
أو تُبصرونَ لما أودى بكم بَصَرُ


إنْ غرَّكمْ أنَّ فينا من يساومُكم
فنحن كالنارِ لا تُبقي ولا تَذَرُ


نحنُ انتفضنا وأقسمنا وفي يدنا
لكُلِّ دبَّابةٍ سارتْ بكم حَجَرُ


هيَّا اجْمَعوا كيدَكم واستنفروهُ لظىً
يضجُّ من نَتْنِهِ سهلٌ ومنحدرُ


وامشوا على جُثَثِ الأطفالِ طاهرةً
فكلُّ جُثَّةِ طفلٍ سوف تنفجرُ


ستستحيلُ دماءُ الطفلِ عاصفةً
تودي بكم فدمُ الأطفالِ مُنتصرُ


هذي أصابعه في الساحِ ما برَحتْ
مرفوعةً رغمَ أنَّ الطفلَ يُحتَضَرُ


لن تقتلوا فكرةَ التحريرِ في دمهِ
لن تقتلوها ولو في كفِّهِ ظفُرُ


شمس التحدي فلا واللهِ ما سطعتْ
إلا وكان بها من وقْدِهِ شَرَرُ


* * *

إنِّ لأَلْمَحُ تحتَ الليلِ بارقةً
بُشراكِ يا قدسُ هُبِّي أورقَ الشَّجرُ


هُبِّي .. تَرَيْ غابةَ الأشبالِ لاهبةً
تُوري الجحيمَ على منْ باسمكِ اتَّجروا


هذا الخليفةُ يحدو سيْرَ ناقتهِ
اللهُ أكبرُ لاحَ الفجرُ يا عمرُ


* * *

نحن التحدي ذُرا الجولانِ شاهدةٌ
على جبينِ العلى آياتُنا غُرَرُ


ما ضرَّنا طولُ ليلِ الغادرينَ فمِنْ
جُرْفِ الظلامِ ضياءُ الفجرِ ينتشرُ


كم قارعتْنا الليالي السودُ مُزجِيَةً
جيشَ الظلامِ وعند االفجرِ يندحرُ


إنَّ غرسنا وروَّينا الغراسَ دماً
وفي غدٍ من دمانا يعبقُ الزَّهَرُ


لقد طلعنا على الدُّنيا عمالقةً
يا ثورةَ الطفلِ شُدِّي يولَدُ الظَّفَرُ


* * *

غنَّيتُ مجدَكِ يحدوني هوى وهوىً
الخالدانِ دمُ الأطفالِ والحجرُ


طاروا أبابيلَ لم تخطئْ حجارتُهم
رؤوسَ من بسلاحِ الغدرِ قد نَفروا


دَكَّتْ معاقِلَ " صُهيونٍ " أناملُهم
فجيشُ " صُهيون " عصْفٌ راحَ ينتشرُ


هنا التّحدي سلاحُ الطفلِ أَنْمُله
وجعبةٌ من حصى سجِّيل تنهمرُ


* * *

وحين ترتفعُ الأصواتُ داعيةً
إلى السلامِ بثوبِ الخِزيِ تأتزرُ


تقيمُ في أعيني الرُّؤيا وتبهرُني
دماءُ طفلٍ ويسري في دمي خَدَرُ


كأنَّما حلبات الفتحِ غادرها
من كان للضَّرباتِ البِكرِ يبتكرُ


(كلَّا) سنكتبُها بالسيفِ من دمنا
على ضريحِ شهيدٍ تربهُ عَطِرُ


* * *

فصابِروا .. رابطوا .. تحيا أناملكم
فالنصرُ رايتُهُ وقفٌ لمنْ صبروا


عاشتْ سواعدُكم ..عاشتْ حجارتكم
عاشتْ عظامٌ بفأسِ الحقدِ تنكسرُ


من راحَ يطلبُ سلماً في مُساومةٍ
فإنَّهُ آبقٌ يا أُمَّتي قَذِرُ


إنَّا شَحَذنا بإصرارٍ حجارتَنا
فَلْيَمجْعوا كيدَهمْ حتماً سننتصرُ



1989



عبد السلام بركات زريق 03-15-2011 08:44 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (27)




حِكَاياتٌ بَائسَةٌ





لا تقولي قُتلَ الحبُّ وماتْ ..
يا بلادي ..
نحنُ في دربِ الهوى أشلاءُ حبٍّ تنتظرْ
وشظايا من دمىً ملتهبةْ .
بين أنقاضِ البيوتْ .
نسهرُ الليلَ ونحكي عن بطولاتِ الجدودْ .
عن كُليبٍ وأبي زيد الهلالي .
عن بطولاتِ ابن شدَّاد المغامرْ .
ونُفاخرْ .
كلُّنا يحكي ولكنْ أيّ معنىً للكلام ؟!
شيخُنا فأرٌ يخافُ السُّمَّ
كسرةِ خبزٍ يابسةْ
كلُّنا أنقاضُ أجسادٍ
براها الجوعُ والحرمانُ في أرضِ النفوسِ البائسةْ .
إنَّنا نمشي عراةً خلفَ أثوابِ المبادئ .
نُلْبِسُ الجدرانَ آلافَ العباراتِ المضيئة .
نرفعُ الأعلامَ في ضوءِ المصابيحِ الحزينة .
نوقظُ الأطفالَ في اللَّيلِ
على صوتِ الأناشيدِ القديمة .
وعلى أرصفةِ اليأسِ نبيعُ الأمنياتْ .
ونتاجرْ ..
سلعٌ نحنُ .. وتجَّارٌ بأطفالٍ
نُقامِرْ ..
بشفاهٍ جفَّفتها عضَّةُ الجوعِ
نُقامِرْ ..
بأَكُفٍّ شقَّقتها قبضةُ الفأسِ
نُقامِرْ ..
ونلوكُ الصمتَ في الليلِ الشتائيِّ
المُخيفْ ..
ونُقامِرْ ..
حول نارِ المدفأةْ
أيضاً نُقامِرْ .
نرسمُ الأبعادَ في جَوفِ الفراغاتِ الكئيبةْ
ونُقامِرْ ...
نتمنَّى أنْ يطولَ الليلُ كي نُنهي الحكاياتِ العتيقةْ .
ونُقامِرْ ...
نملأُ الجوَّ سُعالاً ودخاناً
ورِياءْ ...
نحن لسنا أنبياءْ
نحن لسنا أتقياءْ
إنَّما نحنُ جذورُ الوهمِ
يروينا الفناءْ .
لمحةٌ نحن من الماضي بتاريخٍ مُعاصرْ .
فكرةٌ زُجَّتْ بسِفرٍ ساذجِ الأفكارِ
كافرْ ..
قطرةٌ نحنُ ببحرٍ زاخرِ الأمواجِ
ثائرْ ..
وجراحاتٌ تُغنِّي ..
في سراديبِ الشَّقاءْ .
مرحباً يا أصدقاءْ .
ليلنا همٌّ وغمٌّ
نحنُ لا نهوى الضياءْ .
نحن نسْجٌ في الزوايا
من خيوطِ العنكبوتْ
قد وُلدْنا لنموتْ
إنَّما عشنا لتحيا في دمانا الأوبئةْ .
جثثٌ نحن تحنَّطْنا فأغْرَيْنا
الحضارةْ .
لم نزلْ نحلمُ بالكفِّ التي تهدي الحياة
نبدأ التاريخَ طفلا
بعدما يمضي الغزاة
ونُغنِّي
لا تقولي قُتلَ الحبُّ وماتْ
يا بلادي
نحن في دربِ الهوى أشباحُ حبٍّ تَنْتَظرْ .
لم نزلْ نحلُمُ بالكفِّ التي تهدي لنا أسيافَنا
حُمْراً خَضيبة .
أيُّها الغارقُ بالدُّولارِ
في أرضِ الحكاياتِ العجيبة .
أيٌّها الرافعُ صرحاً
من تواقيع كئيبة
وغريبة ..
سوف تأتي الكفُّ حتماً سوف تأتي
عندها يشهقُ تُجَّارُ القماقم
ونقاومْ ..
كلُّ نبضٍ في دمانا سيقاومْ ..
رغمَ تجَّارِ القماقمْ
سنقاومْ
آهِ يا خبزَ المآتمْ ...
آهِ يا عصرَ الجرائمْ ...
مثلما جئتَ ستمضي دونَ مَغنمْ
وسَتعلمْ
يومها حتماً سَتعلمْ
أيُّنا في الساحِ أقوى قَدَما
أيُّنا في الساحِ أعلى عَلَما
أيُّنا في القولِ أمضى قلما
لا تقاومْ
لا تُساومْ
قصةُ السلمِ طلاسمْ
لا تقاومْ
زغبُ الأمسِ قوادمْ
لا تساومْ
إنَّني أصبحت نَسرا
أَقحَمُ الأجواءَ جهرا
لا تقاومْ
إنَّني أطلبُ ثأرا
إنَّني أُوقظُ فجرا
إنَّني أصنعُ نصرا ... وأُغنِّي
لا تقولي قُتِلَ الحبُّ وماتْ ...
يا بلادي
نحنُ في دربِ الهوى (أضواءُ فجرٍ تنتشرْ)




1979


عبد السلام بركات زريق 03-16-2011 05:28 PM



المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (28)




تَصَوَّفَ الشِّعْرُ




في تكريم الأستاذ الشاعر
المربي الكبير عمر يحيى






عفواً براعم آمالي فديتُ هوىً
لا تذبُلي فهو في جنبيَّ يستعِرُ


تفتَّحي نوِّري أغصانَ دوحتِهِ
حتى يعطِّرَ جوَّ الدوحةِ الزَّهَرُ


هذي المواسمُ من نايٍ وقافيةٍ
راحتْ تغنِّي على أنغامِها العُصُرُ


تصوَّفَ الشعرُ في محرابِها ومضى
يهتزُّ من طربٍ إمَّا شدا عُمَرُ


فللضِّفافِ رئاتٌ من تنهُّدِهِ
وللنواعيرِ من قيثارِهِ وَتَرُ


وللطيورِ تسابيحٌ مرتَّلةٌ
وللأزاهيرِ بوحٌ مُسكِرٌ عَطِرُ


وللمنابرِ يومً الروعِ زمزمةٌ
تُتلى بحرمتِها الآياتُ والسُّورُ


* * *

يا مبدعَ السحرِ هَبني منكَ مغفرةً
إنْ لمْ يكرِّمْكَ مِمَّنْ أُبعدوا نَفَرُ


هُم من عرفتَ لهم في الشعرِ مملكةٌ
هم النبيُّونَ إنْ أهلُ الحمى كفروا


* * *

حسبي أُذوِّبُ ألحاني على كَبِدي
ومن بقايا كرومِ العمرِ أعتصرُ


لولا الحياءُ لَما أسكنتُ قافيتي
فليس في أَضلُعي خوفٌ ولا حَذَرُ


لكنَّني رغمَ ما في الصمتِ من حِكَمٍ
والصمتُ أبلغُ في آذانِ من وقروا


أقولها ورَحى الآلامِ تطحنُني
لا يعتريني بها ضَعفٌ ولا خَوَرُ


ما نحن إلا تباشيرُ الصباحِ على
أضوائنا يولدُ الإيمانُ والظَّفَرُ


أَلفيتُ كلَّ عظيمِ الشانِ مُتَّجِراً
بشأنهِ فهو في عينيَّ مُحتَقَرُ


خلِّ العتابَ فقد شطَّ الغرورُ بهم
(إنَّ الفَراشَ على الأضواءِ ينتحرُ)


ونَفِّضِ الوهمَ عن عينيَّ إنَّ يدي
مشلولةٌ وجناحي اليومَ مُنْكسِرُ


كأنَّني وسيولُ اليأسِ تجرفُني
شِلوٌ يسلِّمهُ للقاعِ منحدَرُ


أجارني الدمعُ يوماً فاستَجَرتُ بهِ
وخانني يومَ أعشى ناظريْ القدرُ


فرحتُ أحرقُ أمسي في جحيمِ غدٍ
ما زلتُ أسألُه برداً وأنتظرُ


* * *

يا حاديَ الركبِ ألحانُ الفِدا عجَبٌ
من عبْقرِ الشعرِ لا زَيفٌ ولا أَشَرُ

ما للقريضِ غدا يهذي به نَفَرٌ
شاؤوا العمايةَ حتى كادَ ينحسرُ


عابوا الأصالةَ فينا فانتضوا قلماً
تضجُّ من نتْنِهِ الألفاظُ والصورُ


وأوغلوا في غموضِ الرمزِ فاحترقوا
بمارجٍ من بروجِ الشمسِ ينفجرُ


خطّوا على الشاطئِ الرمليِّ نهجَهمُ
فإن طغى الموجُ لم يثبتْ لهمْ أثرُ


والمرجِفون تبارَوا في دوائرهمْ
حتى إذا لفَّهُمْ إعصارُنا قُبروا


وقامَ فوقهمُ العملاقُ منتصِباً
يمناهُ في الشمسِ واليُسرى بها القمرُ


ففي المجرَّةِ أصداءٌ مجلْجِلةٌ
تُحيي الأصيلَ وفي سَمْتَيْهِ تبتكرُ


* * *

يا مُسمِعَ الصُّمِّ أوتاري مقطَّعةٌ
أتتْ عليها رياحُ الغدرِ والغِيرُ


لم يبقَ منِّيَ مِنْ ظلٍّ تُؤرْجِحُهُ
أشعَّةُ الضوءِ في فَوديَّ تنكسرُ


ثم استدارتْ على قلبي فشابَ هوىً
يُدمي حناياهُ ظلًُّ الهُدْبِ واالحَوَرُ


وفارعٌ* بُتِرتْ ساقاهُ يسألُني
متى أسيرُ ؟! وتسري في دمي إبرُ


فأعطنِي الصبرَ والصمتَ الذينِ هما
سرَّا سموِّكَ في دنياكَ يا عمرُ


* * *

يا بلبلَ الدوحِ حسبي منكَ أغنيةً
يعودُ لحنُ الهوى والعمر يزدهرُ


أَسَرَّ في شاطئِ العاصي هواكَ بمن
أضناكَ في حبِّها التَّسهيدُ والسهرُ


فرحتَ تملأُ أكوابَ الهوى غُرراً
وكنتَ تحرصُ ألا يُنشَرَ الخبرُ


لكنَّه الشعرُ يا للشعرِ كم كشفتْ
آهاتُه ألفَ سِترٍ كان يستترُ


* * *

أستغفرُ اللهَ لا صبري بمنقطِعٍ
ولا سلوكيَ ظمآنٌ ولا بَطِرُ


لكنْ سمعتُ بجَوفِ الليلِ حشرجةً
كأنَّ مجدَ بلادي اليومَ يُحتَضَرُ


هوِّنْ عليكَ فهذي حالُ أمَّتنا
غِرٌّ يصولُ وشيخٌ عظمُهُ نَخِرُ


باعوا فلسطينَ .. باعوها بلا ثمنٍ
باعوا الدماءَ وفي أسواقِها سَكروا


من ذا يردُّ لقُدسِ اللهِ عزَّتَه
هل يَنتخي " خالدٌ " هل يَنبري " عُمَرُ " ؟


إنِّي سمعتُ بأرضِ الشامِ زَمجرةً
" اللهُ أكبرُ " جندُ الحقِّ قد نَفروا


بوركتِ يا شامُ يا مهدَ النضالِ على
صخرِ التحدّي سيقضي البغيُ يندحرُ


* * *

" أبا طريفٍ " وكمْ لبَّيْتَ مُندفِعاً
هذا النداءَ وكمْ أوعزتَ فَأْتَمروا


حسبُ المجالسِ إنْ آراؤها اختلفتْ
في مُعضلِ الأمرِ رأيٌ منكَ مُبتكَرُ


براعمُ الأمسِ أفذاذٌ عباقرةٌ
على خطاكَ مَشوا فانهارتِ الجُدُرُ


يروونَ للدهرِ عنكَ اليومَ ملحمةً
هامَ القريضُ بها فانسابتِ الصورُ


قلَّدتَها من كنوزِ الدُّرِّ خالدةً
يَبلى الزمانُ ولا تَبلى لها أُطُرُ


لئنْ تهدَّجَ فيها الصوتُ أرعدَه
مزمجِرٌ في الضميرِ الحرِّ مقتَدرُ


ما أنصفوكَ فهل في الدارِ مُستمعٌ
لما نقولُ وهلْ في الحيِّ مدَّكِرُ


* * *

يا واهبَ الصحبِ أوتارَ القريضِ على
أنغامكِ البكرِ ما صاغوا وما ضَفروا


هذي التسابيحُ آياتُ البيانِ على
لألائها يرقصُ الإلهامُ والوترُ


وذا " عُكاظٌ " أقاموهُ على قَدَرٍ
فراحُ يسكرُ من أنخابهِ القدرُ


وأنتَ فيهمْ إمامُ الشعرِ لا عجبٌ
إنْ كرَّموكَ فقد وفُّوا بما نَذروا





* المقصود هنا شقيق الشاعر
(غازي) وقد بُترتْ ساقاه إثر حادث



عبد السلام بركات زريق 03-17-2011 01:15 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (29)




على ثَراكَ سَلامُ




في إحياء ذكرى شاعر العاصي
المرحوم بدر الدين الحامد






أَشرقْ فأنتَ على الزمانِ تَمامُ
وانشرْ ضياءكَ فاالقريضُ ظلامُ


واعصرْ كرومكَ في الدنانِ قصائداً
تصحو بها جامٌ وتسكر جامُ


واملأْ كؤوسَ الشاربينَ فإنَّهم
عشقوا خمورَ المُلهَمينَ فهاموا


لولاكَ ما جرتِ الحروفُ على فمي
شعراً تَهيمُ بسحرهِ الأفهامُ


أنا ما عرفتُ الشعرَ إلا حينما
هبَّتْ على أجيالِنا أنسامُ


* * *

يا " بدرُ " ألسنةُ القريضِ فصيحةٌ
لا يَعتريها اللَّبسُ والإيهامُ


كنتَ المُحلِّقَ كالسحابِ بأُفْقِنا
ولكَ البروقُ على الزمانِ تًُشامُ


للهِ صوتُكَ .. ما يزالُ بمسمعي
يحدو الجلاءَ وتخفقُ الأعلامُ


والأرضُ من فرحٍ تُزغردُ والسما
تزهو وآياتُ القريضِ مُدامُ


والشعُب كلُّ الشعبِ يهتفُ عالياً
إنَّا بلغْنا ثأرَنا يا شامُ


* * *

يا " بدرُ " ما بالُ الدَّوائرِ* في الحِمى
خرِستْ فلا شدوٌ ولا أنغامُ


أين العذارى الحالمات وأين مَنْ
عشقوا الجمالَ فأقعدوا وأقاموا


ومجالس الأُنسِ التي كلِفتْ بها
هذي الضفافُ ونهرها البسَّامُ


في صُحبةٍ ملكوا النفوسَ وضمَّهم
عِقدٌ يُنضِّدُهُ هوىً ووئامُ


فنجيبُ* يشدو والبلابلُ تنتشي
والزهرُ حولَ المنتدى أكمامُ


وعلى الضفافِ عرائسٌ مَجلوَّةٌ
وعلى الغصونِ المائساتِ حمامُ


في جنَّةٍ صاغَ الإلهُ جمالَها
لا شاعرٌ فحلٌ ولا رسَّامُ


ما بينَ دَهْشَتِها* وبِشْرِيَّاتِها*
يصفو الشرابُ وتسكرُ الأحلامُ


ورياضها حبِّي تُبادلُني الهوى
ونسيمُها بين الرُّبا نمَّامُ


عاشتْ على مرِّ العصورِ أبيَّةً
يزهو بها الأخوالُ والأعمامُ


إنِّي أُقدِّسُها وأعشقُ تربَها
فعليكِ يا رمزَ الفداءِ سلامُ


* * *

يا " بدرُ " أوتارُ القريضِ تقطَّعتْ
لمَّا تَطاولَ خارصٌ رجَّامُ


جاروا على ألقِ الأصيلِ فأظلموا
ومضوا إلى ليلِ الدَّخيلِ وناموا


يتقيَّؤونَ على الطُّروسِ وينبري
قلمٌ يباركُ قيأَهمْ هدَّامُ


تَعبوا على مُهَجِ السطورِ وأتعبوا
لا الوحيُ يسعفُهمْ ولا الإلهامُ


أمَّا قصائدهم فليتكَ سامعٌ
لا شاعرٌ فيهم ولا نظَّامُ


هم عُصبةٌ كفرتْ بإرثِ جدودِها
فكأنَّهم في هَذرهم أعجامُ


تتسلَّقُ الأبراجَ وهي كسيحةٌ
لا الجسمُ يحملُها ولا الأقدامُ


فتعودُ للأوكارِ تنعقُ في الدجى
وصدى النعيقِ الكفرُ والآثامُ


* * *

يا " بدرُ " كَمْ كَبَتِ الجيادُ وكم نبا
في الساحِ من بعدِ الجلاءِ حُسامُ


والعَبْشميُّونَ الذين عرفتَهم
ماذا أقولُ وهل هناكَ كلامُ ؟


كانوا إذا نارُ الجراحِ تضرَّمتْ
صلّوا على ألقِ الجراحِ وصاموا


واستعذَبوا طعمَ الشهادةِ في الوغى
ودمُ الفداءِ على الصدورِ وسامُ


خطّوا بأسفارِ الجهادِ ملاحماً
بدمائها تتعطَّرُ الآلامُ


* * *

يا " بدرُ " في كَبِدي الجراحُ تقرَّحتْ
ويكادُ يحملُني لها استسلامُ


أحيا ليالي الهمِّ أُحرِقُ أدمعي
تغتالني الأوهامُ والأسقامُ


وكأنَّني ما عادَ يُلهبُ جمرتي
من بينِ أكوامِ الرمادِ ضِرامُ


لا صاحبٌ أشكو إليهِ ولا أَخٌ
فبعيدُهم وقريبهم شتَّامُ


يتصيَّدونَ إذا هفوتُ خطيئةً
وعليَّ من أخطائهمْ أكوامُ


والعفوُ عندي شيمةٌ أسمو بها
والغدرُ عندهُمُ هوىً ومَرامُ


* * *

يا " بدرُ " هَبْ لي منكَ لفتةَ ناصحٍ
فعلى جميعِ مَقاطعي استفهامُ


شعبٌ يُشرَّدُ في العراءِ ومَوطنٌ
في ظِلِّ ألويةِ السلامِ يضامُ


والغدرُ ينشرُ كالغُرابِ جناحَهُ
وجناحه التأبيدُ والإعدامُ


حتى أتى تشرينُ والتهبَ الثَّرى
وتحطَّمتْ في زحفِنا الأرقامُ


فنسورُنا في الجوِّ تحصدُ جمعَهم
وغرابُهم تحت النسورِ حُطامُ


شقَّتْ جحافلُنا الظلامَ فأشرقتْ
شمسٌ لها فوقَ الشآمِ دوامُ


* * *

يا " بدرُ " قد عَصفَ النوى وتقطَّعتْ
من بعد ملحمةِ الفِدا أرحامُ


شعبٌ بأرض الرافدينِ مُجوَّعٌ
تغتالُه الأعرابُ والأعجامُ


جاروا عليهِ وأرهقوهُ وما جنى
ذنباً ولكنْ ذنبهُ الحُكَّامُ


* * *

يا " بدرُ " ملحمةُ النضالِ طويلةٌ
يحدو كتائبَ زحفِها ضِرغامُ


عصرٌ به الدُّولُ العظامُ تقاسمتْ
وعلى القسائمِ صُفَّتِ الأزلامُ


فتفجَّرتْ هِمَمُ الطفولةِ عندما
سقطَ الكمِّيُ وحُطِّمَ الصَّمصامُ


* * *

قُمْ شاهدِ الأطفالَ من كَبِدِ اللظى
أحجارُهم بأكفِّهم ألغامُ


يرمونَ بالحَجَرِ الوريِّ كتائباً
فتُزمجرُ الوديانُ والآكامُ


ومُلثَّمونَ يخافُ برقَ عيونهم
تحتَ اللثامِ مُخاتِلٌ حاخامُ


يتنافسونَ على الشهادةِ كلَّما
عزَّ الفِدا والبذلُ والإقدامُ


* * *

يا " بدرُ " عفوكَ ما تلوتُ قصيدةً
إلا تثاءبَ حاسدٌ لوَّامُ


ومضى يعاتبُني ويزعمُ أنَّهُ
باسمِ الأُخوَّةِ ناصحٌ خدَّامُ


فإذا استوى العملاقُ في وثباتِهِ
بالحاسدينَ فكلُّهم أقزامُ


* * *

يا " بدرُ " في صدري تموتُ قصائدٌ
تبكي على إشراقِها الأقلامُ


عبثاً أحاولُ أنْ أشدَّ خيوطَها
للنورِ فهْيَ على الظلامِ حرامُ


فاغفرْ إذا جَمحَ القريضُ وعقَّني
فالصمتُ أدهى والخُطوبُ جِسامُ


يا " بدرُ " فاتِحتي لروحكِ كلَّما
ظهرَ الهلالُ على ثراكَ سلامُ






1991



*الدوائر ... النواعير المشهورة في حماة
*نجيب ... هو المُغنِّي نجيب زين الدين
*الدهشة ... اسم ناعورة قرب مسجد أبي الفداء
*البشريات ... نواعير معروفة بجمالها




عبد السلام بركات زريق 03-17-2011 05:33 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (30)





مَوْتُ العَبَاقِرَة





في رثاء الشاعر
والمُربِّي عُمر يحيى





جَسَداً يموتُ العبقريُّ ويُقْبَرُ
لكنَّه أبداً يعيشُ ويكبرُ


يحيا بفكرِ التّابعين براعماً
ظمأى يُروِّيها البيانُ فتزهرُ


وتطلُّ أعراسُ الضياءِ فينتشي
من كلِّ عُرسٍ في الضياءِ ينوِّرُ


* * *

يا حاديَ الرُّكبانِ قفْ بي لحظةً
علِّيْ أرى عُمَراً بركبٍ يخطرُ


يجري الزمانُ ولا تُصَدُّ خيولهُ
يطوي جسومَ المبدعين ويعبرُ


وتعيشُ إبداعاتُهم لا تنطوي
خمراً يعتِّقُها الزمانُ فتُسْكرُ


في كلِّ كأسٍ من سُلافةِ كرمِها
سحرٌ لأصحابِ البلاغةِ يُبهرُ


تترشَّفُ الألبابُ عذبَ فراتِها
فتهيمُ في سُوَرِ البيانِ وتَسْكرُ


* * *

يا صاحبَ الذكرى عرفتكَ شاعراً
يشدو على فنَنِ الجمال فيسحرُ


قمْ من ثراكَ فلا وربّكَ ما انتهتْ
سورُ البيانِ على المنابرِ تُنذرُ


وامسحْ دموعَ القانطينَ وقلْ لهم
لا يقنطوا فالشعرُ فينا كوثرُ


يجري على شَفةِ اليراعِ قصائداً
غرَّاء في ختمِ الأصالةِ تُمهرُ


* * *

" أأبا طريفٍ " لستُ آخرَ شاعرٍ
يحدو الأصيل لعطرِ روضِكَ ينشرُ


لكنَّني أحدُ الذين تسلَّموا
دربَ الأصالةِ في الظلامِ فأبصروا


ومشوا على سَنَنِ الجدودِ مواكباً
تَترى يتيه بها القريضُ ويفخرُ

* * *


يا مُسكرَ الأجيالِ كأسكَ أترعتْ
والصائمونَ على خموركِ أفطروا


من كلِّ داليةٍ بكرمكَ أينعتْ
أعنابُها سوَرُ البيانِ تَقطَّرُ


قمْ نادِ أربابَ الوفاءِ فإنَّهم
رهنُ النداءِ قلوبُهم تتفطَّرُ


واشربْ على النغمِ الأصيلِ سُلافةً
من غرسِ كفِّكَ في المواسمِ تُعصرُ


* * *

يا صاحبَ القلمِ الربيعيِّ الرؤى
حسبي أراكَ مع الملائكِ تسمرُ


حلَّ الخريفُ وأقفرتْ سُبُلُ الهُدى
وهوتْ منائرُ واستُبيحتْ أَبحُرُ


إنِّي لأتهمُ الزمانَ وأهلَهُ
بالزَّيفِ إلا قلَّةً لا تُذكرُ


صبغوا لِحاهُم بالدماءِ وتوَّجوا
هاماتِهم بالذّلِّ ثمَّ تبخَّروا


من كلِّ مقهورٍ يجرُّ ذيولَهُ
خَزيانَ في بُؤرِ الأذى يتكبَّرُ


عربٌ ولكنْ لا سبيلَ لجمعِهم
والذئبُ بين جموعهمْ يتنمَّرُ


فانظرْ ألستَ ترى السلامَ مطيَّةً
عرجاءَ يركبُها الكسيحُ الأبترُ

* * *


يا مَنْ صَليتَ لظى النضالِ لقد مضى
جيلُ النضالِ وجاءَ جيلٌ يكفرُ


تعبتْ أناملُه فنامَ يراعُه
وصحا على مُهَجِ السطورِ يثرثرُ


وأتيتُ في زمنِ الجحودِ مدجَّجاً
والحرفُ من خطرِ القنابلِ أخطرُ


تتفجَّرُ الكلماتُ فهي صواعقٌ
فوق الرؤوسِ بهمسةٍ تتفجَّرُ


إنِّي لأُقسمُ باليراعِ مُجنّحاً
وجناحُه علمُ المُقاتلِ أحمرُ


لا يلأمُ الجرحَ الأبيَّ وثائقٌ
تُطوى على السِّلمِ الهزيلِ وتُنشرُ


* * *

يا خالداً كالبدرِ يا علماً غدا
ذكرى يداعبُها الحنينُ فتُسفرُ


ذكرى تُحيّينا فتُحيي شوقَنا
وتمرُّ مثل سحابةٍ لا تُمطرُ


ذكرى تُدغدغُ في النفوسِ عواطفاً
مشحونةً بالدمعِ إذْ نتذكَّرُ


تتلمَّسُ الأجيالُ نُبْلَ مسارِها
فتلمُّ حبَّاتِ الجمالِ وتنثرُ


* * *

يا مُلهمي سورَ البيانِ قصائداً
هلَّا ذكرتَ زمانَ جئتكَ أَعثرُ


وتلوتُ عذرائي فقلتَ لي اتئدْ
واقرأْ على مَهَلٍ ورحتَ تُكبِّرُ


وتقولُ أطربني فإنَّكَ شاعرٌ
فذٌّ وفي جنبيكَ يكمنُ عَبقَرُ


وغداً أراكَ مع الكواكبِ كوكباً
تسمو بآفاقِ القريضِ فتُبهرُ


* * *

يا خالدَ الذكرِ الكريمِ تحيَّةً
من شاعرٍ بَخَبيءِ سرِّكَ يجهرُ


قَرُبَ اللقا وتنزَّلتْ سورُ الهدى
وهفا الفؤادُ فلن أُطيلَ .. سأحضرُ





1998




عبد السلام بركات زريق 03-17-2011 05:36 PM



المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (31)





نُورٌ على نُوْر





لكِ .. لا لغيركِ أزهرتْ كلماتي
فصفاءُ وجهِكِ واضحُ القَسَماتِ


نفْسٌ كما المشكاة شعَّ ضياؤها
مصباحُها يجلو ظلامَ حياتي


شفَّافةٌ كزُجاجةٍ قدسيَّةٍ
وسناؤها ينسابُ في خَلواتي


عزفتْ على وترِ الجراحِ نشيدَها
فهفا الفؤادُ لأعذبِ النَّغماتِ


وسَمَتْ لعلِّيِّين تهزأُ بالدُّنى
وتُقيمُ ليلَ السُّهدِ بالصلواتِ


فكأنَّها حوريةٌ هبطتْ إلى
دنيا الشقاءِ فآنستْ قبساتي


أحببتُها للطُّهرِ للأَلقِ الذي
مُذْ كنتُ طفلاً ضاعَ في الفلَواتِ


أَرِدُ السَّرابَ ولا أُكذِّبُ لمعَهُ
أبغي ضياعَ الوقتِ في الحسَراتِ


كم من بعيدٍ كنتُ أركضُ خلفَه
حتى وَهتْ خلفَ المُنى خطواتي


ستونَ عاماً بل تزيدُ ولم أجدْ
إلَّاكِ من يُصغي إلى همساتي


ستونَ .. لم تمسحْ دموعَ كآبتي
كفٌّ تلمُّ العِطرَ من عَبَراتي


* * *

يا بنتَ داليةِ الصفاءِ عواطفي
عنقودُ آمالٍ بكَرْمِ مهاةِ


أَوَ تُدركينَ بأنَّ حبَّكِ في دمي
يَسري فتُسرِعُ في اللِّقا نَبَضَاتي


عوَّذتُه من كلِّ وسواسٍ غوى
ووقفتُهُ للهِ في سُبُحاتي


فتَخيَّري بين اللقا وقطيعةٍ
تُودي بنفْحِ أزاهرٍ عَطِراتِ


وخُذي يَراعي واكتُبي لي أحرفاً
إنِّي أخافُ الخوفَ من كلماتي


فأنا وراعفةُ الهمومِ وما أرى
حولي يؤكِّدُ للمُنى وثباتي


تستنفرُ الكلماتُ جيشَ مواجعي
وتحطِّمُ الأيامُ صُلبَ قناتي


ولقد أتيتُ إليكِ أحملُ خافقي
فترفَّقي بالعتْبِ والنظَراتِ


واستنطِقيهِ إذا رغبتِ لعلَّه
يُنبيكِ عن سهري وعن آهاتي


أو قلِّبيهِ براحتيْكِ وأَيقظي
نبضَ الحياةِ وفجِّري صبواتي


إنِّي أخافُ عليكِ منكِ فخفِّفي
إمَّا عتبتِ حرارةَ النبراتِ


وتحمَّلي هفواتِ قلبٍ مُولعٍ
يبغي الصفاءَ وسامحي هفواتي


أو .. فاتركيني للشقاءِ وأَجْمِلي
بالهجرِ كي لا تُمعني بأَذاتي


فأنا إمامُ العاشقين وخافقي
وقفٌ لأهلِ اليُمنِ والبركاتِ


ولأنتِ شريانٌ دمايَ سَرتْ بهِ
وصفاؤها يَجْلو عَمى مِرآتي


وحنينُها عبقُ الوفاءِ على المدى
وضياؤها سطعتْ به آياتي


فدَعي رحى الأيامِ تطحنُ ما بدا
عفواً ولا تقِفي على عثراتي






1998





عبد السلام بركات زريق 03-17-2011 09:24 PM



المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (32)




الخَالِدَان




منابرُ الشعرِ ما للشعرِ يَختصرُ
والشمسُ ترقصُ والآفاقُ تعتمرُ


تُباركُ الشامَ مُذْ حلَّتْ ضفائرَها
وازَّينتْ فتبارى الشعرُ والوترُ


لقد تمخَّضَ فجرُ الشامِ عن أسدٍ
هو الذي في ضميرِ الغيبِ يُنتظَرُ


ألقتْ عليهِ عروسُ الشامِ مئزرَها
وأسفرتْ عن جمالٍ زانَهُ خَفَرُ


فأرهفَ الكونُ آذاناً وأفئدةً
وهبَّ يسألُ سِفرَ المجدِ ما الخبرُ ؟


تمايلَ الغارُ مزهوَّاً على بردى
وراحَ يقرأُ والتاريخًُ يفتخرُ



* * *


تسعٌ وعشرونَ يا تشرين راقصةٌ
فيكَ الأماني بأفْقِ الشامِ تزدهرُ


تسعٌ وعشرونَ ما زلَّتْ بنا قَدمٌ
وحافظُ العهدِ في أُفْقِ الهُدى قمرُ


سِرنا نصحِّحُ أهدافاً تُوحِّدُنا
يحدو مسيرتَنا الإشراقُ والزَّهَرُ


كأنَّ مُفتَرقَ التاريخِ واعدَنا
في شهرِ تشرين حيثُ المجدُ ينتظرُ


فالأرضُ من فرحٍ بالزهرِ حاليةٌ
بالطيبِ غارقةٌ بالحُسنِ تأتزرُ


إنَّا طلعنا على الدنيا عمالقةً
يا أمَّةَ العُرْبِ شُدِّي يَقدحُ الشرُ


شُدِّي تَريْ غابةَ الأشبالِ لاهبةً
وجحفلُ النصرِ كالطُّوفانِ ينفجرُ


* * *

كم حاولَ العابثونَ الليلَ فانكفؤوا
وجوههم بترابِ الخِزيِ تنعفرُ


باعوا الضمائرَ في أسواقِ سادتِهم
وأجمعوا أمرهم للكيدِ وأتَمروا


وجاء تشرينُ تصحيحاً ومَلحمةً
تجلو مواسمَهُ الآياتُ والسُّوَرُ


فاستيقظتْ حَلَباتُ النصرِ والتأمتْ
كلُّ الجراحِ وغنَّتْ باسمِنا العُصُرُ


وأبحرتْ في خِضَمِّ العصرِ بارجةٌ
يقودُ دفَّتَها للنصرِ مُقتدِرُ


هبَّتْ عليها رياحُ الغدرِ عاصفةً
بِجُنحِ داجٍ وحامتْ حولَها الغِيَرُ


لكنَّ أشرعةَ الإيمانِ ما فتِئتْ
تصارعُ الريحَ يلويها وينحسرُ


طَوراً تشقُّ عُبابَ الموجِ صامدةً
وتارةً لاجتلاءِ السَّمتِ تنتظرُ


حتى استقرَّتْ على التاريخِ رافعةً
بيارقَ النصرِ حتى صفَّقَ القدرُ


* * *

يا شهرَ تشرين كم أسكرتَ قافيتي
من غَرْسِ كرمِكَ راحُ الشعرِ تُعتَصَرُ


غنَّيتُ مجدَكَ يحدوني هوىً وهوىً
الخالدانِ دمُ الأطفالِ والحَجَرُ


طاروا أبابيلَ لم تُخطئْ حجارتُهم
رؤوسَ منْ بسلاحِ الغدرِ قد نَفروا


دكَّتْ معاقلَ صُهيونٍ أناملُهمْ
فجيشُ " باراك " عَصْفٌ راحَ ينتشرُ


هتافُهم شقَّ أبراجَ السماءِ ولم
يسمعْ هتافَهُمُ بالسلمِ مُتَّجِرُ


مضى إلى الخصمِ محمولاً على سُرُرٍ
من الخيانةِ حتى ناءتِ السُّرُرُ


يجرُّ أشلاءَ سِلمٍ راحَ صانعُه
ينضو الوَقارَ وبالتَّهريجِ يأتزِرُ


وراحَ يحلُمُ في حشرٍ يمنِّعُه
وذنبُه لم يعدْ في الحشرِ يُغتَفرُ


ويَدَّعي صحوةً في كرمِ من غَدروا
وكيف يصحو وفي أعصابِهِ خَدَرُ


معاصرُ الخمرِ حولَ الكرمِ قائمةٌ
لكلِّ من غابَ في أجوائها عذرُ


هذا يُقدِّسُ عنقوداً ويأكلُهُ
وذاكَ يلعنُ عنقوداً ويَعتصِرُ


ما بالكمْ يا ثعابيناً مُحنَّطةً
تَجمَّدَ السُّمُّ فيها وانتهى الخطرُ


أتدخلونَ جحورَ الخوفِ مظلمةً
وترقصونَ إذا ما ساءكمْ خبرُ


فلا فحيحُ الأفاعي باتَ يسعفُكم
ولا التلوِّي على مزمارِ من غَدروا


تشقَّقتْ صخرةُ المِعراجِ وانطلقتْ
أشلاؤها في كهوفِ الجُبنِ تنفجرُ


وأذَّنَ الفجرَ طفلٌ شابَ مُذْ نَبتتْ
أسنانُه ونما في كفِّهِ ظُفُرُ


وراحَ يَملا زُجاجاتِ الرِّضاعِ لظىً
أَكْرِمْ بطفلٍ كما البركان يستعرُ


تزهو بكفَّيْهِ أزهارُ الفتوحِ وفي
عينيهِ يبتهلُ الإيمانُ والظَّفَرُ


لا تسلبوا الطفلَ أحجاراً يفجِّرُها
لا ترسموا الليلَ في عينيهِ يا صُوَرُ


شُدُّوا على يدِه هاتوا له حجراً
يزغردُ التُّربُ والأشجارُ والحجرُ


* * *

يا حاضِنينَ جنينَ السِّلمِ في رَحِمٍ
مات السلامُ به في عُرسِ منْ كَفَروا


ماتتْ زهورُ الأماني في مواسمِكم
وأينعَ الشوكُ حتى اسَّاقطَ المَطَرُ


وأرعدتْ سورةُ الإسراءِ قائلةً
يا ويحَ قوميَ كم هانوا وكمْ صغروا


غداً ستُقتَلُ آلافُ النذورِ على
صخرِ المُحالِ فهل تُغنيهُمُ النُّذرُ


غداً ستولدُ أشباحٌ على دمِهمْ
تحتَ الظلامِ ويروي غرسَهم كَدَرُ


أَيوأَدُ الحقُّ في قبرِ السلامِ ولا
سمعٌ لمُجتمعِ الدنيا ولا بصرُ


وأيّ راعٍ لشاةِ السلمِ يذبحُها
بنَصْلِ " فيتو " على عَمْدٍ ويعتذرُ


ويغسلُ الرايةَ الحمراءَ من دمنا
حتى إذا حانَ وقتُ الذَّبحِ تنتشرُ


ويدَّعونَ سلاماً أيّ مهزلةٍ
هذا الذي باسمِ حقِّ النقضِ ينكسرُ


* * *

يا عاقدينَ سلاماً في مظلَّتكم
يقضي السلامُ ويحيا الغدرُ والأَشَرُ


يُقهْقِهُ العارُ في ماخورِ مجلسِكم
والعدلُ تحت سريرِ الأمنِ ينتحرُ


تَرهَّلَ القومُ أفكاراً وأفئدةً
فكلُّ قولٍ عن التحريرِ مُختَصَرُ


* * *

ماذا أقولُ لأحفادي وأصغرُهم
منذُ الرضاعِ يهودَ الكونِ يحتقرُ


ماذا أقولُ لهم بل كيف أزجرُهم
إذا تحفَّزَ في أيديهُمُ حجرُ


أبكي على الشعرِ أعواماً حملتُ بها
كبرَ النضالِ فشابتْ في دمي الفِكَرُ


منْ لي بسيفٍ شآميٍّ أُجرِّدُهُ
على الرقابِ فلا يُبقي ولا يَذَرُ


* * *

غنَّيتُ فجركَ يا تشرينُ قافيةً
عذراءَ يسكرُ فيها النايُ والوترُ


سَلْسَلْتُها من دمي حمراءَ لاهبةً
وما شربتُ وجرحي راعفٌ عَطِرُ


تغزو الهمومُ شراييني مُسمِّمةً
فينزفُ القلبُ في صدري وينفطرُ


وأقطعُ الليلَ في البُؤسى أُداعبُها
وفي النهارِ أرى الأحلامَ تُحتَضَرُ


حتى أفقتُ على صوتِ البشيرِ وقد
تنفَّس الصبحُ فالأضواءُ تنتشرُ


ودَمْدَمتْ في سماءِ الشامِ راعدةً
اللهُ أكبرُ هذا الغيثُ ينهمرُ


هذي الشآمُ وحيَّا اللهُ حافظَها
فالنورُ بالغارِ في تشرين ينضفرُ


غداً تعودُ على الجولانِ رايتُنا
خفاقةً ويعودُ الأُنسُ والسمرُ


غداً نُجهِّزُ للفاروقِ ناقتَهُ
وتهتفُ القدسُ أهلاً عُدْتَ يا عُمَرُ





عبد السلام بركات زريق 03-18-2011 03:26 PM



المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (33)





حَصَادُ الذِّكْرَيَات







عمري رهينُ اللظى والشوكِ والسَّقمِ
حملتُ جُرحي من الميلادِ للهرمِ


هذي التضاريسُ تكويني حرائقُها
أنا الشريدُ بها بحثاً عن الدِّيَمِ


مجرَّبٌ عند قومي ما صبأتُ ولمْ
أَسجدْ بمعبدِهم للنارِ والصنمِ


أُخفي عن الناسِ آلامي أُهدْهدُها
وفي قرارةِ نفسي يغتلي ألمي


وألعقُ الجرحَ حتى أنتشي ندماً
كمن يحاولُ دفعَ الخطبِ بالندمِ


وأُطعمُ النارَ من شحمي وأوردتي
حتى أُضيءَ ليالي اليأسِ والسَّأمِ


* * *

عندي شريطٌ حصادُ الذكرياتِ به
سجَّلتُه بالمُدى حيناً وبالقلمِ


في كلِّ ليلٍ له عرضٌ يؤرِّقُني
أنا البريءُ به في دورِ متَّهمِ


لو يحملُ الصخر لاهتزَّ الجنينُ به
من حانثيْنَ أمامَ الصخرِ بالقَسمِ


* * *

أستغفرُ الشعرَ كم أحزنتُ قافيةً
سلبتُ منها ابتسامَ الفجرِ في الظُّلمِ


وقفٌ أنا لحرابِ الغدرِ تنهشُني
وبين يأسي ونارِ الغدرِ ضاعَ دمي


عارٍ أمامَ جميعِ الناسِ يسترُني
ثوبُ الوضوحِ وهذا السترُ من قِيَمي


ما عابَني غيرُ قومٍ لا خَلاقَ لهم
كأنَّهم وفدُ إسرائيل في الأممِ


يَروونَ عني حكاياتٍ ملفَّقةً
لأنني النَّسرُ أَبغي شاهقَ القممِ


* * *

يا منْ زرعتُ بشطَّيْكِ المُنى فَذوتْ
لم تنجُ واحدةٌ من قبضةِ العدمِ


وأنتِ بالظلمِ دون العدلِ راضيةٌ
والحقُّ أشهرُ من نارٍ على عَلَمِ


إني أحبُّك حتى لو هدرتِ دمي
حتى العبادة أنت الوحيُ في حَرمي


تنزَّلتْ فيكِ آياتُ الهوى سُوَراً
رغمَ الجحودِ فلم أعتبْ ولم أَلُمِ


أستغفرُ الوجدَ كم غالبتُه فطغى
بين الضلوعِ كسيلٍ جارفٍ عَرِمِ


فرحتُ أكتبُ ما شاءَ الهوى ويدي
رغمَ ارتعاشٍ بها تحنو على قلمي

* * *


أنا الندى يا لظى عمري الذي نَضبتْ
منه المواسمُ إلا ساحرَ النغمِ


هذا جناحيْ الذي حطَّمتُه فغدا
يَدِفُّ بين بروجِ الوهمِ والرُّجمِ


أضحى فحيحُ الأفاعي لحنَ أغنيتي
والعندليبُ قضى في حَوْمةِ التُّهمِ


والسُّمُّ يغزو شراييني وأوردتي
فكلُّ جرحٍ بقلبي غير مُلتئمِ


أستغفرُ الجرحَ إنْ عزَّ الأُساةُ لقد
حمَّلتُه فوق ما حُمِّلتُ في شَممِ


* * *

يا باسطاً كفَّ عرَّافٍ وتقبضُها
ترمي حُصيَّاتِها كشفاً عن الهمم


أقصرْ .. لعنتُكَ لا تنطقْ بواحدةٍ
فَهمَّتي وُئدتْ في دارةِ النِّقمِ


لو أنَّ زرقاءَ جاءت تجتلي أثَري
كذَّبتها فأنا والقومُ في صَممِ


أضحتْ مجامرُنا في الدارِ خامدةً
لمْ نضطَّرمْ رغمَ ما في الحيِّ من ضَرَمِ


كم صَيحةٍ مِلْءَ سمعِ الكونِ رافضةٍ
وما انتخى لصداها أيُّ معتصِمِ


كأنَّ خيل الزحوفِ البُلْقِ أجفلَها
ذاكَ الهديرُ من الغُربانِ والرُّخُمِ


وكم شهيدٍ على محرابِ مُغْتَصَبٍ
مضرَّجٍ بدماءِ الطُّهرِ في الحرمِ


ما هزَّ عرشاً ولم نثأَرْ لمصرعهِ
إلا بأُغنيَّةٍ غربيَّةِ النغمِ


نهزُّ أردافنا رقصاً إذا انطلقتْ
وننتشي بصدى الآهاتِ و" النَّغَمِ "


أستغفرُ الموتَ إنْ شقَّتْ براثنُه
قبري ولم أنتفضْ من رقدةِ العَدَمِ


* * *

يا والغينَ دمي كالنارِ ملتهبٌ
لا تسفحوهُ على منظومةِ الأُممِ


أو فاسفحوه لتَلقوا حتفَكم فدمي
صواعقُ الموتِ يُوري الأرضَ بالحممِ


إنِّي لأقسمُ والأيامُ شاهدةٌ
لسوف أَنتعلُ الأحقادَ يا قدمي


عهدُ التظلُّمٍ والتحكيمِ قد طُوِيتْ
أوراقُهُ أُحرِقَتْ في حضرةِ الحَكَمِ


إنِّي شحذتُ دمي بالحقِّ فالتهبتْ
جوانحي وصحا العملاقُ في خِيَمي


غداً أُكَسِّرُ أقلاماً بكتْ حُرَقاً
ويُخْرِسُ الغضبُ الخلَّاقُ كلَّ فمِ


غداً سأَغسلُ تاريخي وأورِدتي
غداً أسيرُ على الأحياءِ والرِّممِ





1990




عبد السلام بركات زريق 03-18-2011 05:12 PM


المصدر
ديوان جراح الصميم
رقم القصيدة (34)





مَنْ يَشْتَري مِنِّي الضَّمِيْر






جاءتْ تبادلني الهوى بفتورِ
وترُشُّ عطرَ الوصلِ فوقَ سريري


حوريَّةٌ هبطتْ عليَّ تقودُني
عبرَ العصورِ إلى سحيقِ عُصورِ


تمشي على التاريخِ تسحبُ خلفَها
شَعراً جدلْتُ سوادَه بشُعوري


عُريانةً خلعتْ ملابسَ طُهرِها
سَحَراً بقصرِ الواهمِ المغرورِ


طَوراً تبادلُني العناقَ وتارةً
تهتزُّ مثلَ الخائفِ المقرورِ


* * *

فسألتُها من أنتِ ؟ قالت : إنَّني
جنِّيَّةٌ من عالمٍ مسحورِ


خلَّفتُ كلَّ الراكعينَ لظالمٍ
الساجدين لسيِّدٍ مقهورِ


ومضيتُ ألتمسُ الحقيقةَ والهدى
وأحلُّ قيدَ العقلِ عن تفكيري


حتى وصلتُ إليكَ من كبدِ اللَّظى
كالظِّلِّ أجهلُ في الدُّخانِ مصيري


* * *

ها همْ ألوفُ الآبقينَ تَسابقوا
يتساومونَ عليَّ فوقَ بُحورِ


جاؤوا بأسلحةِ الدمارِ وخلفَهم
يُذكي ضِرامَ الحربِ ألفُ وزيرِ


هشَّتْ لمقدمِهم وجوهٌ أدمنتْ
صفعَ النِّعالِ بغرفةِ التَّخديرِ


قرعوا طبولَ الحربِ خلفَ حدودِهم
وصحوا على أحقادِهم بفُجورِ


وتنفَّسوا برئاتِ من أكلَ اللظى
أضلاعهم فشهيقُهم كزفيري


فوقفتُ ألعنُهم وأبحثُ عن دمي
خلفَ الحدودِ بِمَهْمَهِ التَّهجيرِ


ويقامرونَ ويدَّعونَ سفاهةً
ويُساومونَ بألفِ ألفِ مُغيرِ


لولا بقيَّةُ نخوةٍ أُمويَّةٍ
لمحوتُ من سِفرِ الخلودِ سطوري


* * *

يا ليتَ أبنائي توحَّدَ شملُهمْ
وتسابقوا في حَلْبةِ التحريرِ


يا ليتَهم صَدقوا النفوسَ وأطفؤوا
أحقادَهم وسَمَوا عن التَّشهيرِ


يا ليت أسواقَ الضميرِ تفتَّحتْ
أبوابُها للبيعِ والتصديرِ


من يشتري مني الضميرَ فإنَّني
آليتُ أن أحيا بغيرِ ضميرِ


* * *

يا حارقينَ الوردَ في روضِ الحمى
يا زارعينَ الرُّعبَ في التصويرِ


يا مُطفئي شمسَ الصباحِ رويدَكم
لن تهتكوا رغمَ الظلامِ سُتوري


يا هادمي جسرَ العبورِ بحقدِكم
إني نصبتُ من الدماءِ جُسوري


لن تطفئوا شمسَ الحياةِ بغَيمةٍ
نَفرتْ بجوٍّ عاصفٍ ومَطيرِ


* * *

يا زارعينَ على الطريقِ حرابَكم
مسنونةً مسمومةَ التخديرِ


من جاء بالغربانِ تدهنُ ريشَها
بالزَّيتِ فوقَ شواطئِ التفجيرِ ؟


ولمنْ إذا قامتْ قيامةُ يَعربٍ ؟
لمن الجنانُ ؟ لمنْ يكونُ سعيري ؟


ولأجل من نمحو ونُثبتُ دولةً ؟
والخصمُ يُمعنُ باقتلاعِ جذوري


والطفلُ من رَحِمِ الحجارةِ مولداً
يرمي ويصرخُ يا ولاةَ أُموري


رشُّوا على جرحِ العروبةِ مِلحَكم
فالجرحُ أنتنَ في انتظارِ نصيري


شُدُّوا الأكُفًَّ على أكفٍّ أدمنتْ
رَميَ الحجارةِ واهتدتْ لنشوري


لا تزرعوا طُرُقَ الخلاصِ بشائكٍ
من نبتِكم كي لا يُعيقَ مسيري


ولْيَصلبوا جسدي لعاشرِ مرَّةٍ
وليَسمعوا فوقَ الصليبِ زئيري


إني سأُوقفُ بالحجارةِ سيلَهم
فيدايَ تفري عاتياتِ صخورِ


ومضتْ تجرُّ ذيولَها وتقولُ لي
بلِّغْ فَديْتُكَ لن أبيعَ ضميري





1990







الساعة الآن 12:34 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team