![]() |
عينان زرقاوان ( بدر شاكر السياب ) عينان زرقاوان.. ينعس فيهما لون الغدير أرنو فينساب الخيال و ينصب القلب الكسير و أغيب في نغم يذوب.. و في غمائم من عبير بيضاء مكسال التلوي تستفيق على خرير ناء.. يموت و قد تثاءب كوكب الليل الأخير يمضي على مهل و أسمع همستين.. وأستدير فأذوب في عينين ينعس فيهما لون الغدير حسناء يا ظل الربيع, مللت أشباح الشتاء سوداً تطل من النوافذ كلما عبس المساء حسناء.. ما جدوى شبابي إن تقضى بالشقاء عيناك.. يا للكوكبين الحالمين بلا انتهاء.. لولاهما ما كنت أعلم أن أضواء الرجاء زرقاء ساجية.. و أن النور من صنع النساء هي نظرة من مقلتيك و بسمة تعد اللقاء و يضيء يومي عن غدي, وتفر أشباح الشتاء ** عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال ساج تلثم باليكون فلا حفبف و لا انثيال إلا صدى واه يسيل على قياثر في الخيال إني أحس الذكريات يلفها ظل ابتهال.. في مقلتيك مدى تذوب عليه أحلام طوال, وغفا الزمان.. فلا صباح ..و لا مساء و لا زوال! أني أضيع مع الضباب سوى بقايا من سؤال: عيناك.. أم غاب ينام على وسائد من ظلال! |
غارسيا لوركا ( بدر شاكر السياب ) في قلبه تنّور النار فيه تطعم الجياع و الماء من جحيمه يفور طوفانه يطهّر الأرض من الشرور و مقلتاه تنسجان من لظى شراع تجمهان من مغازل المطر خيوطه و من عيون تقدح الشرر و من ثدي الأمهات ساعة الرضاع و من مدى تسبل منها الثمر و من مدى للقابلات تقطع السرر و من مدى الغزاة و هي تمضغ الشعاع شراعه الندي كالقمر شراعه القوي كالحجر شراعه السريع مثل لمحة البصر شراعة الأخضر كالربيع الأحمر الخضيب من نجيع كأنه زورق طفل مزّق الكتاب يملأ مما فيه بالزوارق النهر كأنه شراع كولمبس في العباب كأنه القدر |
غريب على الخليج ( بدر شاكر السياب ) الريح تلهث بالهجيرة كالجثام، على الأصيل و على القلوع تظل تطوى أو تنشّر للرحيل زحم الخليج بهنّ مكتدحون جوّابو بحار من كل حاف نصف عاري و على الرمال ، على الخليج جلس الغريب، يسرّح البصر المحيّر في الخليج و يهدّ أعمدة الضياء بما يصعّد من نشيج أعلي من العبّاب يهدر رغوه و من الضجيج" صوت تفجّر في قرارة نفسي الثكلى : عراق كالمدّ يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون الريح تصرخ بي عراق و الموج يعول بي عراق ، عراق ، ليس سوى عراق البحر أوسع ما يكون و أنت أبعد ما يكون و البحر دونك يا عراق بالأمس حين مررت بالمقهى ، سمعتك يا عراق وكنت دورة أسطوانه هي دورة الأفلاك في عمري، تكوّر لي زمانه في لحظتين من الأمان ، و إن تكن فقدت مكانه هي وجه أمي في الظلام وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنام و هي النخيل أخاف منه إذا ادلهمّ مع الغروب فاكتظّ بالأشباح تخطف كلّ طفل لا يؤوب من الدروب وهي المفليّة العجوز وما توشوش عن حزام وكيف شقّ القبر عنه أمام عفراء الجميلة فاحتازها .. إلا جديله زهراء أنت .. أتذكرين تنّورنا الوهّاج تزحمه أكف المصطلين ؟ وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين ؟ ووراء باب كالقضاء قد أوصدته على النساء أبد تطاع بما تشاء، لأنها أيدي الرجال كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال أفتذكرين ؟ أتذكرين ؟ سعداء كنا قانعين بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء حشد من الحيوات و الأزمان، كنا عنفوانه كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه أفليس ذاك سوى هباء ؟ حلم ودورة أسطوانه ؟ ان كان هذا كلّ ما يبقى فأين هو العزاء ؟ أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه يا أنتما - مصباح روحي أنتما - و أتى المساء و الليل أطبق ، فلتشعّا في دجاه فلا أتيه لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء الملتقى بك و العراق على يديّ .. هو اللقاء شوق يخضّ دمي إليه ، كأن كل دمي اشتهاء جوع إليه .. كجوع كلّ دم الغريق إلى الهواء شوق الجنين إذا اشرأبّ من الظلام إلى الولاده إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون أيخون إنسان بلاده؟ إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟ الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام حتى الظلام - هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق واحسرتاه ، متى أنام فأحسّ أن على الوساده من ليلك الصيفي طلاّ فيه عطرك يا عراق ؟ بين القرى المتهيّبات خطاي و المدن الغريبة غنيت تربتك الحبيبة وحملتها فأنا المسيح يجرّ في المنفى صليبه ، فسمعت وقع خطى الجياع تسير ، تدمي من عثار فتذر في عيني ، منك ومن مناسمها ، غبار ما زلت اضرب مترب القدمين أشعث ، في الدروب تحت الشموس الأجنبيه متخافق الأطمار ، أبسط بالسؤال يدا نديّه صفراء من ذل و حمى : ذل شحاذ غريب بين العيون الأجنبيه بين احتقار ، و انتهار ، و ازورار .. أو ( خطيّه) و الموت أهون من خطّيه من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبيه قطرات ماء ..معدنيّه فلتنطفئ ، يا أنت ، يا قطرات ، يا دم ، يا .. نقود يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع ، متى أعود إلى العراق ؟ متى أعود ؟ يا لمعة الأمواج رنحهن مجداف يرود بي الخليج ، ويا كواكبه الكبيرة .. يا نقود ليت السفائن لا تقاظي راكبيها من سفار أو ليت أن الأرض كالأفق العريض ، بلا بحار ما زلت أحسب يا نقود ، أعدكنّ و استزيد ، ما زلت أنقض ، يا نقود ، بكنّ من مدد اغترابي ما زلت أوقد بالتماعتكن نافذتي و بابي في الضفّة الأخرى هناك . فحدثيني يا نقود متى أعود ، متى أعود ؟ أتراه يأزف ، قبل موتي ، ذلك اليوم السعيد ؟ سأفيق في ذاك الصباح ، و في السماء من السحاب كسر، وفي النسمات برد مشبع بعطور آب و أزيح بالثؤباء بقيا من نعاسي كالحجاب من الحرير ، يشف عما لا يبين وما يبين عما نسيت وكدت لا أنسى ، وشكّ في يقين ويضئ لي _ وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي- ما كنت ابحث عنه في عتمات نفسي من جواب لم يملأ الفرح الخفي شعاب نفسي كالضباب ؟ اليوم _ و اندفق السرور عليّ يفجأني- أعود واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق وهل يعود من كان تعوزه النقود ؟ وكيف تدّخر النقود و أنت تأكل إذ تجوع ؟ و أنت تنفق ما تجود به الكرام ، على الطعام ؟ لبكينّ على العراق فما لديك سوى الدموع وسوى انتظارك ، دون جدوى ، للرياح وللقلوع |
فجر السلام ( بدر شاكر السياب ) لا شهوة الموت في أعراق جزار تقوى عليها ولا سيل من النار الموت أزهى سدا من أن يشابكها وهي التي مدت الموتى بأعمار وهي التى لمت الأحقاب واعتصرت مما انطوى في دجاها فيض أنوار ومست الصخر فاخضلت جوانبه بالسيل الغض والريحان والنار هذي اليد السمحة البيضاء كم مسحت جرحا وكم أزهت أنفاس جبار وأطلقت في الدجى الأعمى حمامتها بيضاء كالمشعل الوهاج في غار كأنما فجرت ماء لظامئة أو أطلعت كوكبا يأتمه الساري سل تاجر الموت كيف اصطك من فزع لما رآها وكم أودت بتجار وسمرت نعش طاغوت بما شرعت كفاه من خنجر يدمى وأظفار أما كفاه الذي امتصت على مهل أنيابه من دم الغرثان والعاري وما طفا عن شفاه الطفل من لبن أو حلمة المومس الشوهاء من عار فانقض من كهفه الداجي ليبعثها شعواء كالبحر ان دوى باعصار حتى اذا امتار من أعمار مددا واقتات مما ستحيا عمره الهاري أهوى على ظهر لم يقض يعصره عن سلعة تعبر سلعة الدنيا فدولار عيون وراء المدى تنام و ترجو الغدا دفوق السنا باسطا لأحلى رؤاها يدا ستجبلها ولقعا نقيا كذوب الندى يكفر عما جنت عصور طواها الردى أيفزعها المجرمون بما أشرعوا من مدى كأن سياجا يقام ليحجز عنها الغدا و في الحقل بين الظلال عذارى حملن السلال لهن الهوى و الغناء و للظالمين الغلال فبعد الشقاء المرير وغب الليالي الطوال دنا موعد للحصاد فغنينه للرجال أيحسدهن الطغاة على منه للخيال على ضحكة للربيع و أنشودة للتلال و شيخ يرب الحفيد بأنباء قطر بعيد تحدى حراب الغزاة و غيبها في الجليد فأنبت منها سنابل ضوء الصباح الوليد هنالك يبني الحياة كما شاء جيل سعيد عمالقة بالفعال ورواد كون جديد و آلهة يخلقون آلهة من عبيد هنالك يرن السلام كأهداب طفل ينام و يضحط ملء الحقول و في أغنيات الغرام و ينبض حيث المعامل يجرحن قلب الظلام و في المدن الضاحيات يندس وسط الزحام و حيث التقت و هي ترنو عيون الورى في وئام برغم اللظى و الحديد نمت زهرة للسلام و انداح من لجة الليل التي شحبت شدق يزيد اتساعا كلما اقتربا كأن مقبرة طال الزمان بها وازلزت فهي تبدي جوفها الخربا تعلقت أعظم الموتى به ورنت ألحظها الحور فيما يشبه الغضبا كأنما صرت الأسنان من حنق شيئا و سخرية منها بمن نكبا كأن كل قتيل رغم سكرته بالصمت يسأل أما أثكلت وأبا وزوجة و بنين استقتلوا و أخا من كان فيما لقينا من ردى سببا شدق يزيد اتساعا كلما رفعت ستر الدجى خفقت من كوكب غربا آلى على الأرض أن يجتث عاليها سفلا و يصفع من يأتي بمن ذهبا و لا يريق دما إلا و أضرمه نارا و ذرى رمادا منه أو لهبا تسعى به الريح في الآفاق ناسجة للشمس من جذوة أو من دم حجبا فالجو مقبرة كبرى معلقة تستعرض الشمس في ذراتها الحقبا و الأرض كالأبرص المنبوذ هرأة داء و عانى عليه الجوع و التعبا تكدست فوقها الأجساد ناضحة قيحا ودوى عويل الناس و اصطخبا من كل رافعة جيدا كأن يدا جبارة جاذبيه الطول فانجذبا وانمط مثل عجين الرخو مرضعها لصق الثرى و اكفهر الوجه و انقلبا و هي التي بالأمس كانت كما رجى خيال للهوى الأول يموج في مرآتها ظلها سوسنة بيضاء في جدول و كان نهداها إذا رنحت ريح الصبا من ثوبها المخمل يشف تكويراهما عن سنا يطفو بطوقيها إلى المجتلى كم عاشق كانت أمانيه أن يرتشف النور على جيدها كان يغذيها إذا قطبت بالروح و الآمال في عيدها يا زهرة عاشقها لم يذد من زعزع هبت لتبديدها لو كان يهواك ارتمي دونها سدا و نجاك بتصعيدها ظل لقابييل ألقى عبء ظلمته فحما يسود البرايا حوله القلق فحما تصدى له الباغي بمقلته يذكيه منها لظى يخبو و يأتلق إذا تضرم فاندك الفضاء جذى غضبى و نش الدم الفوار و العرق وانقض من حيث تهوى الشمس غاربة ليل من القاصفات السود أو شفق جن الرضيع الذي يحبو وهب على رجليه يعدو ويلوي جسمه اعنق من فرط ما طال و استرخى و قد صهرت أعراقه الزرق نارا فيه تختنق كأن كفيه مذراتا ثرى و دم لا ما يمد ابن عام لفه الغسق و لألأ البدر فاستدناه و انبسطت يمناه بالشوق حتى أظلم الأفق و أزلزت لثة الشيخ التي هرئت من شدقه الأدرد المغفور تندلق تنساح كاللعنه السوداء يطلقها بعد الردى نسله المطموس و الحنق يا ربما سرت الموتى بأن هلكوا قذائف كعيون الجن تنطلق شدت عليها يد عجفاء يدفعها حقد ويقتات من أعصابها فرق شلت يدا طالما التفت أصابعها ثم ارتخت عن وليد بات يختنق و استجهضت كل أنثى و هي تعضبها و استدفأت باللظى و المدن تحترق و قوست من ظهور كي يطاولها قزح يلج ارتفاعا و هي تنسحق و تطل من أفق يفتحه الشروق إلى الحافي أيد تشير إلى الرقاب المشرئبة لا تخافي لن يفصد الجلاد عرقا من عروقك لارتشاف أيد تلوح بالسلام كأن موشكه الضحايا تكتال منهن البقاء كأن أحضان الصبايا أودعتها الأطفال لما ينطفوا حذر المنايا و لكم تناقلت المعابر و الدروب صدى نداء تتشابك الرغبات مثب الغاب فيه على رجاء هو معبر الأجيال من خطر يهم إلى نجاء تعوي الذئاب و ما يزال يجيش كالدم في العروق يند العواء و يدفع المقل الغضاب عن الطريق و يظل يطفئها كما انطفأت بقايا من حريق و يظل يخفق بالسلام كأنما نشرت جناحا فيه الحمامة يلطم الظلماء فانفرطت و لاحا من شقها الألق الحبيس و ظل ينطف ثم ساحا صور لنفسك في الخيال أباك في وسط الحريق يدعوك بالصوت الأبح وقد تخبط كالغريق و يمد من خلل الدخان يديه يبحث عن طريق و انظر لأمك و هي ترقد في التراب على قفاها تتجاذب العقبان ثديي ها و يفقا ناظراها و تلق من دمها الكلاب و ينخر الدود الشفاها و تمل زوجك و هي تركض بين أشباح الجياع شعثاء تلهث و الرياح تصكها دون انقطاع حملت قميصك في ذراع و الرضيعة في ذراع أو جثة ابنك و هي تزحف دون رأس في الدماء أو مرضع ابنتك الممزق و هو يسحق بالحذاء ورفات موتاك الرميم وقد تناثر في الهواء و إذا رأيت عيون جير تك الرضية المحار ترتج غضبى في قرارة جدول ضحل القرار أفلا تطاردك العيون أما تبصك في احتقار صور لنفسك في الخيال أباك في ليل الشتاء و كأنما ردت عليه صباه أخيلة الصلاء ما زال يقرأ و الصغار يضاحكونك في الخفاء و انظر لأمك وهي تنصت أي عجب يزدهيها عادت إلى الصوت الرتيب إلى الغوابر من سنيها و تمثلته فتى يجمع ساعديه و يحتويها و ابسط لزوجك و انتشلها و هي تلهث في الرخام كفا ستختم إذ تو قع بالمداد على السلام فرج الجراح فتوقف ال دم و الدموع عن انسجام الشاطيء الضحاك و الأ صداء و القمر الطروي سكران يغرق في جدا ئلها و تهمسه الطيوب و تضمها و يطل من خلل العيون مدى رحيب تتنفس الأضواء فيه كأنما سمعت غناء حلو الرنين فراقصته هناك أجنحة اراءى بيضاء يتبعها الص غار بأعين تندى أخاء ليل العبودية النكراء صدعه مهوى طواغيت و استبسال ثوار حتى إذا شمر الباغي ليرأبه شقا بأن يصهر الأجساد بالنار هبت أعاصير تذرو ما تؤججه في وجهه الراعب النضاح اللعار و استيقظ الشرق عملاقا تموج على عينيه دنيا من الأحقاد و الثار يرمي و يرمي و يسعى نحو غايته في لجة من دجى غضبى و أنوار تطفو عليها الضحايا أو تغوص إلى أعماقها بين تيار و تيار راياته الداميات الظافرات كوى حمراء ينشق عنها سجنه الضاري ألقى بها السلم في وجه الطغاة ردى و في صعيد الضحايا حمر أزهار و حطموا أفوق الغل الذي سحبوا كي يطرقوا منه تابوتا لجبار حيث اشرأبت على جرف الردى أمم شدت إلى الصخر إلا بعض أحرار و ابتاع بالدرهم المجبول من دمها فيض الدم الثر منها شر تجار و استأجروها لصنع الموت منه لها بالزاد يبقى دما فيها لجزار أعمارها مثل بئر للدم ابتلعت جيلا سواها بهن ابتاعه الشاري و تطل من أفق يفتحه الشروق إلى الحفافي أيد تشير إلى الرقاب المشرئبة لا تخافي لن يفصد الجلاد عرقا من عروقك لارتشاف و لكم تناقلت المعابر و الدروب صدى نداء تتشابك الرغبات مثل الغاب فيه على رجاء هو معبر الأجيال من خطر يهم إلى نجاء ما زال يخفق بالسلام كأنما نشرت جناحا فيه الحمامة يلطم الظلماء فانفطرت و لاحا من شقها الألق الحبيس و ظل ينعطف ثم ساحا |
فرار عام 1953 ( بدر شاكر السياب ) في ليلة كانت شرايينها فحما و كانت أرضها من لحود يأكل من أقدامنا طينها تسعى إلى الماء إلى شراع مزقته الرعود فوق سفين دون أضواء في الضفة الأخرى يكاد العراق يومىء ؟ يا أهلا بأبنائي لكننا واحسرتا لن نعود أواه لو سيكارة في فمي لو غنوة لو ضمة لو عناق لسعّفة خضراء أو برعم في أرضي السكرى برؤيا غد إنا مع الصبح على موعد رغم الدجى يا عراق ريف وراء الشطّ بين النخيل يغفو على حلم طويل طويل تثاءبت فيه ظلال تسيل كالماء بين الماء و العشب يا ليت لي فيه قبرا على إحدى روابيه يا ليتني ما زلت في لعبي في ريف جيكور الذي لا يميل عنه الربيع الأبيض الأخضر السّهل يندى و الرّبى تزهر ويطفيء الأحلام ي مقلتي كأنها منفضة للرماد همس كشوك مسّ من جبهتي ينذر بالسارين فوق الجياد ( سنابك الخيل مسامير نار تدق تابوت الدجى و النهار : ناعورة تحرس كرم الحدود أثقل طين الخوف ما للفرار من قدم تدمى و مدّ السّدود أمن بلادي هارب ؟ أيّ عار و ارتعش الماء و سار السّفين و هبّت الريح من الغرب تحمل لي دربي تحمل من قبرها ذرّ طين تحمل جيكور إلى قلبي يا ريح يا ريح توهّجت فيك مصابيح من ليل جيكور أضاءت ظلمة السفين لأبصر الأعين كالشّهب تلتم حولي لأراها تلين و أنجم الشطّ زهور كبار أوشكت أن أبصر سيقانها تمتد في الماء تمس القرار لملم فجر الصيف ألوانها كأنها أوجه حور تحار فيها تباريح الهوى و الحياء كأنّها زنبق نار و ماء |
في أخريات الربيع ( بدر شاكر السياب ) يا ضياء الحقول ياغنوة الفلاح في الساجيات من أسحاره أقبلي فالربيع ما زال في الوادي فبلي صداك قبل احتضاره لا تصيب العيون إلا بقاياه و غير الشرود من آثاره دوحة عند جدول تنفض الأفياء عنها و ترمي في قراره و على كل ملعب زهرة غيناء فرت إليه من أياره ** في المساء الكئيب و المعبر المهجور و العابسات من أحجاره مصغيات تكاد من شدّه الإصغاء أن توهم المدى بانفجاره أرمق الدرب كلنا هبّت الريح وحف العتيق من أشجاره كلما أذهل الربى نوح فلاح يبث النجوم شكوى نهاره صاح يا ليل فاستفاق الصدى الغافي على السفح و الذي في جواره فإذا كل ربوة رجع يا ليل و نام الصدى على قيثاره أين منهن خفق أقدامك البيضاء بين الحشيش فوق اخضراره مثل نجمين أفلتا من مدارين فجال الضياء في غير داره أو فراشين أبيضين استفاقا يسرقان الرحيق من خماره!! ** أنت في كل ظلمة موعد و سنان ما زال يومه في انتظاره |
في السوق القديم ( بدر شاكر السياب ) -1- الليل والسوق القديم خفتت به الأصوات إلا غمغمات العابرين و خطى الغريب وما تثبت الريح من نغم حزين في ذلك الليل البهيم الليل ، والسوق القديم ، وغمغمات العابرين والنور تعصره المصابيح الحزانى في شحوب مثل الضباب على الطريق من كل حانوت عتيق بين الوجوة الشاحبات كأنه نغم يذوب في ذلك السوق القديم كم طاف قبلي من غريب في ذلك السوق الكئيب فرأى وأغمض مقلتيه وغاب في الليل البهيم وارتج في حلق الدخان خيال نافذه تضاء والريح تعبث بالدخان الريح تعبث بالدخان الريح تعبث في فتور واكتئاب بالدخان وصدى غناء ناء يذكر بالليالي المقمرات وبالنخيل وأنا الغريب .. أظل أسمعه واحلم بالرحيل في ذلك السوق القديم -3- يرمي الظلال على الظلال كأنها اللحن الرتيب ويرتق ألوان المغيب الباردات على الجدار بين الرفوف الرازحات كأنها سحب المغيب الكوب يحلم بالشراب وبالشفاة ويد تلونها الظهيرة والسراج أو النجوم و لربما بردت عليه وحشرجت فيه الحياة في ليلة ظلماء باردة الكواكب والرياح في مخدع سهر السراج به وأطفأه الصباح -4- ورأيت من خلل الدّخان مشاهد الغد كالظلال تلك المناديل الحيارى وهي تومئ بالوداع أو تشرب الدمع الثقيل ، وما تزال تطفو وترسب في خيالي – هوّم العطر المضاع فيها وخضّبها الدم الجاري! لون الدجى وتوقّد النار يجلو الأريكة ثم تخفيها الظلال الراعشات يخبو ويسطع ثم يحتجب ودم يغمغم وهو يقطر ثم يقطر : مات ...مات -5- الليل، والسوق القديم، وغمغمات العابرين وخطى الغريب وأنت أيتها الشموع ستوقدين في المخدع المجهول في الليل الذي لن تعرفيه تلقين ضوءك في ارتخاء مثل امساء الخريف حقل تموج به السنابل تحت أضواء الغروب تتجمع الغرباء فيه تلقين ضوءك في ارتخاء مثل امساء الخريف في ليلة قمراء سكرى بالأغاني في الجنوب نقر [الداربك] من بعيد يتهامس السعف الثقيل به ويصمت من جديد ! -6- قد كان قلبي مثلكن، وكان يحلم باللهيب نار الهوى ويد الحبيب ما زال يحترق الحياة، وكان عام بعد عام يمضي، ووجه بعد وجه مثلما غاب الشراع بعد الشراع وكان يحلم في سكون، في سكون بالصدر، والفم، والعيون والحب ظلله الخلود .. فلا لقاء ولا وداع لكنه الحلم الطويل بين التمطي والتثاؤب تحت أفياء النخيل -7- بالأمس كان وكان ثم خبا، وأنساه الملال واليأس، حتى كيف يحلم بالضياء- فلا حنين الصيف يحتضن الشتاء ويذهبان وما يزال كالمنزل المهجور تعوي في جوانبه الرياح كالسلم المنهار، لا ترقاه في الليل الكئيب قدم ولا قدم ستهبطه إذا التمع الصباح ما زال قلبي في المغيب ما زال قلبي في المغيب فلا أصيل ولا مساء حتى أتيت هي والضياء! -8- ما زال لي منها سوى أنا التقينا منذ عام عند المساء، وطوقتني تحت أضواء الطريق ثم ارتخت عني يداها وهي تهمس والظلام أتسير وحدك في الظلام أتسير والأشباح تعترض السبيل بلا رفيق فأجبتها والذئب يعوى من بعيد من بعيد أنا سوف أمضي باحثا عنها سألقاها هناك عند السراب وسوف أبني مخدعين لنا هناك قالت ورجع ما تبوح به الصدى أنا من تريد أنا من تريد فأين تمضي ؟ فيم تضرب في القفار مثل الشريد أنا الحبيبة كنت منك على انتظار أنا من تريد وقبلتني ثم قالت والدموع في مقلتيها غير أنك لن ترى حلم الشباب بيتا على التل البعيد يكاد يخفيه الضباب لولا الأغاني وهي تعلو نصف وسنى والشموع تلقى الضياء من النوافذ في ارتخاء في ارتخاء أنا من تريد وسوف تبقى لا ثواء ولا رحيل حب إذا أعطى الكثير فسوف يبخل بالقليل لا يأس فيه ولا رجاء -10- أنا أيها النائي القريب لك أنت وحدك غير أنى لن أكون لك أنت أسمعها وأسمعهم ورائي يلعنون هذا الغرام أكاد أسمع أيها الحلم الحبيب لعنات أمي وهي تبكي أيها الرجل الغريب إني لغيرك بيد أنك سوف تبقى لن تسير قدماك سمرتا فما تتحركان ومقلتاك لا تبصران سوى طريقي أيها العبد السير أنا سوف أمضي فاتركيني : سوف ألقاها هناك عند السراب فطوقتني وهي تهمس : لن تسير -11- أنا من تريد، فأين تمضي بين أحداق الذئاب تتلمس الدرب البعيد فصرخت : سوف أسير ما دام الحنين إلى السراب في قلبي الظامي دعيني أسلك الدرب البعيد حتى أراها في انتظاري : ليس أحداق الذئاب أقسى على من الشموع في ليلة العرس التي تترقبين، ولا الظلام والريح والأشباح أقسى منك أنت أو الأنام ! أنا سوف أمضي ! فارتخت عني يداها والظلام يطغي ... و لكني وقفت وملء عيني الدموع ! في ليلة العرس التي تترقبين، ولا الظلام والريح والأشباح أقسى منك أنت أو الأنام ! أنا سوف أمضي ! فارتخت عني يداها والظلام يطغي ... و لكني وقفت وملء عيني الدموع ! |
في القرية الظلماء ( بدر شاكر السياب ) -1- الكوكب الوسنان يطفيء ناره خلف التلال و الجدول الهدار يسبره الظلام إلا وميضاً لا يزال يطفو و يرسب مثل عين لا تنام ألقى به النجم البعيد يا قلب ما لك لست تهدأ ساعة؟ ماذا تريد؟ النجم غاب و سوف يشرق من جديد بعد حين و الجدول الهدار هينم ثم نام أما الغرام دع التشوق يا فؤادي و الحنين! ** -2- أأظل أذكرها و تنساني ؟ وأبيت في شبه احتضار و هي تنعم بالرقاد ؟ في ناظريها المسبلين على الرؤى أما فؤادي فيظل يهمس في ضلوعي باسم التي خانت هواي يظل يهمس في خشوع أني سأغفو بعد حين سوف أحلم في البحار: هاتيك أضواء المرافيء و هي تلمع من بعيد تلك المرافيء في انتظار تتحرق الأضواء فيها مثل أصداء تبيد ** -3- القرية الظلماء خاوية المعابرة و الدروب تتجاوب الأصداء فيها مثل أيام الخريف جوفاء في بطء تذوب واستيقظ الموتى هناك على التلال على التلال الريح تعول في الحقول و ينصتون إلى الحفيف يتطلعون إلى الهلال في آخر الليل الثقيل و يرجعون إلى القبور يتساءلون متى النشور!! و الآن تقرع في المدينة ساعة البرج الوحيد لكني في القرية الظلماء في الغاب البعيد ** -4- دعها تحب سواي تقضي في ذراعيه النهار و تراه في الأحلام يعبس أو يحدث عن هواه فغداً سيهوى ساعداه مثل الجليد على خطوط باهتات في إطار و على الرفوف الشاحبات رسائل عادت تلف على نسيج العنكبوت بها الوعود و الريح تهمس لن يعود ويلون المرآة ظل من سراج ذابل و حياله امرأة تحدق في كتاب بال و تبسم في اكتئاب ** -5- الكوكب الوسنان يطفيء ناره خلف التلال و الجدول الهدار يسبره الظلام إلا وميضاً لا يزال يطفو و يرسب مثل عين لا تنام ألقى به النجم البعيد يا قلب مالك فب إكتئاب لست تعرف ما تريد؟! |
في المستشفى ( بدر شاكر السياب ) كمستوحد أعزل في الشتاء و قد أوغل الليل في نصفه أفاق فأوقظ عين الضياء و قد خاف من حقنه أفاق على ضربة في الجدار هو الموت جاء و أصغى أذاك انهيار الحجار أم الموت يحسو كؤوس الهواء لصوص يشقون دربا إليه مضوا ينقبون الجدار و ظل يعد انهيار التراب ووقع الفؤوس على مسمعيه يكاد يحس التماع الحراب و حزاتها فيه يا للعذاب و ما عنده غير محض انتظار هو الموت عبر الجدار كذاك انكفأت أعض الوساد و أسلمت للمشرط القارس قفاي المدمى بلا حارس بغير اختياري طبيبي أراد لقد قص مد المجس الطويل لقد جره الآن أواه عاد و لا شيء غير انتظار ثقيل ألا فاخرقوا يا لصوص الجدار فهيهات هيهات مالى فرار |
في المغرب العربي ( بدر شاكر السياب ) قرأت اسمي على صخرة هنا في وحشة الصحراء على آجرّه حمراء على قبر فكيف يحس إنسان يرى قبره يراه و إنه ليحار فيه أحيّ هو أم ميت ؟ فما يكفيه أن يرى ظلا له على الرمال كمئذنة معفّرة كمقبرة كمجد زال كمئذنة تردد فوقها اسم الله و خطّ اسم الله فيها و كان محمد نقشا على آجرّة خضراء يزهو في أعاليها فأمشي تأكل الغبراء و النيران من معناه و يركله الغزاة بلا حذاء بلا قدم و تترف منه دون دم جراح دونما ألم فقد مات و متنا فيه من موتى و من أحياء فنحن جميعنا أموات و أنا و محمد و الله و هذا قبرنا أنقاض مئذنة معفرة عليها يكتب اسم محمد و الله على كسرة مبعثرة من الآجرّ و الفخّار فيا قبر الإله على النهار ظل لألف حربة و فيل و لون أبرهة و ما عكسته منه يد الدليل و الكعبة المخزونة المشوّهة قرأت اسمي على صخرة على قبرين بينهما مدى أجيال يجعل هذه الحفرة تضم اثنين جد أبي و محض رمال و محض نثارة سوداء منه استترلا قبره و إياي أبنه في موته و المضغة الصلصال و كان يطوف من جدّي مع المدّ هتاف يملأ الشطآن يا ودياننا ثوري و يا هذا الدم الباقي على الأجيال يا إرث الجماهير تشظّ الآن و اسحق هذه الأغلال و كالزلزال هزّ النير أو فاسحقه و اسحقنا مع النير و كان إلهنا يختال بين عصائب الأبطال من زند إلى زند و من بند إلى بند إله الكعبة الجبّار تدرع أمس في ذي قار بدرح من دم النعمان في حافاتها آثار إله محمد و إله آبائي من العرب تراءى في جبال الريف يحمل راية الثوّار و في يافا رآه القوم يبكي في بقايا دار و أبصرناه يهبط أرضنا يوما من السحب جريحا كان في أحيائنا يمشي و يستجدي فلم نضمد له جرحا و لا ضحّى له بغير الخبز و الأنعام من عبد و أصوات المصلين إرتعاش من مراثيه إذا سجدوا يترّ دم فيسرع بالضماد فم بأيات يغضّ الجرح منها خير ما فيه تداوي خوفنا من علمنا أنا سنحييه إذا ما هلل الثوار منا نحن نفديه أغار من الظلام على قرارنا فأحرقهن سرب من جراد كأن مياه دجله حيث و لى تنم عليه بالدم و المداد أليس هو الذي فجأ الحبالى قضاه فما ولدن سوى رماد و أنعل بالأهلة في بقايا مآذنها سنابك من جواد و جاء الشام يسحب في ثراها خطى أسدين جاعا في الفؤاد فأطعم أجوع الأسدين عيسى وبل صداه من ماء العماد و عضّ نبيّ مكه فالصحارى كل الشرق ينفر للجهاد |
في انتظار رسالة ( بدر شاكر السياب ) و ذكرتها فبكيت من المي كالماء يصعد من قرار الارض نز الى العيون دمي و تحرقت قطراته المتلاحقات لتستحيل الى دموع يخنقني فأصك اسناني لتنقذف الضلوع موجا تحطم فوقهن و ذاب في العدم دخان في القلب يصعد ضباب من الروح يصعد دخان ضباب و انت انخطاف وراء البحار و انت انتحاب و نوح من القلب كالمد يصعد ودمع تجمد و غصت به الاه في الحنجره ذكرتك يا كل روحي و يا دفئ قلبي اذ الليل يبرد و يا روضة تحت ضوء النجوم بقداها مزهره و ذكرت كلتنا يهف بها و يسبح في مداها قمر تحير كالفراشة و النجوم على النجوم دندن كالاجراس فيها كالزنابق اذ تعوم على المياه و فضض القمر المياها و كأن جسمك زورق الحب المحمل بالطيوب و الدفء وز المجداف همس في المياه يرن آها فآها و النعاس يسيل منك على الجنوب فينام فيه النخل تلتمع السطوح بنومهن إلى الصباح أواه ما أحلاك نام النور فيك و نمت فيه و الليل ماء و النباح مثل الحصى ينداح فيه و أنت أول وارديه هو الصيف يلثم شط العراق بغيماته ذاب فيها القمر و توشك تسبح بيض النجوم لولا برودة ماء النهر و هف شراع لأضلاعه في الهواء اصطفاق و غنى مغن وراء النخل يغمغم يا ليل طال السهر و طال الفراق كأن جميع قلوب العراق تنادي تريد انهمار المطر و صعدت نحوك و النعاس رياح فاترات تحمل الورقا لتمس شعرك و النهود به تموت حينا و تلهث في النوافذ من بيوت ألقاك في غرفاتها و أشد جسمك فار و احترقا أني أريدك اشتهيك أمس ثغرك في رساله طال انتظاري و هي لا تأتي و تحترق الزوارق و التخوت في ضفه العشار تنفض و هي لاهثة ظلاله عل الرياح حملن منك لها رسالة لم تبخلين علي بالورقات بالحبر القليل و سحبه القلم الصموت إني أذوب هوى أموت و أحن منك إلى رساله |
في غابة الظلام
( بدر شاكر السياب ) عيناي تحرقان غابة الظلام بجمرتيهما اللتين منهما سقر ويفتح السهر مغالق الغيوب لي فلا أنام وأسير الأرض الى قرارهاالسحيق ألم في قبورها العظام فطالعتني كالسراج في لظى الحريق تكشيرة رهبية رهبية تليحها جمجمتي الكتيبه سخرية الالهبالأنام عيناي من سريري الوحيد تحدقان في المدى البعيد الليل وحش تطعنانه مع النجوم بخنجريهما وخنجر السحر الليل خترير الردى العنيد يشق خنجراهما اهابه الغشوم لأامح العراق مرغ القمر على ترابه البليل ضوءه الحزين وقلتا غيلان تومضان بالحنين يرقب من فراشه ذوائب الشجر أمضه السهاد عذبته زحمة الفكر أين من الطفولة السهاد والفكر عيناه في الظلام تسريان كالسفين بأي حقل تحلمان أيما نهر بعودة الأب الكسيح من قرارة الضريح أميت فيهتف المسيح من بعد أن يزحزح الحجر هلم يا عازر عيناه لظى وريح تحرق في أضالعي مضارب الغجر أليس يكفي أيها الآله أن الغناء غابي الحياه فتصبغ الحياة بالقتام تحلني بلا ردى حطام سفينة كسيرة تطفو على المياه هات الردى أريد أن أنام بين قبور أهلي البعثره وراء ليل المقبره رصاصة الرحمة يا اله |
في ليالي الخريف ( بدر شاكر السياب ) في ليالي الخريف الحزين حين يطغى علي الحنين كالضباب الثقيل في زوايا الطريق في زوايا الطريق الطويل حين أخلو و هذا السكون العميق توقد الذكريات بابتساماتك الشاحبات كل أضواء ذاك الطريق البعيد حيث كان اللقاء في سكون المساء هل يعود الهوى من جديد ؟ عاهديني إذا عاد .. يا للعذاب عاهديني و مرت بقايا رياح بالوريقات في حيرة و اكتئاب ثم تهوي حيال السراج الحزين انتهينا.. أما تذكرين؟ انتهينا.. و جاء الصباح يسكب النور فوق ارتخاء الشفاه و انحلال العناق الطويل أين آلام الرحيل؟ أين لا لست أنساك و احسرتاه؟ ** في ليالي الخريف حين أصغي و لا شيء غير الحفيف ناحلاً كانتحاب السجين خاف أن يوقظ النائمين فانتحى في الظلام يرقب الأنم النائيات حجبتها بقايا غمام فاستبدت به الذكريات الغناء البعيد البعيد في ليالي الحصاد أوجه النسوة الجائعات ثم يعلو رنين الحديد يسلب البائس الرقاد ! في ليالي الخريف حين أصغي و قد مات حتى الحفيف و الهواء - تعزف الأمسيات البعاد في اكتئاب يثير البكاء شهرزاد في خيالي فيطغى علي الحنين أين كنا؟! أما تذكرين أين كنا ؟! أما تذكرين المساء؟! ** في ليالي الخريف الطوال آه لو تعلمين كيف يطغى علي الأسى و الملال؟! في ضلوعي ظلام القبور السجين في ضلوعي يصبح الردى بالتراب الذي كان أمي: غدا سوف يأتي فلا تقلقي بالنحيب عالم الموت حيث السكون الرهيب! سوف أمضي كما جئت واحسرتاه سوف أمضي و ما زال تحت السماء مستبدون يستنزفون الدماء سوف أمضي و تبقى عيون الطغاة تستمد البريق من جذى كل بيت حريق و التماع الحراب في الصحارى و من أعين الجائعين سوف أمضي و تبقى فيا للعذاب! سوف تحيين بعدي ، و تستمتعين بالهوى من جديد سوف أنسى و تنسين إلاّ صدى من نشيد في شفاه الضحايا -وإلا الردى |
في يوم فلسطين
( بدر شاكر السياب ) يا راقصين على دم الصحراء قد آن يوم الثورة الحمراء تلك الشرارة بعد حين تنجلي عن زاخر بالنار والأضواء اليوم يحطم كل شعب ثائر سود القيود بضحكة استهزاء ويد يفر البغي من هزاتها حمراء ضرجها دم الشهداء فضت فم المستعمرين بلطمة لا غير قاتلة ولا شلاء واليوم يصرخ كل حر غاضب في وجه كل مهوس الآراء تلك الواطن أين عنها أهلها فتروح تعرضها على الغرباء والقدس ما للقدس يمشي فوقها صهيون بين الدمع والأشلاء ما هتلر السفاح أقسى مدية يوم الوغى من هتلر الحلفاء يا أخت يعرب لن تزالي حرة بين الدم المسفوك والأعداء ثارت أهلك في دمانا تلتظي هيهات ليس لهن من اطفاء حتى يضم ثرى الجزيرة أهلها أو يلبسون مطارف العلياء |
قارئ الدم ( بدر شاكر السياب ) أنا أيها الطاغوت مقتحم الرتاج على الغيوب أبصرت يومك و هو يأزف هذه سحب الغروب يتوهج الدم في حفافيها و تنثر في الدروب شفق البنفسج و الورود و لون أردية الضحايا فتشع أعمدة عوابس و الرصيف من الصبايا و النسوة المتهامسات كحقل قمح و السطوح كأن بابل أودعتها من جنائنها بقايا لو أن غرسا كان بشر و أسمع من يصيح هو ذا يساق إلى الحساب كأن أعراق المغيب قطعت فصاح كأن صوتا على لظى حملته ريح من كل أودية الجحيم هواه إني شهدت سواك ينسفه اختناق للصدور بغيظها وسمعت قفقفة الضحايا في القبور و دم الحوامل و هو تشربه الأجنحة في دجاها فسمعت وقع خطاك خائرة تجر إلى السعير حطام جسمك و السعير مدى تراها تحتز من قصبات صدرك ثأر كل دم العصور إني أكلت مع الضحايا في صحاف من دماء و شربت ما ترك الفم المسلول منه على الوعاء و شمعت ما سلخ الجذام من الجلود على ردائي و نشقت ماء جوارب السجناء في نفس الهواء فشممت فيه دخان دارك و احتراق بنيك فيها و شواء لحم بنيك لولا أن شيمة محرقيها ألا يذوق الأبرياء جزاء غير الأبرياء إني شببت مع الجياع مع الملايين الفقيرة فعرفت أسرارا كثيرة كل اختلاجات القلوب و كل ألوان الدعاء إغضاءة المقل الضريره يتطلع الدم في ظلام جفونهنّ إلى الضياء و الحاملات نذورهن إلى قبور الأولياء ألموقدات شموعهن تلق ألسنها الكثيرة كسر الرغيف و يعتصرن دم الثدي إلى الدماء و تأوه المستنقعات وزفة البرديّ فيها و طنين أجنحة البعوض كأن غرقي ساكنيها يتنفسون من القرار و يضرعون إلى السماء أن ينجو الأطفال من غرق وحمّى في الهواء و ملالة الأكواخ تشرب كل أمطار الشتاء حتى تغص بها فللقصب النقيع بكل ماء شهقات محتضر يغر و إن تقيأ بالدواء و تنهد الأشجار عطشى يابسات في الظهيرة تنكسر الورقات فيها و المناقير الصغيرة فكأن مقبرة الهجيرة تمتص من رحم الحياة لتسفي الموتى عصيره أنا قاريء الدم لا تراه و أنت أنت المست بيح أفلست تجرؤ أن تحدق فيه علك تستريح من ازدياد دم تذر على جفونك منه نار لزج يسل مع الرقاد كأن بؤبؤك الذبيح قابيل حدق في دماء أخيه أمس و أنت يأخذك الدوار من رؤية الدم و هو ينزف ثم يركد فالغبار من تحته كفم الرضيع له اختلاج و افترار أتخاف أن تطأ النبؤة مقلتيك هو الدمار أتخاف منها أن تفرّ كأن سرب قطا يثار فأنت مع هلع تخض إلى المشاش هو الدمار إني خبرت الجوع يعصر من دمي و يمصّ مائي و عرفت ما قلق الطريد يكاد كل فم ورائي يعوي ب ها هو ذا و توشك كل عين ألتقيها أن يومض اسمي في قرارتها و جهلي بالدروب و لست أسأل عابريها عن بعيد عن قريب من منتهاها و اكتئابي و الحنين مع الغروب و توقع المتعقبين خطاي أحسست في صداها وقع الخطى و أكاد ألتفت التفاتة مستريب ألا تشد يد على كتفي و أوشك أن أرها أعرفت ذاك ؟ فسوف تعرف منه دنيا في مداها تصطف أعمدة عوابس ثم تسمع من يصيح هوو ذا يساق إلى الحساب كأنما اطرحت رداها جثت القبور كأن صوتا من لظى حملته ريح من كل أدوية الجحيم هوا..ه |
قافلة الضياع ( بدر شاكر السياب ) أرأيت قافلة الضّياع ؟ أما رأيت النزحين الحاملين على الكواهل من مجاعات السنين آثام كل الخاطئين النازفين بلا دماء السائرين إلى وراء كي يدفنوا هابيل و هو على الصليب ركام طين قابيل أين أخوك أين أخوك جمعت السماء آمادها لتصيح كورت النجوم إلى نداء قابيل أين أخوك يرقد في خيام اللاجئين السل يوهن ساعديه و جئته أنا بالدواء و الجوع لعنه آدم الأولى و إرث الهالكين ساواه و الحيوان ثم رماه أسفل سافلين و رفعته أنا بالرغيف من الحضيض إلى العلاء الليل يجهض و السفائن مثقلات بالغزاه بالفاتحين من اليهود يلقين في حيفا مراسيهن كابوس تراه تحت التراب محاجر الموتى فتجحظ في اللحود الليل يجهض فالصباح م الحرائق في ضحاه الليل يجهض فالحياه شيء ترجح لا يموت و لا يعيش بلا حدود شيء تفتح جانباه على المقابر و المهود شيء يقول هنا الحدود هذا لكل اللاجئين و كل هذا لليهود النار تصرخ في المزارع و المنازل و الدروب في كل منعطف تصيح أنا النضار أنا النضار من كل سنبلة تصيح و من نوافذ كل دار أنا عجل سيناء الإله أنا الضمير أنا الشعوب أنا النضار النار تتبعنا كأن مدى اللصوص و كل قطاع الطريق يلهثن فيها بالوباء كأن السنه الكلاب تلتز منها كالمبارد و هي تحفر في الجدار النور باب تتصبب الظلماء كالطوفان منه فلا تراب ليعاد منه الخلق و انجف المسيح مع العباب كان المسيح بجنبه الدامي و مئزره العتيق يسد ما حفرته ألسنة الكلاب فاجتاحه الطوفان حتى ليس يترف منه جنب أو جبين إلا دجى كالطين تبنى منه دور اللاجئين النار تركض كالخيول وراءنا أهم المغول على ظهور الصافنات و هل سألت الغابرين أروضوا أمس الخيول أم نحن بدء الناس كل تراثنا أنصاب طين النار تصهل من ورائي و القذائف لا تنام عيونها و أبي على ظهري و في رحمي جنين عريان دون فم و لا بصر تكور في الظلام في بركة الدم و هو يفرك أنفه بيد و كالجرس الصغير يرن ملء دمي صداه تكاد تومض كل روحي بالسلام حتى أكاد أراه في غبش الدماء المستنير عريان دون فم كأفقر ما يكون بلا عظام و بلا أب و بدون حيفا دون ذكرى كالظلام أسريت أعبر تحت أجنحة الحديد به الزمان من الحقول إلى المراعي فالكهوف و الأرض تطمس من وراء ظهورنا كالأبجدية ألدور فيها و الدوالي شاخصات كالحروف فكأن أمس غد يلوح و ليس بينهما مكان لم يخرجونا من قرانا و حدهنّ و لا من المدن الرخيّة لكنهم قد أخرجونا من صعيد الآدميّه فاليومم تمتليء الكهوف بنا و نعوي جائعين و نموت فيها لا نخلف للصغار على الصخور سوى هباب ما نقشنا فيه من أسد طعين و نموت فيها لا نخلف بعدنا حتى قبور ماذا نحط على شواهدها أ كانوا لاجئين أليوم تمتليء الكهوف بنا تظلل بالخيام و بالصفيح و قد تغلهن لالآجر دور و النور كالتابوت فيها ليس فيه سوى ظلام بين الكهوف و بين حيفا من ظلام ألف عام أو يزيد بين الكهوف و بين أمس هناك بئر لا قرار لها كهاوية الجحيم تلز فاها دون نار تتعلق الأحداث فيها كالجلامد في جدار لحدا على لحد أزيح الطين عنها و الحجار من يدفن الموتى و قد كشفوا و ماتوا من جديد من يدفن الموتى ليولد تحت ضخرة كل شاهدة و ليد من يدفن الموتى لئلا يزحموا باب الحياة على أكف القابلات من يدفن الموتى لنعرف أننا بشر جديد في كل شهر من شهور الجوع يومىء يوم عيد فنخف نحمل من تذاكرنا صليب اللاجئين يا مكتبا للغوث في سيناء هب للتائهين مناو سلوى من شعير و المشيمة للجنين و اجعل له المطّاط سره وارزقه ثديا من زجاج واحش بالأدريج صدره و بأيما لغمة نقول فيستجيب الآخرون و نورث الدم للصغار أعلمت حين نقول دار أو سماء أي دار أو سماء تخطران على العيون هيهات ليس للاجئين و اللاجئات من قرار أو ديار إلا مرابع كان فيها أمس معنى أن نكون سنظل نضرب كالمجوس نجس ميلاد النهار كم ليلة ظلماء كالرحم انتظرنا في دجاها نتلمس الدم في جوانبها و نعصر من قواها شع الوميض على رتاح سمائها مفتاح نار حتى حسبنا أن باب الصبح يفرج ثم غار و غادر الحرس الحدود و اختصّ رعد في مقابر صمتها يعد القفار ثم امحل إلى غبار بين أحذية الجنود ألليل أجهض ناره الحمى و ديمته انتحاب الضائعين أليل أجهض ليس فيه سوى مجوس اللاجئين ألنار تركض كالخيول وراءنا أهم المغول على ظهورها الصافنات ؟ و هل سألت الغابرين أروضوا أمس الخيول أم نحن بدء الناس كل تراثتا أنصاب طين |
قالوا لأيوب ( بدر شاكر السياب ) قالوا لأيوب جفاك الآله فقال لا يجفو من شدّ بالإيمان لا قبضتاه ترخى و لا أجفانه تغفو قالوا له و الداء من ذا رماه في جسمك الواهي و من ثبّته قال هو التفكير عما جناه قابيل و الشاري سدى جنّته سيهزم الداء غدا أغفو ثمّ تفيق العين من غفوة فأسحب الساق إلى خلوة أسأل فيها الله أن يعفو عكّازتي في الماء أرميها و أطرق الباب على أهلي إن فتحوا الباب فيا ويلي من صرخة من فرحة مست حوافيها دوامة الحزن و أأيوب ذاك أم أن أمنيّه يقذفها قلبي فألفيها ماثلة في ناظري حيّة غيلان يا غيلان عانق اباك ياربّ لا شكوى و لا من عتاب ألست أنت الصانع الجسما فمن يلوم الزارع التمّا من حوله الزرع فشاء الخراب لزهرة و الماء للثانية هيهات تشكو نفسي الراضية إني لأدري أن يوم الشفاء يلمح في الغيب سيترع الأحزان من قلبي و يترع الدراء فأرمي الدواء أرمي العصا أعدو إلى دارنا و أقطف الأزهار في دربي ألم منها باقة ناضرة أرفعها للزوجة الصابرة و بينها ما ظلّ من قلبي |
قصيدة إلى العراق الثائر ( بدر شاكر السياب ) عملاء قاسم يطلقون النار آه على الربيع سيذوب ما جمعوه من مال حرام كالجليد ليعود ماء منه تطفح كل ساقية يعيد ألق الحياة إلى الغصون اليابسات فتستعيد ما لص منها في الشتاء القاسمي فلا يضيع يا للعراق يا للعراق أكاد ألمح عبر زاخرة البحار في كل منعطف و درب أو طريق أو زقاق عبر الموانئ و الدروب فيه الوجوه الضاحكات تقول قد هرب التتار و الله عاد إلى الجوامع بعد أن طلع النهار طلع النهار فلا غروب يا حفصة ابتسمي فثغرك زهرة بين السهوب أخذت من العملاء ثأرك كف شعبي حين ثار فهوى إلى سقر عدو الشعب فانطلقت قلوب كانت تخاف فلا تحن إلى أخ عبر الحدود كانت على مهل تذوب كانت إذا مال الغروب رفعت إلى الله الدعاء ألا أغثنا من ثمود من ذلك المجنون يعشق كل أحمر فالدماء تجري و ألسنة اللهيب تمد يعجبه الدمار أحرقه بالنيران تهبط كالجحيم من السماء و اصرعه صرعا بالرّصاص فإنّه شبح الوباء ** هرع الطبيب إليّ آه لعلّه عرف الدواء للداء في جسدي فجاء هرع الطبيب إليّ و هو يقول ماذا في العراق الجيش ثار و مات قاسم أيّ بشرى بالشّفاء و لكدت من فرحي أقوم أسير أعدو دون داء مرحى له أي انطلاق مرحى لجيش الأمة العربية انتزع الوثاق يا أخوتي بالله بالدم بالعروبة بالرجاء هبّوا فقد صرع الطغاة و بدّد الليل الضياء فلتحرسوها ثورة عربيّة صعق الرّفاق منها وخر الظالمون لأن تموز استفاق من بعد ما سرق العميل سناه فانبعث العراق |
قصيدة من درم ( بدر شاكر السياب ) من درم أكتبها قصيدة كالنجم في آفاقه البعيدة لا يبعث الدفء و لا ينير يلمحه الصغير فيبسط الكفّ له يشير يقطر في أحلامه السعيدة يعلق بالضباب كنغفة السراب تضلل القوافل الشريدة ** اليأس يوحيها أو الملال كأنّها في الظلمة الظّلال تعمق الظلمة حين تنشر أظلّ ما يقال في نفس شاعر يموت عمره يبعثر و يقبر يمشي على عكازة و يعثر أيامه إلى رداه سفر و عيشه انسلال عبر جدار الموت ما يزال شاء الرّدى حاول أن يريده لكن وحشا ضاريا يزمجر في كهفه وحيّة من بابل التليده يطير نحو الموت منه شرر تفحّ في وجه الردى و تصفر فيكتب القصيدة يريد أن يجدّد البقاء أ يعيده أن يهدي القوافل الشريدة فلا تتيه في صحارى العدم بقبره في درم ** من درم أكتبها قصيدة كالنجم ضلّ في سديم العدم |
كيف لم أحببك ( بدر شاكر السياب ) كيف ضيعتك في زحمة أيامي الطويلة لم أحل الثوب عن نهديك في ليلة صيف مقمرة يا عبير التوت من طوقيهما مرغت وجهي في خميله من شذى العذراء في نهديك ضيعتك آه يا جميلة إنه ذنبي الذي لن أغفره كيف لم أحببك يا لهفة ما بعد الأوان في فؤاد لم تكوني فيه إلا جذوة في مجمره شعرك الأشقر شع اليوم شمشا في جنابي يتراءى تحتها ساقاك يا للزنبق رف من ساقيك آه كيف ضيعتك يا سرحة خوخ مزهره آه لو عندي بساط الريح لو عندي الحصان الطائر آه لو رجلاي كالأمس تطيقان المسير لطويت الأرض بحثا عنك لكن الجسورا قطعتها بيننا الأقدار مات الشاعر في و انسدت كوى الأحلام أه يا جميله |
لأني غريب ( بدر شاكر السياب ) لأنّي غريب لأنّ العراق الحبيب بعيد و أني هنا في اشتياق إليه إليها أنادي : عراق فيرجع لي من ندائي نحيب تفجر عنه الصدى أحسّ بأني عبرت المدى إلى عالم من ردى لا يجيب ندائي و إمّا هززت الغصون فما يتساقط غير الردى حجار حجار و ما من ثمار و حتى العيون حجار و حتى الهواء الرطيب حجار يندّيه بعض الدم حجار ندائي و صخر فمي و رجلاي ريح تجوب القفار ** |
لا تزيديه لوعة ( بدر شاكر السياب ) لا تزيديه لوعة فهو يلقاك لينسى لديك بعض اكتئابه قربي مقلتيك من وجهه الذاوي تري في الشحوب سر انتحابه و انظري في غصونه صرخة اليأس أشباح غابر لا من شبابه : لهفة تسرق الخطى بين حفنيه و حلم يموت في أهدابه ** و اسمعيه إذا اشتكى ساعة البين و خاف الرحيل- يقوم اللقاء و احجبي ناظريه, في صدرك المعطار وعن ذاك الرصيف المضاء عن شراع يراه في الوهم ينساب وموج يحسه في المساء : الوداع الحزين!! شذى ذراعيك عليه على الأسى والشقاء ** حدثي حديثيه عن ذلك الكوخ وراء النخيل بين الروابي حلم أيامه الطوال الكئيبات فلا تحرميه حلم الشباب أوهميه بأنه سوف يلقاك على النهر تحت ستر الضباب وأضيئي الشموع في ذلك الكوخ وإن كان كله من سراب ** كلما ضج شاكيا في ذراعيك انتهاء الهوى صرخت انتهارا فارتمي أين يرتمي صدره الجـ ـاش حزناً وحيرة وانتظارا ؟ اغضبي وادفعيه عن صدرك القاسي وأرخي على هواه الستارا أوصدي الباب خلفه.. واتركيه مثلما كان.. للدجى والصحارى ! |
لقاء و لقاء ( بدر شاكر السياب ) لست أنت التي بها تحلم الروح و لست التي أغني هواها كان حب يشد حولي ذراعيك و يدني من الشفاه الشافاها و اشتياق كأنما يسرق الروح فما في العيون إلا صداها! و انتهينا فقلت أني سأنساه و غمغمت سوف ألقى سواها ** أمس طال اللقاء حتى تثاءبتِ و شاهدت في يديك الملالا في ارتخاء النسيج تطويه يمناك و عيناك ترمقان الشمالا في الغياب الطويل و المقعد المهجور ترمي يدي عليه الظلالا في الشفاه البطاء تدنو من الكوب و ترتد ثم تلقى سؤالا ** التقينا أهكذا يلتقي العشاق؟ أم نحن وحدنا البائسان؟ لا ذراعان في انتظاري على الباب و لا خافق يعد الثواني في انتظاري و لا فم يعصر الأزمان في قبله و لا مقلتان تسرقان الطريق و الدمع من عيني والداء و الأسى من كياني ** قد سئمت اللقاء في غرفة أغضى على بابها اكتئاب الغروب : الضياء الكسول و المزهريات تراءى بهن خفق اللهيب كالجناح الثقيل في دوحة صفراء في ضفة الغدير الكئيب ** و احتشاد الوجوه مثل التماثل احتواهن معبد مهجور سمرت قبلة التلاقي على ثغري فعاد كما يطل الأسير من كوى سجنه إلى بيته النائي كما يخفق الجناح الكسير للغدير البعيد كالموجة الزرقاء جاشت فحطمتها الصخور! ** عز حتى الحديث بين الأحاديث و حتى التقاؤنا بالعيون في فؤادي الشقي مثل الأعاصير و في سادعي مثل الجنون التقينا ؟ أكان شوقي للقياك اشتياقيا إلى الضياء الحزين واحتشاد الوجوه في الغرفة الجوفاء و الشاي و الخطى و اللحون ** الخطى و اللحون من فجوة الباب تسللن و الضياء الضئيلا و الأزاهير تشرب النور في بطء و يعكسنه ابتسامًا ذليلاً كابتساماتي الحيارى و إطراقي برأسي و قد ذكرت الحقولا و الغناء الطروب و المعبر المغمور بالنور و الشذى و النخيلا ** لست أنت التي بها تحلم الروح و لكنه الغرام المضاع: الخطى العابرات في النور و الأنداء و الشط و الضحى و الشراع التقينا يد تمد إلى أخرى و للنور في الشفاه التماع ترقص القبلة المرجاة فيه ثم يدنو فم و تطوي ذراع! ** لست أنت التي بها تحلم الروح-ولكنهانتظار اللقاء انتظار التي تحلم بها الروح إذا لفها اكتئاب المساء و استبد الحنين و انثالت الأصداء من كل ضفة قمراء لا تراها العيون في عالم ناء و من كل باب كوخ مضاء ** إنها الآن في انتظاري تجيل الطرف حيرى على امتداد الطريق و المساء الكئيب قد ماج بالأصداء تنساب من مكان سحيق اتبعينا.. فإن في الشاطيء النائي شراعا يهيم بالتصفيق و الحبيب المجهول ناداك و امتدت ذراعاه في انتظار عميق |
لن نفترق ( بدر شاكر السياب ) هبت تغمغم : سوف نفترق روح على شفتيك تخترق صوت كأن ضرام صاعقة ينداح فيه ... وقلبي الأفق ضاق الفضاء وغام في بصري ضوء النجوم وحطم الألق فعلى جفوني الشاحبات وفي دمعي شظايا منه أو مزق فيم الفراق ؟ أليس يجمعنا حب نظل عليه نعتنق ؟ حب ترقرق في الوعود سنا منه ورف على الخطى عبق * أختاه، صمتك ملؤه الريب ؟ فيما الفراق ؟ أما له سبب ؟ الحزن في عينيك مرتجف واليأس في شفتيك يضطرب ويداك باردتان : مثل غدي وعلى جبينك خاطر شجب ما زال سرك لا تجنحه آه مأججة : ولا يثب حتى ضجرت به وأسأمه طول الثواء وآده التعب إني أخاف عليك وأختلجت شفة إلى القبلات تلتهب * ثم إنثنيت مهيضة الجلد تتنهدين وتعصرين يدي وترددين وأنت ذاهلة إني أخاف عليك حزن غد فتكاد نتتثرالنجوم أسى في جوهن كذائب البرد لا تتركي لا تتركي لغدي تعكير يومي ما يكون غدي وإذا ابتسمت اليوم من فرح فلتعبسن ملامح الأبد ما كان عمري قبل موعدنا إلا السنين تدب في جسد * أختاه لذّ على الهوى ألمي فاستمتعي بهواك وابتسمي هاتي اللهيب فلست أرهبه ما كان حبك أول الحمم ما زلت محترقا تلقفني نار من الأوهام كالظلم سوداء لا نور يضيء بها جذلان يرقص عاري الفدم هاتي لهيبك إن فيه سناً يهدي خطاي ولو إلى العدم |
لوي مكنيس ( بدر شاكر السياب ) أتى نعيه اليوم جاب الديار و جاب المحيطات حتى أتاني فلم تجر بالأدمع المقلتان فقد غاغلت من دمي في القرار أبي مات لم أبك حزنا عليه و إن جن قلبي من الهم و انهد شوقا إليه نعته إلينا مجله نهاة مقال حزين نعته لنا آدميا مؤله سماواته الشعر يصرخ بالغافلين و أحسست بالشوق ( المدمنين إلى جرعة من طلى ظامئين إلى شعره لأحرق قربان وجد و حب فؤادي في جمرة و لكن ديوانه دفينا غدا بين أكداس كتب تلص العناكب ألوانه و يقرأه الصمت للآخرين و من لي بإخراج كنز دفين تهاوى عليه الحجار كسيح أنا اليوم كالميتين أنادي فتعوي ذئاب الصدى في القفار كسيح كسيح و ما من مسيح و تقرع للصدى في الضباب أمن بعد عشرين مثل الحراب يمزقن جنبي مثل النضال ارجى ادكارا لأبياته وهل يتذكر طفل ملامح أمواته وقد بعثرتها صروف الليالي و بين المحبين زوجين عادا يدحرج شاي الصباح صحارى يضيع الصدى في دجاها الفساح و عند المساء تقوم الجريدة جدارا يدقانه بالأكف الوحيدة فتضحك إذ يضربان الرياح و ما بين زوجي و بيني خواء فليت الصحارى و ليت الجدار توحد ما بين زوجي و بيني ببرد الشتاء وصمت الحجار و يا ليتي مت إن السعيد من اطرح العبء عن ظهره وسار إلى قبره ليولد في موته من جديد |
ليلة القدر ( بدر شاكر السياب ) يا ليلة تفضل الأعوام والحقبا هيجت للقلب ذكرى فاغتدا لهبا وكيف لا يغتدي نارا تطيح به قلب يرى هرم الاسلام منقلبا يرى شعائر دين الله هاربة يسفها النوء تمضي حيثما ذهبا أين العنان الذي تلويه عاصفة ما فاتحين يرون الموت مطلبا للرغو حول شدوق الخيل وسوسة والنقع يذري لثاما قنع السحبا من كل محتسب بالله متكل عليه يفري ضلوع البغي ان ضربا كأن أسيافهم في كل معمعة جسر الى جنة الفردوس قد نصبا يا ليلة القدر يا ظلا تلوذ به ان مسنا جاحم الرمضاء ملتها ذكراك في كل عام صبيحة عبرت من عالم الغيب تدعو الفتية العربا أقوم أحمد مضروب على يدهم بالذل من هول ذاك الفتح واعجبا تفرقوا شيعا في كل حاضرة قوم يقيمون من أغلالهم نصبا لولا بقايا من الثوار صامدة في ظل وهران تسقي خصمها العطبا تكون ولى فرارا من جحافلها والرعب مما تصك الظالم ارتعبا لقلت واضعية الاسلام في بلد بالأمس أعلى منار الحق ثم خبا يا ليلة القدر أعلي قدر أمتنا شهم تعالى على الشيطين وانتصبا عبد الكريم الذي جاد الكريم به أقال من عثرة شعبا بما وهبا ما كان يرغب عن أنوالر ثورته الا الخفافيش ساءت تلك منقلبا هووا الى قاع بئر قرار لها مستمسكين بحبل من دم خضبا حبل تشد يد الشيطان أوله ويجذب الفوضوي الخائن الذنبا كم جيد عذراء دق الحبل أتلعه وكم ذراع لطفل قص واجتذبا ياليلة القدر نورا أضاء لنا قاع السماء فأبصرنا مدى عجبا تترل الروح رفافا بأجنحة بيض على الكون أرخاهن أو سحبا عطف الأمومة في عينيه متقد وان يكن للتقاة المحسنين أبا وللملائك تسح وزغردة تكاد رناتها أن تذهل الشهبا ومن دماء الضحايا في جوانبه نار تمد اللسان المغلق الذربا يشكو الى الله ذرى عقاربه فأنبت زهرا من سمها أشبا ومن هوت تقطع الأضلاع مديته وساق ظلما الى الجلاد من هربا ذكرى تعود كأن الغدر يبعثها من كهف أمس الذي ولى بما كسبا أمس الذي ان غفلنا عاد جاحمه فاقتص ممن يحب الله والعربا لا صلح بين الهدى والبغي لا سنة تعمي النواظر عمن سامنا العطبا |
ليلة انتظار ( بدر شاكر السياب ) يد القمر الندية بالشذى مرت على جرحي يد القمر الندية مثل أعشاب الربيع لها إلى الصبح خفوق فوق وجهي كف طفلتي الصغيرة كف آلاء و همس حول جرحي كف الكبيرة كف غيداء تدغدغني و نحن على السرير معا على السطح هناك و آه من ذاك المدى النائي لأقرب منه مجمرة الثريا و هي تلتهب بعيد يوم فيه أمشي دون عكاز على قدمي يئست من الشفاء يئست منه و هدني التعب و حل الليل ما أطويه من سهر إلى سهر و من ظلم إلى ظلم و لكن اليد النديانة الكسلى ترش سنابل القمح على درب من الهمسات في حلم بلا نوم يرف على جفوني ثم يحشوهن بالملح غدا تأتين يا إقبال يا بعثي من العدم و يا موتي و لا موت و يا مرسى سفينتي التي عادت و لا لوح على لوح و يا قلبي الذي إن مت أتركه على الدنيا ليبكيني و يجأر بالرثاء على ضريحي و هو لا دمع و لا صوت أحبيني إذا أدرجت في كفني أحبيني ستبقى حين يبلى كل وجهي كل أضلاعي و تأكل قلبي الديدان تشربه إلى القاع قصائد كنت أكتبها لأجلك في دواويني أحبيها تحبيني |
ليلة وداع ( بدر شاكر السياب ) أوصدي الباب فدنيا لست فيها ليس تستأهل من عيني نظرة سوف تمضين و أبقى أي حسرة أتمنى لك ألا تعرفيها آه لو تدرين ما معنى ثواني في سرير من دم ميت الساقين محموم الجبين تأكل الظلماء عيناي و يحسوها فمي تائها في واحة خلف جدار من سنين و أنين مستطار اللب بين الأنجم في غد تمضين صفراء اليد لا هوى أو مغنم نحو العراق و تحسين بأسلاك الفراق شائكات حول سهل أجرد مدها ذاك المدى ذاك الخليج و الصحارى و الروابي و الحدود أي ريش من دموع أو نشيج سوف يعطينا جناحين نرود بهما أفق الدجى أو قبة الصبح البهيج للتلاقي كل ما يربط فيما بيننا محض حنين و اشتياق ربما خالطه بعض النفاق آه لو كنت كما كنت صريحة لنفضنا من قرار القلب ما يحشو جروحة ربما أبصرت بعض الحقد بعض السأم خصلة من شعر أخرى أو بقايا نغم زرعتها في حياتي شاعره لست أهواها كما أهواك يا أغلى دم ساقي دمي إنها ذكرى و لكنك غيرى ثائرة من حياة عشتها قبل لقانا وهوى قبل هوانا أوصدي الباب غدا تطويك عني طائرة غير حب سوف يبقى في دمانا |
مأساة الميناء ( بدر شاكر السياب ) سل الميناء لو سمع الخطابا فروي غلة الصادي جوابا و ابطال ( النقابة ) كيف باتوا يذوقون المذلة و العذابا أذنب أن يقال لنا حقوق أبي أصحابهن لها اغتصابا و عدل أن تجرع كل حر يد المستعمرين قذى و صابا حلال لابن ( لندن ) في حمانا دم ابن الرافدين فلا عتبا وجور أن نمد يدا إليه و حق أن يمد لنا حرابا جموع الكادحين و جمعتنا مصائب ست أدركها حسابا و حقد إن ذممت سواه حقدا فلا ألقاه إلا مستطابا على المستعمرين بصب نارا و أبناء الثراء لظى مذابا و رثناه الأبوة و هو باق سنورثه البنين منى عذابا و دنيا لا يغيب العدل عنها إذا هو عن سواها كان غابا بربك حدثيني أي جان تصيد منك أبناء نجابا و أمسى منك دون حمى أمين تحد جنوده ظفرا و نابا أطل على النقابة منه طرف مغيظ كاد يلتهب التهابا و أزجى مثقلين بنافثات لهيب النار يحملن الحرابا يذيقون المهانة كل حر دعاه هوى النقابة فاستجابا و ما غير المطارق من سلاح و قد كرمت إلى الحق انتسابا لك الفخر المخلد من جيوش على الجمع القليل تجوز بابا وصانك من عدوك ( مستشار ) و حسبك أن غدوت له ذنابى رضاه بأن تريعي كل دار تضم الكادحين و قد أصابا فما كالكادحين له عدو إذا استرضاه مرتزق و حابى أبالأغلال يخنق صوت شعب تهزأ بالحمام لقد تغابى دع الآفاق تزخر بالضحايا و سمع الريح يمتليء انتحابا و غذ بنا السجون و من دمانا فرو البيد أو فاسق السرابا فيا غير الجلاء لك انتهاء فإن الشعب قد هتك الحجابا و ألوى بالطغاة فما توانى و بالمستعمرين فما أنابا جموع الكادحين و جل عارا رضانا بالهوان وخس عابا دعاك إلى النضال شقاء شعب تحمل من مذلته الصعابا خذي يالثأر خصمك لا تليني وجدي غير قاصرة طلابا و سار لك الغد الزاهي فسيري وزيدي من محياه اقترابا و أصمي في جوانح كل طاغ فؤادا كان للشر استجابا يكاد الظامئون من الضحايا يصيحون اجعلي دمه شرابا تطل عليك أحداق العذارى من الأكفان حانقة غضابا دم الأعراض عاد بها اصفرارا و عاد على يد الجاني خضابا و أجسام الطغاة حجين عنا ضياء لا نريد له احتجابا ستنصب الأشعة من خروق رصاص الشعب زاذ بها انصبابا لك الغد و الحياة و للأعادي معاول تحفرين بها الترابا فصيحي ( بالحليف إليك عنا فلا حلفا نريد و لا انتدابا |
متى نلتقي ( بدر شاكر السياب ) ألايأكل الرعب منا الضلوع أذا ما نظرنا ألى ظل تينه فلاحت لنا من ظلام قلوع تهدهدها غمغمات حزينه ألايأكل الرعب منا الضلوع ألاتتحجر منا العيون أذا لاح في الليل ظل البيوت هزيلا كما ينسج العنكبوت ألا تتحجر منا العيون و يلمع فيها بريق الجنون و بألامس كنا يذيب العناق دما في دم كنوز ونارسناواحتراق يجولان في مترل مظلم و لكن ما بيننا كان بحر تغنيك امواحه العاتيه سنرعاك من قلعة شد منها حديدوصخر فما الحب هدم لجدرانك العاليه ولكن ما بيننا كان بحر وصحراء تنشج فيها النجوم و لا نلتقي في دجى او صباح تموت على رملها عاصفات الرياح و تأكل عين الدليل التخوم وصحراء تنشج فيها النجوم وطارت بي الريح عبر البحار ألى الليل و الثلج و المجهل فصرنا الا واقع لا نحار بألغازه فاسألي و طارت بي الريح عبر البحار أما من لقاء لنا في الزمان بلى حينما تفهمين اللقاء فيأوى ألى اللوحة المغرقان يشدانها يرفعان الدعاء ألانجنا يا اله الدعاء ألايأكل الرعب منا الضلوع أذا ما نظرنا ألى ضل تينه فلاحت لنا من ضلام قلوع تهدهدها غمغمات حزينه ألايأكل الرعب منا الضلوع |
مدينة السراب ( بدر شاكر السياب ) عبرت أوربا إلى أسيه وما انطوى النهار كأنما الجبال و البحار ربى و أطراف من الساقية يطرفها الصغار بين شروق الشمس و الغروب تعانق الشمال و الجنوب ونامت المروج قي القفار و أنت يا ضجيعتي كأنك الكواكب البعيدة كأنّ بيننا من الكرى جدار تضمّك اليدان تعصران جثة بليدة كأنني معانق دمي على حجار في منزل لصوصة الرياح و الهجير و الغيوم مساؤه السكون و النجوم وصيحة انتظار ترامت السنون بيننا : دما و نار أمدّها جسور فتستحيل سور و أنت في القرار من بحارك العميقة أغوص لا أمسّها تصكّني الصخور تقطّع العروق في يدي أستغيث آه يا وفيقة يا أقرب الورى إليّ أنت يا رفيقة للدود و الظلام عشر سنين سرتها إليك ياضجيعة تنام معي وراء سورها تنام في سرير ذاتها و ما انتهى السّفار إليك يا مدينة السراب يا ردى حياتها عبرت أوربا إلى آسيه و ما انطوى النهار و أنت يا ضجيعتي ، مدينة نائية مسدود أبوابها و خلفها وفقت في انتظار ** نبوءة و رؤيا نبوءتك المريرة عذّبتني مزقت روحي نبوءتك الرهيبة أيها العراف تبكيني رأيت مسالك الأفلاك تهرعبالملايين قرأت خواطر الريح ووسوسة الظلام كأن حقلا بات ينتحب ستنطفيء الحياة و رحت ترسم موعد القدر إذا حدجتني الشهب هتفت بها غدا سنموت فانهمري على البشر لأهون أن أموت لديك وحدي دون حشرجة و لا أنّه من القدر المرّوع يجرف الأحياء بالآلاف ولكني أصيخ إلى النهار فأسمع العراف يهدّد سوف يهلك من عليها سوف تلتهب وتسرب في دمي جنّه و حين رقدت أمس رأيت في ظلموت أحلامي رؤى تتلاحق الأنفاس منها ثم تنقطع أفقت و ما تزال تضيء في خلدي و تندلع كما يتفجر البركان في ظلمات ليل دون انسام بلا قمر و أن يك في المحاق أكاد أقتلع أكاد أمزق الدم في عروقي بارتعاد روحي الحيرى أكاد أعانق القبرا أرى أفقا و ليلا يطبقان على من شرفه و لي و لزوجتي في الصمت عند حدودها وقفة نحدق في السماء و نمنع الطفلين من نظر إلى ما في دجاها الراعب المأخوذ من سقر تطفّأت الكواكب و هي تسقط فيه كالشرر تطفّأ تحت ذيل الريح و هي تسفّه سفا كأنّ عصا تسوق مواكب الأفلاك في الصحراء من ظلم ويلهث تحتنا الآجرّ يزحف تحتنا زحفا تضعضع فهو يمسك نفسة ويئن من ألم ليهوي حين يغفل حين يعجز ثم ينهار دجى نثرت بها نار بني إليك صدري فيه فادفن وجهك الطفلا بنيّ صه أقصّ عليك أية قصّة عندي ؟ تفجرت الفقاعة و انتهى أبّد إلى حدّ علام أتيت للدنيا ليدرك عمرك الليلا لتحيا أربع السنوات ثم لتبصر الساعة تقوم و لست تدرك ما تراه ؟ تريد أن تحيا و تجهل أن موتك فيه بعثك أن للدنيا نهاية سلّم يفضي إلى أبد من الملكوت قلبك ؟ آه .. من راعه ؟ بكاؤك و ارتعابك فيهما لله أحراج و باسمها اسائله الحساب : اتصرع الأطفال لتشهد لوعة الآباء ؟ تسعد قلبك الآمال تخيب يكاد يهوي من صراخي عنده التاج و يهدم عرشه و يخرّ تطفأ حوله الآباد و الآزال ويقطر لابن آدم ألما و ينفطر |
مدينة السندباد ( بدر شاكر السياب ) جوعان في القبر بلا غذاء عريان في الثلج بلا رداء صرخت في الشتاء أقضّ يا مطر مضاجع العظام و الثلوج و الهباء مضاجع الحجر و أنبت البذور و لتفتح الزّهر و أحرق البيادر العقيم بالبروق و فجّر العروق و أثقل الشجر و جئت يا مطر تفجّرت تنثك السماء و الغيوم و شقّق الصخر و فاض من هباك الفرات و اعتكر و هبّت القبور هزّ موتها و قام و صاحت العظام تبارك الأله واهب الدّم المطر فآه يا مطر نودّ لو ننام من جديد نودّ لو نموت من جديد فنومنا براعم انتباه و موتنا يخبّيء الحياه نود لو أعادنا الإله إلى ضمير غيبة الملبّد العميق نود لو سعى بنا الطريق إلى الوراء حيث بدؤه البعيد من أيقظ العازر من رقاده الطويل ليعرف الصباح و الأصيل و الصيف و الشتاء لكي يجوع أو يحسّ جمرة الصدى و يحذر الردى و يحسب الدقائق الثّقال و السّراع و يمدح الرعاع و يسفك الدماء من الذي أعادنا أعاد ما نخاف من الإله في ربوعنا تعيش ناره على شموعنا يعيش حقده على دموعنا -2- أهذا أدونيس هذا الحواء و هذا الشحوب و هذا الجفاف أهذا أودنيس أين الضياء و أين القطاف مناجل لا تحصد أزاهر لا تعقد مزارع سوداء من غير ماء أهذا انتظار السنين الطويله أهذا صراخ الرجوله أهذا أنين النساء أودنيس يا لاندحار البطوله لقد حطم الموت فيك الرجاء و أقبلت بالنظرة الزائغة و بالقبضة الفارغة بقبضة تهدّد و منجل لا يحصد سوى العظام و الدم اليوم و الغد متى سيولد متى سنولد -3- الموت في الشوارع و العقم في المزارع و كلذ ما نحبّه يموت الماء قيّدوه في البيوت و ألهث الجداول الجفاف هم التتار أقبلوا ففي المدى رعاف و شمسنا دم و زادنا دم على الصّحاف محمد اليتيم أحرقوه فالمساء يضيء من حريقه و فارت الدماء من قدميه من يديه من عيونه و أحرق الإله في جفونه محمّد النبيّ في حراء قيّدوه فسمّر النهار حيث سمّروه غدا سيصلب المسيح في العراق ستأكل الكلاب من دم البراق -4- يا أيها الربيع يا أيها الربيع ما الذي دهاك جئت بلا مطر جئت بلا زهر جئت بلا ثمر و كان منتهاك مثل مبتداك يلفه النجيع و أقبل الصيف علينا أسود الغيوم نهاره هموم و ليله نسهر فيه نحسب النجوم حتى إذا السنابل نضحن للحصاد و غنت المناجل و غطت البيادر الوهاد خيّل للجياع أنّ ربّه الزّهر عشتار قد أعادت الأسير للبشر و كللت جبينه الغضير بالثمر خيّل للجياع أنّ كاهل المسيح أزاح عن مدفنه الحجر فسار يبعث الحياة في الضّريح و يبريء الأبرص أو يجدّد البصر من الذي أطلق من عقالها الذئاب من الذي سقى من السّراب و خبأ الوباء في المطر الموت في البيوت يولد يولد قابيل لكي ينتزع الحياة من رحم الأرض و من منابع المياه فيظلم الغد و تجهض النساء في المجازر و يرقص اللهيب في البيادر و يهلك المسيح قبل العازر دعوه يرقد دعوه فالمسيح ما دعاه ما تبتغون لحمه المقدّد يباع في مدينة الخطاه مدينة الحبال و الدماء و الخمور مدينة الرصاص و الصخور أمس أزيح من مداها فارس النّحاس أمس أزيح فارس الحجر فران في سمائها النعاس و رنق الضجر و جال في الدروب فارس من البشر يقتل النساء و يصبغ المهود بالدماء و يلعن القضاء و القدر -5- كأن بابل اغلقديمة المسوّرة تعود من جديد قبابها الطوال من حديد يدق فيها جرس كأنّ مقبره تئن فيه و السماء ساح مجزره جنانها المعلقات زرعها الرؤوس تجرها قواطع الفؤوس و تنقر الغربان من عيونها و تغرب الشموس وراء شعرها الخصيب في غصونها أهذه مدينتي ؟ أهذه الطلول خطّ عليها عاشت الحياة من دم قتلاها فلا إله فيها و لا ماء و لا حقول أهذه مدينتي ؟ خناجر التتر تغمد فوق بابها و تلهث الفلاه حول دروبها و لا تزورها القمر أهذه مدينتي أهذه الحفر و هذه العظام يطلّ من بيوتها الظلام و تصبغ الدماء بالقتام لكي تضيع لا يراها قاطع الأثر أهذه مدينتي جريحة القباب فيها يهوذا أحمر الثياب يسلّط الكلاب على مهود إخوتي الصغار و البيوت تأكل من لحومهم و في القرى تموت عشتار عطشى ليس في جبينها زهر و في يديها سلة ثمار حجر ترجم كل زوجة به و للنخيل في شطّها عويل |
مدينة بلا مطر ( بدر شاكر السياب ) مدينتنا تؤرّق ليلها نار بلا لهب تحمّ دروبها و الدّور ثم تزول حمّاها و يصبغها الغروب بكل ما حملته من سحب فتوشك أن تطير شراره و يهب موتاها صحا من نومه الطينيّ تحت عرائش العنب صحا تموز عاد لبابل الخضراء يرعاها و توشك أن تدق طبول بابل ثم يغشاها صفير الريح في أبراجها و أنين مرضاها و في غرفات عشتار تظل مجامر الفخار خاوية بلا نار و يرتفع الدعاء كأن كل حناجر القصب من المستنقعات تصيح لاهثة من التعب تؤوب إله الدم خبز بابل شمس آذار و نحن نهيم كالغرباء من دار إلى دار لنسأل عن هداياها جياع نحن و اأسفاه فارغتان كفّاها و قاسيتان عيناها و باردتان كالذهب سحائب مرعدات مبرقات دون إمطار قضينا العام بعد العام بعد العام نرعاها وريح تشبه الإعصار لا مرّت كإعصار و لا هدأت ننام و نستفيق و نحن نخشاها فيا أربابنا المتطلعين بغير ما رحمه عيونكم الحجار نحسّها تنداح في العتمة لترجمنا بلا نقمة تدور كأنهن رحى بطيئات تلوك جفوننا حتى ألناها عيونكم الحجار كأنّها لبنان أسوار بأيدينا بما لا تفعل الأيدي بنيناها عذارانا حزاني ذاهلات حول عشتار يغيض الماء شيئا بعد شيء من محيّاها و غصنا بعد غصن تذبل الكرمة بطيء موتنا المنسلّ بين النور و الظلمة له الويلات من أسد نكابد شدقه الأدرد أنار البرق في عينيه أم من شعله المعبد أفي عينيه مبخرتان أوجرتا لعشتار أنافذتان من ملكوت ذات العالم الأسود هنالك حيث يحمل كل عام جرحة الناريّ جرح العالم الدوار فاديه و منقذه الذي في كل عام من هناك يعود بالازهار و الأمطار تجرحنا يداه لنستفيق على أياديه و لكن مرّت الأعوام كثرا ما حسبناه بلا مطر و لو قطرة و لا زهرة و لو زهرة بلا ثمر كأنّ نخيلنا الجرداء أنصاب أقمناها لنذبل تحتها و نموت سيدنا جفانا آه يا قبره أما في قاعك الطيني من جرّة أما فيها بقايا من دماء الرب أو بذره حدائقه الصغيرة أمس حعنا فافترسناها سرقنا من بيوت النمل من أجرانها دخنا و شوفانا و أوشابا زرعناها فوفّينا و ما وفى لنا نذره و سار صغار بابل يحملون سلال صبّار و فاكهة من الفخّار قربانا لعشتار و يشعل خاطف البرق بظل من ظلال الماء و الخضراء و النار و جوههم المدوّرة الصغيرة و هي تستسقي فيوشك أن يفتّح و هي تومض حقل نوار ورفّ كأنّ ألف فراشة نثرت على الأفق نشيدهم الصغير قبور إخوتنا تنادينا و تبحث عنك أيدينا ل؟أن الخوف ملء قلوبنا و رياح آذار تهز مهودنا فنخاف و الأصوات تدعونا جياع نحن مرتجفون في الظلمة و نبحث عن يد في الليل تطعمنا تغطّينا نشد عيوننا المتلفتات بزندها العاري و نبحث عنك في الظلماء عن ثديين عن حلمة فيا من صدرها الأفق الكبير و ذديها الخيمة سمعت نشيجنا و رأيت كيف نومت فاسقينا نموت و أنت واأسفاه قاسية بلا رحمة فيا آباءنا من يفتدينا من سيحيينا و من سيمةت يولم لحمه فينا و أبرقت السماء كأن زنبقة من النار تفتح فوق بابل نفسها و أضاء وادينا و غلغل في قراره أرضنا |
مرئية الآلهة ( بدر شاكر السياب ) بلينا و ما تبلى النجوم الطوالع و يبقى اليتامى بعدنا و المصانع وبقى كرب الجالب الكرب كالصدى يغص المنادى بالردى وهو راجع كأن الأميبي توأم وهو توأم لها فهو في منجى من الموت قابع و لكنه الفرد الذي يزحف الورى إلى حيث ترمي مقلتيه المطامع أعنقاء من صحراء مجد تقحّمت بها مغرب الشمس البعيد الزعازع أم انسل من أهرام فرعون هاجع وقته انتقاص الدود منه المباضع و من ليس يحيا لن يرى و هو مالك فلو كان يحيا ما عدته الفواجع و ما كان إلا اسما كرب ابن مثله به يدمغ اثنان الورى و البضائع و لكنه اسم بالأسامي يغتذي تهجاه زفار اللظى و المدافع تمنيت أني آله لا يصيبها كلال و لا وقت بها مرّ ضائع لها من دماء الناس قوت و خلفها من المال عن أن ينفذ القوت مانع و ما تخطىء الآلات من الجمع تارة و في الطرح إن يخطىء من الناس جامع و لا عاقبتها عصبة من ورائها علينا عقاب برئوا منه واقع ألا كم رفعنا من إله و كم هوى إله و أضحى ثالث و هو رابع فما جاوزنا صورة منه خطها على غفلة منا مجيع و جائع و ما كان معبودا سوى ما نخافة و نرجوه أو ما خيلته الطبائع فتموز مثل اللات و الرعد ما رمى بغير الذي تطوى عليه الأضالع و كم أله التمر التهامي معشر لما ليس يحيا دونه الناس راكع فلما شكا بعد الأثافي قدرها وضنت على الشدق الحفي المراضع كفى كل ثغر كان يدعوه جوعه إله أحاطته المدى و الأصابع دمى هذه الخمر التي تشربونها و لحمي هو الخبز الذي نال جائع و لما تشظى قلب نرسيس و أنثى يلم الشظايا شار وبائع و غذّى بها القلب الذي حين ذاقها نما فيه نابا كوسج فهو قاطع هوى كل عال من إله و سافل إلى حيث ما م راحل ثم راجع و أفضى إلى العرس السديمي معدن بما امتاح من أحدق ميدوز لا مع هو الشمس إلا أن في زمهريره من الموت ظلا حجّبته البراقع جزى أمه الأرض التي من عروقها ربا و اغتذى في جوفها و هو هاجع بشر الذي يجزى به شر من عذا و أروى و يجزاه العدو المنازع فأدمى بنيها وارتعى من بناتها حقولا ترجى فهي شوه بلاقع كقابيل يغتال الأشقاء راكل كأوديب للخبز الإلهي صافع و هذا الإله الأملس الفظ ما جلا لنرسيس يجثو عنده و هو خاشع سوى وجه نرسيس الرخامي شابه شحوب يهوذي التلاوين ناقع و أوفى من الأرباب جيل يئمّه على قمّة الأولمب ربّ مخادع ترى فحم إذ يلقاه يلقاه راجفا و فولاذ من تلماح عينيه مائع و يا عهد كنّا كابن حلاّج واحدا مع الله إن ضاع الورى فهو ضائع أكلّ الرّجال الجوف أن يملأوا به خواء الحشا هذا الإله المضارع فعاد الفقير الروح من ليس كاسيا به ظاهرا منّا فحل التنازع |
مرثية جيكور ( بدر شاكر السياب ) يا صليب المسيح ألقاك ظلا فوق جيكور طائر من حديد يا لظل كظلمة القبر في اللون و كالقبر في ابتلاع الخدود و التهام العيون من كل عذراء بيت لحم الولود مرّ عجلان بالقبور العواري من صليب على النصارى شهيد فاكتسب منه بالصليب الذي ما كان إلا رمزا الهلاك الأبيد لا رجاء لها بأن يبعث الموتى و لا مأمل لها بالخلود ويل جيكور ؟ أين أيامها الخضر و ليلات صيفها المفقود و العشاء السخي في ليلة العرس و تقبيلة العروس الودود و انتظار له على الباب محمود تأخرت يا أبا محمود ناد محمود ثم يوفي على الجمع بمنديل عرسه المعقود نقطته الدماء يشهدن للخدر بعذراء يا لها من شهود لا على العقم و الردى بل على الميلاد و البعث و الشباب الجديد أي صوت يصيح محمود محمود تأخرت كالنواح البعيد أين محمود ليس محمود في الدار و لا الحقل يا أبا محمود ناد محمود كاد أن يهتف الديك و ما زال جمهنا في الوصيد قل له يبرز الدماء فأنا في انتظار لها و شوق مبيد ذر نجم الصباح محمود محمود أأقبلت بالدم المنشود أي جرح يتر منه الدم الموار في باب دارك المرصود إنه منك منك هذا الدم الثر و من جانب العروس القديد الصليب الصليب إنا رأيناه و قد مر كالخيال الشرود قد رأيناه في الصباح و في الليل سمعنا كقعقعات الرعود أهو هذا الذي يريدون ؟ أشلاء و أنقاض منزل مهدود أفما قامت الحضارات في الأرض كعنقاء من رماد اللحود لا و لم افرح العقول على المجهول يسبرن فيه غور الوجوه أو يشقّ العباب قلع يصك الريح صكا إلى البعيد البعيد أو يلمّ النسيم عقدا من النور و يذروه باقة من ورود ساحر فجر المدى عن مدى ملآن باللحن مترع بالنشيد أو تدّق الأجراس يا أرض يا بشراك بالحبّ و المسيح الوليد لا و لم يختم الزجاج على كل هرقل من العقار الأكيد بخنق الموت كلما همّ بالناس و يجتاح كاسرات الأسود لا و لا قيس بعدما لفه الليل من الأرض و احتوى من حدود بالذي قاس حافة الساعة القوراء في قرصها ذراعا حديد أو يفض الظلام ألا لكي تندّك جيكور بالسلاح الجديد كي يراها على اتساع المدى و الشأو من ليس طرفه بالحديد من وراء المحيط و الليل و الغابات و البيد و الذرى و السدود أين من شال جين أطمار كلثوم ؟ و أن الغضا من الأركيد فيم أسرى صحاب جين المغاوير إلى زوج كلثوم المنكود ؟ أنت جيكور كل جيكور أحداق العذارى و باسلات الزنود و الرؤوس التي حثا فوقهنّ الدهر ما في رحاه من تنكيد صرّد القمح من نثار لها اللون و لم تحظ بالرغيف الوئيد فهي صحراء تزفر الملح آهات و شكوى لمائها المؤود خورس شيخ اسم الله ترللا قد شاب ترلّ ترلّ ترار و ما هلّ ترلل العيد ترللا ترللا عرّس حمادي زغردن ترلّ ترللا الثوب من الريز ترلّلا و النقش صناعة بغداد إنها الريح فاملئي الريح يا جيكور بالضحك أو نثار الورود فقطب الصمت حيث كانت أغانيك و حيث العبير نتن الصديد جاء قرن و راح و المدن في ضوضاء و ما زلن من حساب النقود ضاع صوت الضعاف فيها و آهات النبيين و ابتهال الطريد و استحال الفضاء من ضجة الآلات فيها و من لهاث العبيد غير هذا الفضاء شيئا لغير الآدميين ربما للقرود ربما للذئاب و الدود و الآذنى من الدود في الحضيض البليد ظلّ ذاك الضجيج كالجيفة الحبلى بما ليس غير عقم الولود ثمة التمّ في كرات من النار فألقى عليك صمت اللحود لا عليك السلام يا عصر تعبان بن عيسى و هنت بين العهود ها هو الآن فحمة تنخر الديدان فيها فتلظي من جديد ذلك الكائن الخرافيّ في جيكور هومير شعبه المكدود جالس القرفصاء في شمس آذار و عيناه في بلاط الرشيد يمضغ التبغ و التواريخ و الأحلام بالشدق و الخيال الوئيد ما تزال البسوس محمومة الخيل لديه و ما خبا من يزيد نار عينين ألقتاها على الشمر ظلالا مذبحات الوريد كلما لز شمره الخيل أو عرى أوزيده التحام الجنود شد راحا و أطلق المغزل الدراء يدحوه للمدار الجديد و انتهى من حديثه الضخم عن ضخم منالغزل و انتهى من قعود نصف عريان يسحب الطرف عن صدر تعرى و عن قميص فقيد غير بقيا على فم دق حتى عن فم العنكبوت في رأس عود مغزل ينقض الذي حاكه النول و جهد أضاع شتى جهود فهو كد و ليس بالكد أردى قبله اثنين و أدعى بالمزيد حاضر غير حاضر منه للماضي فناء و للغد الموعود لا عليك السلام يا عصر تعبان بي عيسى و هنت بين العهود أنت أيتمت كل روح من الماضي و سودت آله من حديد تسكب السم و اللظى لا حليب الأم أو رحمة الأب المفقود سلم في الحضيض أعلاه مرقاه انخفاض و إن بدا كالعصود حدقت منه في الورى مقلتا فوكاي تستشرقان أيام هود و المسيح المبيع بخسا بما لو بيع لحما لناء عن تسديد حدّقي حيث شئت يا عين فوكاي المدمّاه من مداك المديد فهي سوق تباع فيها لحوم الآدميين دون سلخ الجلود كل أفريقيا و آسيه السمراء ما بين زنجها و الهنود و اشتري لحم كلّ من نطق الضاد تجار تبيعه لليهود هكذا قد أسف من نفسه الإنسان و انهار مانهيار العمود فهو يسعى و حلمه الخبز و الأسمال و النعل و اعتصار النهود و الذي حارت البرية فيه بالتآويل كائن ذو نقود |
مرحى غيلان ( بدر شاكر السياب ) بابا بابا ينساب صوتك في الظلام إليّ كالمطر الغضير ينساب من خلل النعاس و أنت ترقد في السرير من أي رؤيا جاء ؟ أي سماوة ؟ أي انطلاق و أظل أسبح في رشاش منه أسبح في عبير فكأن أودية العراق فتحت نوافذ من رؤاك على سهادي كلّ واد وهبته عشتار الأزاهر و الثمار كأنّ روحي في تربة الظلماء حبة حنطة و صداك ماء أعلنت بعثي يا سماء هذا خلودي في الحياة تكنّ معناه الدماء بابا كأنّ يد المسيح فيها كأن جماجم الموتى تبرعم في الضريح تموز عاد بكل سنبلة تعابث كل ريح بابا بابا أنا في قرار بويب أرقد في فراش من رماله من طينه المعطور و الدم من عروقي في زلاله ينثال كي يهب الحياة لكل أعراق النخيل أنا بعل أخطر في الجليل على المياه أنث في الورقات روحي و الثمار و الماء يهمس بالخرير يصل حولي بالمحار و أنا بويب أذوب في فرحي و أرقد في قراراي بابا بابا يا سلم الأنغام أيّة رغبة هي في قرارك سيزيف يرفعها فتسقط للحضيض مع انهيارك يا سلم الدم و الزمان من المياه إلى السماء غيلان يصعد فيه نحوي من تراب أبي و جدي و يداه تلتمسان ثم يدي و تحتضنان خدّي فأرى ابتدائي في اتنهائي بابا بابا جيكور من شفتيك تولد من دمائك في دمائي فتحيل أعمدة المدينة أشجار توت في الربيع و من شوارعها الحزينة تتفجر الأنهار أسمع من شوارعها الحزينة ورق البراعم و هو يكبر أو يمص ندى الصباح و النسغ في الشجرات يهمس و السنابل في الرياح تعد الرّحى بطعامهنّ كأنّ أوردة السماء تتنفّس الدم في عروقي و الكواكب في دمائي يا ظلي الممتد حين أموت يا ميلاد عمري من جديد الأرض ( يا قفصا من الدم و الأظافر و الحديد حيث المسيح يظل ليس يموت أو يحيا كظلّ كيد بلا عصب كهيكل ميت كضحى الجليد النور و الظلماء فيه متاهتان بلا حدود عشتار فيها دون بعل و الموت يركض في شوارعها و يهتف يا نيام هبوا فقد ولد الظلام و أنا المسيح أنا السلام و النار تصرخ يا ورود تفتحي ولد الربيع و أنا الفرات و يا شموع رشي ضريح البعل بالدم و الهباب و بالشحوب و الشمس تعمل في الدروب بردانة أنا و السماء تنوء بالسحب الجليد بابا بابا من أيّ شيء شمس جاء دفؤك أي نجم في السماء ينسلّ للقفص الحديد فيورق الغد في دمائي ؟ |
مفضوحة لم تبق طي خفاء ( بدر شاكر السياب ) الاسخياء له بغير بلادهم الباخلون بها على الضعفاء بالقادرونعلى اغتصابك عنوة فاليوم هب الشعب من اغفاء يا شعب ليس القدس تشكو وحدها هول الجراح من اليد الرعناء ما زال جرحك وهو دام دافق رغم انتهاء الطعنة النجلاء والحر أبعد غاية من أن يرى في الدمع تخفيفا من البرحاء فالحكم للدم والسلاح المنتظى والحرب لا للدمعة الخرساء والنصر للشعب الذي لا ينثني عن عزمه والصولة النكراء أجل الطغاة بكل حد صارم ما أن يزيل العار كالأجلاء حتى أراك وأنت راض هانىء حر برغم الأعين الزرقاء وأرى الجزيرة وهي روض مونق محمية الأبناء بالأبناء والقدس يسكن كل حر ربعها بالعاملين وضيئة الأنحاء ياشعب ناد بكل ساه غافل عما تذوق القدس من بأساء ما أشرع الأعداء فيها حرية الا لشل يد وسفك دماء ما نفع جنتك التى نضرتها والنار حول الجنة الخضراء يا شعبي المظلوم هذا موقف بان الوفي به من الحرباء ما بال رهطك وهو باق وحده لم يخش بأس القوة العمياء عاش التحرر كل رهط غائب الاه يوم الجد والأعياء وغدا فداء الكادحين وجمعهم أصحاب تلك الشارة السوداء يا شعب هذا أنت جأش رابط ان حان يوم الثورة الحمراء |
مقطع بلا عنوان ( بدر شاكر السياب ) و أي خير في الهوى كله إن كنتما بالحب لا تعلمان يا زهرتي قد مت يا زهرتي آه على من يعشق الأقحوان لولا التي أعطيت سحر اسمها ما بت استوحيك سحر البيان |
ملال ( بدر شاكر السياب ) ليلان غاما بالنجوم الآفلات على سهادي يومان لا وعد و لا لقيا و تخفق يا فؤادي و غدا سيمتليء انتظاري بالظلام و لا أراها و تجول عيني في الطريق و تستقر على كتابي و أكيل بالأقداح ساعاتي و أسخر باكتئابي و أنام أحلم بالشتاء و أستفيق على هواها ** سأم و مصباح وحيد ران في أقصى الطريق مرت وجوه العابرين به فلوّنها قليلا مرت و غابت في الظلام و ليس يبرح في حريق سأم و نافذة يطيل فضاؤها الدرب الطويل سأم و مرآة تئاءب في قراراتها الوجوم الغرفةالجوفاء و الأقداح و الباب القديم ** بالأمس كان هوى و كان ... و كان ويح الذكريات و افرحتاه أتصدقين؟ و قادنا نجم المساء في ذاك الدرب البعيد و ألف نجوى و اشتكاء تخبو و تنأى و العناق يعد أضواء الطريق بالأمس كان هوى و كان و خيم الصمت العميق ** دب الملال إلى فؤادك مثل أوراق الخريف أهواك ماذا تهمسين ؟ أتلك حشرجة الحفيف في دوحة صفراء يقلق ظلها روح الشتاء لا تنظري في مقلتيك سحابتان من الجليد تتألقان و لا لهيب و تزحفان و لا فضاء فلّ العناق على الجفون و حطم الدرب البعيد |
من أغاني الربيع ( بدر شاكر السياب ) حلم بآفاق السرور رسمته أجنحة الطيور و بشائر فوق الربى بين الخمائل في الصدور و نسائم رقصت على زهر الجنائن و الغدير و فراشة قد روحت عن زهرة الحقل النضير تعلو و تهبط في الرياض كأنها نغم الحبور الفجر يبني للندى و كنا جميلا في الزهور فلنبن من قبلاتنا للحب عشا في الثغور |
الساعة الآن 07:43 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.