منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 10-18-2015 01:19 AM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية103- أغنية الماء والنارعبد الله خليفة البحرين

- رواية تعبر عن الصراع الاجتماعي علىأطراف مدينة في بيئة شعبية، وتصور الجوع والفقر والحرمان.

-ألم يتعب بعد عبدالله خليفة؟ لا يبدو أن ذلك أمر وارد حتى الآن. الروائي غزير الإنتاج وأحد أبرز المقارعين على محاور المأثرة السبعينية التي فتحت سؤال الحداثة وصعدت بالنقاش الأدبي بشأن اتجاهات الكتابة إلى منتهاه، لا يزال يلج في التجربة حتى منتهاها.

- وخلاف أي من أبناء جيله، يبدو أنه أكثرهم وفاءً لشرط الكتابة، وغزارة إنتاجية سواءً بسواء.

- آخر ما صدر له في سياق الكتابة الإبداعية، روايتان: ''محمد ثائراً'' و''ذهب مع النفط''. وقد طرحهما أول مرة في غضون معرض الكتاب الدولي 14 المنتهي تواً في غضون الفترة من 17 إلى 27 مارس/ آذار الماضي. ليكون بذلك قد طرح في غضون العامين الأخيرين فقط، أي منذ العام ,2008 ست روايات على الأقل. الشيء الذي لا يكاد يتيسر لأي من الشخصيات المجايلة له، بله شخصيات التجربة الشابة، حتى وهي في كامل ''فتوّتها'' الآن، العضلية والروحية.

- هذا في سياق الكتابة الأدبية الصرفة ضمن التصريفات القارّة لعملية الإبداع. ما يعني استثناءنا طبعاً لأشكال الكتابة الأخرى، لا سيما تلك الفكرية التي يخوض في غمارها منذ سنين، ونعني تحديداً استناء من كل ما صدر له، مطارحته الدؤوبة في سياقات ''الاتجاهات المثالية في الفلسفة العربية الإسلامية'' التي يصدر له فيها جزء رابع قريباً.

- في روايتيه الجديدتين اللتين صدرتا من بيروت عن ''مؤسسة الانتشار العربي'' يستأنف خليفة رحلته في غواية السرد لكن على جبهتين مختلفتين. الأولى تتصل بكتابة الرواية التاريخية، التي يكاد يكون متفرداً فيها، حيث يمكن عده الوحيد الذي يعمل أدواته الكتابية ضمن هذا الباب، وهو ما يمكن أن يمثله صدور رواية ''محمد ثائراً'' - كان من المفترض أن تأتي تحت اسم ''أنوار محمد'' -.

- ولا بأس هنا من التذكير بأن الرواية تأتي في سياق مشروع ممتد للكاتب بدأه منذ العام 2004 مع إصداره ''رأس الحسين'' التي استعاد فيها سيرة الحسين بن علي بن أبي طالب(ع).

- سرعان ما أتبعها بـ 3 روايات متصلة ضمن حقل الرواية التاريخية، وقد وضعت في سياق حيوات ثلاثة من صحابة النبي محمد، وهي على التوالي: ''عمر بن الخطاب شهيداً'' 2007 و''عثمان بن عفان شهيداً'' 2008 و''علي بن أبي طالب شهيداً'' .2008 وهو مشروع يذكر بمشروع ''العبقريات'' الذي تصدى له المفكر المصري عباس محمود العقاد في النصف الأول من القرن العشرين.

- فيما شكل صدور روايته الجديدة ''محمد ثائراً'' استثناء القاعدة. وهي رواية راهن عليها الكاتب كثيراً و''لعلها الأصعب'' مثلما عبر المؤلف في حديث سابق مع محرر «الوقت». خصوصاً مع مجيئها في سياق «عبقرية» شخصية فذة، يأتلف داخلها التاريخ مع التقديس، سواء بسواء. في ذات الوقت الذي يمثل البحث عن هوامش التجلي البشري لها - أي التاريخي خارج سطوة التقديس - واحدة من المعالجات السردية التي يعكف عليها المؤلف. وعلى ذلك يمكن أن نقرأ نعت المؤلف لها في ظهر الغلاف بأنها «رواية محمد الإنسان».

في الجبهة الثانية، تأتي رواية «ذهب مع النفط» التي هي بحسب المؤلف نفسه ''رواية واقعية كابوسية ساخرة''. الشيء الذي يمكن أن يصله بمراحل تجربته السابقة التي عبر فيها من خلال نحو 11 رواية، آخرها كانت «التماثيل» التي صدرت العام ,2007 عن انحياز متواتر للمذهب الواقعي، الذي شكل واحداً من محاور الاختلاف مع بقية أبناء جيله فيما أسميناه في المستهلّ «المأثرة السبعينية».

- لذا فهو يواصل التعبير عن هذا الاختلاف لكن بـ«خلاف أقلّ وإنتاج أكثر»، مشكلاً مناعة ''عملانية'' ضد كل أشكال ''الجاذبية'' التي وفرتها مذاهب التجريب والحداثة وما حذا حذوهما.

- كما عبر فيها ثانياً، عن وصال حميم مع مضمون أثير ظل ساطياً على جل أعماله، منذ ''اللآلئ'' و''القرصان والمدينة'' و''الهيرات''، وما تلاها لغاية هذه الساعة، ألا وهو الانحياز للفئات الفقيرة والمهيمن عليها في ''جدلها'' وصراعها المحموم مع القوة والثروة. على ذلك وجدناه يقول ''هذه الرواية، الفرد الوحيد حين يسحق، يداس كحشرة'' في ذات الوقت الذي يكون فيه ''النفط يملأ البلد، ويصير بحراً ويبتلع البشر والأرض''.

- اختارت مجلة ''الحياة الثقافية'' التي تصدر من تونس عن وزارة الثقافة، تجربة الكاتب عبدالله خليفة ضمن قائمة أهم الروائيين العرب الذين عبروا في كتاباتهم عما أسمته ''أدب البحر'' من خلال الرواية. وقال الكاتب عبدالله أبو أهيف ضمن دراسة نشرها في العدد الأخير للمجلة تحت عنوان ''أدب البحر في الرواية العربية'' إن ''غالبية روايات خليفة توحي بالدلالات الكامنة في التناص مع البحر''. وأضاف في هذا السياق ''تصور رواياته الصراع الاجتماعي في البحرين، ومنها إشكاليات العلاقات الاجتماعية والإنسانية في المدن والقرى الساحلية''.

- وقد رأى في سياق الدراسة أن الروايات العربية التي يمكن إدراجها ضمن أدب البحر، قد توزعت إلى نوعين، الأول ''عبرت فيه مباشرة عن قضايا الوجود ضمن فضاء البحر في الزمكانية'' والثاني ''نحت إلى التعبير الدلالي عن المنظورات الفكرية لدى تسمية البحر في العتبات النصية كالعنوانات والمداخلات والمفاتيح''.

- واتخذ الكاتب من ضمن مسرد طويل ضم عشرات الروايات 12 تجربة منها من تونس ومصر والبحرين لوضعها موضع الفحص والنظر، وقد ضمت إلى جانب رواية خليفة الموسومة ''أغنية الماء والنار''، روايات كل من: حنا مينه، جبرا إبراهيم جبرا، صادق النيهوم، محمد عز الدين التازي، محمد صالح الجابري، جميل عطية إبراهيم، حيدر حيدر، محمد جبريل، محمد عزيزة، عبدالواحد براهم، وأخيراً سيد البحراوي.

- في سياق ذي صلة، قال بشأن تجربة الكاتب ''روايات عبدالله خليفة قصيرة نسبياً، مما يجعلها أقرب إلى تقديم شريحة حياتية مقتطعة من عملية الصراع الاجتماعي''.

- وأضاف في هذا السياق ''تصور رواية (أغنية الماء والنار)، التباين الطبقي الحاد قبل النفط في الخليج، وتبين المآل المسدود لاندحار الفوارقالاجتماعية، وتنحاز بعد ذلك للكثرة الكاثرة من المساكين والفقراء ومعذبي الأرض''.

- وتابع أبو أهيف ''إنها تعبر عن الصراع الاجتماعي على أطراف مدينة في بيئة شعبية، هي قرية أو مدينة صغيرة ساحلية''. ورأى أن ''الكاتب استطاع أن يقدم في روايته وصفاً مختزلاً للصراع الاجتماعي في قرية بحرينية قبل اكتشاف النفط، وقد نجح إلى حد ما في اكتناه هذا الصراع في سرد شاعري مفعم بالحرارة وحماسة الانتماء إلى مساكين الأرض'' وفق تعبيره.

ايوب صابر 10-18-2015 12:07 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في روياة 104- الباب المفتوح لطيفة الزيات مصر


- رواية الباب المفتوح للكاتبة و الصحفية دكتورة لطيفة الزيات

- الرواية تدور حول ليلى فتاة من الطبقة المتوسطة تعانى تمزق بين العادات البالية و الرغبة فى حياة متفتحة حرة و تعرض الكاتبة الى ان الحب القائم على التفاهم و قوة الشخصية من جانب الرجل لا يتعارض مع تحرر المراة بل يدعمه

- الرواية شديدة القوة و التاثير و فيها جانب من الرومانسية و الرقة معا و تعتبر من افضل 100 رواية عربية

ايوب صابر 10-18-2015 12:24 PM

تابع .... الباب المفتوح

-


- The Open Door is a landmark of women's writing in Arabic.
- الباب المفتوح واحدة من اروع الروايات المكتوبة باللغة العربية
- Published in 1960, it was very bold for its time in exploring a middle-class Egyptian girl's coming of sexual and political age, in the context of the Egyptian nationalist movement preceding the 1952 revolution.
- صدرت في العام 1960 وكانت جرئية بالنسبة لوقتها حيث عالجت قصة فتاة من الطبقة الوسطى ونموها الجنسي والسياسي وذلك ضمن حركة التحرر المصرية قبل ثورة العام 1952 .
- The novel traces the pressures on young women and young men of that time and class as they seek to free themselves of family control and social expectations.
- وتناقش الرواية الشغوط التي يتعرض لها الشباب فتيات وذكور من ذلك العهد وهم يحاولون تحرير انفسهم من سيطرة العائلة والتوقعات الاجتماعية.

-Young Layla and her brother become involved in the student activism of the 1940s and early 1950s and in the popular resistance to continued imperialist rule;
- علما بأن الروائية ليلى الزيات شاركت هي واخاها في النشاط الطلابي الذي جرى خلال الربعينيات من القرن الماضي وبداية الخمسينات والمقاومة الشعبية للسيطة الامبريالية التي كانت قائمة في حينه.
-the story culminates in the 1956 Suez Crisis, when Gamal Abd al-Nasser's nationalization of the Canal led to a British, French, and Israeli invasion.
- وتعالج الرواية ازمة قناة السويس وتاميم الرئيس جمال عبد الناصر لقناة السويس والذي ادى الى الحرب الثلاية على مصر.
-Not only daring in her themes, Latifa al-Zayyat was also bold in her use of colloquial Arabic,
-كانت ليلى الزيات جرئية في ما عالجته من افكار كما انها كانت جرئية في استخدام اللغة المحلية.
- and the novel contains some of the liveliest dialogue in modern Arabic literatur
- كما تحتوي الرواية على واحدة من اجمل الحوارات التي كتبت في الادب العربي الحديث.

ايوب صابر 10-19-2015 12:41 AM

تابع ...لطيفة الزيات

- لطيفة الزيات هي مناضلة سياسية تقدمية، وكاتبة مبدعة، وناقدة متميزة، ولدت في دمياط عام 1923، وتوفيت في سبتمبر 1996، عن عمر يناهز 73 عاما، نالت شهادة الليسانس في الأدب الإنجليزي من جامعة القاهرة 1946، ثم الدكتوراة عام 1957، عملت كأستاذة للآدب الإنجليزي والنقد في كلية البنات جامعة عين شمس، ورأست لجنة الدفاع عن الثقافة القومية عام 1978، كذلك رأست جمعية الكاتبات المصريات خلفا للأستاذة أمينة السعيد.

- من أشهر أعمالها: رواية الباب المفتوح عام 1960، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه، قامت ببطولته: فاتن حمامة وصالح سليم وحسن يوسف وأخرجه هنري بركات، ومن إنتاجها الأدبي المتميز كتاب حملة تفتيش، أوراق شخصية، سيرة ذاتية صدر عام 1992، وصاحب البيت رواية عام 1994، والرجل الذي عرف تهمته كذلك صورة المرأة في القصص والروايات العربية، دراسة نقدية 1989.

- وكان للطيفة الزيات مواقف نضالية لا حصر لها، فقد كانت تحرك الطلبة المصريين ضد الاحتلال البريطاني وحكم الملك فاروق 1946، ودخلت الأديبة الكبيرة السجن مرتين: مرة وهي عروس في السادسة والعشرين من عمرها، والمرة الثانية وهي في الثامنة والخمسين من عمرها عام 1981، إثر حملة الاعتقالات التي ضمت الكتاب والصحفيين المعارضين لحكم السادات، فلقد قامت الدكتورة لطيفة الزيات عام 1979، بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل بتأسيس اللجنة الوطنية للدفاع عن الثقافة القومية التي شكلت جبهة رئيسية في مواجهة التطبيع مع إسرائيل، ويوم الإفراج عن السجينات السياسيات، أسرع مدير السجن إلي الدكتورة لطيفة الزيات يقبل يدها وجبهتها وهو يقول: إذا كانت هناك إمرأة عربية تستحق أن تقبل يدها وجبهتها في هذا الوطن فهي الدكتورة لطيفة الزيات، ونتمني ألا تنزلي ضيفة علينا مرة أخرى، فقاطعته قائلة: لو امتد بي العمر عشرين عاما أخرى وحدث ما يستحق أن أتصدى له لن أتردد لحظة، وحينئذ قد تجدني ضيفة عليكم مرة أخرى.

- حصلت الدكتورة لطيفة الزيات علي جائزة الدولة التقديرية العام 1996، قبل وفاتها بأشهر قليلة.

ايوب صابر 10-19-2015 02:03 PM

تابع .....
لطيفة الزيات
بقلم: كمال الشيحاوي

- شاركت في وضع بدايات "السير ذاتية" النسوية العربية

- ليس التمرّد بالأمر الهيّن خصوصا إذا بدر عن امرأة في مجتمع عربي/إسلامي ما يزال نسق المحافظة يضغط عليه من كلّ جانب وهو بمثابة العصيان في أربعينات القرن الماضي حين كان الرّجل يحتكر كلّ شيء بما في ذلك قضية تحرير المرأة. مع ذلك تمكّنت بعض النساء من كسر هذه القاعدة، وكنّ رائدات حقّا بكلّ ما تتطلبه الرّيادة من مثابرة وإصرار وتحدّ، وبكل ما تركته فيهنّ من أفراح وآلام على الصعيدين الشخصي والعام.

- نساء انجذبن إلى أفكار جديدة، مناقضة جوهريا لبنية التفكير المهيمنة اجتماعيا، ناضلن من أجل تحويل هذه الأفكار إلى قيم وسلوكيات اجتماعية. دخلن السجن بسببها أحيانا، ودفعن ثمنا غاليا لأجل تحقيق ذلك.

- بين هؤلاء النسوة قلّة قليلة أضفن جرعة مميّزة من الجرأة حين بادرن إلى كتابة سيرهن الذّاتية وهو ما يعتبر ثورة بمقاييس ذلك الزمان. نذكر من أشهرهنّ "فدوى طوقان"، "نوال السعداوي" و"لطيفة الزّيات"…

- يلاحظ الدّارس أن فنّ السيرة الذاتية ما يزال حتّى الآن فنّا محفوفا بالمخاطر بالنسبة للكتاب العرب. يتطلّب النجاح فيه قدرا كبيرا من الموهبة و الجرأة الصادقة التي قد تهدّد حياة صاحبها إن مسّت سيرته عددا من "الطابوهات" العائلية، الأخلاقية والسياسية. يحدث ذلك مع الرّجل في مجتمع "ذكوري" فما بالك إذا كان صاحب السيرة، امرأة، تمّت تربيتها لتكون سترا لعائلتها وساترة لزوجها. بسبب هذه الوضعية اضطرّت الكاتبات العربيات اللّواتي كان لهنّ شرف الرّيادة في هذا الفنّ ومن بينهنّ "لطيفة الزّيات"(1) إلى أساليب أكثر مراوغةً وتعتيماً على "الميثاق السير الذاتي" كما حدّده "فيليب لوجون". وهو ما ميّز سيرهنّ بخصائص مختلفة وطريفة كما سيتبيّن من دراستنا لكتاب "حملة تفتيش، أوراق شخصية"(2).

- ينقسم الكتاب إلى جزأين، الأول بداية سيرة ذاتية لم تكتمل تتناول سنوات تشكل الوعي، ثم مرحلة منتصف العمر. والثاني يتكون من أوراق كتبتها الزيات وهي في سجن النساء عام 1981. تدور حول تجربة السجن بمنظور جديد تبلور في ضوء تجارب حياتها المختلفة. يستجيب الكتاب للمقاييس الأساسية التي وضعها أغلب المنظّرين لجنس السيرة الذاتية، ويربكها في نفس الوقت. فهو نصّ ينتمي إلى السيرة الذاتية، لكنه دائم الانفلات من تلك الصيغة التقليدية بكتابة السيرة. فالكاتبة لا تروي سيرتها الذاتية بالشكل التقليدي الذي يعتمد على سرد الأحداث، كبيرها وصغيرها، وفقا لترتيب وقوعها.

- إنّها تحكي عن فترات من حياتها دون أن تخضع للمسار التقليدي من الماضي إلى الحاضر أو من فترة لأخرى. فتتداخل مراحل العمر في «الأوراق» على شكل شذرات تصوّر الأنا في مواقع وأدوار مختلفة، لأن الهمّ الأوّل هو رصد تحوّلات الأنا وهي في سبيلها للتحقق. لينتهي السرد وقد انتظمت الأوراق بالفعل.

- ويمكن القول بداية أن هذا الاختيار كان بمثابة المعادل الفنّي لرؤية الكاتبة لسيرتها وشخصيتها. فهي لا تعرض سيرتها الذّاتية بعد أن تمكّنت من معرفتها بشكل نهائي، بل تدفع القارئ لمشاركتها (عبر التأويل) رحلة بحثها عن ذاتها.

- المتأمّل في عناوين أعمال "لطيفة الزيات" مثل "الباب المفتوح" روايتها الأولى الصادرة سنة 1960 و"صاحب البيت" وهي رواية أخرى أشار لها الناقد "صبري حافظ" في معرض ذكره لأعمال الكاتبة، يلحظ دون شكّ أن البيت والعناصر المرتبطة به ، تشكّل هاجسا مركزيا في تجربة لطيفة الزيات الأدبية.

- وهذا ليس مستغربا في مسار مناضلة وكاتبة سعت طوال حياتها إلى تحرير المرأة ممّا مارسه البيت التقليدي على المرأة من تدجين واستلاب وكبت بفعل ثقافة "ذكورية" متسلّطة حوّلت البيت إلى سجن. " كان البيت القديم قدري وميراثي، كان بيت سيدي بشر صنعي واختياري وربّما لأن الاثنين شكّلا جزءا من كياني وربما لأنّي انتميت إلى الاثنين بنفس المقدار ولم أتوصّل إلى ترجيح أحدهما على الآخر، ترجيحا نهائيا اختل سير حياتي"

- اختارت لطيفة زيات تذكر البيت "بيت الطفولة" على امتداد أكثر من خمسين صفحة من الكتاب (حوالي ثلث مساحته الورقية) وهي تودّع أخاها الذي صار رمز الدّيمومة و الصّلابة والثّبات في لحظة مهدّدة فيها بالرحيل/ الموت. بيت الطفولة هو مكان الألفة ومركز تكييف الخيال، وعندما نبتعد عنه نظلّ نستعيد ذكره، ونسقط على الكثير من مظاهر الحياة المادّية ذلك الإحساس بالحماية والأمن اللّذين كان يوفرهما لنا" هكذا يقول "غاستون باشلار"(3).

- تقول الكاتبة في هذا السياق: "وما زالت صور بيتنا القديم محفورة في ذاكرتي، ورائحة قدمه العطنة تملأ كياني رغم انقضاء فترة طويلة على إزالته". هنا نلاحظ كيف تقترن القدامة بالقداسة في تعبيرها عن الارتواء برائحة البيت العطنة، فكأنّنا أمام طقس ديني وهو أمر يؤكّده "مرسيا إلياد"(4) حين يقول " ثمّة أمكنة تبقى متميّزة، تبقى مختلفة عن سواها اختلافا كيفيا: موطن الولادة، منبت الحبّ الأوّل أو الشارع أو المدينة الأجنبية الأولى التي يزورها المرء في صباه. إن هذه الأمكنة تحتفظ حتّى لدى الإنسان غير المتديّن بصفة استثنائية، صفة وحيدة، إنّها هي الأمكنة المقدّسة لعالمه الخاص، كما لو أن هذا الكائن اللاّ متديّن كان قد تمتع بوحي صادر عن واقع مغاير للواقع الذي يسهم فيه بتجربته اليومية".

- ويمتد التذكّر في الكتاب إلى استعادة أريج البيت وتاريخ العائلة الأرستقراطي، ووصف أجزاء البيت من أجنحة وغرف وحدائق ومقاعد وأرائك. وتعكس دقة الوصف بلا شكّ رغبة في إعادة بناء البيت بواسطة الحكاية.

- لئن أكّدت الإشارات السابقة أنّنا في بيت أرستقراطي لإحدى العائلات المصرية الغنية، فإن أجواء طفولة الوالد التي ترويها الكاتبة كانت تعلّة للدّلالة على البنية التقليدية "البطريكية" التي تحكم البيت، وتحتفي بالذكورة. تقول "والأب لا يردع والرّجال لا يستحون يشاكسون الولد إن كفّ عن مشاكستهم، يتعجّلون فيه الذّكر".

- أمّا الإشارات التي تتصل بالمرأة فتؤكّد أن أهل البيت من النساء شبه محجوبات عن الضيوف والرّجال وكلّ ما يحدث من صخب وسهر وغير ذلك، وهنّ برعاية الولد الذكر يمضين كلّ وقتهن، أمّا البقية فنساء من الجواري الحبشيات والشغّالات فيهنّ من الحريم ومن الفاجرات، وبعضهنّ من الصبايا يأتين من آخر البلد" تذكر الكاتبة ذلك للدّلالة على أن هندسة البيت لم تكن سوى تعبير عن الثقافة الرّجالية المتحكّمة فيه. فثلث البيت كان لنسائه أمّا ثلثاه فللرّجال ولضيوفهم من الرّجال والنساء ولسهراتهم ومتعهم.

- ولم تكن حكاية الثعبان التي روتها في ثنايا السيرة، سوى للدّلالة على منع المرأة من مجاوزة غرفتها أو المساحة المخصّصة لها. تقول "ولا أعتقد أن أهلي قد بذلوا أية محاولة جادّة للتخلّص من الثعبان، وعلى كلّ فقد ولدت والثعبان ينفرد دون أدنى إزعاج بالسلم الخشبي المؤدّي إلى السطح وإني في أمان طالما لم أحاول صعود السلم واعتلاء السطح فالثعبان لا يخرج عن دائرة السلم ولا يزعج إلاّ من يزعجه ويطؤها".

- وفي السياق الرمزي الذي يحيط بالبيت وعناصره فإن الثعبان يتخذ بلا شك دلالة رمزية فهو علامة المنع من ارتكاب خطيئة تجاوز الحدّ المسموح ، ولكنّه يحمل أيضا كما جاء في القصص والأساطير رمزية الإغراء، إذ تقول الكاتبة في نفس الصفحة "وكان الأمر في طفولتي أمرا مثيرا للضيق، فقد تحتّم عليّ خوفا من الثعبان أن أتسلّل إلى السطح كلّ مرّة من نافذة جدّتي…وتطلّب هذا بالطبع أن أناور وأحاول لأتسلّل إلى السطح الذي أحببته في طفولتي أكثر ممّا أحببت الحديقة".

- لقد اقترن البيت في ذاكرة الكاتبة بالأمان وكان رمزا للثّبات والحماية ودالا على نظام قيم وعادات رجالية، تستعجل الذّكورة وتسعد بها ولا تنظر إلى المرأة إلا في دائرة ما توفّره من خدمة عائلية، أو إمتاعية بحسب مراتبها الاجتماعية ولكنها حدست بما يمارسه عليها من تدجين، فكان السطح وهو رمزيا فضاء التلاقي بين المحدود والمطلق فضاء يملؤها شعورا بالحرية والانطلاق"ولكن الغريب أني حين أفكر في البيت بمعنى البيت، تندرج كلّ هذه المساكن في ذهني كمجرّد منازل، وتتبقى حقيقة أن لا بيت لي وحقيقة أنّه لم يكن لي في حياتي سوى بيتين، البيت القديم، والبيت الذي شمّعه رجال البوليس في صحراء سيدي بشر في مارس "1949.
=========
لقد أظهرت "لطيفة الزّيات" أنّ خروجها عن النموذج النسوي التقليدي الذي يريدها البيت القديم أن تكون عليه مثل أمّها وجدّتها، كان ضروريا لتحقّق تميّزها وفرادتها كشخصية جديدة. ومع ذلك لا تخجل من التصريح بأنّها تلجأ إلى غرفتها في البيت القديم كلّما شعرت باضطراب ما من ذلك لجوءها إلى البيت القديم في هزيمة 67 "فقدت الكلمات معانيها إذاك وأنا أنسحب في ظلمة الغارة إلى الدور الأعلى حيث أسكن، ألجأ كالحيوان الجريح إلى جحري أكفّن نفسي بالغطاء على السرير" . في سياق آخر من سيرتها تقول "لم أكن أتلهف للعودة إلى البيت القديم إلا مرّات قليلة وأنا مثقلة بجراح، وأنا راغبة في التقوقع والانكماش أو الدخول في شرنقتي الصيفية كما عوّدت نفسي أن أسمي البيت القديم" . ويؤكّد غاستون باشلار هذا المعنى بالقول "إن ردود الفعل الإنسانية تجاه العش والقوقعة مثلا لها صلة ببيت الطفولة(….) وفي مؤلفه يتحدث عما يسمّيه بتعليق القراءة، أي أنّنا كقراء حين نقرأ مثلا وصفا لحجرة أو بيت نتوقف عن القراءة لنتذكر بيتنا وحجرتنا أي أن قراءة المكان في الأدب تجعلنا نعاود تذكر الطفولة".

إن تردّد الكاتبة في علاقتها بالبيت، يترجم عن تردّد أعمق بين نزوعها للقوة، لامتلاك شخصية قوية ملتزمة بقضية كبيرة، تذوب فيها ذاتها الفردية وأنوثتها وميلها في نفس الوقت إلى الضعف والرّقة والهشاشة، واكتشافها حاجتها كامرأة للاطمئنان والسعادة.

لم تتمرّد لطيفة زيات إذن على البيت في المطلق وإنما على الحياة التي تدجّن المرأة في البيت. وحلمها بالبيت القديم هو عزاء وتعويض نفسي عن المرارة التي أحسّت بها ذاتيا من خلال فشلها الزوجي، حيث طلّقت مرّتين وعزاء موضوعيا حيث عانت المعتقل وهي في الستين من عمرها. وتعبّر الكاتبة عن خيبتها من السياسيين الذي وعدوا بتحرير المرأة وتصف بنبرة متصوّفة الدّرجة التي بلغتها من الوعي بتحرّرها حين تقول وهي في سيارة الشرّطة لتودع السجن خلال الحملة التي أمر بها السادات ، " أجلس مرتخية في هدأة اللّيل في مقدّمة عربة شرطة والضابط يبحث عن السجن ليودعني وما من أحد عاد يملك أن يسجنني وحريتي تلوح لي في آخر الطريق كاملة غير منقوصة تنتظر مني أن أمدّ يدي لأحتويها ودموعي التي لا تنفرط وحريتي تلوح في آخر الطريق" . هكذا صار الوطن شبيها بها وبات تحرّرها من تحرّره مع أنه تحوّل إلى آلة قمع، فصار سجنا وزنزانة لمن حلموا بتحريره. وفي السياق المتصل بتردّد تيمة "البيت"يلاحظ الباحث العراقي "حاتم الصكر" في دراسة منشورة على موقعه، تناول فيها عددا من السير الذاتية النسوية العربية، أنّ هناك مفردات مشتركة في السير والشهادات والرسائل التي كتبتها النساء العربيات تتركز حول البيت (المنزل) كمكان، والطفولة، (كزمان) وهما يشكلان أساس الوعي بالذات، والانتباه إلى القمع والمنع والحجز أو الفصل الجنسي ويؤكّد أنّه غالباً ما شكّلت الأسرة (الأم-الأب-الزوج-الأخ..) رمزاً تظهر من خلالها تلك الأساليب القهرية التي لا يتوقف ضررها عند فرض خطاب الرجل (الذّكر) فحسب، بل في تسلّل مفردات هذا الخطاب إلى اللّغة ذاتها، ولغة المرأة الكاتبة في أحيان كثيرة. لقد كان على النساء (كاتبات وقارئات) أن يسبحن ضد التيار دائما"ً.

لقد عكس كتاب "أوراق شخصية" ملامح أخرى بارزة مما يسمّى عادة بالأدب النسوي، فهو ببنائه الدّائري واختياره لرمزية البيت علامة على ذلك محاولة لتجاوز الضياع والتيه الذي عاشته المرأة في مغامرة نضالها من أجل التحرّر. وهو في تداخل نصوصه وتمزّقه أحيانا وغياب الاستمرارية السببية والمنطقية صورة من حياة المرأة المناضلة في مجتمع مغلق ومحافظ. وهو بتحويله للبيت مركزا للعالم، ومكوّنا أساسيا للهوية والكيان وبربطه بكلّ المحمول الرمزي الأنثوي (الماء، الرحم، البئر، المطلق، الموت) يعبّر عن خصائص مميزة للسيرة النسوية دون شكّ.
الهوامش:

1 "لطيفة الزّيات"هي مناضلة سياسية تقدمية، وكاتبة وناقدة وأستاذة جامعية ولدت في دمياط عام 1923، وتوفيت في سبتمبر 1996، عن عمر يناهز 73 عاما، رأست جمعية الكاتبات المصريات خلفا للأستاذة أمينة السعيد، من أشهر أعمالها رواية "الباب المفتوح" عام 1960، والتي تحولت إلي فيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه، أخرجه هنري بركات. ومن إنتاجها الأدبي المتميز كتاب "حملة تفتيش، أوراق شخصية"، وهو سيرة ذاتية صدر عام 1992، و"صاحب البيت" رواية عام 1994، و"الرجل الذي عرف تهمته"، كذلك"صورة المرأة في القصص والروايات العربية"، دراسة نقدية 1989 .كان لهذه السيّدة مواقف نضالية لا حصر لها، فقد كانت تحرك الطلبة المصريين ضد الاحتلال البريطاني وحكم الملك فاروق 1946، ودخلت الأديبة الكبيرة السجن مرتين: مرة وهي عروس في السادسة والعشرين من عمرها، والمرة الثانية وهي في الثامنة والخمسين من عمرها عام 1981، إثر حملة الاعتقالات التي ضمت الكتاب والصحفيين المعارضين لحكم السادات. حصلت الدكتورة لطيفة الزيات علي جائزة الدولة التقديرية العام 1996، قبل وفاتها بأشهر قليلة. تشير المصادر إلى أنّها تعلقت بالماركسية وهي طالبة بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول وعلى حدّ قولها: "كان تعلقي بالماركسية إنفعاليا عاطفيا" ، أي أنها إعتنقت الماركسية وجدانيا ومع هذا كان أول مشروع زواج لها مع "عبد الحميد عبد الغني" الذي اشتهر باسم "عبد الحميد الكاتب" ولم يكن ماركسيا تحت أي ظرف من الظروف ، بل كان يمضي جزءا كبيرا من نهاره وليله في أحد المساجد ثم دخلت تجربة ثانية أكثر ملائمة لفكرها وطبيعتها ، فارتبطت بالزواج بأحمد شكري سالم .. الدكتور في العلوم فيما بعد ، وهو أول شيوعي يحكم عليه بالسجن سبع سنوات ، وتم اعتقال أحمد ولطيفة عام 1949 تحت ذمة القضية الشيوعية. وانفصلا بالطلاق بعد الحكم علي "شكري" وخروجها من القضية ،. وتأتي قمة التناقض بين اليسار واليمين بزواجها من "الدكتور رشاد رشدي" يميني المنشأ والفكر والسلوك. ولم تتردّد الدكتورة الزيات أن تقول لمعارضي هذا الزواج: "إنه أول رجل يوقظ الأنثى في" ، وعندما اشتدوا عليها باللّوم قالت: "الجنس أسقط الإمبراطورية الرومانية". والتجارب الثلاث جزء مهم من تاريخ الزيات" وحياتها وشخصيتها. زواجها من "الدكتور رشاد رشدي" الكاتب المسرحي والأستاذ الجامعي والذي أصبح مستشارا ثقافيا للرئيس أنور السادات .. أصابها بالتمزق بين أنوثتها التي فجرها "الدكتور رشاد" ، وبين حرصها على أن تبقى ماركسية حتى ولو كانت (ماركسية مسخسة) حسب وصف "الدكتـور لويس عـوض" لها في كتابه (دليل الرجل الذكي ).
والمؤكد أن هذا الزواج جر عليها النقد الحاد القاسي من رفاقها القدامى الذين كان يؤلمهم زواج اليسار باليمين. ولقد حرصت هي على أن تحتفظ بصورتها الماركسية ولو للذكرى والتاريخ .. وبصراحتها المعروفة عنها قالت بعد طلاقها من الدكتور رشاد: ها أنا أبرأ .. أو على وشك أن أبرأ .. أخاف أن ترتد كينونتي الوليدة إلى الرحم. هل كان هو مشروع عمري الذي انقضى أم السعادة الفردية هي المشروع؟! كانت السعادة الفردية هي مشروعي الذي حفيت لتحقيقه. وجننت عندما لم يتحقق. أنا صنيعة المطلقات. وأسيرة سنوات أدور في المدار الخطأ. لا أملك القدرة على فعل أتجاوز به المدار الخطأ لسنوات تسلمني فيها إلى الشلل الهوة الرهيبة بين ما أعتقد وبين الواقع المعاش. بين الحلم والحقيقة أخاف أن ترتد كينونتي الوليدة – إلى الرحم.

2 لطيفة الزيات، "حملة تفتيش، أوراق شخصية"، دار الهلال، القاهرة، أكتوبر1992.
3 غاستون باشلار، "جماليات المكان"، ترجمة غالب هلسا، المؤسسة الجامعية، بيروت 1984.
4 مرسيا إلياد، "المقدس والعادي"، ترجمة عادل العوا، ، صحاري للصحافة والنشر، بودابست، د،ت

ايوب صابر 10-22-2015 04:34 PM

تابع......

- إمتدت خبرتها إلى مدنعديدة بحكم عمل والدها في مجالس البلديات ، ولكنه توفي عام1935 ، وهي في الثانية عشرة من عمرها.

- تميزت بالقدرة الفائقة على مكاشفة النفس والتعبيرات عن الذات.

- تعلقت بالماركسية وهي طالبة بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول وعلى حد قولها: "كان تعلقي بالماركسية إنفعالياعاطفيا"

- إرتبطت بالزواج بأحمد شكري سالم .. الدكتور في العلوم فيما بعد ، وهو أول شيوعي يحكم عليهبالسجن سبع سنوات ، وتم إعتقال أحمد ولطيفة عام 1949 تحت ذمة القضية الشيوعية.

- إنفصلا بالطلاق بعد الحكم علي "شكري" وخروجها من القضية ، وكان محاميها مصطفى مرعي.

- وتأتي قمة التناقض بين اليسار واليمين بزواجها من "الدكتور رشاد رشدي" يميني المنشأ والفكر والسلوك. ولم تترد لطيفة الزيات أن تقول لمعارضي هذا الزواج: "إنه أول رجل يوقظ الأنثى في"

- التجارب الثلاث جزء مهم من تاريخ "لطيفة الزيات" وحياتها وشخصيتها .

-ظلت تناضل حتى رحلت في 11 سبتمبر سنة 1996 بعد أن أصابهاسرطان الرئة. وأصابتها الدنيا بحرمانها في سنواتها الأخيرة منالزوج والولد أو البنت.
- تتسم أعمال "لطيفةالزيات" القصصية والروائية بمعرفة صحيحة بالحياة ، وبالتكوين النفسي للنماذجالإنسانية وبالمتناقضات الإجتماعية التتي تتحرك في إطارها وتتفاعل معها.

- كان للطيفة الزيات مواقف نضالية لا حصرلها، فقد كانت تحرك الطلبة المصريين ضد الاحتلال البريطاني وحكم الملك فاروق 1946،ودخلت الأديبة الكبيرة السجن مرتين: مرة وهي عروس في السادسة والعشرين من عمرها،والمرة الثانية وهي في الثامنة والخمسين من عمرها عام 1981، إثر حملة الاعتقالاتالتي ضمت الكتاب والصحفيين المعارضين لحكم السادات.

- توفيت لطيفة الزيات فيالحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر 1996.

- يمكن للمتلقي أن يستنتج من خلال مطالعة أحداث حياة هذه الكاتبة الفذة وغنى هذه التجربة الحياتية وتمرد هذه المرأة ثم نضالها وتعرضها للسجن بأن هناك سر كبير وأحداث جسام أثرت على تكوينها ولا عجب ان يكون ذلك السر هو يتمها المبكر

ايوب صابر 10-23-2015 02:05 AM

والان مع العناصر التيي صنعت الروعة في رواية 105 - مدن الملح ( خماسية ) عبد الرحمن منيف السعودية


- مدن الملح هي رواية عربية للروائي السعودي عبد الرحمن منيف، تعد واحدة من أشهر الروايات العربية وتتألف هذه الرواية من 5 أجزاء.

- الرواية تتكلم وتصور الحياة مع بداية اكتشاف النفط والتحولات المتسارعة التي حلت بمدن وقرى الجزيرة العربية بسبب أكتشاف النفط.

أجزاء الرواية:
1-التيه: يتناول الجزء الأول بوادر ظهور النفط في الجزيرة العربية من خلال سكانها وتظهر شخصية متعب الهذال الرافضة كتعبير عن الموقف العفوي لأصحاب الأرض مما اجبر السلطة أن تستعمل العنف. يصف هذا الجزء بالتفصيل بناء المدن الجديدة (حران كانت النموذج) والتغيرات القاسية والعاصفة على المستوى المكاني وخاصة الإنساني.

2-الأخدود: في الجزء الثاني ينتقل منيف إلى تصوير اهل السلطة والسياسة في الصحراء التي تتحول إلى حقل بترولي. نقطة البداية كانت انتقال الحكم من السلطان خربيط إلى ابنه خزعل الذي يمنح كل التسهيلات إلى الأمريكان لتحقيق مخططاتهم. الشخصية الرئيسية في هذا الجزء هو مستشار السلطان الجديد صبحي المحملجي الملقب بالحكيم وهو من أصل لبناني جاء إلى حران أولا كطبيب ثم ينتقل إلى العاصمة موران بحس مغامر ليرتقي إلى أكبر المناصب ويبسط نفوذه. في هذا الجزء تزداد وتيرة التحولات حدة وسرعة بحيث لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما ستؤول اليه الأمور. ينتهي هذا الجزء في لحظة انقلاب فنر على اخيه حين كان خارج موران.
3-تقاسيم الليل والنهار: يعود الجزء الثالث إلى جذور العائلة الحاكمة إلى سنوات التصارع القبائلي التي تتوج خربيط كأهم حاكم في المنطقة في اللحظة التي يقتحم فيها الغرب الصحراء فيجد في تحالفه مع خربيط وسيلة لامتلاك الثروة التي كان يبحث عنها ويستغل السلطان ذلك الظرف للهيمنة على كل ما يمكن أن تطاله يده ويعود هذا الجزء إلى نشأة كل من خزعل وفنر.

4-المنبت: الجزء الرابع هو عبارة عن سيرة خزعل في المنفى حتى وفاته مع رصد للتغييرات الانقلابية التي فرضها فنر ومحاولته أن يحول مسار الصحراء من جديد متخلصا من بقايا سياسات أبيه وأخيه والنفوذ الأامريكي ويبدأ في تأسيس دولة بأجهزة موالية له ذات ملامح قاسية كالصحراء.

- 5- بادية الظلمات: بعد أن يستقر الأمر بلا منازع لفنر يعود منيف لرصد حالة الناس في ظل هذه المتغيرات حيث لا تبقى العادات هي نفسها ولا حتى الأمكنة ويتغير حتى شكل الانتماء والهوية. في هذا الجزء الأخير يصبح اسم الأرض بالدولة الهديبية ويصبح فنر شخصية أسطورية لكنه ينتهي بالاغتيال من خاصته.

- تعتبر من الروايات الممنوعة في المملكة العربية السعودية، تمثل نقلة نوعية في السرد التاريخي والتأريخ الشخصي لحقبة يجد الكثير من الجيل الجديد صورة غير كاملة يضيعها وصف ما بعد تلك المرحلة أو الحاضر بصورة وردية ولكن أيضا غير كاملة(60% من سكان السعودية حول ودون 21 سنة 2004-2007)

- مدن الملح هي وثيقة مهمة تتحدث وتؤرخ عما هب على الحياة البدوية من رياح حضارية أثرت بلا شك بحياة البداوة

-الكاتب رصد بدقة الحياة البدوية وعبر عن ما يجيش في نفوس الكثير من البدو وتحول حالهم إلى الغنى المفاجئ والاثار الناتجة عن ذلك. *

ايوب صابر 10-23-2015 03:06 PM

تابع. ملحمة “مدن الملح” والداهية (منيف)

- كيف تستطيع أن تلخص أحداث عدة سنوات في شهر أو أقل؟ عندما بدأت في قراءة مدن الملح لم اكن أتوقع أن أنهمك فيها جيداً، ربما لطولها أو لما تحمله من بعض اللهجات المحلية، ولكن عندما قرأت منها أكثر من 200 صفحة لم أستطع الفكاك منها.

- قد يكون أحدكم قرأها ولكن يجب أن أقول لكم، من أراد أن يفهم التاريخ، ويفهم كيف يفكر الناس فلا يفوت على نفسه هذه الملحمة العظيمة.

- عندما نفكر في اسم الرواية (مدن الملح) فسوف نعتقد أن هذا الاسم مرّ عدة مرات خلال الرواية، ولكن عندما نقرأها نجد أنه لم يمرّ إلا مرة واحدة فقط وفي الجزء الخامس وفي النصف الأخير منه.

- مدن الملح، تاريخ، وفلسفة، فترة أنتهت ولم تنته بعد! فترة عشناها ونعيشها.

- هي دراسة بأسلون آخر، بأسلوب ملحمي روائي عن أثر النفط في الجزيرة العربية منذ ظهوره وحتى الآن.

- قد يتخوف البعض من هذه الرواية لما تحمله من أمور سياسية يجب أن تظهر حسب اعتقاد البعض، ولكن مالم يظهر اليوم سيظهر غداً بصوت أعلى من المتصور.

-ولكن الفائدة أجل وأعظم في هذه الرواية من أحداث السياسة فيها.

- فعندما يتحدث منيف عن أحداث يومية فهو ل ايحاول ملئ الأوراق بحشو فارغ لا مقصد منه، وإنما هو تلخيص لنظرة، أو وجهة نظر سائدة أو كائنة في تلك الفترة.

- أما كيف استطاع منيف أن يكتب كل تلك العظمة، فأحتاج لفترة لأعرف ذلك.

- ويبدوا أن كلامي عن الأحداث لن يكون له نهاية إن بدأت فيه، وسأترك هذا الأمر لاحقاً إن أردت ذلك، ولكني الآن أكتب بعد أن أنتهيت من الرواية رأيي ورؤاي فيها.

- هذه ليست رواية فقط. هل ملحمة. هي تاريخ. هي دارسة. هي سياسة. هي عظمة لا استطيع أن أعبر عنها بكلمات يسيرة.


-للرجل الباحث عن التاريخ أن يجد فيها ما يسره، ويشبع نهمه المعرفي في هذا المجال،

- وليس ذلك فحسب، وإنما أحداث الفترة محللة تحليلاً شاملاً ليس من وجهة نظر واحدة وإنما من عدة أوجه، فوجهة نظر الحاكم في أمر يفعله، ووجهة المسؤول المباشر للأمر، ووجهة نظر الطبقة المعنية بهذا الأمر، ووجهة نظر الشعب العادي، ووجهة نظر الأغنياء والفقراء. وحتى وجهة نظر الجهات الخارجية، سواء من الدول الصديقة أم من الأعداء أم من المحايدين.

- إن مدن الملح ليست مسيئة للمنطقة بذكر تلك الأحداث، وإنما باحثة عن حقيقة، أو بمعنى باعثة للحقيقة في تلك الحقبة من الزمن.

- للرجل الاجتماعي الباحث في علم الاجتماع أن يجد فيها بغيته، فيجد كيف هي نظرة المجتمع حيال الأحداث، وكيف تتصرف الشعوب حيال مايمر بها، وهل هو على الجميع أم على البعض، وكيف أن هناك شذوذاً قد يقع فلا يقاس على الكل. وصاحب المصلحة مختلف عن من لا مصلحة له، ورؤى الناس حسب أفهامهم وعقولهم وثقافتهم وأعمارهم.

- عندما تسأل أغلب القراء عن أفضل الكتب التي قرأوا أو سيقرأون، فستجد من بين هذه الكتب مدن الملح.

- لس لشيء إلا لعظمتها وصدقها. وذلك ماجعل منها مجموعة ممنوعة.
غالباً لا أحب الخوض في السياسة، ولكني بنفس الوقت لا أؤيد أن يطمس التاريخ، أو يمنع من الوصول للقراء، وقد يكون المنع أحد أهم أسباب الانتشار، فنجد الكثير من المؤلفين الجدد يضمنون كتبهم شيئاً من مثلث الممنوعات (الجنس، الدين، السياسة)لكي يضمنوا منع كتبهم، وبذلك يضمنوا الانتشار والشهرة.

- مدن الملح، خماسية تحكي ثورة النفط في الجزيرة العربية، وقيام دولة عظيمة على هذا المنبع؛ النفط. وبقيامها تغيرت حضارة هذه المنطقة، وتغير البشر فيها. وهذا دائماً ما يقع عند قيام او تغير الدول أو أنظمة الدول.

- عندما تسألني عن رأيي حول الرواية فلن أستطيع الإجابة بوضوح، كل ما استطيع أن أقوله أنها مدهشة حقاً، ويلزم كل قارئ أن يقرأها، خصوصاً من يعيش في المنطقة المعنية في الرواية، إنها الجزيرة العربية.

- الرواية أو عندما نريد الحق الملحمة، خماسية؛ أي تتكون من خمسة أجزاء. وكل جزء يحمل اسماً فرعياً. فالجزء الأول هو (التيه) والثاني (الاخدود) والثالث (تقاسيم الليل والنهار) والرابع (المنبت) والخامس (بادية الظلمات)

المصدر : موقع الساخر.

ايوب صابر 10-24-2015 10:09 AM

تابع مدن الملح

من مقال بقلم : جواد الديوان
الحوار المتمدن - العدد: 3044 - 2010 / 6 / 25 - 09:23

- في رائعته مدن الملح، يرصد عبد الرحمن منيف التطورات الاجتماعية في العالم العربي بعد ظهور النفط مثل قيام المدن الجديدة وتشكيل القوات الامنية (نواة جيش البادية) وفتح الطرق واستخدام السيارات وغيرها.

- ويشدد على بروز العمال ووسائل الضغط على السلطان (الامير او الحكومات لاحقا) من مظاهرات واضرابات وختم بها منيف الجزء الاول من الملحمة "التيه".

- نقل منيف صور الحياة في الصحراء من شظف العيش وقوافل الجمال وانتظار الناس لها ومواعيدها شبه الثابتة والطرق المعروفة (الطريق السلطاني وما بين عجرة وحران) وغيرها.

- ويسهب في تفاصيل القافلة وقيادتها ومسيرتها مع حياة بدائية لا تتعدى تامين الخبز والملابس للانسان وعائلته دون المتطلبات الاخرى.

- تحولت بعض المدن والواحات لانتاج النفط ويرحل سكانها (وادي العيون)، ويبرز هناك من قاوم هذه التغيرات اي البحث عن النفط واستخراجه وتواجد الاجانب "الامريكان" بينهم، واحتمال خرق النواميس ومنها تواجد النساء تحت انظار الخويا (الامريكان) وقد اطلق العراقيون على الانجليز وقتها "صاحب".

- وتظهر الاساطير حين يغادر متعب الهذال داره ووادي العيون قبل الانتاج بل محذرا من ذلك رافضا هذه التغيرات. لم تظهر له اي مشاركات في اعمال عدائية ضد الشركة والخبراء. ولكن ينتاب البدو في نوبات حراستهم هلوسة بصرية "تخيلات" عن تواجد الهذال في هذا الجانب او ذاك، وتتعب الامريكان تلك الاقاويل والقصص ولابد لهم ان يصدقوها، ضمن احتمالات لا يمكنهم المغامرة باهمالها. مخيلة المجتمع وقتها واهتمام الامريكان صنعت منه بطلا شعبيا.

- وبمحاذاة ساحل البحر حران مدينة تضم بيوتا معدودة، فتتحول الى ميناء لتصدير النفط. ويستغرب سكانها والعمال تلك الات الحفر الضخمة والتسويات والرفع وغيرها وسموها بلية. وكانت هناك مخابز! وعدد من الدكاكين ومقهى وبدايات للعمل التجاري والاسواق، يتطور لاحقا ليضم وكالات النقل، ويقبل الشباب على حران للعمل.

- وينقل منيف الاختلافات في الاستعدادات للسكن، فحين يهمل العرب هذا الجانب تظهر مدينة للاجانب خاصة، تضم السكن ومرافقه، لتتطور الخيمة لدى العمال في حران الى بنايات عشوائية. ولم يحبذ سكان حران التفكير في سكنهم وتنظيم مدنهم وتمثل في اهمال المقاولين (ابن الراشد والدباسي). ولا زالت مدن العرب تعاني من العشوائية في كل شيء.

- ويصور عبد الرحمن منيف الامير في قبوله الهدايا من الاغراب تمثلت في هدايا حسن رضائي (ايراني الجنسية) في منظار ثم راديو. ان تفاصيل تعامل الامير مع المنظار وتسخيره اتباعه لذلك يعكس اهتمامات معظم الحكام بعيدا عن هموم الشعب ولذلك توالت النكسات في تاريخنا الحديث. وينشغل الامير بمراقبة نساء عاريات تقريبا على ظهر سفينة تصل بين فترة واخرى للاجانب، فتثير لديه الشهوة والرغبة وفي احلامه يقلب النساء كما يتعامل الخروف ويفحص اليته. انها صورة معبرة لاهتمامات خلفاء العرب بالجواري واعدادها واشكالها الى سبل الحديثة التي تتماشى مع الحداثة، وتبقى تقارير الامم المتحدة عن الاتجار بالبشر تشير الى بلدان العرب. ولا ينسى منيف تاثير تلك السفينة على رجال حران وامانيهم واحلامهم.

- تمكن حسن رضائي بالاستثمار في حران مقابل تلك الهدايا، وقد نصح الامير بالاستماع الى لندن في المذياع، وربما توارثنا الثقة في اذاعة لندن من تلك السنوات.

- لقد اظهر منيف عجز العرب عن التشريع باساليب حديثة لحفظ حقوق شعبهم. وربما يثير اليات التشريع وخلافاتنا مع الانظمة الديمقراطية باعتبار الشعب مصدر التشريع. انها مشكلة التعامل مع المشاكل ويلمس القاريء الفرق الواضح بين مدير شركة نفط والامير في تناول المشاكل ومحاولة حلها.
تنهي الشركة علاقة بعض العمال بها، ويثور العمال مطالبين بحقوقهم، وتشتعل حران مظاهرات وشعارات القوم واهازيجهم تتناول تلك المشكلة "الفصل التعسفي بدون حقوق وضمان للحياة". لم يحسن الامير التصرف فهو مشغول بالراديو والهاتف (الهدية الجديدة من الشركة) لياخذ قائد جيشه (جوهر) المبادرة باطلاق النار على بعضهم ويقدم للناس قتلى وجرحى. ويثور سكان حران مع العمال مهاجمة الشركة وجوهر.

- لا يفاجأ منيف القاريء بجيش البادية، فينقل اشكاليات التدريب والملابس العسكرية والايعازات مثل سلام خذ. وما يحمل جوهر من نياشين واوسمة وغيرها، وكان الاخير احد خدم الامير! ويصبح قائدا لجيش ويملك ان يقتل من الشعب ويجرح ويسجن. وربما يطرح منيف اشكالية العدل لدى الشعوب العربية، والمحاكم العسكرية. ولا زال العراقيون يتذكرون المجالس العرفية واحكام قرقوش فيها، ونقل لي البعض بان الحاكم فيها يضع مسدسا على منضدته! ولا يمكن استثناء اي دولة من ذلك وحتى عند استلام الاحزاب الاسلامية الحكم.

- يهمل عبد الرحمن منيف دور التنظيمات السياسية في قيادة المظاهرات والاضرابات والدعوة لها والمطالبة بحقوق العمال والطبقات المحرومة. فصور التظاهرة بالعفوية ولكنه يذكر اسماء قادة لها، ويجتمعون مع الوجهاء وغيرهم.

- كما يوحي بمسؤولية فردية لرجال الامن، فجوهر وحده قرر اطلاق النار! دون الامير والاخير رجل صالح، طفل يلهو بالراديو ورغباته، وكذلك دون ضغط من الشركة النفطية. انه يقدم براءة ذمة لطغاة مثل سعيد قزاز وبهجت العطية وغيرهم. وقد ذكر استاذ بالتاريخ مؤخرا بان التحقيقات لم تثبت اوامر القزاز باطلاق النار في البصرة.

- ويهمل منيف حقا تاريخيا لابطال التغير في ملاحم العرب وفي العراق منها سنوات 1948 و 1952 و1956 وغيرها. وتضاف لها 1991 وقدم العديد منهم حياته ثمنا لذلك سلام على جاعلين الحتوف جسرا الى الموكب العابر>

- قدم عبد الرحمن منيف ضعف الامير الفكري وعدم حرصه على منطقته، وكذلك جوهر "خاشع خاضع مقيم على ذله صابر". وربما اوضح اهمال الحكام العرب حماية العمال من شعبهم بالضد من الشركات الاجنبية. وتخلف الامام عن الصلاة الفجر يوم المظاهرة والاضراب،

- وربما يرمز منيف الى مهادنة رجال الدين للامراء والسلاطين، ولكنها اشارة عابرة لم يركز عليها ولم يسهب في شخصية امام المسجد، بل لم يبرز له دور في اصلاح سكان حران او حتى تعريته للظلم الذي لحق بهم.

ايوب صابر 10-25-2015 12:40 PM

تابع ....مدن الملح

- رواية "التيه" أول كتب الخماسية التي أتت لتؤرخ، لتروي، التصور وتسطر، في شبه أسطورة، لمدن الملح؛ تلك المدائن التي انزاحت من عالم الصحراء لتضحي عالماً آخر تنبعث فيه رائحة النفط التي تخدر أحلام ساكنيه وتنقلهم نقلات متسارعة يتخبطون عبرها بين الوهم والحقيقة.

- مساحات طويلة يعبرونها بأزمان قصيرة ينتقلون خلالها من عالم البداوة إلى عالم الحضر.

- في ذلك العالم يحلق عبد الرحمن منيف يصور كأبرع مصور لوحات إنسانية واجتماعية تحدث بنفسها عن أثر النفط في بلاد النفط العربية ولتروي مأساة الحداثة المفاجأة في هذه المناطق

ايوب صابر 10-26-2015 09:32 AM

تابع

من مقال بعنوان " الشخصية في مدن الملح " بقلم د نبيه قاسم .


مهما اختلفت الآراء تظل الشخصية هي التي تستحوذ على الاهتمام لدى تناول اي عمل ابداعي، واذا كانت شخصية البطل في الرواية، كما عرفناها في روايات زولا وبلزاك، قد تلاشت في القرن العشرين، فإن الرواية العربية ظلت تستأثرها وتتميز بها حتى اواسط السبعينيات، وكانت الكثير من الدراسات الادبية تتمحور حول شخصية البطل وتهتم بتصنيفاته، وتُهمل جوانب النص الابداعي الاخرى.
وقد اهتم عبد الرحمن منيف في رواياته الاولى بشخصية البطل مثل: روايات قصة حب مجوسية، شرق المتوسط، حين تركنا الجسر، النهايات، رغم انه كان قد وزع البطولة على شخصيتين في روايته الاولى الاشجار واغتيال مرزوق. بينما قصد عدم وجود مثل هذا البطل المركزي الوحيد في رواية مدن الملح.
لا نستطيع في رواية مدن الملح ان نشير الى شخصية محددة على انها الشخصية الرئيسية التي حولها تدور معظم الاحداث وتتشكل الرواية. فرواية مدن الملح تحوي على عدد كبير من الشخصيات، منها المهمة التي تأخذ دورا مهما في الاحداث، ومنها الثانوية التي تلعب دورا اقل اهمية، او مجرد تذكر او تؤدي دورا هامشيا. ولكن كل هذه الشخصيات معا تشكل هذا العالم الواسع الذي ترسمه الرواية.
هذا يعني ان منيف في روايته هذه تأثر بتحوّل موقف النقد الغربي من دور شخصية البطل في الرواية حيث حاول هذا النقد اهمال الشخصية الرئيسية وحتى الغاء دورها كليا، واستغنى عن دور البطل الرئيسي المُوجه للاحداث والشاغل لها، وهو نفسه يفسر هذا التحول في الموقف بقوله: "إن بطل الرواية الفرد، الذي يملأ الساحة كلها، وما الآخرون الذين يحيطون به الا ديكورًا لابرازه واظهار بطولاته، ان هذا البطل الوهمي الذي سيطر على الرواية العالمية فترة طويلة، آن له ان يتنحى، وأن لا يُشغل الا ما يستحقه من مكان وزمان". (الكاتب والمنفى، ص 76)العديد من الشخصيات في مدن الملح تظهر وتختفي بعد ان تقوم بدورها ولا تُذكر ابدا، واصبحت الرواية عبارة عن بانوراما كبيرة متناسقة متكاملة تتوالى فيها الاحداث وتتداخل وتتباعد، ومثلها ايضا الشخصيات التي تقوم بادوارها. وذلك بخلاف ثلاثية نجيب محفوظ، حيث للشخصيات وللاحداث استمرارية واضحة.
وكما في ثلاثية نجيب محفوظ لا توجد الشخصية المتفردة التي تشغل دور البطولة الفردية وانما كل افراد عائلة "السيّد" تقوم بدور البطولة، هكذا ايضا في رواية مدن الملح لم تعد البطولة تقتصر على واحد او اثنين من شخصيات الرواية، وانما اصبحت تتوزع على العديد من الشخصيات التي تحرك الاحداث وتدفعها، ولم تعد تحتمل تلك الصفات المثالية النموذجية للغير، وانما نجد فيها صفات مكروهة ومنفّرة، وقد نجد النموذجين المتناقضين معا في الوقت نفسه، يتصارعان ويحاول احدهما السيطرة على الآخر.
اهمية الشخصية ومدى تأثيرها ودورها في العمل الابداعي، كل هذا يتقرر من خلال فعل الشخصية في النص نفسه، ومع ان الاهتمام لم يعد يتركز بالبطولة الفردية، اي الشخصية المركزية في الرواية التي تتمحور حولها باقي الشخصيات والاحداث، الا ان الشخصية تستطيع ان تفرض الاهتمام بها، مهما كان دورها صغيرا ام كبيرا، من خلال فاعليتها في النص والعلاقات التي تقيمها مع باقي الشخصيات ومع عناصر النص الاخرى، حيث تفرض وجودها وتمنع امكانية حذفها او تجاهلها.
المشترك الوحيد بين عشرات الشخصيات التي تظهر على مسرح الاحداث في رواية مدن الملح انها كلها تسير نحو مستقبل مجهول، نحو النهايات ونحو التيه في بحر من الظلمات، وقد يكون الكاتب قد هدف الى ذلك من خلال اختياره لاسماء اجزاء الرواية. هذه الشخصيات التي تبدو على مسرح الاحداث، منها التي تشق طريقها واثقة من خطواتها وهي لا تدري انها تدفع بنفسها نحو التيه والظلمات والنهاية، ومنها المهزومة التائهة التي تريد تأمين ما يضمن بقاءها في الحياة لا اكثر، ومنها التي لا تجد امامها من حيلة، امام التغير الهائل الذي تشهده في المكان والزمان، الا البكاء والتحسر على الذي كان ولن يعود.
ومن هذه العشرات من الشخصيات التي تظهر وتختفي وينساها القارئ بمجرد ان انتهى دورها، ومنها التي تأخذ قسطا في تطور الفعل ودفع الاحداث ولكنها تكون محدودة في مدى فاعليتها، ومنها شخصيات تفرض وجودها وتدفع بديناميتها ووهجها الاحداث وتظل عنصر جذب وتأثير حتى لو انها اختفت عن المسرح. مثل متعب الهذال الذي رغم اختفائه بعد تدمير وادي العيون في الجزء الاول (التيه، ص 106) من رواية مدن الملح ظل يفرض وجوده على الناس والاحداث لعشرات السنين.
تراكم الشخصيات وعددها الكبير وتوالي الاحداث وتفجرها وانتشارها في كل الاتجاهات والامكنة عبر الازمنة غير المحددة، ليس وحده الذي يميز رواية مدن الملح عن روايات عبد الرحمن منيف الاولى، ففي الروايات الاولى كانت الشخصيات محددة الهوية والتوزيع، واضحة المعالم والاهداف، والاحداث رغم ضخامتها واهميتها الا انها محددة واضحة، والاماكن يمكن التعرف عليها، والزمان يتمحور في زمان القهر العربي الذي يعيشه الانسان العربي منذ خمسينات القرن العشرين.
ما يميز رواية مدن الملح انعدام وجود شخصية المثقف الفاعلة والمحركة التي كانت البارزة بين شخصيات الروايات الاولى، بينما برزت وبقوة الشخصية الشعبية القريبة من الشخصية الملحمية التي افتقرت اليها شخصيات الروايات الاولى وان كانت شخصية "عساف" بطل رواية النهايات تُشكل مدخلا مهما في بلورة الشخصية الشعبية الملحمية التي ظهرت في رواية مدن الملح.
لقد توزعت الشخصيات في الروايات الاولى ما بين الشخصيات المثقفة والشعبية التي تواجه السلطة الحاكمة الظالمة رغم ان الشخصية السلطوية انحصرت في الموظفين الصغار والسجانين الذين لم يكونوا الا ادوات محركة فاقدة للتميز في ملامحها وعملها وفكرها مما ابقاها في حدود النكرات، ولم تبرز في شكل الحاكم الكبير صاحب الفكر والخطة والهدف، بينما في رواية مدن الملح اخذت الشخصية السلطوية مكانها المركزي والفعال في صنع الاحداث وتطورها، وتوزعت على عشرات الشخصيات، من الموظف الصغير حتى تصل الى السلطان بنفسه.
كذلك ظهرت في رواية مدن الملح الشخصيات العديدة التي لم تنتم الى المكان وانما هي وفـَدت اليه طمعا في كسب الغنى والمال، ووجودها كان له الأثر على تغير المكان وتشكله من جديد، ومثل هذه الشخصيات لم تظهر في روايات منيف الاولى.

ايوب صابر 10-26-2015 06:21 PM

تابع مدن الملح

- هل ينسج عبد الرحمن منيف روايات... أم أنه يسجل تأريخاً لأحداث شهدتها بلاد عربية سمّاها على صفحاته... أم أنه يسطر فلسفة الحياة التي حاكتها يد الحياة... أم أنه يعيد من خلال أعماله... ذكرى النفس الملحمي في الأعمال الروائية... إنه كل هذا وذاك... فالمنيف بأعماله تلك فتح أفقاً رحباً لعالم الرواية العربية. فأتت تجربته الروائية بمجملها لتكون أوسع وأجرأ تجربة روائية عربية تناصية ولتكون أكثر تطوراً في حدود معرفتنا بالرواية العربية.
مثلت كل رواية لوحة إنسانية اجتماعية ابتداءً من مدن الملح بفصولها الأربعة؛ التيه، والأخدود، وتقاسيم الليل والنهار، والمُنْبَتّ، وبادية الظلمات، ومن ثم شرق المتوسط، وأرض السواد، والنهايات... كلها روايات عكست في جزئياتها... فكر متوقد... وخيال مترع، ونفس ملحمي، روائي تاقت إليه الرواية العربية، وتحدث في رواياته عن كل شيء... نسج الحدث من خيوط التاريخ وأسبغ عليه حلة الخيال ليقول بأن "ذاك الغيم جاب هذا المطر" وليقول بأننا لم نشارك في تلك الحياة... ولكننا نحيا من أجلها اليوم، وليحدث بأن العالم، كل العالم، في ذلك الزمن الرجراج، المليء بالتوقع والاحتمالات، البطيء كسلحفاة، السريع المتغير كبرق السماء... يتلفت، يتساءل... يترقب بخوف؛ الغد الذي سيأتي...
لأن في ذلك الزمن كل شيء مطروح، القارات تقسم المناطق والشعوب تجزأ أو تلحق، تبعاً لرغبات الأقوياء، والملوك والسلاطين يخترعون للتو اللحظة ليتولوا الأمور، أو يحكم عليهم بالنفي إلى الجزر البعيدة لكي يموتوا هناك منسيين وبصمت... هكذا تداخلت هذه المعاني في رؤاه المنسحبة في ثنايا خيوط نسجه الروائي... ولكن في كل رواية كان للحدث بعده التاريخي والاجتماعي والسياسي والفلسفي.
فمدن الملح بتسلسلاتها الخمس وفي سياقها إيقاع حزين وعمق اجتماعي فكري سياسي، طرحت مسائل كانت قائمة ومطروحة، ولكنها الآن أيضاً ما زالت مطروحة وهي أن العرب، كأناس عاديين، وقفوا تحت الظلم من كل جانب من الغرباء ومن جانب قادتهم وحكامهم في نفس الوقت... ومن خلالها قال ما يجب أن يقال عن أثر الآلة النفطية في بلاد النفط العربية... فَصَوّر عبرها صدمة الحداثة في مجتمعات العالم الثالث.
وإلى أرض السواد رحل فكتب عن العراق التي ضمت أقدم الحضارات... تلك العراق ذكّر بأنها لم تكن قفراً، وبالتالي فإن الشخصية العراقية لم تتكون خلال قرون قليلة من الزمن... أحب المنيف العراق، أحب الناس والأرض ودجلة وبغداد وكركوك والموصل والبصرة والبادية... أحب الطبيعة وقسوتها، وفي أرض السواد يعلن عبد الرحمن منيف، حبه للعراق وأهلها، للهجتهم، لتلميحاتهم، وثورياتهم، ولأمثالهم وسخريتهم فكانت كلها معاني، تداخلت في الأحداث المتسارعة في مناخ تاريخي اجتماعي سياسي، روت عن فترة زمنية كانت بداياتها مع أطماع إنكلترا، الإمبراطورية المنهزمة، بهذا الموقع الهام وآثاره ليكون لها محطة على طريق الهند... وتتعاقب الأحداث... ويرسم من خلالها المنيف مدى كره العراقيين لأي تدخل أجنبي، فوسم تضامنهم ضمن صور كثيرة... لتصل روايته بأجزائها الثلاث إلى رسم صورة غير مسبوقة عن العراق.... فكان همه الأول فيها أن يرسم الشخصية العراقية قبل أن يعمل على رواية تشكل الأحداث ذروتها... وليكون الحدث في "أرض السواد" هو العراق.
وفي رواية "النهايات" عالم تحركت أحداثه في خطوط تتوازى فيها الوقائع والرموز... فهي على مستواها الوقائعي تعود بك إلى تجربة أهل "الطيبة" إلى انتمائهم إلى الجذور... وذهولهم إزاء الحب والموت... وفي مستواها الرمزي تعود بك إلى اكتشاف الإنسان، أينما كان، إلى انتمائه إلى هذه القوى... إلى هذه القوى الغامضة في الكون التي تجعل من الحب والموت أعنف وأخصب ما في الطبيعة كلها... و"النهايات" مرتبة عميقة الأنغام للجنّة التي بقيت حاضرة في أذهان القرية... والمنيف باختياره الطيبة، هذا الاسم لقريته، هو اختيار رمزي، لأن كل قرية هي طيبة بالنسبة لأهلها... والطيبة في "النهايات" تجمع بين معنى طيب المذاق والهواء والطبع، وبين معنى البقاء... والطيبة هي العائشة الحية في وجدان عاشقها... دائماً لا تموت.
والمنيف بعد كل هذا وذاك... ذاك القادم من صخب الإنسان، المتحدث بلسانه عن أشياء في أعماق جهل فلسفتها... وعن أشياء في حياته... خاف حديثها... وعن أحداث تاريخية في ماضيه... مغيبة في دهاليز الذاكرة... أقضت مضجعه... فتناساها.

ايوب صابر 10-27-2015 01:08 PM

تابع ... عبد الرحمن منيف


رسالة الدكتوراة للأستاذ نبيه القاسم:
الفن الروائي عند عبد الرحمن مُنيف
د. بطرس دلِّة
جريدة "الاتحاد" 7.10.2010
أصدر الدكتور نبيه القاسم حتى الآن العديد من الكتب، تبحث جميعها في الحركة الثقافية والسياسية والاجتماعية في بلادنا، وقدم وما زال كذلك، خدمة كبيرة للحركة الثقافية كما كرّس قسما من مقالاته الكثيرة لنقد ما يصدر من أنتاج أدبي في البلاد.
ونحن ليس لدينا أدنى شك في مدى إطلاع الدكتور نبيه القاسم على مختلف المناهج النقدية في اللغة العربية وفي اللغات العالمية على تعدّد هذه المناهج، ولذلك فهو يقف اليوم في طليعة النقاد في بلادنا. لذلك كله، نجده حريصا جدا على ألا يقع في أيّ سَهو أو خلط لأكثر من منهج نقدي في عمله هذا ومن هنا فقد تمحورت دراسته على عالم عبد الرحمن منيف في ثلاث تقنيات أساسية وهي:
المكان، الزمان والشخصية باعتبار هذه التقنيات الوحدات الأساسية التي شكلت بنية الرواية المنيفيّة وأبرزت التميّز في تناول عبد الرحمن منيف لها، كما ركّز في بحثه على إيجاد اختلاف عن غيره من الروائيين الذين سبقوه أو عاصروه على حدّ سواء.
أكاديمية البحث:
من أجل الدقّة الأكاديمية اضطر الدكتور نبيه القاسم إلى تجميع عدد هائل من المراجع، بلغ عددها كما هو مبين في نهاية البحث مائتين وخمسين مرجعا أكثرها باللغة العربية والقسم الآخر باللغات الغربية.
وكان قد أصدر منذ عام 1979 احد عشر كتابا في النقد الأدبي ومجموعتين من القصص القصيرة، وعشرين كتابا هي عبارة عن مجموعة أبحاث في التاريخ، الثقافة والمجتمع وأضاف ثلاثة كتب في تدريس النصوص الأدبية وقواعد اللغة العربية ونافذة على الأدب العربي الحديث.
فماذا وجد في الروائي عبد الرحمن منيف ؟
عبد الرحمن منيف من مواليد عمان عاصمة الأردن عام 1933 لأب سعودي من نجد وأم عراقية، درس الحقوق في جامعة بغداد وتفرّغ للعمل السياسي في المعارضة منذ عام 1952. فطرد من بغداد والتحق بجامعة القاهرة ليُتابع دراسته هناك. ولكنه سافر إلى بغداد عام 1958 حيث تخرّج بلقب دكتور في العلوم الاقتصادية، النفط والأسعار والأسواق عام 1961.
تنّقل بعدها بين سوريا ولبنان والعراق ثم هاجر إلى فرنسا حيث تفرّغ للإنتاج الأدبي، إلا أنّه عاد إلى سوريا بعد خمسة وعشرين عاما أي عام 1986 وبقي في دمشق حتى وفاته في 24 كانون الثاني سنة2004.
لمّا كان الدكتور عبد الرحمن منيف خبيرا في النفط والاقتصاد فقد لمس ما تُمارسه الشركات الأجنبية على السلطات في الدول العربية من قمع واستغلال، لذلك رأى أن يعبر عن نقمته على هذا الاستغلال عن طريق كتابة الرواية. وذلك لأنّ الرواية تستطيع ملامسة القضايا الأساسية التي يحتاجها الكثيرون إلى التعرف والتفاعل معها لكي يروا أنفسهم وما حولهم بشكل أفضل وربما أعمق مما تبدو للوهلة الأولى (منيف 1998، ص 178) (وفي الرواية ص 20).
يقول الدكتور نبيه القاسم في هذا التوجّه للروائي منيف :" هكذا انطلق منيف في عمله الروائي الأول الأشجار واغتيال مرزوق 1973 يكشف عورة الحكام والمؤسّسة السياسية الحاكمة من خلال تناوله نموذجين يُمثلان الإنسان العربي هما: المثقف الحالم الذي يتوهم أنّه قادر على تغيير وضع المجتمع اعتمادا على ثقافته وقدراته وحده فقط، والإنسان الكادح المسحوق الذي يُعاني من أجل حياة أفضل"(ص20-22).
من خلال دراسته لشخصية منيف وتوجهه السياسي في رواياته الأولى وجد فيه مفكرا يحارب العنف والقمع كما يهاجم الأنظمة العربية المسؤولية عن هزيمة عام 1967 مؤكدا أنّ العرب قد هُزموا في هذه الحرب قبل الهزيمة في روايته حين تركنا الجسر من عام 1976 وذلك بسبب ظلم النظام الديكتاتوري العربي الذي يحرم المواطن العربي من حريته!
كما وجد فيه روائيا ثائرا، فمنيف أراد أن يصوّر ما يشغله بشكل أساسي في عصره وناسه، ولذلك تحوّل إلى لسان حال المثقف الإنسان العربي العادي والشعبي . من هنا نراه يُحاول المساهمة في عملية التغيير الجذري في المجتمع العربي عن طريق الرواية(ص27). ونحن نعرف كقراء أنّ التغيير الجذري في علاقات الإنتاج هو الثورة بحد ذاتها كما عرّفها كارل ماركس في كتابة رأس المال الصادر عام 1848 عندما أصدر مع صديقه فردريك أنجلز البيان الشيوعي.
ومع ميله الشديد لانجاز التغيير الجذري فإننا نرى أنّ عبد الرحمن منيف يعود إلى التراث في روايته النهايات سنة 1977 غير مهتم بأساليب السّرد الروائي الحَداثي ولا بالمنجزات الشكلية محاولا إضفاء نوع من الواقعية على أحداث التاريخ(ص29).
يؤكد الدكتور نبيه القاسم إن عبد الرحمن منيف يبحث في العلاقة الجدلية بين الوجود الإنساني في الإطار الكلي وبين خبرة الإنسان العربي. ويصل بالتالي إلى خلاصة مفادها إن وجود هذا الإنسان لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال المكان من جهة والروح والفكر أي الزمان من جهة أخرى(ص 31)
هذا العمق في البحث لا يمكن أنْ يصدر إلا عن ناقد متمرس في فهم أصوات كل رواية فهما جذريا حتى ولو أنّ الروائي جنّد الأماكن مثلا والحيوانات والزمان معا كأبطال في رواياته! ولم ينس منيف أن يؤكد على دور المرأة ليجعلها بطلة أيضا في رواياته.

ايوب صابر 10-28-2015 11:23 AM


تابع .. عبدر الرحمن منيف

من رسالة الدكتوراة للأستاذ نبيه القاسم: الفن الروائي عند عبد الرحمن مُنيف
بقلم د. بطرس دلِّة
جريدة "الاتحاد" 7.10.2010

- أصدر الدكتور نبيه القاسم حتى الآن العديد من الكتب، تبحث جميعها في الحركة الثقافية والسياسية والاجتماعية في بلادنا، وقدم وما زال كذلك، خدمة كبيرة للحركة الثقافية كما كرّس قسما من مقالاته الكثيرة لنقد ما يصدر من أنتاج أدبي في البلاد.ونحن ليس لدينا أدنى شك في مدى إطلاع الدكتور نبيه القاسم على مختلف المناهج النقدية في اللغة العربية وفي اللغات العالمية على تعدّد هذه المناهج، ولذلك فهو يقف اليوم في طليعة النقاد في بلادنا. لذلك كله، نجده حريصا جدا على ألا يقع في أيّ سَهو أو خلط لأكثر من منهج نقدي في عمله هذا ومن هنا فقد تمحورت دراسته على عالم عبد الرحمن منيف في ثلاث تقنيات أساسية وهي:

- المكان، الزمان والشخصية باعتبار هذه التقنيات الوحدات الأساسية التي شكلت بنية الرواية المنيفيّة وأبرزت التميّز في تناول عبد الرحمن منيف لها، كما ركّز في بحثه على إيجاد اختلاف عن غيره من الروائيين الذين سبقوه أو عاصروه على حدّ سواء.

- أكاديمية البحث: من أجل الدقّة الأكاديمية اضطر الدكتور نبيه القاسم إلى تجميع عدد هائل من المراجع، بلغ عددها كما هو مبين في نهاية البحث مائتين وخمسين مرجعا أكثرها باللغة العربية والقسم الآخر باللغات الغربية. وكان قد أصدر منذ عام 1979 احد عشر كتابا في النقد الأدبي ومجموعتين من القصص القصيرة، وعشرين كتابا هي عبارة عن مجموعة أبحاث في التاريخ، الثقافة والمجتمع وأضاف ثلاثة كتب في تدريس النصوص الأدبية وقواعد اللغة العربية ونافذة على الأدب العربي الحديث. فماذا وجد في الروائي عبد الرحمن منيف ؟

- عبد الرحمن منيف من مواليد عمان عاصمة الأردن عام 1933 لأب سعودي من نجد وأم عراقية، درس الحقوق في جامعة بغداد وتفرّغ للعمل السياسي في المعارضة منذ عام 1952. فطرد من بغداد والتحق بجامعة القاهرة ليُتابع دراسته هناك. ولكنه سافر إلى بغداد عام 1958 حيث تخرّج بلقب دكتور في العلوم الاقتصادية، النفط والأسعار والأسواق عام 1961.

- تنّقل بعدها بين سوريا ولبنان والعراق ثم هاجر إلى فرنسا حيث تفرّغ للإنتاج الأدبي، إلا أنّه عاد إلى سوريا بعد خمسة وعشرين عاما أي عام 1986 وبقي في دمشق حتى وفاته في 24 كانون الثاني سنة2004.

- لمّا كان الدكتور عبد الرحمن منيف خبيرا في النفط والاقتصاد فقد لمس ما تُمارسه الشركات الأجنبية على السلطات في الدول العربية من قمع واستغلال، لذلك رأى أن يعبر عن نقمته على هذا الاستغلال عن طريق كتابة الرواية. وذلك لأنّ الرواية تستطيع ملامسة القضايا الأساسية التي يحتاجها الكثيرون إلى التعرف والتفاعل معها لكي يروا أنفسهم وما حولهم بشكل أفضل وربما أعمق مما تبدو للوهلة الأولى (منيف 1998، ص 178) (وفي الرواية ص 20).

- يقول الدكتور نبيه القاسم في هذا التوجّه للروائي منيف :" هكذا انطلق منيف في عمله الروائي الأول الأشجار واغتيال مرزوق 1973 يكشف عورة الحكام والمؤسّسة السياسية الحاكمة من خلال تناوله نموذجين يُمثلان الإنسان العربي هما: المثقف الحالم الذي يتوهم أنّه قادر على تغيير وضع المجتمع اعتمادا على ثقافته وقدراته وحده فقط، والإنسان الكادح المسحوق الذي يُعاني من أجل حياة أفضل"(ص20-22).

- من خلال دراسته لشخصية منيف وتوجهه السياسي في رواياته الأولى وجد فيه مفكرا يحارب العنف والقمع كما يهاجم الأنظمة العربية المسؤولية عن هزيمة عام 1967 مؤكدا أنّ العرب قد هُزموا في هذه الحرب قبل الهزيمة في روايته حين تركنا الجسر من عام 1976 وذلك بسبب ظلم النظام الديكتاتوري العربي الذي يحرم المواطن العربي من حريته!

- كما وجد فيه روائيا ثائرا، فمنيف أراد أن يصوّر ما يشغله بشكل أساسي في عصره وناسه، ولذلك تحوّل إلى لسان حال المثقف الإنسان العربي العادي والشعبي . من هنا نراه يُحاول المساهمة في عملية التغيير الجذري في المجتمع العربي عن طريق الرواية(ص27). ونحن نعرف كقراء أنّ التغيير الجذري في علاقات الإنتاج هو الثورة بحد ذاتها كما عرّفها كارل ماركس في كتابة رأس المال الصادر عام 1848 عندما أصدر مع صديقه فردريك أنجلز البيان الشيوعي.

- ومع ميله الشديد لانجاز التغيير الجذري فإننا نرى أنّ عبد الرحمن منيف يعود إلى التراث في روايته النهايات سنة 1977 غير مهتم بأساليب السّرد الروائي الحَداثي ولا بالمنجزات الشكلية محاولا إضفاء نوع من الواقعية على أحداث التاريخ(ص29).

- يؤكد الدكتور نبيه القاسم إن عبد الرحمن منيف يبحث في العلاقة الجدلية بين الوجود الإنساني في الإطار الكلي وبين خبرة الإنسان العربي. ويصل بالتالي إلى خلاصة مفادها إن وجود هذا الإنسان لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال المكان من جهة والروح والفكر أي الزمان من جهة أخرى(ص 31)
هذا العمق في البحث لا يمكن أنْ يصدر إلا عن ناقد متمرس في فهم أصوات كل رواية فهما جذريا حتى ولو أنّ الروائي جنّد الأماكن مثلا والحيوانات والزمان معا كأبطال في رواياته! ولم ينس منيف أن يؤكد على دور المرأة ليجعلها بطلة أيضا في رواياته.

ايوب صابر 10-29-2015 01:13 PM

تابع مدن الملح ...

- بخصوص الشكل والمضمون: يحاول الدكتور نبيه القاسم إبراز دور الشكل في خدمة المضمون لدى عبد الرحمن منيف. فكل عمل روائي هو بناء شكلي أولا وقبل كل شيء.

- إما الزمكانية والشخصية فهي مفاهيم شكلية تكون أساس كل عمل قصصي أو درامي يسخرها الروائي من أجل إيصال المضامين التي يطرحها في رواياته (ص36) فالمكان له وظيفتان عنده: الأولى إضفاء الجو الواقعي الحقيقي على العمل الإبداعي. والثانية تحميل المكان مضمونا روحانيا متعدّد الدلالات، ويُضيف وظيفة ثالثة هي ذكر المكان دون تحديد ذكر ملامح مميزة له (ص52). وإذا ذكرنا المكان فيجب ألاّ تغيب عن بالنا العلاقة الجدلية بين هذا المكان وبين الإنسان لان كلّ منهما يتأثر بالثاني بشكل أو بآخر بحيث لا تكون هناك قيمة لأي منهما دون الآخر. ولما كان المكان والإنسان توأمين في العمل الروائي فإن الزمان هو ثالثة الأثافي، وهو يتمازج مع المكان ليكونا وحدة متماسكة في الشكل والمضمون لكل رواية. ولما كانت هذه العلاقة بين هذه الأقانيم الثلاثة علاقة جدلية إذن فإنه لا يجوز الفصل بينها بأي شكل من الأشكال(ص59).لو أخذنا الصحراء في رواية "رجال في الشمس "1963 لغسان كنفاني مثلا أو رواية "حارة البدو" لإبراهيم خليل أو "الطاحونة السوداء" لبندرعبد الحميد 1984 أو "البحث عن سماوات جديدة" لياسين عبد اللطيف 1989 لوجدنا بادية الشام مسرحا لجميع هذه الروايات كذلك رواية مدن الملح لعبد الرحمن منيف 1984. هي بحق رواية الصحراء وملحمتها الكبرى ( ص 43-44). فالبداوة في هذه الروايات تبدو قيمة ومشاعر وأخلاقا وسلوكا فحتى عندما يغادر البدوي صحراءه تبقى هذه الصحراء ملاصقة له تؤثر في كل سلوك جديد يكتسب من البيئة الجديدة(ص119). فالمكان وحده يستطيع أن يكشف نفسية الشخصية ويُعرّيها أمام الآخرين لأنّ الشخصية يجب أن تكون صريحة في المواجهة والكشف وبشكل صادق وإلاّ فكيف نُفسّر العلاقة بينهما؟!
في المضمون يبحث الدكتور نبيه القاسم في موضوع الزمن كعنصر أساسي لكتابة الرواية، ويؤكد انه لا يمكن إدراك هذا الزمن مستقبلا بعيدا عن العناصر الأخرى! وعبد الرحمن منيف يتلاعب بالزمن بغض النظر عن كون هذا الزمن خارجيا أو داخليا!

- في روايته شرق المتوسط 1972 يحاول عبد الرحمن منيف تجاهل التحديد الزمني لوقوع الأحداث. وقد لمسنا ذلك في سرد الأحداث المتتالية والصعبة التي تتوالى على رجب وأهل بيته غير محدودة بزمن معين. ونستطيع أن نستنتج إن كل الأحداث التي مرت برجب وعائلته مثلا كانت قد حدثت قبل تاريخ 1972!

- أن هذا التلاعب بالزمن يحمل في طياته خطورة، أي الخطأ في ترتيب التسلسل الزمني.

- يتحدث الدكتور نبيه القاسم عن عملية الاسترجاع المتعلقة بالزمن. ويقول:"هناك ثلاثة أنواع من الاسترجاع: خارجي، وداخلي ومزجي ! والهدف من هذا الاسترجاع الزمني هو عودة إلى الماضي وذلك من أجل سدّ ثغرات كان قد خلقها سرد القصة يجب أن تكون قد حدثت وانتهت في الماضي.
إنّ كاتبا روائيا كبيرا كعبد الرحمن منيف يتّخذ الزمن والتلاعب فيه محورا أساسيا في تشكيل المكان والشخصيات وطرق تفكير هذه الشخصيات . يلخص القاسم هذا الفصل بقوله، (ص220).

- ومنيف في تعامله مع الزمن لم يتحجّر عند منهج معين، ولم يسلك مسلكا واحدا، وإنما استفاد من كلّ الأساليب والمناهج، واتّبع مختلف التقنيات السردية مما وفّر له الحرية في الاختيار والتعامل، وأكسبه القدرة على أن يُقدّم الأفضل والأكمل( ص-220)

- الفصل الثالث مُكرّس لدور الشخصية في الرواية: يعتقد عبد الرحمن منيف أنّ هناك علاقة جدلية بين الشخصية الروائية والواقع. وبما أنّ بعض النقاد يعتقدون أنّ الشخصية مُستمَدة من الواقع، وليس من الخيال (ص227) فهو عندما يكتب عن شخصية معينة نراه يأخذ شخصا حقيقيّا يُغيّر الكثير من ملامحه في حين يُبقي على الجانب المهم من حقيقة هذا الشخص. فالحقيقة هي مزيج بين الحقيقة والابتكار .(ص251)

- يقسم نبيه القاسم الشخصيات إلى نوعين هما: الشخصية المسطحة وهي الشخصية البسيطة و الشخصية المدوّرة التي لا يمكن التعبير عنها بجملة واحدة أو حتى أكثر من جملة، هذه الشخصية المدوّرة تكشف حقيقة ذاتها وتنمو قليلا قليلا من خلال السّرد، والشخصية المُحبّبة هي التي تتّصف بالعُمق!

- إنّ تعريف الشخصيات إلى عميقة وسطحية، يتعلق بموقف تلك الشخصية منا! فإمّا أن تُفاجئنا مفاجأة مقنعة وإما ألا تفاجئنا مطلقا! ومع ذلك فإننا لا نستطيع الاستغناء عن أي من الشخصيتين لأنهما ضروريتان لتطوّر السرد وإكسابه جمالا معينا وتشويقا أكبر في نفس الوقت.

- عند معالجته للشخصية العربية فانه اهتم بتصوير بعضها مهزومة منهارة، وغيرها قويّة وسيّدة الموقف، هذه النماذج موجودة وقائمة في كل مجتمع ولا يشذ عنها المجتمع العربي الذي عاش فيه منيف!

- ما ميّز إحدى رواياته عن غيرها من الروايات يتعلّق بشخصية المرأة، فالمرأة كما نعرف تُشكل عنصرا هامّا في كلّ عمل إبداعي. أمّا عند منيف فلم تحصل المرأة على دور بطولي مع أنّه جعل لها فعاليّة وتأثيرا قويين في رواياته. ففي روايتيه "حين تركنا الجسر" و "النهايات" يهمل منيف العنصر النسائي بشكل مُتعمّد، وذلك لأنّ هاتين الروايتين تتّخذان الصّيد موضوعا تدور حوله أحداثُها. والصيد هو رياضة ذكوريّة نادرا ما تُمارسها المرأة إلا في حالات شاذّة(ص 287).

- كانت الشخصية في الرواية العربية حتى أواسط السبعينات تلعب دور البطولة، ولذلك فإنّ نَقد الروايات التي سبقت هذه الفترة تمركز في شخصية البطل وتصنيفاته مُهملا جوانب النص الإبداعي.
وعند منيف كما يستنتج صديقنا الدكتور نبيه القاسم لا نستطيع أنْ نُشير إلى شخصية رئيسية في خماسيّة "مدن الملح" مثلا. ففي هذه الخماسيّة عدد كبير من الشخصيات المهمة والثانوية لا يوليها منيف اهتماما كبيرا لأنه على حدّ تعبير المؤلف تأثر بالنقد الغربي الذي أهمل الشخصية الرئيسية حتى انه ألغى دورها كليّا واستغنى عن دور البطل المركزي(ص298).

- تتعدّد الشخصيات، وتتنوّع في أعمال عبد الرحمن منيف، وذلك في بحثه وراء الشخصية النموذجية التي يريدها مثالا يتقمصه جيل الشباب في أيامنا ويقلدونه بعد أن يحمله قيما وصفات يراها منيف مناسبة، أو يُبعده (أي يبعد الشباب )عن النموذج السيئ ! وهو في كل الحالات يجعل الشخصية متغيرة. دائبة البحث عن كل جديد ، تؤثر في الأحداث وتتأثر بها وتعمل على الاستيعاب والتعلم والاستفادة وهو شأن الروائي الناجح.

- ومما يميز الشخصية النسائية لدى منيف أنّ النساء في رواياته يفتقدن للمشاعر والعواطف ( باستثناء الشيخة زهوه ووداد الحايك)، لأنهن يقمن بوظائفهن التي رسمت لهن كزوجات أو أمهات أو بنات أو أخوات، أمّا العواطف المتدفقة والأنوثة المميّزة والحب الجارف والعشق الفاضح فلا مكان لها في نفوس هذه الشخوص. فكأنّهنّ قد قُدِدن من جبال الملح، نساء ليس لهن وظيفة في الحياة، غير رفع أرجلهن للنكاح أو الولادة.(النابلسي 1991 ص457)(ودكتور نبيه القاسم ص 207).

- أخيرا ما لمسناه في الدراسة الأطروحة هو اللفتة العميقة إلى الجوانب الفنية في روايات عبد الرحمن منيف، ومحاولة تقريب أدبه إلى القراء العاديين، وإبرازه ككاتب متميز له بصماته وتأثيره في تطوير الرواية العربية حيث أخذ من التراث العربي الكلاسيكي وطوّره بحيث يتمشى مع النقد الغربي وأساليب الكتابة الغربية في عصر الحداثة والعولمة.

ايوب صابر 11-02-2015 11:16 AM

انتهينا بعون الله من رصد المراجعات والقراءات النقدية المنشوره والمتعلقة بقائمة افضل 105 روايات عربية ، وحاولنا خلال هذه العملية قدر الإمكان تحديد العناصر التي صنعت الروعة في هذه الروايات والتي جعلتها ربما تدخل قائمة افضل 105 روايات عربية ولاحظنا خلال هذه الدراسة ضعف القراءة النقدية لكثير من الروايات الواردة في القائمة وغياب شبه كامل لمثل هذه الدراسات لبعضها الاخر وهو ما يؤسف له خاصة اننا نتحدث عن قائمة افضل 105 رواية عربية والتي تشتمل على ظ،ظ*ظ¥ روايات في حقيقة الامر ولا بد ان لذلك اسباب سنحاول معالجتها ضمن تحليل النتائج الإحصائية . لكن العمل في هذه الدراسة لم ينته حيث سأعود ان شاء الله ل:
- اولا لتحليل النتائج الإحصائية للبحث الذي اجريناه سابقا حول العلاقة بين الروعة واليتم ، ثم نحاول في
- خطوة ثانية لتحديد عناصر القوة وخواص أدب الأيتام من بين هذه القائمة.
- وفي بند ثالث سأحاول كتابة خلاصة احدد فيها العناصر التي تصنع الجمال في الكتابة السردية من واقع افضل 105 روايات عربية .
*

ايوب صابر 02-26-2016 07:05 PM

دراسة فرعية حول أدب الأيتام : سمات وخواص أدب الأيتام كما في الروايات للأيتام من ضمن قائمة افضل 105 روايات عربية



اضافة الى ما سبق دعونا لطفا نجري دراسة متخصصة حول شريحة الأيتام من بين كتاب افضل 105 روايات عربية في محاولة لاستكشاف ما يلي :

- ما هي سمات أدب الأيتام ضمن هذه الشريحة؟
- هل هناك عناصر مشتركة تجمع بين الأيتام وأدبهم؟
- هل يمتاز أدب الأيتام عن غيره من الابداع الادبي وما هي جوانب التميز؟
- هل ينزع الأيتام للكتابة السحرية والخيال السحري ؟
- هل يمكن التأكيد او نفي وجود علاقة بين اليتم والقدرة على الابداع في اعلى حالاته ؟
- هل يمكن القول بان اليتم يوفر فرصة اعلى لإبداع نصوص سردية عبقرية متفوقة ؟

ولعمل ذلك دعونا اولا رصد وحشد مميزات ابداعات الكتاب الفائزين ضمن هذه الشريحة والتي سبق ان اشتغلنا على جمعها ثم نحاول ان نجيب على تلك الأسئلة التي طرحناها اعلاه :

*


والقائمة المذكورة تشمل الاسماء التالية وعددهم 13

1- إدوار الخراط يتيم في سن الـ 17.
2- غادة السمان ...يتيمة الام في الصغر.
3- فؤاد التكرلي ....يتيم في سن الـ 15.
4- رشاد ابو شاور ..يتيم الام في سن الـ 5
5- محمد برادة ...يتيم.
6- حليم بركات ....يتيم في سن الـ 10.
7- مونس الرزاز ..يتيم.
8- محمد جبريل ...يتيم الام قبل سن العاشرة.
9- يوسف السباعي ....يتيم.
10- رشيدة بوجدرة....يتيمة.
11- لطيفة الزيات....يتيمة الاب في سن الـ 12.
12- عبد الرحمن منيف ..يتيم الاب في سن الـ 3
13- ليلى عسيران...يتيمة الاب في الطفولة.

=============
======

ايوب صابر 02-26-2016 07:19 PM

سمات الابداع عند أدوار الخراط اول يتيم في القائمة يتيم رقم 1

8- عناصر سر الروعة في رواية "رامة والتنين" لادوار الخراط– مصر:-
- أول ما يستوقف القارئ في هذه الرواية، اللغة التي تشي بامتلاك الكاتب لها.
- لديه قدره على تصوير أحاسيس أبطال روايته من خلال اللغة التي اتقنها.
- في هذه الرواية تتداخل الأزمنة حيث تتداعى أحداث الماضي في تشابك مع اللحظة الحاضرة التي تشكل إطاراً زمنياً للرواية.
- وفي كل هذا يطل الإنسان برغباته ونزعاته وشهواته، حيث لا مفر من البحث عن نهاية يقنع عندها بأنه استنفد كل جهده، وطاقاته.
- الرواية ترصد تفاعلات النفوس الإنسانية التي ذاقت مرارة الهزائم والإنكسارات وتفجرمكامن الخوف في الإنسان الذي تتقاذفه أقداره دون طوق للنجاة يصل به إلى برالأمان.
- يعالج الروائي موضوعة الموت والحياة ويلجأ الى الاستشراف...مثال "واستشرفت أنّه ليس حتى في الموت برء من الوحدة. بعد حياة الوحشة المحكوم بها علينا, نحن نموت. ولا نجد في الموت نجدة. ولا نلتقي فيه بأحد. الموت يطوي الكتاب و يغلقه ويكرس ختمه.
- يمثل إدوار الخراط تيارًا يرفض الواقعية الاجتماعية كما جسّدها نجيب محفوظ في الخمسينات مثلا ولا يرى من حقيقة إلا حقيقة الذات ويرجّح الرؤية الداخلية، وهو أول من نظّر للـ"حساسية[/u] الجديدة[/color]" في مصر بعد1967م.
- اعتبرت أول مجموعة قصصية له (الحيطان العالية) 1959 منعطفًا حاسمًا في القصة العربية إذ ابتعد عن الواقعية السائدة آن ذاك وركّز اهتمامه على وصف خفايا الأرواح المعرَّضة للخيبة واليأس.
- ثم أكدت مجموعته الثانية (ساعات الكبرياء) هذه النزعة إلى رسم شخوص تتخبط في عالم كله ظلم واضطهاد وفساد.
- أما روايته الأولى (رامة والتِنِّين) 1980 فشكّلت حدثًا أدبيًا من الطراز الأول، تبدو على شكل حوار بين رجل وامرأة تختلط فيها عناصرأسطورية ورمزية فرعونية ويونانية وإسلامية.
- ثم أعاد الخراط الكرة بـ(الزمان الآخر) 1985 وبعدد من القصص والروايات (وإن صعب تصنيف هذه النصوص) متحررة من اللاعتبارات الإديولوجية التي كانت سائدة من قبل.
- منح إدوارد الخراط، واحده من اهم الجوائز لمهارته الروائية وتلاحم عناصر تجربته.
-يمتاز بقدرته على التأليف الشعري.
- له حضور جلي في نصوصه المعروفة.
- وهولا يحاكي مذهباً ولا يقلد أحداً.
- تمرس بفن الرواية مبتكراً للأشكال منوعاً فيها، فجاءت بارعة متداخلة ما بين ظاهرها وباطنهاـ
- روايته غنية بحياتها، معنية بروح العصر وبمشكلات المثقفين، وبكل ما يتيح للأدب أن يتجاور مع الواقع دون أن يتخلى عن سعيه إلى تجاوز هذا الواقع نحو عالم أكثر بهاء وحرية وإنسانية.
----
تابع،،،
8- عناصر سر الروعة في رواية "رامة والتنين" لادوار الخراط– مصر:-
-قادر على خلق كائنات حية تتجول داخل النصوص، لتلهمنا تجاربها وتمنحنا المتعة وتستثيرنا لمواجهة الواقع..
- يرى ادورد الخراط نفسه ان كتاباته تتطلب جهد مشترك يبذل هو قسما منه عند الكتابة ويتوقع من القارىء أن يبذل نصيبا من الجهد لتكتمل دائرة العمل ويصبح النص عندها مكتملا.
- يقول انه يشجع القارىء على التفكير وإعمال العقل دون التمسك بالثوابت.. بل عليه الثورة على الثوابت والتعامل دائما مع المتغيرات فلكل شىء جوانب سلبية وإيجابية والأمر يعتمد على الزاوية التى تنظر أنت منها للعمل.
- ويقول "هناك جماليات معينة تحتاج نظرة جديدة وقارئا جديدا".
- يرى انه من الطبيعى جدا أن يظهر بعض التشابه فى كتاباته لأن الكاتب واحد. ولكن مع قليل من التأمل والوعى سوف تجد الفروق والاختلافات والتنوع واضح بالتأكيد. والتكرار هنا ليس استنساخا بل هو تكرار نابع من وحدة الرؤية، وربما من وحدة الأسلوب.
- لكن هذه الوحدة لا تعنى نفى التنوع.. بالعكس الوحدة تشمل التغاير والتنوع. وهذا ما يسمى بالمنطق الجدلى.
- يقول ايضا "لا أتمسك بقوالب معينة.. فخلال عملية الكتابة أترك النص مفتوحا على كل الاحتمالات.. وبالتالى يمكننى أن أستكشف أعماقا جديدة وأبعادا جديدة أضيفها للشخصيات.. أى أن العملية ليست مخططة تخطيطا كاملا منذ البداية. وإلا أصبحت عملية قصدية.
- وفى رأيه أن جمال الفن وصدقه يكمنان فى اكتشاف الجديد حتى بالنسبة للكاتب أوالفنان. أن يكتشف خلال عمله ما كان خافيا عليه في البداية. ما كان يشعر به ويحسه ولكن لا يعرفه بوضوح.
- يرى بأن العمل الفنى يملى قانونه الخاص وليس عليك ككاتب أن تملى قانونك الخاص على العمل الفنى.
- لا يأخذ الواقع بشكل مجرد. وهو يرى بان أى كاتب أو أى فنان يأخذ الواقع ويراه من منظوره الخاص.. ومن خلال رؤيته المستمدة من ثقافته وقراءاته.
- ويرى انه ليس هناك واقع نمطى يمكن أن يراه كل الناس بشكل موحد. كل الفنانين لا يمكن أن يروا الواقع بشكل متطابق أومتشابه. بالعكس التنوع هنا هو الضرورة الأساسية التى تكشف عن جوانب مختلفة من الواقع قد لا يراها القارئ العادى أو الناقد العادى. ولكن الفنان يمكنه أن يجد فى هذا الواقع جوانب مختلفة عن الجوانب التى يراها فنان آخر. وهذه هو قيمة الفن.
- الفن يمكنه أن يستكشف بكارة معينة خفية فى هذا الواقع الذى يبدو نمطيا أو متشابها. وهوطبعا ليس متشابه ولا نمطى بل متنوع ومتعدد الأبعاد والأعماق. وهذا ما يضيف جمالا إلى العمل.
- يكتب بصورة عفوية حيث يقول "انا أتركها عفوية.. أترك الأمور تجرى كما تهوى.. ولذا لا أميل إلى التسجيل أو التوثيق وأترك هذه الأمور لتأتى فى غمار العمل الفنى أو النقدى كما تتطلبه المواصفات الفنية للعمل نفسه.
- يقول "انا مع كتابة الجسد لأنه مقدس وليس مبتذلا لارتباطه بالروح.
- أخرجه القدر من براءة شبابه الأول ليلقى به فى بحر متلاطم من الحياة الشاقة التى بقدر ما أهلكته، بقدر ما خلقت بداخله قوة مختزنة، جعلته قادراً على مواجهة الحياة وترويضها لصالحه.
- ادبه غارق في المصرية.
-تحمل المسئولية بعد وفاة والده أنضجه مبكراً.
- كان مصدر احساسه بأن العالم من حوله ليس عادلاً، بل ظالم، أمرين اثنين:
الامر الاول: فقدانه خالته واخويّ وأختيّ الذين خطفهم الموت على نحو متواتر او متتابع. فالثلاثينات والأربعينات كانت حقبة سيئة وقاسية، عموماً، على الصعيد الصحي، اذ كانت الامراض والاوبئة، كالتيفوئيد، تفتك بالناس فتكاً متمادياً،لعدم توافر الأدوية، خصوصاً المضادات الحيوية.
الأمر الثاني: الذي يلازم الأول ويوازيه في دفعي الى اليسار، كان محنة الظروف المادية وقسوتها. فاليسر والرفاه اللذان عرفهما والدي قبل ازمة 1936 الاقتصادية الخانقة، انقلبا عسراً وضيقاً بعد تلك الأزمة، مما فاقم احساسي بالظلم واللاعدالة.

- كروائي،اعتبر نفسي مؤرخاً لأشواق الروح وأشواك المجتمع.
- لكن التأريخ الاجتماعي وغيرالاجتماعي يحضر في وصفه عنصراً داخلياً في السياق الروائي والمشهد الروائي. وأظن ان التأريخ الحقيقي او الفعلي متضمَّن في الأعمال الروائية.

==
ملاحظة: الكتابة عن الروح والكتابة الاسطورية مؤشر على دماغ يعمل بطاقة هائلة وغالبا ما تؤشر الى ظروف يتم مبكر والم شديد كما هو الحال عند ادوارد الخراط، ولا عجب ان يكون الخراط قد تأثر بجبران خليل جبران صاحب المقولة الشهيرة " اللؤلؤة هيكل بناه الالم حول حبة رمل"..

ايوب صابر 02-26-2016 07:40 PM

سمات الابداع عند اليتيمة رقم 2 من القائمة غادة السمان

10-عناصر الجمال في كوابيس بيروت – لـ غادة السمان

اهم العناصر التي صنعت عبقريتها :
- يتيمة الام في الطفولة المبكرة .
- أصدرت مجموعتها القصصية الأولى "عيناك قدري" في العام 1962 واعتبرت يومها واحدة من الكاتبات النسويات اللواتي ظهرن في تلك الفترة، مثل كوليت خوري وليلى بعلبكي، لكن غادة استمرت واستطاعت ان تقدم أدبا مختلفا ومتميزا خرجت به من الاطار الضيق لمشاكل المرأةوالحركات النسوية إلى افاق اجتماعية ونفسية وإنسانية.

- سافرت غادة إلى أوروبا وتنقلت بين معظم العواصم الاوربية وعملت كمراسلة صحفية لكنها عمدت أيضا إلى اكتشاف العالم وصقل شخصيتها الأدبية بالتعرف على مناهل الأدب والثقافة هناك، وظهر أثر ذلك في مجموعتها الثالثة "ليل الغرباء" عام 1966 التي أظهرت نضجا كبيرا في مسيرتها الأدبية وجعلت كبار النقادآنذاك مثل محمود أمين العالم يعترفون بها وبتميزها.
-كانت هزيمة حزيران 1967 بمثابة صدمة كبيرة لغادة السمان وجيلها،يومها كتبت مقالها الشهير "أحمل عاري إلى لندن"، كانت من القلائل الذين حذروا من استخدام مصطلح "النكسة" وأثره التخديري على الشعب العربي.
عناصر الجمال , والتأثير في اعمالها الادبية خاصة كوابيس بيروت :
- كوابيس بيروت هو واحد من مجموعة الروايات الطويلة للكاتبة السورية غادة السمان، تم إصدار الطبعة الأولى منه في أكتوبر عام 1976 م.
- وهذه الرواية هي مجموعة مذكرات للكاتبة أثناء الحرب الأهلية في لبنان تكتبها مباشرة من قلب الحدث.
- بدأت غادة السمان في كتابة هذه المذكرات ليلة 13 نوفمبر عام 1975 وانتهت من كتابتها في 27 شباط عام 1976 .
- نشرت هذه المذكرات لأول مرة في مسلسلة في إحدى المجلات اللبنانية مع أوائل عام 1976، ولكنها توقفت عن نشرها في آب 1976 اعتبارا من كابوس رقم 160.
- عرضت غادة السمان هذه المذكرات الدامية في شكل سلسلة من الكوابيس، فمثلا كانت تبدأ كل مقطع بعنوان " كابوس 1 " وهكذا دواليك، وكان آخرها كابوس 197، وآخرهاسمي بـ " حلم 1 ".
- يلفت النظر في البداية الإهداء الغير اعتيادي لهذه الرواية الغير اعتيادية، حيث اختارت الكاتبةالسورية غادة السمان إهداءه إلى عمال المطبعة ،الذين يعملون بالخفاء وتحت القصف، دون أن يعرف عنهم أحد ودون أن تدون أسماءهم في الأعمال الأدبية.

- الرواية تسجيل لاحداث واقعية : حيث تبدأ الرواية بالكاتبة وهي تحاول بمساعدة أخيها إخلاء منزلها من النساء والأطفال وأخذهم لمكان " آمن " نسبيا وبعيدا عن القصف، ولكنها ما أن تعود إلى شقتها بعد عملية الإخلاءالناجحة حتى تفاجأ بأن فندق الهوليدي إن، الذي يقف أمام بيتها مباشرة قد تعرض " للاحتال " من قبل المسلحين، وهذا تجد نفسها عالقة في شقتها في قلب الأحداث وفي قلب الطلقات النارية غير مجهزة بالموارد الغذ ائية مع احتمال انقطاع الماء والكهرباءعنها، وتتساءل والحال كذلك عن جدوى الأدب والشعر في هذه الحالة وتتمنى لو أنها تعلمت بعضا من فنون القتال للدفاع عن النفس في مواقف عصيبة كهذه!

- تدور الأحداث بعد ذلك عندما تجد الكاتبة نفسها حبيسة في منزلها مهددة بالخطر الكامن على مقربة منها بالإضافة إلى شح الموارد الغذائية وغيرها..

- تحتوي الرواية كذلك على عدد كبير من المشاهد الخيالية، كرحلة " السيد موت "، ومغامرتها في متجر بائع الحيوانات الأليفة، والجولة الليلة لدمى عرض المتاجر في شارع الحمراء بين ضواحي المدينة، وهذه القصص تحمل الكثير من الرموز الشيقة والمعاني العميقة.... اذا هي تعالج ثنائية الموت والحياة.
- تنتهي الرواية بمجموعة من " مشاريع الكوابيس " بالإضافة إلى الحلم الوحيد فيها لتكتمل هذه اللوحة الفنية الرائعة
- إنها الحرب .... إنها المأساة ... إنها تتاليل مجموعة من الكوابيس ليس إلا باختصار هذا هو كتاب " كوابيس بيروت " للمبدعة السورية " غادة السمان.

- الكاتبة غادة السمان تنقلنا عبر كتابها هذا إلى صميم الوجع البيروتي أيام الحرب الأهلية حيث حياة الرعب واللاتنفس, فالخروج من البيت هو مخاطرة, والوقوف على شرفة أو النظر عبر النافذة هو أمر يجب أن يحسب حسابه ألف مرة .

- كتاب مليء بالوجع اللبناني الذي هو في كثير من وجوهه وجع عربي , فغادة السمان عبر الكوابيس التي تعيشها في بيروت تنقل لنا واقعاً مريراً واقعاً يحمل في طياته مأساة هذه المدينة التي كان قدرها الدمار عبر حرب هي للأسف بيروت.

-الكتاب طويل و لكن يغفر لطول الكتاب هذا الثراء الفاحش المتجلي في كل صفحة لا سيما في الصفحات الخمس والعشرين الأخيرة حيث قدمت غادة السمان في "مشاريعها الكابوسية" بعض أجمل وأقوى ما كتب في اللغة العربية خلال السنوات الأخيرة

- رواية كوابيس بيروت الـ197 ترصد فيها الكاتبة مناخات بيروت عند تفجر أزمة الحرب اللبنانية، كما ترصد أوضاع المثقفين والسياسيين والناس العاديين حيث رائحة البارود والفساد تزكم الأنوف، إذ يمتزج العهر السياسي والمالي والاحتكاري مع العهر الجنسي في بوتقة مناخ فاسد إنسانياً.
- كما تتغلغل في ثنايا وزوايا الحياة اليومية لأفراد عاديين يعيشون حياتهم في زحمة الأحداث غير مكترثين لمصير وطن كامل.
- الرواية تؤرخ لمرحلة عصبية كانت الحرب الأهلية فيها تمزق العلاقات البشرية التي لا جذور حقيقية لها، حيث تلتهم الحرائق كل شيء في هذه المدينة التي رقصت يوماً على إيقاع السقوط القذائف والصواريخ.
----
تابع،،،
10-عناصر الجمال والتأثير في كوابيس بيروت – لـ غادة السمان:
- في عام 1973 أصدرت مجموعتها الرابعة "رحيل المرافئ القديمة" والتي اعتبرها البعض الأهم بين كل مجاميعها حيث قدمت بقالب أدبي بارع المأزق الذي يعيشه المثقف العربي والهوةالسحيقة بين فكره وسلوكه.

- في أواخر عام 1974 أصدرت روايتها "بيروت 75" والتي غاصت فيها بعيدا عن القناع الجميل لسويسرا الشرق إلى حيث القاع المشوه المحتقن، وقالت على لسان عرافة من شخصيات الرواية "أرى الدم.. أرى كثيرا من الدم" وما لبثت أن نشبت الحرب الاهلية بعد بضعة أشهر من صدور الرواية.

- مع روايتيها "كوابيس بيروت " 1977و"ليلة المليار" 1986 تكرست غادة كواحدة من أهم الروائيين والرؤئيات العرب. ويعتبرها بعض النقاد الكاتبة العربية الأهم حتى من نجيب محفوظ.
- رغم وجود الجنس في ادب غادة السمان الا انه يشهد لها انه دوما في خدمة السياق الروائي والبعد الدرامي للشخصيات و لم تنزلق ابدا إلى تقديم ادب اباحي كذلك الذي صارت بعض الكاتبات يكتبنه لاحقا من أجل الشهرة و الرواج. مثال على ذلك ، العجز الجنسي الذي يصيب بطل "ليلة المليار" المثقف هو رمز درامي كثيف لعجز المثقفين العرب عموما في مواجهة ازمات الانظمة و انهيار الحلم العربي الجميل.

- تجمع غادة في اسلوبها الادبي بين تيارالوعي في الكتابة و مقاطع الفيديو- تيب مع نبض شعري مميز خاص بها.

- لا تزال غادة تنتج ، صدرت لها " الرواية المستحيلة: فسيفساء دمشقية" بمثابة سيرة ذاتية عام 1997 ، و سهرة تنكرية للموتى عام 2003 و التي عاد تفيها للتنبوء بأن الاوضاع في لبنان معرضة للانفجار .

- غادة السمان ظاهرة أدبية فذة، تخطت في شهرتها حدود العالم العربي إلىتخوم العالمية، لأنها في أدبها فضّت حجب "التابو" والمحرمات الموروثة من العصورالظلامية القديمة، والتي شكلت قيداً على حرية الإنسان وشلت حركيته الاجتماعيةوالفكرية والمسلكية.

- لقد بنت غادةالسمان على أنقاض ما هدمت مفاهيم جديدة، وأرست منهجاً تقدمياً، تحررياً، إنسانياً، حضارياً، يعيد للإنسان إنسانيته المستلبة، ويكسبه حقيقة كينونته‘‘.

==
ملاحظة : احتوت روايتها نبؤات ولو على لسان العرافة وهذه احدى ميزات ادب الايتام الذين يمتلكون القدرة على الاستشراف والرؤيا المستقبلية وغالبا ما يكتبون بلغة كودية تحمل على معاني مستقبلية.


ايوب صابر 02-26-2016 07:48 PM

اليتيم رقم 3 ضمن القائمة فواد التكرلي

وألان مع عناصر القوة في رواية 13- - الرجع البعيد – فؤادالتكرلي – العراق

-دخل الروائي فؤاد التكرلي عالم الأدب من بعد خبرة طويلة في مجال القضاء،وذاع صيته مع رواية الرجع البعيد التي تعد من قمم الروايات العراقية في عقد الستينات.

-تمركزت روايتة الرجع البعيد حول حياة الطبقة الوسطى في بغداد.
- ثمة ظلال لمحلة باب الشيخ وهي من الأحياء الشهيرة في بغداد في أغلب روايات التكرلي، وهي إما من الطبقات الفقيرة الآخذة في طريقها نحو الطبقة الوسطى أو من أبناء الطبقة الوسطى المنحدرة الى الطبقة الفقيرة مع تلميحات لشخصيات في طريقهالتجاوز الطبقة الوسطى نحو الأرستقراطية وبالعكس.

-يقول فؤاد التكرلي: "اعتقد أن المكان الذي حملته دائماً، وعشت فيه مجازاً حتى اليوم هو محلة "باب الشيخ"، فكل رواياتي وقصصي تقريباً تستند إليه، وحتى حديقته الصغيرة بقيت للآن جزءا من تاريخي الشخصي".

- في خاتم الرمل نحن إزاء بيوتات بغدادية تتغلب على ضجرها بإقامة حفلات البنكو، صالت فخمة، تنزه على الكورنيش،حدائق، بساتين نخيل محاذية للشوارع العامة، تشغيل اسطوانات لشوبان ، نواد وباراتليلية حفلات ومصابيح حمراء وزرقاء تضفي أجواء من البهجة على ليل المدينة ومفردات عديدة كانت في صلب الحياة المدنية البغدادية ، ولا يمكن أن تعود إلا من باب الحنين .

- روايات قليلة، إلا أن مساحة تأثيرها كانت أكبر انها نموذج للروايات الكلاسيكية الحديثة ببنائها.
- الرجع البعيد التي اسست لخطاب روائي حديث .

- كانت مفعمة بالروح والأعراف الشعبية ونكهة كل وجبة وبهاء كل طقس اجتماعي لأهل بغداد العجيبين.

-الرواية ساحرة بسردها المحكم واحداثها المتشابكة وبنائها المعماري ،وبحوارها الصادق والمتنامي باللهجة العراقية الرشيقة وكأنه مكتوب للمسرح اوالسينما.
-
صرح في مقابلة نشرتها مجلة المدى عام 2004 قال كل اعمالي هي ضد السلطة ، ومع ذلك كتبت وانا في العراق وبقيت فيه ..

- ويضيف : ركزت في كتاباتي على المشاكل الحقيقية لدى الشعب العراقي ،ولم اكن أشتم أو احتج بطريقة فجة ،بل اخترت الكتابة العميقة.

- عندما أتوصّل الى الشكل،أبدأ الكتابة فوراً. ويقول فكرة «الرجع البعيد» (1980) جاءتني عام 1963 وبقيت أفكر حتى عام 1969 في كيفية إخراجها فنياً.

- ويقول أنا نادم على الوقت الطويل الذي استغرقته في كتابتها. كان يُمكن اختصار الوقت لو بذلت جهداً أكبر.

- واحد من القلة من الكتاب العراقيين ، الذين انصرفوا لتوثيق تاريخ العراق المعاصر ، قصصيا ، وروائيا ، ومسرحيا

- كل اعماله دعوة الى التمرد على سبئات المجتمع

- التكرلي في تشريحه للمجتمع العراقي ووضعه اليد على معايبه ومشكلاته ، كان أديبا واقعيا صادقا لهذا لم يتعرض لاي مضايقة او ملاحقة، هذا فضلا عن ان السلطة في كل مراحل تاريخ العراق كانت تعرف بان التكرلي ، وهو قاض نبيل ومعروف ، واحد من رجالات القصة والرواية والابداع لذلك لم يكن من الصواب ان تتعرض له لأي سبب من الاسباب ،لا بالعكس كانت تقدره وتضعه في المكان الذي يستحق.

- كتب عنه الناقد الادبي الكبير الاستاذ الدكتور علي جواد الطاهر" فقال : ان التكرلي ليس قصاصا حسب ، انه مثقف في فن القصة ، وفي علمها : قواعدها ،قوانينها ، سماتها .

- أما القاص والروائي (محمد خضير)، فقد قال عند تكريم جريدةالمدى (البغدادية) للتكرلي ، معقبا على بعض أحداث وشخوص روايته ( الوجه الاخر) نحن الان نشم فيه النسمات الاخيرة لشارع الرشيد .

- ولم ينس الروائي (علي بدر) ان يؤكدحقيقة مهمة في ما قدمه التكرلي حين قال : بأن الاجيال القادمة ستتذكر بأن ملامح الشخصية العراقية موجودة في اعمال فؤاد التكرلي.

- كما اشار الناقد والشاعر فاروق سلوم في مقال له منشور على موقع كتابات (الالكتروني) يوم 6 ايلول 2007 الى ان فؤادالتكرلي أصر على النزعة البغدادية المدينية.. مقابل أي اتجاه آخر،

- كان رهانه العالمي على هويته فشخصياته كلها من الواقع العراقي المعاصر الرافض لكل قيد ..

- عدنان ومدحت بطلا روايته ( الرجع البعيد) فهما علامة فارقة لمجتمع متنوع ومتوافق يقبل الفساد .. ويقبل العفة .

-لقد عاصر التكرلي اجيالا من السياسيين ، وشهد تقلبات العراق السياسية ، لحقب ثكلى ومحملة بالاسى .. وكان مسؤولا في قاعة المحكمة عن الظلم والمظلومين ، لكنه ظل ، يقول سلوم ، يريد كشف جوهر الصراع ، وخباياه النفسية والاجتماعية والتربوية ، ويلتقط الباحث (كرم نعمة ) الخيط في موقع جريدة البينة (2005) ليقرأ بعضا مما جاء في ( المسرات والاوجاع) ، هذه الرواية التي وصفها الناقد (صبري حافظ )بانها (رواية العصر الكبرى) .
-قائلا : انه عندما نستذكر بطل هذه الرواية في الخاتمة، وقد نزل عليه مبلغ هائل من المال ،وهو يتجول في الكرادة ،ويقتني قطعة حلوى ...نشعر لان المكان في ذاكرة التكرلي قائم ومخلص لعراقيته.

-أما (اسماعيل زاير ) الناقد والصحفي المعروف ، فأكد في تقديمه لملف كامل عن التكرلي نشرته جريدة الصباح الجديد في عددها الصادر يوم (10 ايلول 2007) : ان التكرلي من أفضل وأجمل تعبيرات الذات العراقية الحرة والمنطلقة على هواها وبما تمليه سجيتها .

-قال الناقد (ماجد السامرائي )في حوار له مع التكرلي نشرته الحياة (البيروتية) يوم 26 تشرين الاول 2003: ان الرؤية الاجتماعيةالواقعية هي التي أطرت ادب التكرلي القصصي والروائي والمسرحي كما انها كانت دافعالاحداث التنوع فيه.

-أما الناقد( ناطق خلوصي )فكتب مقالة بعنوان : مدرسةالتكرلي في الابداع منشورة على موقع قناة الشرقية ( الفضائية) جاء فيها ان التكرل يأول من تناول موضوعة الجنس في روايته تناولا مباشرا وصريحا احيانا ، مع أن الاقترابمن هذه الموضوعة كان يصطدم بالمحرمات الدينية والأخلاقية والاجتماعية .. ويقينا [u]انه استفاد من عمله ، كقاض ومن هنا فان تعامله مع شخصياته ، كان تعاملا وفق منظور نفسيـ اجتماعي[/u] ..

-فهو يعطي للعوامل والظروف الاجتماعية والاقتصادية ما تستحقه من اهتمام .

-كما يسعى للتوغل في أعماق الشخصيات .. ويضيف( خلوصي ) .

-الى ذلك قوله ان التكرلي في مجمل أعماله الروائية كان يحرص على تقديم استقراء لتاريخ العراق المعاصروخاصة في ال50 سنة الاخيرة ..

-ويبدو ان التكرلي ، وهو ابن الطبقة الوسطى ، مع أنه عد يساريا في افكاره ، كان على علم ببواطن وخفايا واسرار هذه الطبقة لهذا حرص على اختيار شخصياته منها مع رغبة متناهية في ادانة كل انواع الظلم الاجتماعي ، والسياسي، والاقتصادي .

-كان التكرلي يعد كتابة الرواية عملية غامضة وممتعة ، ومحاطةبالمعاناة، والحرية الداخلية ، بنظره ، تطلق طاقة الابداع .

-ويضع الناقدوالشاعر (ياسين طه حافظ )، فؤاد التكرلي ضمن سياق زمنه وعصره ، فيقول : ( ان فؤادا، وقد بلغ الثمانين من العمر طوى عصورا ثقافية ، وازمنة انسانية وهو يتابع حركةالانسان وعذاباته في طريق الشمس . ويضيف : فؤاد كاتب كبير فنا ، وفؤاد قبل هذاوبعده انسان اخلاقي كبير .

- أما الناقد( جمال كريم ) :فيؤكد في الملف انف الذكر ان التكرلي وثق للمكان والاحداث في حقب جد مهمة وشائكة في تاريخ العراق المعاصر السياسي والاجتماعي ولكن من وجهة نظر روائي محايد ومتمكن من أدوات فنه السردي .

-ويضرب على ذلك مثلا فيضيف إلى ذلك قوله انه في مرحلة ما بعد ثورة 14 تموز 1958 ، وما خلفت من تداعيات على صعد حياة المجتمع العراقي آنذاك ، بل وما رافقها من صراعات سياسية على دفة الحكم وخزائن الثروة ، فالأحداث والشخصيات المحورية ، بمختلف انتماءاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية تتحرك على فضاءات مكانية عراقية وخاصة في بغداد العاصمة وضمن جغرافية الاحياء (المحلات ) الشعبية ومنها محلة باب الشيخ وما يتبعها من ازقة أو شارع الكفاح (غازي )وما يتماس أو يتقاطع معه من شوارع ،يحاول التكرلي ، تبعا لخصوصية هذه الامكنة، من حيث المشكلات الاجتماعية ومستويات الفقر،وعمق معاناتها ،وحدة صراعاتها ،ان يتعامل معها بمنتهى الواقعية.

- اعتبره البعض الصوت الحقيقي للمجتمع العراقي الحديث.

- كان له أسلوبه الخاص.

- الرواية تصور حياة العراق من خلال عيون عائلة كانت تعيش في حقبة الاضطراب السياسي وحتى الانقلاب على عبد الكريم قاسم.

ايوب صابر 02-26-2016 07:56 PM

وألان مع عناصر القوة في رواية 13- - الرجع البعيد – فؤادالتكرلي – العراق

- يتفق الكثير من النقاد على اعتبار أدب التكرلي أدبا اجتماعيا سياسيا يهتم بالإنسان في محيطه السياسي الاجتماعي، ويمنح الاهتمام لسيكولوجيته الاجتماعية، لكنه من زاوية أكثر شمولا، يعد ادبا تاريخيا لقسم من تاريخ العراق المعاصر.

- عن جيله تحدث التكرلي ذات مرة فقال إنهم يشكلون "حزمة واحدة متكاملة، يتشابهون في التعبير الواقعي عن المجتمع" لكنه يشعر أنه مختلف عنهم فيما يتعلق بالتعبير عن الفرد.

- ويمضي موضحا: " نشترك برسم لوحة بانورامية واسعة لمجتمع تلك الفترة.
- في "الرجع البعيد" صدى يستدعيك لاجتياز تخدم الوجدان العراقي، التغلغل فيه عبارات، كلمات، ومشاهد تصبح من خلالها واحداً من الأسرة العراقية التي اختارها فؤاد التكرلي لتكون وقائع حياتها محور روائية.
- يصدر من خلالها الواقع الحياتي العراقي بكل أبعاده الاجتماعية السياسية الاقتصادية...
- رواية لم تقف على أعتاب الكلمات، بل تجاوزتها لتقف على أعتاب الإحساس الإنساني المتفاعل مع محيطه أينما كان وحيثما كان.
- التكرلي صاحب الكم الأكبر في الإنتاج الروائي العراقي في هذا المجال غزارة الانتاج ( الرجع البعيد، خاتم الرمل، المسرّات والأوجاع)، فإنه صاحب السبق في مجال الريادةعلى المستوى العربي، كما أشار إلى ذلك الناقد الراحل «د. عبد الإله أحمد» في كتابه «الأدب القصصي في العراق»
----
وألان مع عناصر القوة في رواية 13- - الرجع البعيد – فؤادالتكرلي – العراق
- ادبه مرتبط في مكان طفولته على شاكلة ابرهمي الكوني على الرغم انه رحل عنه والمكان هومحلة "باب الشيخ" حيث يقول عنها ( محلة باب الشيخ مسكونة في نفسي لحد اليوم، وقد تجاوز عمري الثمانين، مسكونة في حياتي كلها، بمعنى أني ما زلت عائشا فيها رغم مغادرتي لها، وقد كتبت عنها وأنا بعيدعنها، كانت هاجسي الأول والأخير في التعبير عما يشبه رمزها، وجذرها المعنوي في نفسي(.

- ويقول لقد كتبت " الرجع البعيد" بدءاً من مكان بيتنا القديم، أنك عندما تختارالمكان فإنك تختار، ضمنه أو معه، عناصر كثيرة: الشخصيات ، المشاكل التي يعيشونها ،الأحداث التي تمر من خلالهم .. وهو يشكل أهم عناصر الرواية أوالقصة.

- عندما ولدت كان أبي في الرابعة والستين، وحين أصبح عمري 6 سنوات كان قد اقترب أبي من السبعين ، تلك كانت مفارقة، وكان عندي خشية من المستقبل، فقد شعرت أن الحياة أوقعتني بين عجوزين : والدي الهرم وبيتنا القديم ، وقد كان والدي يدللني ويحبني كثيراً، وكان احساسي أن هذا الوضع لن يدوم لفترة طويلة.
- كنت الأصغر في الأسرة، وأبي متزوج من اثنتين، أنجب من الأولى أخوين لي، ثم تزوج والدتي عام 1902 لكنها لم تنجب إلا بعد عشرين عاماً، ولذلك فان الفارق بيننا نحن وبين أخوتنا من الأولى يصل لأكثر من 30 عاماً ، تلك كانت مفارقة أخرى ..

- المفارقة الثالثة أنني وجدت نفسي وسط عائلة كبيرة ، أنا وأخي نهاد ، وشقيقتان وأمي، وجدتي وآخرون من أقارب قريبين ،بعبارة أخرى أن البيت كان مليئاً بالبشر، وكان والدي قد تقاعد من عمله كمأمور كمركفي العهد العثماني، وبراتب بسيط 5-6 دنانير شهرياً ،ومعيشتنا كانت أقل من متوسطة، لكنني لم أكن أشعر وأنا صغير بالمشاكل المالية التي تواجهها الأسرة ، على العكس كنت أحس أحياناً برفاهية غريبة.
- لكن عندما بدأت الحرب العالمية الثانية أخذت حياتنا تضيق شيئا فشيئا , وحين توفي والدي عام 1942 ضربنا سيف الفقر والحرمان كثيرا.( توفي والده وعمره 15 سنة).
- حسب آخر مقابلة له لقد كشف التكرلي بوضوح عن سر عبقريته الادبية فهو هذا الطفل الذي يولد لاب في عمر الرابعة والستين بعد عشرين عام زواج ، كان الموت ينتظر على الباب في تصور التكرلي الطفل يترصد والده، وكانت الحياة اقرب الى العدم وعندما سقط الوالد وعمر الولد 15 عاما ،اصبحت الحياة اكثر قساوة فصهره البؤس كما صهر غيره من المبدعين، وليس من الغريبوالحال كذلك ان تكون اول روايه " بصقه في وجه الحياة".
- التكرلي يتيم في سن الخامسة عشرة.
ح

ايوب صابر 02-26-2016 08:53 PM

اليتيم رقم 4 رشاد ابو شاور

العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشادأبوشاور فلسطين

- اهم الاحداث التي اثرت في طفولة رشاد ابو شاور يتيم الام في سن 5 سنوات.
- رواية العشاق في مختصرها تنقل صورة التشرد الفلسطيني منذالعام 1948 حتى مطلع السبعينات، خاصة تلك الصورة القاتمة للغاية التي أعقبت نكسة أو نكبة 1967 وما حل بفلسطينيي المخيمات من مصائب وكوارث.
- الحب الصافي والنقي والحقيقي يواكب أحداث الرواية بين محمود وندى اللذين يخططان مستقبلهما رغم كل الصعاب والمتاعب.
- نجح ابو شاور في تجنيد الحدث التاريخي لتثبيت الحدث أولاً ثم لاستخدامه في بناء الرواية.
- يُكثر أبوشاور من استخدام أسماء المواقع التاريخية والجغرافية في روايته هذه. ويحاول أن يورد أكبر قدر منها، خاصة في كل ما له علاقة بمنطقة أريحا.
- لا يفارق المكان موقعه المركزي في الرواية، ويكثر أبوشاور من ذكر أسماء الأماكن التي لها صلة مباشرة أوغير مباشرة بأحداث الرواية، وكلها مرتبطة زمنيا ومكانيا بتاريخ القضية الفلسطينية وتطوراتها ، خاصة في الفترة الزمنية التي تدور حولها أحداث الرواية.
- هذه الرواية تحمل مخزونا تاريخيا غنيا.

- عرف واضعها كيفية الاستفادة من هذا المخزون لتجنيده لصالح أحداث الرواية بصورة واقعية للغاية.

- فهو يؤرخ بأسلوب روائي وقفات أو محطات من التاريخ الفلسطيني منذ عام النكبة 1948 إلى عام النكسة(وهي نكبة ايضا) في العام 1967، وكيف تعامل معها الفلسطيني والعربي كل من منطلق رؤيته ومصلحته.

- والأهم بالنسبة لرشاد أبو شاور ما تركته هذه النكبات في عمق التاريخ الفلسطيني من متغيرات على الساحة الحياتية والنضالية.

- رواية " العشّاق" تحمل في جنباتها ملامح من حياة وتشرد كاتبها الروائي رشاد أبو شاور، وتنقل صورًا لما حل بالشعب الفلسطيني من مصائب وويلات على مر الفترة الزمنية التي تدور فيهاأحداث الرواية، أي من العام 1948 إلى مطلع السبعينات.

- رواية " العشاق" درس من دروس التاريخ الفلسطيني والعربي كونها تضع القارئ أمام تحديات الماضي برؤية الواقع المعاش بكل مركباته وعناصره.

العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين
- رواية حقيقية، مقترنة بوعي ودراية فنية .
- روايات ابو شاور ناجحه فنيا حيث ينبني المكان بجميع ما يشترك في صنعه المتكامل بين جغرافيا وتاريخ وحضارة وثقافة وأحداث، في قلبها فعل إنساني متواتر ومتموج، حيث يتخلق الكائن المتشرّب بدوره لعناصر التكوين هذه، إضافة إلى خصوصيته الذاتية عندما يسبغها على محيطه، في حالي التجانس والمفارقة، القرب والبعد، بالاستيطان وبالطرد، أيضا.
- متن روايات ابو شاور غن يومتنوع.
- روايات الكاتب، ومجاميعه القصصية الوفيرة، أيضا، غير المعتمدة، قلّأن تنزاح في الغالب عن اشتغال منظوره، أداءاته الحكائية الفريدة والمتجددة من نص إلى آخر، تجدد العوالم بناء عالمه الروائي، حتى ولو ظهر أنها تتخذ تيمة واحدة،القضية الفلسطينية بمهيمناتها وأبعادها المختلفة، بين ماض وحاضر، وعلى امتدادها فيصنع أفق المنفى المديد.
- تعتمد رواية 'العشاق' أول شيء على دعم مقولة الجغرافياالروائية، حيث يستطيع نص مفرد، قابل للتناسل،أن يصنع خريطته الخاصة به، يستعير بكل تأكيد خطوطها العامة من الخريطة الحقيقية،ليحوّرها فتنتقل إلى درجات من التحويل في الصور، والتوليد في الدلالة حسب محافل السرد ومقامات الخطاب.
- نجد رشاد أبو شاور وهو صانع الجغرافيا الملائمة لتحركات عشاقه حريصا على إقامة أكبر قدر من التوازن بين إقامة الموضوع (= القضية) وإقامةالذات (= أشجانها) .
- في 'العشاق'تستهل الرواية بتقديم المكان، بوصفه الرُّكح الذي ستدور فوقه أحداثها والتعريف به من نواح مختلفة، وهو يأخذ عنوان 'مدينة القمر' وصفا لمدينة 'أريحا' الفلسطينية قبل أن تتعرض للاحتلال. ا
- للافت أن هناك كاتبا ينضم إلى الروائي ـ هو ذاته ـ للقيام بالتعريف بالصيغ التاريخية، بدءا من الألف الثالث قبل الميلاد، وصولا إلى نكبة 1948، ومنها إلى عشية حرب 1967 أو نكستها، حسب التسمية.
- بين هذه المراحل الثلاث نحن مع مدينة عاشت العز والصمود وتناوبت عليهاالأهوال، وابتلى الدهر ساكنيها باختبار الغزاة والنفي والتشرد، كما بمغالبة الأيام وغش الوطن والاستسلام لمكر الأجنبي أو التعامل معه، في مواجهة إرادة صابرة، يقينية البطولة
- وإذا كان هذا هوالإطار العام، فإن أرض الرواية هي الفضاء الذي يحيا فيه أبطالها، شخصيتها، بتعدد منازعهم وسلوكهم، وهم جميعهم عشاق، كل على طريقته، بمن فيهم عتاة المجرمين أحيانا،
==
- تمكن ابو شاور من تحويل الأرض إلى شخصية مركزية هي أم الشخصيات، حاضنتها، مناط صراعها على امتدادالفعل والتحولات روائيا، ونحت ملامحها تاريخيا وأسطوريا،ووجدانيا، ثم وشم جلدها بكل حوادث الدهر، فهي ذاكرة وحياة وجرح بلغاتها الخاصة ضمن اللغة العامة؛ إن الأرض تتكلم هنا فلسطينيا بنبرتها واحتفاليتها، السرد الفني مؤهل أكثر من أي جنس غيره لتصعيده.

- كما تمكن من تحويل هذاالسرد، بالتبعية، إلى محفل واسع ومتنوع بالمشاهد والصور واللقطات، إذ يتم بواسطتها رسم الصورة البانوراميةللمجتمع، وهي نمطية، أيضا، فاحتفاليتها، كمايرصدها أبو شاور وحده، تضفي عليها ميسم الخصوصية، وبالتالي تفردها وهي تؤسسها أولا بأول.

- تمكن ابو شاور من تخير أبرز وأنجع أدوات روائي 'عاشق'، من خلال اتخاذه لأسلوب سردي بالوسع القول اقتداره عليه وتميزه فيه دون أقرانه ومجايليه، وقلّ من يضاهيه فيه، وهو اعتماده ألوانا وتنويعات في الحكي، فيما تعلن عن دربة لدى صاحبها على إحكام السرد، تعلن تطويعه له وترويضه ليصبح الفضاء وأهله وطباعهم وأشجانهم وأشياء بيئتهم، هذا كله وسواه مرويا، مبسطا ومُبدّها، منبثقا من لسان الأرض الأم، على لسان أبنائهاالعاشقين لها، بسلاسة وطلاقة وتلقائية كالمجرىالذي يغتسل فيه ناس المخيم، والنكتة التي يصنعها الخلاليلة (أهل الخليل)عنأنفسهم، والأغنية الشعبية والمثل السائر، والظُّرف المحلي،والنادرة، مع عناصر أخرى لا تنتمي ضرورة إلى البنية السرديةبقدر ما تنوب عن وظيفتها.

- فإن نحن أضفناإلى الخصائص الثلاث المذكورة ما أكدناه من كون الأرض تحوز قيمة مركزية في هذا العمل بوصفها تتجلى جغرافيا روائيةناهضة على جغرافيا طبيعية وتاريخية ووجدانية،منها تتغذى، وجدنا عندئذ أننا إزاء نصوص تتضاعف في شكل تركيب يحتاج في كل مرة أن يُستقرأ ويكتشف في شكل إعادة رسم ورصد بأدوات التلقي النقدية المختلفة، وهو مالا يتأتى إلا مع التجارب الأدبية القمينة بالتسمية، وتجربة أبو شاور الروائية في قلبها.

- هي بالإضافة إلى ما سبق تجربة تبين لمن يتواصلون مع العمل الأدبي بأنه وهو يقتضي باعه الفني اللازم يحتاج قبل ذلك إلى إيمان مخلص بقصديته وقضيته، وهنا تتلازم الصنعة مع القضية في تناغم حميم يذكرنا بأهمية الأدب في الدفاع عن حق الإنسان الدائم في كل ما يصون كينونته وكرامته.
=================
العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين
- لحق والده عام 1958 الى دمشق وأقام فيها، وهناك بدأت رحلته معالادب والثقافة والسياسة حيث بدأ يكتب قصصاً قصيرة ، وكانت قصته الاولى عن مجزرةدير ياسين ، ثم طور ادواته الفنية واسلوبه الكتابي ، فكتب عن الانسان الفلسطينيالمشرد والمقاتل من أجل وطن وهوية.
- واتسمت قصصه بالغموض احياناً والاحساس بالنفي والاغتراب والبحث عن الذات الفلسطينية.
- وكانت القصة الاولى التي نشرها رشاد بعنوان "احذية الآخرين" في صحيفة "الجهاد" الصادرة آنذاك في القدس .
- بدأت مسيرته الحقيقية مع القص الروائي والفكر السياسي في عمان بعد هزيمة 1967 حيث هاجر اليها من اريحا، وظهرت قصصه في"الآداب" اللبنانية ، وأصدر مجموعة من الروايات والقصص .
- في مجمل اعماله الروائية والقصصية يحكي رشاد ابو شاور قصة نضال الشعب الفلسطيني من اجل نيل الحرية والاستقلال، ويصف الإباء والعزة والمقاومة الفلسطينية الباسلة.
- وما يشد القارئ في قصصه ورواياته فيشدنا التساوق والتلاحم والرصانة والصدق والقدرة على استشفاف وملامسة الواقع واستلهامه له.
- رشاد ابو شاور بارع في الوصف التفصيلي لمعاناة شعبه من القهر والظلم والم الغربة وكفاحه مناجل الكرامة والحرية.
---
العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين
- تعتبر رواية (العشاق) عند البعض وأحدة من أهم الأعمال في الأدب الفلسطيني لفترة ما بعد النكبة،
- مجموعة (الموت غناء) تضم أربعا وعشرين قصة قصيرة، تتحدث كلهاعن الإنسان البسيط الفقير المقهور وما يعانيه ويواجهه في عالم تسود فيه القوةبمعناها الواسع، ويستشري فيه الخوف والتسلط والفساد.
- لكن نصف هذه المجموعةتدور أحداثها بشكل أو بآخر حول (الموت)، ليس فقط كمصير محتوم للإنسان يأتي في نهايةالعمر، بل كـ واقعة تراجيدية تعايشه العمر كله، قبل أن يصل إلي النهاية المحتومة.
- في هذه القصص يصور ابو شاورالموت على انه مأزق وجودي بالنسبة للإنسان منذ وجد الإنسان، وطالما توقف أمامه الأدباءوالفنانون والفلاسفة إلي جانب الأديان، ودائما وجد الإنسان نفسه عاجزا في مواجهته
- . ولعل كل ما يفعله الإنسان في حياته، وتحت أي عنوان كان، لا يزيد عن كونه محاولةفاشلة للابتعاد عن التفكير في هذا المأزق، وتلهيا عن واقعة الموت التي لا مفر منها
- وفي هذه القصص جميعا، يعايش شخوصها الموت بطريقة أو أخري في خط مواز لكل ما يفعلون.
- تراه يعشش في حيواتهم ويلونها ألوانا شتي، يدفعهم للدفاع مرة وللهجوم أخري دون جدوي، يتربص بهم في كل حركة من حركاتهم وكل سكنة من سكناتهم، حتي عندما ينامون!
- ذلك هو الوجه الآخر لرشاد أبو شاور. من يعرف رشاد من الخارج،يجده إنسانا ضحوكا دائم الابتسام، مرحا يحب النكتة فتسير علي لسانه دون عناء، صاحب بديهة حاضرة تلعب علي الأفكار والألفاظ تستخرج منها النكتة بمناسبة وبدونها بحيث يبدو له أنه لا يعير اهتماما إلا للحياة وبوصفها مساحة للنزال.
- لكنه من الداخل وفي العمق، وكما تبدي لي في قصص هذه المجموعة، إنسان حزين غارق في حزنه حتي الثمالة،وهو ما يفسر لي لماذا تأتي النكته علي لسانه، في حالات كثيرة، أقرب إلي السخرية شديدة المرارة، ونوعا من الكوميديا السوداء، حتي في أكثر حالاته فرحا.
- فرشاد يقلقه جدا، بل يخيفه ويحيره الموت الذي لا يجد له تفسيرا، رغم ما هو عليه من إيمان.
- ولهذاأري أنه كان منطقيا وطبيعيا جدا، بل أكاد أقول حتميا، أن تحمل هذه المجموعة القصصية عنوان
الموت غناء ، وكأنه يريد أن يقول إن الموت موجود في أصل الفرح الذي هو لحظة عابرة في حياة الإنسان، وربما أراد القول: حتي الغناء هو شكل من أشكال الموت!
--
العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين
- يقول ابوشاور على غلاف مجموعة ( الموت غناء) ... دائما كنت علي قناعة بأن القصة القصيرة فن ممتع يلتقط التفاصيل ويتعامل مع الزمن والنفس الإنسانية، في لحظةحاسمة، وأنها فن الحكاية المركزة والمقطرة... .
- هذه القناعة لدي رشاد أبو شاور عن القصة القصيرة تسود تماما بحرفيتها في قصص الموت غناء ، حيث نجد الحكاية دائما، وحيث يتحكم السرد بشكل القصة، فدائما هناك الراوي الذي يروي الحكاية.
- أما التفاصيل، بل وتفاصيل التفاصيل، فهي ما تتركز عليه عينا المؤلف لينسج منها ما يسميه اللحظةالحاسمة التي تكشف عن نفسها بعفوية أحيانا، وبطريقة مرسومة أحيانا أخري، لترسم تداعيات تلك اللحظة علي النفس الإنسانية التي هي دائما، مرة أخري، موضوع قصص رشاد أبو شاور، حتي عندما يبدو أن تلك القصص لها هدف آخر غير تلك النفس.
- يفتتح رشاد أبو شاور مجموعته بقصة يا دنيا ... ولم يكن ذلك اعتباطا، بل علي الأرجح أنها كانت افتتاحية مقصودة تكشف عن مكنونات نفسه، وما يعتمل فيها من خوف وحيرة، وربما عبثية!
- القصة رمزية بامتياز، حيث لم تستطع كل المعطيات و التفاصيل الواقعية أن تغطي علي رمزيتها الواضحة.
- تعرض القصة لحظة البداية لدخول رجل غريب إلي مدينة حيث تقع عيناه فيها علي امرأة فاتنة، يتبعها ليجد نفسه في نهاية المطاف وحيدا في صحراء قاحلة متعبا ومرهقا ويائسا.
- فالمدينة ترمز إلي حياة الإنسان في هذا العالم، لها بابان (الولادة والموت)، يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر.
- وتتم المقايسة بين الدنيا والمرأة الفاتنة اللعوب، وما تمثله وما تنطوي عليه من خداع للإنسان.
- وفيها نجد رأي أبو شاور بالدنيا، رأياً هو أقرب إلي الصورة المتكونة عنه، وهو أنه لا يجب علي الإنسان أن يأخذها علي محمل الجد، حيث جاء علي لسان أحد شخصيات القصة وهو يصف الغريب الذي صدق أن المرأة عشقته، قوله: يبدو أنه غشيم، لقد أخذها المسكين جدا !
================

ايوب صابر 02-26-2016 09:09 PM

تابع

العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين

- لجأ أبو شاور إلي تنويعة من المفارقات والحيل جعلت السخرية المرة، التي سبق وأشرت إليها، هي الجو السائد في هذه القصص.

- الجزء الثالث من قصص المجموعة كانت عبارة عن لقطات إنسانيةتكشف عن جانب مهم من إنسانية الكاتب، كما في قصة نصف رغيف ناشف ، التي تتحدث عنطالب فقير يحاول مداراة فقره عن العيون.


العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين
- لكن أي عشـاق هؤلاء؟ وأي معشـوقة تلك؟ سرعان ما نكتشف من أولى اسطر الرواية أنهم عشاق الأرض الفلسطينية الذين تماهوا وتشبثوا بهذه الحبيبة الغالية. وتكبدوا لهيب هذا العشق في أقدم مدن التاريخ "أريحـا".
- تنفرش الرواية على ثلاثة أقسام منفصلة شكليا ومتداخلة فنياً لتشكل في مجموعها 281 صفحة، هي مجموع صفحاتها من الحجم المتوسط الكبير. ويحتل عنوان "مدينـة القمـر"، اسم القسم الأول منها الذي يتفرع عنه سبعة عشر جزءا مرقما من 1 إلى 17. يبدأ في الصفحة 33، وينتهي عند الصفحة 142، مكونا بذلك أكبر أقسامها. ويتقدم هذا القسم سبع عشرة صفحة تعد بمثابة مقدمة وتمهيد لديناميكية السرد في للرواية.
- " في الألـف الأول بنـيت أريحـا". عبارة استهلالية تفتح بها الرواية أبوابها على أقدم مدينة في التاريخ. ويأخذنا أبو شاور من يدنا لنجول معه وكأنه دليل سياحي ليطلعنا على هذه المدينة العريقة. بل نكاد نسمع صوته وهو يقص على مسامعنا معلومات تاريخية وطريفة.
-.
- أما القسم الثاني من الرواية فيحمل اسم "الحـرب: القسـم الأول". وقد قُسَّم هذا القسم إلى ثمانية أجزاء. يبدأ من الصفحة 144 وينتهي عند الصفحة 182. وفيه نتعرف على استعدادات حرب 1967. فتطل علينا أم كلثوم بأغنيتها الوطنية:

- وفي هذا القسم نستجلي ضعف الجيوش العربية المشاركة في هذه الحرب. فالجيش المصري لا يعرف جغرافية البلاد. والجيش الأردني انقطع عن جنوده الطعام في أولى أيام الحرب. فينتهي هذا القسم بالهزيمة، واحتلال الضفة، ومرتفعات الجولان، وقطاع غزة. ويصبح أهل فلسطين في زنزانة واحدة تضمهم بعد أن تقطّعت أوصالهم تسعة عشر عاما من الاحتلال الأول لأراضيهم عام 1948.
- وتستمر وقع أحداث النكسة إلى القسم الثاني من الرواية الذي يبدأ من الصفحة 148 إلى الصفحة 281.
- وفيه تتبلور حركة الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال برفض الذل والاستكانة. فيبدأ العمل الفدائي والسعي من أجل خلاص فلسطين وإعادة أبناءها إليها.
- وعند تتبعنا للحدث السردي في الرواية، نلاحظ أنه يبدأ من نقطة مغلقة، يتسع شيئاً فشيئاً، حتى يصل إلى ما لا نهاية.
- فالرواية تبدأ من أريحا، تتسع مروراً بحرب الأيام الستة، وتنتهي إلى ما لا نهاية ممثلة بالأمل، وفعل المقاومة الذي وُلد بعد هذه الهزيمة.
- تحمل اللوحة النهائية في الرواية دلالات عدة. فارتباط محمود وندى بالزواج ورغبة الأب بإنجابهما الكثير من الأطفال، تشبه الارتباط والزواج الروحي الذي تم بين شطري فلسطين المحتل احتلت عام 48، والتي احتلت بعد حرب 67.

العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين

- تشغل الأبعاد السياسية في رواية "العشــاق" جانباً مهماً. بل نجزم القول أنها تؤرخ لهزيمة 1967. وتبين الظروف السياسية التي فُرضت على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع قبل هذه الهزيمة. إذ تفضح الشخصيات الروائية من خلال أحداث الرواية أسباب النكسة. ولا تقف عند هذا فحسب، بل وتفندها إلى 3 أقسام رئيسة.
- وهنا يترك أبو شاور لشخصياته العنان لتكشف عن هذه الأسباب
- تعج رواية "العشــاق" بالشخصيات، وتتحرك بين دفتي الرواية بطقوس كرنفالية مهرجانية تضبط إيقاعها شخصية الأستاذ محمود، الذي يمثل مركز الرواية وثقلها، وترتبط به وكأنها فتات الحديد في حقل جاذبيته. لكن من هو الأستاذ محمود الذي يقود دفة الشخصيات في الرواية؟
- يشي اسم الأستاذ محمود بمهنته. فهو أستاذ للغة العربية في مدرسة الوكالة في المخيم. سجن لأنه كان يحرض الطلاب ضد الحكومة.
- "ما كنا نستطيع فعل شيء العين بصيرة واليد قصيرة، لنفرض أنك حرضت الطلبة على الاضطراب. لماذا حرضتهم؟ لأن وطنهم امتهن. والمواطن أذل على يد الغاصبين، ماذا في ذلك؟ ص80
- اغتيل والده عباس عام1955 على أيدي حرس الحدود الأردني عندما كان طفلاً صغيراً. " والدنا الذي اغتاله حرس الحدود الأردني، وهو يعود من الأرض بعد أن قاتل مع رفاق له ضد الاحتلال" ص82.

العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين

- تتوزع الشخصيات الدينية في الرواية على أربعة شخصيات محورية هي : الشخصيات الإسلامية. ممثلةً بالشيخ أبو نعمان. والشخصيات المسيحية ممثلةً بالأب حنا والأب الياس. والشخصيات اليهودية ممثلةً بداوود. وتضفي هذه الشخصيات المِسحة الدينية على الرواية. ونلاحظ أن دخول هذه الشخصيات ليس من قبيل المصادفة، بل هي تأكيد على دورها الذي لعبته أثناء نكبة الفلسطينيين. فالشيخ أبو نعمان فقد زوجته وأولاده في حرب 48، يعمل مؤذناً لجامع مخيم النويعمة وناطورا لمخازن أغذية الاونروا التي كانت تصرف المؤن للاجئين الفلسطينيين. فكان لحسِّه الوطني وخوفه على لقمة الطعام للأطفال الفلسطينيين، انه اكتشف العملاء والجواسيس الذين طالت أيديهم مؤن الاونروا. فكان نصيبه تهشيم رأسه وضربه وفي النهاية قتله.
- "الشيخ أبو نعمان، لقد هاجمه مجهولون ليلة أول أمس وانهالو العصي على رأسه... ضربوه لأنه يحرس مخازن توزيع مؤن الوكالة، إنه يراقبهم بحزم، لقد رفض أكثر من مرة أن يسمح لهم بإخراج المسروقات" ص 60 " اليوم الجمعة، قلت أروح واصلي مع خالك ابو نعمان... رحنا إلى المسجد. كنت أنا داخل المسجد أصغي لآذانه حين دوى الرصاص، تمددت على الأرض، وبعد قليل انقطع الرصاص، فنهضت وركضت بلا وعي ... فرأيت خالك وقد سقط عن المئذنة والدم يبلله، وجسده ساكن بلا حراك" ص 264.

العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين

- يحمل مصطلح المفارقة في طياته معانٍ عدة. كالسخرية، الغمز، الهزء، اللذع، والقبض على التناقض، الهجوم على المستقر الراكد، خرق السنن، قلب الدلالات، وأخيرا تجريد الخصم من المميزات بطريقة هزلية. وحين نعيد النظر في "العشـاق" نجد أن مظاهر المفارقة بادية في كل شيء. في الشخصيات، في الموقف، وفي وصف الأحداث.

- وهذا ما يشيع روح السخرية في عروقها، وما يفتح من فكاهة سوداء ترفع من نبض النص الروائي، فتترك وراءها أسئلة وأسئلة قائمة في النفس بحثاً عن المعنى المقصود.
- ويقلب السرد عند أبو شاور ذلك النفس الفكاهي في الجمع بين النقائض حيناً، والانتقال المفاجئ بين حالتين لا تنتميان إلى حالة مزاجية واحدة أو وضع روحي واحد، أو من خلال الجمع بين الجدِّ والهزل، أو غير ذلك مما يصعب حصره إلا بمواجهة الرواية.

ايوب صابر 02-26-2016 10:08 PM

تابع
- نلاحظ أن أبو شاور سلَّط السخرية على الشخصيات العميلة والجاسوسة في الرواية. وهذا ما يطمح إليه المبدع. الانتقام من شخصية الطاغية والمستبد بالضحكة السوداء التي توجه كالسهام إليه وتنتقص من قوته، بل وتذله أحياناً. وتثير الهزل والسخرية منه أمام الضعيف صاحب الحق. حتى يحقق التوازن السردي في الرواية.

- إنها مفارقة خفية تجعل الابتسامة تتسلل بخفةٍ إلى الأعماق لتخرج من بين الشفتين في لحظة، وتتركنا تنفجر بالضحك في لحظة أخرى. أمام موقف مبني على الحقد والكره لهذه الشخصية المنهزمة أمام نفسها وأمام محتلها، الذي جعل منها ألعوبة بين يديه. فتتبدد الضحكة السوداء وتنطلق كالسهم آخذة بثأر الضعيف الذي لا حول له ولا قوة.


العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين

- العناصر التي صنعت الروعة (الملامح الروائية والفنية) في رواية رقم - 32- العشاق رشاد أبوشاور فلسطين

تستعرض رواية العشاق أوضاع الشعب الفلسطيني في المخيمات قبل حرب 67، وتعود قبل هذا التاريخ الذي ينبني على أسلوب التداعي واسترسال الذكريات ثم العودة إلى زمن القص عند سرد الأحداث لنكسة 67. التي يغوص بها إلى أدق أسبابها. ومن هنا تتجلى السخرية في حدث الرواية.

وبعد هذه الوقفة القصيرة مع رواية "العشـاق"، حريٌ بنا أن نسلط الضوء على ما رسخت له هذه الرواية التي تعدُّ احد علامات الطريق في الرواية الفلسطينية، وهو: أن الشعب الفلسطيني ليس عابر سبيل، ولم يولد من الحائط، بل هو وريث حضارة قديمة تركت آثارها في باطن الأرض كما على وجهها.

ايوب صابر 02-27-2016 12:05 AM

اليتيم رقم 5 محمد برادة
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب
- موضوعها فقدان إنسان عزيز وغال، وهي الأم، التي تحتلفيه مكانة كبيرة.
- الرواية تركز على لحظتين مركزيتين في حياة الهادي، الشخصيةالمحورية في الرواية: الأولى لحظة موت الأمّ: لالّة الغالية، تلك المرأة التي لاتعوّض ولا توصف، والثانية لحظة موت امرأة أخرى هي أول موضوع للحب والشهوة والرغبةالمشتعلة: لالة ربيعة.

- مناخها النفسي يخيّم عليه التوجّع والتفجّع والضيقوالكآبة.

- يمارس الراوي لعبة النسيان، نسيان الآلام والأوجاع،ويدعو إلى استحضار الذكريات والشروع في تشخيص متخيّل للشيء العزيز المفقودوالمفتقد.

- جنسها الكاتب بعنوان فرعي تعييني"نص روائي".

- يعني هذا أن المؤلف رواية ما دامت تشخص الذات والموضوع والرواية نفسها.

- تتشابك في النص أحداث تخييلية وواقعية متنوعة، وتتناغم تيمات عديدة على إيقاعات درامية حدادية دائرية التركيب إلى جانب تفاعل عدة شخوص رئيسية وثانوية عبر حركية التاريخ وصيرورة الزمن وتناوب الأجيال ما بين الاستعمار والاستقلال وما بعد الاستقلال.

- هذه الأحداث المتوجة غير منفصلة عن فضاءاتها الزمكانية التي تنفعل بالشخوص وتفعل فيها ما يمكن أن تفعل تحت ضغوط الجبرية وحتميةالواقع: تأثرا و تأثيرا.
- لكن يبقى هذا النص الروائي سيرة ذاتية أو أطبيوغرافيا ما دام يرتكز كثيرا على تشخيص الذات ( التذويت)، واستدعاء تاريخها عبر الصيرورةالتاريخية، واسترجاع تاريخ الذوات الأخرى المتفاعلة معها؛ وذلك بسبر الموضوع الذي يؤثر فيها.

--
تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب
- وخطاب الأطوبيوغرافيا حديث العهد، فقد نظر له الناقد الفرنسي فيليبلوجون. إذ يعرف النص الأوطوبيوغرافي بأنه:" محكي نثري استرجاعي ينصب على الوجود الشخصي لفرد ما، وذلك حينما يتم التركيز أساسا على الحياة الفردية وبالخصوص على تاريخ الشخصية".

- وهذا التعريف ينطبق إلى حد كبير على نص محمد برادة؛ لأن لعبة النسيان أولا نص سردي نثري ينبني على استرجاع ماضي الشخصية أو الذوات الفردية (الهادي)، في امتدادها الزمني وتعايشها مع الذوات الأخرى سلبا أو إيجابا في مواجهة الموضوع من أجل فهم الحياة الفردية وتاريخها وتفسيرها بما هو خارجي شعوري أو لاشعوري، مع حضور المؤلف المقنع بقناع السارد أو الشخصية ( السارد المشخصن)، كما هوالشأن في الرواية إذ يحضر في صورة ( الهادي) لوجود عدة تماثلات ذهنية ووجدانيةواجتماعية بين محمد برادة والهادي ( انتقال الهادي ما بين فاس والرباط والقاهرةوباريس، الدراسة الجامعية، الصحافة، الكتابة السردية كاحتراف....).

- تحضر عدة تيمات في هذه الرواية مثل: الحياة والموت والجنس وصراع الذات مع الموضوع والوطن والمكان والطفولة والوطن والنضال والحرية.

- يعتبر الموت أبرز حدث رئيسي في هذه الرواية، فعنه تتفرع الأحداث الدرامية الأخرى وعبره تترابط الإيقاعات والقصص السردية.

- ويمكن اعتبار لعبة النسيان رواية استرجاع الزمن الضائع من خلال الشخوص ودورة الحياة والموت عبرالأمكنة والفضاءات المنغلقة والمنفتحة والداخلية والخارجية.

- وتحضر الأم باعتبارها شخصية رابطة مبئرة ومبأرة، عليها تتجمع الشخوص لتنسج خيوطها السردية لخلق حياتها وموتها.

- كما أنها تجمع هذه الشخوص لتخلق فيها الحياة والدفء والاستمرارية عبرالصيرورة التاريخية.

- وهذه الرواية كذلك رواية أجيال ثلاثة مختلفة الطباع والقسما توالرؤى.

- تتحول مع المكان والزمان في تكيفها وصراعها مع الواقع المتميز بين الحماية والاستقلال: جيل ما بعد الاستقلال جيل مابين الاستعمار و الاستقلال جيل الحماية
عزيز- فتاح- نادية سي إبراهيم-لالة نجية- الهدي- الطايع لالةالغالية- سي الطيب- الشريف.
---
تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب
- تتضمن رواية لعبة النسيان لمحمد برادة سبعة فصول على النحو التالي:


تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب


- لعبة النسيان تتكون من سبعة فصول تتجاذبها ثنائية الإضاءة والتعتيم.

- وتتخذ الرواية طابعا واقعيا وذاتيا ووطنيا وفلسفيا.

- تحوي لعبة النسيان عدة شخصيات بعضها رئيس يمثل: لالة الغالية ولالة نجية وسي إبراهيم وسي الطيب والهادي والطايع وعزيز والبعض الآخر ثانوي مثل فتاح ونادية وإدريس والجيران والشريف...وتتمحور هذه الشخصيات كلها حول شخصية الأم لالة الغالية باعتبارها الرحم والمصدر الأمومي الأصل الذي تفرعت عنه باقي الفروع الأخرى.

- هناك شخصيات نامية ومتطورة ودينامكية في الرواية مثل: الهادي والطايع وفتاح وسي الطيب، وشخصيات ثابتة ستاتيكية مثل: لالة الغالية ولالة نجية وعزيز وسي إبراهيم. ويلاحظ كذلك أن هناك علاقات تواصلية مختلفة مثل:علاقة العداء وعدم التفاهم بين الهادي والطايع، وبين الهادي وفاختة، وعلاقة حب البنوة أو الأبوة ( حب الأولاد للغالية )، أو القرابة ( سي الطيب- الأحفاد وحبهم للهادي...)، أو المصاهرة ( سي إبراهيم...)، وعلاقة جنس وحب شبقي ( الهادي مع القاهرية والمدريدية والبيضاوية في باريس...، وسي الطيب ومغامراته مع المرأة اليهودية التي أودت به إلى الإفلاس...).

- لعبة النسيان من خلال هذا الوصف الفيزيولوجي والاجتماعي والأخلاقي تبين أن هذا النص الروائي هو نص الشخصيات في تشابكها العائلي واختلافها في المواقف وصراعها مع الموضوع، وامتدادها إلى الماضي عبر الأصول ( لالة الغالية)، والفروع( الهادي- الطايع- سي إبراهيم)، ما داموا حواشي تتشرب من معين الدفء العائلي العريق عبر جدلية الفضاء ( فاس- الرباط- المغرب –الخارج)، والزمن( الاستعمار- الاستقلال- ما بعد الاستقلال).

- يتم نقل هذه الشخصيات وتصويرها وتفسير منظوماتها الذاتية والموضوعية من خلال الامتداد والاسترجاع والتذكر واستدعاء الماضي واستشراف المستقبل واستنطاق الحاضر بوعي جدلي ( فتاح- الأحفاد الجامعيون).

- يمكن أن نصنف شخصيات الرواية إلى شخصيات إشكالية، وشخصيات متصالحة، وشخصيات مندمجة. إن الشخصيات الأولى تحمل قيما أصيلة وتحاول غرسها في مجتمع منحط؛ ولكنها تفشل في زرعها وينتهي بها المآل إلى اليأس والثورة والتمرد كما هو حال الطايع والهادي وفتاح. أما الشخصيات المتصالحة فهي التي تتكيف مع الواقع وتنصهر في بوتقته كيفما كانت الأحوال، يتحكم فيها الوضع والزمن وتحلل الأمور بسذاجة وسطحية، وهي شخصيات سلبية وإشكالية كذلك مادامت تقبل المصالحة والتطبيع مع الواقع السلبي، ومن خير من يمثل هذا الصنف من الشخصيات سي إبراهيم وعزيز. أما الشخصيات المندمجة فهي " تلك التي تبتهج بالحياة، وتعيشها بامتلاء دونما إحساس بشرخ في كينونتها"، وندرج ضمن هذا المحور الأم وسيد الطيب.

- ويمكن اقتراح تصنيف آخر للشخصيات من خلال البعد السوسيولوجي. فهناك: شخصيات الوعي الممكن( الطايع- الهادي- فتاح)، حيث تستحضر الذوات المستقبل، وتستشرف غدا أفضل من خلال الرفض للواقع السائد والموضوع الكائن عبرالتمرد واليأس والنضال النظري والعملي. وهناك شخصيات الوعي الكائن، وهو وعي سائد، قد يكون زائفا ومغلوطا، ويمثل هذا الوعي: الأم، لالة نجية، سي إبراهيم، سيد الطيب، فالوعي الأول إيجابي، والثاني وعي سلبي.

ايوب صابر 02-27-2016 07:38 AM

تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب

- التجأ محمد برادة في لعبة النسيان إلى تقنية الوصف أثناء تعطيل الزمن والوقفات لتشخيص الفضاءات ووصفها كما فعل عندما وصف فاس البالي والدارالكبيرة.- إلى جانب وصف الشخصيات من خلال أبعادها الفزيولوجية ووظائفها الاجتماعية وإنجازاتها السردية وقيمها السيكولوجية.
- ويؤثث هذا الوصف الفضاء ويقدم الشخصيات ويعرض الإطار العام الذي يرسم البرامج السردية سواء أكانت سطحية أم عميقة.

- ويغلب على هذا الوصف الطابع الواقعي والنظرة الإثنوغرافية السياحية خاصة عندما يصف الكاتب فاس البالي والدار الكبيرة وحفلة زفاف عزيز على غرار وصف عبد الكريم غلاب في دفنا الماضي والمعلم علي.

- ويستند الكاتب في وصفه إلى التطويل المعتدل دون الإسهاب في ذكرالنعوت والصفات والأوصاف التفريعية، بل يكتفي بما هو عام دون ما هو خاص وجزئي ولا يبالغ في التطويل كما عند فلوبير في ( مدام بوفاري)، أو بلزاك في رواياته الواقعية أو زولا في جيرمينال.

- بل يكتفي بلوحة وصفية لا تتعدى صفحة واحدة إلى صفحتين، لينتقل من السرد الوصفي إلى المشاهد الدرامية والخطاب المعروض أو الذاتي.

- والوصف غالبا ما ينصب على الشخوص والأشياء والأمكنة والوسائل، ويحضر في الرواية كثيرا وصف الشخصيات بأبعادها الداخلية والخارجية ( الأم- سي إبراهيم- سيد الطيب- لالة نجية- الهادي- الطايع...)،

- ووصف الفضاءات بهندساتها المكانية وقيمها الإنسانية ( فاس- الرباط- فيلا العرس- المقهى الذي يشتغل فيه سي إبراهيم......- الدار الكبيرة..

ولم يقتصر الوصف هنا على التزيين وتأثيث الديكور، بل هو وصف دلالي ووظيفي وخلاق؛ لأنه يوحي بدلالات عديدة ومعان شتى.---

تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب

- تدور أحداث الرواية في فضائين متقابلين داخليا: فضاء فاس وهو فضاء حميمي عريق في أصالته مرتبط بلالة الغالية، إثنوغرافي بعاداته ومعماريته خاصة فاس القديمة بدروبها وسكانها وحيواناتها وحرفها مع التمدين الحداثي في فاس الجديدة.

- يزاوج الكاتب في نقله للفضاء بين الطريقة الكلاسيكية في الإسهاب الوصفي الواقعي والطريقة التي تبنتها الرواية الجديدة في العبور السريع على المكان للتركيز على الأشياء بدل الأفضية وما يمت بصلة إلى الإنسان.

- وتحضر( الدارالكبيرة) بفضائها العريق في الرواية لتبين الطابع الإنساني والعائلي الذي يملأ هذه الدار بوجود لالة الغالية ولتحيل على فضاء الطيبوبة والأصالة على عكس الرباط التي تحضر بفضاءات المقاهي والشوارع الحزينة ووجوه المستعمرين وقساوة الحياة والظروف المادية الصعبة.

- ويغلب على هذه الفضاءات الطابع الحزين والروح الجنائزية وشبح الموت بوفاة الأم.

- إن قارىء( لعبة النسيان) الذي ليس" من الضروري أن يكون قد عاش- يقول أحمد اليابوري- أو تعرف مباشرة، على مثل تلك الدار الفاسية، يشعر بالوحشة خاصة عندما يتتبع التفصيلات المتصلة بالأبواب الثلاثة التي يفضي بعضها إلى بعض، والتي تذكرنا بنماذج من ( ألف ليلة وليلة) حيث لا يتم الوصول إلى الكنز إلا بعد اختراق عدد من الأبواب والممرات والمتاهات.

- غير أن ما يحد من هذه الوحشة بل ويكاد يلغيها، هو حضور الأم ( الكنز)، كعلامة إنسانية مشرقة دافئة وسط عالم الأشياء والأشكال، من هنا طابعها الرمزي، بل والأسطوري من منظور دلالة الفضاء العتيق: في هذه الدار أشياءكثيرة، لكن أهم ما فيها الأم" .

- يتخلل هذه الأفضية لونان بصريان هما: الأبيض ( الوفاة/ الموتوالسواد( الحياة بمتناقضاتها وصراعاتها السيزيفية)، إنها لعبةالألوان " التي تمثل مجال الصراع الذي يعيشه البطل بين الماضي والحاضر، بين المثلوإرغامات المعيش.

- وتلتقي نهاية هذه اللعبة على مستوى الألوان بنهاية اللعبة على المستوى الروائي، في محاولة اقتناص اللحظة البدئية خارج ثنائية الأسود والابيض،الواقع والحلم" .

- يلعب المكان دورا مهما على مستوى الذاكرة والحلم واسترجاع الزمن الضائع واستعادة حضور الأم ووفاتها. - فاس هي المكان المحوري في الرواية؛لأنها ترتبط بالمهد الأمومي.

- هذا ولقد اعتمدت لعبة النسيان في قسمها الأول " المرتبط بما قبيل الاستقلال، على الاستذكار الطفولي للمكان، لذلك بقي اتساعه محدودا وأبعاده ضيقة

- إن ما يميز الفضاءات في القسم الثاني من الرواية- قسم ما بعد الاستقلال- هو تمزقها المادي وانعزالها عن بعضها البعض، بحيث تفقد المسافات الواصلة بين الأجزاء المكانية.

- هذا يعطي الانطباع بتشتت أحداث الرواية وبقفزات غير محسوبة ولكن حين يدرك القارىء أن الفضاءات هنا هي ماديا فضاءات شكلية صورية غير مقصودة لذاتها مباشرة أو ضمنيا، وحين يدرك أنها فضاءات اجتماعية ونفسية ووجدانية سواء في رموزها المادية أو علاماتها، فنكاد نلمس تلك الأبعاد الاجتماعية والنفسية والوجدانية بحواسنا دون أن نتأمل ونعمق التفكير كثيرا..." .

- وتبرز في الرواية فضاءات علوية ( طبقات الدار الكبير)، وفضاءات سفلية، أو الفوق والتحت من خلال تواصل عاطفي وإنساني.
----
تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب

- على مستوى الرؤية تنبني الرواية على تعدد السراد والأصوات والضمائر والمنظورات.
- فكل قصة نووية يسردها سراد مختلفون، كل سارد له رؤيته الخاصة إلى زاوية الموضوع.

- أي أن المؤلف أعطى للشخوص الحرية والديمقراطية في التعبير عن وجهات نظرها دون تدخل للمؤلف لترجيح موقف على آخر، بل ترك كل شخص يدلي برأيه وبمنظوره تجاه الحدث والموقف، يعبر عن نظره وإيديولوجيته بكل صراحة دون زيف أو تغيير لكلامه. لذلك وجدنا القصة تروى من خلال عدة منظورات متناقضة.

- ونستشف من خلال الرؤية السردية التواتر التكراري، إذ يهيمن السرد المكرر بكثرة، وهو أن يروي أكثر من مرة ما حدث مرة واحدة.فأحداث الرواية تروى مرات عديدة بصيغ مختلفة أو متماثلة.

- ويكشف الكاتب في روايته عن اللعبة السردية من خلال صراع المؤلف مع راوي الرواة واستحضار القارىء لمناقشة الميثاق السردي.

- ومن ثم يمكن القول: إن الرواية لعبة النسيان تطبيق لآراء محمد برادة النقدية، خاصة أنها أي الرواية نموذج عربي للرواية البوليفونية القائمة على تعدد الأصوات والمنظوراتوالرؤى الإيديولوجية حيث يختار القارىء وجهة نظر الشخص الذي يميل إليه.- وهكذا يتقاطع الإبداع مع النقد في الرواية والأطوبيوغرافيا مع البوليفونية الباختينية.

- وينتج عن كثرة المحافل السردية" تعدد الضمائر النحوية وتنوع وجهات النظر وتضاربها وبروز طابع النسبية الذي يصبح صفة ملازمة للأفكار والمواقف؛

- ثم نجد المؤلف نفسه يدخل في حوار مع السارد الرئيسي فيتحول، نتيجة لذلك، إلى شخصية روائية،إلى صوت سردي بين باقي الأصوات. ويتم ذلك الحوار في إطار الاختلاف، وحتى عندما يبرز ظاهريا نوعا من التطابق، فإنه يكون منطويا على عناصر تمت إلى السخرية بصلة".

- ومن الضمائر السردية التي ينتقل عبرها الكاتب هي ضمير المتكلم وضمير المخاطب وضمير الغياب، فرديا وجماعيا. وهذا ينم عن مدى التنوع والاختلاف وتعدد الزوايا والمنظورات، وبالتالي، فالكاتب يؤمن بالحوارية والاختلاف.

- ويعمد الكاتب إلى مزج الرؤية الخلفية بالرؤية المصاحبة، إذ السارد في الرؤية الأولى يشرف على السراد ويقوم بالتنسيق بينهم ويترك لهم فرصة التعبير ويعطيهم حرية الإدلاء بآرائهم وقناعاتهم ومواقفهم الإيديولوجية.

- وعلى الرغم من معرفته الواسعة بالشخصيات فإنه يلتزم الحياد وينزل إلى درجة الصفر ليمسك بخيوط السرد: توجيها وتوزيعا.

- كما يتحكم في توجيه دفة الأحداث والوقائع وترتيب الاستيهامات والأحلام.

- وفي كثير من الأحيان يثورهذا السارد على المؤلف ليصحح كثيرا من الأحداث المشوهة أو المزينة: إيحاء وتمويها.

- وكما تقوم الشخصيات – من خلال الرؤية الثانية- بسرد حكاياتها مستعملة ضمير المتكلم الفردي أو الجماعي مستبطنة الذات والموضوع معا عبر عمليات الاسترجاع والتداعي والتذكر الشعوري واللاشعوري.- وتتجلى الرؤية من الخلف عندما يتحدث السارد عن الأم في الدار الكبيرة وسيد الطيب والهادي في طفولته ومراهقته وحفل زواج عزيز،

- بينما تهيمن الرؤية "مع" في الفصول والقصص الأخرى.

- وهذا يعني أن الرؤية الداخلية/ الذاتية أكثر هيمنة من الرؤية الخلفية الكلاسيكية.- ومن ثم، فالرواية ذات تبئيرين: داخلي وخارجي.

- وتقترب من الرواية المنولوجية عندما تستبطن الذات والموضوع من خلالال منولوج الداخلي والرؤية المصاحبة.- في نفس الوقت تمتح من النسق الكلاسيكي عندما يحضر السارد العارف بكل شيء.

- وهذا يعني كذلك حضور السرد الداخلي والسرد الخارجي

وحضور السارد لا شخصي ( الكلاسيكي)، والسارد المشخصن أو السارد التطابقي إذ يصبح السارد شخصية رئيسية ( الهادي/ الطايع/ سي إبراهيم)، أو شخصية ثانوية ( كنزة تتحدث عن لالة نجية، ونساء الدار الكبيرة يتحدثن عم الأم لالة الغالية)، أو دور شاهد على الأحداث.
---

تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب

- إن الزمن في لعبة النسيان دائري وهابط؛ لأن السرد قائم على استرجاع الزمن الضائع واستعادة ذكرى وفاة الأم باعتبارها الشخصية المحورية.

- وهذا يدل على مدى انزياح الرواية زمنيا عن النسق الزمن الكلاسيكي حيث يتحرك الزمن من الحاضر وهو صاعد نحو المستقبل.

- ويلاحظ
أن الرواية عبارة عن قصص نووية مستقلة بمفردها ولوحات سردية منفصلة على الرغم من كونها تترابط بنيويا من خلال شجرة العائلة: قرابة ومصاهرة
.

- وتحضر النصوص النقدية المتعلقة بالتفكير في الرواية وكيفية تشخيصها ذاتيا من خلال فضح أسرار اللعبة السردية لتبين الانفصال الموجود بين الإبداع والنقد المقتحم ليحضر القارىء قصد إبلاغه بتقنيات الرواية ومنظوراتها السردية وطريقة أسلبتها.

- إن الرواية- إذا- متخلخلة من حيث البناء والتركيب والزمن، فلا نجد الخط الكرونولوجي، بل نجد أحداثا دائرية تستعاد عن طريق الفلاش باك أو التذكر عبر العودة إلى الماضي بحثا عن الأصول والجذور وتحولاتها في الحاضر وامتدادها في المستقبل من خلال الفروع والحواشي.

- إذا، هناك تكسير لعمودية السرد عبر الاسترجاع والبناء الدائري؛ لأن الرواية تبدأ بالموت وتنتهي به كذلك.

- وعلى الرغم من تفكك الرواية على قصص صغرى وحكايات نووية تسردها الشخصيات المشخصة أو الساردة فإن الرواية مترابطة من خلال اتساقها وانسجامها الداخلي/ البنيوي لأنها تصب كلها في قصة لالة الغالية باعتبارها الأم المثالية، أو التاريخ العريق، والوطن بكل دفء وأمومة.

- فالأم حاضرة في هذه القصص كلها من خلال الاستدعاء والامتداد والتماثل والتطابق والتضمن.

- وبالتالي، فوفاتها تشكل البؤرة الدلالية الكبرى للرواية التي استحثت التيمات والشخوص الأخرى لتوليد الخطابات السردية حولها في شكل اعترافات ومذكرات وتعليقات وشهادات.

- وهكذا، فلعبة النسيان هي رواية الفقدان والنسيان والسلوان واستعادة الزمن الضائع.

- وينحرف الزمن في الرواية إلى الماضي أكثر من انحرافه نحو استشراف المستقبل.

- لأن الرواية هي رواية التاريخ واستعادة الذات لزمنها في صيرورتها الموضوعية، ويمكن أن نختزل سرعة الزمن وبطئه في الخطاطة التوضيحية:

- الكاتب يستفيد من تقنيات الرواية الجديدة ومن تقنيات الرواية الكلاسيكية كذلك، مع العلم أن الزمن لدى الكاتب يتسم بالتشظي والإرصاد والخلخلة في البناء على الرغم منوجود الانسجام العضوي والاتساق البنيوي.

- يستند الكاتب في الرواية إلى توظيف الوقفات الوصفية لتقديم الشخصيات الرئيسية وتصوير الفضاء الذي يؤطر الأحداث ويؤثثها، وتستغرق هذه الوقفات مساحات نصية كبيرة مما يتعطل معها الزمن لتشويق القارىء وخلق الجو النفسي لمعايشة الحدث وتصور الاحتمالات الفنية الممكنة.

- ويقترب محمد برادة في مقاطعه الوصفية من عبد الكريم غلاب في دفنا الماضي والمعلم علي، إذ تغلب الرؤية الإثنوغرافية والسياحية على تقديم المقاطع الوصفية، خاصة وصف فاس البالي، وحفلة عرس عزيز في فاس الجديدة.

- ويتسم هذا الوصف بالطابع الواقعي.

- لكن نفس محمد برادة ليس طويلا ومسهبا مثل نفس بلزاك أو نجيب محفوظ أو عبد الكريم غلاب الذي يستغرق صفحات طويلة.

- بل يتسم الوصف بالإيجاز والتلميح والإيحاء والاختزال والتكثيف.

- وتحضر المشاهد الدرامية بكثرة خاصة مشهد " واقعة الضب"، والمشاهد الجنسية المتعلقة بالهادي والمشاهد الغرامية المتعلقة كذلك بالطايع، إنها مشاهد درامية مشحونة بالتوتروالصراع واختلاف وجهات النظر والرؤى الفلسفية العميقة والبعد المأساوي( كمشهد جنازة الأم / أو زوجة سيدالطيب....).

- وإذا كان التلخيص يعمد إلى حذف ما لا قيمة له، فإن المشاهد عبارة عن مقاطع تمثيلية لها أهمية كبرى في تأزيم الرواية وشحنها بالصراع الدرامي.

- ولا يعمد الكاتب إلى البطء الزمني من خلال الوقفة والمشهد المسرحي، بل يلتجىء كذلك على تسريع الزمن من خلال التلخيص عبر المرور السريع على فترات زمنية طويلة لا جدوى منذكر أحداثها؛ لأنها لا تضيف أي جديد على بناء الرواية وتوتر إيقاعها النسقي.

- كما يكثر من الحذف الزمني لخلق الثغرات الظاهرة والضمنية رغبة في الدخول في الأحداث مباشرة وتسهيل الانتقال من مقطع إلى آخر أو المرور من حدث إلى حدث آخر أو من فترة زمنية إلى أخرى مستغنيا عن الأحداث التي لا قيمة لها.

- أما عن التواتر فهي قضية أسلوبية عند البعض، وزمنية عند البعض الآخر كجيرار جنيت، والمقصود بالتواتر هو مجموع علاقات التكرار بين النص والحكاية.

ايوب صابر 02-27-2016 07:53 AM

تابع

تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب

- يلتجىء محمد براد في لعبة النسيان إلى تنويع أساليبه لخلق رواية بوليفونية حديثة، إذ يوظف بشكل متوازن الأسلوب غير المباشر أو الخطاب المسرود الموضوعي.

-حيث يقوم الراوي بنقل الأحداث وتقديم الشخصيات والمشاهد وعرض الوقفات الوصفية عندما يؤثث الفضاءات ويزينها أويموهها أو يشينها بمقاطع وصفية.

- ويعتمد في ذلك على وصف خارجي يحدد المعالم والقسماتويستبطن المناحي النفسية والعوالم الداخلية سابرا أغوار الذات الإنسانية فيسلوكاتها الشعورية واللاشعورية.

-ويخفف الكاتب من تدخلات الراوي العالم بكل شيء الذييملك المعرفة المطلقة من خلال رؤية خافية ينظر بها إلى الشخوص مدعيا الحيادوالموضوعية سوى ما يتبادر منه في شكل تعليقات وتقويمات عندما أدخل راوي الرواة إلىحلبة السرد ليشوش على الراوي المطلق الذي يمثل المؤلف الضمني؛ لأن وجود راوي الرواةهو تصحيح لكثير من حقائق الرواية وفضح لأسرار الذات وانطلاق لما هو مضمر ومخفي وبوحبالحقيقة واعتراف بالصراحة.

- ويحضر الخطاب المسرود الموضوعي في تقديم أسلوبإخباري تقريري عن الشخوص والأحداث والفضاءات بطريقة توحي بالواقعية وتموه بصدقالمحكي.

-لذا يعمد الراوي أو راوي الرواة إلى تبني السرد والنيابة عن الشخوص في نقلالأجواء السردية:"

-ويحضر كذلك الخطاب المعروض من خلال السردالمشهدي والحوار وعرض كلام الشخصيات، وهي تتجادل وتبوح باعترافاتها وتدلي بشهاداتهاوتختلف في منظوراتها ومواقفها الإيديولوجية( مثل حوار الهادي مع الطايع).

-ويحضر هذاالخطاب الحواري كثيرا في المشاهد المسرحية والدرامية حيث الشخصيات تعبر عن وجهةنظرها.

- ويتوسل الكاتب بالأسلوب المباشر لنقل آراء الشخصيات وأفكارها وعواطفهاوطروحاتها بدون أن يتدخل الكاتب لتشويه تصوراتها أو تغيير أفكارها.

- ويستندالكاتب إلى الخطاب المسرود الذاتي موظفا المنولوج أو العرض التلقائي أو تيار الوعيكما يوجد عند جيمس جويس وفيرجينيا وولف كافكا...لاستنطاق الذات مباشرة في صراعها معالموضوع عبر استدعاء الذاكرة والأوهام والأحلام ومن خلال التأمل الذاتي والتعبيرالشعوري واللاشعوريبحث عن الأم والزمن الضائع والانطواء على الذات للتلذذ بالغربةالمكانية والضياع الوجودي والثورة على الواقع الكائن إلى درجة اليأس والسأموالعبثية( الهادي) أو الرجوع إلى الصواب والإيمان الرباني( الطايع). إن المنولوجتعبير عن التمزق النفسي والذاتي والصراع الداخلي والمناجاة النفسية.

-وقد أوردالكاتب مقاطع كثيرة من الخطاب المسرود الذاتي ليخلق توازنا أسلوبيا وتعددا صوتياداخل روايته التجريبية.

- كما يلتجيء الكاتب إلى توظيف الخطاب المنقول عبر أسلوب غير مباشر حرالذي يزاوج بين تقنيات الحوار وتقنيات السرد، إذ ينقل الراوي كلام الشخصية بطريقةمباشرة أي " ينوب السارد عن الشخصية في التلفظ بخطابها، أو أن الشخصية تتكلم عبرصوت السارد، وحينها يتدخل الصوتان"

-إذا، فهذا الأسلوب المزدوج يعكس حرية الكاتبفي نسج كلام الشخصية داخل كلام الراوي...

-ويعني هذا اختفاء الراوي من عمله لنقلمشاعر الشخصيات وحياتهم النفسية بدل ترجمتها بطريقة سردية غير مباشرة تفقد الكلامنبرته التأثيرية والمشهدية

-ويلاحظ أن الكاتب قد استعمل عدة أساليب للتعبير عناختلاف المنظورات وتعدد الأصوات وجدلية الداخل والخارج واحترام الصراع بين الراويوالشخصيات بطريقة تعددية حوارية، وهذا ما تدعو غليه الرواية الحديثة التي ابتعدت عنالصوت الواحد والموقف المنفرد:

- وعلى مستوى لغة الرواية فهي لغة متنوعة إذ تجمعبين لغة الفصيح ولغة العامة عبر التهجين والأسلبة والسخرية، كما أنها تستعينبالفرنسية

----


تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب

-تتفاعل في الرواية عدة خطابات تناصية ومستنسخات مكونة لنسيجالرواية ويمكن حصرها في الأنماط التالية:
1- الخطاب الديني والصوفي: آيات الذكر- الجذبات الصوفية- العمارة.

2- الخطاب الأسطوري: كرامات الأولياءوخاصة الشريف...

3- الخطاب الموسيقي: نوبة العشاق- الاستهلال...

4- الخطابالإعلامي: التقارير الصحفية والإذاعية....

5- الخطاب الشعري: أورد نصوصاشعرية.....

6- الخطاب التراسلي: أورد رسائل خاصة مثل: رسائل الهادي.....

7- الخطاب النقدي الواصف: فضح اللعبة الروائية....

8- الخطاب التاريخي: يورد الكاتبأحداثا تاريخية خاصة بالمغرب...

9- الخطاب السياسي: التأشير على الصراعاتالسياسية والإيديولوجية بالمغرب....

10- الخطاب الفلسفي: ماركوز- سارتر- فرويد....

11- الخطاب السينمائي: مناقشة فيلم ( حكاية أو....)...

12- الخطابالاجتماعي: فلسفة الأزياء والموضة وأسماء الملابس واستحضار أحداث المجتمع...

13- الخطاب الغنائي: استحضار أغاني أم كلثوم والطرب الأندلسي والجذبات الصوفيةوالملحون...

- كما تحضر خطابات أخرى كالخطبة السياسية والمثل والأحلام والسيرةالذاتية والخطاب الفانطازي

-وعلى مستوى التناص أيضا، تتحاور الرواية مع عدةنصوص إبداعية ونقدية داخلية وخارجية، إذ من خلالها نتذكر سهيل إدريس( الحياللاتيني)، وطه حسين( أديب)، وتوفيق الحكيم( عصفور من الشرق)، والطيب صالح( موسمالهجرة إلى الشمال)، ومحمد شكري ( الخبز الحافي)، وعبد الكريم غلاب( دفنا الماضي/ المعلم علي)، وعبد المجيد بن جلون( في الطفولة)، وعبد لله العروي( أوراق)، وميخائيلباختين في ( الخطاب الروائي وشعرية دويستفسكي)، وسلخ الجلد للكاتب نفسه( الجنس/ الموت...).

- وهذه الحوارية بين اللغات والخطابات يشكل خطاب الأسلبة والباروديا،إذ يقول باختين: " إن اللعب المتعدد الأشكال بحدود الخطابات واللغات والمنظوراتيعتبر أحد أهم سمات الخطاب الساخر" .
- وعليه، فقد أبدع محمد برادة روايةبوليفونية قائمة على التناصية وتعدد الخطابات وتفاعل الأجناس الأدبية والفنيةوتلاقح اللغات واللهجات مما جعل هذه الرواية تستجمع جميع الأصوات الاجتماعية لتعبربكل حرية وديمقراطية عن وجهات نظرها مع حضور المتلقي والمؤلف الوهمي الذي أجبر علىالتنازل عن سلطته للراوي الرواة والشخوص لتعبر عن عوالمها الداخلية ومواقفها تجاه الموضوع.

- تتبنى الرواية التعدد اللغوي والتجريب البوليفوني ولاسيما أنالكاتب يعد من أنصار هذا التيار النقدي في العالم العربي الحديث، ويبدو ذلك واضحافي ترجمته لكتاب باختين ( عن جمالية الرواية ونظريتها) إلى اللغة العربية، ومقالهالمنشور في كتابه أسئلة الرواية/ أسئلة النقد( التعدد اللغوي في الرواية العربية).

---


تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب


- رواية لعبة النسيان لمحمدبرادة رواية جديدة ذات منحى حداثي وتجريبي.

- لاعتمادها على تشظية المتن الروائي إلىعدة حكايات صغرى نووية.

-وتوظيف تقنية الاسترجاع من خلال التذكر والتداعيوالاستيهام، وتحقيق البوليفونية من خلال تعدد السراد ( راوي الرواة/ الهادي/ الطايع/ سي إبراهيم/ نساء الدار الكبيرة...).

-وتعدد الضمائر والأصوات والأجناس.

-وغلبة الحوارية.

-وتداخل الأزمنة.

-والتخييل الذاتي والموضوعي .

-وتناول تيمات جريئة كتيمةالجنس والسلطة والاستبداد.

-كما أن الرواية ذات أطروحة وطنية ووجودية.

-وتهدف الروايةكذلك إلى إدانة الوعي الوطني المزيف والتركيز على الوعي الاجتماعي للجيل الجديدالذي يتمثل في الثورة والرفض والتغيير.

---

تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب


- لعبة الأم : إن حضور الأم في ’’ لعبة النسيان ’’ جوهري , ذلك أن هذا عنوان هذا العمل الروائيمضلل , لأنه في العمق لعبة للتذكر وليس للنسيان .

-مضافا إليها جانب التخييل , حيثتقدم الشخوص من خلال مشاعر وانفعالات أولئك الذين يقدمونهم.

- فالأم في الروايةمضاءة من عدة زوايا سردية وشهادات خارجية , وكل وجهات النظر حولها ترسم صورتهاالجميلة , لأنها تحتل مركز الأسرة , لذلك ستنغرس ذكراها إلى الأبد في شخصية الهادي .

- غير أن الأم تحمل فيالرواية أكثر من اسم : للا الغالية , للا ربيعة , فاس , الوطن .. ولها أكثر من صورة , إنها بين الخيال والواقع , وبذلك تكتسب قيمة رمزية تتجاوز الزمن , ففي البدء كانتالأم / الفصل الأول , ومع النهاية أيضا تبدأ / الفصل الأخير / من منكم يذكر أمي , فرغم تعدد وجهات وزوايا النظر حولها , إلا أنها كلها تصب في إخراجها في صورة بهية .

--
تابع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 46- -لعبة النسيان محمد برادة المغرب



- رواية "لعبةالنسيان" نص إشكالي أسال الكثير من المداد حول هويته الأجناسية ومنذ صدورها فيطبعتها الأولى سنة 1987، كانت مثار جدل واسع على صفحات الجرائد والمجلات الثقافيةونشرت حولها دراسات جامعية ونقدية كثيرة.

- قلة هم الكتاب الذين وزوا بينإنجازين: إنجاز تجسد في الكتابة النقدية التطبيقية، وإنجاز تمثل في الكتابةالإبداعية، حيث لغة الصورة وإنتاج الجمال، ومنهم: إلياس خوري، ونبيل سليمان، ومحمدعز الدين التازي، ومحمد برادة...

- فالرواية بالنسبةلهؤلاء إبداع جمالي يمتلك ثوابت بالإمكان التقاطها وترصدها من داخل الممارسةالنقدية..

- لا تتشكل رواية "لعبة النسيان" منفصول وإنما جاءت حاملة لعناوين هي أسماء لشخصيات فاعلة متفاعلة داخل النص الروائي (مثلا "سيد الطيب")

- أو لجمل شعرية تختزل المضمون ضمن البنيات الحكائية الصغرىوالمشكلة للرواية كبنية كبرى (مثلا "للا نجية أم ثانية" و"الطايع في حومة الكبار")

- إلى جانب هوامش داخل المتن متمثلة في "الإضاءة" و"التعتيم".

- ومدار الرواية منغلقحول الأم،

- لكن الشخصية المحورية هي شخصية "الهادي" (أم هل هو محمد برادة نفسه كمايقول نقاد يعتبرونها سيرة ذاتية

ايوب صابر 02-27-2016 05:59 PM

والان مع اليتيم رقم 6 حليم بركات


- حليم بركات الروائي السوري , وعالم الاجتماع يقدم في روايته (طائر الحوم) ما يشبه السيرة الذاتية متضمنة رحلة الآلام والآمال , ويبدو الماضي أمامنا وكأنه لايزال يتقد جمراً ..
- من جعبة تلك الأيام نتوقف عند لحظات لاتنسى, بل لنقل هي العمر كلّه منسكباً نحو القادم : تذكرت أنني في طفولتي دخلت فجأة كثافات غيوم سوداء تضيئها بروق وصواعق متكررة .. كان قد توفي والدي فجأة في الثلاثينات من عمره دون إرث من أي نوعٍ سوى بغلٍ كان يكاري عليه وبيت حجري دون غرف ترابي السطح .. فاضطرت أمي أن تنزح بنا أنا وأختي وأخي الى مدينة بيروت بعد أن جاهدت عبثاً في القرية مدّة سنة أو أكثر . عملت خبّازة على التنور (تلقى أجرها عدة أرغفة ساخنة ) وحصّآدة موسمية في مناطق نائية كان أهل القرية يسمونها (مشرّف) مازلت أحسّ بالجوع حين أتذكر أرغفة القمح الساخنة المخبوزة على التنور خصوصاً أننا بعد موت أبي كنا نضطر أحياناً أن نأكل خبز (المخلط) من قمح وذرة وشعير وهو خبز الفقراء.. نتقاسمها بعد أن نمعس رأس بصلة ورأس شنكليش نغمره بزيت الزيتون أحسّ الأن بالجوع مع أنني تناولت وجبة كبيرة منذ فترة قصيرة لمجرد تذكر الشنكليش والبصل والزيت , ومهما كان , كنّآ نقدر حياتنا ونتمتع بها. عدا جمال القرية وطيبة الناس فقد أُفلتنا فعلاً من قبضة الموت الذي قضى على أربعة أخوة وأخوات قبل أن يبلغوا الثانية أو الثالثة ثم قبض على أبى...
- يقول الراوي، وهو يلخص علاقته بالضيعة: "الضيعة وأناسها وينابيعها وتلالها وأوديتها وطيورها وطرقها وازدهارها وأشواكها وأحزانها وأفراحها شرشت في نفسي. لا أحد، لا شيء يقتلعها من نفسي. وكلما ذبلت شجرة حياتي، كلما نبتت شجرة أخرى من جذورها العميقة". أما عن اكتشاف الجنس الآخر، وبمقدار ما تختلس الفتيات النظر إلى الصبية وهم يسبحون في النهر عراة، فإن الصورة التي ترتسم في ذاكرة الفتيان أشد سطوعاً: "حين تسبح الفتيات في النهر بثناياهن وتبتل تلك الثياب، تبزغ خيرات الأرض فعلفه بضباب شفاف" فيتولد الحنين إلى الاكتشاف ويحلق الخيال وهو يصرخ: "ما أجمل غموض الجسد"، وهذا ما يجعل الالتقاء الالتحام يوماً، أمراً حقيقياً لأن "حدس الجسد لا يخون".

- "طائر لحوم" رواية متفردة بالغة الرقة والحساسية،
- إضافة إلى مرآتها في التصدي لعدد من القضايا الشائكة التي تكاد تكون حرمة.

- هذا عدا عن معمارها الفني الجديد والمتميز.

- وبقدر ما توغل هذه الرواية في الماضي. بحيث تبدو أقرب إلى سيرة الطفولة، فإنها شديدة الحضور من الراهن، في الهموم المعاصرة، كما لا تغفل عن التنبيه لأخطار المستقبل.

- لذلك ليس من السهل تصنيفها ضمن العناوين السائدة، أو حصرها في إطار ضيق، إنها تذكر وبوح وتأمل، وتصل في أحيان كثيرة إلى مستوى الشعر الخالص، دون أن تنسى خطها الدرامي الذي يجعلها إحدى أبرز الروايات التي صدرت في السنوات الأخيرة.
----

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 51- طائر الحوم حليم بركات سوريا

- الرواية تعد سيرة ذاتية ( تحدث عنها الكثيرون باعجاب شديد وقلة من تمكنت من قراءتها لعدة اسباب تتعلق بانتقال الكتاب عبر اشواك الحدود العربية )

- وهذا النوع من الادب قليل جدا في ادبنا العربي أصلا ، ويعاني من احجام اعترافات المبدعين وتخوفهم من اظهار تجاربهم وحياتهملعيون الناس ،

- وقد تم طرح هذه الاشكالية للسير الذاتية في الكثير من وسائل الاعلام المقروءة ولكن يبدو ان حياتنا العربية ما زالت تخاف البوح

- وانتشيت ايضا لأني لمحت رائحة تأثر هذه الرواية وبتأثر مؤلفها بنيرودا ..

- وهكذا نجد انفسنا في دائرةالتأثر والتاثير .. ولذلك يصير الأدب انساني كوني بروح الانسان فيه

- كتاب يثيرالكثير من الموضوعات منها على سبيل المثال لا الحصر : غياب السير الذاتية كجنس ادبي ابداعي ، معاناة المثقف العربي وتغييب دوره في حياتنا العربية

- اضافة الى الصراع الانساني مع الحياة والموت ، وكلاهما يتحولان الى رموز يومية تتنفس معنا

- في هذه الرواية يقدم لنا حليم بركات بأسلوب شاعري أخاذ ،تقريراً صادقاً عن حياته الشخصية

- ففي رواية قصيرة ذاتية ومركزة يستعيد بركات ماضيه كله ويزودنا بوثائق أصيلة عن رحلة حياة طويلة في الاقتلاع والحنين إلى الوطن والإغتراب والنفي الأبدي ، مما يجعل القارئ يلهث وراء الكاتب في رحلته القاسية والشديدة الانحدارات محاولاً أن يجد أجوبة لتلك الأسئلة الصعبة التي طرحتها الرواية .
- لكن تجربة الكاتب الشخصية سرعان ما تتحول إلى بيان عام أشمل يتجاوز واقع كاتبها لينسحب على المفكرين العرب الذين يعانون الاضهاد والنفي.

- يأتي كل هذا بأسلوب اعترافي يفصح عن تجارب شخصية غايةفي الخصوصية ويكشف بصراحة متناهية عن أفكار مغيبة في لا شعور الكاتب ويسلط الضوءعلى خمسين سنة من تاريخه وأحداث حياته .

- وبركات الذي هو داعية من دعاة التغيير السياسي والإجتماعي في العالم العربي وعربي قومي معروف ، إذ يركز على حياته الشخصية ويعرضها أمامناعارية إنما يقوم من خلالها بكشف عري العالم أجمع وعري علاقاته في آن معاً .

-وفي كتابته المهووسة بحنين جارف لقريته وطفولته ووطنه وأبيه وأمه يسيطر اللاوعي واللاشعور على قلمه فيستحضر أحداثاً دفينه من الماضي ويستدعي أحلاماً وذكريات غيبهاالنسيان سابقة ومستترة في النماذج البدئية واللاوعي الجمعي للفرد والأمة على السواء
- فيكسر قشرة أسراره منذ الطفولة ويمليها في واقع راهن فتأتي في مشاهد ملونة ومأساويةمعاً .

-وقد قال فيها الروائي الكبير عبدالرحمن منيف إن هذه الرواية ” تذكر وبوح وتأمل .. وكتبت بدماء القلب ” .

- تبدأ بنقطة إرتجاع سينمائية وتنفتح على مشهد من الماضي هو ” الكفرون ” قرية الكاتب ومسقط رأسه إذ تظهر في السماء أسراب من طيورالحوم الوديعة الرائعة الجمال تتأمل رحيلها إلى مناطق دافئة بعد أن إنتهى موسم الصيف وبدأ فصل الخريف .

- وسرعان مايتحول هذا المشهد الهادئ الجميل إلى مشهد دموي إذ يطلق الصيادون الأشرار نيران بنادقهم فجأة على الطيور البريئة فتسقط مضرجةبجراحاتها بأجنحة مترنحة ويتناثر ريشها الأبيض والأسود فوق رؤوس الأشجار ثم يسقط في النهر حيث يمتزج ماؤه بالدماء .
- وأمام هذا المشهد يقف الطفل الراوي مراقباً بجزع وخوف الطيور الصامتة البريئة وهي تنتظر موتها البطئ . ومنذ هذه اللحظات يتوحد الطفل بطائر الحوم ليصبح عنده ، فيما بعد ، رمزاً للمفكر العربي المظهد ، المحاط بكل قوى الشر والطغيان ، الذي يدور إلى الأبد حول الكرة الأرضية ولا يجد مواطئا لقدمه ،باحثاً على الدوام عن الحرية والخلاص لنفسه ولأمته في آن معاً ، وناشداً الحلول لتناقضات الكون الحادة في الفرح والحزن ، في الفقر والغنى ، في الحب والكراهية ، في الشرق والغرب ، وفي البحث عن معنى الحياة والموت .

- بات الطفل الرواي الذي شهد عدوان الصيادين وشر الناس معذب روح الطفولة نتيجة الظلم والعدوان الممارس ضد الطيور والمنطبق على الأفرادوالمجتمعات والأمم . كما بات مشحوناً بكراهية شديدة لبشاعة هذا العالم ، الذي ينذرنفسه داعية للتمرد والحرية والثورة في كل مجالات الحياة ، على مستوى الفرد والمجتمع.---


والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 51- طائر الحوم حليم بركات سوريا
- حقيقة أن بركات يتصدى في روايته هذه لموضوعات صعبة ومعقدة وتنسحب بالتالي على الماضي والحاضر والمستقبل .

- وأبعد من هذا فانه يأخذ طريق الخلاص وذاك عن طريق مايقدمه الكاتب من رؤى وإضاءات تستشرف المستقبل .

- والواقع أن مثل هذه المواقف القومية ليست بالغريبة ولا بالجديدة . فسبق للشعراء والروائيين العرب أن حملوا أنفسهم مهمة تصوير وتأريخ ويلات شعوبهم بما فيها وقائع الظلم التي يعيشها شعب فلسطين ، ووقائع التعسف التي يقوم بها القادة العرب ضد شعوبهم ، وأوضاع التفتت والإنقسام في الأمة العربية .

- إلا أن بركات يخرج عن إطار مسؤوليته تجاه الوطن العربي ويتجاوزها إلى العالم كله إذ يتوحد بشعب افريقيا في جوعه وفقره ، وبأطفال اليابان في مأساتهم إثر ويلات القنبلة الذرية فيهيروشيما كما يتوحد بالأقلية السوداء في الولايات المتحدة في نضالها لإنهاء سياسيةالتميز العنصري .

- إنه باختصار يتوحد بكل الضعفاء والمقهورين والمظلومين في العالم وبكل العاجزين الذين لا صوت لهم .

- إن مثل هذا التوحد الإنساني مع المسحوقين ومثل هذا التعاطف الكوني معهم إنما يأخذ مثالية عالية مليئة بصيحات تبشرية متواصلة تحض على التمرد والرفض والمقاومة .
- وفي مشهد آخر يستعرض بركات ذكرى أليمة عصفت به وهو طفل حين يقف برعب وهول أمام فراش أبيه الذي كان يواجه الموت في آخر لحظات احتضاره ، فتأتي كلماته بالغة التأثير قوية ، خارقة للروح وباعثه على البكاء .

- ولا بد لنا أن نسجل هنا أن ما كتبه بركات في هذا الصدد يعتبرمن أكثر الكتابات قوة وتأثيراً في الأدب العربي الحديث .

- إضافه إلى أن وصفه لشخصية أبيه ، هذه الشخصية التي طغت على الرواية وتسربت في ثناياهها ، تدخل وعي القارئ ولا تخرج منه . لقد رسم صورة رائعة ، صورة أب أصيل من أيام الدنيا الغابرة ، مثالي ، ذي وقار وذي هيبة يمضي عمره في خدمة زوجته وأولاده ، مجبول بالحب والتضحية

- وهذا الطفل الذي فقد أباه في الكفرون والذي شهد موته المفاجئ الأليم والذي فقد صورة المثال الأعلى ، والقدرة على الحياة ، هذا الطفل يكبر ثم يرحل إلى أمريكا ويصبح أستاذاً جامعياً .

- لكنه في البلد الذي هاجر إليه يعود لمواجهة الموت من جديد . هذه المرة يواجه موت أمه الطاعنة في السن ، إلّا أن التجربة هنا تختلف فهذه السيدة الفاضلة النبيلة والتي كان الكاتب قد أهداها أحد أعماله الروائية بالعبارة التالية ” إلى الملحمة التي كانت حياتها سلسلة عطاء ومحبة ” .هذه الأم هي مريضة الآن بأكثر من مرض ومصابة فوق ذلك بالنسيان وأمست في حالة فقدان وعي دائم وتتأرجح ما بين الحياة والموت .

- ومع تأرجحها المرير هذا يتأرجح الكاتب معها بين هذين العالمين .

- فالكاتب المعذب بعذابات أمه وآلامها يعيش من جديد تجربة موت أبيه ويقف ممزقاً وعاجزاً عن فعله أي شيئ إلا الدعاء لله أن يأخذ أمه إليه رأفة بها وبه ، وفي هذا المشهد يغوص الكاتب في معاني الموت والحياة ويطرح فيها أسئلة كونية وأن كانت كلماته في موت أبيه حادة ومؤثرة إلا أن كلماته في وصف صورة أمه القديسة لا تقل قوة وحساسية عنها بل تنحفر بعمق في وعي القارئ وتبقى خالدة .

- لاشئ يموت ولاشئ يتلاشى في ذاكرة الكاتب ، فها هو يستعيد مشهد آخر لشخصية من أيام طفولته تعمل أثراً في النفس لا يمحى . إذ كان في القرية شخص معتوه يدعى مخول ، كان غريباً ومشرداً وعجيب الخلقة . لا أحد يعرف من أين جاء أو أين ولد ، لذا كان عرضة مستمرة لتهكم أطفال القريةوإهاناتهم غير المحدودة ، يضحكون منه ويلاحقونه بالعصي والحجارة على مر السنين .

- ويأخذ المشهد بعداً مؤثراً حين يتذكر الكاتب أن أباه كان في إحدى الأمسيات يغني بصوته الدافئ أبيات العتابا بلحن عاطفي حزين ، وكان في الشارع وخلف الدار يقف مخول يجهش بالبكاء وتنهمر الدموع بمرارة على وجهه ،

- لقد اخترقت أبيات العتابا روح ذلك المعتوه وأثارت شواجنه الدفينة وعواطفه المقموعة في داخله .

- أزاء هذا المشهد يحدث وعي فجائي عند الطفل الراوي تجاه مخول ويتعاطف معه ، وينذر نفسه للدفاع عنه ضدأطفال القرية .

- ربما كانت أعظم خدمة قدمها بركات في روايته هذه هي تخليد قريته ومسقط راسه كفرون ، فهذه القريةالمغمورة الصغيرة في سوريا والتي لم يسمع بها كثيرون تصبح فجأة ذات شأن ومعروفة في العالم

- أن حب الكاتب الشديد لها واخلاصه الهائل لها ووصفه الحي لأشجارها وكرومهاوطرقها وأوديتها وأناسها والذي سيطر على الرواية كان ذا أهمية بالغة في تحويلها إلى مكان تاريخي ذي دلالة خاصة ، وفي جعلها بطلاً رئيسياً في الرواية .

- إنه لمن المفارقة أن نجدالكاتب يطلق لفظ حبيبتي على زوجته طوال الرواية ، إلا أنه لم يستطع ان يعطيها وصفاًغنياً أو رائعاً كما هو الحال في معظم شخصيات الرواية ، ونجد أن الحوار والجدال بينهما لم يكن إلا وسيلة وأداة فنية هدفها استدعاء الأحلام واستحضار ذكريات الماضي وأثارة التساؤلات حول المستقبل ، وعلى طوال الرواية بأسرها تبدو علاقته بها ، وكذلك علاقتها به ، علاقة فكرية محورية المركز دون أن تكون علاقة حب حقيقي بين شريكين . إلا أن ” طائر الحوم ” تبقى واحدة من اقوى الروايات في الأدب العربي الحديث ومن أكثرها شفافية وحساسية . وهي في حقيقة صراحتها وأسلوبها الاعترافي نادرة ومميزة ،أنها رواية مليئة بالمشاعر وبالألتزام الحميمي وبروح المقاومة .

- انها حقاً بمثابة مرآة لروح هذا الكاتب
- وسجل حافل بتاريخه الشخصي ،

- وسجل تاريخي خالد لقرية كفرون ،

- إنها تبدوكشجرة علقت على أغصانها أحداث أجيال متعاقبة ،

- وأنها بحق إنجاز كبير آخر يضاف إلى أعمال هذا الروائي وشهادة ميلاد وجواز سفر .

- وتبقى الرواية إسهاماً قيماً وهاماً في الأدب . لقد جعلتنا ننظر إلى الأشياء بعين مختلفة وبطريقة مغايرة وفوق كل شيئ وفرت لنا فرصة لنتفحص حياة هذا الكاتب العربي . - يقول الشاعر السوري شوقي بغدادي عن الرواية " إنها رواية تعصر القلب وتغسل الروح “

---

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 51- طائر الحوم حليم بركات سوريا
- حليم بركات مؤلف رواية "ستة أيام" اعتبرت بمثابة نبوءة، لأنها تخيلت حرباً إسرائيلية عربية تمتد لستة أيام وتنتهي بهزيمة عربية علما كتب حليم بركات هذه الرواية قبل حرب حزيران 1967 بستة أعوام.

- ابتداءَ من أول صفحة في روايته يبدأ "حليم بركات" بالأسئلة الصعبة التي ليس لها أجوبة!.. أسئلة قاسية وكثيفة ينقلها إلى قارئه كيفما اتجه دون أن يفهم لم كل هذه العواصف ؟ .. ولم تصطخب في نفسه الهادئة أحداثٌ لم يكن ينتظرها؟؟
" لماذا موت أبي السريع في ذروة الشباب، وموت أمي البطئ الذي لايأتي؟"
" لماذا تلاحقني جراحك ياطائر الحوم؟
"
"متى الغروب؟ متى الخلاص؟ "
أسئلةٌ لاتنتهي و "تخفق باضطراب ".. تماماً مثل ظهور طيور الحوم في سماء الكفرون!

- يملؤنا الكاتب لهفةً لمعرفة كل شيئ عن طفولته وأيامه التي عاشها قبل الهجرة. ومع تناقض الحياة بين الكفرون وواشنطن نعيش معه وندخل إلى قلبه لنعرف هذا الكمّ الملوّع من الذكريات المخبأة بانتظار البوح.. إنها الرواية التي ينقلك فيها "حليم بركات" بكل ذاكرته إلى جوارحه وألمه ..و جرأته، و إلى كل الصدق الذي.. نفتقده !

- يقول "كتبت هذه الرواية أصلاً قصة بعنوان " اهبط أيها الموت إلى الكفرون" سنة 1962 لدى زيارتي الأولى للولايات المتحدة، ونشرتها في مجلة "أدب" بيروت صيف 1962، العدد الثالث، ص 26 ـ 35 . أعدت كتابتها في فترات متقطعة بين 85 ـ 87 بعد زيارة مفعمة للكفرون فأخذت شكلها

ـ "طائر الحوم" رواية متفردة بالغة الرقة والحساسية، إضافة إلى جرأته في التصدي لعدد من القضايا الشائكة التي تكاد تكون محرمة، هذا عدا عن معمارها الفني الجديد والمتميز.

- وبقدر ما توغل هذه الرواية في الماضي بحيث تبدو أقرب إلى سيرة الطفولة، فإنها شديدة الحضور في الراهن، في الهموم المعاصرة، كما لا تغفل عن التنبيه لأخطار المستقبل لذلك ليس من السهل تصنيفها ضمن العناوين السائدة، أو حصرها في إطار ضيق.

- إنها تذكر وبوح وتأمل، وتصل في أحيان كثيرة إلى مستوى الشعر الخالص، دون أن تنسى خطها الدرامي الذي يجعلها إحدى أبرز الروايات التي صدرت في السنوات الماضية .

ـ وهكذا يسافر الطائر حليم بركات من أميركـا إلى سورية، إلى وادي الكفرون، ويحط مطمئنا مبهورا وينادي طائر الحوم كزميل له، وهما يحلقان معا في سماء الكفرون مثلك يا طائر الحوم إذن من ماض واحد: هو ماضي الكاتب

- كذلك يتقمص الطائر ماضي الكاتب (الماضي الفردي). إن طائر الحوم هو أيضا أبوه. هكدا يصف حليم بركات كيف اقترب من أبيه المحتضر، "فاقتربت بوجل كما اقتربت من طائر الحوم المصاب". وطائر الحوم كذلك أمه: "يرقد جسدها الصغير فوق رأسها وتتنفس بصعوبة.

- أضطربت كما اضطربت أمام طائر الحوم الجريح لا أدري ما أفعل. ولا يكتفي بركات برموز الطيران ليتحرر ويدخل في مصير من "الخفة". إن الحرية لا تكفيه. إنه يبحث أيضا عما يطهره وينقيه من أدران العالم. وكـما ارتفع في الفضاء سوف نراه يغتمر الأنهار ليغتسل فيها.

- هكذا تتأرجح الرواية من طيران إلى وقوع، ومن ارتفاع إلى هبوط. إن بركات يحب المرتفعات بقدر ما يكرهها، وهو يعرف، كما يقول باشلار عن ريلكة، "إن كل حلم بالطيران يتضمن السقوط البطيء أيضا… إن الحلم بالطيران هو دلالة على شخصية جامعة بين السقوط والسمو عبرت القارات وحلقت فوق القمم ومع تحليقه، يبلغ الطائر حليم بركات أقصى التطابق مع العنصر الروائي الذي تبناه.

ايوب صابر 02-28-2016 09:46 AM

والان مع اليتم رقم 7

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن

- مؤنس الرزاز ينطق شخصياته يحركها، يدخلها السجن ويضع آخرين منها في الإقامة الجبرية، يطوف بشخصياته في غير قطر عربي، ويسلط الضوء على أكثر من قضية ومرحلة.
- وهو ينطق شخصياته بدون صوت وذلك من خلال تنكيرهم الذي يأخذ شكل المنولوج الداخلي المسموع.

- يخلق من اليأس تفاؤلاً وتحدياً، فأحد شخصياته، الختيار، يكتب ويحبّر وعندما ينتهي من الكتابة تصادر الكلمات... لكن الرسالة تصل إلى أصحابها... من قلب الإقامة الجبرية والوحدة القاتلة تنفلت الإرادة ويشع الأمل دبالمستقبل لرؤية القرن الحادي والعشرين.

- وبطريقته يدخل الكاتب في نهاية الرواية بما يشبه الحوار مع القراء وكأنه أراد أن يجعلهم من شخصيات الرواية فيصل بهذا إلى مبتغاه ويستريح بتواضع ويختتم الكلام: "لكنه في أعماقه الخفية كان يكركر فرحاً (بخبث ومكر) لأنه وجد أخيراً عشرة قراء يقرأون روايته".
- رواية “مؤنس الرزاز” رواية تمرد على حاكم وصديق خائن.
- تعتبر من أكثر الروايات جاذبية بأسلوب كاتبها وروعة ما يحمله من خيال قاتل بين سطور روايته.

- حبكة الرواية عبارة عن قصة قاتل مأجور كانت مهمته التالية صعبة نوعا ما ولكنه قام بها على اكمل وجه كانت المهم والهدف صديقه احمد ، الصديق ابن رجل مشهور قاموا بتصفية عائلته وبقي هو بين احضان صديقه وبنفس الوقت قاتله!! عندما علم أن ساعته أتت أخبر صديقه انه يريد ان يقتله وهو مستيقظ ولكنه قتله على حين غرة باعتقاد منه انه سوف ينسى ذلك المشهد بسهولة ولكن كانت الايام والنسيان الد اعداء القاتل، فلم يجد سبيلاً إلا الاعتراف بجرائمه لكي ينام ليلة هانئة فقرر الاعتراف الى غانية استمعت لاعترافاته لفترة طويلة شاهدت الندم وشاهدت الدموع وأحست الخوف والضعف والخيانة، ولكنها لم تسمع كلمة واحدة من اعترافات ذلك القاتل لأنها صماء!! لم يعلم القاتل ذلك وبالرغم من اعترافه لها كان هنالك خوفا ينمو داخله كون تلك الغانية دليل جرائمه !! ولكنه كان أكثر جزعاً وضعفا عند معرفته بعجزها عن السمع …..
--
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن
-أفي رواية "اعترافات كاتم صوت سنجد أن مؤنس الرزاز يستخدم تقنية مألوفة في الرواية المعاصرة، أي تلك التقنية التي يوزع فيها المؤلف الكلام على المتكلمين بطريقة غير منظمة دون أن يعمد على إدارة الحوار بينهم.
- فعندما يتكلم الأب في الرواية يكتفي بالحوار مع نفسه، وكذلك تفعل الأم والابنة الصغيرة في الإقامة الجبرية حيث تعيد الشخصيات أنتاج إحساسها بالعزلة والصمت.
- ومن هنا يأخذ عنوان القسم الأول من الرواية "مدارات الصدى" دلالته المحورية، إذ أن الصدى يحل محل الصوت في غياب أي تبادل حواري بين الشخصيات.
- من جهة أخرى يمكن القول إن هذا القسم من الرواية مبني استنادا إلى أسلوب زوايا النظر، ولكنها هنا زوايا نظر تخص أحداثا متعددة لا حدثا أو موقفا روائيا بعينه.
- وهو أسلوب يفيد في تقليب معنى الفعل أو الحدث على وجوه متعددة بتمريرها في منشور تكون وجوهه شخصيات عديدة.
- وهكذا يتحلل الفعل إلى زوايا نظر تمثل الأب والأم والابنة الصغيرة والملازم والراوي.
- تقوم الابنة بتدشين النص إذ تصف مشهد العزلة.
- إن الأبطال التراجيديين الثلاثة (الأب والأم والابنة) يغرقون في العزلة والصمت رغم وجودهم معا في بيت الاقامة الجبرية.
- ولا تتواصل العائلة المسجونة مع العالم الخارجي إلا عندما يتصل الابن من الخارج في يوم محدد من أيام الأسبوع.
- ويشكل التواصل المتقطع مع العالم الخارجي تمهيدا لانتقال الرواية من الحديث عن شخصيات الاقامة الجبرية إلى الحديث عن اعترافات يوسف/ كاتم الصوت.
- وما كان ممكنا لولا حركة الانتقال الذكية (من بيت العزلة إلى العالم الخارجي) تشريح أعماق القاتل/ كاتم الصوت الذي يحتل بؤرة العمل الروائي.
- تبدأ "اعترافات كاتم صوت" بمونولوج الابن، ويلخص هذا المونولوج ظروف الاقامة الجبرية، ثم يقوم الأب والأم بجلاء شروط هذه الاقامة ويوضحان قسمات المكان المستباح بأعين الحرس.
- كما نتبين من سياق الحوارات الداخلية للشخصيات أن الأب كان مسؤولا كبيرا في السلطة التي اعتقلته.
- وتتوضح في هذه الحوارات بعض خيوط حياة هذه الشخصيات حيث يتعرف القارئ على تاريخ الأب المناضل الذي وصل حزبه إلى السلطة ثم اختلف معه فزج به في الاقامة الجبرية، وعلى تاريخ الأم التي أحبت الأب وتزوجته إعجابا به وبأفكاره السياسية.
- القسم الخاص بـ"اعترافات كاتم الصوت" يشكل المادة الأساسية في العمل، وليست الأقسام الأخرى سوى وسائل لايضاح الظروف المحيطة والانتقال إلى لحظة الاعتراف.
- ومن هنا يستخدم الكاتب في هذا القسم ضمير المتكلم موحيا بالبعد الحميم من أبعاد الاعتراف والبوح الداخلي.
- إن الصفحات (51-70) هي جملة اعتراف متصلة يقوم يوسف من خلالها بتحليل وظيفته ككاتم للأصوات شارحا لنا الأسباب التي جعلته يمتهن هذه الوظيفة.
- ويبدو المؤلف وكأنه يفرد الفضاء السردي لاعتراف كاتم الصوت عبر مونولوج طويل يتحدث فيه يوسف لسيلفيا التي استأجرها ليسرد لها اعترافاته. لكن سيلفيا لا تسمع بل تقرأ حركات الشفاه، وبما أن شارب يوسف عريض يغطي شفتيه فإنها لا تعرف عم يتحدث!
- نقبض في لحظة الاعتراف إذا على المفارقة الساخرة التي تغلف فضاء النص.
- ونحن في البداية نظن أن كاتم الصوت وحده هو الذي يجهر بصوته، وعندما نتقدم في النص نكتشف أن الطرف الذي يفترض أن يسمع الاعتراف يعاني من الصمم.
- لكن المفارقة الكبرى تتمثل في كون كاتم الصوت نفسه لا يدرك أن سيلفيا لا تسمعه.
- بهذا المعنى تطابق اللعبة السردية، التي يتوسلها الكاتب، بين صوت يوسف ومسدسه الكاتم للصوت.
- وهكذا فان الإيهام السردي، من خلال الإيحاء بالحميمية وتحقق لحظة الاعتراف وتحويل ما نسميه بالسامع الضمني إلى صورته المادية الملموسة في النص الروائي، هو وسيلة لتقليص الفعالية التي يحققها بروز ضمير المتكلم في النص لأن يوسف/ كاتم الصوت، مثله مثل العائلة المقيمة في الإقامة الجبرية، محكوم بالعزلة والصمت.
- ولعل اصطناع شخصية كاتم الصوت ووضعية الاعتراف كذلك تكشف عن نية الكاتب الاختفاء وراء الشخصية للتشديد على منظوره للعالم بأن يجعل كاتم الصوت يمارس اعترافا كاريكاتوريا أمام فتاة صماء دون أن يكتشف للحظة واحدة أنه يعري ذاته لذاته لا تسمعه الفتاة التي استأجرها لتحقيق فعل الاعتراف والتطهر من أدران ما فعله.

- إذا كانت "اعترافات كاتم صوت" تمثل في عمل الرزاز رواية الأصوات وزوايا النظر التي تجلو في حكاياتها وتأملاتها الشخصية فكرة التحلل وسقوط القيم والمشاريع القومية الكبرى عبر تآكل الحزب والفكرة التي يقوم عليها، فإن "متاهة الأعراف في ناطحات السراب"(3) هي رواية الطبقات المتراكبة واللاوعي الجمعي الغائر حيث يستخدم الكاتب نظرية كارل يونغ عن طبقات اللاوعي وأسلوب ألف ليلة وليلة السردي ليقيم معماره الروائي.
- إن الليل الذي تحكي فيه شهرزاد يقابل النهار الذي تتحقق فيه حكايات الليل حيث يدرك القارئ من سياق السرد أن الحاضر يكرر الماضي كما يكرر النهار الليل.

- إن بناء العمل شديد التركيب لكن ما يهمنا في هذا السياق هو أطروحة العمل الأساسية، أي كيف يصبح التراث وسيلة لتفسير ما يعرضه العمل الروائي، وكيف يصبح حكي شهرزاد رمزا للعلاقة بين الحاضر والماضي، بين الوعي الفردي والوعي الجمعي، الشعور واللاشعور، وبين طبقات اللاوعي المتراكمة الغائرة داخل الإنسان العربي المعاصر.
- ويعمل الرزاز في هذا الإطار على تقديم تصور مركب للواقع العربي المعاصر ملمحا إلى كون الراهن يتشكل من طبقات متراكمة من وعي العصور الماضية تؤثر لا شعوريا في استجابات الإنسان العربي المعاصر وتكبله وتكبح أفعاله ورغباته، ومن ثم يكون التراث لا قناعا يؤدي وظيفة شكلية في العمل بل جزءا من تكوين الوعي. إن استعارة صوت شهرزاد الحكي عن الماضي، والحديث عن طبقات اللاوعي الراسخة في وجدان الشخصية العربية، ما يجعلها تتصرف دون أن تعلم بوحي من رواسب هذا اللاوعي،
-كل ذلك يكشف اطروحة العمل وتفسيره اليونغي (نسبة إلى كارل يونغ) للعلاقة بين الفرد وتراثه الجمعي
--------

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن

- عن مجلة أفكار الأردنية : " إن مشهد اعتقال الأب البعثي سيبقى ماثلاً لسنوات طويلة في ذاكرة الطفل ذي الحساسيةالمفرطة كما أن نهاية الأب في أقامته الجبرية ثم موته الدراماتيكي سيشكل ناظما أساسياً لوجدان الكتابة وضميرها عند مؤنس الرزاز .
- ولهذا كانت كتاباته تتأرجح بين ماهو مأساوي وفانتازي وبين ماهو خارجي وداخلي وسياسي ووجودي وبين الكآبة الشخصية والهجاء السياسي حتى بدا انه يعاني العالم كقضية شخصية .

- فنجد مثلاً أن روايته (اعترفات كاتم صوت ) كأنها قصيدة عن سجن ابية ووثيقة للعذاب الشخصي

- ذلك انه جعل من جرحه الخاص موضوعاً عاماً وفناً روائياً
- وفي رواياته الأخرى اللاحقة ينشطر البناء الروائي موضوعياً ونفسياً كشكل آخر من أشكال إعادة بناء النفس أو محاولة التخفيف من تمزقها وكوابيسها ,
- ربما لم تكن شخصياته الروائية نسخاً عنه وبالتأكيد هي ليست كذلك لكنها على الأقل عاشت الإيقاع ذاته والانشطارات ذاتها ,
- من هنا تصدعت البنيةالروائية كمحيط حاضن لها تماماً كما تصدعت الأحلام والأحوال العامة فتركها تنحو منحنى غرائبياً هذيانياً ."

- يمثل الروائي الأردني مؤنس الرزاز صوتًا متميزًا في الرواية العربية الحديثة منذ الثمانينيات.
- وينبع هذا التميز من التكوين المركّب للكاتب, الذي جمع بين ثقافة دارس الفلسفة والكاتب الصحفي والمترجم, وبين خبرات المسافر وراء الحلم القومي في عواصمه الكبرى, وتجربة المقاتل.
- يضاف إلى هذا كله ممارسة مرّةللعمل السياسي والحزبي. .
- مثّلت رواية الرزّاز الأولى (أحياء في البحر الميت) انتقالاً في رؤية الواقع العربي, ونضجًا في التشكيل الروائي. وشكّل الرزاز الضلعالثالث للمثلث الذي دخل بالرواية الأردنية فضاء الرواية العربية الجديدة والحداثية.
- تناولت رواية الرزاز الثانية (اعترافات كاتم صوت) (1986) موضوع القمع.
- بينما كانت ثالثته (متاهة الأعراب في ناطحات السحاب) (1986) بناءً فنيًّا يبعث على الدهشة, ويوغل في عالم اللاشعوروالثنائيات المتضادة, ويحكي عن المدن العربية وعن فلسطين, وعن الرمال والبداوة والعمل الحزبي.
- وجرّب الكاتب - في تلك الرواية - إمكانات اللغة المتصلة بالتراث والمنفتحة على العصر. واستعاد الماضي, وقرأ الحاضر, في محاولة للتحرر من سلطة السائد. .
- واصل مؤنس عطاءه, وعكست رواياته في التسعينيات تحولاً جديدًا في الشكل, وتركيزًا على واقع بلاده: (جمعة القفاري), (قبعتان لرأس واحد), (الذاكرةالمستباحة), (الشظايا والفسيفساء), (عصابة الوردة الدامية), وقد رسّخت هذه الأعمال موقع الرزاز بين الروائيين العرب, وأظهرته كاتبًا ماضيًا في التجريب والبحث, ومحيطًا بفن المعمار الروائي, ومناضلاً في الدفاع عن الحرية والعدل وكرامة الإنسان. ."

- من يقارب عالم مؤنس الرزّاز الروائي، يخيّل إليه للوهلة الأولى، أنّه يحاذي بعض "أشراك" الأدب المُسيّس. لكنّه سرعان ما يكتشف، أنّ السياسة هُنا، ليست غاية بذاتها أو هدفاً بذاته، بل هي وسيلة من وسائل المعرفة،وطريقة من طرق الوعي والتحليل.
- وعلى الرغم من انغماس مؤنس الرزّاز، في الحياةالسياسيّة، بل والنضال السياسيّ، فهو استطاع أن يفصل بين النضال والأدب، موظِّفاً السياسة في سبيل الأدب، لا العكس.
- ورواياته الكثيرة، تشهد على هذه الخصيصة.
- فالسياسة تحاذي الفنّ الروائيّ، ولكنّها لا تلقي بظلّها عليه، بل هو الذي يلقي بظلّه عليها.
- وقد تمكّن الرزّاز، أن يبتعد أيضاً، عن مزلق الآيديولوجيا والإلتزام المباشر، منصرفاً إلى الفنّ الروائي، في كلّ ما يعني، من بناء عالم وشخصيّات، ومن تخطٍّ للمعايير الثابتة، وترسيخ للحداثة، ومن سخريّة وهجائيّة."
--
·تابع .تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن.

- مؤنس كان يخاف أن يدهمه شبح الموت قبل أن يكمل مشروعه الذي زاوج فيه بين حرفة الكاتب المتملك لناصية النوع الروائي وحرارة التجربة الشخصية التي وزعها الكاتب على أعماله كلها.

- أدرك مؤنس أن عليه أن يبدأ كتابته مما انتهت إليه الكتابة الروائية العربية في السبعينات وما حققه جيل الستينات من تطوير للكتابة الروائية المحفوظية.

- ولعل «أحياء في البحر الميت» ترجّع صدى «أنت منذ اليوم» لتيسير سبول و «المتشائل» لإميل حبيبي، إذ يقيم الكاتب تناصاً مع هذين العملين ويخبر القارئ أن روايته تطمح إلى كتابة الواقع بطريقة قريبة من شكل تمثيل الواقع العربي المعاصر في هذين العملين الروائيين الأثيرين إلى نفسه.
- وتقيم رواية مؤنس الأولى، في الوقت نفسه، جسور نسب مع الرواية الحديثة في العالم ممثلة في «البحث عن الزمن الضائع» لمارسيل بروست و «عوليس» لجيمس جويس وغيرهما من كلاسيكيات الرواية الحداثية في العالم.
- في تلك الرواية، التي تحكي عن انهيار القيم والمؤسسات القومية، وتشير بصورة غير مباشرة إلى تجربة مؤنس ووالده منيف الرزاز السياسية المرة، يؤسس مؤنس لشكل من الكتابة الروائية تعبر فيه التقنيات والشكل وزوايا النظر وأنواع الرواة عن أطروحة الانهيار التي تسكن أعماله الروائية التالية حيث يعمد إلى العناية بالشكل الروائي والمعمار المعقد للسرد، وتصبح تقنية تعدد الرواة وزوايا النظر حجر الأساس في أسلوب كتابته الروائية.
- في «أحياء في البحر الميت» ينسحب الكاتب من عمله مختفياً وراء إحدى شخصياته مضاعفاً فعل الاختفاء بجعله شخصية مثقال طحيمر الزعل تختفي وراء عناد الشاهد.
- وتكمن فرادة «أحياء في البحر الميت» في هذه اللعبة السردية، حيث يصبح البناء الروائي شديد التركيب، وتصبح الشخصيات الروائية شبحية، وتنسب فعل الكتابة الروائية إلى بعضها بعضاً، فيكتب عناد الشاهد ويعيد مثقال تنظيم أوراقه.
- ويبدو هذا المدخل الذي تتوسله الرواية تبريراً للعبة الشكل الروائي الجديد وإيهاماً للقارئ (في لعبة تغريب بريختية معكوسة) أن العمل ليس سوى هلوسات غائب عن الوعي والعالم، ويتوسل الروائي هذا الشكل للفت انتباه القارئ إلى بؤرة التجربة وأعماقها الغائرة، أي إلى التجربة السياسية الفاشلة التي خاضها عناد الشاهد.
- ليسـت «أحـياء في البحر الميت» مجرد باكورة روائية بل هي عمل تأسيسي نـجـد فـيه بــذور أعـمـال الرزاز التـالـيـة التي وسعت من أفق أطروحة الانـهيار وأقـامت من الشخصيات والأحداث والأفكار والـتأمـلات برهاناً على صحتها في الرواية والواقع.
- كان مؤنـس مـسكوناً بهذه الأطروحة يحاول تجسيدها في عمله الـروائي والتعبير عنها في مقالاته الصـحافية حتى تمكنت منه وأصبحت هاجسه وديدنه في الحياة والكتابة.
- في روايته «اعترافات كاتم صوت» يعيد مؤنس الرزاز تركيب أطروحة الانهيار من خلال تحليل واقع المؤسسة الحزبية القومية التي تحولت إلى مؤسسة توتاليتارية مرعبة تأكل أبناءها، وتستبدل الحزب القائد بالقائد الأوحد، مؤدية إلى تبخر فكرة الثورة وعلاقتها بالجماهير التي ادعت أنها قامت من أجلها.
- وقد استعمل مؤنس، للتعرف الى تحولات السلطة وتوالد القمع وازدياد سطوته، تقنية الأصوات وزوايا النظر المتعددة من خلال إعطاء الكلام للقامع والمقموع والشخصيات المراقبة في الآن نفسه.
- وتجلو هذه الشخصيات في حكاياتها وتأملاتها فكرة التحلل وسقوط القيم والمشاريع القومية الكبرى عبر تآكل الحزب والفكرة التي يقوم عليها.
- وعلى رغم تخلل سيرة مؤنس الشخصية لـ «اعترافات كاتم صوت»، إذ إن أسرته حاضرة بوضوح في هذا العمل كما هي حاضرة في «أحياء في البحر الميت» وفي أعماله التالية، فإن تقنية زوايا النظر تتيح المجال للكاتب لكي يخفي، ما أمكنه، بعد السيرة الذاتية في العمل، معمقاً هذا البعد الأساسي في أعمال مؤنس الروائية كلها.
- ينبغي أن نتنبه في هذا السياق الى أن روايات مؤنس تستند إلى نتف من حياته الشخصية، والأمكنة التي عايشها، والأشخاص الذين التقاهم أو أقام معهم صداقات عميقة طوال حياته. لكن هذا البعد الشخصي في تجربته الروائية يجري تغريبه، وتذويبه في مادة الرواية التجريبية التي تقوم لديه على اختبار السرد وقدرته على تصوير الواقع في رواية تشكك بمادتها على الدوام، ما يجعل القارئ في «اعترافات كاتم صوت» (التي تستند في مادتها الروائية إلى حكاية إقامة منيف الرزاز الجبرية في ظل حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين ووفاته وهو رهن تلك الإقامة وعودته إلى الأردن في تابوت) يحار في طبيعة العلاقة بين شخصية كاتم الصوت والرجل الذي يفكر في قتله.
- إن غاية هذا العمل الروائي هي سبر غور الشخصيات، والتعرف إلى آليات تفكير مثل هذه الشخصيات العصابية التي يستخدمها الحاكم المستبد للقتل والتخلص من مناوئيه في السلطة.
- في «متاهة الأعراب في ناطحات السراب» يبني مؤنس الرزاز رواية الطبقات المتراكبة واللاوعي الجمعي الغائر، حيث يستخدم الكاتب نظرية عالم النفس السويسري كارل غوستاف يونغ عن طبقات اللاوعي الجمعي، المتراصفة طبقة وراء طبقة والتي تكرر نفسها في لاوعي الأفراد، لبحث كيفية تفكير العرب المعاصرين، والتمثيل روائياً (من خلال توالد الشخصيات من بعضها بعضاً، وحلول الواحدة منها محل الأخرى، والاعتماد في ذلك على عقيدة التناسخ) على شدة تأثير الماضي وأزماته في حياة العرب في الزمان الحاضر.
- ولكي يستطيع الروائي إقامة بنائه السردي الذي يستند إلى فكرة مستلة من علم نفس الجماعات، ويجعل في الإمكان تمثيل هذه الفكرة روائياً، من دون أن تتحول الشخصيات إلى مشاجب للأفكار وترجمة للقراءة النظرية للتاريخ، فإن الرزاز يستخدم أسلوب «ألف ليلة وليلة» السردي، حيث تتوالد الحكايات من الحكايات، ويتشابك السرد، وينشق وعي الشخصيات الآتية من الماضي السحيق والمقيمة في الحاضر في الآن نفسه، مؤسساً بذلك معماراً روائياً مركباً يسبر أغوار النفسية العربية في اصطدامها بزمان التكنولوجيا المعاصرة والهيمنة الغربية.
- نعثر على هذه العلاقة التناقضية بين مادة الحكاية الواقعية والحكاية نفسها في «جمعة القفاري» و «مذكرات ديناصور» حيث تتميز الشخصيتان الرئيستان في هذين العملين بانفصالهما عن الواقع المحيط بهما، واغترابهما عن البيئة الاجتماعية وعدم قدرتهما على معايشة الواقع من حولهما.
- ومن هنا تنشأ المفارقة والباروديا (المحاكاة الساخرة) والسخرية المرة الجارحة في النص الروائي. ويكتشف القارئ أنه بإزاء عالم انكشف خواؤه الداخلي.
- كما تذكرنا الشخصيات التي يقوم الرزاز بتخليقها (جمعة القفاري في رواية «جمعة القفاري»، والديناصور في رواية «مذكرات ديناصور»، وبئر الأسرار في روايتي «سلطان النوم وزرقاء اليمامة» و «حين تستيقظ الأحلام») بـ «متشائل» إميل حبيبي و «الجندي الطيب شفايك» للكاتب التشيكي ياروسلاف هاشيك، وبالطبيعة المعقدة لهذه الشخصيات التي يكشف هؤلاء الروائيون من خلالها عن المستور والمحجوب من مادة الواقع اليومي، مبرزين بذلك التناقض الحاد بين المثال والواقع.
- أن الأعمال الأخيرة، بدءاً من «جمعة القفاري: يوميات نكرة» (1990) وانتهاء بـ «ليلة عسل» (2000)، قد كتبت تحت ضغط التعبير عن موضوعة جديدة تطورت في كتابات مؤنس، وهي تدور حول فكرة الإنسان الهامشي، أو أبله العائلة (بتعبير جان بول سارتر في كتابه عن الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير) أو ما يقع في دائرة الظل تطحنه الحياة اليومية الحديثة اللاهثة.
------

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت
الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن

- جمع في شخصيته ميزات استثنائيه جعلته بحق شخصيه تحوز الاجماع الوطني العام بشقية الرسمي والشعبي مثلما كان في حياتة يحوز على رضاء الجميع.

- لعل تجربة مؤنس الرزاز الابداعية تعتبر واحدة من أشد تجارب المتابه وضوحاً في انحيازها وطواعيتها لسياقات المحطات الحياتيه والتاريخيه وانعكاساً وتأثيراً , حتى بدا ان المعمار الروائي الذي شاده الراحل مؤنس انما استمد مادته الأساسية من هول الأيام وهواجس الذات وتجاربها المرة , ليس رصيداً عيانياً بقدر ماهو تفاعل مع مشهدياتها وأبجدياتها سواء بالتعبير عنها أو بمحاولات الخلاص وطئ قسوتها وشدتها .
- فذلك الطفل الذي سيولد لأب مناضل سيقضي طفولة مختلفه عن أقرانه فوالده الطبيب منيف الرزاز كان سياسياً معروفاً في فتره حفلت بكل عناصر الاندفاع حيث سيشهد الأبن مع ابية دورات متناقضة من التردد بين علو السلطة وإمتيازاتها وبين فداحة السجون والمعتقلات مقابل أحلام الأمه .
- ان مشهد أعتقال الأب البعثي سيبقى ماثلاً لسنوات طويله في ذاكرة الطفل ذي الحساسيه المفرطه كما أن نهاية الأب في أقامته الجبرية ثم موته الدراماتيكي سيشكل ناظما أساسياً لوجان الكتابة وضميرها عند مؤنس الرزاز .
- ولهذا كانت كتاباته تتأرجح بين ما هو مأساوي وفانتازي وبين ماهو خارجي وداخلي وسياسي ووجودي وبين الكآبة الشخصية والهجاء السياسي حتى بدا انه يعاني العالم كقضية شخصية .
- فنجد مثلاً أن روايته (أعترفات كاتم صوت ) كأنها قصيدة عن سجن ابية ووثيقة للعذاب الشخصي ذلك انه جعل من جرحه الخاص موضوعاً عاماً وفناً روائياً
- وفي رواياته الاخرى اللاحقه ينشطر البناء الروائي موضوعياً ونفسياً كشكل آخر من اشكال إعادة بناء النفس أو محاولة التخفيف من تمزقها وكوابيسها ,
- ربما لم تكن شخصياته الروائيه نسخاً عنه وبالتأكيد هي ليست كذلك لكنها على الأقل عاشت الإيقاع ذاته والانشطارات ذاتها , من هنا تصدعت البنيه الروائيه كمحيط حاضن لها تماماً كما تصدعت الأحلام والأحوال العامه فتركها تنحو منحنى غرائبياً هذيانياً.

. عن أعترافات كاتم صوت يقول الاستاذ حسين جلعاد " تجلى طموحي في أن أموت موتاً طبيعياً مبكراً لا منتحراً "...لعل هذه المقوله واحدة من أفجع مشاهد الاعترافات التي أنكب الراحل مؤنس الرزاز على كتابتها قبل رحيله , حين كان يؤشر على سيرة جوانبه لم ننتبه الى فداحتها إلا حين فاجأنا برحيله .

ايوب صابر 02-29-2016 03:58 PM

اليتيم رقم 8

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 57- رباعية بحري محمد جبريل مصر
- من واقع الدراسات النقدية التي قام بها مجموعة من النقاد.

- يقول الأستاذ صلاح فضل عن هذا الكتاب: هاهو محمد جبريل يمعن مرة أخرى_على طريقته التي تزاوج بين عوالم الغيب والشهادة_ في كتابة الحياة البحرية من داخلها، وهي تعبق برائحة البحر حين تفوح منها رائحة الإنسان المطحون المستلب، بكل أشواقه الروحية وانتفاضاته البشرية..

- على أن ما تمتاز به هذه الرواية لا يتمثل في كمية المعلومات التي تقدمها عن البحر والبشر، وإنما بطريقة انقداحها في أعماق الروح، لتشكل وعي الإنسان ومذاق الحياة في فمه. عندئذ نختبر توهج التجربة وهي تصنع حساسية الإنسان، وتصهر شخصيته، في لحظات الوجود المحتدمة.

- يرى البعض ان روايات محمد جبريل تظل ـ بعد الانتهاء من قراءتها ـ مفتوحة للتأويل؟ ولا تكون نهاياتها حاسمة ومحددة .

-يرى جبريل إن إنهاء العمل الإبداعي عند نقطة معينة محددة ينطوي على تعسف مطلق في التعامل مع حيوات كان يجب أن تظل مستمرة، وهي تلك التي كانت لشخصيات الرواية قبل أن تختفي بالنهاية المغلقة.

- ويرى إن القصة قد تنتهي عند نقطة ما تختارها، لكنها ليست النقطة التي تنتهي عندها حياة الشخصية ـ أو الشخصيات ـ في الرواية.

- ويقول جبريل - إذا كان تشيكوف يرفض أن يكون الكاتب قاضيا يحكم على شخصيات عمله الإبداعي ويُطالب بأن يكون شاهدا غير متحيز فإني أجد أن انحياز الكاتب لقضية ما ـ أو وجهة نظر معينة لموقف أو مجموع ـ مسألة مهمة ومطلوبة، بل إني أتصورها بالنسبة للمبدع الحقيقي مسألة بديهية.

- لجأ في كتاباتة إلى التراث في بعض أعماله في الرواية والقصة القصيرة ، وذلك لانه يرى بأنه جِماع خبرة الشعب في توالي عصوره وأجياله بكل ما تحمله من قيم وعادات وثقافات وسلوكيات.

- ويقول جبريل "من الصعب أن نُعيد الماضي بكامله، ومن الصعب كذلك أن نبني نهضة حقيقية، أن نضيف ونطور ونثري ما لم يكن ذلك كله مستنداً إلى تراث يأخذ منه، ويتصل به.

- ويقول "من الخطأ أن نرتمي في حضن التراث، كما أنه من الخطأ أن نرتمي في حضن الثقافة الغربية. نحن نفيد من التراث في تحقيق التواصل، ونفيد من الثقافة الغربية في تحقيق المعاصرة. الصواب أن نفيد من التراث ومن الثقافة الغربية المعاصرة في تحقيق شخصيتنا المنفردة، في صياغة ملامح متميزة لإبداعنا وفكرنا وثقافتنا الخاصة.

-ويقول جبريل في فن الكتابة الابداعية : " نصيحتي للأدباء الشبان ـ دائما ـ أن يحذفوا كل ما لا يحتاجه العمل الإبداعي، لا يشفقوا على عبارة جميلة، فيبقون عليها، حتى لو كانت نابية عن السياق. أذكرهم بما فعله تولستوي في "الحرب والسلام"، لقد بلغت أصولها ـ عقب الكتابة الأولى ـ أكثر من أربعين ألف صفحة فحذف الفنان تسعة أعشارها.
----
تابع...
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 57- رباعية بحري محمد جبريل مصر
- ملخص من واقع الدراسات النقدية التي قام بها مجموعة من النقاد.

- الولوج الي عالم محمد جبريل الانساني نوعا من الإبحار الممتع.
- يقول جبريل "اذا كان لبيئة البحر وما يتصل بها، انعكاسها في العديد من اعمالي الابداعية، فان البيئة الروحية لها انعكاسها كذلك في تلك الاعمال، مثل جوامع ابو العباس وياقوت العرش والبوصيري ونصر الدين وعبد الرحمن بن هرمز وعلي تمراز وثمة أضرحة كظمان والسيدة رقية وكشك وعشرات غيرها من جوامع اولياء الله الصالحين ومساجدهم وزواياهم واضرحتهم.

- في »رباعية بحري« يشعر الكاتب الكبير محمد جبريل أنه كتب كل ما في مخزونه الروحي ووصف طفولته وصباه متنقلا بين الجوامع الاربعة

- ويقول : رباعية بحري عملي روائي من اربعة اجزاء: أبو العباس، ياقوت العرش البوصيري، علي تمراز، تعرض للحياة في حي بحري منذ اواخر الحرب العالمية الثانية الي مطالع ثورة يوليو 1952

- وتتكون من :
- لوحات منفصلة
- تكامل اللحظة القصصيةز
- متصلة من حيث اتصال الاحداث
- تناغم المواقف
- تكرار الشخصيات ف (انسية) التي طالعتنا في بداية الجزء الاول من الرباعية، هي انسية التي انتهت بها احداث الجزء الرابع والاخير.
- وما بين البداية والنهاية نتعرف الي دورة الحياة من ميلاد وطفولة وختان وخطبة وزواج وانجاب وشيخوخة ووفاة، فضلاً عن الحياة في المعهد الديني بالمسافر خانة، وحلقة السمك وحياة الفتوات والعوالم وما يتسم به ذلك كله من اختلاف وتميز، بقدر اختلاف البيئة وتميزها.
- علي سبيل المثال فإن الحياة في البحر وصلة البحر واليابسة، والمؤمنين بطهارة الماء وقدرة البحر علي اعمال السحر، والحكايات والمعتقدات عن عرائس البحر والعوالم الغريبة وكنوز الاعماق، والخرافة، والاسطورة والزي التقليدي، والمواويل، والاغنيات، والامثال، والحكايات، وخاتم سليمان، والمهن المتصلة بمهنة الصيد كالصيد بالسنارة والطراحة والجرافة، واسرار الغوص في اعماق البحر، وغزل الشباك وصناعة البلانسات والفلايك والدناجل وغيره وركوب البحر، وبيع الجملة في حلقة السمك وبائعي الشروات..
- ذلك كله يتضح في الشخصيات التي كانت الحياة في البحر مورد الرزق الاهم - او الوحيد - لها.
- ويقول جبريل" في قصصي القصار تتناثر لمحات من الموروث الشعبي، متمثلة في العديد من سلوكيات الحياة والمفردات والتعبيرات، وغيرها مما يعبر عن التميز الذي تتسم به منطقة بحري في حدودها الجغرافية المحددة والمحدودة: الزي الوطني، الطب الشعبي، العاب الاطفال وأغنياتهم، نداءات الباعة، الكناية، التكية المعايره، القسم، الطرفة، المثل، الحلم، وغيرها..
- ويقول " الحق انني حين اراجع ابداعاتي التي وظفت - او استلهمت الموروث الشعبي اجد انها وليدة العفوية - ومحاولة التعبير عن الواقع، هذا هو ما افرزته تجربة الحياة والمشاهدة والقراءة والتعرف الي الخبرات، لم أتعمد الافادة من الموروث الشعبي بل هو الذي فرض معطياته في مجموع ما كتبت مثل روايتي القصيرة: »الصهبة« وروايتي: »بوح الاسرار«، و»زهرة الصباح« وغيرها.

- علي الرغم من نشأة الكاتب محمد جبريل يتيم الام - لقد ماتت والدته وهو دون العاشرة من عمره - الا انه يتحدث عن اثرها البالغ في تكوينه الابداعي قائلا: وعدت القارئ في سيرتي الذاتية » حكايات عن جزيرة فاروس« بأن يقتصر ما اذكره من الاعوام القليلة التي أمضتها امي في حياتنا علي بعض الصور او الومضات السريعة، رحلت امي قبل ان أبلغ العاشرة فتصورت ان ما اذكره لن يجاوز تلك الفترة الباكرة من حياتي فضلاً عن غياب الوعي بصورة كاملة او جزئية في الاعوام الاولي منها، لكن الذكريات التي كانت مطمورة ما لبثت ان استردتها الكتابة وهو ما سجلته في »مد الموج« و»الحياة ثانية« و»اغنيات« في العديد من اعمالي الروائية والقصصية.

- ولعل رصيد امي هو اول ما اذكره من أيامها بيننا، أشرت اليه في العديد من لوحات السيرة الذاتية، والقصص القصيرة وفي فصول سيرتي الذاتية،

قالت الجدة في شقة الطابق الرابع انها كانت تجلس بجوار امي تعودها لما انتفضت امي - فجأة - واشارت الي ما لم تتبينه العجوز وهتفت: ابعدوه من هنا! ثم سكت صوتها وجسدها امرني ابي بالنزول الي الطبيب الارمني في الطابق الاول، صعد الطبيب السلم بخطوات متباطئة وكان يقف في كل طابق، امام النافذة المطلة علي الشارع الخلفي، ربما ليأخذ انفاسه وكنت ادعوه - بيني وبين نفسي - الي الاسراع في الصعود كي ينقذ امي، أطال الطبيب تأمل الجسد الساكن، كانت العينان جاحظتين، والبطن منتفخا بصورة ملحوظة والجسد بكامله متصلبا، كأنه وضع في قالب، مال الرجل علي صدر امي وباعد بأصبعيه بين الجفنين، وضغط بقبضة يده علي البطن المنتفخة ثم هز رأسه في اسي: ماتت!
كانت امي مثلاً للحنان والقسوة في آن تثيب للفعل الطيب وتعاقب للخطأ التافه او الذي اتصوره تافها - كانت كما رويت في »مد الموج« تصر علي ان نذاكر حتي موعد النوم وترفض نزولنا للعب في الشارع الخلفي، لكنها كانت تحرص علي ان نجلس بحوار الراديو لسماع بابا صادق ثم بابا شارو في موعد برنامج الاطفال، ووافقت علي اقتراح اخي الاكبر بأن نشتري قطعة جاتوه بنقود العيدية التي اعطاها لنا خالي ووضعتها امي في درج الكومودينو وقالت امي: هل اذنت لكم قال اخي انها فلوسنا، ألقت علي الارض ما كانت تحمله، وسحبت من فوق الدولاب حبلا كانت تخصصه لعقابنا، لفته حول اقدامنا وتوالت ضرباتها بالشماعة حتي اجهدها التعب.
ماتت امي وكبرت انا وتزوجت وانجبت وكان من الطبيعي ان تعود الذكريات وتنشأ المقارنة وتتوضح معان كانت غائبة، من بينها اشفاق الابوين علي مستقبل ابنائهما والفارق بين التدليل والافساد والتعويد علي الحياة السهلة او تلك التي تحرص علي القيم كان الاشفاق والحنان والخشية من الانحراف هو الباعث وراء الايذاء المتواصل من امي.. ادركت ذلك متأخرا وبعد فوات الاوان.

- يقول الكاتب الكبير محمد جبريل محدثا نفسه: قد تهبني هامشية من الخبرات اضعاف ما احصل عليه من شخصية اختزنت المعرفة فظلت ساكنة في داخل الذهن والوجدان دون تأثير حقيقي عليها، وعلي من يخالطونها

- ويقول " فإن التأثير والتأثير، لا صلة لهما بمعرفة ولا ثقافة ولا مرحلة سنية.
- ويزعم كما يقول "انني افدت من رحلة امي القصيرة في حياتي ومن رفعة زوجتي زينب العسال الناصحة المشفقة المتدبرة ومن تمازج الطفولة والوعي في ابنتي امل لما لم تبدله الاعوام، ولعلني اذكر زواج خادمتنا »دهب« واستقلالها بحياتها لكنها ظلت علي صلتها الاسرية بنا، تزورنا وتسأل عن احوالنا - بالذات بعد ان رحلت امي - واضطر ابي - بتأثير المرض - الي لزوم البيت والاعتذار عن غالبية الاعمال التي عرضت عليه وكان مترجما! وعانينا ظروفا بالغة القسوة وصارحنا ابي - ذات يوم - ان »دهب« عرضت عليه مبلعا نجاوز به ظروفنا، وارفق ابي شكره باعتذار مؤدب فقد كان - كما قال لنا - يعرف ظروف دهب جيداً.
اذكر ايضا زوجة عم احمد الفكهاني في الشارع الخلفي الواصل بين بيتنا وجامع سيدي علي تمراز كانت اشد منا حرصا علي »الغديوه« التي نقيمها كل بضعة ايام، ابنها فتحي واخي وانا، نفسح لها اسفل عربة الفاكهة الصندوقية الشكل، تضيف الي ما نأتي به ثمار الفكاهة وطبق سلطة خضراء وخبز ساخن من الفرن القريب، تظل طيلة جلوسنا في ظل العربة توصينا بأنفسنا، وبالمذاكرة، وتدعو الله ان يفتح لنا ابواب المستقبل بشخصية الام المصرية في مثالها المكتمل!

---

تابع .. العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -57- رباعية بحري ل محمد جبريل

من عرض كتاب بقلم أحمد شبلول

-اذا كانت ثلاثية نجيب محفوظ -بين القصرين، قصر الشوق، السكرية- قد كتب لها الخلود في أدبنا العربي المعاصر، فإن رباعية محمد جبريل ـ التي اتخذ من أولياء الإسكندرية في منطقة بحري عناوين لأجزائها الأربعة –أبو العباس، ياقوت العرش، البوصيري، علي تمراز ـ ستخلِّدُ بلا شك كاتبها.

- فهذه الرباعية الروائية، أو هذا العمل الملحمي الكبير الذي يربو ـ في أجزائه الأربعة ـ على ألف صفحة، سيكون مثارا للحديث الطويل على مائدة النقد الأدبي الروائي لعقود طويلة قادمة.

- وربما تعقد مقارنات طويلة بينه وبين أعمال أخرى مهمة كتبت عن مدينة الإسكندرية مثل: رباعية الإسكندرية للورانس داريل من الأجانب، وأعمال مصطفى نصر وسعيد بكر ومحمد الصاوي وعبد الفتاح رزق وإبراهيم عبد المجيد وإدوار الخراط، وعبد الفتاح مرسي ومجدي عبد النبي، وغيرهم من أدبائنا المصريين الذين اتخذوا من الإسكندرية مكانا ومناخا وشخصيات تؤدي دورها في حقب مختلفة من عمر المدينة الذي تجاوز الألفين وثلاثمائة عام.

- رباعية محمد جبريل عمل ليس سهلا، ولم يكتب للتسلية والمزاح، ولكنه عمل صعب، يحتاج إلى أكثر من قراءة،


- فهو يجمع بين خبرات طويلة ومتعددة في الحياة وفي الأدب وفي الفن وفي الفكر، وأيضا في التصوف وفي الجنس


- وأعتقد أنهما ـ أي التصوف والجنس ـ في هذه الرباعية وجهان لعملة واحدة، هي الحياة البشرية في سموها وانجذابها نحو فك الأسر ومحاولة الانطلاق خارج حدود الزمان والمكان، وهذه الحياة في انحطاطها ودناوتها وسعيها إلى إشباع الغرائز السفلية بشتى الطرق

- وأحيانا يجنح الخيال بالكاتب في عالم التصوف فيقدم لنا العالم السري لشخصيات تسعى إلى الدخول في عالم المجاذيب مثل شخصية علي الراكشي،

- وأحيانا يسوق الكاتب قلمه لتصوير أحط أنواع الغرائز من خلال شخصية مثل شخصية أنسية،

- وأحيانا يقوده هذا القلم إلى التعرض لأنواع من الشذوذ الجنسي المتمثل في شخصية حمادة بك.

- وعندما يتعرض الكاتب لهذين الوجهين فإنه ينقدهما أو يرفضهما، ومن أجل هذا فهو يغوص في هذين العالمين المتناقضين بطريقة إما تدعو إلى الإعجاب والدهشة، أو بطريقة تدعو إلى اللوم والمؤاخذة.

- وفي كلتا الحالتين يُجيد الكاتب تصويرهما وتقديمهما متوسلا بذاكرة حديدية،ومَلَكَةٍ تصويرية يحسد عليها. ولعلي أكون من أصحاب الاتجاه الأول-الإعجاب والدهشة- فقد كنت أثناء قراءة هذه الرباعية شديد الانبهار بالعالم الذي يقدمه لنا محمد جبريل بشقيه ـ فضلا عن الجانب الأسطوري ـ لأنه في الواقع أضاف إلى خبراتي وثقافتي ـ وبالذات في عالم التصوف الذي تحول في هذه الرواية إلى عالم فني شديد الخصوبة والجمال ـ الكثير في هذا المجال.

- وبين شخصيتي الراكشي، وأنسية أبدع محمد جبريل في نسج مئات الشخصيات في رباعيته -التي قد تحتاج إلى معجم لرصدها بدقة- بعضها شخصيات رئيسية أو فاعلة مثل الجد السخاوي صاحب الخبرة الطويلة في عالم البحر والصيد-والذي حزنتُ كثيرا عندما مات قرب نهاية الرباعية، وكانت جنازته جنازة أسطورية أجاد الكاتب تصويرها بما يشعر القارئ بحزن المدينة كلها على وفاة هذا الجد الذي عمَّرَ في البحر طويلا-

-ولعل شخصية الجد السخاوي تقترب في بعض ملامحها من عجوز بحر أرنست هيمنجواي،

- وهناك أيضا سيد الفران الذي تزوج من أنسية رغم معرفته بأنها كانت تمارس البغاء قبل الزواج، ولكنه القلب وما يهوى.

-أيضا هناك عبد الله الكاشف الذي يبدأ ظهوره في الجزء الثالث من الرباعية –البوصيري- وهو ذلك الموظف الذي كان يعمل بسراي الحقانية ثم أحيل على المعاش القانوني لبلوغه سن الستين دون أن يتزوج، واكتفى بأن زوَّج أختيه، وظل يعاني الوحدة والقلق، ومن ثم يبدأ في خوض التجربة الروحية،

- لكنه لا يرقى إلى مرتبة علي الراكشي الذي اعتقد البعض أنه ولي من أولياء الله الصالحين، غير أنه غير ذلك في نظر أولاده وخاصة ابنه محمد الذي اتـهم أباه بأنه كان يتركهم نـهب الجوع والقلق، ويمضي في خزعبلاته، وتجاربه الروحية، ويتوهم أنه يستطيع أن يمد يده ويأتي لهم بالطعام من الهواء.

-وموقف محمد الراكشي هذا هو موقف الإدانة لعالم التصوف الذي أراد المؤلف أن يبثه من خلال إحدى الشخصيات غير الأساسية في الرباعية.

-وهناك الشيخ عبد الحفيظ، وأمين عزب، وغيرهما من أصحاب النظرة الإسلامية المعتدلة في الدين وفي الحياة.

- عشرات الشخصيات الحية والفاعلة على امتداد الرباعية، ومئات الشخصيات التي تظهر وتختفي، وتطفو على السطح مرة ثم تنمحي من الذاكرة، سواء من ذاكرة الكاتب أو ذاكرةالقارئ.

- ولعل الأسطى مواهب العالمة، وزوجها القواد، ومهجة وهشام من هذه الشخصيات التي ظهرت ثم اختفت، ولكنَّ ظهورَها أثار الحيوية في بعض أجزاء الرباعية،

-ولعل الكاتب قد توسَّل باسم مهجة ابنة سلطان الإسكندرية المرسي أبي العباس، وزوجة ياقوت العرش، لتكون امتدادا روحيا للأولياء والأقطاب السكندريين، ولكننا نفاجأ بأنه يقدم لنا مهجة أخرى تذهب إلى المدرسة، ثم تتزوج وتطلق في الليلة نفسها، ويحكم عليها أبوها بعدم الخروج من البيت، ثم تصل إلى مرحلة من مراحل اللامبالاة وعدم الاهتمام بالآخرين، ثم تغشى الشقق للحصول على المتعة، وترفض هشام الذي أحبها، والذي يموت ميتة بائسة بسببها.

- من ناحية أخرى نستطيع القول إن محمد جبريل خبر الحياة في حي بحري خبرة العارف بدقائقها وأسرارها وعوالمها السرية أو التحتية وأيضا أساطيرها -كرامات أولياء الله الصالحين بالمنطقة، شرب دم الترسة وما ينتج عنه، عروسة البحر وخطفها لرجال البحر أو الصيادين، مصارعة الكائنات البحرية العملاقة في عرض البحر والتغلب عليها .. الخ- ويمكن الرجوع للمزيد من هذه الناحية إلى سيرته الذاتية "حكايات عن جزيرة فاروس"

- تجول بنا الكاتب في عشرات الشوارع والأزقة والحواري، من أول سراي رأس التين وحتىالمنشية واللبان وكوم بكير (مركز الدعارة في الإسكندريةفي ذلك الوقت) وأجلسنا على عشرات المقاهي في الكثير من الأحياء، وأدخلنا في البيوت والشقق فعرفنا الكثير من أسرار العائلات السكندرية التي تقطن هذه الأحياء المجاورة لبعضها البعض، في تلك الحقبة التي كتبت فيها هذه الرباعية، وهي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى يوم 26 يوليو 1952، يوم خروج الملك فاروق من الإسكندرية.

- وبالمناسبة فإن التركيز لم يكن في هذه الرباعية على أحوال السياسة المصرية في تلك الحقبة، ولكن الحديث عن السياسة كان حديثا عارضا تَفرضه التجمعات أو جلسات الأصدقاء في المقاهي، أو التفكير في ترشيح حمادة بك لنفسه في انتخابات البرلمان. لذا فإنه عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 لم يكن هناك فهم دقيق للأمور من جانب بعض تلك الشخصيات البسيطة، بل مجرد عبارات متناثرة هنا وهناك، كأي مصري بسيط يلتقط خبرا من هنا وخبرا من هناك.

- وقد جاءت فكرة عدم التعمق في الأمور السياسية مواكبة تماما لتركيب معظم شخصيات هذه الرباعية التي أغلبها من الصيادين وصانعي القوارب وناسجي الشباك، وأصحاب الحرف البسيطة والمجاذيب والعاملين في الميناء وفي المساجد وغيرها. وعلى الرغم من ذلك قد الاحظ بعض التعليقات البسيطة التي يطلقها أحدهم فتعبر عن نظرة صائبة ودقيقة للأمور

- اعتمدت الرباعية في هيكلها البنائي على الفصول القصيرة، والقريبة في عدد صفحاتها من بعضها البعض ـ في معظم الأحيان ـ، واتخذ كل فصل عنوانا مستقلا، واقترب عدد الفصول من 150 فصلا روائيا.

-واقترب بعض هذه الفصول من تكنيك القصة القصيرة، التي تصلح لأن تنزع من السياق الروائي لتشكل عالما قصصيا قائما بذاته، ولكنه متى وضع مرة أخرى في هذا السياق فإنه يأخذ مساره الطبيعي ضمن العمل ككل.

-وأعتقد أن السبب من وراء ذلك ربما يعود إلى كتابة هذه الرباعية على فترات متقطعة ينشغل فيها الكاتب بأعمال أخرى، ثم يعود إلى الكتابة، ثم ينفصل، ثم يعود إلى الرباعية، وهكذا يشكل كل فصل عملا مستقلا، لكنه يقع ضمن الإطار العام للرباعية.

- وأحسب أن هذه ميزةٌ كبرى لهذا العمل الضخم فلا يشعر القارئ معه بالملل أو الإطالة غير المستحبة، أو التكرار والإعادة دون مبرر فني،

- ولكني على الرغم من هذا شعرت أحيانا أن الكاتب يكرر بعض المواقف وخاصة عند حديثه عن أهل الجذبة الصوفية.

- أيضا من الأشكال البنائية للرباعية لجوء الكاتب ـ في افتتاحية بعض الفصول ـ إلى الاستشهاد ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وكلماتٍ وأورادٍ لأقطاب التصوف: أبو الحسن الشاذلي وابن عطاء الله السكندري والمرسي أبو العباس والبوصيري وغيرهم، وهو بذلك يؤكد على الجو الصوفي الذي تدور في فلكه أجزاء كثيرة من العمل، ويعطي إشارات للأحوال التي يمر بها

- ولا تخلو الرباعية بالإضافة إلى ذلك، من أزجال وأغاني الصيادين وأغاني الأفراح الشعبية والموالد والطهور في مدينة الإسكندرية خلال تلك الحقبة التي تتحدث عنها الرباعية، فضلا عن الأناشيد الدينية وما يُتلى من أذكار وأوراد في حلقات الذكر والخلوة، وغيرها من طقوس الصوفية وأحوالهم،

- وأعتقد أن المؤلف بذل جهدا مضنيا في سبيل جمع أو تذكر هذه الأزجال والأغاني، وأعتقد أننا لو عكفنا على استخراج هذه الأغاني والأزجال والأذكار والأوراد .. الخ من الرباعية، لتوافرت لنا مادة فنية غنية، تصلح للدرس الأدبي فيما بعد.

-وعن بناء الجملة عند محمد جبريل في هذه الرواية، فقد اعتمد على الجملة القصيرة التلغرافية في أغلب الأحوال، ذات الإيحاء الدال،

- وفي كثير من الأحيان يكون التقديم والتأخير للاسم والفعل، وإدخال جملة قصيرة في سياق جملة أخرى دون أن ينتهي من الجملة الأساسية، من أهم سمات تركيب الجملة، مثل قوله: "حين انتقلت علية إلى بيت زوجها، أغمض عينيه، وتنهد"، ونحن في الأحوال العادية نقول: "أغمض عينيه، وتنهد، حين انتقلت علية إلى بيت زوجها"البوصيري، ص 177أو قوله: "ألفت توقفه ـ لا تناقشه ـ أمام باعة الصنف" (علي تمراز، ص 10) فهو يضع جملة إضافية، وهي هنا "لا تناقشه" بين شرطتين أمام جملة لم ينته من قولها بعد.

- ولعل من أهم ما يحسب للكاتب في هذا المقام استخدامه لعلامات الترقيم (مثل النقطة والفاصلة وعلامات التنصيص، والاقتباس وبداية القول ونهايته .. الخ) في مكانها المناسب تماما، ولعل السبب في ذلك يعود إلى تمرس الكاتب بالكتابة الصحفية والأدبية لعقود طويلة، واستخدامه جهاز الحاسوب (الكمبيوتر) لكتابة أعماله وتنضيدها وتنسيقها بمعرفته، ليس عن طريق المطبعةأو الناشر، إذ أنه من الملاحظ أن معظم الناشرين ـ في هذه الأيام ـ لم يهتموا بقواعد الكتابة، وبخاصة علامات الترقيم. وقد لوحظ بعض الأخطاء النحوية القليلة في بعض الصفحات، ولكنها لا تذكر بالقياس إلى حجم هذه الرباعية، وربما جاءت هذه الأخطاء نتيجة عدم المراجعة الدقيقة لبعض صفحات الرواية.

- هناك مقولة شاعت في حياتنا الأدبية والثقافية في الفترة الأخيرة، وهي "الروايةُ أصبحت الآن ديوان العرب"، وأتفق مع هذه المقولة تماما، إذا كانت الرواية التي تصلح لإطلاق هذه المقولة عليها مثل رواية "رباعية بحري" لمحمد جبريل.

- ونعني بأن الرواية هي ديوان العرب ـ في هذه الحالة ـ أن الرواية هي ديوان الحياة العربية المعاصرة بكل ما فيها من عبق الحياة المعاصرة بتياراتها واتجاهاتها وآراء من يعيشون فيها، إنها تحمل الإنسان والمجتمع والسياسة والاقتصاد والطب والفلسفة والعلوم، إنها تحمل الشعر، والقصة، واللغة المكثفة والمركزة والمقطرة والمتفجرة والشفافة، وتحمل أيضا الوصف فضلا عن السرد والحوار.

ايوب صابر 03-02-2016 05:45 PM

اليتيم رقم 9

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -75- ألف عام وعام من الحنين رشيد بوجدرة الجزائر

-- رشيد بوجدرة كاتب وروائي وشاعر جزائري ولد في 5 سبتمبر سنة 1941 م بمدينة عين البيضاء. اشتغل بالتعليم، وتقلد عدة مناصب منها، مستشار بوزارة الثقافة، أمين عام لرابطة حقوق الإنسان، أمين عام لاتحاد الكتاب الجزائريين.

في رواية ألف عام وعام من الحنين يلتحم الخيال بالواقع التحاما قويا الى درجة أنك لا تستطيع الفصل بينهما، بل تظهر كل محاولة للفصل بينهما مجرد عبث سيؤدي الى فراغ الرواية من محتواها.

- في هذه الرواية، يتصارع الممكن والمستحيل على حد سواء.

- الواقع في الرواية خيال والخيال واقع.

- إن بو جدرة يحلل التاريخ رابطاً الماضي بالحاضر من خلال ما جرى في التاريخ الإسلامي عبر (مملوكيته) وما يجري فيه حاليا عبر المملوكية (المتطورة في أشكال جديدة)،

- من هنا، كانت أهمية الرواية التنبؤية الداعية الى تأمل التاريخ، مرآة أية حضارة تطمح الى تجديد مجدها.

- الروائي رشيد بوجدرة طرح اسمه لأكثـر من مرة للفوز بجائزة غونكور للأدب الفرانكفوني، وحتى جائزة نوبل للآداب.

- وقد فاز بجائزة المكتبيين الجزائريين عن روايته الأخيرة ”نزل سان جورج”، ومن سخرية الأقدار أن الكاتب صاحب الشهرة العالمية الذي فرح بالجائزة اعتبرها أول تكريم له في بلده·

- ورواية ألف وعام من الحنين اختارها اتحاد الكتاب العرب ضمن قامئة أفضل مئة رواية عربية في تاريخ الأدب العربي.. رغم أن كاتبها كتبها باللغة الفرنسية!! وقد ترجمها إلى اللغة العربية الأديب ( مرزاق بقطاش).

---------------
- رشيد بوجدرة: كتبت بالفرنسية لأصبح معروفاً

- الروائي الفائز بجائزة المكتبيين الجزائريين عن روايته «نزل سان جورج» بدا نشطاً وحيوياً وفق إيقاع أعماله الروائية التي بلغت العشرين عملاً روائياً في اللغتين العربية والفرنسية، ومتابعاً لما ينشر من أعمال سردية حتى على مستوى منتديات الحوار على شبكة الانترنت.

- قدم رشيد بوجدرة الكثير من الأعمال الروائية، أبرزها: «الحلزون العنيد»، «الإنكار»، «التطليق»، «التفكك»، «تيميمون» وسواها.

- يقول الكتابة في الغرب جعلتنا نخلخل البنى الاجتماعية ونكسر التابوات. لم نر مثيلاً لنا في كتّاب المشرق العربي؛ فليس من بينهم من وظّف الجنس بطريقتنا، بالكيفية التي تتجلى في أعمالنا».

- يرد على سؤال : يقال إنكم اشتهرتم في إظهاركم عيوب العرب أمام الغربيين؟ـ نحن لم نرد ذلك، أردنا ان نظهر عيوبنا لأنفسنا، لكن الغرب استغل ذلك،

- نحن كتبنا بقصد النقد الذاتي، وقد استمتع القارئ العربي بذلك وبيعت أعمالنا في القاهرة والكويت بنسب كبيرة.

- روايتي «ألف عام وعام من الحنين» طبعت مرات عدة بخاصة هنا في الجزائر، وهذا يعني انها أعجبت القارئ العربي.

-وف يرده على سؤال : يرى بعضهم انك تأثرت بماركيز في رواية «ألف عام وعام من الحنين»؟ يقول "ليس صحيحاً، أعدائي من الجزائريين أشاعوا ذلك في وقت سابق، لكن روايتي هي قراءة مركزة للتاريخ العربي القديم.

- وفي المناسبة، «الواقعية السحرية» التي يقال ان ماركيز وكتّاب أميركا اللاتينية هم الذين أسسوها، بدأت عندنا لدى الحريري، في «المقامات» وفي «ألف ليلة وليلة». وماركيز ربما لا يعرف هذا العمل... الذي كتب قبل «الواقعية السحرية».

- بعض الجزائريين «المتفرنسين» أشاعوا مسألة تأثري بماركيز، لكن ما قدمته كان مختلفاً ونحن ككتاب مغاربة انفتحنا على التراث العربي.

- وفي مسألة التقنية، فإن تقنية الكتابة الحداثية هي تقنية «ألف ليلة وليلة». كل الكتّاب الغربيين في فرنسا وبريطانيا اعترفوا بذلك. علي اي حال من هو ماركيز قياساً الى «ألف ليلة»؟

- وللحقيقة روايتي «ألف عام وعام من الحنين» هي الأعمق، فيما «مئة عام من العزلة» لوحات ممازحة وكاريكاتورية تفتقر الى العمق.

- يقول عن لغة الكتابة : اللغة العربية هي الأفضل لكتابة الرواية بالطبع. عندما كتبت بالفرنسية لم أتجاوز نسبة محدودة من الصفحات. وفي العربية كتبت رواية بلغت ألف صفحة.

- ويقول " الكتابة باللغة العربية تتيح لي استخدام العامية، وهي توسع الفضاء أمامي، وقد درست الفلسفة والرياضيات ولدي منظور هندسي، لذا تمكنني اللغة العربية أكثر في التعبير، لكن الرواية في العالم العربي لا توزع أكثر من ألف نسخة، وفي الغرب تصل الى 27 ألف نسخة، وتلك هي المفارقة!

>وفي رد على سؤال : الرواية هل هي وثيقة تاريخية أم تجربة فنية محضة في رأيك؟ يقول " الرواية تجب قراءتها على أساس جمالي، يمكننا توظيف التاريخ ولكن ليظهر كعمل تخييلي لا كوثيقة. وبعض الأعمال الرديئة تعجز عن خلق هذا الفرق فلا تجد فيها المادة التاريخية الأمينة ولا التجربة الفنية الفعلية!

-------

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -75- ألف عام وعام من الحنين رشيد بوجدرة الجزائر

- تسعى هذه الدراسة إلى تسليط بعض الضوء على واحدة من أهم التجارب الروائية في المغرب العربي يمثّلها الروائي رشيد بو جدرة الذي غادر منذ الثمانينات “ فم الذئب” ليحبّر نصوصه باللغة العربية بعد أن أنجز مدونة روائية بلغة ديكارت جعلته في مصاف كبار الروائيين في الغرب وواحدا من أهم ممثلي تيار الرواية الجديدة في فرنسا إلى جانب كلود سيمون و ألان روب غريي و ناتالي ساروت ,

- غير أن نداء الهويّة جعله يغادر لغة فلوبار ليعود إلى لغته الأم و يقدّم مدوّنة جديدة بلغة الضاد أثبت بها أنّه متميّز دائما فأثرى بنصوصه المكتبة الروائية العربية بسرد مختلف ورؤى جديدة ,

- يمثّل رشيد بوجدرة حالة وجودية استثنائية بين الكتّاب العرب الذين مارسوا الكتابة بغير العربية، فقد انطلق الرجل في الكتابة بالفرنسية ليُعرف كاتبا فرونكفونيا إلى جانب محمد ديب ومالك حداد وليلى صبّار وآسيا جبّار فأصدر روايته التطليق (1969) والإنكار (1972) ثم الحلزون العنيد (1977) وألف وعام من الحنين (1979) والفائز بالكأس (1979).

- وبعد هذه المسيرة التي كرّسته كاتبا باللغة الفرنسية يرتدّ رشيد بوجدرة عن الفرنسية ويهجر متلقيه ليجترح سنة 1982 أوّل رواية باللغة العربية فكّك بها صلته الإبداعية بلغة فلوبار وفولتار ووسمها ب”التفكّك” ليبدأ رحلة إبداعية جديدة لا يعمل ماذا ينتظره على جنباتها.

- وبالفعل تعرّض بوجدرة إلى هجوم مزدوج ممّن طلّقهم، قرّاء ونقّادا فرنسيين وممن عاد إليهم قرّاء ونقّادا عربا.

- ويكفي أن نذكّر بما ورد في مجلة الوسط (العدد 85) بتاريخ 13/09/1993 على لسان حموش أبو بكر في مقاله : تجربة الكتابة باللغة الفرنسية. “رشيد بوجدرة، تحوّل إلى الكتابة باللغة العربية ونجح في الإبداع بها، غير عابئ بالضجّة السياسية التي أحاطت بقرار تخليه عن الكتابة باللغة الفرنسية.

- ويقال أن الأمر وصل بجريدة “لومند” الفرنسية إلى حدّ ردّ نسخ من روايات بوجدرة الجديدة. كانت أرسلت لها من قبل الناشر الفرنسي “دونوال” الذي قام بنشرها مترجمة عن العربية. ويبدو أن محرّر “لوموند” أرفق النسخ المترجمة برسالة إلى الناشر مفادها أنه لا جدوى من إرسال مثل هذه الروايات إلى الجريدة إذ أنها لن تكتب عن أي عمل لرشيد بوجدرة بعد تخلّيه – على حد تعبيرها – عن لغة ومنطق ديكارت “.

- لكن بوجدرة سرعان ما عبر مأزق الامتحان لتسّاقط من قلمه روايات أخر بلغة الضاد تثبت أنّ رواية “التفكّك” لم تكن بيضة الديك ولا هي نزوة إبداعية إنّما هي نقطة تحوّل كلّي في تجربة المبدع، فكانت روايات المرث (1984) وليليات امرأة آراق (1985) ومعركة الزقاق (1986) ثم جاءت مرحلة الصمت التي تزامنت مع اشتعال فتيل المحنة ليعود الرّجل إلى الكتابة ويكسر جدار الصمت في بداية التسعينات بنصّين روائيين يحملان بصمات المحنة وروائح سنوات الجمر وهما فوضى الأشياء (1990) وتيميمون (1994).

- يقول عن سؤال لماذا عاد الى العربية : يردّ الكاتب نفسه على هذا السؤال قائلا : ” عُدت للعربية بالغريزة، كنت منذ عام 1969، عندما بدأت الكتابة بالفرنسية أشعر بعقدة ذنب وحنين للعربية، وكانت علاقة عشق بالمعنى التصوّفي باللغة العربية، وكان انتقالي للعربية ناتجا عن ضغوط نفسية.

- كنت عندما أكتب بالفرنسية أعيش نوعا من العصاب بسبب عدم الكتابة بالعربية، في بعض الأحيان كنت تحت وطأة كوابيس أراني فيها فقدت النطق بالعربية أمام جمع حاشد “.

- وأقرّ بوجدرة بقصور اللغة الفرنسية على نقل أفكاره ومواضيعه المتعلّقة أساسا بالإنسان الجزائري العربي المسلم، وأبدى الكاتب ارتياحه للعودة إلى العربية التي مكّنته من الرقص على درجات سلّمها فاستخدم “اللغة الشعبية واللغة السوقية” يقول ” هناك شيء يسمّى اللغة العربية بقاموسها العظيم الزخم، كما هناك أيضا اللغة الشعبية وأقول في أحيان كثيرة اللغات الشعبية.

- فقد استعملت “الشاوية” مثلا في بعض الروايات من خلال منولوجات أو حوار [إن] إدخال اللغات الشعبية في الكتابة الغربية يعطي العمل الأدبي نوعا من الزخرفة والزخامة والقوة للنص العربي أكثر مما يعطيه للنص الفرنسي “.

- وفي حوار آخر يرى بوجدرة أنّ المستقبل للرّواية العربية المكتوبة بالعربية : “المستقبل بالفعل للرّواية الجديدة المكتوبة باللغة العربية “ وأن لا مستقبل للكتابة الروائية العربية باللغة الفرنسية.

- يمكننا أن نخلص من خلال هذه الآراء إلى أنّ عودة رشيد بوجدرة إلى اللغة العربية لها أسبابا عميقة وذاتية وأخرى موضوعيّة فهو يعيش في اغتراب لغوي، إنه يعيش خارج بيته ومسكنه أليست اللغة مسكن الكائن البشري ؟!

- وهذا ما جعله يفقد الإحساس بالأمان، مما ولّد عنده كوابيس تدور حول حادثة فقدان النطق بالعربية، وهذه الحادثة الذاتية النفسية يمكن فهمها في سياق أكبر، وهو علاقة اللغة بالهويّة. يبدو أن رشيد بوجدرة أصبح يشعر أنه مهدّد في هويّته العربية نتيجة استمرار حالة الاغتراب اللغوي، وهذا ما عجّل عودته إلى العربية ويذكّرنا هذا بعبارة مالك حدّاد الشهيرة “اللغة الفرنسية سجني ومنفاي “.

- أمّا الدافع الموضوعي للعودة فهو ارتباط مناخات الكتابة عنده بالفضاء والإنسان العربيين، واللغة الأجنبية لا يمكن أن تنقل خصوصيّة المناخ العربي وتفكير الإنسان الجزائري نقلا أمينا. كان رشيد بوجدرة يفكر بالعربية ويكتب بالفرنسية وفي تلك الرحلة بين لغة التفكير ولغة الكتابة تسقط أشياء كثيرة وأحيانا يسقط عمق الفكرة، فالأمر أشبه ما يكون برحلة النص بين لغتين من خلال الترجمة، فالترجمة ستظلّ خيانة للنص أبدا. وبعودة رشيد بوجدرة إلى العربية تطابقت لغة الفكر مع لغة الكتابة وسقطت رحلة الاغتراب.

- يتقاطع هذا السبب الموضوعي لعودة بوجدرة إلى العربية مع الأسئلة المصيرية التي طرحها محمد ديب ذات يوم على نفسه وعلى زملائه: “هل يمكن للإنسان أن يتلاءم مع ذاته وهو يبدع بلغة غيره، وأن يرتاح لذلك خاصة وهو يعرف أن لغته تمتلك قدرات حضارية وتعبيرية عالية ؟

- وأضاف “بعد أكثر من نصف قرن من الإبداع بلغة الغير، التفت إلى تجربتي فرأيت بكل حسرة أنها بلا جدوى. لقد بقيت دوما أعيش غربة المقصّ ووحشة المجهول. وأحس أنني أعسكر وحيدا في حقل أجرد للغة أخرى، تائه أترقّب وهم التجذّر في مجالات ومدن أغلقت في وجهي إلى الأبد. فبقيت كالغجري، على أبوابها، وأهلها يخافون منّي، عيونهم مفتوحة عليّ خشية أن أسرق دجاجهم !!!”.

- وإجابة عن تلك الأسئلة ترك كاتب ياسين “فم الذئب” وكتب نصوصه المسرحية بالعربية الجزائرية وعاد رشيد بوجدرة إلى لغة الضادّ في أوج شهرته.

- مثّلت عودة رشيد بوجدرة إلى اللغة العربية مكسبا كبيرا للرّواية العربية الجزائرية من ناحية ومكسبا آخر للرواية العربية عامّة، خاصة أن الرجل عاد مُدجّجا في تجربة ووعي كبيرين بالكتابة الرّوائية.

- وقد عاد رشيد بوجدرة إلى العربية عودة الفارس المنتصر لا الجندي المهزوم حيث تخلّى عن انتصاراته ومناصريه وغنائمه ليغيّر اتجاه السير في حركة لا يجرؤ عليها إلاّ الثّوار وكان بالفعل ثائرا في نصوصه على كل ما هو سائد من أساليب كتابة ومضامين متن ليؤسّس” فاجعة “الكتابة العربية.

- فشكّلت نصوصه مأزقا حقيقيا للكاتب العربي التقليدي الذي تربّى على الخمول والمهادنة والتقنّع. لقد اجترح رشيد بوجدرة مسلكا جديدا للإبداع العربي علامته الأولى الكتابة دون حدود وخارج سلطة الرقابة (الفنية، السياسية، الدينية) فتحرّر من كل ما يعيق العمل الإبداعي ليحاور في جرأة كبيرة كل المحرّمات والمقدّسات التي كرّستها الكتابة المنحنية، فأعاد للمرأة العربية لسانها المنهوب منذ شهرزاد حتى تقول ذاتها، فكرا وجسدا، وتصدّى للسلطة السياسية ففضح فسادها وكشف آلاعيبها وواجه التاريخ العربي المزيّف بحقائق الوقائع لتتعرّى أمام القارئ العربي قرونا من الوهم والحمل الكاذب.

- لقد اختارت الكتابة السردية عند رشيد بوجدرة أن تكون كتابة عقوق، وكتابة مقاومة وكتابة انحراف عن الطرق المسطورة وكتابة تمرّد على تاريخ الكتابة العربية. إنها كتابة السفلي (الجسد) لكشف العلوي (الفكر) وفضحه فانشغلت نصوصه بتعرية المستور وحرق ورقة التوت الشهيرة ليكون ساردا لا يحتمل يتمترس وراء معجمه الخاص ليعبّر عن عصره الموبوء بكل العورات.

- رشيد بوجدرة هو لا وعي الإنسان العربي، إذ انقلبت نصوصه إلى لوحات سلفادورية(نسبة إلى الرسّام السريالي سلفادور دالي) تعهر بجرأة عظيمة ومستحيلة بين أحضان الحروف العربية. لقد خلّصها الرّوائي رشيد بوجدرة من قداستها، ليحوّلها إلى لغة ماجنة معربدة، لغة أيروسية تلتذّ خيانة نفسها وتعلن في غير تردّد ارتدادها.

- إنّّ اللغة العربية, مع بوجدرة, لم يعد إعجازها متمثّلا في كونها لغة النصّ الديني/ المقدّس فقط ، إنّما تمثّل إعجازها الحقيقي في قدرتها على قول المدنّس و تصويره بنفس القدرة و الكفاءة . غير أن هذه العودة لم تدم طويلا إذ عاد بوجدرة إلى "فم الذئب" ليكتب بلغة مستعمره القديم بعد أن خابت توقعاته عن المتلقي العربي .

- فقد ظلّ بوجدرة يهاجم في كل محفل إلى أن تحوّل فم الأم الحاضنة إلى فم أشرس من فم الذئب الذي اشتكى من أنيابه كاتب ياسين . من السّرد الحداثي عند رشيد بو جدرة .

- لا يمكن أن نلمّ بكلّ الجوانب التي تجعل من رواية بو جدرة رواية غير تقليدية ,رواية تجنح إلى الحداثة, لذلك سنكتفي بعنصرين اثنين نقارب من خلالهما نماذج من تجربته -ما كتبه منها بالفرنسية و ما حبّره بالعربيّة- و هما :التكرار و ما أطلقنا عليه عبارة ؛شعريّة العين و الأذن .

- يتّفق كل من جرار جينيت وتودوروف حول مفهوم السرد المكرر , باعتباره أحد أشكال التواتر الثلاث :”السرد المفرد” و”السرد المكرر” و”السرد المجمع” فيقول تودوروف مثلا “هناك ميزة أساسية في العلاقة بين زمن الخطاب و زمن التخيل في التواتر وأمامنا هنا ثلاث إمكانيات نظرية :القص المفرد حيث يستحضر خطاب واحد حدثا واحدا بعينه,ثم القص المكرر حيث تستحضر عدة خطابات حدثا واحدا بعينه وأخيرا الخطاب المؤلف حيث يستحضر خطاب واحد جمعا من الأحداث” وهذا ذات التقسيم لأشكال القص الذي نجده عند جرار جينيت في مؤلفه صورر 3 أين أشار إلى حضور السرد المكرر عند ألان روب غريي ويلح خاصة على أهمية هذا الأ سلوب عند رواد الرواية التراسلية في القرن التاسع عشر ويمثل السرد الاعادي علامة بارزة في مؤلفات الروائي رشيد بو جدرة ويتخذ مستويات متعددة وأشكالا مختلفة ,ويمكن للقارئ أن يكتشف ذلك بسهولة سواء كان قارئا عابرا أم كان مقيما في مدونة صاحب “التفكك” إذ يحضر التكرار عند بوجدرة في العمل الروائي الواحد من خلال تردد مقاطع سردية معينة على امتداد النص كما هو الشأن في رواياته “ضربة جزاء “و “التطليق” و”الحلزون العنيد”و “معركة الزقاق”… ويكون هذا التكرار إما إعادة نسخية لمقطع سردي ,أي كما ورد أول مرة أو إعادة المعنى أو إعادة سرد الحدث بأسلوب آخر .ويتخذ التكرار ساعة شكل “التكرار المتدرج” كما يسميه محمد سار ي في مقاله “رشيد بو جدرة وهاجس الحداثة” وهو تكرار “تصاعدي” يأتي دائما بالجديد شبّهه الناقد “بقوقعة الحلزون التي تنتظم على شكل لولبي يبتدئ من نقطة مركزية ليتطور نحو الخارج”.

- ولكننا نعتقد أن أهم شكل من أشكال التكرار الذي ميّز كتابات بو جدرة هو التكرار العابر للرّوايات .وهذا أسلوب لم أعثر عليه عند غيره وإن وجد فبأنماط لا ترقى إلى ما ظهر عليه عند بوجدرة فنعثر بسهولة على مقاطع كثيرة ترتحل من نصّ الى آخر نسخا أو ببعض التغيير الطفيف .ويمكن رصد هذا الأسلوب في كل روايات بو جدرة وخاصة في رواياته “ضربة جزاء” و”الحلزون العنيد”و”ليليات امرأة آرق “حيث تتداخل هذه الروايات بشكل لافت

- ويتواصل ارتحال المقاطع السردية بين الروايتين فيعيد الروائي سرد حادثة المرأة التي اغتصبها زوجها ليلة العرس بوحشية فخاطت جهازها التناسلي وانتحرت .ويمتد سرد هذه الحادثة على ثلاث صفحات في رواية “ضربة جزاء (94 .95 .96 ) وعلى خمس صفحات في ليليات امرأة (41.40,39,38,37.) ولم نر تغييرا في سرد تلك المقاطع ما عدى تغيير الضمائر فبعد أن كان السرد منسوبا إلى رجل في رواية “ضربة جزاء” نسبه إلى امرأة في “ليليات امرأة آرق”.

- ولا يخرج التكرار عن هذه الملامح العامة بين رواية “الحلزون العنيد” و”ليليات امرأة آرق” فالليليات تكاد تستنسخ في جزء منها رواية الحلزون العنيد. وقد تركز التكرار خاصة على الجانب المعرفي الذي رشحت به الرواية الأولى حيث تستعيد سعاد في ليلياتها تلك المعلومات التي دونها الراوي في الحلزون العنيد حول الحلزون والخنزير والجرذان .واختار الروائي مقاطع محددة من الرواية الأولى ليقحمها في الرواية الجديدة وهي تلك المقاطع المتعلقة بالجنس والقدرة الجنسية فأعاد سرد ما ذكره عن القدرة الجنسية للحلزون الذي يقضي أربع ساعات في السفاد وذكر قدرة الخنزير الذي يقذف نصف لتر من المني فيقول مثلا في الحلزون العنيد :” الحلازن .تلتذ لمدة أربع ساعات.الحلزون في الميثولوجيا الكونية متصل أوثق الاتصال بالقمر وبالتجدد…(ص ص.78.77).

- ويعود إلى هذه المعلومة في ليليات سعاد التي تقول متحدثة عن عشيقها .”عاد متشنجا و عدائيا.ممتلئا حقدا وغطرسة .عيناه ممتلئتان قذارة وزهوا ونكلة .قلت في نفسي :إنها زلتي الأولى .تذكرت الحلازن في الحديقة ما قرأته عن طاقاتهم الهائلة .احتقرت هذا .أوقفته عند حده .مهلا سعاد […]بات مسمرا في مكانه مبهوتا .مبهورا .غضبضبا. وابتعدت عنه .الحلزون .الحلزون أفحل منك يا صاحبي !أربع ساعات يقضيها الحلزون في التجانس .أما أنت..”(ص60)

- لماذا هذا التكرار ؟ يقول الباحث محمد الساري “وتساءلت مع نفسي عن وظيفة هذا التكرار ولم أعثر على جواب مفيد .وسألت بو جدرة نفسه فاكتفى بالقول بأن هذه الطريقة لم يستعملها أحد قبله ,وبما أن رواياته في أغلبها هي رواية واحدة وهي أقرب إلى السيرة الذاتية فما المانع من من إدخال نصوص سبق نشرها في النصوص الجديدة “.

- ويبدو أن محمد الساري لم يقتنع بحجج بو جدرة ورأى أنه لا جدوى من إعادة تلك النصوص في مدونة الروائي . و يذهب الروائي العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي ,في مقالاته التي كتبها عن روايات بو جدرة , إلى نفس الرأي فيراها زوائد لا خير فيها و اعتبرها من النقاط التي أخلّت بنصوصه و” نصحه” بتشذيبها فيقول:” إن ايغال بو جدرة في التفاصيل الشاذّة لا يمكن تفسيره أو ارجاعه إلاّ إلى هذه الملاحظة و هي إرضاء فضول القارئ الأجنبي ,و كان بالإمكان تشذيب الكثير منها خاصة ذلك الذي يتكرّر بشكل ملحّ” و عاد إلى نفس الملاحظة في قراءته لرواية “معركة الزقاق” فلم ير في المقاطع السردية المكررة غير زوائد غير أننا سنعثر,حتما, على وظائف لذلك التكرار لو جوّدنا النظر في مدونة الرجل مستحضرين عبارة تودوروف”التكرارلا يكون تاما أبدا لان المقاطع المكررة محاطة بسياق مختلف واطلاعنا على الحكاية يكون كل مرة مختلفا” يسعى الروائي حين يعمد إلى تكرار مقطع سردي معين داخل الرواية الواحدة إلى تأكيد حدث معين باستعادته المتكررة حتى يرسخ في ذهن القارئ.فيكون ذلك أشبه باستعادة المشهد السينمائي في الفيلم من خلال استعادة الشخصية الدرامية للحدث .وينشط هذا الأسلوب في الأفلام ذات الطابع السيكولوجي حيث تتردد فيها مشاهد الكوابيس والأحلام وأحداث الطفولة .

- والحق أن رشيد بو جدرة ليس غريبا على الميدان السينمائي (كاتب سيناريو) كما أنه يعتمد اعتمادا كبيرا على التداعي الحر والأحلام والاستيهام والسرد الاسترجاعي في كل مؤلفاته.

- ويتوسل الروائي مرة بالتكرار لإبراز زاوية نظر مختلفة للحدث الواحد .فكل شخصية تروي الحدث من زاوية نظرها الخاص ومن موقعها الخاص كما أن دلالة الحدث تتغير مع موقع سرده في الحكاية فدلالته في بداية الرواية غير دلالته في وسطها أو فى نهايتها .ويذكرنا هذا التكرار بقضية مهمة تبنتها الرواية الجديدة وهي” نسبية الحقيقة” فلا شيء ثابت ونهائي في العمل الإبداعي , كل شيء نسبي لذلك فالمقطع السردي الواحد في ارتحاله من موقع إلى آخر لا يكون هو هو .

- ولا يمكن أن يحافظ على الدلالة نفسها والوظيفة نفسها ,فمثله مثل النهر الذي لا يمكنك أن نسبح فيه مرتين لا يكون النص المكرر نفسه وان حافظ على خصائصه اللسانية والطوبوغرافية .

- أما التكرار الثاني والذي أطلقنا عليه عبارة “التكرار العابر للروايات” فيحمل شعرية أخرى ودلالات مغايرة منها خلخلة عملية التلقي التقليدي ذات الطبيعة الوثوقية .فالقارئ المتابع لتجربة بو جدرة الروائية تهزه هذه التكرارات وتثير عنده أسئلة جمة أهمها :أين قرأ ذلك المقطع ؟ وهذا ما يدفعه في اغلب الأحيان إلى مراجعة مدونة الروائي حتى يعثر على النص المكرر .إن استعادة أحداث بعينها في أكثر من رواية لنفس الروائي تدفع بالمدونة الروائية نحو السيرة الذاتية لأنّ الحدث يتملّص من نسبته إلى الشخصية المتخيلة/الورقية ليصبح لصيقا بشخصية الكاتب.ويفتح هذا الرأي أفقا جديدا لتلقي مؤلفات بو جدرة بين السير الذاتي والتخييل الروائي.

- تشي القراءة التناصية للنصوص المكررة في روايات رشيد بو جدرة بمسألة أخرى يمكن اختزالها في عبارة “النصية الذاتية “أو” التناص الخاص” حسب عبارة جون ريكاردو حيث اتخذ هذا التناص أشكالا مختلفة في المدونة الروائية العربية ,فترتبط روايات الغيطاني بهاجس توظيف التاريخ _المملوكي خاصة_ وترتبط أعمال الطيب صالح باستثمارها للخرافي والأسطوري وروايات أمين معلوف بأدب الرحلة وروايات إبراهيم الكوني بالمناخ الطوارقي وروايات واسيني الأعرج بالتاريخ الأندلسي وبشخصية مريم التي تحولت إلى إمضاء يوقّع به الكاتب جلّ رواياته [18].

- كما تضافرت نصوص بو جدرة باستعادة المقاطع السردية وأحداث بعينها حتى تبدو كما لو كانت رواية نهرية .غير أن قيمة التكرار الحقيقية كما نراها في روايات الرجل تتمثل أساسا في كشفه علاقة الذاكرة بالكتابة .

- إذ أثبت رشيد بوجدرة أن الذاكرة الواحدة بما تحمله من أحداث محدودة وما تختزنه من ذكريات متناهية وعوالم مضبوطة يمكنها أن تكون معينا / منبعا لنصوص لا نهائية فنصبح أمام الذاكرة الواحدة والنص المتعدد.لأنّ التكرار عنده لا يعبر عن قصور في التخييل أو توعك إبداعي أو خداع للقارئ كما يرى البعض باستنساخ الروائي لمقاطع من نصوصه التي كتبها بالفرنسية في نصوصه المكتوبة بالعربية ظانا أن القارئ لم يطلع عليها بالفرنسية ,إنما مثل التكرار استراتيجية كتابة وخصوصية ارتآها الكاتب لتجربته تكشف قدرة الإبداع على إعادة تشكيل محتوى الذاكرة وعلى نسبية الحقيقة وهذا ما يمكن أن يكون تفسيرا لرد بوجدرة على سؤال الأستاذ محمد الساري الذي ذكرناه سابقا من أنّه لم يسبقه إلى تلك الطريقة أحد .

- انفتحت الرواية الجديدة على وسائط أخرى غير اللغة الأدبية فاستفادت استفادة كبيرة من كل الفنون الأخرى مستلهمة فن العمارة في تشكيلها لفضاءاتها التي تدور فيها الأحداث وقد انتبه الروائي العربي إلى هذه النقطة فكانت رواية الزيني بركات لجمال الغيطاني التي قسمها صاحبها إلى سرادقات وكذلك كتابه الخطط الذي استلهم فيه خطط المقريزي ,وفي تونس بنى صلاح الدين بو جاه روايته “السيرك” على شكل البيوت العربية القديمة المقسمة إلى سقيفة ..ووسط الدار ..والمجلس الكبير ..و المقصورة و المستراق و الخوخة …وانسرب فن الرسم إلى الرواية منذ مراحلها الأولى عبر الوصف ورسم ملامح الشخصيات ولكن توظيف الرسم تنوع مع الرواية الجديدة التي تحولت إلى لوحة من لوحات الفن التشكيلي ويكفي أن نذكر بأعمال كلود سيمون الذي يقول “اكتب كتبي كما تصنع اللوحة .

- وكل لوحة تأليف قبل كل شيء” ونمثل لرواياته ب”حديقة النباتات” التي تحول فيها النص الروائي إلى مشهد .من خلال إعادة تشكيل النص المكتوب وتوزيعه الفني على الصفحة أو تكرار حروف بعينها مما يشكل مشهدا بصريا ويلتفت المؤلف أحيانا إلى اللوحات ينقل تفاصيلها كما لو كان يحمل بين أصابعه كامرا _انظر وصفه الدقيق للوحة الغاستون أرشيف الذاكرة في “حديقة النباتات”

- كان رشيد بو جدرة أقرب الروائيين العرب إلى تيار الرواية الجديدة بل هو أحد أعلامها حتى انه كان يستدعى باعتباره ممثلا لهذا التيار في العالم العربي وأفريقيا لذلك كان أكثر الروائيين العرب توظيفا للفنون البصرية وللخطاب الإعلامي في نصوصه .

- ففي روايته “ضربة جزاء “استطاع أن يبني نصا روائيا قائما على تقنية التناوب السردي بين السرد الروائي والخطاب الصحفي المسموع عبر توظيف مادة التعليق الرياضي على مباراة كرة قدم فكان الراوي يقطع سرده لينقل إلينا ,مستعينا بالمذياع الذي يستمع إليه في سيارة التاكسي, صوت المعلق الرياضي قائلا مثلا :”نحن الآن في الدقيقة السادسة عشر من المقابلة ,والضغط الذي يمارسه تولوز قويا جدا, اللاعبون متجمعون في منطقة مرمى فريق أنجي … إنه باليه حقيقي .رجال جول بيجو” وتتكرر تدخلات المعلق الرياضي في الرواية أكثر من عشرين مقطعا يمتد أحيانا على صفحات من المتن .

- وقد أبرزه الروائي ببنط عريض حتى يميزه عن بقية السرد ووصل رشيد بو جدرة في التجريب إلى حدّ عنونة فصول الرواية بنتائج المباراة فعنوان الفصل الأول :تولوز :صفر _انجي :صفر وعنوان الفصل الثاني : تولوز هدف .انجي :صفر وعنوان الفصل الثالث :تولوز 2 .انجي :صفر وعنوان الفصل السابع :فترة الاستراحة ما بين الشوطين .

- كما وقف بو جدرة على عادة روائيي الرواية الجديدة عند بطاقة بريدية ينقل تفاصيلها وجها وقفا فيقول مثلا:”وخطر له أن يرسل إحدى تلك البطاقات إلى والدته […] انجذبت عيناه نحو بطاقة ترتسم عليها صورة تمثال صغير واقف على قاعدة .يمثل رياضيا شاهرا كأسا …[…]وبحركة آلية قرأ الكتابة المحفورة على البياض إلى الجانب السفلي الأيسر منها .قاعدة مجمرة التروسكية:

- أما اسفل البطاقة فهناك كتابة مطبوعة بأحرف أصغر بكثير[…]إلى الجهة العلوية اليمنى من ظهر هذه البطاقة البريدية .مستطيل صغير يحدد موضع الطابع البريدي . وفي وسطها ثلاثة سطور متساوية الأبعاد والبرج .ثم هناك سطرا آخر مطبوع على غرار الأسطر الأخرى ويمثل الثلثين من أطوالها السطور الأربعة مخصصة لكتابة العنوان بدون شك,أما السطر الأخير فهو لكتابة اسم البلد المرسل إليه (ص122 )

- إن نقل الراوي تفاصيل هذه البطاقة البريدية يشي بعمق الوعي البصري للروائي الذي عليه أن يكون رساما وسينمائيا ورياضيا حتى ينقل تلك الألوان والظلال والأبعاد بكل تلك الدقة .و يتكرر هذا الولع بقل اللوحات والصور عند بو جدرة في روايته” معركة الزقاق ” حيث تنهض المنمنمة التي يظهر فيها طارق بن زياد محرّكا أساسيا للسرد الروائي فيحتفل بها أيما احتفال.

- يوظف بوجدرة في رواياته الأخرى الخبر الصحفي كما هو الأمر في روايته تيميمون أين حشد مجموعة من الأخبار الصحفية التي تنقل جرائم الإرهاب بجزائر التسعينات فنقرأ مثلا :”صحافي فرنسي يغتال من طرف إرهابيين إسلاميين بالقصبة في الجزائر العاصمة”(ص77) “تسبب انفجار قنبلة وضعها الأصوليون في مطار الجزائر العاصمة في مجزرة خلفت تسعة قتلى وأكثر من مائة جريح جلهم في حالة خطرة “(ص92) “شغالة منزلية في السادسة والأربعين من عمرها وأم لتسعة أطفال تغتال رميا بالرصاص وهي عائدة إلى بيتها “(ص102) “الكاتب الكبير طاهر جاعوط يغتال برصاصتين في رأسه من طرف ثلاثة إرهابيين وهو يقود ابنته إلى المدرسة “(ص111) يبدو أن الروائي اختار أن يلتقط عناوين الأخبار من على الصفحات الأولى للجرائد أي “المانشيتات” وليس الخبر الصحفي بتفاصيله كما وظفه واسيني الأعرج في روايته “حارسة الظلال “[20] والحق أن توظيف هذه القصاصات الصحفية أصبح مطروقا في الروايات العربية المعاصرة مع واسيني الأعرج وصنع الله إبراهيم ولكن طرق التوظيف هي التي تختلف فبو جدرة حافظ على طوبوغرافية النص الصحفي في روايته “طوبوغرافية نموذجية لعدوان موصوف ” حين استعان بتقنية الكولاج ليقحم خبرين صحفيين كما وردا في الصحيفة بتوزيعهما العمودي يتحدثان عن العنصرية في فرنسا و عمليات الاغتيال التي يتعرض لها المهاجرون الجزائريون .

- إن لإقحام تلك الأخبار في النص السردي وظائف شتى منها الوظيفة الجمالية المتمثّلة في خلخلة المشهد الأفقي/ التقليدي للنص السردي فتربك تلك النصوص خطية التلقي وتخرج القارئ من رتابة القراءة المعتادة لتبعث فيه الحذر .فالقارئ التقليدي لن يتمكن من متابعة النص الحداثي الجديد الذي يتلاعب فيه الروائي بتشكيل الصفحة.فمع روايات كلود سيمون مثلا لا يمكنك أن تقلب الصفحة مرة واحدة لأن عليك العودة إليها لتقرأ مقطعا سرديا آخر يركن في أحد أطرافها لأن توزيع النص ليس توزيعا تقليديا و إنما هو توزيع يخضع لمقاييس جمالية أخرى حولته إلى لوحة لا يمكنك أن تمسحها مسحا واحدا .لقد” تشظى” النصّ داخل الصفحة وتنجّم إلى قطع .و ينهض الخبر الصحفي –إضافة إلى التوظيف الجمالي - بوظائف أخرى لها علاقة بالسرد و سير الأحداث والتلاعب بالزمن السردي وزمن التلقي.

- * إنّ التعامل مع نصوص رشيد بو جدرة الرّوائية مغامرة محفوفة بمخاطر عديدة لأنّ هذا الكاتب يقدّم جماليات جديدة في الكتابة العربية قد لا تتلاءم مع ذائقة القارئ العربي الذي ظلّ إلى وقت قريب سجين نمط كتابي معيّن .

-و الحقّ أنّ عودة بو جدرة إلى العربية حملت معها أشكالا سردية جديدة و غريبة أحيانا على بنية السّرد العربي التقليدي, كما حملت متون رواياته أسئلة جديدة , ربّما استأثرت باهتمام سدنة الرواية العربية فأهملوا في المقابل شعريّة الكتابة و جماليتها لينكبّوا على ما رأوه خرقا لنواميس القصّ العربي و أخلاقياته .

-و اكتفى البعض الآخر بملاحقة الأخطاء اللّغوية التي وقع فيها الروائي- و هي كثيرة حقّا- ليحكم على نصوصه بالنجاح أو بالإخفاق , و لكنّ ,يبدو أنّ النّقد العربي المعاصر بدأ يعود إلى نصوص الرّجل ليحاورها بعيدا عن الآراء المسبقة ,وبعيدا عن القراءة الإيديولوجية ليكتشف جماليات ذلك السّرد العربي المختلف الذي يحفر في أعماق الذات العربية بحرّية غير مسبوقة

--
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -75- ألف عام وعام من الحنين رشيد بوجدرة الجزائر

- أصر الروائي رشيد بوجدرة في كل ما كتبه على أن يكون النص جزءا منه أولا؛ فهو ينطلق وفقا لما قاله وصرح به في كثير من المناسبات من تجارب حقيقية يحولها إلى أبعاد ترميزية قادرة على تقمص الحالة الإنسانية عموما أو الحالة الوطنية أو حالة الأمة في أبسط الدلالات.

- أما الرافد الثاني الذي يغرف النص السردي منه أدبه الروائي فهو التراث العربي الإسلامي وما تضمنه من رموز عالمية كالجاحظ وابن خلدون وابن عربي وغيرهم،

- وهكذا يغدو أدب رشيد بوجدرة مدرسة ''استغرابية'' مناقضة للمدرسة الاستشراقية التي تفهم التراث العربي الإسلامي انطلاقا من الغايات الغربية؛

- إذ أن رشيد بوجدرة يضمّن لغته الفرنسية وأدبها الغاية الوطنية والقومية والفهم القومي الأصيل للتراث العربي حين يعبر عنه باللغة الفرنسية، وبذلك يظل أدبه خارج السرب الفرنوكفوني بالرغم من الحروف الفرنسية التي يحبّر بها أدبه،

- وهو بعد ذلك يعمّق هذا البعد القومي حين يغازل الأندلس وإسبانيا واللغة الإسبانية ليزيل تلك الهيمنة الفرنكوفونية التي فرضتها اللغة الفرنسية في ظروف تاريخية معروفة.

- والعمل الفني في جوهره هو هذا إذا كان صاحبه يعنيه جانب الصدق، وإذا كان يعنيه أصالة النبع الذي يستقي منه أدبه، بل إذا كان يريد لقارئه عالما روائيا حقيقيا،

- فهذا التصور الذي ينطلق بوجدرة منه يضمن للقارئ الفرنسي ولكل قارس باللغة الفرنسية التعرف على عوالم ثقافية وقيمية وجمالية غير متوفرة في التجربة الروائية الفرنسية؛ وهنا نتساءل: ماذا يمكن أن نقدم للقارئ الفرنسي إذا أعدنا كتابة فلوبير أو زولا أو بروست أو غرييي أو لو كليزيو؟

- إن وجود بوجدرة ضمن كبار ممثلي الرواية الجديدة مع ''كلود سيمون'' و''آلان روب غرييي'' و''ناتالي ساروت''، لم ينسه البقاء ضمن الرواية المكتوبة بالفرنسية بعيدا عن الرواية الفرنسية، في موقف دقيق شديد التمييز بين مفهومين مختلفين هما: الأدب الفرنسي والأدب المكتوب بالفرنسية.

- يبدو بوجدرة في هذه النقطة في غاية الحذر؛ حذر يمكن أن نستشفه من ذلك الموقف الصريح الحاد الذي وقفه من الروائية آسيا جبار حين رأى ضمها للأكاديمية الفرنسية اعترافا بانتمائها للرؤية الفرنسية، وخدمة الفرنكوفونية،

- وهذا يعني أنه يميز بين اللغة التعبير واللغة الموقف، ويبدو أن هذه الرؤية الحذرة هي التي جعلته يعود إلى التعبير العربي والمساهمة في السرد العربي بدءا من ''التفكّك'' سنة 1982 وهو عنوان شديد الدلالة على التحول من الفرنسية إلى العربية.

- ومن التفكك إلى ''المرث'' عام ,1984 ثم المرث في (1984) وليليات امرأة آرق عام (1985) ومعركة الزقاق في (1986) وتلت هذه الإبداعات مرحلة تأمل واندهاش أمام المشهد الدامي الذي عرفته الساحة الوطنية من تمزق عام كان اقتتال الجزائريين أبرزها، فاستدعت المرحلة قول الموقف السياسي قبل الموقف الفني كسرا لجدار الصمت بداية التسعينيات فكانت ''فوضى الأشياء'' عام (1990) و''تيميمون'' عام .1994

- إن بوجدرة المسكون بالتعبير عن ذاته الباحث في لغة غيره عن إمكانية تصوير أعماقه كان من المنتظر أن يعود إلى العربية التي رآها قادرة على أن تمنحه إمكانات أوسع لتجسيد ذاته وثقافتها وحضارتها وواقعها من خلال الطاقات التعبيرية المختزنة في الفصحى وعامياتها وفي كل الألسن الجزائرية العربية والأمازيغية، وهي الطاقات التي قد لا تستطيع الفرنسية التعامل معها بسهولة، بالنظر إلى تلك العلاقة العميقة الموجودة بين العربية وبقية الألسن الجزائرية التي كثيرا ما تستقي قيمها التعبيرية من العربية ذاتها، وبذلك يكون التعبير العربي حاضنا طبيعيا لها في العمل السردي، بل لعل هذه الطاقات المختزنة في ''العربيات'' هي التي جعلت الرجل يرى أن الأدب الناطق بالعربية في الجزائر أكثر عمقا من التعبير الفرنسي، غير آبه بمسألة الكم القرائي الذي كثيرا ما يثار في هذا السياق.

- يمكن القول كذلك بأن هذه الأصالة الفنية التي حققها رشيد بوجدرة قد تكون هي التي أغرت عددا من كتاب الرواية العربية في الجزائر لتجريب كتابة الرواية باللغة الفرنسية، لكن عودة رشيد بوجدرة إلى العربية هي ضمن البحث الفني الأكثر ثراء، قبل أن تكون عودة إيديولوجية - إن سلمنا بإيديولوجية لغة التعبير- مع العلم أن معظم حالات التعبير الفرنسي لدى الجزائريين قد شهدت هذا ''الهاجس الرجوعي'' الذي نجده قويا لدى مالك حداد الذي أعلن موقفه بشكل صريح حين عد الفرنسية منفى، وفي غصرار مولود فرعون على تجسيد حياة قريته ولغة قريته بإدخال عدد من الكلمات المحلية ككلمة ''الجماعة'' التي يذكرها حرفيا بهذا الشكل، ويظهر هذا الهاجس بقوة أيضا في بوح محمد ديب الفني الذي راح يترجم من العامية ومن الثقافة العربية ويحاول التقرب من الروح العربية قدر المستطاع ، فقال مثلا:
je te coupe la parole je couperai dans ta bouche du miel
- ويبدو بوجدرة مولعا بالمضي في هذا الخط إلى أبعد الحدود حين يورد نصوصا لكبار الكتاب والعلماء العرب في رواياته، بل وحين يدخل في تفاصيل اللغة اليومية الجزائرية ليتمكن من دخول ذاته بصدق لا تمنحها له إلا اللغة العربية.

ايوب صابر 03-02-2016 06:03 PM

اليتيم رقم 10 - ليلى عسيران

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 97- عصافير الفجر ليلي عسيران لبنان

- عاشت الأديبة ليلى عسيران محنة الحرب بضميرها وإحساسها، فحلقت بخيالها وواقعها في ضمائر البشر المرهفين بنزيف الأرض وغضبها، وجالت في خواطرهم وعاشت معاناتهم، وإيمائهم بالعاصفة والثورة التي ستنفجر الحياة بعد الموت. فلقد استشهد خالد فولد أحمد، وقاتل سليمان ليُحرر والده الأخرس، نسفت البيوت فراحت النساء تزغرد، وبين قلب مريم وسهير ولد حب جديد طاهر مهّد تراب أرضه لتخطو عليه أقدام المقاتلين برقة. وظل مازن عينين نقيتين، وفؤاداً طاهراً، يحمل حزناً عجيباً لأنه استطاع أن يطلق من عبراته بسالة الشجاعة وأعجوبة الفرح، وفي رهبة الليل تصاعدت أنفاس "الختيار" تتخطى لهاث خطوات الخطر المهيمنة على "العاصفة" في كل التفاتة. ولكن الشمس كانت تشرق في سواد الليل فجراً، في نسمات اليقين والاطمئنان، العاصفة، الثورة،

-أحداث ناشدتها المؤلفة وهي أهم من الحرب تفردها عصافير الفجر قائلة: الثورة حتى النصر.

---
تابع .....

- ليلى عسيران صحافية، وروائية صدرت لها ثلاث روايات عن الفداء

- كانت اول امرأة تقيم بين الفدائيين في قواعدهم العسكرية. ونتيجة لهذه التجربة صدرت لها روايتان: "عصافير الفجر" و"خط الافعى"...

- عاشت في منطقة جسر الباشا المحاصر اثناء الحرب الاهلية (1975 – 76) وكتبت عن هذه التجربة رواية "قلعة الاسطى"...

- ترددت على قرى الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني المحتل حيث صورت الصمود والنضال في وجه الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية المتكررة في روايتها "جسر البحر"...

- منحت عام 1997 وسام الاستحقاق اللبناني من رتبة فارس تقديرا لاعمالها الروائية...

- من اقوالها في حديث لها مع مجلة "الاداب": "كان في حياتي صراع دائم بين الطوق الادبي وارتباطي بالحدث القومي، وان قصتي "المدينة الفارغة" تعبر عن احباط...
-
تصوروا انني وصفت بيروت المتألقة بالمرأة الجميلة التي لا عقل لها ولا ذكاء، وبعملي هذا اقترفت جريمة بحق بيروت...

-كانت كتبي ممنوعة من دخول الاردن، ومنحت تأشيرة باذن خاص لاكتب عن الحرب... كتبت عن شهداء فلسطين الاحياء...

- من الصعب أن تنسى امرأة وجوه جرحى النابالم...

- ساعات طويلة امضيتها تحت الشمس أشاهد نزيف النزوح، وهذه المشاهد محفورة في نفسي.

- وبعد أن قرأت بعض ما قالته أديبتنا، وبعد ان تشبعت بقراءة بعض رواياتها التي تفوح منها روائح القومية، والاسلوب الفلسفي والشفافية النسائية والانسانية، الى جانب مواقفها السياسية الرائعة، سعيت الى لقائها في منزلها العريق في بيروت، حيث كان لي معها هذا الحديث المتواضع، قياسا بآفاقها الادبية والفلسفية.

- وإن كنت التقي معها عند الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني المحتل حيث الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية المتكررة، وحيث الصمود والنضال كما صورتهما في روايتها "جسر البحر" ولكنني سأبقى بانتظار ان يرفرف علم لبنان فوق هذا الجزء العزيز المحتل، وان يسجل التاريخ العربي ما كتبته الاديبة ليلى عسيران الحافظ عن ذلك الصمود الاسطورة.

- تقول لقد دخلت عالم الصحافة من باب تجربة الحياة، وتخصّصت في التحقيق
السياسي والفلسفة في الجامعة الاميركية في بيروت، ثم كتبت عددا لابأس به من القصص القصيرة كتجارب ادبية اولية. لقد استفدت كثيرا من اجواء السياسة، التي انغمر في غمارها امين الحافظ، وذلك قطعا اخذ يضيف الى تجربتي مع الناس في كل مستوياتهم، وكذلك اخذ وقتا من تفرّغي الكامل لبيتي ومطالعاتي وتجاربي في ممارسة الادب والنشاطات

- وتقول انا أؤمن أن تحرير المرأة يبدأ من العقل والفكر والوجدان، وينتهي بالاكتفاء المادي لها. الا أن المجتمع اللبناني لم يزل لا يعطي المرأة كل حقوقها، مثله مثل العالم أجمع، إذ أني أقرأ عن العنف المستعمل ضد المرأة في اميركا وفي اوروبا. لكن في كل الاحوال لا أؤمن ولا أقرّ الا أن تكون المرأة انسانة لها كرامتها وليست منصاعة ومقهورة ومنساقة الى ظروف الحياة القاسية، سواء أكانت تلك الظروف مادية، أو نفسية.

من مقابلة اجرتها : نجاة فخري مرسي

تركت ليلى عسيران العديد من الرويات التي حكت فيها قصص قريبة للواقع من يوميات المعراك في المخيمات الفلسطينية على ضفاف نهر الأردن، إلى يوميات حرب 1967م، وصولا إلى الكتابة عن بيروت ومعاناتها وغيرها من الخيبات العربية، حتى قيل أنّ ليلى عسيران هي مؤرخة الخيبات العربية.


---




تابع...

- عندما كتبت ليلى عسيران: «مسح الغروب ألوان الدنيا من أعيننا، وانقض سواد باهر ساطع، وزف إلينا حلول الليل بهيبته وعظمته»، لم تكن تقصد لحظة غارت عيناها أمس، وانخطف الضوء من حياتها إلى الأبد، إنما كانت تصف إحدى الليالي التي قضتها في مخيم للمقاومة الفلسطينية، على ضفاف نهر الأردن، في كتابها «خط الأفعى» الذي كتبته عام ,1972 وأضافته إلى مؤلفاتها التي بلغت سقف الدزينة من الكتب.

- ليلى عسيران التي كان لها شرف المساهمة بالقلم والفعل في يوميات المقاومة الفلسطينية منذ نشأتها، وقد عبرت عن ذلك في روايتها الأخرى «عصافير الفجر»، كانت الصوت المدافع عن ثورة عبد الناصر، وكل ثورة عربية ووطنية في عالمنا العربي، وصولاً إلى المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية في جنوب لبنان، خصوصاً أنها ابنة هذا الجنوب، أحبت وجسدت معاناته في كتابها «جسر الحجر»، ولم يسعفها العمر كي تحقق رغبة بقيت دفينة فيها، وهي كتابة رواية عن «معتقل الخيام» ومعاناة الجنوبيين في سجون العدو الاسرائيلي.

- إبنة الجنوب المتعاطفة مع قضية العرب الأولى، فلسطين، عاشت عمرها مع ابن قاضي القضاة في فلسطين، أعني ابن طرابلس، الرئيس أمين الحافظ، الذي ضيّق السياسيون الخناق عليه عندما وصل إلى الحكومة، و«أبعدوه» عنها بسبب مواقفه الوطنية والقومية، وقد استمر، هو المثقف، مع زوجته التي شربت الثقافة مع حليب الطفولة، في فتح بيتهما لاستقبال سياسيين ومنفيين ومثقفين من كل الألوان، متخطين حواجز المناطق والطوائف وكل الحساسيات البغيضة.

- تلك المرأة، التي حولت بيتها إلى خلية ثقافة ونضال، لم تهدأ، فقد عملت، منذ البداية، من أجل تحرير المرأة، تبع رؤية خاصة اقتنعت بها، وهي أن تمارس المرأة نضالاً مشتركاً مع الرجل، من أجل القضايا الوطنية العامة. وهذا ما تجلى في أولى رواياتها «لن نموت غداً». ورفضت أن تستسلم لليأس، ووقفت ضد تعميم تعبير «النكسة» على هزيمة عام ,1967 ذلك أن الفعل الفلسطيني، برأيها، من خلال المقاومة، قلب اليأس تفاؤلاً.

- هذا ما أكدته في كتابها «شرائط ملونة» الصادر عام ,1994 والذي ضمنته العديد من محطات سيرتها، وجاء كأنه رواية الروايات، أو سيرة السير، أتبعته بسيرة معاناتها مع المرض، في «غيبوبة»، آخر ما خط قلمها، قبل أن ينكسر.

- وإذا كانت ليلى عسيران تنتقي فسيفساء السيرة وتشكلها بالألوان التي تريد، تسمي الأشياء بأسمائها مرة وتحاذر أسماء أخرى، أو تغض النظر عن تفصيل محرج هنا وتفصيل مسيء هناك، فلم تكن الكاتبة الراحلة بعيدة عن الجرأة في المواقف والكتابة، لا في وصف المظالم ولا في نقد السلبيات، ولا حتى في الكلام على الحب والجنس.

- هي جدية حتى اندماجها بالثورة قولاً وفعلاً، وتصدر عن هوى وجنون ومزاج جاهز للانقلاب. رومنسية حتى لتشعر أحياناً أن روايتها أغنية حنين، أو نشيد شعب، أو رسالة حب.

- لم تكن الأرض تتسع لليلى عسيران، فعاصمتها بيروت، التي خافت عليها في روايتها «المدينة الفارغة» (1966) وتوقعت أن تملأ حرب ما هذا الفراغ فيها، لم تكن تملأ عينيها، لذلك كان جمال روما يبهرها أكثر.

- كان الطموح يقتلها، إلى درجة كانت تشعر فيها أن التعبير بالكلمة، عما يجول في النفس، وفي وصف شخصيات الرواية، لم يفها بالغرض، فكانت تشعر أحياناً بأنها تقصّر عما تقدر الصورة الفوتوغرافية أو اللوحة على تصويره أو التعبير عنه.

- كانت ليلى عسيران تشعر بأن الحياة يجب أن تتسع لإبداع أكثر، وحب أوسع، وجمال لا ينتهي... لكن الضوء انطفأ في الغرفة، وفارقتها طيور المخيلة، وبقيت رواياتها تكرر سيرتها الفاتنة.

ايوب صابر 03-03-2016 01:46 PM

والان مع اليتيم رقم 11

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر

- صدرت لاول مرة سنة 1952 م عن دار النشر للجامعيين.
- يعتبرها الكثير من النقاد أهم رواية كتبها يوسف السباعي
- تدور أحداثها في حارة مصرية في العشرينيات.
- تدور الفكرة الرئيسية في الرواية حول فلسفة الموت ومحاولة الشخصية الرئيسية " المعلم شوشة السقا " للهروب من ذكرى وفاة زوجته الشابة.
- المفارقة تحدث عندما ينقذ المعلم شوشة شخص ما من الضرب في أحد المطاعم ثم تتوثق علاقته به ويدعوه للإقامه معه في بيته مع حماته وابنه سيد، وهو لا يعلم ان هذا الشخص يعمل في مجال متعلق بدفن الموتى.
- ينفر المعلم شوشة من ضيفه في البداية إلا إن الضيف سرعان ما يتمكن من إقناع المعلم شوشة بمواصلة حياتة ونبذ الخوف من الموت،
- إلا أن أكبر مفارقة تحدث عندما يموت الضيف نفسه فجأة في بيت شوشة فينهار المعلم بسبب ذلك.
- بعد فترة يستعيد المعلم شوشة عافيته ويأتيه خبر سار بتعيينه شيخاً للساقيين في المنطقة،
- إلا أن البيت ينهار فوق رأس المعلم وتنتهي حياته في مشهد قوي ومؤثر.
تحويل الرواية إلى فيلم
- حاول المخرج الراحل صلاح أبوسيف تحويل الرواية إلى عمل سينمائي في السبيعينيات إلا إن جميع المنتجين رفضوا المغامرة بإنتاج فيلم يتحدث عن الموت.
- تمكن صلاح أبو سيف في النهاية من الحصول على موافقة المنتج والمخرج يوسف شاهين على إنتاج الفيلم بالاشتراك مع شركة ساتبيك التونسية سنة 1977، حيث قام بكتابة السيناريو محسن زايد بالاشتراك مع صلاح أبو سيف. وقام بالتمثيل فيه : عزت العلايلي، فريد شوقي، أمينة رزق، ناهد جبر، حسن حسين، شويكار، بلقيس وتحية كاريوكا.
- إلا إن نهاية الفيلم مختلفة عن نهاية الرواية، حيث تعمد كاتبي السيناريو أن تكون النهاية فيها قدر من التفاؤل.

====
تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر
- وسط كل أعمال يوسف السباعي الرومانسية والوطنية تبقى رواية "السقا مات" بمثابة درته الفريدة ..
-ليس فقط بسبب تكوينها المتقن
- وشخصياتها الساحرة
- ولكن لأنه أضمر فيها معضلة الموت المكتوب على كل الكائنات..
- تدور أحداث الرواية في عشرينيات القرن الماضي وسط أحياء شعبية تفوح بتقاليد مصر العتيقة ..بالتحديد في حي الحسينية حيث يقع صنبور المياه الحكومي القائم في زوايا درب السماكين ..يقف أمامه صف طويل عريض من النسوة ذات الصفائح والرجال ذوي القرب ..أحدهم هو المعلم شوشه بطل هذه الرواية الذي يجمع أفضل خصائص ابن البلد بشهامته ورجولته وكريم عنصره رغم ضيق الرزق وكدح المهنة ..صلب العود رغم نحوله ..متدين لا يضيع صلاة ، رزين طويل الصمت ، يغلب عليه الحزن والتفكر ..ويولي اهتماما خاصا بشجرة تمرحنة في السراي المجاور لسبب سوف يتضح فيما بعد .
- أما ابنه سيد فهو مجرد صبي في التاسعة من عمره ..شديد الحيوية إلى حد آسر ..مفردات عالمه الطفولي الساحر هي مشاكسة الشيخ كفتة صاحب الكتاب الذي ذاق الويل من شقاوته ..وتسلق أشجار السراي المثمرة لجمع البلح الأحمر والجوافة وزعامة مجموعة من الصبية " حرشه وزكي الحدق " يلعبون الكرة الشراب والبلي الذي يحصده دائما ..أما مشاكله المستعصية فمحاولة الفرار من غسيل الوجه بالصابون الذي يؤلم عينيه رغم إصرار جدته الكفيفة التي ترعاه بعد وفاة أمه ( يعني يتيم؟!) .
- كانت سعادته لا توصف حينما قرر أبوه المعلم شوشه إخراجه من الكتاب لتلقينه مبادئ مهنة السقا ..كان فخورا برجولته الوليدة ويحاول تقليد الكبار بلهجة رجولية خشنة مثيرا عاصفة من الضحك حيثما ذهب ..وفي مسمط الحاجة زمزم بدرب عجور كان تعرفهما على الشيخ شحاته ..ذلك الكهل لطيف الملامح بشوش الوجه الذي يرتدي جلبابا من الدمور وجاكتة قديمة ..وفي قدميه حذاء بال مربوط بالدوبارة ..وفوق رأسه طربوش أسود منهار الجوانب مائل على حاجبه الأيسر في عياقة لا تتناسب مع مظهره المثير للرثاء ..وكان ذلك الرجل الذي لا يملك من مظاهر الأفندية غير الطربوش والجاكتة لا يكف عن مغازلة الحاجة زمزم بتلعيب حواجبه بطريقة آلية منتظمة هازا رأسه في شبه أسف وطرب : يا ميت ندامة على اللي حب ولا طالشي !.
- تأثير تلك المغازلة على المعلمة الضخمة الجثة كان ظاهرا بتمايلها طربا وضحكتها الناعمة نسبيا وهزة رأسها المعصوب بعلامة الرضا ..لكن ذلك لم يشفع له وقت الجد حينما حان تبين إفلاسه عند دفع الحساب..ولم ينقذه من براثن المعلمة المخيفة غير شهامة المعلم شوشه الذي دفع له حسابه لتنشأ علاقة صداقة متينة بينهما تصل إلى حد استضافته في الدار .
- وهناك نتعرف على مهنته العجيبة ..مطيباتي جنازات ..يرتدي بذلته السوداء ويلبس الفوطة الحمراء على وسطه – طباعة العرقسوس – ويمسك في يده القمقم ويمشي أمام الجنازات من باب الافتخار حتى يزف الميت لمدفنه ..بعدها ينال نصف ريال من متعهد الجنازات ..وقع ذلك كان ثقيلا على المعلم شوشه الذي بدأ يشعر بالرهبة من صديقه المخيف الذي حاول أن يشرح له فلسفته الخاصة عن الموت والحياة .
- " إن وجه الأرض متغير وكل الكائنات محدود أجلها ببداية ونهاية ..هذا المقعد ، تلك اللبلابة ، هذه القطة ..هذا الجلباب ..لكن الإنسان يتملكه الغرور فلا يريد أن يذهب في هدوء ويأبى أن يقارن نفسه بالقطة والمقعد والجلباب ..يكره الموت ويأبى قبوله ويرفض تعوده وترويض نفسه عليه ..في بداية عمله بمهنته كان بكاؤه يشتد عند رؤية الميت رغم سخرية الزملاء القدامى ..بالتدريج صار أقل تأثرا ثم لم يعد يبالى قط حتى ليسير في الجنازة وكأنه في نزهة مستغرقا في أفكاره الخاصة .
- بعدها بدأ التعود على النزول لداخل المقبرة عازما أن يهزم في نفسه مخافة الموت ..في المرة الأولى تملكته الرجفة حينما لامس لحم الميت البارد وجسده اليابس ولكن بعد لحظات هزم الخوف واقنع نفسه أنه يحمل فخذة خروف أو دجاجة مذبوحة ..أليس كلاهما جسد ميت من لحم وعظم ؟..وحتى المقبرة لم تعد تمثل له سوى مجرد قبو تحت الأرض مليء بالعظام والجيف ..في تلك اللحظة التي أعلن فيها انتصاره على رهبة الموت صار يعتبر نفسه أشجع إنسان في العالم ..لقد احتقر الموت فاحتقر – تبعا لذلك – الحياة ."
- حينما انتهى الشيخ شحاته من محاضرته الحارة على صديقه الجديد المعلم شوشه فوجئ بالدموع تنساب على وجنتي الرجل الجلد الصموت في أخاديد وجهه المغضن ..لطالما عذبه تفكيره المتواصل في الموت الذي حصد زوجته الحبيبة منذ تسع سنوات وهي تلد ابنه الوحيد سيد ..ولطالما سهر الليالي يسأل نفسه ، ويسأل السماء والنجوم أيضا : لماذا ماتت ؟..بل لماذا نولد إذا كنا سنموت حتما ؟
- من كان يصدق أنها ستموت ؟ بجسدها القوي ووجهها النضير وثغرها الباسم وعينيها الضاحكتين المتلألئتين وشجرة التمر حنة التي زرعتها بيدها الرقيقة في حديقة السراي وكانت سبب تعارفهما ..من يصدق أنها تقبع في حفرة رطبة مظلمة بباطن الأرض مسلوبة الحركة فاقدة الحياة لتصبح بعد حين هيكلا أكله البلى وعظاما نخرها السوس ؟..كان يسأل نفسه في يأس فيستعصى الجواب حتى دخل شحاته أفندي في حياته بمهنته المخيفة وفلسفته العجيبة .
- وتمر الأيام بالجميع بتفاصيلها الكثيرة التي تصنع الحياة ..وأصبح شحاته أفندي ضيفا دائما ومصدر سرور لا ينقطع للأسرة التي يغلب عليها الصمت والوجوم في غيابه..
- لقد أحبه الكل لشخصيته البشوشة وحبه الواضح للحياة ..سيد وجده صديقا كبيرا يقوم بتعليمه العزف على الناي ويصنع له الطائرات الورقية والكرة الشراب ويبتاع له - من وقت لآخر - أطايب الطعام حينما ينفحه متعهد الجنازات بمنحة سخية ..الجدة الضريرة أحبته من صميم قلبها الطيب المتسامح ..والمعلم شوشه وجد فيه صديقا مخلصا مقبلا على الحياة رغم حرجه من غزله للنساء ..وفي كل مرة يعتذر بأنه لا يملك نفسه حينما يرى صنف الحريم ..على الفور يقوم بتلعيب حواجبه ويبدأ فورا في الغزل " أموت في الملبن أبو قشطة ، هز يا وز "..وعبارات من هذا القبيل ..
- الرجل الذي يمتهن الموت كان شديد العشق للحياة ( هذا ما نقوله دائما ان الحياة تولد من رحم الموت) ..يعشق الكيف والنساء والطعام الجيد ، ويعيش اليوم بيومه دون أن يحمل هم الغد ..ويتعجب جدا من قهر المعلم شوشة لرغباته متسائلا : ما جدوى الحياة بدونها ؟.
- وبرغم إفلاسه المزمن فقد كان مستعدا لدفع خمسين قرشا كاملا ( وهو مبلغ باهظ بأسعار هذه الأيام ) من أجل سهرة حمراء مع عزيزة نوفل صاحبة الجسد الممتلئ الملتف في ملاءة تنحسر عن ثوب أحمر بدت منه ذراعان بيضاوان ناصعتا البياض وكشفت فتحة الصدر عن ملتقى الثديين المكتنزين فإذا ولت وجهها بدا ظهرها أشد تفصيلا وتفسيرا وإقناعا وإغراء واستدعاء ..
- من أجلها تفاوض مع القواد صاحب الشارب المفتول ، وذهب للعطار ليشتري جوزة الطيب وعود قرح وساوم الجزار على رطل كلاوي بتلو و(توضيبة ) من المخاصي والمواسير ، واقترض قطعة حشيش من زميله الشيخ سيد مخزن المخدرات المتنقل الذي يجلس ويتحرك ويتكلم وكأنه في غيبوبة دائمة ..و( خبط ) عدة جنازات مهلكة من مصر القديمة للمجاورين حتى هده التعب فنام قليلا ليستريح استعدادا لسهرته ..ذلك النوم الذي طال حتى أقتحم عليه المعلم شوشة غرفته فوجده ميتا .
- أجل ..مات مشيع الجنازات والساخر من الأموات دون أن يظفر بعزيزته !!!..
- كان وقع ذلك مروعا على الأسرة الصغيرة التي احبته .. في بادئ الأمر شعر المعلم شوشه بالخوف من دخول غرفة الميت ومن لمس الجثة لكنه تذكر قول صاحبه عن الأموات واحتقاره للموت واستخفافه بالجثث . وكمجاملة أخيرة قام بارتداء البذلة السوداء والفوطة الحمراء والطربوش إكراما لمشيع الجنازات في رحلته الأخيرة .. وعزم في نفسه على النزول للمقبرة محاولا أن يهزم رهبة الموت كما فعل صاحبه ..وبالفعل أمسك بالجثة رغم تلك الرجفة - التي هزته - من برودتها ولكنه همس لنفسه : لا تخش شيئا ..إنها لحمة ميت ..مثل فخذة الخروف أو الدجاجة المذبوحة . كانت معركة بينه وبين رهبة الموت ولكنه صمم على الانتصار قائلا لنفسه إنها أنقاض لم تعد لنا بها صلة ..مواد فانية متحللة لا فارق بينها وِبين أنقاض الدور وبقايا الأثاثات القديمة ، فعلام الرهبة ؟
- ولم يكد المعلم شوشة يسير أول خطواته داخل القبر حتى صدمت قدمه جمجمة ميت راحت تتدحرج على الأرض بصوت مكتوم فكانت قرعته للجمجمة هي دقة الهزيمة ..لقد أنهار الرجل تماما وجثا بالميت على الأرض ودفن رأسه بين كفيه واندفع في نحيب حاد .
- كلا ، ليست هذه العظام أنقاضا كأنقاض الدمن ..إنها آثار عزيز غاب ودلائل حبيب فقد ..فما أعز البقايا وأكرم الأنقاض !!!. وأسرع الرجال بوضع الجثة في مكانها وإخراج المعلم شوشة من المقبرة بعد أن انهارت مقاومته وتحطمت أعصابه .
- لكن الأيام منحته فرصة أخرى ..لقد جاء زميل لشحاته أفندي يعلنه بجنازة موشكة ..وحينما أخبره بموته وتجاوز الرجل صدمة النبأ طلب منه أن يحل محل شحاتة أفندي كمطيباتي جنازات ..وبسرعة وافق المعلم وارتدى البذلة السوداء والفوطة والطربوش لا لكسب مادي بل لدخول معركة ..لقد خسر الجولة الأولى وها هي تسنح له الفرصة لجولة ثانية وثالثة ورابعة .
- في البدء لم تكد عيناه تقع على النعش الملفوف في حرير أبيض حتى اندفع في نوبة بكاء عنيفة رغم نوبة الضحك التي أصابت بقية ( الزملاء ) الذين كانوا ينظرون إليه نظرة كل محترف متمكن في مهنته إلى مستجد غشيم يبدأ المهنة لأول مرة ..وحتى منطق الشيخ سيد ( مخزن المخدرات المتنقل ) بأن الميت مستريح أربع وعشرين قيراط بينما الأحياء في كد ونصب لم يقنعه ..
- وتوالت عليه جولات الصراع سريعة متتالية فقوت من مقاومته وزادت من صلابته ..في كل جولة كان يجد نفسه أهدأ أعصابا وأقل حساسية حتى أيقن أنه يسير في طريق النصر غير مبال بهمسات جيرانه الذين قالوا أنه يهوى الأحزان أو أصابته لوثة .
ومرت الأيام وأعتاد الكل ذلك فيما عدا ابنه سيد الذي تشاءم من تلك المسألة البغيضة التي يشتم منها رائحة الموت الكريه الذي أختطف صديقه الكهل شحاته أفندي فيما مضى بلا رجعة ..ولم تقنعه حجج أبيه الذي صارحه بأن هدفه الوحيد هو الاعتياد على وحشة الطريق التي سيقطعها يوما ما .. إنها مسألة ترويض لا أقل ولا أكثر ..كل جامد في الأرض أبقى من الحي فما أضعف مادة الحياة .!! . يموت الكل ويبقى الحي الواحد ..الباقي القوي.
- كل هذا لم يكن مقنعا لابن التاسعة الذي لا يتصور فقد أبيه بعد رحيل أمه ..وفي النهاية رضخ المعلم شوشة لدموع ابنه واعدا بالامتناع عن تشييع الجنازات ..ذلك الوعد الذي لم يعصمه من الموت بعد أيام قليلة حينما أصابته وعكة صحية ألزمته الفراش فتصادف انهيار المنزل عليه نتيجة لشق كبير في جدار البيت أهمل علاجه ليموت الرجل الكريم النفس تحت الأنقاض .
- كان مشهد الجنازة مؤثرا جدا ..لقد ارتدى الصبي الصغير عدة الشغل التي لطالما ارتداها أبوه ..دس ساقيه في البنطلون الطويل المهرول وأدخل ذراعيه في الجاكتة الواسعة الفضفاضة ووضع الطربوش على رأسه فهبط حتى استقر على أذنيه ليرى الناس قزما يهرول في بذلة سوداء فضفاضة وقد اندفع حاملا القمقم متخذا مكانه أمام النعش فغلبهم التأثر وتفجرت الدموع في عيون الرجال الشداد الغلاظ الذي يحملون الجثة في المحفة .
- وبدأت الجنازة سيرها والصبي على رأسها وقد بدا عليه التجلد لولا دمعتان تجريان في صمت على خديه وهو يسترجع قول أبيه منذ بضعة أيام :
" إنها مسألة ترويض لا أقل ولا أكثر ..كل جامد في الأرض أبقى من الحي فما أضعف مادة الحياة !!..يموت الكل ويبقى الحي الواحد ..الباقي القوي ".

===

ايوب صابر 03-04-2016 06:31 PM

تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر

- والده "محمد السباعي" الذي كان متعمقا في الآداب العربية شرعها ونثرها ومتعمقا في الفلسفات الأوروبية الحديثة يساعدها إتقانه اللغة الإنجليزية.

- السباعي الأب ترجم كتاب (الأبطال وعبادة البطولة) لتوماس كارلايل.

- وكتب في مجلة (البيان) للشيخ عبد الرحمن البرقوقي. كان "محمد السباعي" الكاتب والمترجم يرسل إبنه الصبي "يوسف" بأصول المقالات إلى المطابع ليتم جمعها، أو صفها، ثم يذهب الصبي يوسف ليعود بها ليتم تصحيحها وبعدها الطباعة لتصدر للناس.

- حفظ "يوسف" أشعار عمر الخيام التي ترجمها والده من الإنجليزية وفي أخريات حياته كتب قصة (الفيلسوف). ولكن الموت لم يمهله فتوفى وترك القصة لم تكتمل. وأكمل القصة "يوسف السباعي" وطبعت عام 1957 بتقديم للدكتور "طه حسين" وعاش في أجوائها "يوسف".

- القصة جرت في حي السيدة زينب، وأحداثها في العقود الأولى من القرن العشرين. وحسن أفندي مدرس اللغة الإنجليزية في مدرسة أهلية هو (الفيلسوف) وصور محمد السباعي أزمة حسن أفندي العاطفية تصويرا حيا.

- كان "يوسف" أكبر إخوته في الرابعة عشرة من عمره عندما ، إختطف الموت أباه الذي إمتلأت نفسه بحبه وفاخر أقرانه به وعاش على إسمه الذي ملأ الدنيا ، ولم يصدق أن أباه قد مات. وتخيل أن والده غائب وسوف يعود إليه ليكمل الطريق معه ، وظل عاما كاملا في حالة نفسية مضطربة يتوقع أن يعود أبوه بين لحظة وأخرى. ولهذا كان "يوسف" محبا للحياة يريد أن يعيش بسبب واحد هو ألا يقع إبنه "إسماعيل" في تجربة موت الوالد.

- ولد في 10 يونيو عام 1917م. وكان أبوه "محمد السباعي" محبا لأولاده يوسف ومحمود وأحمد. ويقول يوسف بكل الود عن أمه .. (كانت أمي تراني طفلا مهما كبرت ، تسأل دائما عن معدتي .. مليانة واللا فاضية .. كانت مهمتها أن تعلفني وكانت دموعها أقرب الأشياء إليها .. كان يوسف يرى في أبيه مثقفا وفنانا بوهيميا ..

-ولكن عانى من تنقلات السكن الكثيرة فتنقل يوسف تبعا لها إلى مدراس كثيرة .. وادي النيل، مدرسة الكمال، مدرسة محمد علي، مدرسة الخديوي إسماعيل. حتى حصل يوسف على البكالوريا القسم العلمي من مدرسة شبرا الثانوية عام 1935م.

- وكانت الحالة مستورة وعلى (قد الحال) مما يضطره إلى أن يمشي من أقاصي شبرا إلى العتبة على قدميه.

- وكان قريبا من عمه "طه السباعي" الوزير في فترة من حياته. وتزوج يوسف إبنة عمه "طه" ورزق منها بإبنته "بيسه" وإبنه إسماعيل" والطريف أن "يوسف السباعي" لم يلتحق في مرحلة (التوجيهية) بالقسم الأدبي ، وإنما إلتحق بالقسم العلمي ، وكان أقرب المدرسين إليه الأستاذ "شعث" مدرس اللغة العربية و"الأستاذ" فؤاد عبد العزيز" مدرس الرسم الذي يعاون في إخراج (مجلة شبرا الثانوية) ، وكان يلحتق بالفنون الجميلة قبل أني قدم أوراقه للإلتحاق بالكلية الحربية.

- وإلتحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1937م وعام 1940م بدأ بالتدريس لطلبة الكلية الحربية – سلاح الفرسان. وأصبح مدرسا للتاريخ العسكري بالكلية الحربية عام 1943. وأختير مديرا للمتحف الحربي عام 1949.

- وعام 1956 عين سكرتيرا عاما للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية. وعام 1957 سكرتيرا عاما لمنظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية. عام 1960 عين عضوا بمجلس إدارة روزاليوسف. ورئيسا لمجلس إدارة دار الهلال ورئيسا للتحرير عام 1971. وأختير عام 1973 وزيرا للثقافة. وعام 1976 رئيسا لإتحاد الإذاعة التليفزيون. ورئيسا لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام ورئيسا للتحرير. وفي 18 فبراير من عام 1978م أسند رأسه على صدر مصر ومات على أثر رصاصات غادرة أطلقت عليه في قبرص.

- في مدرسة شبرا الثانوية كان يجيد الرسم وبدأ يعد مجلة يكتبها ويرسمها وتحولت المجلة إلى مجلة للمدرسة بعد أن أعجبت إدارة المدرسة بمجلة التلميذ يوسف محمد السباعي وأصبحت تصدر بإسم (مجلة مدرسة شبرا الثانوية)

-ونشر بها أول قصة يكتبها بعنوان (فوق الأنواء) عام 1934 وكان عمره 17 عاما ولإعجابه بها أعاد نشرها فيما بعد في مجموعته القصصية (أطياف) 1946م.

-وأما قصته الثانية بعنوان (تبت يدا أبي لهب وتب) نشرها له "أحمد الصاوي محمد" في المجلة التي كان يصدرها بإسم (مجلتي) عام 1935 إلى جانب أسماء الدكتور طه حسين وغيره من الأسماء الكبيرة وعام 1945 كانت تصدر في مصر كل يوم سبت (مجلة مسامرات الجيب) صاحـبها "عمـر عبد العـزيز أمين" صـاحب (دار الجيب) التي كانت تصدر أيضا روايات الجيب. ويرأس تحرير (مسامرات الجيب) "الأستاذ أبو الخير نجيب" الذي عرف بمقالاته الساخنة ، وكان يوسف السباعي ضابطا صغيرا في الجيش يكتب قصة كل أسبوع. وكانت المجلة إنتشر لوحة فنية كل أسبوع ويكتب لها يوسف السباعي قصة هذه اللوحة الرائعة التي كانت تدفعنا إلى الإحتفاظ بها. ومن الطريف أنني – وكنت وقت ذاك طالبا بالتوجيهية بأسيوط كتبت للمجلة مقالا بعنوان (مصطفى النحاس المفترى عليه) وأرسلته بالبريد وفوجئت بالمجلة تنشر المقال. ثم مضت السنوات وعملنا مع "عمر عبد العزيز أمين" عندما عملت منذ عام 1962 بالدار القومية للطباعة والنشر وكان هو مستشارا لهذه الدار. أما أبو الخير نجيب فقد قابلته في يناير عام 1948 ، وكان رئيسا لتحرير جريدة (النداء) التي أصدرها "الأستاذ يس سراج الدين" وكان مقرها أعلى عمارة في شارع قصر النيل. وبالمناسبة كنت متهما في قضية المظاهرات بالجامعة وأودعونا سجن الأجانب - بجوار الهلال الأحمر بشارع رمسيس الآن ، وكان هناك أحد المعتقلين العرب من المعتقلين وحملني رسالة على ورق البافرة لتسليمها لأبي الخير نجيب. كان ذلك ونحن نتخذ إجراءات الإفراج وذهبت إليه وأهتم بالرسالة الوافدة من السجن ونشرها وأحدثت ضجة في حينها. وعلى صفحات مسامرات الجيب قرأت ليوسف السباعي قصة (إني راحلة) في يحنها عام 1945م أيضا. وكتب فيما بعد "يوسف السباعي" أنه كان يمشي من مسكنه في روض الفرج إلى مقر مسامرات الجيب بشارع فاروق (الجيش فيما بعد) قرب العتبة على الأقدام. وأصدر (الرسالة الجدية) عن دار التحرير وعمل معه "أحمد حمروش" مديرا للتحرير وعمل معه محمد عبد الحليم عبد الله وفوزي العنتيل ، وعباس خضر ، ثم ماتت الرسالة مثملا ماتت رسالة الزيات القديمة. حصل يوسف السباعي على دبلوم معهد الصحافة – جامعة فؤاد الأول بالقاهرة ورأس مجلس إدارة مؤسسة (روزاليوسف) عام 1961. ورأس تحرير مجلة آخر ساعة عام 1967م ، ورئيسا لمجلس إدارة دار الهلال عام 1971م ، ورئيسا للمجلس الأعلى لإتحاد الإذاعة والتليفزيون. وعام 1977 أختير نقيبا للصحفيين وكان رئيسا لتحرير الأهرام ورئيسا لمجلس الإدارة رحلة طويلة من مجلة مدرسة شبرا الثانوية إلى نقيب الصحفيين.

- تخرج السباعي من الكلية الحربية في عام 1937. منذ ذلك الحين تولي العديد من المناصب منها التدريس في الكلية الحربية. تم تعيينة في عام 1952 مديرا للمتحف الحربي و تدرج في المناصب حتى وصل إلى رتبة عميد.
المناصب الأدبية والصحفية

- أطلق "توفيق الحكيم" لقب "رائد الأمن الثقافي" على يوسف السباعي وذلك بسبب الدور الذي قام به في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية ، ونادي القصة ، وجمعية الأدباء. وهذه المجالس وغيرها لها قصة كتبناها من قبل أمانة للتاريخ الأدبي وغير الأدبي.

- كان صاحب إقتراح إنشاء المجلس هو "إحسان عبد القدوس" الذي طلب من "يوسف" أن يحصل على موافقة "جمال عبد الناصر" خشية إعتراض عبد الناصر إذا تقدم إحسان بالإقتراح وذلك بسبب بعض الحساسيات بينهما.

-وبالفعل وضع "يوسف السباعي" قصة إقتراح أمام عبد الناصر الذي وافق على أن يكون "السباعي" السكرتير العام ولا مانع أن يكون إحسان عضوا في مجلس الإدارة وهذا ما حدث. صدر قرار جمهوري بإنشاء المجلس عام 1956 وأن يعين "توفيق الحكيم" عضوا متفرغا للمجلس – بمثابة الرئيس – وأن يكون يوسف السباعي سكرتيرا عاما – في يده كل الأمور. وتكرر الوضع نفسه عند إنشاء (نادي القصة) ورأس يوسف السباعي تحرير (الكتاب الذهبي) الذي تم ضمه فيما بعد إلى دار روزاليوسف. وقد سجل يوسف السباعي واقعة إنشاء نادي القصة. جاءه إحسان عبد القدوس وأبدى إقتراحا بشأن تكوين ناد للقصة والقصاصين. وعند إنشاء (جمعية الأدباء) تولى يسوف السباعي رئاستها.

- أثناء مسئولياته المختلفة الثقافية والتنفيذية والأدبية والصحفية عمل على إنشاء عدد من مجلات الأدباء العرب والرسالة الجدية وزهور والثقافة والقصة ولوتس ومختارات القصة الآسيوية الإفريقية ، ومختارات الشعر الآسيوي الإفريقي. وأصدر مجلة لكتاب آسيا وإفريقيا.

- وقد شغل يوسف السباعي منصب وزير الثقافة عام 1973،و رئيس مؤسسة الأهرام ونقيب الصحفيين. قدم 22 مجموعة قصصية واصدر 16 رواية اخرها العمر لحظة عام 1972، نال جائزة الدولة التقديرية عام 1973 وعددا كبيرا من الاوسمة. لم يكن اديبا عاديا بل كان من طراز خاص وسياسيا على درجة عالية من الحنكة والذكاء. ورأس السباعي تحرير عدد من المجلات منها (الرسالة الجديدة) و(اخر ساعة) و(المصور) وصحـــيفة (الاهرام) وعيّنه الرئيس المصري السابق أنور السادات وزيرا للثقافة وظل يشغل منصبه إلى ان اغــتيل في قبرص في فبراير عام 1978 بسبب تأييده لمبادرة السادات بعقد سلام مع اسرائيل منذ سافر إلى القدس عام 1977.

- في حين ظل نجيب محفوظ الحائز على نوبل في الآداب عام 1988 ينشر رواياته بغزارة في وجه صمت نقدي واعلامي حتى منتصف الخمسينيات كانت أعمال الكاتب المصري يوسف السباعي الأعلى توزيعا فضلا عن تحويلها مباشرة إلى أفلام يصفها نقاد بأنها أكثر أهمية من الروايات نفسها‚

- وبعد أن فرضت أعمال محفوظ نفسها على النقاد تراجع الاهتمام بروايات السباعي الذي ظل في بؤرة الاهتمام الاعلامي والسينمائي وان أخذ كثير من النقاد تجنب الاشارة إلى أعماله باعتبارها نهاية لمرحلة الرومانسية في الادب وانها تداعب احتياجات مرحلة عمرية لفئة من القراء صغار السن

- الا ان كاتبا مصريا وصف أعمال السباعي بأنها «واقعية ورمزية»

- وقال مرسي سعد الدين في مقدمة كتاب «يوسف السباعي فارس الرومانسية» ان السباعي لم يكن مجرد كاتب رومانسي بل كانت له رؤية سياسية واجتماعية في رصده لاحداث مصر‚

- وقالت لوتس عبد الكريم مؤلفة الكتاب الذي صدر مؤخرا بالقاهرة إن دور السباعي في الثقافة المصرية لا يقل عن دوره ككاتب‚ وأشارت إلى وصف الناقد المصري الراحل الدكتور محمد مندور للسباعي بأنه «لا يقبع في برج عاجي بل ينزل إلى السوق ويضرب في الازقة والدروب»

- ويعد السباعي ظاهرة في الحياة الثقافية المصرية رغم تجنب النقاد التعرض لاعماله فيما عدا مؤرخي الادب‚ ويكاد ذكره الان يقتصر على أفلام أخذت عن أعماله ومن بينها (اني راحلة) و(رد قلبي) و(بين الاطلال) و(نحن لا نزرع الشوك) و(أرض النفاق) و(السقا مات)‚ كما أنتج التليفزيون المصري مسلسلا عن حياته عنوانه (فارس الرومانسية)

- وشددت المؤلفة على أن السباعي «كتب عن فلسطين مثلما لم يكتب أي كاتب أو أديب عربي‚ وفي كل المقالات التي كتبها بعد المـبادرة التاريخية بزيارة القدس (عام 1977) كان السباعي يركز في كل مقالاته على حقوق الشعب الفلسطيني ولم تخل مقالة واحدة من مقالاته من الدفاع عن حق الذين اغتالوه غدرا» في اشارة إلى أحد الفصائل التي خططت للحادث ونفذته.

- كان يوسف مؤمناً بأن للأدب دور كبير للتمهيد للسلام في مختلف العصور ، ولم يكتب من خلال نظرية فنية أو سياسية ولو خير من بين مناصبه التي تولاها وبين الإبداع الأدبي لأختار الكتابة كما فعل طوال حياته.

- جمع بين النشاط العسكري والنشاط الأدبي.

- وكان على حد تعبير – الدكتور محمد مندور – لم يقبع في برج عاجي وإنما نزل إلى السوق. لم تكن له (شلة) ثنائية أو ثلاثية كما كان عليه الحال على أيام والده ، كانت هناك ثلاثية (محمد السباعي وعباس حافظ وحسين شفيق المصري). وهذه إستمرت لأنها لم تتعرض لصراعات فيما بينهم. وثلاثية (عبد الرحمن شكري ، وإبراهيم عبد القادر المازني ، وعباس محمود العقاد) ، وهذه تمزقت بفعل الخلافات. وثلاثية (طه حسين وأحمد ضيف وزكي مبارك) وهذه تمزقت وبقي منها طه حسين.

- ومن الصعب أن نقول أن يوسف السباعي كانت له معارك. قال "يوسف إدريس" منافسه في إنتخابات نقابة الصحفيين أن "يوسف" كان يلقاه مرحبا فاتحا ذراعيه. المعارك فرضت عليه من مخالفيه السياسيين والمذهبيين. قال "عبد الرحمن الشرقاوي" فبعد هزيمة 5 يونيو عام 1967 ، في أحد إجتماعات إتحاد الكتاب العرب وقف مندوب أحد الوفود يطلب عزل يوسف السباعي. وعلى الفور أعلن يوسف إستقالته وإنسحب إلى حجرته وجاء مندوبو الوفود جميعا في مقدمتهم ممثل الحزب الشيوعي وقال .. هذا العضو الذي طالب بعزل يوسف السباعي مفصول من الحزب ، وقد سلم وثائق الحزب للمخابرات المركزية الأمريكية. وعاد يوسف وعادت الوفود إلى الإجتماع لتطرد هذا العضو الذي أثار الزوبعة. وفي إجتماع الكتاب الآسيويين الإفريقيين في سبتمبر عام 1973. كان الإجتماع في (ألما آتا) في الإتحاد السوفيتي وحوالوا عزله فطرح الثقة بنفسه وفاز بأغلبية ساحقة. لم يكن يفرض المعارك على الآخرين. كان يسيبح في الحياة كما يسبح (سبع البحر) على حد تعبير طاهر الطناحي في عالم البحر الواسع المئ بالقصص والأساطير وعجائب الحيوان وصراع الطبيعة للإنسان.

---



تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر

- تعتبر رواية «السقا مات» للكاتب يوسف السباعي والتي صدرت لاول مرة عام 1952 من أهم اعماله الادبية، ومن روائع الادب المصري المعاصر لما تتميز به من عمق في التفكير، واصالة في التعبير.

- ويرى العديد من النقاد ان اهمية هذه الرواية في «واقعيتها» وانها بهذه «الواقعية» تختلف عن اغلب روايات يوسف السباعي الاخرى التي يعتبرونها «رومانسية» وفي تقديري ان «السقا مات» رواية «رومانسية» هي الاخرى، وهذا لا يقلل من قيمتها، بل يساعدنا على اكتشاف مصادر الجمال فيها على نحو أكمل وادق.

- وقد وجد أبو سيف في رواية «السقا مات» الحارة الرومانسية التي طالما قدمها من قبل في افلامه، والتي يسكنها مجموعة من الملائكة، ولكنه حاول ان يتجاوز رومانسية الرواية الى تلك الواقعية التي تميز بها، وخاصة في النهاية عندما جعل السقا يعيش ويصبح شيخ السقايين بدلا من دنجل، وهذه النهاية تعبر عن صلاح ابو سيف بقدر ما تعبر نهاية الرواية عن يوسف السباعي ولا معنى للمفاصلة بين النهايتين لان كلا منهما تتسق تماما مع فكر صاحبها.

- والواقع ان الفيلم «السقا مات» الذي يعتبر احسن فيلم مصري طويل عرض في مصر عام 1977 لا يستمد قيمته من تصوير هذه الحارة الرومانسية، ولا من محاولة مخرجه تجاوز رومانسية الرواية الى الواقعية كما يعبر عنها، وانما من كونه اكثر افلامه «شخصية» واعني بالشخصية هنا الاصالة في التعبير عن عالم الفنان الداخلي، وعلاقته بالحياة والمجتمع.

- وتبدو موهبة الكاتب في ادراكه الناضج للعلاقة بين الأدب والسينما، وهو الامر الذي يتضح من خلال الاختلافات بين الرواية والفيلم، فالرواية كلها تدور في الماضي من وجهة نظر الابن سيد، ولكن طالما ان الأب لا يموت في الفيلم، فقد جعل محسن زايد الاحداث كلها تدور في الحاضر.

- وبنفس المفهوم الدراسي الذي لا يتقيد بالواقعية، ولا يبالغ في التعبيرية صور محمود سابو الفيلم بالألوان. واستطاع ان يفرق بين الحاضر والماضي، وبين الواقع والأحلام بالاضاءة والألوان، ببساطة واتقان. فنرى الماضي في صورة ضبابية تغلب عليها الألوان المتشابهة «درجات الابيض للتعبير عن الحب ودرجات البني للتعبير عن الموت»، ونرى أحلام شحاتة الجنسية في صورة يغلب عليها درجات اللون الاحمر والالوان الحسية.

---

تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر

- هي رواية مختلفة ... تعجبت كثيراً أثناء قراءتها من عدم وجود عقدة واضحة ... هل كان عدم التربع على عرش المياه هو العقدة؟ أم أنه موت "شحاتة أفندي"؟

- أن سرد الرواية و السير مع الأشخاص في أفكارهم المختلفة و أزمة "الصبر" التي يتشبث بها "شوشة" هي أروع ما فعل يوسف السباعي كي تخرج عملاً مؤثراً بهذا الحد.

- يقول يوسف السباعي في مقدمة الرواي " أن هدف الكاتب , اوالفنان بصفة عامة, هو الوصول إلى أغوار النفوس و نقل مشاعره إليها .. والفنان الناجح هو موقظ الأحاسيس..محرك المشاعر.. مهما كانت وسيلته , وأيا كان أسلوبه"..ويبدوا انه نجح في فعل ذلك في هذه الرواية.

- من اكترالروايات اللى عجبتنى واثرت فيا وحبتها لدرجة انى كنت بتعمد ابقى بطيئة في قرايتها عشان افضل عايشة مع الرواية مدة اطول.

- الرواية دى في نظرى ما كانتش مجرد حدوتة بيحكيها يوسف السباعى ...لأ دة حط خلاصة الدنيا في الرواية دى بكل ما فيها ، فرحها والمها وصدماتها......وعلمنى اتعامل مع فك بترعبنى. ..علمنى اتعامل مع فكرة الموت.

- عمل تدور أحداثه في أحياء القاهرة القديمة إبان فترة العشرينات وبطلها امتهن مهنة قديمة هي مهنة (السقا) ليقدم لنا السباعى تصوير ممتع لما كانت عليه الأحوال فى تلك الفترة , ويكون (السقا) راضى بحاله وحياته (كالماء الراكد ) يعيش متجرعا ذكريات حزينة مرّت فى حياته , إلى أن يقابل (أفندى جنازات ) أو المذكر من لفظ (المعدّدة ) (اللى بيحيي الجنازات زى مطربى الأفراح ) لكن هو فى الجنازة بيتولى الحزن والبكاء بأجر . ليكون فى الظاهر مجرد تاجر موت بيتلقى مقابل لمشاعره من إظهار الحزن.

- ولكن يكمن تحت هذا المظهر إحساس من أعمق ما يكون ويظهر جليا فى الحوارات التى دارت بين شخصيتي الرواية (السقا والأفندى ) ليظهر الأفندى للسقا وجهه الحقيقى .

- العمل له رسالة قوية برع الكاتب فى تقديمها ,
- (قفلات) السباعى كانت مؤلمة :مثلا: طريقة موت (الأفندى) فى منتهى البساطة , الرجل يستعد لليلة حمراء فيموت. نقطة.

- نهاية الرواية : موجعة بحق , قد لا تتمالك دموعك عندها .

- فى ثنايا الرواية : حس دعابة وخفة ظل واضحة جدا من قِبل السباعى. وخاصة عندما يتحدث فيما يخص الطفل (سيد) وأصحابه.

- الرواية مكتوبة بحس سينمائى جداً ,

- هى رواية حيّة ,

- التفاصيل متحركة جليّة أمام ناظريك ,

- اللغة : جميلة , ورغم حواراتها العامية إلا أنها فى المجمل لغة ممتعة وظريفة.

- وصف السباعى فيها كان متطور جداً وناضج للغاية , وصفه للأماكن وشرحه للطرق وأسلوب المعيشة كان متمكن جدا .

- شخصيات العمل : تعيش معها وتتعامل معها كأنك جزء من الرواية

- فى المجمل : عمل جيد وموجع ومؤثر

- هذه الرواية حقا تثير الـتأملات .. و تدفعك الى اعادة الحسابات مع نفسك و تغير من نظرتك للحياةالدنيا الفانية ..

- رواية من أروع الروايات التي قرأتها .. و من أكثرهم تأثيرا على نفسي ..

-كم من الأفكار دارت في ذهني بعد ان انتهيت منها ..

- رغم استمتاعي بالأحداث .. الا اني كنت تائهة في الفصول الأولى عن البحث عن المغزى من القصة .. لكنني في النهاية ادركت ان الكاتب الكبير اراد أن يجعلنا نتعايش مع الأبطال و مع أسلوب حياتهم و طرق معيشتهم حتى يهيأنا لما سيحل من أحداث في الفصل الأخير فنستشعر النهاية و كأننا فردا من افراد الرواية ..

- غير يوسف السباعي .. في روايته هذه من نظرتنا للكثير من الأمور .. و غير من استشعارنا بالأية الكريمة .. بفضل روايته العظيمة ..

- هيا مش روايه هيا حقيقة .. وصف للحياة

- هذا هو الموت يا صاحبي وهؤلاء هم البشر نهاية طبيعية .. لمخلوقات غير طبيعية

- يخلص المتلقي الى استنتاج ان كل شئ في هذه الحياة لا قيمة له في حد ذاته..ان قيمته في وجهة النظر إليه .. هو من احدي الوجهات نعمة ومن الاخري نقمة.. هو من ناحية مأساه ومن الاخري فكاهة ، وعندما تهون علي الإنسان النهاية.. تهون الحياة.

- عجبني اسلوب السباعي بانه راوي مش مجرد مؤلف و حديثه شيق جداً مفيش اى نوع من الملل بالرغم من اطالة الوصف و السرد .

- بس انا حبيت طريقته ف الوصف جداً حسسني اني عايشة جو الرواية بمعنى الكلمة يعني كان وصف لازم و ضروري لانه بيوصف حقبة زمنية كتير منا معشهاش او حتى محدش عاش ف الحارة دي و الافندية و الاطفال و المعلم شوشة و الصبي " سيد" و ست " ام آمنة " و الكتّاب و طريقة اللعب و الحلويات و البيوت و الناس و الحاجة " زمزم " ... كل ده كان في قمة المتعة لانه بيوصف مصر زمان .

- طول الرواية عجبني جداً طيبة الناس زمان و شهامتهم و وقفتهم جمب بعض الاطفال و الكبار بس اتصدمت من تصرف الحاجة "زمزم " في نهاية الرواية و لكن عندي يقين ان الله سبحانه و تعالى يجازي كل انسان بعمله و ان لم يكن الكاتب اوضح الفكرة دي في الرواية .

- فكرة الصراع اللي دار في نفس الصبي "سيد" بعد اهانة الحاجة " زمزم " له ... و انقلاب الدعاء على منزله و على والده !!

- من اكتر النقط اللي عجبتني بردو اسلوب تربية المعلم "شوشة " لابنه "سيد" رائعة جداً اسلوب متحضر و طول البال معه و صداقة ابنه .

- كثيراً ما اضحكني "سيد" لحد القهقهة في بداية الرواية من فرط شقاوته و ابكاني لحد النحيب فى نهاية الرواية !

- تعجبت من شخصية " شحاتة افندي " كيف يملك تلك الافكار عن الموت و حقارة الاحياء و الحياة بما في لذاتها بينما هو يجري وراء اللذات .. حتى انتهى قتيل الهوى!!

- تفسير الموت من وجهة نظر " شحاتة افندي " متقاربة جداً مع فكرتي عن الموت و ان الخوف منه هو خوف من الحساب مش من الموت نفسه ... الموت عالم تاني كل منا هيكتشفه في معاده

- اعجبت بشخصية " المعلم شوشة " جداً في كبح جماح النفس و دعاؤه بان الله يقيه من شر الرغبات اي كانت و صراعه مع تقبل فكرة الموت و الهزيمة المتكررة في البداية حتى انتصر على تلك الرهبة من الموت

- اللغة العامية اجمل ما في الرواية

- اسلوب السباعي المبسط الذي يحوي الكثير من الافكار العميقة اضفى على الرواية جو ساحر

- الفرق بين هذة الرواية وبين أرض النفاق .. أن أرض النفاق ليست رواية بالمعنى المتداول والمستقر عليه حاليًا افتراضًا.. شخصيات محددة ، أزمنة محددة ، أحداث محددة
في حين أن أرض النفاق هي فلسفات والشخصيات بالنسبة لها لزوم ما يلزم .. لسهولة توصيل الفكرة ليس إلا .. فكانت أشبه بمقال ذاتي . أو خاطرة .. أو لا أدري ..اما السقا مات ..فمتمايزة إلى شخصيات وأحداث ومكان محدد

- بسهولة وببساطة شديدة وبأسلوب رائع جذاب يحكي يوسف السباعي حكاية السقا ، الذي مات..

- استخدام العامية في الحوار كان عظيمًا .. والتنقل من الفصحى إلى العامية كان شديد العظمة ..

- وإنني لأستغرب كيف بيوسف السباعي صاحب النشأة الارستقراطية ان يكتب شيئًا كهذا؟ ملم فيه بتفاصيل لعب البلي ، والتي تتطلب طفلاً عاش أول 10 سنوات من حياته في الشوارع والطرقات ..؟

- أنا أكن كل الإعجاب للروائيين اللي بيسبروا أعماق النفس البشرية و هنا يوسف السباعي ركز على أكثر ما يرهب الإنسان في الحياة (و بيرهبي جدا أنا شخصيا) ألا و هو الموت، الموت و ماهيته و ازاي البني آدم يتعامل معاه سواء كان بيواجه عزيز أو بيواجهه هوا شخصيا.

-و الحاجة التانية اللي ركز عليها هيا الإيمان بالقضاء و القدر و قد إيه ده صعب فعلا مع كل اللي بنشوفه من ظلم لكن هيا دي الحياة، مافيهاش حد واضح بين الأبيض و الأسود و إلا كان الامتحان يبقى سهل قوي.

- أكتر حاجة أثرت فيا هيا قصة الحب اللي في الرواية، رغم انها لم تتجاوز الفصل الواحد لكنها عبرت عن مشاعر سنين، قصة حب رجل لامرأة واحدة لم يرض عنها بدلا حتى بعد مماتها و ظل يترقب لقائها يوم بعد يوم بدون ملل.

- الرواية قد تبدو في البداية قصة كل يوم لكنها تركت أعمق التأثير بداخلي، خللتني أعيش مع كل الأبطال و حتى غير الأبطال كل لحظة من حياتهم و أحس نفس أحاسيسهم، خللتني أنبهر بكم الطيبة و الإنسانية اللي فـ مجتمع البسطاء و اللي لولاه ماكنتش شرور الدنيا تُحتمل.

- مبدئيا الحاجه الوحيده الممله ف اسلوب يوسف ادريس هو الاسهاب ف وصف الاماكن والشخصيات بزياده وبتفاصيل ممله لا يقارعه مللا فيها الا دان براون مع الاختلاف طبعا
يوسف السباعى روائى و فيلسوف وفلسفته بتبان جليه فى كل اعماله اللى قريتهاله لحد دلوقتى
الروايه نفسها بقى بتتكلم عن اكتر من خط درامى.

- اولا سيد..ودا من امتع اجزاء القصه..بيصور فيه مرحله الصِبا واللى بتتشكل فى ضوء البيئه والزمن وقتها واسلوب لعب العيال والبلى و الكوره الشراب والكُتاب ونكتهم و هزارهم ..الخ

-ثانيا السقا..الجانب المتعقل فى الروايه..المعلم شوشه..حمال الاسيه بالبلدى..اجاد يوسف السباعى رسم شخصيته والصراع النفسى اللى بيحصل بينه وبين شحاته افندى لحقا وبينه وبين نفسه على معتقداته وافكاره

-ثالثا شحاته افندى..محور القصه كلها كما سيتضح..الرجل الذى بنى على اساسه يوسف ادريس فلسفته كلها وهو من الناس اللى بيبنوا فلسفتهم وبيظهروها على لسان احد الشخصيات الفرعيه او الغير بطوليه فى الروايه

مش عايز اتوسع ف الوصف عشان محرقش الروايه لحد بس مجملا ك جو عام الروايه تحفه تحس انك عايش بينهم ف كل صوت ف كل كلمه ف كل تفصيله ف الحدث بدايه من المكان والدكاكين والكُتّاب مرورا ب الشخصيات و لغه الحوار المعبره جدا وهى على فكره معظمها عاميه ماعدا الجزء الخاص اللى بيتفلسف فيه شحاته او شوشه ف بيقلب ب انسيابيه ل فصحى رقيقه
الفكره العامه عن فلسفه الموت وجدليه عدل الخالق فى المصائر والصبر..الصبر.

ايوب صابر 03-04-2016 09:39 PM

اليتيم رقم 12


والان مع العناصر التي صنعت الروعة في روياة 104- الباب المفتوح لطيفة الزيات مصر


- رواية الباب المفتوح للكاتبة و الصحفية دكتورة لطيفة الزيات

- الرواية تدور حول ليلى فتاة من الطبقة المتوسطة تعانى تمزق بين العادات البالية و الرغبة فى حياة متفتحة حرة و تعرض الكاتبة الى ان الحب القائم على التفاهم و قوة الشخصية من جانب الرجل لا يتعارض مع تحرر المراة بل يدعمه

- الرواية شديدة القوة و التاثير و فيها جانب من الرومانسية و الرقة معا و تعتبر من افضل 100 رواية عربية

ايوب صابر 03-05-2016 09:43 AM

تابع .... الباب المفتوح لطيفة الزيات

- The Open Door is a landmark of women's writing in Arabic.
- الباب المفتوح واحدة من اروع الروايات المكتوبة باللغة العربية
- Published in 1960, it was very bold for its time in exploring a middle-class Egyptian girl's coming of sexual and political age, in the context of the Egyptian nationalist movement preceding the 1952 revolution.
- صدرت في العام 1960 وكانت جرئية بالنسبة لوقتها حيث عالجت قصة فتاة من الطبقة الوسطى ونموها الجنسي والسياسي وذلك ضمن حركة التحرر المصرية قبل ثورة العام 1952 .
- The novel traces the pressures on young women and young men of that time and class as they seek to free themselves of family control and social expectations.
- وتناقش الرواية الشغوط التي يتعرض لها الشباب فتيات وذكور من ذلك العهد وهم يحاولون تحرير انفسهم من سيطرة العائلة والتوقعات الاجتماعية.

-Young Layla and her brother become involved in the student activism of the 1940s and early 1950s and in the popular resistance to continued imperialist rule;
- علما بأن الروائية ليلى الزيات شاركت هي واخاها في النشاط الطلابي الذي جرى خلال الربعينيات من القرن الماضي وبداية الخمسينات والمقاومة الشعبية للسيطة الامبريالية التي كانت قائمة في حينه.
-the story culminates in the 1956 Suez Crisis, when Gamal Abd al-Nasser's nationalization of the Canal led to a British, French, and Israeli invasion.
- وتعالج الرواية ازمة قناة السويس وتاميم الرئيس جمال عبد الناصر لقناة السويس والذي ادى الى الحرب الثلاية على مصر.
-Not only daring in her themes, Latifa al-Zayyat was also bold in her use of colloquial Arabic,
-كانت ليلى الزيات جرئية في ما عالجته من افكار كما انها كانت جرئية في استخدام اللغة المحلية.
- and the novel contains some of the liveliest dialogue in modern Arabic literatur
- كما تحتوي الرواية على واحدة من اجمل الحوارات التي كتبت في الادب العربي الحديث.

ايوب صابر 03-05-2016 12:00 PM

- لطيفة الزيات هي مناضلة سياسية تقدمية، وكاتبة مبدعة، وناقدة متميزة، ولدت في دمياط عام 1923، وتوفيت في سبتمبر 1996، عن عمر يناهز 73 عاما، نالت شهادة الليسانس في الأدب الإنجليزي من جامعة القاهرة 1946، ثم الدكتوراة عام 1957، عملت كأستاذة للآدب الإنجليزي والنقد في كلية البنات جامعة عين شمس، ورأست لجنة الدفاع عن الثقافة القومية عام 1978، كذلك رأست جمعية الكاتبات المصريات خلفا للأستاذة أمينة السعيد.

- من أشهر أعمالها: رواية الباب المفتوح عام 1960، والتي تحولت إلى فيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه، قامت ببطولته: فاتن حمامة وصالح سليم وحسن يوسف وأخرجه هنري بركات، ومن إنتاجها الأدبي المتميز كتاب حملة تفتيش، أوراق شخصية، سيرة ذاتية صدر عام 1992، وصاحب البيت رواية عام 1994، والرجل الذي عرف تهمته كذلك صورة المرأة في القصص والروايات العربية، دراسة نقدية 1989.

- وكان للطيفة الزيات مواقف نضالية لا حصر لها، فقد كانت تحرك الطلبة المصريين ضد الاحتلال البريطاني وحكم الملك فاروق 1946، ودخلت الأديبة الكبيرة السجن مرتين: مرة وهي عروس في السادسة والعشرين من عمرها، والمرة الثانية وهي في الثامنة والخمسين من عمرها عام 1981، إثر حملة الاعتقالات التي ضمت الكتاب والصحفيين المعارضين لحكم السادات، فلقد قامت الدكتورة لطيفة الزيات عام 1979، بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل بتأسيس اللجنة الوطنية للدفاع عن الثقافة القومية التي شكلت جبهة رئيسية في مواجهة التطبيع مع إسرائيل، ويوم الإفراج عن السجينات السياسيات، أسرع مدير السجن إلي الدكتورة لطيفة الزيات يقبل يدها وجبهتها وهو يقول: إذا كانت هناك إمرأة عربية تستحق أن تقبل يدها وجبهتها في هذا الوطن فهي الدكتورة لطيفة الزيات، ونتمني ألا تنزلي ضيفة علينا مرة أخرى، فقاطعته قائلة: لو امتد بي العمر عشرين عاما أخرى وحدث ما يستحق أن أتصدى له لن أتردد لحظة، وحينئذ قد تجدني ضيفة عليكم مرة أخرى.

- حصلت الدكتورة لطيفة الزيات علي جائزة الدولة التقديرية العام 1996، قبل وفاتها بأشهر قليلة.

ايوب صابر 03-05-2016 03:31 PM

تابع .....
لطيفة الزيات
بقلم: كمال الشيحاوي

- شاركت في وضع بدايات "السير ذاتية" النسوية العربية

- ليس التمرّد بالأمر الهيّن خصوصا إذا بدر عن امرأة في مجتمع عربي/إسلامي ما يزال نسق المحافظة يضغط عليه من كلّ جانب وهو بمثابة العصيان في أربعينات القرن الماضي حين كان الرّجل يحتكر كلّ شيء بما في ذلك قضية تحرير المرأة. مع ذلك تمكّنت بعض النساء من كسر هذه القاعدة، وكنّ رائدات حقّا بكلّ ما تتطلبه الرّيادة من مثابرة وإصرار وتحدّ، وبكل ما تركته فيهنّ من أفراح وآلام على الصعيدين الشخصي والعام.

- نساء انجذبن إلى أفكار جديدة، مناقضة جوهريا لبنية التفكير المهيمنة اجتماعيا، ناضلن من أجل تحويل هذه الأفكار إلى قيم وسلوكيات اجتماعية. دخلن السجن بسببها أحيانا، ودفعن ثمنا غاليا لأجل تحقيق ذلك.

- بين هؤلاء النسوة قلّة قليلة أضفن جرعة مميّزة من الجرأة حين بادرن إلى كتابة سيرهن الذّاتية وهو ما يعتبر ثورة بمقاييس ذلك الزمان. نذكر من أشهرهنّ "فدوى طوقان"، "نوال السعداوي" و"لطيفة الزّيات"…

- يلاحظ الدّارس أن فنّ السيرة الذاتية ما يزال حتّى الآن فنّا محفوفا بالمخاطر بالنسبة للكتاب العرب. يتطلّب النجاح فيه قدرا كبيرا من الموهبة و الجرأة الصادقة التي قد تهدّد حياة صاحبها إن مسّت سيرته عددا من "الطابوهات" العائلية، الأخلاقية والسياسية. يحدث ذلك مع الرّجل في مجتمع "ذكوري" فما بالك إذا كان صاحب السيرة، امرأة، تمّت تربيتها لتكون سترا لعائلتها وساترة لزوجها. بسبب هذه الوضعية اضطرّت الكاتبات العربيات اللّواتي كان لهنّ شرف الرّيادة في هذا الفنّ ومن بينهنّ "لطيفة الزّيات"(1) إلى أساليب أكثر مراوغةً وتعتيماً على "الميثاق السير الذاتي" كما حدّده "فيليب لوجون". وهو ما ميّز سيرهنّ بخصائص مختلفة وطريفة كما سيتبيّن من دراستنا لكتاب "حملة تفتيش، أوراق شخصية"(2).

- ينقسم الكتاب إلى جزأين، الأول بداية سيرة ذاتية لم تكتمل تتناول سنوات تشكل الوعي، ثم مرحلة منتصف العمر. والثاني يتكون من أوراق كتبتها الزيات وهي في سجن النساء عام 1981. تدور حول تجربة السجن بمنظور جديد تبلور في ضوء تجارب حياتها المختلفة. يستجيب الكتاب للمقاييس الأساسية التي وضعها أغلب المنظّرين لجنس السيرة الذاتية، ويربكها في نفس الوقت. فهو نصّ ينتمي إلى السيرة الذاتية، لكنه دائم الانفلات من تلك الصيغة التقليدية بكتابة السيرة. فالكاتبة لا تروي سيرتها الذاتية بالشكل التقليدي الذي يعتمد على سرد الأحداث، كبيرها وصغيرها، وفقا لترتيب وقوعها.

- إنّها تحكي عن فترات من حياتها دون أن تخضع للمسار التقليدي من الماضي إلى الحاضر أو من فترة لأخرى. فتتداخل مراحل العمر في «الأوراق» على شكل شذرات تصوّر الأنا في مواقع وأدوار مختلفة، لأن الهمّ الأوّل هو رصد تحوّلات الأنا وهي في سبيلها للتحقق. لينتهي السرد وقد انتظمت الأوراق بالفعل.

- ويمكن القول بداية أن هذا الاختيار كان بمثابة المعادل الفنّي لرؤية الكاتبة لسيرتها وشخصيتها. فهي لا تعرض سيرتها الذّاتية بعد أن تمكّنت من معرفتها بشكل نهائي، بل تدفع القارئ لمشاركتها (عبر التأويل) رحلة بحثها عن ذاتها.

- المتأمّل في عناوين أعمال "لطيفة الزيات" مثل "الباب المفتوح" روايتها الأولى الصادرة سنة 1960 و"صاحب البيت" وهي رواية أخرى أشار لها الناقد "صبري حافظ" في معرض ذكره لأعمال الكاتبة، يلحظ دون شكّ أن البيت والعناصر المرتبطة به ، تشكّل هاجسا مركزيا في تجربة لطيفة الزيات الأدبية.

- وهذا ليس مستغربا في مسار مناضلة وكاتبة سعت طوال حياتها إلى تحرير المرأة ممّا مارسه البيت التقليدي على المرأة من تدجين واستلاب وكبت بفعل ثقافة "ذكورية" متسلّطة حوّلت البيت إلى سجن. " كان البيت القديم قدري وميراثي، كان بيت سيدي بشر صنعي واختياري وربّما لأن الاثنين شكّلا جزءا من كياني وربما لأنّي انتميت إلى الاثنين بنفس المقدار ولم أتوصّل إلى ترجيح أحدهما على الآخر، ترجيحا نهائيا اختل سير حياتي"

- اختارت لطيفة زيات تذكر البيت "بيت الطفولة" على امتداد أكثر من خمسين صفحة من الكتاب (حوالي ثلث مساحته الورقية) وهي تودّع أخاها الذي صار رمز الدّيمومة و الصّلابة والثّبات في لحظة مهدّدة فيها بالرحيل/ الموت. بيت الطفولة هو مكان الألفة ومركز تكييف الخيال، وعندما نبتعد عنه نظلّ نستعيد ذكره، ونسقط على الكثير من مظاهر الحياة المادّية ذلك الإحساس بالحماية والأمن اللّذين كان يوفرهما لنا" هكذا يقول "غاستون باشلار"(3).

- تقول الكاتبة في هذا السياق: "وما زالت صور بيتنا القديم محفورة في ذاكرتي، ورائحة قدمه العطنة تملأ كياني رغم انقضاء فترة طويلة على إزالته". هنا نلاحظ كيف تقترن القدامة بالقداسة في تعبيرها عن الارتواء برائحة البيت العطنة، فكأنّنا أمام طقس ديني وهو أمر يؤكّده "مرسيا إلياد"(4) حين يقول " ثمّة أمكنة تبقى متميّزة، تبقى مختلفة عن سواها اختلافا كيفيا: موطن الولادة، منبت الحبّ الأوّل أو الشارع أو المدينة الأجنبية الأولى التي يزورها المرء في صباه. إن هذه الأمكنة تحتفظ حتّى لدى الإنسان غير المتديّن بصفة استثنائية، صفة وحيدة، إنّها هي الأمكنة المقدّسة لعالمه الخاص، كما لو أن هذا الكائن اللاّ متديّن كان قد تمتع بوحي صادر عن واقع مغاير للواقع الذي يسهم فيه بتجربته اليومية".

- ويمتد التذكّر في الكتاب إلى استعادة أريج البيت وتاريخ العائلة الأرستقراطي، ووصف أجزاء البيت من أجنحة وغرف وحدائق ومقاعد وأرائك. وتعكس دقة الوصف بلا شكّ رغبة في إعادة بناء البيت بواسطة الحكاية.

- لئن أكّدت الإشارات السابقة أنّنا في بيت أرستقراطي لإحدى العائلات المصرية الغنية، فإن أجواء طفولة الوالد التي ترويها الكاتبة كانت تعلّة للدّلالة على البنية التقليدية "البطريكية" التي تحكم البيت، وتحتفي بالذكورة. تقول "والأب لا يردع والرّجال لا يستحون يشاكسون الولد إن كفّ عن مشاكستهم، يتعجّلون فيه الذّكر".

- أمّا الإشارات التي تتصل بالمرأة فتؤكّد أن أهل البيت من النساء شبه محجوبات عن الضيوف والرّجال وكلّ ما يحدث من صخب وسهر وغير ذلك، وهنّ برعاية الولد الذكر يمضين كلّ وقتهن، أمّا البقية فنساء من الجواري الحبشيات والشغّالات فيهنّ من الحريم ومن الفاجرات، وبعضهنّ من الصبايا يأتين من آخر البلد" تذكر الكاتبة ذلك للدّلالة على أن هندسة البيت لم تكن سوى تعبير عن الثقافة الرّجالية المتحكّمة فيه. فثلث البيت كان لنسائه أمّا ثلثاه فللرّجال ولضيوفهم من الرّجال والنساء ولسهراتهم ومتعهم.

- ولم تكن حكاية الثعبان التي روتها في ثنايا السيرة، سوى للدّلالة على منع المرأة من مجاوزة غرفتها أو المساحة المخصّصة لها. تقول "ولا أعتقد أن أهلي قد بذلوا أية محاولة جادّة للتخلّص من الثعبان، وعلى كلّ فقد ولدت والثعبان ينفرد دون أدنى إزعاج بالسلم الخشبي المؤدّي إلى السطح وإني في أمان طالما لم أحاول صعود السلم واعتلاء السطح فالثعبان لا يخرج عن دائرة السلم ولا يزعج إلاّ من يزعجه ويطؤها".

- وفي السياق الرمزي الذي يحيط بالبيت وعناصره فإن الثعبان يتخذ بلا شك دلالة رمزية فهو علامة المنع من ارتكاب خطيئة تجاوز الحدّ المسموح ، ولكنّه يحمل أيضا كما جاء في القصص والأساطير رمزية الإغراء، إذ تقول الكاتبة في نفس الصفحة "وكان الأمر في طفولتي أمرا مثيرا للضيق، فقد تحتّم عليّ خوفا من الثعبان أن أتسلّل إلى السطح كلّ مرّة من نافذة جدّتي…وتطلّب هذا بالطبع أن أناور وأحاول لأتسلّل إلى السطح الذي أحببته في طفولتي أكثر ممّا أحببت الحديقة".

- لقد اقترن البيت في ذاكرة الكاتبة بالأمان وكان رمزا للثّبات والحماية ودالا على نظام قيم وعادات رجالية، تستعجل الذّكورة وتسعد بها ولا تنظر إلى المرأة إلا في دائرة ما توفّره من خدمة عائلية، أو إمتاعية بحسب مراتبها الاجتماعية ولكنها حدست بما يمارسه عليها من تدجين، فكان السطح وهو رمزيا فضاء التلاقي بين المحدود والمطلق فضاء يملؤها شعورا بالحرية والانطلاق"ولكن الغريب أني حين أفكر في البيت بمعنى البيت، تندرج كلّ هذه المساكن في ذهني كمجرّد منازل، وتتبقى حقيقة أن لا بيت لي وحقيقة أنّه لم يكن لي في حياتي سوى بيتين، البيت القديم، والبيت الذي شمّعه رجال البوليس في صحراء سيدي بشر في مارس "1949.
=========
لقد أظهرت "لطيفة الزّيات" أنّ خروجها عن النموذج النسوي التقليدي الذي يريدها البيت القديم أن تكون عليه مثل أمّها وجدّتها، كان ضروريا لتحقّق تميّزها وفرادتها كشخصية جديدة. ومع ذلك لا تخجل من التصريح بأنّها تلجأ إلى غرفتها في البيت القديم كلّما شعرت باضطراب ما من ذلك لجوءها إلى البيت القديم في هزيمة 67 "فقدت الكلمات معانيها إذاك وأنا أنسحب في ظلمة الغارة إلى الدور الأعلى حيث أسكن، ألجأ كالحيوان الجريح إلى جحري أكفّن نفسي بالغطاء على السرير" . في سياق آخر من سيرتها تقول "لم أكن أتلهف للعودة إلى البيت القديم إلا مرّات قليلة وأنا مثقلة بجراح، وأنا راغبة في التقوقع والانكماش أو الدخول في شرنقتي الصيفية كما عوّدت نفسي أن أسمي البيت القديم" . ويؤكّد غاستون باشلار هذا المعنى بالقول "إن ردود الفعل الإنسانية تجاه العش والقوقعة مثلا لها صلة ببيت الطفولة(….) وفي مؤلفه يتحدث عما يسمّيه بتعليق القراءة، أي أنّنا كقراء حين نقرأ مثلا وصفا لحجرة أو بيت نتوقف عن القراءة لنتذكر بيتنا وحجرتنا أي أن قراءة المكان في الأدب تجعلنا نعاود تذكر الطفولة".

إن تردّد الكاتبة في علاقتها بالبيت، يترجم عن تردّد أعمق بين نزوعها للقوة، لامتلاك شخصية قوية ملتزمة بقضية كبيرة، تذوب فيها ذاتها الفردية وأنوثتها وميلها في نفس الوقت إلى الضعف والرّقة والهشاشة، واكتشافها حاجتها كامرأة للاطمئنان والسعادة.

لم تتمرّد لطيفة زيات إذن على البيت في المطلق وإنما على الحياة التي تدجّن المرأة في البيت. وحلمها بالبيت القديم هو عزاء وتعويض نفسي عن المرارة التي أحسّت بها ذاتيا من خلال فشلها الزوجي، حيث طلّقت مرّتين وعزاء موضوعيا حيث عانت المعتقل وهي في الستين من عمرها. وتعبّر الكاتبة عن خيبتها من السياسيين الذي وعدوا بتحرير المرأة وتصف بنبرة متصوّفة الدّرجة التي بلغتها من الوعي بتحرّرها حين تقول وهي في سيارة الشرّطة لتودع السجن خلال الحملة التي أمر بها السادات ، " أجلس مرتخية في هدأة اللّيل في مقدّمة عربة شرطة والضابط يبحث عن السجن ليودعني وما من أحد عاد يملك أن يسجنني وحريتي تلوح لي في آخر الطريق كاملة غير منقوصة تنتظر مني أن أمدّ يدي لأحتويها ودموعي التي لا تنفرط وحريتي تلوح في آخر الطريق" . هكذا صار الوطن شبيها بها وبات تحرّرها من تحرّره مع أنه تحوّل إلى آلة قمع، فصار سجنا وزنزانة لمن حلموا بتحريره. وفي السياق المتصل بتردّد تيمة "البيت"يلاحظ الباحث العراقي "حاتم الصكر" في دراسة منشورة على موقعه، تناول فيها عددا من السير الذاتية النسوية العربية، أنّ هناك مفردات مشتركة في السير والشهادات والرسائل التي كتبتها النساء العربيات تتركز حول البيت (المنزل) كمكان، والطفولة، (كزمان) وهما يشكلان أساس الوعي بالذات، والانتباه إلى القمع والمنع والحجز أو الفصل الجنسي ويؤكّد أنّه غالباً ما شكّلت الأسرة (الأم-الأب-الزوج-الأخ..) رمزاً تظهر من خلالها تلك الأساليب القهرية التي لا يتوقف ضررها عند فرض خطاب الرجل (الذّكر) فحسب، بل في تسلّل مفردات هذا الخطاب إلى اللّغة ذاتها، ولغة المرأة الكاتبة في أحيان كثيرة. لقد كان على النساء (كاتبات وقارئات) أن يسبحن ضد التيار دائما"ً.

لقد عكس كتاب "أوراق شخصية" ملامح أخرى بارزة مما يسمّى عادة بالأدب النسوي، فهو ببنائه الدّائري واختياره لرمزية البيت علامة على ذلك محاولة لتجاوز الضياع والتيه الذي عاشته المرأة في مغامرة نضالها من أجل التحرّر. وهو في تداخل نصوصه وتمزّقه أحيانا وغياب الاستمرارية السببية والمنطقية صورة من حياة المرأة المناضلة في مجتمع مغلق ومحافظ. وهو بتحويله للبيت مركزا للعالم، ومكوّنا أساسيا للهوية والكيان وبربطه بكلّ المحمول الرمزي الأنثوي (الماء، الرحم، البئر، المطلق، الموت) يعبّر عن خصائص مميزة للسيرة النسوية دون شكّ.
الهوامش:

1 "لطيفة الزّيات"هي مناضلة سياسية تقدمية، وكاتبة وناقدة وأستاذة جامعية ولدت في دمياط عام 1923، وتوفيت في سبتمبر 1996، عن عمر يناهز 73 عاما، رأست جمعية الكاتبات المصريات خلفا للأستاذة أمينة السعيد، من أشهر أعمالها رواية "الباب المفتوح" عام 1960، والتي تحولت إلي فيلم سينمائي يحمل الاسم نفسه، أخرجه هنري بركات. ومن إنتاجها الأدبي المتميز كتاب "حملة تفتيش، أوراق شخصية"، وهو سيرة ذاتية صدر عام 1992، و"صاحب البيت" رواية عام 1994، و"الرجل الذي عرف تهمته"، كذلك"صورة المرأة في القصص والروايات العربية"، دراسة نقدية 1989 .كان لهذه السيّدة مواقف نضالية لا حصر لها، فقد كانت تحرك الطلبة المصريين ضد الاحتلال البريطاني وحكم الملك فاروق 1946، ودخلت الأديبة الكبيرة السجن مرتين: مرة وهي عروس في السادسة والعشرين من عمرها، والمرة الثانية وهي في الثامنة والخمسين من عمرها عام 1981، إثر حملة الاعتقالات التي ضمت الكتاب والصحفيين المعارضين لحكم السادات. حصلت الدكتورة لطيفة الزيات علي جائزة الدولة التقديرية العام 1996، قبل وفاتها بأشهر قليلة. تشير المصادر إلى أنّها تعلقت بالماركسية وهي طالبة بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول وعلى حدّ قولها: "كان تعلقي بالماركسية إنفعاليا عاطفيا" ، أي أنها إعتنقت الماركسية وجدانيا ومع هذا كان أول مشروع زواج لها مع "عبد الحميد عبد الغني" الذي اشتهر باسم "عبد الحميد الكاتب" ولم يكن ماركسيا تحت أي ظرف من الظروف ، بل كان يمضي جزءا كبيرا من نهاره وليله في أحد المساجد ثم دخلت تجربة ثانية أكثر ملائمة لفكرها وطبيعتها ، فارتبطت بالزواج بأحمد شكري سالم .. الدكتور في العلوم فيما بعد ، وهو أول شيوعي يحكم عليه بالسجن سبع سنوات ، وتم اعتقال أحمد ولطيفة عام 1949 تحت ذمة القضية الشيوعية. وانفصلا بالطلاق بعد الحكم علي "شكري" وخروجها من القضية ،. وتأتي قمة التناقض بين اليسار واليمين بزواجها من "الدكتور رشاد رشدي" يميني المنشأ والفكر والسلوك. ولم تتردّد الدكتورة الزيات أن تقول لمعارضي هذا الزواج: "إنه أول رجل يوقظ الأنثى في" ، وعندما اشتدوا عليها باللّوم قالت: "الجنس أسقط الإمبراطورية الرومانية". والتجارب الثلاث جزء مهم من تاريخ الزيات" وحياتها وشخصيتها. زواجها من "الدكتور رشاد رشدي" الكاتب المسرحي والأستاذ الجامعي والذي أصبح مستشارا ثقافيا للرئيس أنور السادات .. أصابها بالتمزق بين أنوثتها التي فجرها "الدكتور رشاد" ، وبين حرصها على أن تبقى ماركسية حتى ولو كانت (ماركسية مسخسة) حسب وصف "الدكتـور لويس عـوض" لها في كتابه (دليل الرجل الذكي ).
والمؤكد أن هذا الزواج جر عليها النقد الحاد القاسي من رفاقها القدامى الذين كان يؤلمهم زواج اليسار باليمين. ولقد حرصت هي على أن تحتفظ بصورتها الماركسية ولو للذكرى والتاريخ .. وبصراحتها المعروفة عنها قالت بعد طلاقها من الدكتور رشاد: ها أنا أبرأ .. أو على وشك أن أبرأ .. أخاف أن ترتد كينونتي الوليدة إلى الرحم. هل كان هو مشروع عمري الذي انقضى أم السعادة الفردية هي المشروع؟! كانت السعادة الفردية هي مشروعي الذي حفيت لتحقيقه. وجننت عندما لم يتحقق. أنا صنيعة المطلقات. وأسيرة سنوات أدور في المدار الخطأ. لا أملك القدرة على فعل أتجاوز به المدار الخطأ لسنوات تسلمني فيها إلى الشلل الهوة الرهيبة بين ما أعتقد وبين الواقع المعاش. بين الحلم والحقيقة أخاف أن ترتد كينونتي الوليدة – إلى الرحم.

2 لطيفة الزيات، "حملة تفتيش، أوراق شخصية"، دار الهلال، القاهرة، أكتوبر1992.
3 غاستون باشلار، "جماليات المكان"، ترجمة غالب هلسا، المؤسسة الجامعية، بيروت 1984.
4 مرسيا إلياد، "المقدس والعادي"، ترجمة عادل العوا، ، صحاري للصحافة والنشر، بودابست، د،ت

ايوب صابر 03-06-2016 07:51 PM

تابع......

- إمتدت خبرتها إلى مدنعديدة بحكم عمل والدها في مجالس البلديات ، ولكنه توفي عام1935 ، وهي في الثانية عشرة من عمرها.

- تميزت بالقدرة الفائقة على مكاشفة النفس والتعبيرات عن الذات.

- تعلقت بالماركسية وهي طالبة بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول وعلى حد قولها: "كان تعلقي بالماركسية إنفعالياعاطفيا"

- إرتبطت بالزواج بأحمد شكري سالم .. الدكتور في العلوم فيما بعد ، وهو أول شيوعي يحكم عليهبالسجن سبع سنوات ، وتم إعتقال أحمد ولطيفة عام 1949 تحت ذمة القضية الشيوعية.

- إنفصلا بالطلاق بعد الحكم علي "شكري" وخروجها من القضية ، وكان محاميها مصطفى مرعي.

- وتأتي قمة التناقض بين اليسار واليمين بزواجها من "الدكتور رشاد رشدي" يميني المنشأ والفكر والسلوك. ولم تترد لطيفة الزيات أن تقول لمعارضي هذا الزواج: "إنه أول رجل يوقظ الأنثى في"

- التجارب الثلاث جزء مهم من تاريخ "لطيفة الزيات" وحياتها وشخصيتها .

-ظلت تناضل حتى رحلت في 11 سبتمبر سنة 1996 بعد أن أصابهاسرطان الرئة. وأصابتها الدنيا بحرمانها في سنواتها الأخيرة منالزوج والولد أو البنت.
- تتسم أعمال "لطيفةالزيات" القصصية والروائية بمعرفة صحيحة بالحياة ، وبالتكوين النفسي للنماذجالإنسانية وبالمتناقضات الإجتماعية التتي تتحرك في إطارها وتتفاعل معها.

- كان للطيفة الزيات مواقف نضالية لا حصرلها، فقد كانت تحرك الطلبة المصريين ضد الاحتلال البريطاني وحكم الملك فاروق 1946،ودخلت الأديبة الكبيرة السجن مرتين: مرة وهي عروس في السادسة والعشرين من عمرها،والمرة الثانية وهي في الثامنة والخمسين من عمرها عام 1981، إثر حملة الاعتقالاتالتي ضمت الكتاب والصحفيين المعارضين لحكم السادات.

- توفيت لطيفة الزيات فيالحادي عشر من أيلول ـ سبتمبر 1996.

- يمكن للمتلقي أن يستنتج من خلال مطالعة أحداث حياة هذه الكاتبة الفذة وغنى هذه التجربة الحياتية وتمرد هذه المرأة ثم نضالها وتعرضها للسجن بأن هناك سر كبير وأحداث جسام أثرت على تكوينها ولا عجب ان يكون ذلك السر هو يتمها المبكر

ايوب صابر 03-07-2016 04:26 PM

اليتيم رقم 13 عبد الرحمن منيف

والان مع العناصر التيي صنعت الروعة في رواية 105 - مدن الملح ( خماسية ) عبد الرحمن منيف السعودية

- مدن الملح هي رواية عربية للروائي السعودي عبد الرحمن منيف، تعد واحدة من أشهر الروايات العربية وتتألف هذه الرواية من 5 أجزاء.

- الرواية تتكلم وتصور الحياة مع بداية اكتشاف النفط والتحولات المتسارعة التي حلت بمدن وقرى الجزيرة العربية بسبب أكتشاف النفط.

أجزاء الرواية:
1-التيه: يتناول الجزء الأول بوادر ظهور النفط في الجزيرة العربية من خلال سكانها وتظهر شخصية متعب الهذال الرافضة كتعبير عن الموقف العفوي لأصحاب الأرض مما اجبر السلطة أن تستعمل العنف. يصف هذا الجزء بالتفصيل بناء المدن الجديدة (حران كانت النموذج) والتغيرات القاسية والعاصفة على المستوى المكاني وخاصة الإنساني.

2-الأخدود: في الجزء الثاني ينتقل منيف إلى تصوير اهل السلطة والسياسة في الصحراء التي تتحول إلى حقل بترولي. نقطة البداية كانت انتقال الحكم من السلطان خربيط إلى ابنه خزعل الذي يمنح كل التسهيلات إلى الأمريكان لتحقيق مخططاتهم. الشخصية الرئيسية في هذا الجزء هو مستشار السلطان الجديد صبحي المحملجي الملقب بالحكيم وهو من أصل لبناني جاء إلى حران أولا كطبيب ثم ينتقل إلى العاصمة موران بحس مغامر ليرتقي إلى أكبر المناصب ويبسط نفوذه. في هذا الجزء تزداد وتيرة التحولات حدة وسرعة بحيث لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما ستؤول اليه الأمور. ينتهي هذا الجزء في لحظة انقلاب فنر على اخيه حين كان خارج موران.
3-تقاسيم الليل والنهار: يعود الجزء الثالث إلى جذور العائلة الحاكمة إلى سنوات التصارع القبائلي التي تتوج خربيط كأهم حاكم في المنطقة في اللحظة التي يقتحم فيها الغرب الصحراء فيجد في تحالفه مع خربيط وسيلة لامتلاك الثروة التي كان يبحث عنها ويستغل السلطان ذلك الظرف للهيمنة على كل ما يمكن أن تطاله يده ويعود هذا الجزء إلى نشأة كل من خزعل وفنر.

4-المنبت: الجزء الرابع هو عبارة عن سيرة خزعل في المنفى حتى وفاته مع رصد للتغييرات الانقلابية التي فرضها فنر ومحاولته أن يحول مسار الصحراء من جديد متخلصا من بقايا سياسات أبيه وأخيه والنفوذ الأامريكي ويبدأ في تأسيس دولة بأجهزة موالية له ذات ملامح قاسية كالصحراء.

- 5- بادية الظلمات: بعد أن يستقر الأمر بلا منازع لفنر يعود منيف لرصد حالة الناس في ظل هذه المتغيرات حيث لا تبقى العادات هي نفسها ولا حتى الأمكنة ويتغير حتى شكل الانتماء والهوية. في هذا الجزء الأخير يصبح اسم الأرض بالدولة الهديبية ويصبح فنر شخصية أسطورية لكنه ينتهي بالاغتيال من خاصته.

- تعتبر من الروايات الممنوعة في المملكة العربية السعودية، تمثل نقلة نوعية في السرد التاريخي والتأريخ الشخصي لحقبة يجد الكثير من الجيل الجديد صورة غير كاملة يضيعها وصف ما بعد تلك المرحلة أو الحاضر بصورة وردية ولكن أيضا غير كاملة(60% من سكان السعودية حول ودون 21 سنة 2004-2007)

- مدن الملح هي وثيقة مهمة تتحدث وتؤرخ عما هب على الحياة البدوية من رياح حضارية أثرت بلا شك بحياة البداوة

-الكاتب رصد بدقة الحياة البدوية وعبر عن ما يجيش في نفوس الكثير من البدو وتحول حالهم إلى الغنى المفاجئ والاثار الناتجة عن ذلك. *


الساعة الآن 12:51 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team