منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر ديوان العرب (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=48)
-   -   الشاعر محمد الحسن منجد/ حياته / شعره (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1789)

عبد السلام بركات زريق 12-23-2010 12:56 PM

المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (24)



رحلةٌ إلى العالمِ الأخرِ



الليلُ هدوءٌ ينسحبُ
والفجرُ ضجيجٌ يقتربُ

والبدرُ يسافرُ منطفِئاً
والشمسُ تَبدَّى تلتهبُ

وأنا والصمتُ وأوردتي
خوفَ المستقبلِ ننتخبُ

نتوجسُ من آتٍ أعمى
بخيالِ الشاعرِ ينتصبُ

فتثورُ بشاطئِ أحلامي
أمواجُ جراحٍ تَصطخبُ

تتعالى .. تهبطُ في حَنَقٍ
تتوالى .. تهدأُ .. تضطربُ

فتطيرُ نوارسُ آمالي
خلفَ المستقبلِ تَحتجبُ

وتحطُّ على برجِ البشرى
غربانُ الشؤمِ فأكتئبُ

* * *

الليلُ يفجِّرُ آلامي
ويُطلُّ الفجرُ فتنسربُ

فألمُّ جراحي أغسلُها
بدمٍ من جرحي يَنسكبُ

وأُجمِّعُ ألوانَ حياتي
في جرَّةِ عُمر يُقْتَضبُ

وأُخبِّئُ من عمري مِزَقاً
لظلامِ الليلِ وأنسحبُ

* * *

جدراني تحملُ أوراقاً
تحكي عن صمتي ما يجبُ

حبٌّ..شعرٌ..حزنٌ..ألمٌ
وبقيَّةُ عمرٍ ترتقبُ

* * *

في صمتي أسمعُ موسيقا
لمعارجِ إحساسي تثِبُ

موسيقا تجمعُ أشتاتي
فيهدِّئُ أعصابي الطربُ

تتماوجُ عبرَ فضاءاتٍ
للروحِ فيهجرُني التعبُ

وأهيمُ بمعالمِها الأسمى
كالواهمِ يأخذُني العجبُ

تتقاربُ أبعادُ المسعى
فأصلِّي الفجرَ وأقتربُ

* * *

في الليلِ أنادي من صدقوا
فتجيبُ نداءاتي التُّربُ

وتقولُ بجَوفي من تهوى
ولبُعدكَ عنهمْ قد عَتبوا

لا تأسَ .. تعالَ لعالمِهم
فرفاقُك نالوا ما طلبوا

لا تبكِ .. دموعكَ تُحزنُني
وإلامَ بليلكَ تنتحبُ

دنياكَ بكلِّ مفاتنِها
شلَّاءُ لمثلكَ لا تهبُ

تهبُ الأنذالَ تُكرِّمُهم
وهُمُ في رقعتِها لُعبُ

والعدل توارى في زمنٍ
يعتزُّ بسالبِه السَّلبُ

وسلاحُك صدقٌ لا يخفْى
وسلاحُ أعاديكَ الكذبُ

وأحاولُ أبحثُ عن سببٍ
للعيشِ فيخذلُني السَّببُ

فأصدُّ الدمعَ وأَزْجُرهُ
وأسارعُ يجذبُني الطلبُ

وأحاولُ أُشرعُ إقدامي
لكنَّ شراعي ينقلبُ



5-3-1999

عبد السلام بركات زريق 12-24-2010 02:49 PM

المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (25)



المعجزان



فجِّرِ الشعرَ عاصفاً من دِمانا
واقطفِ الشَّهدَ من خلايا أسانا


نحن نأسى ونشتكي ونعاني
وأسانا يزيدُنا عنفوانا


كلما أقلقَ الظلامَ شهابٌ
في سماءِ الوجودِ شعَّ ضيانا


نحنُ كالشمسِ للوجودِ حياةٌ
يسطعُ الفجرُ حين تغلي دمانا


من دماءِ الجراحِ شُدنا صروحاً
وأقمنا من وقدها مِهرجانا


يشمخُ المجدُ بالنفوسِ كباراً
سلَّمُ المجدِ لا يطيقُ جبانا


* * *

قد وأدْنا حزنَ المواجعِ حياً
وبعثنا خلودَنا من ثرانا


جرحُنا يملأُ النفوسَ ابتهاجاً
وجراحُ الجبانِ تبقى هوانا


كلما أنَّ في حِمانا جريحٌ
أخصبَ الأرضَ والسما والزمانا


* * *

صُبَّ في كأسيَ الرحيقَ من الجُّر
حِ وحطِّمْ أقداحَنا والدِّنانا


وانطلقْ أيُّها المدجَّجُ بالحـ
ـقِ سلاحاً وجدِّدِ الإيمانا


وانطلقْ أيها المزنَّرُ بالمو
تِ لساناً وخافقاً وسنانا


قفْ على القبرِ وانفضِ الموتَ واكتبْ
من سطورِ الخلودِ سطراً عَنانا


لا يموتُ الضميرُ إن ماتَ حيٌّ
نحنُ بالميْتِ نبعثُ الوجدانا


نحنُ نجتاحُ موجعاتِ الرزايا
بعصوفٍ ينشقُّ عنها دُجانا


من دِمانا نسقي الترابَ إباءً
فاسألوا الشامَ كيف صارتْ جِنانا


واسألوا ميسلونَ يومَ وقفنا
هل رأى الدهرُ مثلَنا فرسانا


واسألوا يوسفُ الشهيدَ يُجبْكُمْ
أنا طرَّزتُ بالدِما نيسانا


يزهرُ الجرحُ حين يورقُ نصرٌ
فزهورُ الجراحِ وشَّتْ حمانا


* * *

إيهِ بغدادُ .. ألفُ جرحٍ بقلبي
إنْ يُزهِّرْ يغدُ الحمى بستانا


قد تمادى الطاغوتُ بالرَّجمِ حتى
صيَّرَ الماءَ والثرى بُركانا


ومياهُ الخليجِ في المدِّ والجز
رِ توانتْ لم تخمدِ النيرانا


مُزَّقتْ عروةُ الإخاء فأضحى
كلُّ شعبٍ من أمتي عريانا


فاستبدَّ الطاغوتُ حين رآنا
نعشقُ العُريَ نألفُ الإذعانا


في المحاريبِ والشعوبُ قيامٌ
والنواقيسُ تقرعُ الآذانا


يدمنُ القصفَ غاشمٌ مستبدٌّ
يستبيحُ الإنجيلَ والقرآنا


زوَّقوا القصفَ بل أحلّوه قالوا:
هُوَ قتلٌ نبغي به إحسانا


لا تخافوا واستقبلوهُ بِبِشرٍ
ينشرُ السِّلمَ عندكمْ والأمانا

ضحكَ الدمعُ في عيونِ الثكالى
والأيامى عضضنَ منه البنانا


* * *

إيهِ بغدادُ .. أيّ وغدٍ أثيمٍ
صيَّرَ الذئبَ شرعُه إنسانا


علِّمي الغاشمَ الدَّعيَّ حياءً
أسمعيهِ أجراسَنا والأذانا


خبِّريهِ أنَّ الجياعَ شعوبُ
وعُجولُ الحكامِ صارتْ سِمانا


قد يجوعُ الحكامُ يوماً ولكن
يأكلونَ الأحرارَ لا العُبدانا


* * *

يا (كسوفو) قولي لبغدادَ صبراً
إيه بغدادُ ما دهاكِ دهانا

حاقدٌ ظالمٌ وحشدٌ غريبٌ
ودماءٌ تمجُّها مقلتانا


وارتحالٌ عن الديارِ وذلٌّ
وهوانٌ نقتاتُ منه هوانا


شيَّعتْ كربلاءُ ألفَ حسينٍ
كيف هانتْ وشعبُها كيفَ هانا


كيف أضحى عرينُنا مُستباحاً
للصورايخِ تهدمُ البنيانا


* * *

إيه بغدادُ .. نحن في الشامِ فجرٌ
شمسُه البكرُ لم تفارقْ سمانا


كلما أقبلَ الظلامُ تَلظَّتْ
منْ لدَحرِ الظلامِ يُرجى سِوانا


عندنا المعجِزانِ شعبٌ أبيٌّ
وهَصورٌ يبغي السلامَ ضمانا


كلما شدَّتِ الكروبُ زِماماً
شدَّ للحلِّ مُرهَفاً ولسانا


لم يساومْ في صفقةِ السلمِ لكنْ
زأرَ الليثُ فاستحالتْ دُخانا


* * *

إيه بغدادُ .. والحضارةُ آلتْ
لرصاصٍ يَهمي جبانا .. جبانا


في دمانا تجري الحضارةُ نوراً
فاسألي الفجرَ كيف يسري ضِيانا


يَشرِقُ البغيُ بالمياهِ إذا ما
خَضَّبَ الماءَ جدولٌ من دِمانا


فانهدي للخلاصِ نوراً وناراً
ضوِّئي الكونَ واحرقي الطغيانا


واعقدي الغارَ تاجَ عزٍّ لشعبٍ
يمتطي الجرحَ للنزالِ حِصانا


* * *

إيه ذكرى الجلاءِ كيف أُغنِّي ؟
كيف أنسى الجنوبَ والجَولانا


كيف أنسى مَهدَ المسيحِ وقدساً
كيف أنسى الهلالَ والصُّلبانا


كيف أنسى مَسرى الرسولِ وبيتاً
شعَّ منه الضياءُ حتى هَدانا

كلما أرعدَ القريضُ بَروقاً
يهطلُ الدمعُ من عيوني دِهانا


يزأرُ الجرحُ في دمي فأنادي
يا حُماةَ الديارِ شابتْ مُنانا


فاعذُريني إذا بكيتُ فدمعي
يملأُ الجرحَ حُرقةً وحَنانا


وامنحيني إذا امتطيتُ يَراعي
أطلبُ الثأرَ وردةً من رُبانا

لم أعدْ للقتالِ أهلاً ولكنْ
بحروفي أَشنُّ حرباً عَوانا


قائمٌ للصلاةِ أدعو لقومي
ومع الفجرِ سوف أُعلي الأذانا


وليَ العذرُ إنْ قضيتُ فإنِّي
أركبُ الصعبَ لست أَلوي العِنانا


فإذا متُّ يا بلادي فقولي
عاشَ حراً وقد مضى إنسانا


واكتبيني سطراً على كلِّ قبرٍ
لشهيدٍ في مَيسلون وقانا



15-4-1999




عبد السلام بركات زريق 12-25-2010 05:04 PM

المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (26)



يا وادي حماةَ سلامُ



بلدي .. وينتفضُ السؤالُ وتنجلي
صورُ الجوابِ وتزهرُ الأقلامُ

بلدي .. وينطلقُ الهديلُ وينتشي
سربُ الحمامِ ويهطلُ الإلهامُ

بلدي .. ويحترقُ الظلامُ وتزدهي
قممُ الجبالِ وتخفقُ الأعلامُ

بلدي .. ويتَّصلُ الهديرُ وتنحني
هممُ الرجالِ وتورقُ الأحلامُ

* * *

أَخصبتِ يا بلدي البطولةَ والندى
حتى تنامى البذلُ والإقدامُ

في كلِّ شبرِ من سهولكِ جذوةٌ
وعلى شعابِك للكفاحِ ضرامُ

وبكلِّ بيتٍ شاعرٌ ومفكِّرٌ
وبكل رُكنٍ عالمٌ وإمامُ

* * *

بلدي .. رعاكَ اللهُ يا بلدَ الهوى
وسقاكِ أمطارَ السلامِ غمامُ

درجَ الربيعُ على ثراكِ معطّراً
فالوردُ في ألقِ الضُّحى أكمامُ

وسرى النسيمُ من الرياضِ موشوشاً
أوراقَها و كأنَّه نمَّامُ

تتمايلُ الأغصانُ من هَمساتِه
فيطلُّ وجهٌ مشرقٌ بسامُ

وجهٌ كبرقِ الأمنياتِ وضاءةً
يبدو على قسَماتِه استفهامُ

والقدُّ ميَّاسٌ على خطواتِه
يصحو الهوى في صدرِه وينامُ

وتغرِّدُ الآمالُ في سَكَناتِه
فيضمُّها وتغادرُ الأوهامُ

* * *

بلدي .. وينبثقُ الضياءُ وينجلي
بدرٌ على مرِّ الزمانِ تَمامُ

بلدي .. وأفترشُ الترابَ يضمُّني
دوحٌ تراقصُ ظلَّه الأنسامُ

فتمرُّ أطيافُ الرجاءِ بخاطري
حُلُماً تحاولُ طمسَه الأيامُ

* * *

بلدي .. عليه من الجلالِ مطارفٌ
ومن الجمالِ عباءةٌ وحِزامُ

يترنَّحُ العاصي العصيُّ بروضِه
سكرانَ تُكمِلُ سُكرَه الأنغامُ

فتراهُ مِطواعاً يسيرُ وينحني
للعادياتِ يسرُّه الإحجامُ

يتوسَّدُ الوادي فيهدأُ نبضُه
وكأنَّما في جانحيهِ سَقامُ

فنرى وفودَ الزائرينَ تعودُه
والحزنُ بادٍ والدموعُ رِهامُ

والدائراتُ على العصورِ شواهدٌ
أنَّ السكونَ على الضفافِ حرامُ

اللهُ .. ما أحلى زمانَ وردتُهُ
صفواً كأنَّ الكأسَ منه مدامُ

اللهُ .. ما أحلى زمانَ عشقتُه
والطُّهرُ ثوبٌ والحياءُ وسامُ

تَترَشَّفُ الألبابُ سحرَ جمالِه
والسعدُ صاحٍ والكروبُ نيامُ

ويعانقُ الصفصافُ حَورَ ضِفافِه
فبكلِّ غصنٍ صبوةٌ وهيامُ

* * *

بلدي .. فديتكِ يا صلاةَ محبةٍ
في ظلِّهِ تتواصلُ الأرحامُ

والثائرونَ الذائدونَ عنِ الحِمى
سعدٌ يكرُّ وخولةٌ وهشامُ

سكرَ الجلاءُ على ضفافكِ فانتشتْ
أجيالُه وتوالتِ الأعوامُ

أنا واحدٌ ممَّن عرفتِ جرارَهم
يروي ظما الثوارِ وهو غلامُ

* * *

بلدي .. وحسبي أنَّني لكِ عاشقٌ
يحدو هوايَ محبةٌ ووئامُ

من فجرِ يومِ القادسيةِ للضُّحى
يتسابقُ الأخوالُ والأعمامُ

عرفتْ فرنسا بأسَهم فتراجعتْ
ثكلى يكلِّلُ هامَها الإرغامُ

وصلوا سنا التاريخِ بالألقِ الذي
وافى به تشرينَ وهو عرامُ

فاستبشرَ الأقصى وأشرقَ وجهُه
وشدا الإمامُ وأجبلَ الحاخامَ

* * *

بلدي .. غفرتُ لك الجحودَ أما ترى
أنَّ المُقيمَ على الوفاءِ يُضامُ

أم أنَّ عينَكَ قد أضرَّ بها الأسى
ممن قلوْكَ فغادروكَ وهاموا

فلبثْتَ تغسلُ بالدموعِ جحودَهم
حتى مضى عامٌ وأقبلَ عامُ

فتأنقتْ خُضرُ الضفافِ وأزهرتْ
وتضوَّعتْ عطراً بها الأيامُ

بلدي .. ويشعلُني الوفاءُ قصائداً
تُملا بها جامٌ وتُفْرَعُ جامُ

سلمتْ زحوفُ الشَّيبِ تغزوني دُجىً
ويفرُّ من وجهِ الحياةِ ظلامُ

فلعلَّ بارقةَ الرجاءِ تلوحُ لي
قبلَ الرحيلِ ويَنجلي الإبهامُ

* * *

بلدي وأختزنُ الجراحَ فليس لي
إلا اليراعُ وما لديَّ حسامُ

أتصيَّدُ الفِكَرَ المضيئةَ في الدُّجى
وأشقُّ ساحَ الشعرِ وهو قَتامُ

وألوذُ بالقلمِ المُدجَّجِ باللَّظى
فلهُ إذا خَرِسَ الرصاصُ كلامُ

تثبُ الحروبُ إلى دماهُ سخيةً
وتزمجرُ الآمالُ والآلامُ

وتفرُّ من كفِّي الأصابعُ عندما
تَهمي الحروفُ وفي الفرارِ أَثامُ

فأضمُّ أجنحتي أحطُّ على الذُّرا
لأقولَ يا وادي حماةَ سلامُ


5-4-1999

عبد السلام بركات زريق 12-26-2010 12:15 PM

المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (27)



تسبيحُ البواتر



نضَّدتُ ملحمةَ النضـالِ كتبتُها تحـت المجاهرْ

معجــونةً بدمِ الشهيدِ وصـوتِ ثائرةٍ وثائرْ

من ميسـلونَ إلى الجـلاءِ الى الحجارةِ والأظافرْ

ضاقتْ بها مُهَجُ السطورِ فأرعدتْ ملءَ الحناجرْ

شقَّتْ عصا الإذعانِ تصفعُ وجـهَ مأفونٍ مُقامرْ

إيمانُنـا بالحقِّ أقــوى من وصـوليٍّ مُغامـرْ

ضاقتْ بما رحبتْ عليه الأرضُ حتى جاءَ صاغرْ

ألقـى السلاحَ ومدَّ كفَّاً بالسـلامِ لكفِّ ماكرْ

مرَّتْ هُنيهـاتُ اللقـاءِ وكفُّه ترجـو الخواطرْ

وتنازلتْ كـفُّ اللئيمِ تصـافحُ القدمَ المسـايرْ

* * *

عفـواً صلاحَ الدينِ إنِّي ذاكرٌ هل أنت ذاكرْ

في غُرَّةِ التاريخِ في حـطينَ سبَّـحتِ البواترْ

فاسمعْ عباراتِ الخضوعِ اليومَ تُثلجُ صدرَ كافرْ

واسمـعْ ترانيمَ السَّلامِ تُذاعُ من شـتى المقابرْ

في كـلِّ مقبرةٍ عمودٌ بالسـلامِ المرِّ هـادرْ

ما اهتزتِ الأحياءُ واهتزتْ من الموتى المشاعرْ

غـابتْ ملائكةُ الجهادِ وأُسدلتْ كلُّ السَّتائرْ

وصحتْ شياطينُ السلامِ تدورُ في كلِّ الدوائرْ

هذا هو الدَّجالُ يظهرُ حامـلاً زيفَ البشائرْ

أصغتْ له كلُّ العروشِ وحَملقتْ كلُّ النواظرْ

فلتُمْطِرِ الدُّنيـا وتمطـرْ فالضلالُ اليومَ ماطرْ

ولتُنبتِ الأرضُ السلامَ وتنكسرْ كلُّ الخناجرْ

ولتنطفـئْ كلُّ الكنائـسِ والمآذنِ والمنابرْ

وليركبِ الفـاروقُ ناقتَه وللأقصـى يغادرْ

وليسقُطِ التاريخَ فوقَ السلمِ أو تحتَ الحوافرْ

لا فرقَ فالدَّجالُ أَوغلَ في البوادي والحواضرْ

* * *

يا أيُّها الأطفالُ نزفُ دمائكم يُحييْ الضمائرْ

أنتـم ضيـاءُ الواهبينَ وفي مجاهلِنا بصائرْ

أنتم سيوفُ الثائرينَ ونزفَ أكبادِ الحرائرْ

هنَّ اللواتي ما تركنَ شعارَهُنَّ لدى المخاطرْ

لا تسألوا عمَّن أسرَّ دماءكم ومضى يُتاجرْ

بالنارِ لا بالقولِ تُنْتَزعُ الحقوقُ من المُكابرْ

* * *

الخصمُ لوَّحَ بالسلامِ وراحَ يرتكبُ المجازرْ

بالعاكفينَ الراكعينَ الساجدينَ فأيُّ غادرْ

هذا الذي ذبحَ السلامَ بذبحِ من أدَّى الشعائرْ

هشَّتْ له بعضُ الوجوهِ وزمجرتْ كلُّ الكواسرْ

* * *

نيسانُ يا فخرَ الشآمِ جدلتَ بالنورِ الضفائرْ

خُضناكَ بحراً زاخراً بدماءِ من سقطوا ذخائرْ

حتى تَمخَّضَ ليلُنا الدَّاجي عن الفجرِ المعاصرْ

فإذا الشآمُ ملاعبُ الأبطالِ في ماضٍ وحاضرْ

إنَّا جَــلونا الغاصبينَ فسِفرُنا أبداً مفاخرْ

نصحو على رَهَجِ الخيولِ وصوتِ قنبلةٍ وشاعرْ

فلتسـمعِ الدنيا هُتافَ الشامِ تطلقُه زماجرْ

لا.. لن يكونَ لهم سلامٌ فالشآمُ سيوفُ ظافرْ

للشامِ كلُّ كبيرةٍ والصاغرونَ لهم صغائرْ



25-4-1994

عبد السلام بركات زريق 12-26-2010 12:28 PM

المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (28)



شمس عمري




ترفَّقي بفؤادي يا مُعذِّبتي
لا تتركيه بلَيلِ السُّهد حيرانا


إنِّي أحبُّك إخلاصاً وتضحيةً
يا فتنةً أشعلتْ في القلبِ نيرنا


قد كنتُ قبلَ هواكِ الحلو في سأمٍ
حتى طَلعتِ فعادَ القلبُ نَشوانا


أحبُّ عينيكِ بالأضواءِ تغمرني
وثغرَك البكر للتقبيلِ ظمآنا


* * *

حبيبتي .. يا حياتي .. يا ضِيا عُمُري
لقد أحلتِ جحيمَ العيشِ بُستانا


إنِّي أحبُّك يا سرَّاً جرى بدمي
فعادَ (أيلولُ) في جنبيَّ نيسانا


لا تَغرُبي من سمائي يا مُنوِّرتي
يا شمسَ عمريْ أنا الفجرُ الذي بانا


أنا الهزارُ وأنتِ اليومَ أُغنيتي
أشدو بحبِّكِ أنغاماً وألحانا


غرَّدتِ في جنَّةِ الأحلامِ فازدهرتْ
و اخضَوضرَ العيشُ حتى صارَ فتَّانا


* * *

بالأمسِ كنتُ حليفَ السُّهد أجَّجني
شوقي إليكِ فصارَ القلبُ بركانا


أحيَيْتِ بالحبِّ أزهاري التي يبستْ
وقد غرستِ رياضَ العمرِ ريحانا


رويتِ روحي بشهدِ الوصلِ أقطفُه
من ناهديكِ أفانيناً وألوانا


ذوَّبتِ لي سُكَّرَ الأشواقِ في شفةٍ
كأنَّما همسَها يروي حَكايانا


أستغفرُ اللهَ لا ذنبي بمُغتفَرٍ
إن كان حبُّكِ لا يمحو خطايانا


أحسنتِ .. أحسنتِ إذْ أحببتِني ولقد
بادلتُك الحبَّ آهاتٍ وتَحنانا


إنِّي كفرتُ بآياتِ الهوى زمناً
حتى أتيتِ فصارَ الكفرُ إيمانا


جودي عليَّ بعفوٍ منكِ يعتقُني
من نارِ غيرِك إنعاماً وإحسانا


واستأثِري بفؤادي في مُكابرةٍ
لا تتركي لسوى عينيكِ عُنوانا




23-4-1984




عبد السلام بركات زريق 12-26-2010 04:27 PM



المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (29)



حجابُ الحبِّ




لولاكِ هذا العمرُ كانَ سرابا
لا تملئي كأسَ الغرامَ عِتابا


إنِّي عشقتكِ يا حبيبةُ فاسكني
بينَ الضلوعِ وغلِّقي الأبوابا


الحبُّ صوتُ اللهِ في أرواحِنا
نُصغي فيمنحُنا الإلهُ ثوابا


والحبُّ يا روحي صلاةُ متيَّمٍ
يتلو بحبِّكِ للوفاءِ كتابا


وأنا الذي عرفَ الحقيقةَ في الهوى
فدعي ظنونَكِ واهجُري الأسبابا


وتنعَّمي بهوايَ لا تَدعي المُنى
تذوي ويفقدُها البعادُ مَلابا


أنتِ التي أَحييتِ فيَّ مشاعري
وسَريتِ في روحي هوىً وشبابا


أنتِ التي صُغتِ الهُيامَ قصائداً
فَجَرَتْ على شفتيْ الحروفُ رضابا


* * *

أَحبيبتي لولا هواكِ وسحره
ضاقتْ بيَ الدنيا مَدىً ورِحابا


عيناكِ أغنيَتانِ في بَوْحَيْهما
يَنْدى القصيدُ فيُسكِرُ الألبابا


عيناكِ قنديلا ضياءٍ ساحرٍ
يَتلألآنِ هوىً إليَّ أَنابا


وأنا المحبُّ الشَّهمُ يصهرُني الهوى
فأذوبُ في حبِّي منىً ورِغابا


* * *

أحبيبتي هاتي يديكِ تقدَّمي
هيا لقد أَزِفَ الوصالُ وطابا


هيَّا إلى روضِ الغرامِ لأيكةٍ
أُملي عليكِ قصائداً وعَتابا*


أطلقتِ أحلامي فعُدتُ مراهقاً
وملكتِ إحساسي فعُدتُ شبابا


ووصلتِني فلثمتُ ثغرَكِ ظامئاً
ورَشفتُ من خمرِ الشفاهِ شَرابا


* * *

أحبيبتي يا ياسمينَ حديقتِي
لولاكِ روضُ العمرِ كانَ يَبابا


كم من حبيبٍ كان يكْذِبُني الهوى
ويزيدُ في عمريْ الشقيِّ عذابا


حتى أتيتِ فأزهرتْ سُبُلُ المُنى
وجرتْ ينابيعي وكنَّ سرابا


وعرفتُ صدقَ الحبِّ أولَ مرةٍ
فحملتُه بينَ الضلوعِ حِجابا




11-6-1984


العَتابا ... لونٌ من الشعر الشعبي المعروف في بلاد الشام


عبد السلام بركات زريق 12-26-2010 06:46 PM



المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (30)



جاءَ الحياةَ وغابَ دونَ رِضاعِ



جاءتْ فحرَّكتِ الأسى بيَراعي
لمَّا بكتْ لتشرُّدي وضَياعي


قالتْ : أودُّ لو اقتنعتَ بفكرتي
وعزفتَ لحنَ تَرَحُّلٍ ووداعِ


فرثيتَ نفسكَ قبلَ غاشيةِ الردى
ومتى رحلتَ نقشتُها بشراعي


وركبتُ موجَ الدمعِ في بحرِ الأسى
وسَريْتُ مُشرعةً بغيرِ شُعاعِ


أتلمَّسُ الأفكارَ أعثرُ بالرُّؤى
وأعودُ منهكةً أحطُّ متاعي


لأُمزِّقَ الأكفانَ عنكَ وأَنبري
أزهو بشِعركِ في خِضَمِّ صراعِ


وأُحدِّثُ الأجيالَ عن علمٍ غدا
في ذمَّةِ التاريخِ غير مُضاعِ


شهدتْ له الحَلَباتُ حُمْرَ معارك
صبغتْ ملاحمَها جراحُ شُجاعِ


* * *

فأجبتُها والحزنُ يصهرُ أحرفي
ويحيلُها ثِقلاً على الأسماعِ


رفقاً بقلبي يا أُخيَّةُ هدهدي
نغمَ الرثاءِ فلستِ أولَ داعِ


أَرقصتُ بالنَّغماتِ سحرَ قصائدي
وأَسلتُ بالحَسراتِ دمعَ يَراعي


وسفحتُ كأسَ العمرِ تحتَ مِظلةٍ
من غدرِ أيامي ونُبل طباعي


ولويتُ قضبانَ الشقاءِ بهمَّتي
لم تلوِ مطرقةُ الهمومِ ذراعي


ولبستُ أقنعةَ الزمانِ ولم أجدْ
أحداً يقابلُني بغيرِ قناعِ


ما كلُّ من لبسَ القناعَ مُخادِعٌ
فأنا نزعتُ من القناعِ خداعي


* * *

فإذا سمعتِ قصائدي فترَيَّثي
لا تشتمي الأقدارَ عندَ سماعي

فلرُبَّ بارقةٍ تطلُّ فأَنتشي
وأُذيعُ سرَّاً كانَ غيرَ مُذاعِ


ضيَّعْنَني من كنتُ أحرقُ أضلعي
في ليلهنَّ فهل عرفتِ ضياعي ؟


نزَّهتُ أشواقي وسيلَ عواطفي
عن كلِّ عابثةٍ وكلِّ خلاعِ


ووقفتُها لرُؤى الجمالِ لمنْ وهى
في حبِّهنَّ تَجلُّدي ودِفاعي


يا عذبةَ الأنغامِ يا وتراً غدا
في كلِّ سانحةٍ يدقُّ وداعي


لو كلُّ من ناديتِ جاءكِ طائعاً
فنِداكِ لي كالكفرِ غيرُ مطاعِ


حاصرتُ بالومضاتِ أوكارَ العِدا
ورفعتُ بالأَلقِ الهَتونِ قِلاعي


ونهجتُ نهجَ الرَّافضينَ مغانماً
الحاملينَ مشاعلَ الإبداعِ


وطلعتُ من خلفِ الظلامِ ولم أزلْ
كالشَّمسِ أُشرقُ فانظُري إشعاعي


ولقد يهونُ الموتُ إذْ هوَ مرةً
فأنا أعيشُ العمرَ حالَ نزاعِ


فخُذي يَراعي بعد موتي واكتُبي
جاءَ الحياةَ وغابَ دونَ رِضاعِ




10-3-1998




عبد السلام بركات زريق 12-26-2010 07:02 PM



المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (31)



أرقامُ الحسابِ المُقبلِ




قال الطبيبُ وقد تلعثمَ خائفاً
أجهدتَ قلبَكَ يا وفيُّ فأَجملِ


دعْ عنكَ ما فعلَ الوشاةُ بشاعرٍ
واسفحْ ضياءكَ في ظلامكَ يَنجلِ

وارعَ الأمانيَّ العِذابَ بلمسةٍ
كالسحرِ من فِتَنِ اليراعِ المخملي


أوَ لمْ تكنْ بالأمسِ تحتملُ الأسى
وتعلِّلُ القلبَ الوفيَّ بمأملِ


حتى تعبتَ من الوفاءِ وأخصبتْ
أشواكُ عمرِكَ تحتَ نارِ المرجلِ


فمضيتَ تغزلُ من شرايينِ الضَّنى
حبَّاً لمنْ جَحَدَ الجميلَ بمعزلِ


وتقيمُ ليلَ الوجدِ تنتظرُ اللقا
وتبيتُ تحلمُ بالحبيبِ الأولِ


أولستَ من هجرَ الحياة سفاهةً
ومضيتَ نارَ جحيمِ حبِّكَ تَصطَلي

وتعاقرُ الأوهامَ في صمتِ الدُّجى
وتَزُجُّ مفتاحاً ببابٍ مقفلِ


سقطتْ حساباتُ العواطفِ وانتهتْ
للصِّفرِ أرقامُ الحسابِ المقبلِ


فالزمْ هدوءَ الصَّبرِ لا تكُ يائساً
قد يسمحُ القدرُ العصيُّ بأفضلِ




17-1-1999





عبد السلام بركات زريق 12-26-2010 07:23 PM



المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (32)



قابسةُ الضياءِ




جنَّحتُ بالألقِ المُبينِ يَراعي
وجعلتُ قابسةَ الضياءِ مَتاعي

وسَرَيْتُ في ليلِ الضياعِ مجرَّداً
إلا من الإلهامِ والإبداعِ


أتصيَّدُ الأملَ المجنَّحَ شاهراً
في كلِّ مرتَفَعٍ له أَطماعي


فيجوبُ آفاقَ الخيالِ كأنَّه
نسرٌ يحلِّقُ هازئاً بقِلاعي


وأعودُ أنصبُ للرَّجاءِ حبائلاً
فتكلُّ من نَصْبِ الشراكِ ذراعي

وأرى المسافةَ بينَ ما أَمَّلتُهُ
ولظى السنين تزيدُ في أوجاعي


فترتْ حرارةُ أمنياتِ وسادتي
وقتَ المنامِ وأمنعتْ بِخداعي


وتواصلتْ صورُ الضياعِ وأظلمتْ
خطواتُ عمري في دروبِ ضياعي


صورٌ تلوحُ وتختفي وكأنَّها
ألِفَتْ لقائي يائساً ووداعي


لكنَّني ويدُ الشقاءِ تشدُّني
في كلِّ سانحةٍ لساحِ صراعِ


أقسمتُ أن أَطأَ المواجعَ طالما
أنِّي الفخورُ بقوَّتي وطِباعي


ولطالما أيقنتُ أنَّ مطامحي
رهنٌ بحجبِ النفسِ خلفَ قناعِ


لأسيرَ بينَ الناسِ أشكرُ زيفَهم
وهتافَهم (اللهُ) عندَ سماعي


* * *

أنا في ضميرِ الحبِّ أُعْمِلُ ريشتي
لتحركَ الألوانُ نبضَ شعاعي

فلعلَّ بارقةً تلوحُ بليله
وتضيءُ لحظةَ مولدي ونِزاعي


فألفُّ ألويةَ الشقاءِ وأَنبري
لأزجُّ في لُجَجِ الضياءِ شراعي



20-3-1999



عبد السلام بركات زريق 12-27-2010 12:59 PM



المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (33)




أنا بانتظاركَ يا عليُّ



في رثاء الصديق الشاعر الكبير
علي دُمَّر الذي توفي في المملكة
العربية السعودية



بيني وبينكَ يا عليُّ بَوادي
وأنا بوادٍ والسرورُ بوادِ


ودَّعتَنا ومضيتَ دونَ تمهُّلٍ
وتركتَ مُرضعَةَ الفداءِ تنادي


عدْ (يا عليُّ) إلى الديارِ فإنَّني
أمٌّ وأنتَ البَرُّ من أولادي


فعلى الضِّفافِ عرائسٌ مجلوَّةٌ
حنَّتْ لمجلسِ صفوةٍ أمجاد


أيامَ كان الحبُّ يجمعُ بينكم
والصَّحبُ من نقدٍ إلى إنشادِ


والغانياتُ الساحراتُ من الصِّبا
بين الزهورِ روائحٌ وغوادي


* * *

يا رائدَ الشعرِ الأصيلِ نظمتَه
عِقداً زهوتَ به على الرُّوادِ


كيفَ ارتضيتَ البعدَ عن عاصي الحِمى*
وهجعتَ في وادٍ بغيرِ وسادِ ؟


أوَ ما أفقتَ على النداءِ ألمْ تزلْ ؟
في وهدةِ الأحساءِ رهنَ رُقاد


قُمْ يا عليُّ أفقْ فإنَّكَ سامعٌ
صوتي بلا شكٍّ ونبضَ فؤادي


قُمْ يا عليُّ إلى المنابرِ إنَّها
تشكو من الكتَّابِ والنقَّادِ


والشعرُ يا لِلْشِّعرِ كم من شاعرٍ
هرمتْ قصائدُه بسوقِ كسادِ


هدمَ الطريفَ على التَّليدِ ولم يزلْ
للهدمِ يحملُ مِعولَ الأحقادِ


* * *

أنا يا عليُّ كما عرفتَ مضيَّعٌ
رغمَ اجتهادي للعُلى وجهادي


كم قلتَ لي أبشرْ فإنَّك شاعرٌ
وغداً تضيءُ بفكرِكَ الوقَّادِ


ولَكَمْ عتبتَ عليَّ باسمِ دُعابةٍ
فملكتَ بالعتْبِ الرقيقِ قِيادي


خذْني بعفوكَ يا عليُّ فلم يزلْ
جرحي ينزُّ أسىً بغيرِ ضمادِ


في السبعِ والخمسينَ أبحثُ جاهداً
عن كلِّ حرفٍ مشرق الأبعادِ


وأرى بياني عاجزاً ومَراشفي
ظمأى وكفِّي عُفِّرتْ برمادِ


تعبتْ على شفتي الحروفُ وأجفلتْ
كلُّ المعاني فاحتقرتُ مِدادي


أقتاتُ ألامي وأشربُ نخبَها
وأُلامُ من صحبي ومن أولادي


واللهُ شرَّفني ويعرفُ أن لي
رأياً يُخالفُ رأيَهم ويُعادي


هذي جيادُ الواهبينَ فهل ترى ؟
بينَ الجيادِ مُجلِّياً كجوادي


* * *

يا من أنرتَ ليَ الطريقَ بومضةٍ
وفرشتَهُ بالنُّصحِ والإرشادِ


أعطيتَني من لامعاتكَ فكرةً
فجعلتُ منها عُدَّتي وعَتادي


وسقيتَني من وِردِ شعركَ جُرعةً
أسكرتُ فيها موكبَ الورَّادِ


* * *

كم جئتُ بيتَك يا عليُّ مُنقِّباً
عن فكرةٍ جمحتْ بغيرِ قِيادِ


ففتحتَ لي سُبُلَ الرشادِ وكنتَ لي
شمساً تضيءُ على دروبِ رشادِ


حتى إذا ما اشتدَّ عُودي وانبرى
شعري يردُّ مكائدَ الحُسادِ


أسرعتَ للأَحسا وجرحُك نازفٌ
وتركْتَني في حَيرتي وسُهادي


ووعدتَني ألا يطولَ فراقُنا
فمتى تعودُ ؟ لقد فقدتُ جلادي


* * *

أنا بانتظاركَ يا عليُّ ألم تعد
لنطوفَ بين المُنحنى والوادي


هذي نواعيرُ الفداءِ حزينةٌ
ثَكلى تُولولُ في ثيابِ حِدادِ


فَلِمَ ارتحلتَ إلى الصحارى هارباً
وشدَدْتَ أطناباً إلى أوتادِ


وأقمتَ تحتَ الشمسِ بين رمالها
وحدوتُ هُوجَ رياحِها يا حادي


* * *

أنا يا عليُّ أسيرُ عاصيْها الذي
ما زالَ يُسْكِرُ روضَنا والنادي


عندي ملايينُ الشهودِ بأنَّني
صبٌّ صريعُ اللحنِ والإنشادِ


لا أستطيعُ البُعدَ عنها لحظةً
هي سرُّ إيماني بنصرِ بلادي


أنا يا عليُّ عرفتُ سرَّ نُواحِها
وعرفتُ ممَّن تشتكي فتنادي


ويلذُّ لي الليل السُّهادِ بروضِها
ولو اتخذتُ من الصخورِ وسادي


وأُغازلُ الآمالَ وهي جوامحٌ
وأنا الجهولُ بخبرةِ الصيادِ


أحيا بنُبلِ مقاصدي وأقلُّها
أنِّي جعلتُ من الكرامةِ زادي


* * *

أنا بانتظاركَ يا عليُّ مقيَّدٌ
بحبالِ آلامي على أعوادِ


أخشى فواتَ العمرِ قبلَ تحرُّري
من رِبقةِ الأغلالِ والأصفادِ


وأنا الذي يطوي السنينَ ترفعاً
عن كلِّ مَنقصةٍ من الميلادِ


* * *

يا مُلهمي سُوَرَ البيانِ تحيةً
من شاعرٍ رفضَ الخَنا بعِنادِ


إن كنتَ آثرتَ البعادَ عن الحِمى
فأنا أقيمُ على فراشِ قَتادِ


وأخافُ إن صدقتْ ظنوني أن أرى
ولدي يفرِّطُ في ثَرى الأجدادِ


وأخافُ نجماً كافراً مترصِّداً
يُغري بزيفِ شعاعِه أحفادي


* * *

لهفي على قومٍ تنمَّر ضدَّهم
كلبٌ يسالمُ تارةً ويُعادي


ما ضرَّنا حربٌ تطولُ وقد شكتْ
أسيافُنا من عَتمةِ الأغمادِ


* * *

قالوا: السلامَ مع الجوارِ شعارُنا
وهُمُ الغزاةُ لحرمةِ الميعادِ


كيف السلامُ مع الغزاةِ وأرضُنا
أرضُ السلامِ تنوءُ بالأوغادِ ؟


هم تاجروا بالسلمِ منذُ قيامهم
وقيامُهم ثقلٌ على الأكبادِ


ووجودُهم في الكونِ يورثُه الخَنا
فهُمُ الدُّعاةُ لنشرِ كلِّ فسادِ


قتلوا مئاتَ الأنبياءِ وأمعنوا
بالقتلِ والتدميرِ والإبعادِ


وأتوا إلى مهدِ المسيحِ طحالباً
نبتتْ على الأطماعِ والأحقادِ


ومآذنُ الأقصى تنوحُ وتشتكي
وكذا القيامةُ في دُجى الآحادِ


وتخفُّ (أمريكا) لتضمنَ عيشَهم
في القدسِ رغمَ الفسقِ والإلحادِ


* * *

يا شامُ يا حصنَ العروبةِ كبِّري
لا تركُني لمُسالمٍ ومعادي


لولاكِ ماجرتِ الحروفُ على فمي
شعراً ولا سمعَ الورى إنشادي


إني لأُومنُ أنَّ فجرَكِ قادمٌ
فتأهَّبي للنصرِ والأعيادِ


وغداً سنعرجُ للسماءِ قوافلاً
فحنينُنا أبداً إلى استشهادِ


* * *

يا شاعري هذي الحياةُ مُمِّلةٌ
وجميعُ ما يجري بها لنفادِ


مزَّقتُ أشرعتي على شُطآنِها
وسلكتُ فيها مسلكَ الزهادِ


مالتْ عليَّ فمِلتُ عنها أتَّقي
أثقالَها بتَضرُّعِ العبَّادِ


أبكي رفاقَ العُمرِ أسعى خلفَهم
وأَحِنُّ للُّقيا لفرطِ ودادي


* * *

هذا قصيدي يا عليُّ مضرَّجٌ
بدَمي فشعري في الأسى جلَّادي


لمَّا نَضوْتَ العيشَ عنكَ فجعتَني
ونكأتَ جُرحاً في صميمِ فؤادي


* * *

يا شاعري خذْني بعفوكَ إنَّني
أخشى السَّقامَ وكَثرة العوَّادِ


أخشى إذا حانتْ وفاتي أن أرى
في مأتمي أحداً بثوب حِدادِ


فاقبلْ رجائي يا عليُّ وغنِّ لي
أهلاً صديقي بعد طوْلِ بُعادِ




23-10-1992


*العاصي .. النهر الذي يشطر مدينة حماة



عبد السلام بركات زريق 12-27-2010 07:07 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (34)



أهونُ العقدِ



أُكتبْ سأُملي عليكَ اليومَ يا ولدي
ما كنتُ آملُه من حاضري لغدي


أُكتبْ وطرِّزْ همومي إن رأيتَ بها
ما يرهقُ النفسَ من همٍّ ومن نكدِ


فرُبَّ شاردةٍ عادتْ ضللتُ بها
وربَّ واردةٍ تزهو بمُعتقدي


أُكتبْ لعلكَ واشٍ بي إذا لمحتْ
عيناكَ فيها بروقَ السُّحبِ في بلدي


أُكتبْ فلستُ أبالي حينَ يقتلُني
ما رحتُ أُمليه من أفكاريَ الجُّدُدِ


لقد مللتُ يَراعاً مُخصِباً ألماً
تشقَّقتْ منهُ في يومِ الحصادِ يدي


واملأْ دِناني قصيداً قد أذبتُ به
عمراً تقلَّبَ بين الصبرِ والجَّلدِ


وما وهنتُ ولكنِّي شَقيتُ ولم
أَلقَ المُعينَ من الأصحابِ والولدِ


ولم أجدْ عندَ من أهوى ضِيا أَملٍ
أستغفرُ الشعرَ كم أطعمتُه كَبَدي


وكم تضوَّعَ في الأسحارِ قافيةً
عذراءَ حدَّثتِ الأنسامَ عن سَهَدِي


فأسكرتْ غانياتِ الجِّنِّ خمرتُها
لما تساقَيْنَها في حانةِ الأبدِ


ورُحْنَ يَسألنَ عمَّنْ صاغَها دُرراً
للساحراتِ ملوكَ الجنِّ بالصَّيَدِ


* * *

أُكتبْ فإن يَراعي جفَّ من زمنٍ
دماؤه انسربتْ من رأسِهِ الحَرِدِ


أُكتبْ وغنِّ مواويلي على غَيَدٍ
وأسكرِ العطرَ والأنسامَ بالغَيَدِ


أُكتبْ فإنِّي حملتُ العطرَ في كَبِدي
وبتُّ أَحبسُه عن سائرِ الجسدِ


أُكتبْ مسيرةَ أحزانٍ مررتُ بها
مرورَ مُحتَدِمٍ في جوفِ مُرتعِدِ


أُكتبْ طريدةَ آلامٍ نفذتُ بها
نُفوذَ سهمٍ شديدِ القوسِ مُنفردِ


أُكتبْ فهذي القوافي كنتُ أُشهرُها
واليومَ أَغمدها في عزمِ مُجْتهدِ

إنِّي سئمتُ عباراتٍ بَرمتُ بها
ممَّن أضلُّوا وضلُّوا باسمِ مُنتقِدِ

تسابقوا لاقتناصِ الزَّيفِ واحتكموا
لمدَّعٍ حكمُه يسري بلا سَنَدِ


فزُلزِلَ الحقُّ واهتزَّتْ دعائمُه
إذ جرَّدوهُ من الإقدامِ والعُددِ


وأدبرَ العدلُ مذعوراً تطاردُه
حبائلُ الظلمِ من حقدٍ ومن حسدِ


وراحَ يلبسُ ثوبِ الزَّيفِ فصَّلهُ
مهندسُ الزورِ والبُهتانِ في البلدِ


* * *

أُكتبْ لعلَّ زمانَ القهرِ يَحفظُني
شعراً ويُنشدُني في بيتِ مُضطهَدِ


إنِّي حلفتُ ولم أحنثْ بقافيةٍ
حمراءَ تُنْشَرُ لم تولدْ ولم تَلِدِ


لسوفَ أَكتمُ عن نفسي هواجسَها
إلا إذا جمحتْ في ساحةِ الرَّشدِ


هناكُ أقطعُ شريانَ الدُّجى فدمي
نورٌ يسيلُ على اسمِ الواحدِ الأحدِ

فإنْ وصلتُ لما أبغي كَسَبتُ رضاً
وإنْ قَضيتُ فموتي أهونُ العُقدِ


وليَعلمِ الجيلُ بعد الجيلِ أنَّ دمي
دينٌ بذمَّةِ من أنزلتُهمْ كَبِدي



7-2-1998






عبد السلام بركات زريق 12-28-2010 09:06 PM



المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (35)


وحيٌ من التكريم


في تكريم الأستاذ الشاعر والأديب
مدحت عكاش صاحب مجلة
الثقافة الأسبوعية




للفكرِ للأدبِ الخلَّاقِ للقلمِ
تأنَّقَ الروضُ للتكريمِ في كرمِ


وغرَّدتْ كلُّ أطيارِ الحِمى وزهتْ
عرائسُ الحورِ تدعو الليثَ للأَجمِ


عُدْ يا قَصيُّ إلى العاصي على قَدَرٍ
يا ناظمَ الدُّرِّ حنَّ العِقدُ فانتظمِ


يا صاحبَ القلمِ الخلَّاقِ في لغةٍ
تزهو ثقافتُها الغرَّاءُ في الأممِ


هبْني يراعَكَ أقنصْ كلَّ شاردةٍ
من القوافي وأُسمِعْ كلَّ ذي صَممِ


الخالداتُ قوافي الشعرِ ما حملتْ
على اليراعِ عُلوَّ النفسِ والهممِ


والباقياتُ بقاءَ الدهرِ ما صدحتْ
به الأوائلُ من فخرٍ ومن حِكَمِ

* * *


(يا مدحةَ) القلمِ العملاقِ يا علماً
على الزمانِ تحدَّى النسرَ في القممِ


فينا النبيونَ ما هزَّتْ عقيدتَهم
سفاهةُ القومِ من نِكسٍ ومنتقمِ


نمضي على سُننِ الأجدادِ يحملُنا
حُبٌّ لأروعِ منثورٍ ومُنتظَمِ


نصدُّ عنَّا غواياتٍ مضلِّلةً
ونشعلُ الحرفَ يَجلو حالكَ الظُّلمِ


تَنزَّلَ الشعرُ من أقلامِنا سُوراً
آياتُها تسحرُ الألبابَ بالكلمِ


ترقُّ حيناً وأحياناً يُسعِّرُها
لفحٌ من اللهبِ القدسيِّ كالضَّرمِ


* * *

يا صاحبَ الروضةِ الغنَّاءِ معذرةً
ما كلُّ سرٍ لدى عشقي بمُنكَتِمِ


درجتُ بالشعرِ أرويهِ وأكتبُهُ
وفي مجلَّتِكم ألفيتُ مُعْتَصَمي


ويا (أبا عاصمٍ) ما كلُّ ساجعةٍ
على الروابي تهزُّ القلبَ بالنغمِ


لكَ النديَّانِ : فكرٌ مشرقٌ ويدٌ
تشعُّ منها بروقُ المُزنِ كالدِّيَمِ


كم بائسٍ في زوايا الفكرِ مُرتهنٍ
أصابَه طلُّها فازدانَ بالقيمِ


وكم صليبٍ على أعوادِ فكرتِه
خلصتَهُ من جراحِ الصلبِ والألمِ


خذني بعفوكَ ما زالَ الهوى بدمي
يوري مجامرَ حبِّي مُذْ وقفتُ دمي

أنا الهزارُ وفيك اليومَ أُغنيتي
قلبي يذوبُ على ألحانِها بفمي


أحرقتُ دمعي على عُمْري وأحرقَني
من كنتُ أرجوهُ حصناً غيرَ مُنهدِمِ


تنكَّرَ الناسُ لي ممنْ حملتُ لهم
حبَّاً تقيَّاً نقيَّاً غيرَ مُتَّهمِ


ويشهدُ اللهُ أنِّي ما حملتُ لهم
إلا الوفاءَ فليسَ الغدرُ من شِيمي


(ويحسدوني على موتي) وأغبطُهم
على الحياةِ وأَجزي البخلَ بالكرمِ


إذا قسوتُ على قلبي شكتْ كَبِدي
وأسلماني لليلِ السُّهدِ والسَّقمِ


عندي من الحبِّ أسماهُ وأقدسهُ
لكلِّ شهمٍ أبيِّ النفسِ محتَرمِ


وأنتَ فيهم مكانَ القلبِ تمنحُهم
نبضَ الحياةِ على وردِ الهوى الشَّبمِ

وبي من الحزنِ ما لو شفَّ عنهُ دمي
عرفتَ كيف شربتُ السُّمَّ في الدَّسمِ


* * *

يا(مدحةَ) الأدبِ الخلَّاقِ يا سهراً
على الزمانِ تُمنِّي النفسَ بالحلُمِ


هذي قناديلُ من أوقدتَ شمعَهُمُ
يوماً على الصفحةِ الغرَّاءِ بالقلمِ

تضيءُ في صالةِ الحفلِ الذي انتظمتْ
فيه العقودُ على المحرابِ في الحرمِ


جاؤوا إليكَ ونارُ الشوقِ تلهبُهم
من كلِّ نَسرٍ أبيِّ الحرفِ مُلتزمِ


زها بهمْ منبرُ العاصي وشرَّفَه
أنَّ المكرَّمَ تِربُ المجدِ والكرمِ


وكنتَ متَّهماً بالهجرِ مبتعداً
عن الأحبَّةِ من صحبٍ ومن رَحِمِ


صلَّيتَ فيهم صلاةَ الحبِّ تشكرُهم
ودمعُ عينيكَ ينفي سائرَ التُّهمِ


* * *

يا (مدحةَ) العلمِ والأخلاقِ يا نَهَراً
يا دفقةَ الخصبِ من سيلِ النَّدى العرمِ

ما للنواعيرِ قد جفَّتْ مراشفُها
وغابَ عنِّي الصدى ليلاً فلم أَنمِ


كم كنتُ أروي حكاياتي لها سَحَراً
وكم شربتُ على أنغامِها نَدمي


وكم صحوتُ على شطآنِها أَرقاً
وكم غفوتُ وجفني ضاقَ بالحُلُمِ


واليومَ أمضي إلى الستينَ مجتهداً
وفي فؤاديَ جُرحٌ غيرُ مُلتئِمِ


عندي شريطٌ حصادُ الذكرياتِ بهِ
سجَّلتُه بالمُدى حيناً وبالقلمِ


في كلِّ ليلٍ له عَرضٌ يؤرِّقني
أنا البريءُ به في دورِ متهمِ


* * *

أستغفرُ الشعرَ كم أحزنتُ قافبةً
سلبتُ منها ابتسامَ الفجرِ في الظُّلمِ


عارٍ أمامَ جميعِ الناسِ يسترُني
ثوبُ الوضوحِ وهذا السترُ من قِيَمي


ما عابَني غيرُ قومٍ لاخَلاقَ لهم
لأنَّني النَّسرُ أبغي شاهقَ القممِ


يروونَ عنِّي حكاياتٍ ملفقةً
كأنَّهم وفدُ إسرائيلَ في الأُممِ


يشوقُني عبثُ الماضي وتُخجلني
حجارةُ الطفلِ تُصلي الغدرَ بالرُّجمِ



* * *


يا أمَّتي ودمُ الأطفالِ يهتفُ بي
فينحني الشعرُ إجلالاً لكلِّ كَمي


شُدِّي على يدِهم هاتي لهم حجراً
وقلِّديهمْ وسامَ المجدِ والكرمِ


هاتي يديكِ لجُرحِ العُربِ نَلأَمُه
ونَنتخي لدمِ الأطفالِ في شَمَمِ


لا تتركيني على شطَّيْكِ منشطراً
وقرِّبينيَ من بعضي على الأَجَمِ


حتى أحطِّمَ أقلاماً شكتْ وبكتْ
ويُخِرسُ الغضبُ الخلَّاقُ كلَّ فمِ


* * *

عفواً (أبا عاصمٍ) إن طافَ بي قلمي
على المواجعِ في كَشفٍ عن الهممِ


لك الخلودُ ولي في الشعرِ واحدةٌ
رتَّلتُها لكَ فاسمعْ نبضَها بدمي







عبد السلام بركات زريق 12-28-2010 09:44 PM



المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (36)



الحبُّ الخالدُ



ماذا أقولُ وقد أوهى الأسى كَبِدي
لا صُحبتي أنصفتْ قلبي ولا ولدي

عاشوا على هامشِ الدُّنيا يكلِّلُهم
تاجٌ من الزيفِ لا يَخفى على أحدِ


ترفَّعوا ظاهراً عن كلِّ شائنةٍ
لكنَّ باطنَهم أَرغى من الزبدِ


ترفَّعوا.. ويحَهم.. يا ليتَهم صدقوا
نفوسَهم وأراحوا كل مُنتقِدِ


سرائرٌ لو تعرَّتْ من ستائرِها
لم تَبقَ روحٌ من الأرواحِ في جسدِ


سرائرٌ لو بوسعي أنْ أبدِّلَها
إذاً لطوَّقتُ جِيدَ الكونِ بالرَّغدِ

* * *


ماذا أقول : وفي صدري أُحسُّ لظىً
ما عدتُ أَقوى على الكتمانِ والجَّلدِ


قضيتُ عمريَ أُخفي النارَ في كبدي
كأنَّني الشمسُ في حسنٍ وفي رَأدِ


رضيتُ حرمانَ نفسي في مودتِهم
أملا كؤوسهَمُ بالعطرِ والشَّهَدِ


فيا لقلبيَ كم عانى وأرهقني
إذ كنتُ بينَهُمُ كالطائرِ الغَرِدِ


أُخفي بقلبي أنيني إذْ أحدثُهم
وأحرقُ الدمعَ كي لا يدركوا كَمَدي


لا يسمعونَ سوى لحنٍ أردِّدُه
وكم سهدتُ ولا يعنيهُمُ سَهَدي


أحبُّكم رغمَ أنَّ الحبَّ أضيعُه
بمن يعيشُ بلا قلبٍ ولا رَشَدِ


* * *

جُرحي أضمِّدُه بالشعرِ من حُرَقٍ
وجرحَكم كمْ وكم ضمَّدتُه بيدي


وتدَّعونَ بأنَّ النُّصحَ رائدُكم
لا تكذبوا .. فادِّعاءُ النصحِ لم يُفِدِ


ماكنتُ غرَّاً وما كنتُم ذوي حِكَمٍ
حتى أُسفِّهَ آرائي ومعتقدي


ولستُ متَّهماً حتى يحاكمَني
غِرٌّ ويُصدرَ حكماً غيرَ ذي سَنَدِ


أَكلُّ من صانعتْهُ الحالُ حُقَّ لهُ
وكانَ أعمى اتهامَ الناسِ بالرَّمدِ


* * *

حُرِمتُ كلَّ جميلٍ في الحياةِ ولم
أظفرْ بمؤنسةٍ تختالُ في غَيَدِ


أقضي الليالي مع الآلامِ تصرعُني
وفي النهارِ يدورُ اليأسُ في خَلَدي


وتنكرونَ عليَّ الحبَّ يحملُني
لعالمٍ من صَباباتِ الخيالِ ندي


لو تدركونَ مَقالي ما بَرِمتُ بكم
ما كانَ قلبي على الأيامِ ملكَ يدي


* * *

آمنتُ بالحبِّ إيماني بخالقِه
وصنتُ نفسيَ عن حقدٍ وعن حسدِ


أحبُّكم لو جرحتُم خافقي بيدٍ
أظفارُها عُدَّتي لو مزَّقتْ جسدي


أحبُّكم لا غِنى لي عنكُمُ أبداً
ونارُكم جنَّتي لو أحرقتْ كَبِدي


أحبُّكم وأحبُّ الناسَ كلَّهم
فحبُّكم خالدٌ كالروحِ للأبدِ


فإن هجرتُكُمُ عُذراً فإنَّ لكمْ
شوقاً بقلبي كشوقِ الأمِّ للولدِ




4-12-1981




عبد السلام بركات زريق 12-28-2010 10:48 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (37)



الشاعرُ النبيُّ



أهواكِ.. أهواكِ.. أهوى رفَّةَ الهُدُبِ
يا خمرةً تُسكرُ الألبابَ بالأدبِ


أهواكِ يا حلوةَ العينينِ يا ألَقاً
يجلو فؤاديَ من همٍّ ومن تعبِ


هَبي يَراعي ترانيمَ الهوى سَحَراً
بهاتفٍ منكِ تحتَ الليلِ مرتقَبِ


وعلِّليني بصوتٍ ساحرٍ غَرِدٍ
وقرِّبي الهاتفَ المشتاقَ تقتربي

ليلي وليلُك ما أحلى صفاءهما
كأنَّما أُلقيا عن كاهلِ الحقبِ


نشكو هوانا فلا الأنسامُ تسمعنا
كأنَّما حينما ننأى على قُرُبِ


كأنَّنا توأما حبٍّ وأنجبنا
روضُ الهُيام وما أحلاهُ من نَسَبِ


نعبُّ صهباءَ أحلامٍ مُعتَّقةٍ
فنُسكرُ الكونَ بالأنغامِ والطَّربِ


ونزرعُ الليلَ وجداً نجتني أملاً
نعلِّلُ النفسَ في جدٍّ وفي لَعِبِ


وبوحُ كلِّ حديثٍ بيننا عجبٌ
وأدمعُ الشوقِ تَروي الوجدَ في عَجَبِ


والهمسُ يجرحُ صفوَ الليلِ في شَغَفٍ
ويستريحُ على صافٍ من العَتَبِ


حتى إذا زارنا طيفُ الكرى سَحَراً
والليلُ يرحلُ في أثوابِه القُشُبِ


نمنا على أملِ اللُقيا يُدغدغُنا
حلمٌ شهيٌّ تقيُ القصدِ والأَربِ


* * *

حبيبتي .. يا اشتعالي في جحيمِ هوىً
ويا انطفائي على نأيٍ بلا سببِ


لا تتركيني أعاني السُّهدَ مُنفرداً
وعلِّليني بمُنهلٍّ ومُنْسكِبِ


إنِّي عشقتُكِ حيثُ الليلُ يحملُني
على بُراقٍ فإنِّي شاعرٌ ونبيْ




25-6-1985




عبد السلام بركات زريق 12-28-2010 11:59 PM

المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (1)



نداءُ الرميمِ



في جحيمي عصرتُ خمرَ كُرومي
وجعلتُ الرَّجاءَ حانَ همومي

في جحيمي شربتُ حتى تهاوتْ
أنجمُ السَّعدِ والمُنى كالرُّجومِ


في بروجِ الخيالِ والكونُ حولي
ذكرياتٌ من الصراخِ الأليمِ


خمرتي شَهقَةُ النَّهارِ وكأسي
ومضةُ الفكرِ والظلامُ نديمي

لو تَراني لبستُ ثوبَ عناءٍ
أو تَراني خلعتُ ثوبَ جحيمي

ذاكَ أنِّي قضيتُ عُمريَ أَشقى
في صحارى الضَّياعِ مثلَ رجيمِ


* * *

قد حملتُ الأسى لِأَملأَ كأسي
من نعيمِ المُنى فغاضَ نعيمي


فتَوجهتُ للسَّماءِ بروحي
أسألُ اللهَ ساجداً في وُجومِ


وتَعالى الصُّراخُ يملأُ سمعي
من ضَميري حتى عَرفتُ كليمي


وتجاهلتُ ما جرى من حديثٍ
بين رُوحي وخافياتِ كُلومي


وصحا الفكرُ فالأمانيُّ غَرقى
في بحارٍ من الشَّقاءِ المُقيمِ


* * *

أيُّها السامعونَ صوتَ ضميري
من دمائي أَخْصبتُ محلَ كُرومي

مزَّقتْني أنيابُكمْ فدعوني
أُعمِلُ النَّابَ مرةً في خُصومي


لا تخافوا الجراحَ ليسَ بنابي
أيُّ سُمٍّ إنِّي طرحْتُ سُمومي


لستُ منكم إنِّي غسلتُ ضميري
بدموعي على ضفافِ النُّجومِ


فغدا السمُّ بين جنبيَّ شهداً
في خلايا فؤادِ صبٍّ رَحيمِ


إنَّني أسكبُ الضياءَ لغيري
وكؤوسي مملوءةٌ من حميمِ

فتعالَوا لتشربوا النُّورَ هذا
أولُ الغيثِ من سحابٍ عَميمِ


لا أُبالي إذا قَضيْتُ ضياعاً
خلفَ وَهمي من الخِداعِ الذَّميمِ


سوفَ يصحو على النداءِ أناسٌ
بعد مَوتي يباركونَ رميمي






عبد السلام بركات زريق 12-29-2010 03:51 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (2)



كبريــاء



ذوِّبي النورَ واسكُبيهِ بكأسي
واسفحيهِ على حجارةِ رمْسي


ربما يُسكِرُ الضياءُ رُفاتي
ويحيلُ الجحيمَ واحةَ أُنسِ


ربما تُبعتُ الحياةُ بقلبي
من جديدٍ وينقضي ليلُ يأسي


ربما يولدُ القريضُ ويصحو
عبقرُ الشِّعرِ في قرارةِ نفسي

ربَّما .. ربَّما .. وألفُ نداءٍ
يجرحُ الصمتَ مُستهيناً بأمسي


وأنا صرخةُ الإباءِ وكِبْرٌ
وتحدٍّ على معارجِ شَمسِ


لم أزلْ نازفَ الجراحِ أُربِّي
ذكرياتي على دموعِ التَّأسِّي


أَذبحُ الخوفَ أحرقُ الوجدَ أُوريْ
من زنادِ الهمومِ شُعلةَ بأسي


في صخورِ الشقاءِ أُعمِلُ فأسي
لا أبالي بما يحطِّم فأسي


تَتنزَّى على الأديمِ جِراحي
في صباحٍ وتكتوي حين أمسي


والضَّبابُ الذي يلُفُّ حياتي
يَلْبِسُ الأمرَ خلَفه أي لَبْسِ


فأراني على رَهافةِ حِسِّي
أقطعُ العمرَ هائماً دون حِسِّ


وكأنَّ الدماءَ تجري ببطْءٍ
في عروقي تجتازُها دون لَمسِ


يا دمائي وأنتِ نسغُ حياتي
وحياتي على هوامشِ طرسِ


كيف أحظى بالأمنياتِ ونفسي
في شموخٍ وفي المجرَّةِ رأسي


كلُّ شيءٍ في مقلتيَّ صغيرٌ
وكبيرٌ تَملُّقي كلَّ جِبْسِ


وكبيرٌ أن أشتري بضميري
أمنياتي أو أنْ أُباعَ بفِلسِ


كلُّ ما في الوجودِ مَحْضُ ترابٍ
يتوارى في جَوفهِ كلُّ رِجْسِ


أيُّها اللاهثونَ خلف النَّفايا
أيُّها الغارقونَ في كلِّ بَخْسِ


أيُّها الكافرونَ شعري مرايا
تكشِفُ اليومَ كلَّ أصفرَ وِرْسِ


أتحداكُمُ فهل من مجيبٍ
للتَّحدي بل أينَ فارسُ عَبْسِ


أين صوتُ السيوفِ يُرهِفُ سمعي
تتعالى ألحانُها فوقَ تُرسي


ما ألذَّ الجراح تهمي إباءً
تسكبُ النورَ في مشاتلِ غرسي


فإذا الحقلُ أنجمٌ زاهرتٌ
وإذا الصوتُ صرخةٌ بعد هَمْسِ


* * *

يا نداءً من الوجومِ تَعالى
وزغاريدَ أعلنتْ حفلَ عُرسِ


أينعَ الغرسُ واستُجيبَ دعائي
وتوارتْ في الأُفْقِ أَنجمُ نحسي


بُشرياتٌ من عالمِ الغيبِ تَترى
ناطقاتٌ بأَلسُنٍ منهُ خُرسِ


صوتُها يوقظُ المَواتَ بقلبي
ويحيلُ الجحيمَ واحةَ أُنسِ


قد أبَلَّ الرجاءُ بعد سقامٍ
وتغنَّى الهزارُ من بعدِ يأسِ

هكذا تُبعثُ الحياةُ فهيَّا
ذَوِّبي النورَ واسكُبيهِ بكأسي


عبد السلام بركات زريق 12-29-2010 07:56 PM


المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (3)



شُلَّتْ يَميني



كتبها الشاعر عند بتر ساقي شقيقه
الأصغر"غازي" وكان عمره ثمانية
عشر عاماً إثر حادث أليم عام 1976



شُلَّتْ يميني فلمْ تُعقدْ لزْنَّاري
إذ وقَّعتْ يا ضِيا عَيْنيَّ إقراري


خُيِّرتُ فيكَ ولم أخترْ فأَحرجني
قولُ الطَّبيبِ على عمدٍ وإصرارِ

وقَّعتُ باسميَ أوراقاً لوَ انَّ بها
روحاً أحسَّتْ لَظى الإحراقِ من ناري


وقَّعتُها وبودِّي لو أمزِّقُها
كما تمزَّقَ قلبي عندَ إنذاري


كم كنتُ أعشقُ توقيعي أنمِّقُه
على الطُّروسِ بإجلالٍ وإكبارِ

به تقاضيتُ آلافاً مؤلَّفةً
خلالَ عشرينَ تدريساً لأَطهارِ

كم من رسائلِ حبٍّ كنتُ أكتبُها
ومن قصائدَ ضمَّتْ كُلَّ أسراري


ذيَّلتُها بتواقيعي مؤنَّقَةً
خلَّدتُ فيها أحاسيسي بأشعاري


واليومَ أمقتُ توقيعي لأنَّ به
سلَّمتُ ساقيكَ وا تعسيْ لبتَّارِ


* * *

قالَ الطبيبُ تخيَّرْ في أخيكَ وفي
ساقَيْهِ واحكمْ ولا تجنحْ لأعذارِ

فاتَ الأوانُ فماذا كان يشغلُكُمْ
عن المجيءِ به في نصفِ أيَّارِ

قلتُ : الطبيبُ مساءَ السبتِ أنذرني
ألا أسيرَ بهِ لو بضعَ أمتارِ


دمشقُ : ماذا بها ؟ سلْها لقد شهدتْ
أنِّي المُجلِّي ولن تسطيعَ إنكاري

غداً يعودُ على ساقيهِ مُنتصباً
هذا اختصاصي ولم أُلحقْ بمضماري


لكنَّه عادَ بعدَ الشَّوطِ مُرتدياً
يومَ الثلاثاءِ ثوبَ الخِزيِ والعارِ


إلى المواساةِ* أسرعْ في أخيكَ وخُذْ
هذي الرسالةَ فيها كلُّ أوزاري


كذا قضى اللهُ في ساقَيْهِ فامضِ به
إلى دمشقَ ولا تعبأْ بأسفارِ


* * *

فضَّ الرسالةَ "يحيى"* وهو متلمِسٌ
عُذراً لمُستهتِرٍ بالطبِّ جَزَّارِ


وراحَ ينظرُ في ساقَيْ أخي وعلى
شفاهِهِ دونَ نُطقٍ ألفُ إشعارِ


لا بدَّ من بَترِ ساقيهِ بلا جَدلٍ
جلَّ المُصابُ وهذي حكمةُ الباري


* * *

وجاءني الصحبُ والآلامُ تطحنُني
يحاولونَ بُعيْدَ البترِ إخباري


الحمدُ للهِ .. تَمَّ البترُ فامضِ إلى
سريرهِ بفؤادٍ جدِّ صبَّارِ


سلِّمْ عليهِ ولا تُظهِرْ لهُ ألماً
واحبسْ دموعَكَ كالصِّديقِ في الغارِ

* * *


وأقبلتْ نسمةٌ عذراء صافيةٌ
كأنَّما الوحيُ في أعطافِها سارِ

دخلتُ والبسمةُ الحَيرى تؤنِّبُني
وتُنذرُ الصَّمتَ في صدري بإعصارِ

أحرقتُ سيلَ دموعي وانحنتُ على
سريرهِ وأمامي ألفُ تَذكارِ

بالأمسِ كانَ على ساقَيهِ يرقُصُ لي
والأهلُ من حولهِ أطواقُ أزهارِ

أمي أبي .. أخوتي .. عمِّي .. وزوجتُه
أبناءُ عمِّي .. وأخوالي .. وأصهاري

في كلِّ يومٍ لهمْ في البيتِ أُمسيةٌ
أبهى من الزهرِ في أحضانِ آذارِ

أبي يغنِّي وأمي تَنْتشي طَرباً
تُخْزي العيونَ بإعلانٍ وإسرارِ


"غازي": وألفُ صلاةِ اللهِ يا ولدي
على النبيِّ يليها فيضُ أذكارِ


* * *

هذا الشريطُ الذي لا ينتهي أبداً
مدى الحياةِ غدا يَحتلُّ أفكاري


إنْ زارني النومُ لا أغفو على حُلُمٍ
إلا رأيتُ أخي ما بينَ أخطارِ


يواجهُ الحادثَ المشؤومَ وا لَهَفيْ
عليه ينزفُ ملفوفاً بأطمارِ


فيهربُ النومُ مذعوراً ويتركُني
لِمَا أعانيهِ في أغوارِ أغواري


* * *

أنا الذي بُتِرتْ ساقاهُ ليسَ أخي
ودُقَّ في نعشِ موتي ألفُ مسمارِ

إيهٍ أخي .. يا جراحاً أجهدتْ كَبِدي
وجمرةً أحرقتْ لحني ومزماري


ودَّعتُ كلَّ أغاريدي التي سَلَفَتْ
وبِتُّ أمقُتُ أوتاري وقيثارتي


قد كنتُ آسو جراحاتِي أضمِّدُها
بالصَّبرِ حيناً وأحياناً بسُمَّارِ


حتى إذا الغيبُ وافاني بما صَنَعَتْ
كَفُّ المقاديرِ تُعشي نورَ أبصاري


تذرَّعَ القلبُ بالصَّبرِ القتيلِ على
ضفافِ جُرْحٍ عديمِ الشطِّ نغَّارِ

ورحتُ أحفرُ قبري ثم أردُمُه
وقَلَّمَ الحفرُ إثرَ الحَفرِ أظفاري

وعُدتُ أَحملُ آلامي مجسَّدةً
في بترِ ساقَيْ أخٍ كاللَّيثِ زآرِ

تجرَّعَ الموتَ في المشفى وجَرَّعني
مرارةَ الصمتِ في يَحمومِ أقداري

حتى وصلتُ به وادي حماةَ وقد
أَحسستُ أنِّيَ مجروفٌ بتيَّارِ


أمي التي لم تزلْ في البيتِ قابعةً
ماذا أقول لها ؟ يا شؤمَ أخباري


ووالدي وجميعُ الأهلِ إذْ حَسِبوا
أنِّي رَجعْتُ بإكليلٍ من الغارِ

تَرقبونيَ شهراً تَستحمُّ بهِ
آمالُهم بين تصديقٍ وإنكارِ

ما أهونَ الموتَ يَطويني على عَجَلِ
وما أشقَّ دُخولي ساحةَ الدارِ


وانشقَّ عن صدرِ أمِّي الثوبُ واندفعتْ
نحوَ السَّريرِ بثديٍ غيرِ درَّارِ

قد جفَّ من لَهَبِ السَّبعينَ فاغتنمتْ
هذا اللقاءَ لتَرويْ النَّارَ بالنارِ


*المواساة .. من أهم مشافي العاصمة دمشق
*يحيى .. الطبيب يحيى حمادة الخيَّاط




عبد السلام بركات زريق 12-31-2010 01:01 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (4)



أَفقْ أسرِجْ مُسوَّمةَ القوافي



في رثاء الشاعر السوري
الكبير بدوي الجبل




عشقتَ الأرضَ تفترشُ الترابا
فغادرتَ الأحبَّةَ والصِّحابا


وكنتَ إذا همستَ بأيِّ حرفٍ
عَلَوتَ الشمَّ واجتزتَ السَّحابا


أشاقَكَ أن ترى شوقي أميراً
وحافِظَ يسردانِ الشبابا


يُديرانِ الكؤوسَ على النَّدامى
وقد حسُنوا بمجلسِهِمْ مآبا


أشاقكَ للصِّحابِ هوىً قديمٌ
فخلَّفتَ الشواطئَ والعُبابا


ترتِّلُ بينهم آياتِ فنٍ
تُصفِّي السِّحر تنشرُه كتابا


وتكتبُ ألفَ ملحمةٍ وتُصغي
لصوتِ اللهِ يخترقُ الحجابا


فهل تبكيكَ قافيتي لأنِّي
أخافُ على القريضِ رؤىً كِذابا


أمَ انِي خِفتُ أن تَلِدَ اللَّيالي
عقاربَ تُرسلُ السُّمَّ انسكابا


تحاولُ أن تُعَشِّشَ في المغاني
تُسمِّمُ شهدَها الحُلوَ المُذابا


وتلدغُ باليراعِ إذا تعرَّتْ
عروسُ الشعرِ تَمتلكُ اللُّبابا


نبيَّ الحرفِ كنتَ لنا إماما
تصلِّي بالأصيلِ وقد أنابا


إذا نُصبتْ خيامُ القومِ جئنا
عُكاظَ الشعرِ نقتحمُ الشِّعابا


نُحكِّمُ بيننا البدويَّ شعراً
ونابغةَ القريضِ بما استطابا


وما سُمِّيتَ بالبدويِّ إلا
لأنَّ الشعرَ شرَّفكَ انتسابا


أعيبٌ أن نسيرَ على خيولٍ
ونعقِدُ فوقَ هامتِنا النِّقابا !!


* * *

هنالكَ في المعرَّةِ عاشَ أعمى
يظلُّ الغربُ يدرسُهُ انكبابا


على قَشِّ الحصيرِ ببعضِ قوتٍ
أقامَ الكونَ أَقعدَه اخْتلابا


قبابُ الشعرِ يسكنُها المَعرِّي
فلمْ عابوا الأصالةَ والقِبابا


* * *

حملنا في الصدورِ هوىً قديماً
فكنَّا النَّسرَ حلَّقَ والعُقابا


وجدَّدناهُ مضموناً وشكلاً
وأفكاراً وألحاناً عِذابا


وجاؤوا بالجديدِ بألفِ لونٍ
وقد جَهِلوا الحقيقةَ والصَّوابا


أصابَهُمُ عمى الألوانِ حتى
رأوا ألوانَ مَحتدِهم سَرابا


يعيبونَ الأصالةَ في القوافي
وما ادَّخروا الشتائمَ والسُّبابا


فقالوا: أكثر الشعراءِ حبَّاً
قديم الشعرِ أوسعهم رحابا


وظنُّوا العيبَ في حبِّي تراثاً
بأوردتي يسيرُ ولن أُعابا


وكلُّ العيبِ في شَطَطٍ سخيفٍ
ضبابيٍّ لقد عَشقوا الضبابا


حنانَكَ أَعطني ناياً قديماً
لأُسمِعَهمْ به العَجَبَ العُجابا


* * *

أبا الشعراءِ أشرقَهم بياناً
وأسلسَهُمْ وأبلغَهمْ خِطابا


عزفتَ الحبَّ أشعاراً تَسامى
لقد صنعَ الخلودُ لك الرَّبابا


تذوبُ بضحكةِ الأطفالِ لحناً
وقافيةً تُدلِّلُها انسكابا


أَدِرْ صهباءَ خالِقةِ القوافي
على السُّمَّارِ وانتظرِ الجَّوابا


* * *

فإن شَربوا فقد بَلغوا الأماني
وإن سَكِروا فقد نِلنا الثوابا


نَزيلَ القبرِ يا قمراً تولَّى
ليسطَعَ لم يُطِقْ أبداً غِيابا


تزوَّدْ بالقريضِ ليومِ حشرٍ
وقلْ يا ربّ لم أحفظْ كتابا


سوى القرآنِ والغُررِ اللواتي
أتيتُ بهنَّ أفْتَتحُ الحسابا


لقد خلَّفتُ أنهارَ القوافي
لأهلِ الفكرِ تَرويهم شرابا

سكبتُ لهمْ دمائي من يَراعٍ
لغيركَ ما تبتَّلَ أو أَنابا


تطاولَ فاستَرقْتُ السمعَ فيه
بأمركَ لم يَجِدْ رَصَداً شِهابا


تركتَ لهُ سماواتِ المعاني
مُفتَّحةً فطافَ بها وآبا


يصوغُ عُقودَ حاليةِ القوافي
ويكشفُ عن بصيرتيَ الحِجابا


فجاءَ بكل خالقةٍ وكنزٍ
ونبعُ السِّحرِ يرفدُها انسيابا

على أزهارها " فيروزُ" رَفَّتْ
تمصُّ العطرَ تسكبُهُ رِضابا


وما طَرَبُ الأريبِ لسحرِ صوتٍ
إذا لم يغْنَ من كَلِمٍ مَلابا


* * *

نديَّ الحرفِ في كَبِدي التهابٌ
فهل يُشفي الرِّثاءُ بها التهابا


يَراعُكَ صيغَ من أَلقِ الدَّراري
فشَبَّ على مدارجِها وشابا


فكانَ الماردَ العملاقَ يمضي
ليكشِفَ عن وجوهِهِمُ النِّقابا


يُعرِّي الساترينَ بألفِ ثوبٍ
عيوبَهُمُ ويُنذرُ من تَغابى


وكم حشدوا لهُ قلماً هزيلاً
فكان التَّبْرْ* وانقلبوا تُرابا


* * *

أفقْ أسرِجْ مُسوَّمةَ القوافي
وهاتِ السيفَ واتَّرِكِ القِرابا

(نُجابهُ باليهودِ دماً وناراً)
فنسحقُهم ونتركُهم يَبابا


(سحقْنا الغاصبينَ فلا ذهاباً
نرى للغاصبينَ ولا إيابا )


بِطاحُ القُدسِ دنَّسَها لئيمٌ
وأَمعنَ في محارمِها خرابا

مآذنُه تعانِقُ في الأعالي
نواقيسَ القيامةِ والسَّحابا


تسائِلُ عن أبي حفصٍ أيأتي؟!
يُصلِّي الفجرَ فيها والغيابا


يَشُدُّ قيادَ ناقتِه ويمشي
وقد خلَّى لخادمِه الرِّكابا


وما خفيَ الأنينُ بها ولكنْ
حلا في سمعِهِمْ نغماً وطابا


* * *

أطِلَّ من الخلودِ أبا القوافي
تجدْنا في الوغى أُسْداً غِضابا


ذُرا لبنانَ تشهدُ كم سقَيْنا
جبالَ الأرْزِ من دمِنا شرابا


ويسمعُ غيرُنا نَدْبَ الثَّكالى
و يُغضي لا قتالَ ولا ضِرابا


هنالكَ بالحجارةِ ثارَ طفلٌ
بأرضٍ كم عشقتَ لها انتسابا

وتنكرُنا المجالسُ في صمودٍ
وقد خسئَ الدَّعِيُّ بها وخابا


* * *

أَترحلُ والديارُ تئنُّ قهراً
وقدسُ اللهِ تغتصبُ اغتصابا

أترحلُ والدُّجى حَلِكٌ وتمضي
وأرضُ العُرْبِ تَحتربُ احترابا


لقد سقطتْ بنا زُهْرُ الأماني
لقاعِ اليأسِ خوفاً واضطرابا

نُذيبُ الوهمَ حتى نَحتسيهِ
كؤوساً تَغتلي سُمَّاً وصابا


إذا أبدى الحبيبُ لنا صدوداً
نسجْنَا النورَ في سَهَدٍ عِتابا


وإنْ شفةٌ تبدَّتْ في احتراقٍ
ملأنا الكونَ شعراً أو عَتابا*


وإنْ صَدِئتْ سيوفُ العُربِ يوماً
جلوناها بألسنِنا احتسابا


بمُعجزة القريضِ نَخطُّ سِفْراً
من الأمجادِ نملؤهُ حِرابا

سلاحُ الشعرِ في دمنا قوافٍ
فهلْ حَسَبوا لقافيةٍ حِسابا


* * *

إذا مسَّتْ ثرى الأوطانِ كفٌّ
تُثيرُ الرُّعب تَفتعلُ الخرابا


بترناها بأسيافٍ غِضابٍ
فهاتِ الشِّعرَ أسيافاً غِضابا


يهزُّ يراعُنا الدُّنيا ويسمو
إلى الأفلاكِ مُنطلِقاً شهابا


وتصرفُنا الهمومُ عن الأماني
وتُنسيْنا المفاتنَ والرِّغابا


ونُحشرُ للحسابِ وأيُّ حشرٍ
به يدعو الضَّعيفُ ولن يُجابا


تبدَّلتِ النفوسُ فلا نفوسٌ
تعافُ الذلَّ أو تَأبى اغتصابا


* * *

أصيلَ الحرفِ يا عَلَماً تَسامى
فأطرقَ شعرُهم وحَنى الرِّقابا

بقلبي ألفُ أغنيةٍ تهاوتْ
بها أشلاؤُهُ وقَضى اغترابا


لقد ثَكلَ الشبابَ وأيُّ قلبٍ
كقلبِ الصبِّ إنْ ثَكِلَ الشبابا

يعاودُه الحنينُ إلى الليالي
وقد أمستْ لياليهِ اكتئابا


يُحسُّ ولا يحسُّ ويَعتريهِ
ذهولٌ كالذي قَبضَ السَّرابا


تصابَى حين لمْ يُجْدِ التَّصابي
وحين دَرى به المحبوبُ تابا


* * *

أفقْ باللهِ يا قمراً مضيئاً
أحبَّ الأرضَ فافترشَ التُّرابا

أَدِرْ خمراً معتَّقةً تَأَبَّتْ
على الشعراءِ سَكْباً واحْتلابا


وجُدْ بنصيبِنا من خيرِ إرثٍ
ولا تَحرمْ شُبولَتكَ النِّصابا



* التَّبْرْ ... الهلاك
* العَتابا ... من ألوان الشعر الشعبي الشامي



ايوب صابر 12-31-2010 02:22 PM

سُقيتُ مرارةَ الأيامِ طفلاً
وفي شرخ الشباب ذوى رجائي


ما زلت اعتقد بأن ما يقف وراء شاعرية الشاعر منجد المتدفقة مآسي تفوق حالة العوز ولا بد ان في الامر موت او مآساة من نوع ما!

حبذا لو انك تكتب سيرة ذاتية تفصيلية لحياته وحتى سن الحادي والعشرون وان تركز على علاقته بوالده وامه ثم هل فقد احد اخ اخت صديق؟ في طفولته المبكرة...صحيح ان التأهيل والتدريب والعوز والنكبة التي كتب فيها اول قصائده كما تروى في المدرسة كافية كأسباب ليتدفق القول من ثنايا دماغه لكن عبقريتة الشعرية تشير الى الم اعمق ربما؟؟؟!!


عبد السلام بركات زريق 12-31-2010 02:23 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (5)



تشرينُ وأوراقُ الخريفِ




خَلِّي العتابَ فما للهجرِ من سببِ
لا تُكثري اللومَ واقتصي من النُّوبِ

هل تعلمينَ بأنَّ القلبَ مُرتَهَنٌ
يبغي النجاةَ ولا يقوى على الهربِ


كانتْ له في سماءِ العُمر بارقةٌ
واليومَ أضحى بلا ضوءٍ ولا لهبِ

لعلَّهُ ضاقَ بالأحلامِ يزرعُها
يَروي مساكبَها من رَفَّةِ الهُدُبِ


قد شحَّ زيتي ومصباحي تُراقصُه
فراشةٌ برفيفٍ جدِّ مُضطربِ


أخشى عليها فتيلَ النارِ يُحرقها
طَوراً .. وطوراً أُجافيها بلا سببِ


* * *

"سمراءُ" حبّكِ محمومٌ وموْريتيْ
تَسري بها رِعشةُ المقرورِ والتعبِ

لا تُرهقيني فأوراقُ الخريفِ على
أغصانِ عمريْ ترشُّ الليلَ بالشُّهبِ


هذي العناقيدُ جَفَّتْ في عرائشِها
ماذا دهى الكرمُ لمْ يعطفْ على العِنبِ


بالأمسِ كانتْ على الأغصانِ يانعةً
صفراءَ تلمعُ تحتَ الشمسِ كالذَّهبِ


أيامَ كنَّا نُوافي الكرم نسألُه
عمَّنْ عشقْنا ترى هل مرَّ من قُرُبِ


كنا وكانتْ عناقيدُ الهوى أَلَقاً
صرنا وصارتْ على الأيامِ كالحطبِ


ماذا دهانا وأيامُ الخريفِ على
وعدٍ تحدِّثُنا عن موسمٍ عجبِ


* * *

هذي التشارينُ ما هبَّتْ نسائمُها
إلا وكبَّرَ حادي المجدِ للعربِ


خَلِّي العتابَ فهذي الأرضُ ما عَقِمتْ
تشرينُ ينفخُ فيها الرُّوحَ كاللَّهبِ


جاءَ المخاضُ فهُزِّي النخلَ وانتظري
يَجُدْ عليكِ بآلافٍ من النُّجُبِ


هيا اضربِي واسحقي قَرِّي بمن نَفَروا
عيناً فهم خيرُ أبناءٍ لخيرِ أبِ


هنا التَّحدي سلاحُ الطفل .. أَنْمُلُه
وحفنةٌ من حصى سجيلَ لم تَخِبِ

وأكرمُ الناسِ أطفالٌ قَضوا شَرَفاً
لا الخائفينَ على الألقابِ والرُّتبِ


* * *

ماذا أقولُ وآلامي تكبِّلُني
فصرتُ أبكم بين الصدقِ والكذبِ


نحنُ الذين غرسنا الكرمَ في شَغَفٍ
وكمْ سقيناهُ في جِدٍّ ولَعِبِ


وكم نقشْنا على أسوارِه سُوَراً
آياتِها رغمَ طولِ العهدِ لم تَغِبِ


في كلِّ شبرٍ لنا ذكرى تهدهدُنا
لَهْفي علينا إذا نادتْ ولم نُجِبِ


لَهْفي على الكرمِ أسواراً تحفُّ بها
منابتُ الشوكِ تُدمي كفَّ مُحتَطِبِ


تُذكي العداءَ وتُوري الحقدَ في دمِنا
كأنَّنا لم نَعُدْ من أمةِ العربِ


يعربدُ الشوقُ فينا حين نذكرُها
وأيّ ذكرى تعيدُ الحسَّ للعصبِ


نرودُ بالوهمِ آفاقَ المُنى ولنا
في حانةِ العصرِ أنخابٌ من النُّصُبِ


كأنَّنا في حسابِ الدهرِ مسألةٌ
وحلّها باتَ يستعصي على الحقبِ

نجترُّ تاريخَ أحسابٍ فيخذُلُنا
من كانَ يفخر بالتاريخِ والنَّسبِ


فما رفعْنا إلى التحريرِ رايتَنا
إلا ونكَّسها يومَ الصِّدِام غبي


كم ضاقَ بالدَّمِ شريانُ النضالِ بنا
وكم فصدناهُ بالتَّهريجِ والكذبِ


وكم كتبْنا وأنشدْنا وتعرفُنا
منابرُ الشعرِ والأنغامِ والطربِ


لم يُجْدِنا طولُ إنشاءٍ وقافيةٍ
ومنبرٌ ضاقَ بالتصفيقِ والخُطَبِ


باتتْ مواجعُنا للكيِّ عاشقةً
وآخرُ الطبِّ كيُّ الجسمِ باللهبِ


* * *

هذا فؤادي لقد عمَّدتُه بدمي
فراحَ ينبضُ بالإيمانِ والأدبِ


يا مرحباً باللَّظى إنْ كان يرهفُنا
سيفاً بوجهِ دُعاةِ الزّيفِ في غضبِ


* * *

وجاءَ تشرينُ يزهو في مواسمِه
لما سقَينا ثراهُ بالدَّمِ العربي


سرنا نشقُّ ظلامَ الكونِ عن وهَجٍ
ونوقظُ الفجرَ في الجولانِ والنَّقبِ


إنَّا طَلعنا على الدنيا عمالقةً
يا أمةَ العُرْبِ شُدِّي للعُلى وثِبي

هنا رجعْنا إلى التاريخِ نكتبُه
يقودُ جحفلُنا ليثٌ أَغرُّ أَبي


هنا التحدي ظُبى تشرينَ شاهدةٌ
هنا دمشقُ فيا شمسَ الضُّحى انتسبي


وعُدتُ للكرمِ يا تشرينُ أسألُه
عمَّنْ عشِقنا وجافَيْنا بلا سَببِ


رأيتُ أسوارَه كالطَّودِ شامخةً
ورنَّ صوتٌ يناديني ويَهتفُ بي

نحنُ الذينَ غرسناهُ على قَدرٍ
في كلِّ شبرٍ شهيدٌ .. شاعرٌ .. ونبي


* * *

ويُقْفرُ الكرمُ والذكرى تعاودُنا
في كلِّ عامٍ على الأرزاءِ والنُّوبِ


شابتْ على مسرحِ التاريخِ قصَّتُنا
والمُخرجُ الوغدُ لم يَهْرمْ ولم يَشِبِ

جمهورُنا ملَّ حتى راحَ من حَنَقٍ
يَهذي فقيلَ من الأنغامِ والطَّربِ

* * *
حبيبتي يا بلادي يا ندىً وهوىً
يا جنَّةَ اللهِ يا إشراقةَ العربِ


ما نحنُ إلا قناديلُ الضياءِ على
دربِ الخلودِ نُنيرُ الكونَ كالشُّهُبِ


نغزو السماءَ بأقلامٍ إذا خَرستْ
عندَ الحقيقةِ ترمي الكونَ للشَّجبِ


تُميدُ كلَّ عروشِ الزَّيفِ قاطبةً
من غمزِ قافيةٍ مشبوبةِ اللَّهبِ


* * *

حبيبتي يا بلادي أنتِ خالقتي
نهراً جريتُ وفي شطَّيْكِ مُنقلبي


من أطلسِ الموجِ أَفدي كلَّ بارقةٍ
تُوري زنادَكِ حتى شاطئ العربِ


حسبي أراكِ على التَّاريخِ شامخةً
موفورةَ البأسِ .. بُركاناً من الغضبِ





عبد السلام بركات زريق 12-31-2010 04:57 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (6)



الشـاعـر



يُهيمُ يسألُ لا وِرد ولا صَدَرُ
مشتَّتُ الفكرِ أضنى جفنَه السَّهرُ


يلوذُ بالأمنياتِ الوهمِ يبعثُها
من رقدةِ الصَّحوِ لا صاحٍ ولا خدرُ


يبني جسوراً من الأحلامِ أوَّلُها
حرفٌ وآخرُها في صمتِه فِكَرُ


وينثني يهدمُ البنيانَ يحرقُه
كيما يضيءَ لهُ من نارِه شررُ


يغشى الظَّلامَ وفي عينيهِ بَرْقُ هوىً
من قلبِه فهو تحتَ القرِّ يَستعرُ


يبكي ويضحكُ والأيامُ شامِتةٌ
والحقُّ والباطلُ المغرورُ والقدرُ


ويَستحمُّ بضوءِ الشمسِ يسكبُهُ
على محيَّاهُ فجرٌ كاذبٌ أَشِرُ


كأنَّه أخلفَ الأيامَ موعدَها
فعاقبتْهُ وفرَّتْ منهُ تَعتذرُ


وغادرتْ في حشاهُ ألفَ نازلةٍ
كأنَّما وخزَها في صدرِهِ إبَرُ


واجتازَ بوابةَ الخمسينَ مُنطلِقاً
والخوفُ في نَفَقِ الستينَ يَنتظرُ


وما جنى من أماني العمرِ واحدةً
وكيف يَجني وما في كفِّهِ ضَررُ


* * *

أُنظرْ إليهِ تجدْهُ العمرَ مبتسماً
وفي حناياهُ قلبٌ كادَ يَنفطرُ


نفسٌ هي الطُّهرُ تَرقى في معارجِها
يقودُها النيِّرانُ الفكرُ والنَّظرُ


ما بثَّ شكواهُ إلا في قصائدِهِ
فيها تزاحمتِ الأفكارُ والصُّورُ


يستلهمُ الوحيَ رَقراقاً يُسلسلُه
شعراً هو النَّغمُ المسحورُ والدُّررُ


في كلِّ قافيةٍ نبضٌ يُنظِّمُهُ
شريانُ حبٍّ عليهِ تَنزلُ السُّورُ


ما مرَّ في دارةٍ إلا و(كَهْرَبَها)
قطباهُ من لَهَفٍ فاسَّاقطَ المطرُ


يَغشى المخاطرَ في قولٍ يجرِّدُه
شِعراً وكمْ لفَّهُ من فكرةٍ خَطرُ


وكم سرى في ليالي الخوفِ يَحْفزهُ
كشفُ الحقيقةِ لا يأسٌ ولا ضجرُ


مُنقِّباً في خفايا الناسِ مُحترِقاً
بما يُكِنُّون لا يَخفى لهُ أثرُ


والناسُ من حولِهِ أبطالُ معركةٍ
مع الحياةِ فذا خاوٍ وذا بَطِرُ




عبد السلام بركات زريق 12-31-2010 05:13 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (7)



قَينةُ العاصي



غناؤكِ بتُّ أسمعُه نُواحا
حليفَ السُّهدِ أنتظرُ الصَّباحا

كأنَّ أنينَكِ المجروحَ صوتي
وقلبُكِ ما أراحَ ولا استراحا


فشأنُكِ في الهوى شأني وقِدماً
هوى الأحبابِ أَرْقصنا سَماحا


نُوشِّي اللَّيلَ نزرعُهُ جراحاً
ونلبسُ من مطارفِهِ وِشاحا


ونشربُ في الوَفا سُمَّاً زُعافاً
ويشربُ غيرُنا في الغدرِ راحا


كلانا يُستباحُ بكلِّ عصرٍ
ويغدقُ ما أباحَ ولا استباحا


كلانا نابضٌ قلباً وفكراً
ونابُ الدهرِ يُوسعُه جِراحا


نَئنُّ إلى الصباحِ فإن تَهادى
أضاعَ الشَّامتونَ بنا النُّواحا


* * *

رُويداً قينةَ العاصي رويداً
فوِردكِ لم يعدْ ماءً قُراحا


ونهرُكِ صارَ يزحفُ في تَأنٍّ
جداولُهُ غدتْ ظَمأى شِحاحا


وشاعرُكِ الذي سَحَرَ اللَّيالي
صُداحاً نايُه كَرِهَ الصُّداحا


* * *

ربيعُ العمْرِ قد أمسى خريفاً
ولم يُصِبِ التَّقدمَ والنَّجاحا


يحومُ على شفا حُفَرٍ فيَهوي
كليلَ العزمِ مُضطرباً جَناحا


وطيرُ السَّعدِ نَفَّرهُ غرابٌ
أَبى إلا بمهجتِهِ ارتياحا


* * *

رويدكِ هَدهِدي الآلامَ دُوري
جنانُكِ لم تَعُدْ أبداً فِساحا


وصوتُكِ لم يَعُدْ يُذكي حنيني
ولم يُغْرِ الشقائقَ والأقاحا


رويدكِ .. ما الحياةُ وقد تَقضَّى
زمانُ الحبِّ من عُمْريْ وراحا


وخلَّفَ فيَّ جرحاً ليس يَشفى
على الأيامِ يُوسعُني افتضاحا


إذا ما الشعرُ أَزهرَ من جِراحي
يقولُ الكاشحونَ بَكى وناحا


وإنْ غنَّيتُ لحنَ الحبِّ قالوا
مع الخمسينَ يقتنصُ المِلاحا


تَساوَيْنا بعُرفِ الناسِ نُوحيْ
كشاعرِكِ الذي أَلِفَ النُّواحا





عبد السلام بركات زريق 12-31-2010 09:49 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (8)



الله يا دُنيا الشقاء




سارتْ على عَجَلٍ فقلتُ لها قِفي
وترفَّقي بمتيَّمٍ يهواكِ


إنِّي عرفتكِ طفلةً وعرفتِني
طفلاً تَزامنَ خطوهُ بخُطاكِ


حتى إذا ما اشتدَّ ساعدُه انْبرى
وبقيتِ سادرةً بغيرِ حِراكِ


يُمناهُ ما تنفكُّ تَنصبُ للعُلى
أشراكَه وتزيلُها يُسراكِ


مَنَّيتِه بالوصلِ ثم هجرتِهِ
ووصلتِ من بغرورِهِ وافاكِ


فسخرتِ منهُ وكان غِرَّاً سَاذجاً
عَشِقَ الإباءَ لكي ينالَ رضاكِ


وصحا على أَلَقِ الحقيقةِ بعدما
خسرَ الرِّهانَ ولم يَعُدْ لعراكِ


وغدتْ جذورُ اليأسِ في أعماقِه
تَمتدُّ حتى شابَ روضُ هواكِ


واليومَ يحزمُ للرَّحيلِ متاعَهُ
وغداً تودِّعُ ركبَهُ عيناكِ


يمضي إلى الستينَ يحرقُ عمرَه
مَسعاهُ يخفقُ في لَظى مَسعاكِ


ولكمْ تزوَّدَ بالتعلُّلِ فالمُنى
وهمٌ وكلُّ الوهمِ في نَجواكِ

يا أنتِ يا دنيا الشقاءِ ترفَّقي
رُحماكِ يا دنيا الشَّقا رُحماكِ


أرهقتِني ظُلماً فأنت ظَلومةٌ
للزَّارعينَ الحبَّ رغمَ نَواكِ


والفارغونَ بكل عصرٍ تُوِّجوا
بالغارِ تضفرُ غصنَهُ يُمناكِ


* * *

كم من دعيٍّ نالَ منكِ رغائباً
وأَنلتِ مشبوبَ الحنينِ جفاكِ


وملأتِ مأدبةَ اللَّئيمِ أطايباً
ضنَّتْ بها عندَ الوفيِّ يداكِ


وجَزيتِ ضعفَ الهادمينَ جواهراً
وجَزيتِ عزمَ المُبدعينَ حَصاكِ


وزَهوتِ باسمِ الأغنياءِ جهالةً
ونَفرتِ ممَّنْ ينشرونَ ضِياكِ


* * *
الله يا دُنيا الشقاءِ .. لَكَمْ ذَوى
غصنٌ كريمُ الأصلِ في مَغناكِ


روَّى جذورَ اللؤمِ نبعُك وانثنى
يَسقي الطَّحالبَ في ربوعِ حِماكِ


فنَمتْ بذورُ الشَّوكِ بين أزاهرٍ
وسَرَتْ بها تُدمي الزهورَ دِماكِ


* * *

ما زلتِ يا دنيا الشَّقاءِ شهيةً
رغمَ انسحاقِ العدلِ بينَ رَحاكِ


نذرٌ عليَّ إذا كَرُمتِ بنظرةٍ
تمحو ظلامي من بريقِ سَناكِ


لأُساقيَنَّ الحورَ صهباءَ المُنى
وأُراودنَّ العينَ في سُقياكِ


ولأَبلغنَّ بكلِّ كأسٍ بُغْيةً
عزَّتْ على الزُّهادِ والنُّساكِ


فتعسَّفي ما شئتِ لسْتَ مُصانعاً
فالصُّبحُ يَكمنُ خلفَ عَسفِ دُجاكِ





عبد السلام بركات زريق 01-01-2011 12:34 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (9)



الرحـيل




دعوني قد تملَّكَني الذُّهولُ
فكُلِّي ذكرياتٌ لا تزولُ


تملَّكَني الذهولُ فَصِرتُ عبداً
فهل للعِتقِ عندكَمُ سبيلُ


يمُرُّ شريطُ أيامي سريعاً
فَتُشجيني المنازلُ والطُّلولُ


وما لي حين يملِكُني ذُهولٌ
يدانِ إلى الوصولِ فلا وُصولُ


* * *

إذا عزفتْ بناتُ الشعرِ لحناً
على كَبِدي تنهَّدَ مستحيلُ


وغرَّدَ بُلبلُ الشوقِ المُعنَّى
ورَنَّ بصوتِهِ النَّغمُ الأصيلُ


وعاودني الحنينُ إلى زمانٍ
على أعتابِهِ نَبتَ الخميلُ


رضعتُ به لبانَ الحبِّ كهلاً
وجرَّحَ خافقي الطَّرْفُ الكحيلُ


وأَوْرقَ كرمُ أحلامي ورفَّتْ
طيورُ السَّعدِ يُسعدُها الهديلُ


نسيتُ طفولتي وربيعَ عمْري
وهِمْتُ يشدُّني الخصرُ النحيلُ


وَأدتُ جراحَ أيامي بقلبي
وأينعَ في دمي أملٌ بَليْلُ


أدلِّلُه .. أداعبُه وأحنو
عليه لعلَّ بارقَهُ يطولُ


* * *

تبدَّلتِ الحياةُ فكلُّ شيءٍ
عدا من راحَ يحسدُني جميلُ


وما بدَّلتُ ألواني فما لي
وإنْ بدَّلتُ عن خُلُقي بديلُ


* * *

ومرَّ العامُ تِلوَ العامِ حتى
تمكَّنَ من سنا أملي الأُفولُ


وأظلمتِ الحياةُ وشابَ قلبي
فكلُّ المُوحشاتِ به مُثولُ


تَنكَّرَ لي أحبَّائي وأهلي
وضاعَ الدَّربُ وانتحر الدَّليلُ


فعُدْتُ أَلمُّ أوراقي وأخلو
بآثامي .. لقد قَرُبَ الرَّحيلُ




عبد السلام بركات زريق 01-01-2011 03:11 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (10)



سورة النجم



صدِّقوني إذا كذبتُ عليكمْ
إنَّني شاعرٌ بلغتُ الثُّريا


أمقتُ الصِّدقَ أشتري بضميري
أُمنياتي ولن أكونَ أبيَّا


قد تعوَّدتُ أن أُطأطئِ رأسي
وتعوَّدتُ أن أكونَ طريَّا


وتعوَّدتُ كيفَ أدفنُ نفسي
وتعوَّدتُ كيف أبكي عليَّا


* * *

كم قطفتُ النجومَ نجماً فنجماً
ثمَّ صُغْتُ القريضَ عذباً سنيَّا


أنا يا قومُ واحدٌ من ألوفٍ
من ملايينَ زَيَّفتْ عبقريَّا


أنا يا قومُ واحدٌ من ألوفٍ
من ملايينَ لم تُصدِّقْ نبيَّا


علَّمتني الأيَّامُ كيفَ التَّخلي
عن حيائي وكنتُ دوماً حَيِيَّا


زَيَّفَ الناسُ مَنطقي وشعوري
فاستحالَ الضياءُ ليلاً عتيَّا


* * *

كنتُ في كلِّ ذرةٍ من دمائي
أتلظَّى بالصَّمتِ في جانحيَّا


كنتُ أرنو إلى الحياةِ بعينٍ
تعشقُ النورَ والصباحَ النديَّا


ليتني كنتُ .. ليتني كنتُ ميْتاً
قبل صَحوي وقبل عَوْدي إليَّا


* * *

أنا في الليلِ كمْ أُصلِّي وأتلو
سورةَ النجمِ بُكرةٌ وعشيَّا


ما هوى النجمُ ليتَه اليومَ يهوي
أو أرى بارقاً يُطلُّ عليَّا


* * *

قيِّدوني بقيدِكم واضربوني
بسياطٍ ممَّا صَنَعْنا سويَّا


نحنُ من بعضِنا سُلالةُ قيدٍ
وظلامٌ يمزِّقُ الأريحيَّا


* * *

كذِّبوني إذا صدقتُ فإنِّي
رُغمَ عزمي أحبو على رُكبتيَّا


أَطلقوني ولو لبِضعِ ثَوانٍ
ثم شُدُّوا الوثاقَ شيئاً فشيَّا


لا تخافوا الضياءَ ليلي طويلٌ
سوفَ أبقى مدى الحياةِ شقيَّا


أنا يا قومُ منكُمُ وإليكمْ
فليصدِّقْ من كانَ مثلي غبيَّا



عبد السلام بركات زريق 01-01-2011 03:27 PM

المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (11)


الصـمت الرهيـب



في بُروجٍ مشيَّداتٍ من الوهْـــــــــمِ تعالتْ إلى عَنان السماءِ

في كهوفٍ من الظَّلامِ تناءى الْــقلبُ فيها عن سائرِ الأضواءِ

في سراديبَ مُوحشاتٍ تهاوتْ . أنجمُ السَّعدِ فوقَ قبرِ رجائي

في بحارٍ أمواجُها الحُمرُ تَغلي ...... بدماءِ الوفاءِ والأوفياءِ


كان صوتي كالرَّعدِ بين ضُلوعي . يطلُبُ الثأرَ لاغتيالِ إبائي

مزَّقوني بأحرفِ النَّصب والــــــــجَّر وأَغروا أنذالَهم بهِجائي

وتَمادوا بالغدرِ حتى تَخلّوا .... عن بقايا الضميرِ دونَ حياءِ

وأشاعوا أنِّي قضيتُ فقالوا .. ماتَ صَبراً على دُروبِ الجَّفاءِ

ساءهمْ أنَّني أشعُّ ضياءً ............ من ظلامِ القبورِ للأحياءِ


حمَّلوني وِزرَ الغناءِ فقالوا ...... مُطربُ القومِ مُمعنٌ بالهُراءِ

* * *

أيُّها الصوتُ إن صمتي رهيبٌ ... لم يُحطِّمْ مداهُ من كِبريائي

رُبَّ صمتٍ أَمرّ منْ شَططِ القو......لِ وأقسى بمسمع الأعداءِ

ولهيبُ الجِّراحِ في الصدرِ أَورى . من مَسيلِ الدِّما على الغبراءِ

* * *

يا بروجَ الخيالِ والوهمِ حسبي ...... أنَّني فيكِ أَكتوي بندائي

يا كهوفَ الظَّلامِ في صَحوةِ المو..تِ أُغنِّي يا ليلُ أينَ ضيائي

يا سراديبَ وَحشتي وضياعي . كيف أمحو باليأسِ سِفْرَ شَقائي

يا بحارَ الدِّماءِ إنَّ شِراعي ........... مزَّقتْهُ وساوسٌ بدمائي

أَقفرَ العُمرُ واستبدَّ بقلبي ....... هاتفُ الموتِ وانتظارُ فنائي

* * *
أيُّها العائمونَ في أَبْحرِ الزّيْــــفِ تعرَّوا من عارياتِ الرِّياءِ

واهجروا ظُلمةَ القبورِ وهيَّا .... نَغتنمْ صفوَ عمرِنا بالوفاءِ


وتعالوا نُطهِّرِ الروحَ بالحــــــــــبِّ ونَغسلْ نفوسَنا بالإخاءِ




عبد السلام بركات زريق 01-01-2011 03:39 PM


المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (12)



ابتهــال


بعينيكِ يحلو لي التَّصوُّف والغزلْ
فباللهِ هذا السِّحرُ كم عاشقاً قتلْ


بعينيكِ شوقٌ وابتهالٌ وفتنةٌ
وإنِّي إلى عينيكِ يا(...) أبتهِلْ


بعينيكِ سرٌّ كَحَّل الطرفَ غامضٌ
فمن أيِّ كُحلٍ ذوَّبَ الطَّرفُ واكتحلْ


من أيِّ بحرٍ نضَّدَ الثَّغرُ لؤلؤاً
ومن أيِّ عَتمٍ أظلمَ الشَّعرُ وانْسدلْ


ومن أيِّ دوحٍ أفرعَ الغصنُ حاملاً
على الصدرِ رُماناً يباهي بما حَصلْ


فمنْ ليْ وقد تيَّمتِ قلبي بنظرةٍ
إلى قلبِكِ الخفَّاقِ يا (...) بالأملْ


ومنْ لي وما لي عنكِ في البُعدِ سلوةٌ
وقلبُك رغمَ الشوقِ بالحبِّ ما وصلْ


* * *

أراكِ فأَستحييْ وأكتمُ لوعتي
وأُخفي أَنيني في هواكِ ولم أزلْ


وأقسمُ لو واصلتِ قلبي بلهفةٍ
لأَرقصتُ أسرابَ البلابلِ بالغزلْ

وصغتُ لكِ الأطواقَ دُرَّاً وعَسجداً
وحرَّكتُ قلبَ الصَّخرِ بالقولِ والعملْ


فإنِّي مُحبٌّ طيبُ القلبِ هائمٌ
أبيٌّ كريمُ النَّفسِ أخشى من الزَّلَلْ


أُحبُّكِ في صمتٍ وشوقٍ وحُرقةٍ
وكدتُ لطولِ الصمتِ ينتابُني المَللْ


أُذيبُ قوافي الشعرِ بالعطرِ والنَّدى
وأهتفُ يا رُوحي فقولي .. أجلْ .. أجلْ


وإنِّي بما أَشقى سعيدٌ وإنَّما
أخافُ بطولِ العَهدِ يَطوينيَ الأجلْ


وإنِّي وإنْ داريتُ يا (...) عاشقٌ
يُشاغلُ قلبي الغيدُ عنكِ وما انْشغلْ


فحسبي هوى عينيكِ يشعلُ خافقي
ولولا هوى عينيكِ يا (...) ما اشتعلْ




عبد السلام بركات زريق 01-02-2011 05:01 PM




المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (13)


هـروب



عادتْ لِتسألَني وتعلمُ أنَّني
أهوى التي بجحيمِها أتقلَّبُ


أهوى العذابَ بقربِها يا ليتَها
عرفتْ حليفَ السُّهدِ كيف يُعذَّبُ


يا ليتها عرفتْ جنونَ مشاعري
وأنا لِكشفِ جنونِها أترقَّبُ


ينهلُّ كالمسكِ الفتيقِ حديثُها
وأنا بعطرِ حديثِها أتطيَّبُ


وتضيءُ مثلَ الشمسِ إنْ هيَ أسفرتْ
وتنيرُ مثلَ البدرِ إذ تتحجَّبُ


وتنمُّ عن شَغَفِ الفؤادِ لحاظُها
فتشُدُّني لغةُ العيونِ تُرحِّبُ


وتظلُّ بينَ تجاوبٍ وتمنُّعٍ
حتى إذا غلبَ الرِّضا تتهرَّبُ

وتعودُ تلعبُ بي كسالفِ عهدِها
وكأنَّها تخشى الهوى فتُجرِّبُ


تنأى عن الآمالِ وهي قريبةٌ
ومتى ابتعدتُ فإنَّها تَتقرَّبُ


فيَحارُ فكري كيفَ أملكُ قلبَها
وهي التي في لحظةٍ تتقلَّبُ


وتعودُ تسألُني وما ليَ مَهْربٌ
إلا لصمتيَ والسُّؤالُ مُحبَّبُ


أأقولُ يا عمريْ وأعلمُ أنَّها
لن تستجيبَ وبالحَيا تتجلْبَبُ


أمْ أكتمُ الأشواقَ وهي حرائقٌ
وأظلُّ مشبوبَ الهوى أتلهَّبُ


وأنا مع الستينَ يرمقُني الرَّدى
ويمزِّقُ الآمالَ شعرٌ أشيبُ


طَوراً أصدِّقُ في هوايَ مشاعري
ويهزُّني صوتُ الحِجا فأكذِّبُ


وأُنمِّقُ الكلماتِ أخطبُ ودَّها
فتُشيحُ بالوجهِ الصَّبيحِ وتغضبُ

فألفِّقُ الأعذارَ مثلَ مُخادِعٍ
فتريشُ لي سهمَ الهوى وتصوِّبُ


* * *
يا أنتِ .. يا هبةَ السَّماءِ لشاعرٍ
وافى إلى قُدسِ الهوى يترهَّبُ


أوَتسألينَ وأنتِ أَدرى بالتي
صادتْهُ حبَّاً وانزَوتْ تَترقَّبُ


لا تُرهقيهِ بـ منْ ؟ وكيفَ ؟ وربَّما
لا تسأليهِ فإنَّه يتهرَّبُ





عبد السلام بركات زريق 01-02-2011 06:41 PM


المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (14)



لنْ تَأْثمـي




لا تكتمي "أهواكَ" لا لن تأثَمي
فالحبُّ للأرواحِ غيرُ محرَّمِ


بوحي .. أَبُحْ بهوايَ إنِّي خائفٌ
نكرانَ حبِّكِ يا مُنايَ تكلَّمي


وأخافُ ألسنةَ الوشاةِ تلوكُنا
وغموضَ ردِّكِ عندَ أولِ موسمِ


وأخافُ مِنكِ عليكِ إن صَدَقَ الهوى
أن تكْتوي بالشَّوقِ أو تتألَّمي


أَغريتِني بنقاءِ وجهٍ مُشرقٍ
وصفاءِ صوتٍ ساحرٍ مترنِّمِ


إنِّي أُحاولُ أن أُعلِِّمَكِ الهوى
شِعراً وطَرفاً آسراً فتعلَّمي


هيا اجهريْ بالحبِّ لا تتهرَّبي
فحديثُ طرفِكِ جاءَ غيرَ مُتَرجَمِ


إنْ كنتِ خائفةً فسرُّكِ غامضٌ
لا يَنجلي حتى يُراقَ له دَمي


أو كنتِ خجلى من أحاديثِ الهوى
فَدَعي حياءَك لحظةً وتقدَّمي


سيزولُ خوفكِ عندَ أولِ همسةٍ
قولي " أُحِبُّكَ " مرةً وتبسَّمي


وإذا حياؤكِ حالَ دونَ سماعِها
من ثغرِكِ الفتَّانِ لا تتوهَّمي


مُدِّي يديكِ فعندَ أولِ لمسةٍ
من راحتيَّ يزولُ كلُّ تَوهُّمِ


وَدعيْ عيونَكِ تبتسمْ لي مرةً
عند اللِّقاءِ ترِقُّ نارُ جهنَّمِ


فإذا سَعِدْنا بالحديثِ وأُطفِئتْ
نيرانُ خوفٍ لاهبٍ متضرِّمِ


عودي لخوفِكِ عندَ أوَّلِ همسةٍ
واستغفري بعدَ اللقاءِ وتَمتمي


* * *

يا فتنةً حَرُمَتْ وزادَ فتونَها
تحريمُها إنِّي بظلِّكِ أَحتمي


جودي بقربكِ إنَّ بُعدَكِ مَغْرَمٌ
وجميلُ قربِكِ يا حبيبةُ مَغنمي

أخشى إذا غدرَ الزمانُ وقُطِّعتْ
بالبعدِ أسبابُ اللِّقا أنْ تَندمي

وتعود أيامُ الشقاءِ ونكتوي
ندماً يطولُ ولاتَ ساعةَ مندمِ


فاستسلمي لنداءِ قلبِكِ بل صِلي
بالرُّوحِ في طُهْرِ المُنى لن تَأْثمي




حماة 1995





عبد السلام بركات زريق 01-02-2011 10:01 PM

المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (15)



عـرسُ الوفـاءِ



ألقيت في الحفل التكريمي لأستاذي
المربي الكبير هاشم الصيَّادي في
المركز الثقافي العربي في حماة



من مهبطِ الوحيِ في تسبيحةِ السحرِ
من رفرَفِ النُّورِ في إشراقةِ القمرِ


من نبضِ قلبيَ من أحلى هوىً وندىً
من كوثر الحبِّ من ترنيمةِ الوترِ


منَ الصفاءِ ومنْ كنزِ العطاءِ ومنْ
محضِ الوفاءِ من الأهدابِ والحورِ

لصانعِ المجدِ للبانيْ صروحَ هُدىً
منْ أصغريهِ لمن أسلمتُهُ قَدَري

جمعتُ أضمومةً من روضةٍ حَليَتْ
وجئتُ أنثُرُها في حفلهِ العَطِرِ


* * *

يا مُنقذي من ظلامِ الجهلِ تمنحُني
جناحِ نَسرٍ على التَّحليقِ مُقتدِرِ


أَرشدْتَني بجميلِ النُّصحِ تهتفُ بي
إلى الأمامِ لَجنْيِ الشَّهدِ من إبرِ

اِقرأْ وجوِّدْ كتابَ الشعرِ في بلدٍ
عاصيهِ* أصبحَ مِطواعاً على العُصُرِ

تَلقَ الوفاءَ كَذَوْبِ الشهدِ مُمتزجاً
بكلِّ حرفٍ بشالِ الحُسنِ مؤتزِرِ


وامدُدْ يديكَ لمنْ غذَّيتَهم أَدباً
تَجِدْ عطاءكَ مثلَ النقشِ في الحجرِ


* * *

ماذا أقولُ وهل تسطيعُ قافيتي
ردَّ الجميلِ بما أبدعتُ من صُورِ


أنا الذي لم أدعْ للشعرِ صَومعةً
إلا نقشتُ على محرابِها سُوَري


وما عبرتُ صحارى الوجدِ محترِقاً
إلا تطايرَ من كثبانِها شَرري


وكم أثرتُ من الأشواقِ زوبعةً
صيفيَّةَ السُّحبِ لم يهطُلْ بها مطري


وطوَّقتْ أَحرفي جِيدَ الجمالِ بما
نضَّدتُه من لآلي السِّحْرِ في السَّحَرِ

وعدتُ بالشيبِ والإخفاقِ يحملُني
موجُ النَّدامةِ في دوَّامةِ السَّفرِ


* * *

هذا شريطٌ حصادُ الذِّكرياتِ بهِ
سجلتُه بدموعِ الصَّحوِ والخدرِ


فيهِ الوفاءُ بنبضِ القلبِ مرتهنٌ
يداعبُ الشوقَ في سمعي وفي بَصري


أيامَ كُنتَ وكان الفصلُ يجمعُنا
بصُحبةٍ كالنجومِ الزُّهرِ كالزَّهَرِ


وأنتَ كالبدرِ تجلو ليلَنا بيدٍ
تَجري على اللَّوحِ تروي أَروعَ السِّيرِ


لقَّنتَنا العلمَ والأخلاقَ مُدَّرعاً
بالصَّبرِ حيناً وأحياناً بذي خَطَرِ


ينهلُّ كالمُزنِ في توضيحِ مسألةٍ
عَزَّتْ على كل غوَّاصٍ على الدُّرَرِ


ونقرأُ الحبَّ في عينيكَ نلمَسُهُ
في راحتيكَ وفي التَّهديدِ والنُّذُرِ


حتى أضأتَ ظلامَ الليلِ في شُعَلِ
أوقدتَها من شظايا النفسِ والعُمُرِ


* * *

هذي غراسُكَ .. طِبْ نفساً فإنَّ لهمْ
في كلِّ علمٍ كتاباً واضحَ الفِكَرِ


يا مُسكِرَ الجيلِ من أنخابِ كرمكِ لا
تعتبْ على الناسِ والأيامِ والقدرِ


إنّا شريكانِ في النَّجوى يوحِّدُنا
همٌّ مقيمٌ مع الأحلامِ في السُّرُرِ


أما ترانيْ وقد شابَ الهوى بدمي
وأقفرَ العُمرُ إلا من لَظى الذِّكرِ


حتى وصلتُ إلى بيداءَ مُوحشةٍ
إلا من اليأسِ ظِلَّاً يَقتني أَثَري


أنَّى رحلتُ عيونٌ منه ترصدُني
وحيثما كنتُ ضاقَ الكونُ في نَظَري


وما ظفرتُ بوصلٍ في ربيعِ هوىً
حلَّ الخريفُ يُداري ذلَّ معتذرِ


كأنَّني ما عزفتُ الشوقَ أغنيةً
عذراءَ رنَّحتِ الأنسامَ من سَكَرِ


وما حملتُ يَراعاً مُشرقاً أبداً
يهدهدُ الهمَّ بالإبداعِ في سَهَري


* * *

فدعْ ملامةَ من باعوا ضمائرَهم
في سوقِ مُحتكرٍ بالصِّدقِ مُتَّجِر

مداهنونُ لهمْ في كل معتَرَكٍ
وكرٌ تسوَّرَ بالبُهتانِ والأَشَرَ


وجُلُّهم من فراشِ الليلِ رفَّ على
أضواءِ مُحترقٍ في عيشِه البطِرِ


* * *

يا واهبَ النفسِ أعصاباً تَناهبَها
سكْبُ العطاءِ بمدروسٍ ومبتَكَرِ


اِفتحْ كتابَكَ .. اِقرأْ .. نَستمعْ شغَفاً
وحدِّثِ القومَ عن أيامِكَ الغُرَرِ


ولا تلُمني إذا قصَّرتُ إن يدي
مشلولةٌ ولساني قُدَّ من حَجَرِ


أُصارعُ الغدرَ حتى كادَ يصرعُني
بأَكؤسٍ من سُمومِ الزَّيفِ والكَدرِ

أعدى عليَّ زماني كلَّ خائنةٍ
راحتْ تمزِّقُني بالنابِ والظُّفُرِ


حتى وصلتُ لحالٍ كم شقيتُ بها
إذ عدتُ أجمعُ بعضَ القوتِ بالإبَرِ


ومن رآني على ذي الحالِ ألهبَني
لسانُهُ بغليظِ القولِ مُسْتَعِرِ


فأُشعلُ الشِّعرَ إيذاناً بعاصفةٍ
فاسألْ قوافي اللَّظى والعَصفِ عن خبري


وكم طلعتُ على الدُّنيا بقافيةٍ
حمراءَ تقدحُ تحتَ الليلِ بالشَّررِ


وكمْ دفنتُ يراعي في مساومةٍ
تحتَ الرَّمادِ لكي يَخفى بهِ أَثري


* * *

فاعذرْ فديتُكَ تلميذاً أضرَّ به
عصفُ الهمومِ ونابُ الدهر من صَفَرِ


عرفتَهُ في ربيعِ العمرِ مجتهداً
طوراً .. طوراً بليداً قاصرَ النظرِ


واغفرْ جموحَ يراعٍ حشوهُ ألمٌ
يُعاكسُ القدرَ المكتوبَ من ضَجَرِ


ما لانَ للدَّهرِ يوماً في مُنازلةٍ
حتى يُوارى أبيَّاً أضيقَ الحُفَرِ


هناك يبرأُ من آلامِ غربتهِ
فالعيشُ في عصرِنا كالعيشِ في سَقَرِ


هذا يُعربدُ مَزهوَّاً بمرتَفعٍ
وذاكَ يهبطُ مَذموماً بمنحدَرِ


وذنبُ كلِّ لئامِ الناسِ مغتفرٌ
وذنبُ كلِّ كريمٍ غيرُ مغتفَرِ


* * *

فاحبسْ دموعَكَ إن حدَّثتَ في سَمَرٍ
تلقَ الصفاءَ يُضيءُ النفسَ في السَّمَرِ


واطرحْ همومَكَ في بحرِ الحياةِ وطُفْ
في جنَّةِ الحبِّ بينَ الماءِ والشَّجرِ


* * *

هذي جهودُكَ رغمَ العاصفاتِ نَمتْ
وأَينعتْ وزهتْ بالزَّهرِ والثَّمَرِ


فما لكَ اليومَ تأسى كلما ذُكرتْ
تلكَ العهودُ وتُدمي قلبَ مدَّكرِ؟


إنِّي عرفتُكَ طَوداً شامخاً أبداً
وما أظنُّكَ هيَّاباً على كِبرِ


وأنتَ في العينِ ما دامَ الضياءُ بها
وأنتَ في القلبِ حتى آخر العُمُرِ


وأنتَ من أنتَ في دفعِ الخُطوبِ وكمْ
سخرتَ منها فمالتْ عنكَ في حَذَرِ


* * *

يا رائدَ العلمِ والأخلاقِ دمتَ لنا
أباً تقيَّاً .. نقيَّاً .. خالدَ الأثَرِ


أيقظتَ فينا حُداءَ المجدِ في زمنٍ
كانتْ ذئابُ الخَنا تعويْ على النُّهُرِ


وقدتَنا نحو شُطآنٍ مذهَّبةٍ
بالعلمِ نجري على الألواحِ والدُّسُرِ

فكنتَ كالبحرِ تخشى الشُّمُّ غضبتَهُ
وحين يهدأُ يصحو الأُنسُ في الجُزُرِ


* * *

يا هادياً في دُجى الأجيالِ يا علماً
نسعى إليهِ من الوديانِ والحفرِ


دارَ الثقافةِ كم شرَّفتَ منبرَها
إذْ كنتَ في ساحِها الوثَّابِ كالنَّمِرِ


لئنْ تعمَّدتُ إغفالاً لما شهدِتْ
لكَ المواسمٌ من صفوٍ ومن كَدَرِ


فذاكَ أنَّ بياني عاجزٌ وهنتْ
منهُ الحروفُ فلم أَبلغْ بهِ وَطَري


* * *

يا بسمةَ الزَّهرِ في فصلِ العطاءِ أتى
فصلُ الوفاءِ وهذا أولُ المطرِ


إنَّ النفوسَ ظِماءٌ فاروِ غُلَّتَها
من خمرِ كرمِكَ من تاريخِكَ العَطِرِ


وابسمْ فديتُكَ تغنمْ في الحياةِ رضىً
والعمرُ يُزهرُ رغمَ الشيبِ والغِيَرِ


* * *

يا ملهِمي كُلَّ ما أبدعتُ من كَلِمٍ
عذراً لماضيَّ فاقبلْ راضياً عُذُري


أيامَ كنتُ عَقوقاً مزعجاً شرساً
أُلقيْ بنفسي إلى الإيذاءِ والضَّرَرِ


وكنتَ بالحبِّ تدعوني إلى هدفٍ
أسعى إليهِ بطولِ الدَّأْبِ والسَّهرِ


حتى وصلتُ بأفكاري لمنطلَقٍ
من الظَّلامِ إلى الأضواءِ والظَّفَرِ


* * *

يا غارسَ الكرمِ عندي كلُّ مُسكرةٍ
تصبو إليكَ فهاتِ الكأسَ وابتدِرِ


غداً يطوفُ على العُشاقِ سامرُهُمْ
بأكؤسٍ من حُميَّاً غرسِكَ النَّضِرِ


واغفرْ فديتُكَ لا تعتبْ على نَفَرِ
يُكدِّرونَ صفاءَ النبعِ بالعَكَرِ


فغايةُ العيشِ إيثارٌ وتضحيةٌ
وصاحبُ الفضلِ فيهِ أسعدُ البشرِ


وأنتَ من آثرَ الأجيالَ فاغتنمتْ
عُرسَ الوفاءِ تُباهي الكونَ بالخَيَرِ



* العاصي .. النهر الذي يشطر مدينة حماة

عبد السلام بركات زريق 01-03-2011 05:27 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (16)




مـرايا الكهـف



أنا والصّمتُ والجدرانُ نُوري
زِنادَ الفكرِ في ليلِ الشتاءِ


نكلِّمُ بعضَنا همساً ونرنو
إلى الأشباحِ في الكهفِ المُضاءِ


ونسمعُ أغنياتِ القومِ تعلو
ويختلطُ الغناءُ مع البكاءِ


وخلفَ ستائرِ البلَّورِ تبدو
رسومٌ للحرائرِ والإماءِ


وتختلطُ الرُّسومُ ويعتريْها
ذُبولُ اللونِ في زمنِ الرِّياءِ


هناكَ تُعربدُ الدُّنيا وتغفو
نفوسٌ أدمنتْ طعنَ الإباءِ


* * *

هنا عصرٌ وضمنَ الكهفِ عصرٌ
ونحنُ وهمْ على حدٍّ سواءِ


يعشِّشُ في دِمانا الصمتُ حتى
تعاتبنا الهمومُ على الولاءِ

ويقتلنا الوباءُ إذا مَضيْنا
نمنِّي النفسَ نحلُمُ بالدواءِ


وتلكَ حياتُنا أضحتْ هُراءً
فبئسَ العيشُ في الزمنِ الهُراءِ

وكمْ عاشتْ أمانينا وماتتْ
على وعدٍ تَسربلَ بالدِّماءِ


* * *

أنا والصمتُ والجدرانُ أسعى
إلى حَتْفي بلا زادٍ و ماءِ


وأحدو ركبَ منْ ركبوا الرَّزايا
وأتركُ كلَّ نائحةٍ ورائي


أقاومُ ما استطعتُ جموحَ فكري
وأَضحكُ من دهاقنةِ الدَّهاءِ


وأحملُهمْ على بُغضي وعَذلي
وأسبقُهمْ على دربِ الجَّفاءِ


وأتركُهمْ ورائي لا أُبالي
بمدحِ الخانعينَ أو الهجاءِ


فمنهمْ من تشبَّثَ في ذُيولي
ومنهم من تعلَّقَ في حذائي

وحسبي إنْ مَضيتُ إلى تحدٍّ
سلكتُ الدربَ أَهزأُ بالفناءِ


* * *

أنا والصمتُ والجدرانُ عزفٌ
على أوتارِ نازلةِ القضاءِ


أرى حولي دُعاةَ السِّلمِ جيشاً
تسلَّحَ بالدَّسائسِ والرِّياءِ


يقودُ زحوفَهم شخصٌ غريبٌ
تنمَّرَ تحتَ ثوبٍ من فراءِ

يثورُ مُعربِداً طوراً .. وطوراً
يُخبِّئُ رأسَهُ تحتَ الغطاءِ


ويمضي نحو سورِ السِّلمِ حتى
إذا وافاهُ أمعنَ بالثَّناءِ


فيُفتحُ بابُه ويُطلُّ عبدٌ
شَروه ضمنَ قائمةِ الشِّراءِ


ينادي .. من ببابِ السُّورِ يُثني
على الدُّخلاء يجأرُ بالدعاءِ

ويدخلُ قائدُ الزَّحفِ المُرجَّى
حصار السلمِ ينعمُ باللقاءِ


وينسى جندَهُ خلفَ المرايا
يُقيمونَ الصلاةَ على الوفاءِ


* * *

أنا والصمتُ والجدرانُ طَودٌ
به أَنفٌ يجلُّ عنِ الغُثاءِ


نرودُ معارجَ الأفاقِ نسمو
بأجنحةِ الشآمِ إلى العَلاءِ


نُجرِّدُ في بروجِ الشمسِ سيفاً
شآميَّاً تحفَّزَ للمضاءِ


نسالمُ منْ يسالمُنا فإمَّا
تمادى الخصمُ نمعنُ في العداءِ

فنحنُ المانعونَ إذا قبضْنا
ونحنُ الباسطونَ يدَ السَّخاءِ


ونحنُ الباذلونَ إذا مَضينا
دماً حُرَّاً على نغمِ الحُداءِ


ونحنُ على مدارِ الكونِ قومٌ
نَسُلُّ البُرْءَ من رَحِمِ البلاءِ


فما كانَ السلامُ لنا سلاماً
ومنَّا من تشرَّدَ في العراءِ


وتشرينُ الفداءِ سقى كُروماً
وأينعَ غرسُهُ يومَ الفداءِ


ولقَّنَ من عدا درساً فهلَّاً
وعى " رابينُ " ملحمةَ الإباءِ


فكيفَ يجيءُ حفلُ السلمِ يدعو؟
لمائدةِ النِّفاقِ بلا حياءِ


إذا كانَ السلامُ لهم بقاءً
على أرضي ثكلتُكِ يا دمائي

* * *


فيا ليلاً يعُمُّ بلا هلالٍ
ويا فجراً يُطلُّ بلا ذُكاءِ


أجيبا كيفَ نعطي الذئبَ سلماً
وقدسُ اللهِ يجهشُ بالبكاءِ

ينادي الواقفينَ إلى المرايا
ألا هُبّوا لمهدِ الأنبياءِ


خليلُ اللهِ صدَّقَ ما رآهُ
ولم يعثرْ على كبشِ الفداءِ


فأغمدَ نصلَهُ ومضى حزيناً
يناجي اللهَ يُوغلُ في اختفاءِ


* * *

أنا والصمتُ يا تشرينُ نمحو
عن الجُّدرانِ مُسوَّدَ الطلاءِ


فإنْ وافيتَنا بصفاءِ فَجرٍ
فأهلاً بالضِّياءِ وبالصَّفاءِ


وأهلاً حينَ تشرِقُ في الرَّوابي
على الجولانِ في يومِ الجلاءِ




عبد السلام بركات زريق 01-03-2011 07:29 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (17)



نشـيد الدم




نضَّدتُ من مِزَقِ الجراحِ عُقودا
وضَممتُ من عَبَقِ الدِّماءِ ورودا

وفَتلتُ حبلَ الوصلِ بين قصائدي
والطِّفلَ فانبثقَ النهارُ وليدا


وكتبتُ ملحمةَ الدَّماءِ بأحرفٍ
رفَّتْ على شَفةِ الخلودِ خلودا


* * *

آمنتُ بالإنسانِ يبذلُ روحَهُ
وكفرتُ فيه مصفَّداً مَجهودا


آمنتُ بالأطفالِ من كَبِدِ اللَّظى
يرمونَ بالحجرِ الوريِّ يَهودا


تتعشَّقُ الأسماعُ وقعَ نعالِهم
يتسابقونَ إلى الفداءِ وُفودا


يا أيُّها الأطفالُ نَزْفُ دمائِكمْ
نسجَ الصُّمودَ على البِطاحِ بُنودا


قسماً بأيديكم بمسقطِ رأسِكمْ
بالمهدِ بالأقصى يزفُّ شهيدا


بالحافظينَ عهودَ منْ عشقوا الثَّرى
بمكبِّرينَ يُدمدمونَ رُعودا


بالحاملينَ النارَ بينَ ضلوعِهم
يتواثبونَ على العدوِّ أُسودا


لَنمزِّقنَّ الغدرَ لو بأظافرٍ
بأكفِّ من صَدقوا تفلُّ حديدا


* * *

يا ثورةَ الطِّفلِ الذي بهرَ الدُّنى
عزماً وإقداماً فدىً وصُمودا


قدرُ العروبةِ أن تكوني ثورةً
لا تقبلُ التدجينَ والتَّهويدا


يا أيُّها الأطفالُ أيُّ قصيدةٍ
تَرقى لطُهرِ دمائكمْ تَمجيدا


بدمي إذا جفَّ اليَراعُ قصائدٌ
حمْرٌ تُردَّدُ في دمي تَرديدا


عوَّذتُ ثورتَكم بطُهرِ دمائِكم
بالأكرمينَ محاتِداً و جُدودا


بالمؤمنينَ بزحفِكم وهتافِكم
اللهُ أكبرُ همَّةً وصُمودا


بالمانعينَ الواهبينَ دماءهم
الرَّافعينَ من الضِّياءِ عَمودا


العاقدينَ الغارَ فوقَ رؤوسِهم
تيجانَ عزٍّ ترفضُ التَّهديدا


عوَّذتُها بالنَّاذرينَ شُبولةً
بالأمِّ تدفعُ خالداً وسعيدا


من خانعينَ على الطريقِ تَساقطوا
من كلِّ مشلولٍ يجرُّ قَعيدا


* * *

ثُوروا فلسطينُ السليبةُ كلُّها
مثوى الجدودِ مَفاوزاً ونُجودا


لولا جلالُ اللهِ لم أشركْ بهِ
لتَخذْتُ من أحجارِها معبودا


فتقحَّموا الغمراتِ لا تَهِنوا ولا
يَحزنْكمو من بدَّدوا تَبديدا


حَسِبوا انتفاضتَكم تموتُ بضربةٍ
تلوي إذا عصَفَ الحديدُ زُنودا


حشدوا عليكمْ كلَّ باغٍ خائفٍ
من كفِّ طفلٍ تقذفُ الجّلمودا


خسئوا وخابَ الغدارونَ وسعيُهم
خسئوا وخابوا لن نخرَّ سُجودا


شُلَّتْ أياديهمْ تُكسِّرُ أنملاً
وتدكُّ أبنيةً تخافُ مُهودا


يا خائضينَ غمارَ ملحمةِ الفِدا
يا باذلينَ لها دماً وكُبودا


يا زارعينَ الليل آمالاً على
أنوارِها جَرَتِ الحروفُ قصيدا


أَلقُ الجراحِ يضيءُ دربَ نضالِكم
ويعيدُ وجهاً للجهادِ جديدا


أنتمْ نجومٌ في دَياجي أمَّةٍ
لطمتْ على فقدِ النهارِ خُدودا


ردُّوا لأوردةِ العروبةِ نبضَها
ردُّوا لها نفَسَ الكفاحِ مَديدا


شرفُ العروبةِ يُستردُّ بأَنمُلٍ
ترمي وتكتبُ بالدِّماءِ نشيدا






عبد السلام بركات زريق 01-04-2011 08:11 PM




المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (18)



أغنيةٌ إلى تشـرين



غنَّيتُ تشرينَ يا أعيادَ تشرينِ
حتى تعبتُ وخانتْني شراييني

غنَّيتُ تشرينَ تصحيحاً وملحمةً
وكانَ جمرُ حروفِ النارِ يكويني


تهوَّدَ الكونُ يا تشرينُ فانطفأتْ
كلُّ الحروفِ على أوتارِ تلحيني


هذي المشاعلُ خابَ اليومَ موقدُها
لقد أضاؤوا بها أحلامَ "رابينِ"


* * *

ما للسياساتِ تهوي فوقَ ساستِها
فتنتشي طرباً آمالُ صُهيونِ


ماذا أقولُ: أأحدو ركبَ قافلةٍ
حرابُها أُغمدتْ في صدرِ مطعونِ


أمْ أدفنُ الجُّرحَ في أحزانِ قافيةٍ
ألبستُها حقبةً ثوبَ التَّآبينِ


واللهِ لو أنَّ لي ظفراً أحكُّ به
لمزَّقت أَظفُري جلدَ الثَّعابينِ


* * *

ما للمواجعِ أُقصيها فتعصفُ بي
تفتُّ من عَضُدي عمداً وتلويني


إذا تذكَّرتُ أيامي وما حفلتْ
به السنون جراحُ اليأسِ تكويني


* * *

قالوا احترسْ: قلتُ هل في الكونِ مُحترسٌ
مثلي يوثِّقُ بين اللامِ والنونِ


هذي أَجنَّةُ أفكاري لقد ولدتْ
بعدَ المخاضِ الذي ما زالَ يُضنيني


أستغفرُ الشعرَ كم ضيَّعتُ قافيةً
عذراءَ أنشدتُها بين الطَّواحينِ


تلكَ المنابرُ تبكي اليومَ سادتَها
ملَّتْ مسامعُها زَيْفَ المضامينِ


كم اعتلاها سفيهٌ لا خَلاقَ لهُ
وكم غزاها دعيٌّ باسمِ تنينِ


وكم تلفَّتُّ حولي لا أرى أحداً
ممنْ أحبُّ على حبٍّ يناديني

لَهْفي على بلدي لَهفي على وطني
لَهْفي على العُربِ من حُمْرِ السَّكاكينِ


سنُّوا القوانينَ باسمِ الحقِّ مغريةً
ما أضيعَ الحقَّ في هذي القوانينِ

إنِّي لأكفرُ بالتاريخِ يكتبُه من
منْ أَسرجوا غيظَهم من يومِ حطِّينِ


* * *

قولي لتشرينَ يا أعيادَ تشرينِ
جفَّت دمائي ولم تُزهرْ بساتيني


وأقفرَ الرَّوضُ ماتتْ كلُّ صادحةٍ
والبومُ ينعقُ بين الحينِ والحينِ


أستغفرُ الصبرَ كم لوَّنتُ مئزرَه
وكمْ رميتُ عليه غصنَ زيتونِ


وكم زرعتُ حروفي في مشاتلِه
وما حصدتُ وراحَ الشَّوكُ يثنيني


فعدتُ أبحثُ عن زيتٍ أُضيءُ به
فتيلَ حرفٍ على وهنٍ يُعزِّيني


* * *

وراعَني الزَّيتُ في الآبارِ مُشتعلاً
يضيءُ ... يظلمُ أكواخَ الملايينِ

قد أطفأوا بدَمي أُولى حرائقِهِ
فنامَ تحتَ رمادي كالبراكينِ


لو أنَّ لحظةَ صدقٍ عانقتْ أملاً
يداعبُ الحقَّ لم أذبحْ قرابيني


* * *

قالوا السلامَ : فصُغنا ألفَ ملحمةٍ
تشدو السلامَ على أنَّاتِ مَحزونِ


فكمْ أقمْنا لهُ حفلاً نباركُه
وكم رقصنا على لحنٍ فلسطيني


نبثُّ أحزانَنا نشكو مواجعَنا
لمجلسِ الأمنِ بين الخفضِ واللِّينِ


تظلُّ أعلامُنا البيضاءُ باردةً
فنستظِلُّ بها في الضَّعفِ والهونِ


ونعقدُ الرايةَ الحمراءَ لاهبةً
بينَ الأشقَّاءِ في شتى الميادينِ


* * *

يا عاقدَ السِّلمِ ما غيَّرتَ مُعتقدي
مهما استعنتَ عليهِ بالشياطينِ


فكيفَ بالعارِ تمحو العارَ مُعتصِماً
بخيطِ سلمٍ بحبلِ الغدرِ مَقرونِ


أستغفرُ اللهَ كم أشهدتُه علناً
وكمْ حلفتُ وعادَ الشكُّ يَعروني


حتى توضَّحَ لي ما كنتُ أحسبُهُ
وهماً وكان بريقُ القصفِ يُعميني


فرحتُ أبحثُ عن وكرٍ ألوذُ بهِ
خوفَ الرّعودِ لعلَّ الوكرَ يحميني


* * *

يا قِبلتي وظُبى تشرينَ شاهدةٌ
قد عادَ يُسخطُني ظنِّي ويُرضيني


طوراً أكذِّبُ ظنِّي حين يُسخِطُني
وتارةً صوتُكِ الدَّاوي يُواسيني


فما فتحتُ كتابَ العشقِ مُنتشياً
إلا وطالعَني وجدٌ يُعنِّيني


وما لبستُ ثيابَ الزُّهدِ مُعتكِفاً
إلا وألهبَني دمعٌ يعزِّيني


* * *

يا قِبلتي ورياحُ الشكِّ تعصفُ بي
لا تَصلبيني على وعدِ السَّلاطينِ

هذي ملاعبُ حبِّي كم رتَعتُ بها
وكم شممْتُ بها عطرَ الرَّياحينِ


وكم رسمتُ على أشجارِها صُوراً
لخافقي وسهامُ الحبِّ تُرديني


وها أنا في حِمى الخمسينَ ما برحتْ
مجامري رغمَ طولِ العهدِ تُوريني


لا تكتبيني سطوراً لستُ أفهمُها
وجرِّديني بلا وحيٍ وتلقينِ


إنِّي سئمتُ عباراتٍ مؤنَّقةً
لا تُرهقيني بآلافِ العناوينِ


* * *

يا شامُ .. يا قِبلتي يا من بكعبتِها
وقفتُ شِعري لتشرينٍ وتشرينِ


لولاكِ يا شامُ يا مهدَ الجمالِ ويا
أمَّ البطولاتِ لم تنبضْ شراييني


أنتِ الحضاراتُ والأيامُ شاهدةٌ
من مغربِ الشمسِ حتى الهند والصينِ


مرَّتْ تشارينُ أعوامي وأجملُها
تشرينُ زحفكِ من كلِّ التَّشارينِ


فعانِقي الشمسَ في تشرينَ ما طلعتْ
كتائبُ النَّصرِ بالغُرِّ الميامينِ





ناريمان الشريف 01-04-2011 08:17 PM


رُويداً قينةَ العاصي رويداً
فوِردكِ لم يعدْ ماءً قُراحا

ونهرُكِ صارَ يزحفُ في تَأنٍّ
جداولُهُ غدتْ ظَمأى شِحاحا

وشاعرُكِ الذي سَحَرَ اللَّيالي
صُداحاً نايُه كَرِهَ الصُّداحا

* * *


الله الله الله
فاتني الكثير ...
سأتابعك باهتمام كبير أخي عبد السلام
كم هي رائعة هذه الأبيات
إلى ( قينة العاصي ) قرأت
وسأواصل لاحقاً بإذن الله

أشهد بأن هذا الشاعر هو أمير الكلمة والتعبير بحق
سلمت يداك وأزكى تحية للشاعر
وإني أتساءل : أين القراء ؟؟ !!






...... ناريمان

عبد السلام بركات زريق 01-05-2011 03:48 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (19)



يا فارس الحـرف



في رثاء الشاعر
سعيد قندقجي



باقٍ مدى الدهرِ والفاني هو الجسدُ
يا فارسَ الحرفِ هل أرداكَ منتقدُ


يا مُسكِرَ الروضِ من أنخابِ قافيةٍ
ومُلهبَ الزَّحفِ والراياتُ تنعقدُ


يا منْ ملأتَ لنا الأقداحَ صافيةً
من كرمِكِ البكرِ راحُ الشِّعرِ تَرتفدُ

قمْ " يا سعيدُ " تَنكَّب كلَّ قافيةٍ
واركبْ بحوراً بها الأمواجُ تطَّردُ

أهكذا يا أخي تَمضي على عَجلٍ
ولِمْ تعجَّلتَ هلَّا كنتَ تتَّئِدُ


* * *

كم يا أخي كنتَ سباقاً لمعترَكٍ
واليومَ تسبقُنا والجَّمعُ محتشِدُ


بالأمسِ كنَّا على العاصي يغازلُنا
صوتُ النواعيرِ والأنسامُ والرَّأدُ


ماذا جرى ؟ كيفَ ضاقَ العِقدُ وانفرطتْ
حبَّاتُه في الدُّجى ما عادَ ينعقدُ


ماذا جرى يا رياضَ الشِّعرِ هل عصفتْ
بكَ السُّمومُ وأغرى صفوكَ النَّكدُ


أين العنادلُ في أعراسِ أمَّتِهم
أينَ الفوارسُ للأخطارِ تَنجردُ


أينَ الذين إذا هزَّتْ يراعتَهم
نسائمُ الحبِّ سالَ العطرُ والشَّهَدُ


في كلِّ عامٍ خليلٌ راحلٌ صُعقتْ
له المنابرُ والأقلامُ والبلدُ


فلا تبسَّمَ فجرٌ بعدما رحلوا
ولا تلألأَ نجمٌ بعدما خَمدوا


تجري الثواني بنا في كلِّ ثانيةٍ
موتٌ فنحنُ إلى آجالِنا نَرِدُ


* * *

لا تسبقوني رفاقي ليسَ لي جَلَدٌ
على الفراقِ لقد جافانيَ الجَّلدُ


ماتَ البشيرُ على الأعتابِ وا أَسفي
وخيَّمَ الحزنُ والأوهامُ والكمَدُ


قضى الصِّحابُ وكانوا أُنسَ مجلسِنا
وأقفرَ الرَّوضُ لم يأنسْ به أحدُ


فلا سعيدٌ بنادي الشِّعرِ يطربُنا
ولا عليٌّ * بصافي النقدِ يَنتقدُ


* * *

أفقْ سعيدُ وقُمْ هذي ملاحمُنا
في كلِّ حاليةٍ وِردٌ لمن يَرِدُ


على المنابرِ أفواهٌ محنَّطةٌ
وفي الدواوينِ قيءٌ كلُّه زَبَدُ


مجدِّدونَ بلا معنى وغايتُهم
أنْ يُوهِموا كلَّ غرٍّ أنَّهم جُدُدُ


ويحملونَ على الفُصحى بلا خجلٍ
ويَفترونَ وما في القلبِ مُعتقدُ


هم يضمرونَ لنا الأحقادَ ويحَهُمُ
ونحنُ للحبِّ والإخلاصِ نجتهدُ


ويزرعونَ لنا الأشواكَ لاهبةً
لكنَّ زرعَهمُ المحمومَ قد حصدوا


قُمْ يا سعيدُ فأوصالي مقطَّعةٌ
طالَ انتظاري ولمَّا يأتِني مَدَدُ


قلْ للذينَ تمادوا في أذيَّتِهم
لا تُسرفوا في الأذى يا قومُ واقتصدوا


غداً يحطِّمُ قيدَ الذُّلِّ متعقلٌ
في الموحِشَيْنِ ويُوري الكونَ مضطهدُ


إنِّي لأُقسمُ أنَّ الحقَّ مُنبلِجٌ
كالصُّبحِ مهما تولّوا عنهُ أو جَحَدوا


* * *

يا فارساً درعهُ الفُصحى رماهُ ضُحىً
سهمُ المنونِ ألمْ يشفعْ لكَ الزَّردُ ؟


لو تُفتدى يا أبا معنٍ لكنتُ فدىً
لنورِ عينيكَ والأصحابُ والولدُ


فاغفرْ سعيدُ بُكائي لا تَلُمْ قلمي
ما عادَ يَقوى على تصويرِ ما أَجِدُ


تناثرتْ أَدمُعي وهناً على جَدَثٍ
كما تناثرَ فوقَ الجَّوهرِ البَرَدُ


وعقَّني الشعرُ حتى كادَ يقتلُني
صمتٌ تحالفَ فيه السُّقمُ والسَّهَدُ


حتى غدوتُ من الأحزانِ مُلتهباً
روحاً وجسماً من الآلامِ يَرتعدُ


* * *

قمْ يا سعيدُ وهَبْني منكَ قافيةً
في أربعينكَ منْ عُقْمِ الرَّدى تَلِدُ


قلْ للرُّماةِ وقد أغرى طلائعَهم
جمعُ الغنائمِ أينَ العقلُ والرَّشَدُ


تركتُمُ أُحُداً للغدرِ يركبُه
حتى بكى خجلاً ممَّا جرى أُحُدُ


لو تَعقلونَ لما سارتْ كتائبُكم
أو تُبصرونَ لما ضلَّتْ بكمْ عددُ


أو أنَّ ذرَّةَ نُصحٍ لامستْ عَصَباً
في سمعكمْ لانجلتْ عن دارِكم إدَدُ


قمُ يا سعيدُ وهاتِ الشعرَ أَروعَهُ
يشهدْ لك القاتلانِ الحبُّ والحسَدُ


جرِّدْ يراعَك أُكتبْ كلَّ رائعةٍ
أنشدْ سعيدُ فأنتَ الشَّاعرُ الغَرِدُ


وداعبِ الحُلْمَ في أجفانِ غافيةٍ
جَيْداءَ يَسكرُ من صهبائِك الجيَدُ


ودعْ فؤادي على جمرِ الأسى مِزَقاً
لعلَّهُ حينَ ألقى اللهَ يَبْترِدُ


* * *

يا شاعراً أَسرجَ العلياءَ فانطلقتْ
إلى الخلودِ بهِ في ركبِ من خَلدوا


لك القوافي الغَيارى كمْ دفعتَ بها
خَطباً تحطَّمَ فيهِ الزَّندُ والعَضُدُ


من كلِّ ساطعةٍ كالبرقِ يتبعُها
رعدٌ يُدمدمُ حينَ البغيُ يَحْتشدُ


وكمْ أتيتَ بها عذراءَ ضاحكةً
يزهو بها الفاتنان الحسْنُ والصَّيَدُ


وكم جلوتَ بها رأياً أصبتَ بهِ
قلبَ الحقيقةِ لم ينبضْ بهِ فَنَدُ


تشفُّ حتى يُرى نبضُ القلوبِ بها
وحينَ يخبو ضرامُ الحقِّ تتَّقدُ


مزيَّةٌ لكَ في نظمِ القصيدِ على
قيثارةٍ ألهبتْ أوتارَها الكَبِدُ


* * *

ماذا أقولُ لقد شقَّ الأسى كبِدي
فرحتُ أمضغُ آلامي وأَزْدَردُ


ماذا أقولُ ؟ وجرحي نازفٌ أبداً
من الفراقِ وما لي في البقاءِ يَدُ


إنِّي أراكَ أمامي تَنبري جَذلاً
إلى المنابرِ رُوحاً زفَّها الجَّسدُ


فأقبلتْ كرفيفِ النُّور هاتفةً
لا تندبوا كنزَكم حبِّي له رَصَدُ


إنِّي أحومُ على العاصي * مرفرفةً
لعلَّ طوقَ اللآلي فيهِ يَنعقدُ



* علي دمر .. من شعراء حماة
* العاصي .. النهر الذي يشطر مدينة حماة


عبد السلام بركات زريق 01-06-2011 02:19 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (20)



نداء على جسر العبور



في رثاء المرحوم
المفكر والأديب
سهيل عثمان




تألَّقْ في الجِّنانِ وفي الضميرِ
وحلِّقْ في السماءِ مع النسورِ


تألَّقْ يا سهيلُ ودعْ يَراعي
يبثُّ لهيبَهُ بينَ السُّطورِ


أتمضي يا سهيلُ بلا وداعٍ ؟
وحولَكَ من يدقُّ على الصُّدورِ


وتمضي يا سهيلُ بلا تأنٍّ
تخالفُ كلَّ شاراتِ المرورِ


أجبْني إن في كَبِدي احتراقاً
تأجَّجَ بالشَّهيقِ وبالزَّفيرِ


أذيبُ الهمَّ حتى أَحتسيْهِ
وأُعرضُ عن مغازلةِ الزُّهورِ


فلولا أنَّ لي كَبِداً تلظَّتْ
وأدمنَ وقدُها لفْحَ الهجيرِ


لصافحتُ الحياةَ وعشتُ عُمْري
أساقي الحُورَ صهباءَ السّحورِ

فهلْ تصفو الحياةُ وكلُّ يومٍ
يقرِّبُني من النَّزعِ الأخيرِ


وفي نفسي حدائقُ من رِغابٍ
وفي صدري حرائقُ من سعيرِ


كأنِّي يا سهيلُ على اتّفاقٍ
مع البلوى وداهيةِ الأمورِ


كأنِّي حقلُ أحزانٍ وقلبي
ترابُ الغرسِ شفَّ عن الجذورِ


أعضُّ على الأصابعِ من حريقٍ
ويُسلمُني الحريقُ لزمهريرِ


فأَمتشقُ اليراعَ وأيُّ قولٍ
يردُّ غوائلَ القدرِ الغريرِ

* * *


أَجبني يا سهيلُ لعلَّ ومضاً
من الإلهامِ يُنبئُ بالبشيرِ


وقلْ لي ما وراءَ الموتِ إنِّي
أضعتُ العمرَ في الحلِّ العسيرِ


فإنِّي أجهلُ الجهلاءِ علماً
بأسرارِ المماتِ وبالنُّشورِ


فهل آثرتَ أنْ تمضي سريعاً
لحلِّ اللُّغزِ في صمتِ القبورِ

وهل أبكيكَ أم أبكي بقائي
وعيشي اليومَ كالطَّيرِ الكسيرِ


أَدِفُّ فلا جناحيْ باتَ يَقوى
على التَّحليقِ في جوِّ السرورِ


ولا قدمايَ من وهنٍ وعَجزٍ
تُغذَّانِ الخُطى عندَ المسيرِ


وأُفجعُ بالأحبَّةِ كلَّ يومِ
وينتحرُ الغناءُ على سُطوري


فتلكَ مآتمُ الأحبابِ تَترى
فألمحُ في مآتمِهمْ مصيري


وأُبصرُ نعشَ موتي بانتظاري
وتابوتي وباقاتِ الزُّهور


وأسمعُ صوتَ أحبابٍ تولّوا
يُناديني على جسرِ العُبورِ


فأحملُ ثقْلَ آلامي وأمضي
بطيءَ الخطوِ أَعثرُ في شعوري


فما عيشُ الأديبِ بمُستطابٍ
إذا عُدَّ البُغاثُ مع النُّسورِ

وليسَ لنا بدوحتِنا مُقامٌ
وقد هربَ الغناءُ من الطُّيورِ


* * *

تألَّقْ يا " سهيلُ " فأنتَ حيٌّ
بما نضَّدتَ من دُرٍّ نَثيرِ


فنحنُ على التّنائي في اتصالٍ
فروعٌ تستمدُّ من الجُّذورِ


تموتُ جسومُنا ونعيشُ فِكراً
بأذهانِ الأنامِ على العصورِ


تواضَعْنا فلم نغترّ يوماً
بموهبةٍ مُقدّسةِ البَخُورِ


وغيرُ العالمينَ يعيشُ مَيْتاً
وينعمُ بالجّهالةِ والغرورِ


* * *

تألَّقْ يا " سهيلُ " وهَبْ يَراعي
ضياءَ الحرفِ يزخرُ بالعبيرِ


لقد علَّمتَنا أنَّ التّسامي
بسكبِ العلمِ من نارٍ ونورِ


فكمْ جئناكَ للتَّحكيم نبغي
صوابَ الرأيِ في الأمرِ الخطيرِ


فكنتَ الفصلَ في كلِّ اختلافٍ
برأيِ العالمِ الفَطِنِ الخبيرِ


وعشتَ مدى حياتِكِ في عراكٍ
مع الأفكارِ للرَّمقِ الأخيرِ


ترشُّ العطرَ في غُررِ الأماسي
وتبتكرُ المعارفَ في البُكورِ


كأنَّ حديثَكَ الشَّهدُ المُصفَّى
على صُحفٍ تَموَّجُ بالعُطورِ

* * *


إمامَ الفكرِ يا علماً تَسامى
على عرشِ الإمارةِ والأميرِ

بنورِ العلمِ تَنكشفُ الرَّزايا
ويجلو الفكرُ غاشيةَ المصيرِ


صُعقتَ لأمَّةٍ نُكبتْ بغدرٍ
يهوديٍّ تمَّرسَ بالشُّرورِ


فلم تركَنْ لما حشدَ الأعادي
على الأوطانِ من لَهَبِ السَّعيرِ

لقد عادوا أفاعيَ زاحفاتٍ
بأسلحةِ السَّلامِ المُستجيرِ


وبعضُ الحاكمينَ يصمُّ أذْناً
وبعضهُمُ تخلَّعَ في القصورِ


وآخَرُ ثائرٌ ألقى سلاحاً
بصفقةِ خاسرٍ فَدْمٍ * غريرِ


تنازلَ فارتضى علَماً عدواً
يهوديَّاً يرفُّ على الثُّغورِ


لقد فرشوا له سُرُراً فأَغفى
على سُرُرِ المهانةِ في سُرورِ

وأطفالُ الحجارةِ في تحدٍّ
ونصلُ الغدرِ يطعنُ في الظُّهورِ


* * *

تألَّقْ يا " سهيلُ " بدارِ خُلْدٍ
وغرِّدْ في الجنانِ مع الطُّيورِ


أَدِرْ خمرَ الخلودِ على النّدامى
وفُزْ بالأُنسِ والعيشِ النَّضيرِ


ودعني يا " سهيلُ " على جحيمٍ
من الآلامِ يقتلُني شُعوري


لقد غادرتَنَا جسداً طهوراً
لتسكنَ في العقولِ وفي الضَّميرِ

فإنَّكَ لم تمتُ ستظلُّ حياً
تحلِّقُ في السَّماءِ مع النُّسورِ




الفَدْمُ من الناس... العييُّ عن الحجة والكلام



عبد السلام بركات زريق 01-06-2011 04:50 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (21)



بـذورُ اليأس




إلى المرآةِ أجلسُ كلَّ يومٍ
أحدِّقُ باحثاً عنِّي طويلا


أفتِّشُ في المحارقِ والزَّوايا
فأُبصرُ في تمرُّدها ذليلا


تراني من أكونُ ؟ ويعتريني
ذهولٌ ما عرفتُ لهُ مثيلا


أإنسانٌ أنا ؟ وينزُّ جُرحٌ
بقلبي يفسدُ الحُلُم الجميلا


يعيدُ ليَ المواجعَ في المرايا
وقد أَلِفتْ مكابَرتي عليلا


فلم أُبصرْ بها نفسي ولكنْ
رأيتُ على تمرُّدها دليلا


* * *

رأيتُ طموحَها لغدٍ وريفٍ
وظلَّاً في حدائقِهِ ظَليلا


وأزهاراً تُوشِّي الكونَ حُبَّاً
لمن أعطى ولم يأخذْ بديلا


تحدَّيتُ الأساودَ والأفاعي
وداءً كادَ يفتكُ بي وبيلا


زمانَ نذرتُ للعلياءِ رُوحي
وكنتُ إخالُني رجلاً نبيلا


أقمتُ الليلَ في صلواتِ حبٍّ
لمن صدقَ الهوى إلا قليلا


ورحتُ أصوغُ من كَبِدي شموعاً
ولم أكُ في صياغتِها بخيلا


وأُشعلها بإيماني وصدقي
ولم أطفئْ لأحبابي فتيلا


أُضيءُ دروبَ أجيالٍ تسامتْ
بأفكاري تحقِّقُ مُستحيلا


* * *

وملَّتني المحارقُ والزوايا
وكادَ اليأسُ يسقطُني قتيلا


أحبَّائي الذين سَمَوا بحبِّي
قَلَوْني حين لم أجدِ المقيلا


فرحتُ أذودُ عن نفسي بشعري
وأرسلُ من كآبتِها هَديلا


وأطفئُ شمعَ أحزاني لأروي
من الآمالِ في كَبِدي غليلا


فلم أظفرْ بغيرِ الوهمِ يَسري
بأوردتي ويملؤها عويلا

أأرجعُ للنِّزالِ ولا أُبالي ؟
وأحملُ في دمي عِبئاً ثقيلا


وهل لي حينَ يخذلُني اعتقادي
سبيلٌ يخدمُ الهدفَ الجليلا ؟!

إذا نبتتْ بذورُ اليأسِ شاختْ
أماني العمرِ وانتحرتْ أصيلا





عبد السلام بركات زريق 01-06-2011 05:19 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (22)



خَيبـةُ الدِّلاء


ليالي العمرِ تُمعنُ في ابتلائي
وتتركُني بلا زادٍ ولا ماءِ


وزادي من مَجاني الفكرِ يحلو
ومائي من ينابيعِ الوفاءِ


وكنتُ بعالمِ الأرواحِ رُوحاً
وذرَّاتٍ تُهوِّم في الفضاءِ


أتيتُ إلى الحياةِ كأيِّ طفلٍ
يُطلُّ على الحياةِ مع البكاءِ


يجودُ عليه ثديُ الأمِ حبَّاً
وتَحنانا فينعمُ بارتواءِ


وينقلبُ البكاءُ إلى ابتسامٍ
بريءٍ كانبثاقاتِ الضِّياءِ


* * *

ولكنِّي بدأتُ العمرُ طفلاً
شقيَّاً مُذْ بُعثتُ من الخفاءِ


حبوتُ على القتادِ* بلا وِجاءٍ
لقد أكلتْ مواسمُه وِجائي


وألقتْني إلى عَنَتِ اللَّيالي
يجرِّحُني ويشربُ من دمائي


ولما أنْ كبرتُ وشاقَ روحي
طموحٌ مستبدٌّ للعلاء


تكالبتِ الهمومُ عليَّ حتى
رأيتُ الشَّمسَ تُظلمُ في سمائي


* * *

رجوتُ بَنيَّ حينَ عتا زماني
فخيَّبَ كلُّ أولادي رجائي

ولكنِّي تحدَّيتُ الليالي
وأشعلتُ الكواكبَ من عطائي


وأدليتُ الأمانيَّ العذارى
فخيَّبَ وِردُ أحلامي دلائي


وغادرَني على ظمأٍ أُغنِّي
فجفَّ اللحنُ حين جرى غنائي

وغصَّتْ بالأنينِ لهاةُ شعري
فأشعلَ نارَ غصَّتِها إبائي


وأَلهبَ أَحرفي فغدتْ جحيماً
صُراخاً زاخراً بالكبرياءِ


إذا لزمَ الشقاءُ حياةَ حُرٍّ
أضاءَ الفجرَ من كَبِدِ الشقاءِ

وصاغَ من القريضِ عُقودَ ماسٍ
تُزيِّنُ جِيدَ مُتْرفَةِ البهاءِ


وأوقدَ نارَ ملحمةِ القوافي
ولم يأبهْ لداعيةِ الرِّياءِ


ولم يجلسْ ليَطعمَ سُمَّ عيشٍ
بمأدُبةِ اللئامِ على ولاءِ


كرهتُ العيشَ في وطني ويَبقى
يُشرِّفُني إلى وطني انتمائي

برُوحي أفتديهِ وإن قَلاني
وغيَّبني وأمعنَ بالخفاءِ


وحمَّلَني همومَ العيشِ كُرهاً
ونازعَني الخلاصَ من البلاءِ


وأطعمني على جوعي فُتاتاً
وأَطعمَ شانئاً دَسِمَ الغذاءِ


فكمْ من جاهلٍ يختالُ عُجباً
وينعمُ بالهناءةِ والرَّخاءِ


وكمْ من مُشرعٍ حرفاً حقوداً
تبنَّتهُ المنابرُ باحتفاءِ


فراحَ يعبُّ أضواءَ النوادي
ليظلمَها بأمواجِ الغُثاءِ

أنا الألقُ المقدَّسُ يا بلادي
لأجلكِ أَنتضي قلمَ الفداءِ


لئنْ نسيَ التُّرابُ هوى انتمائي
فهل نسيتْ قداستُهُ حُدائي

وهل طلعَ الصَّباحُ عليهِ يوماً
ولم يسمعْ صُداحيَ للمساءِ ؟


فَلِمْ لا أستحمُّ ببحرِ حُبِّي
وَلِمْ لا أستريحُ إلى الهواءِ


وهل بحرُ الهوى وقْفٌ لقومٍ
وأنسامُ الهواءِ لمنْ يُرائي ؟!


* * *

أحبُّكَ يا ثرى وطني لَوانِّي
لقيتُ عليكَ ألوانَ العَناءِ


أحبُّكَ فاحتضنْ جسدي طَهورا
إذا ما الشعرُ جَلْجَلَ في رِثائي



القتاد ... شجرٌ له شوك

عبد السلام بركات زريق 01-06-2011 05:41 PM



المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (23)





فصـلُ الخطـاب





لا تَزيدي الجَّوى بطولِ الغياب
أنتِ أَدرى بلوعتي وعذابي


أنا أهوى عينيكِ بوحاً حنوناً
قرِّبيني إليكِ دونَ ارتيابِ

وامنحيني من نورِ عينيكِ وَمْضاً
يشعلُ الشَّوقَ في عروقِ التَّصابي

لا تَغيبي وتُطفئي نارَ وجدي
نارُ وجدي تزيدُ عندَ اقترابي


أنا أهواكِ حاكماً مستبداً
بفؤادي بخيلةً بالثَّوابِ


أنا أهواكِ صرخةً في دمائي
وهدوءاً ينسابُ في أَعصابي


وابتهالاً ورِقَّةً ودلالاً
وانطلاقاً إلى الذُّرا والشِّعابِ


وربيعاً من الهوى وشتاءً
وخريفاً يُزري بصيفِ الشبابِ


أنا أهواكِ بسمةً في شقائي
ودموعاً في وَحشتي واغترابي


لا تُطيلي الغيابَ فالعمرُ أضحى
قابَ قوسينِ من نزولِ التُّرابِ


نحنُ للحبِّ والحنانِ خُلقنا
وحَرِيٌّ بنا ارتشاف الرّضابِ


وحَرِيٌّ بمن يحبُّ ويهوى
أنْ يُذيبَ المُنى بكأسِ الشَّرابِ


رُبَّ يومٍ للوصلِ ينجبُ سعْداً
يدفنُ اليأسَ في وميضِ السَّرابِ

نحن كالوردِ رقةً وعبيراً
وجديرٌ بالوردِ نفحُ المَلابِ


فتعالي يا عَذبةِ الرُّوحِ نَحيا
في بُروجِ المنى بدُنيا الرِّغابِ

وتعالي نعقدْ من الفجرِ شالاً
فوقَ خصرِ الأصيلِ قبلَ الغيابِ


وَلْنطوِّقْ بالنورِ عُنْقَ الليالي
ولْنُضمِّخْ بالعطرِ فجرَ الرَّوابي

فاكتُبيني بضوءِ عينيكِ سطراً
يفضحُ السرَّ في غُموضِ الجوابِ


واجعليني عنوانَ حُبٍّ قديمٍ
لصراخٍ * قدَّمتُ فيهِ كتابي


آهِ يا شمعتي الحزينةَ زِيدي
في انصهارٍ وأمعني في التهابِ


آهِ يا بسمتي النديَّةَ طُوفي
بارتياحٍ وأَجمِلي في العِتابِ

آهِ يا خمرتي التي لم تُعتَّقْ
لمُجونٍ بل عُتِّقتْ لاحتسابِ


لا تقولي مضى الشبابُ وولَّى
أمتعُ الحبِّ في سِنيِّ التّصابي

أنتِ أحلى في الأربعينَ وأَبهى
فاتَّقي اللهَ عندَ فَصلِ الخِطابِ



*صراخ ... ينوه الشاعر بديوانه
الأول (صراخ الجحيم)



سلطان الركيبات 01-19-2011 10:35 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد السلام بركات زريق (المشاركة 37689)
المصدر
ديوان سهر الشوق
رقم القصيدة (4)


المُجسَّدَة




النايُ يسبِّحُ والمِزهرْ
وقوافٍ من وادي عَبْقَرْ
وطُيوفُ الأمسِ تحاصرُني
باللون الأسودِ والأحمرْ
* * *
عتَّقتُ الخمرَ بأوردتي
وشربتُ دمائيَ كي أسكرْ
فكؤوسي قافيةٌ ظمأى
تستنزِفُ شرياني الأبهرْ
مازلتُ أعاقِرُها حتى
أدمنتُ حروفاً لا تُذكرْ
فسموتُ إلى الملأِ الأعلى
بجنانِ الخُلدِ إلى الكوثرْ
أتوضأُ .. أغسلُ أدراني
أتطيَّبُ بالمسكِ الأذفرْ
وأَلُمُّ شتاتي مُؤتزِراً
بشعاعٍ من أملٍ أخضرْ
فيحاصرُني وجعُ الماضي
وهمومُ الحاضرِ في المِئزرْ
أتُراني أحلمُ أم أنِّي
ما زلتُ على وجعي أسهرْ
* * *
يا بنتَ خيالي لا تَدعي
بركانَ جحيميَ للمحشرْ
لا ترمي أوراقَ الماضي
بسلالكِ في جوٍّ أغبرْ
فأنا ما زلتُ نديمُ هوىً
صوفيَّ المورِدِ والمصدَرْ
وأنا ينبوعُ عطاءاتٍ
في ليلكِ أسطعُ كالجوهرْ
أتلوَّى من وجعِ الذكرى
وجراحي تولدُ لا تُقْبرْ
أتناثرُ دُرَّاً ينظِمُني
خيطٌ من نورٍ لا يُكسَرْ
وأصوغُ السحر وأسكبُهُ
وأصونُ السِّرَ ولا أجهرْ
وأُداوي القلبَ وأَصبغُهُ
باللونِ الأسودِ والأحمرْ
فضفافُ جراحي قد كَفرتْ
باللونِ الأسودِ والأصفرْ
* * *
عشرون ربيعاً فاتَتْني
عشرون ربيعاً لا أكثرْ
عشرون ربيعاً أرسِمُها
بالنورِ على الشفَقِ الأشقرْ
عشرون ربيعاً ما كبُرَتْ
حلقاتُ العمرِ ولم أكبَرْ
* * *
يا فجرَ شحوبٍ يطلقهُ
خوفي من آتٍ لا يُقهَرْ
خوفي من ذنبٍ يقلقني
في يومِ حسابٍ لا يُغفَرْ
من وحشٍ يفترِسُ الماضي
من عقربةٍ تُخفي خنجرْ
تمشي لا تهدأُُ لا تُلوي
إن ضاعَ العمرُ ولم أظفر
تمحو دقاتُ ثوانيها
عمري المكتوبَ ولا تفترْ
* * *
يا بنتَ خيالي يا قَدَراً
يَخْفَى عن عيني لا يظهرْ
أهواك أُجدِّدُ أيامي
يا أجملَ حلمٍ يا أنضرْ
أهواكِ وأكتُمُ أشواقي
وأخافُ من الفزعِ الأكبرْ
* * *
عيناكِ وحسبي أنَّهما
كأسان بخمرِهما أسكرْ
عيناكِ وخوفي يتركني
أتوجَّسُ من طرْفٍ يسحر
فتعالَي ذوبي في كَبِدي
يا أحلى من قطعِ السكرْ
* * *
يا بنتَ خيالي لا تَدَعي
ستينَ خريفاً لا تُعصَرْ
بخيالي أنتِ مجسَّدَةٌ
شلالَ ضِياءٍ بل كوثرْ

3/4/1998

أخي عبدالسلام
سلام الله عليك
لقد وعدتك أن اقرأ لصديقك وأستاذك وأستاذي بحق
الشاعر العظيم محمد حسن المنجد
بحق واقعه يشبه واقعي
رغم أن تجربته الشعرية طويلة
والله يعطيه طولة العمر والصحة
هذه القصيدة التي اقتبستها هنا
راقت لي حد الأدهاش
بحق أنه شاعر ويتفوق على من ذكرت لنا من شعراء
أعطاهم الإعلام أكثر من حجمهما
أمانة أحملها لك أن تسلم على شاعرنا الجميل المحبط
وأن تقرأ عليه قصيدتي اعتزال
أود أن أسمع رأيه وأن أقول له يا سيدي الشاعر
لا نبي في بلده
لقد جئنا في عصر لا يعرفنا ولا نعرفه
مودتي لك وله
ولي عودة مع باقي نصوصه


الساعة الآن 03:54 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team