منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 05-13-2015 11:52 AM

تابع....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 96- قامات الزبد إلياس فركوح الاردن


أجرى الحوار: سميرة عوض


- لاقت الرواية 0 ارض اليمبوس) حفاوةً لم أكن أتوقعها بصراحة، داخل الأردن وفي الخارج، رغم إدراكي أنها شكّلت حَفْراً وتحوّلاً ومغايرةً في كل من بنيتها، ولغتها، وتضمنها لأسئلة الكتابة الخاصّة بالرواية الحديثة.

- ولأكُنْ أكثر صراحةً : لأنَّ ما يشبه الجفاء النقدي الذي قوبلت به الرواية السابقة، ' أعمدة الغبار'، وبحجّة صعوبتها، هو ما حال بيني وتوقـُّع الانفتاح على ' أرض اليمبوس' بهذا التفهُّم والفحص والقراءات الذكيّة المحترمة لها كعملٍ يتطلب بذل الجهد المقابل، وبالتالي التقدير. فأين كان يختفي ذلك كلّه؟ أكان ' الخلل' ( سأسمح لنفسي باستخدام هذه المفردة) في الرواية والأعمال السابقة الأخيرة، أم في ' الوَسَط الثقافي' الكسول المُقْبِل على الأعمال السهلة التي تُقرأ بسرعة، والابتعاد بالتالي عن أعمالٍ يراها ' صعبة' فيكتفي بما هو شائعٌ عنها دون تكبُّد عَناء قراءتها؟!

- أعتبرُ ' أرض اليمبوس' رواية محظوظة ـ بمعنى تراكُب جُملة عوامل لا يمكنني تحديدها بدقة، أدّت للالتفات الجاد إليها، وبالتالي كشف ما تحمل من قيمةٍ تخصّها. وكذلك، وبسبب هذا، أعتبرُ نفسي محظوظاً بها.

- * لطالما كان لمفردة ' اليمبوس' وقْعها الجاذب لي. أوّلاً لغرابة الاسم وإثارته لمخيلة الصبي الذي كُنتُهُ حين تلقيته لأوّل مرّة في درس الدين. كان ذلك في مدرسة ' الفرير'، في القدس، وهي تابعة لرهبانيّة كاثوليكيّة متبنّية لمفهوم اليمبوس، بينما لم أكن قبلها قد سمعتُ به، إذ جئتُ من أُسرة أرثوذكسيّة يونانيّة الانتماء. وثانياً؛ لأنَّ اليمبوس منطقة رحيمة ناسَبَت مخيلة الصبي وروحه؛ فهي رَحْبَةٌ تثيرُ فيه حيوية تشكيل ما يشتهي من صُوَر. ليست الجَنّة وليست الجحيم، حيث رُسِمَ هذان العالمان على نحوٍ قاطع ومفهوم. أما اليمبوس، فعالَمٌ ثالث كَسَرَ ثنائيّة الأبيض والأسود، والخير والشَّر، متيحاً لِمَن ليسوا هنا أو هناك حيّزاً للخلاص!

- وكذلك، لأنَّ حالة ' الما بَين' شَكّلت لي موضوعةً مركزيّةً في الروايتين السابقتين ـ وعَلّها أحد ملامحي الداخليّة الغائرة عميقاً داخلي، حيث تتم ترجمتها في رفضي الدائم لأن أكون عند واحد من موقفين متناقضين يزعمُ كل واحد منهما حيازة ' الحقيقة'. فالعالَمُ أكثر رحابةً وأوْسَع مدىً وغَنَيّ ٌ بالتعدد، وأنا لا أطيق اختزاله ( وبالتالي اختزالي) في نقطتين وحيدتين حين الاحتكام إلى منطوقهما فتستقر ' حقيقته' في نقطةٍ واحدة فقط! ـ أقول: ما دامت حالةُ 'الما بَين' موضوعة مركزيّة في العملين السابقين، والرواية الأخيرة هي ثالثةُ هذه الثلاثيّة غير المُعْلَنَة؛ فإنَّ ' اليمبوس' كجزء من عنوانها أو اسمها سيكون إعلاناً مضمراً وصريحاً في الوقت نفسه لجوهر المعنى الكامن فيها. إضافةً إلى مجاورة ما هو مادي ومحسوس في مَشاهد القدس، ورهبان المدرسة، والأرض الحَرام بين القدس الشرقيّة والغربيّة قبل الاحتلال، لِما هو مَجازي بحيث تتسّع الدلالات ويغتني التأويل.

- *في الحقيقة أنا لم أفكّر، عند كتابة الرواية، بمقولة المعتزلة ' المنزلة بين المنزلتين'، رغم معرفتي المنهجيّة بها؛ إذ كانت مثلها مثل ' اليمبوس' مصدر جَذب، ولكن لإعمال العقل هذه المرّة لا المخيلة ـ فلقد كبرَ الصبي الذي كُنتُهُ وباتَ شابّاً يدرس الفلسفة كتخصصٍ أساس. وعَلَّ صداها كاجتهادٍ عبقري انشبكَ مع اليمبوس دون وعيٍ حاضر، مما نتجَ عنه موقفي حيال مسألة الاختيار المرفوض مني لأن أكون هنا .. أو هناك! لا شك، ثمة تقاطُع وتَدَاخُل بين هذين المفهومين رغم اختلاف المصدر والغاية. فـ'اليمبوس' اجتراحٌ لاهوتيٌ أُتيَ به من أجل إيجاد حَلٍ لمعضلة المصير ما بعد الموت لفئةٍ من الناس. بينما ' المنزلة بين المنزلتين' اجتهادٌ عَقليٌ خالص احتكمَ إلى المنطق الفلسفي ليطرحَ مَخْرَجاً لثنائيّة منزلتي الإيمان والاجتهاد، أو التوفيق بين النَقْل والعقل.

- وفي رده على سؤال: *تعتمد أسلوب الاسترجاع ـ الفلاش باك ـ في كتابتك الروائية، وهو أسلوب سينمائي يصور ويستشرف ويشرح، فضلاً عن تعدد الأصوات، الغائب منها والحاضر. إلى أي مدى استلهمتَ السينما في روايتك؟ يقول: لطالما كانت السينما أحد عناصر تكويني التخييلي. أذكرُ أن أبي اعتاد القول كلّما طلبتُ منه السماح لي بالذهاب إلى السينما حين كنتُ صبيّاً: ' أنتَ إذا عصرتكَ، فلسوف تخرجُ منكَ الأفلام!' كان ذلك منذ بداية وعيي على العالم، فبدوتُ وكأني أوائمُ بين هذا العالم ' الواقعي' والعالم ' المتخيّل' كخيالات تتحرك على شاشة السينما، بحيث امّحت المسافة بينهما فشكّلا عالماً واحداً في داخلي.

- بالكتابة، وهي عمليّةُ حَفْرٍ أمارسها لداخلي غالباً، تستحيلُ مَشاهدُ الرواية إلى مُقتَطعات قائمة بذاتها ـ إنْ قرأناها هكذا. وكذلك، يمكن من خلال وعيٍ فني وقدرة تأويلٍ ورَبْط أن تنشبك تلك المَشاهد المقتطعة لتشكّلَ بانوراما الرواية بكافة مستوياتها. وكما أرى، فإنَّ تقطيعاً سينمائيّاً ( مونتاجاً) أصاب الرواية، فساعدني في التنويع على مبدأ التشظية للزمان، وللشخصيات، وللأحداث.

- * ربما يشكِّلُ صوت الروائي القابع في داخلي بلاغةَ أو انكشاف المعنى الذي أختزنه للمرأة. وربما هي المرّة الأُولى التي عثرتُ فيها، عبر الكتابة، عن طبيعة الصِلة الواصلة بينها وبين الحرب. هنالك تلازُمٌ بينهما على امتداد الرواية، اعترفتُ من خلاله ببديهيّة أنَّ المرأة تُناقِضُ الحربَ في كونها عنصر إخصابٍ ومساحة لواذٍ للرجل، بينما تمثّل الحرب العنصر النافي، والمدّمر، والقاتل، والإجداب. فغالباً، وعند ورود الحرب في المَشهد، أجدني باثّاً فيه المرأةَ كأنما هي ملاذي وعلى صدرها أبيحُ لبوحي عن ضعفي حريّة الانطلاق.

- غير أنَّ هذا ليس إلاّ وجهاً من وجوه التقابُل بينهما، وهو تقابُلٌ ضِدي ومتكرر وعام. الجديد الذي أتت به الرواية، عبر الكتابة وليس قبلها كفكرةٍ مسبقة، كان كشطي لهذه الطبقة من العلاقة وإظهار أنَّ التلازم لا يكون بالضرورة، ودائماً، تلازماً لعنصرين أو كينونتين متناقضتين. فالحربُ، بالنسبة للرجل، هي امتحانه لرجولته وذكورته حيال المرأة. ثمة ما يقاربُ التوتر في المساحة بينه وبينها. وغالباً لا يستند هذا التوتر إلى ما يُفسّره ـ وأنا أقصد الرجل هنا ـ حيث انه كلّما تخطاها مقترباً منها وداخلاً عالمها، باتت هي الكاشفة له عنه لا عنها!

- بالحربِ نمتحنُ جوهرنا الصامد أمام محسوس الموت ومَجازه. وبالمرأة نفحصُ جوهرنا الحائر حيال ' الفكرة / الإرث' أننا، كرجال، الأطول صبراً والأنفذ فكراً والأكثر حكمةً والأقلّ عاطفة. وهنا تحديداً نسقطُ، كرجالٍ بالعموم، في الامتحان؛ إذ كانت ' مريم' أو ' ماسة' أو ' العَمَّة' أو ' منتهى' الذوات الأسطع حضوراً من شخصيات الرواية الذكوريّة! فنحن، عبر علاقتنا ذات الأوجه المتعددة بالمرأة، نفاجأ بأننا لحظة اعتقادنا باقترابنا منها إنما نكون اقتربنا فعلاً من عَرضنا لأنفسنا دون مبالغة على شاشة وعيها.

- العلاقة بين المرأة والحرب لدى الرجل علاقة ملتبسة تحتمل أكثر من وجه، وتحمل أكثر من معنى، ولهذا كانت وستبقى موضوعة أساسيّة من موضوعات الرواية المتحركة في فضائهما.

- *ردّاً على سؤال مُعِدّ ومذيع أحد البرامج الثقافيّة في إذاعة أجنبيّة عن السبب وراء انشغالي بالحروب والسياسة في رواياتي كلّها، بما فيها ' أرض اليمبوس'، كما في روايات عربيّة أُخرى كثيرة، أجبته بأنه من المستهجَن أن لا ننشغل بذلك في كتاباتنا. فكيف يمكن لنا أن نتغافل عنهما في حين كانا السبب الرئيس في رسم طبيعة حياتنا العربيّة، كجماعات وأفراد، وأيضاً في قوة تأثيرهما على مصائرنا!

- نحن، بالإجمال، نشكّلُ الحَصاد المُر لأكثر من ستين عاماً من السياسة الفاشلة والحروب الخاسرة. نحن، كأفراد، شخصيات أعطبتها التفاصيل السياسيّة لَمّا تجلَّت في طبيعة العلاقة الشائكة بينها وبين السلطات والحكومات والأنظمة القائمة على تسيير وتيسير شؤون هزائمها. نحن، كمجتمعات، نُصاب بالتشوهات والنمو المنقوص دائماً والمعكوس نتيجةً لهيمنة التخلّف والاستبداد الداخليين من جهة، ولهيمنة القوى الكبرى على دولنا بإملائها لـ' سياساتنا' العرجاء العمياء والعاجزة!

- علاقة الروائي العربي بالأحداث السياسية علاقة عضوية بكل معاني الكلمة. ومن جهتي؛ شكلَّت تلك الأحداث المناخات الدائمة التي أنتجت شخصياتي الروائيّة، والتي تحركت فيها وعاشت تتنفس هواءها الملوث بالخسارات، كما كانت الفاعلة والحافرة فيها إذ تجَلَّت كخلفيّة تؤشّر على تحولاتها.

- أنا لم أكتب عن الأحداث السياسيّة والحروب، لكنني كتبتُ عنهما في قوة فعلهما داخل الشخصيات وتأثيرهما الكبير في تكوينها. لا مهرب لنا، كروائيين عرب، من السياسة وإن اختلفنا في كيفيّة معالجتها.

- ويقول في رد على سؤال: *كيف تشعر إزاء أبطال رواياتك الذين يعانون غالباً من بؤس الحياة وظلمها؟ *الحياة ذاتها ليست هي البائسة والظالمة، بل القائمون على التحكم بتسيير مجتمعاتنا والعالم هُم مَن يحوّلون جَمالها ومفرداتها الرائعة إلى مسلسل لا ينتهي من البؤس، فيقع الظُلم بشتّى مسمياته: الظُلم الاجتماعي، القهر السياسي، السحق الاقتصادي، فتكون الحصيلة بالتالي إنتاجهم لعالَمٍ يُدار وفقاً لقانون الغاب: الأقوى يبطش بالأضعف ويعمل على نهشه، ليصل البعض مِنّا إلى تمني الموت لكي لا يشهد هذا الانحطاط الإنساني المريع!

- أبطال رواياتي أبطالٌ مهزومون مقهورون غالباً. أبطالٌ لا يملكون من البطولة إلاّ ما استطاعوا الاحتفاظ به من إنسانيتهم ـ وهذا يكفي لمعاينة القليل من الحُب المفجوع، والدفء المنقوص، والقُبلات المحترقة الشِفاه، ولمسات الحنان المضروب: هذا يكفي لأن أُصَفّق لهم وأن أرثي أحلامهم النائسة في آن.

- *إلياس فركوح يكتب لنفسه أولاً، ومن داخله، وفي داخله ـ وهو بسبب ذلك إنما يكتبُ لكِ ولكل مَن يرغب مشاركته هذه المدونة الشخصيّة الخاصة. فإنْ تحققَ له أن حازَ على قارئ أو أكثر؛ فإنه يكتب لهم. إنه يكتبُ لقُرّاءٍ محْتَملين يؤمن بوجودهم رغم جهله بهم. باختصار: إلياس فركوح يكتبُ لِمَن يرغب في أن يقرأ، وبشرط المَحَبّة.

ايوب صابر 05-13-2015 11:54 AM

تابع...


بقلم : عمايرة. خريس.

- الروائي والقاص إلياس فركوح يُعدّ من رموز الكتابة الأردنية، وهو واحد من جيل يشكل الآن صدارة الرواية في الأردن.

- حملت أعماله ما يمكن وصفه بـ"رؤيا جيل" كامل، أولئك الذين وسموا بنكبة فلسطين عام 1948 وحملوا لاحقا نكسات العرب وانهياراتهم.

- هذه الموضوعات ظهرت بقوة في أدب فركوح وخصوصا في ثلاثيته الروائية: "قامات الزبد"، "أعمدة الغبار"، و"أرض الينبوس"، وهي الأحدث والأكثر قربا، وربما التصاقا بشخص فركوح، الذي يتعين حضوره في الشخصية الرئيسية، بقليل من المجاز والكناية والتمويه!

- في الإجابة على السؤال يقول فركوح: "إذا ما اتفقنا من حيث المبدأ على أنّ الحياة لا تتعيّن "موضوعاً"، في الفن كما في الحياة، إلاّ بوجود "ذات" لا تعاينها فحسب، بل تعيشها كشرطٍ يوجب التلازم معها، فإنّ لجوء الكاتب إلى حياته الشخصيّة لكتابة أدبه يصير أمراً مفهوماً".

- ويرى فركوح ان المفهوم (concept) يتوجب النظر إليه "ليس باعتباره حجّةً، أو ذريعةً، أو مبرراً، وإنما هو حالة تكتسب مشروعيتها واستقلالها ضمن الكتابة المتصلة بالواقع الممسوك من خلال شخص يقع في القلب منها إلى درجة يتحوّل إلى موشور لها بكل المعاني".

- وبحسب هذا "المفهوم"، كما يقول فركوح، "تنتفي الذاتية أو الشخصنة عن كتابةٍ كهذه"، لتكون هي بذاتها "واقعاً آخر ممهوراً ببصمة كاتبها وتوقيعه". ويبقي فركوح أجابته مفتوحة إذ يقلب السؤال ويقول: "أهي رؤية/ رؤيا للعالم، أم "تذويتٌ" له؟ أهو "حَرْفٌ" لوقائع العالم الحقيقية، أم "تحققٌ وتحديقٌ" لعالمٍ طاله الحرف والتزييف في وقائعه؟".

- يرى فركوح في المخيلة "ما هو أبعد من مجرد الاختلاق والاختراع والكذب الجميل"، ويقول ان المخيلة الأدبية تعني كذلك، "الأخذ بواقعة شخصية وإعادة تركيبها لأتمكن من إشباعها بدلالات لم تكن لتتحلّى بها في الأصل. وإني، عبر متوالية هذا الفعل، أكون اخترعتُ شخصيةً أخرى ليست أنا بكل تأكيد، تماماً مثلما لم تعد الواقعة الجديدة تملك تحديدات أصلها وحدوده في الواقع الذي جُلبت منه".

- ويقول فركوح ان ما بين عمليتي "الجَلْب" و"الجَبْل" ثمة مسافة من "التخييل يتطلب تعبئتها بما هو أكثر من مجرد الخيال الواسع"، اي "بمخيلة مثقفة ترى إلى باطن ما تعنيه التغيّرات الحاصلة في جملة الجبلة الحادثة وفي تفاصيلها"، موضحاً "أنّ ذلك يتجاوز محددات الشائع عن "الجرأة"، بمعنى التجاسر على كشف المستور من سيرة الشخص، بما يعني، بدوره، السير في اتجاه "الفضيحة" أو ما يظللها في عيون مجتمعاتنا المحافظة. إنها جرأة الخروج على مألوف الكتابة، وعلى مألوف مفهومها، وعلى افتراضات الواقع، والأهم: الخروج على مفهوم الخيال والمخيلة".

ايوب صابر 05-13-2015 11:56 AM

تابع ...
بقلم د. محمد عبد القادر

- تمثل رواية أرض اليمبوس لإلياس فركوح، والتي وصلت الى القائمة القصيرة لجائزة "البوكر" للعام 2008، نموذجاً للسمات المميزة للرواية الجديدة أو لرواية "الحساسية الجديدة" على حد وصف إدوارد الخراط.

- وبصدور هذه الرواية يكون إلياس قد أبدع ثلاثية روائية بدأت بـ"قامات الزبد"، تلتها "أعمدة الغبار"، ثم "أرض اليمبوس"، لتشكل في مجملها مشروعاً روائياً نهل فيه الكاتب الكثير من مكوناتها الفنية، من تجارب ذاتية، هي في حقيقة الأمر ليست ذاتية محض، بقدر ما هي حصيلة لذاكرة جماعية أيضاً.

- ومن هنا تبرز إشكاليتان أساسيتان فيما يتصل بكتابة إلياس فركوح الروائية: الأولى: هل يظل النص السردي المرتكز الى السيرة الذاتية عملاً ينتمي بجدارة الى عالم الرواية؟ والثانية: إلى أي مدى يشكل الواقع متن الرواية، وأي دور للمخيلة في إنتاج رواية فنية يلعب فيها التخييل دوراً رئيساً في إنتاج العمل الفني؟

- إن قولنا أن إلياس عكف على كتابة مشروع ثلاثية روائية – حتى الآن في أقل تقدير – يدعونا الى توضيح الصلة الأساس بين رواياته الثلاث:

- في قامات الزبد يرسم الكاتب ملامح مرحلة معينة تبدأ بانطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة وتواجدها في كل من الأردن ولبنان باعتبارها رداً على هزيمة حزيران 1967 مروراً بأيلول 1970، وحرب تشرين 1973، وسقوط مخيم تل الزعتر في عام 1976. على أن السرد الزمني في الرواية لا يتسم بهذا التسلسل التاريخي المتصل، لعلاقة ذلك بالأداء الفني، وكذلك الحال في الروايتين التاليتين.

- ثم صدرت أعمدة الغبار، لتتناول مرحلة أعقبت سقوط تل الزعتر، ثم زيارة السادات لفلسطين المحتلة، واندلاع الحرب العراقية-الإيرانية ثم الحصار الاسرائيلي لبيروت.
وها هي أرض اليمبوس تستكمل بعض الحلقات عبر تداعي السيرة بدءاً من الولادة في العام 1948 والتنقل ما بين عمان والقدس، ثم سقوط القدس الشرقية في العام 1967، وامتداد السيرة حتى مشارف اندلاع الحرب على العراق في العام 1991. ولست أزعم بذلك اكتمال المشروع الروائي لالياس فركوح، فالحياة ما تزال زاخرة بالتجارب الفردية والجماعية وإن كانت ذات طبيعة مأساوية في غالب الأحيان.

- وما يدل على مشروع الثلاثية الروائية أيضاً، هو البناء السردي المتشابه الى حد كبير في الروايات الثلاث، وهو بناء قائم على تفجير الفضاءات الروائية بأمكنتها وأزمنتها وأحداثها وشخصياتها، ليقدم لنا الكاتب عالماً من التشظي والتفكك والانقطاع، وبالذات ذلك الانقطاع الوجداني الإنساني الذي يخلفه انقطاع مسار الذاكرة. كما أن الروايات الثلاث تحمل الكثير من الآراء والأفكار السياسية والفلسفية والأدبية (الفنية) المشتركة، وليس هذا بغريب على كاتب ينهل في رواياته من عالمه الفكري والوجداني والثقافي والسياسي.

- إن لفظة "اليمبوس" قد وردت في مغزاها ودلالاتها على لسان خالد الطيب في الرواية الأولى قامات الزبد، في سياق وصف دقيق للصراع الداخلي الوجودي الحاد الذي تعيشه الشخصية والذي عبر عن نفسه في "مونولوج" أو حوار ذاتي

- على أن لفظة اليمبوس تولد بحروفها ودلالاتها في أعمدة الغبار

- وظلت اللفظة في سياقها تعكس ثيمة من ثيمات الروايتين، حتى إذا ما صدرت "أرض اليمبوس"، وإذا بالفكرة تحتل المشهد بكامله لتغدو ليس فقط عنوان الرواية، أو عنوان قسمها الأخير بل عنوان مرحلة تصوّر أزمة أمة، ومأزق بناها الفكرية وقياداتها. إنها المراوحة عند منطقة الوسط. حين يستعيد السارد الشاب مرحلة من حياة الشباب الأول يقول لنفسه "علّني تورطت في منطقة الوسط، ما بين مناظر صالات السينما ونقاشات المقاهي عن آخر كتب قرأناها."

وهنا تكون منطقة الوسط تعبيراً عن غياب الوعي وغياب الطريق. ولكنها في سياق لاحق ستكتسب دلالات أخرى ذات صلة بالهوية حين يستدعي الشاب الباحث عن دور وطني فاعل السؤالين اللذين تلقاهما من مصدرين مختلفين:لست منا فلماذا تكون معنا؟
لست منهم فلماذا تكون معهم؟

- وهنا لا نتحدث عن شاب يقع ضحية نزق أو لامبالاة بل نرى شاباً وطنياً يواجه نماذج من الوعي البدائي المتمثل بالتمييز على أساس العرق أو الدين، أو أي شيء آخر، ليقذف به في منطقة اليمبوس.

- ثم يبرز القسم الثالث تحت عنوان "اليمبوس" لتستقر الدلالة بأن جمهور الأمة ومثقفيها يقفون في الأرض الحرام، بلا فعل، وبلا رؤية، وبلا قدرة على القيادة. لكن السارد إذ يخاطب قرينه لا يغلق الباب أمام الحركة، ذلك أن اندماج الوعي بالفعل سيبقى هو الطريق. في نهاية الرواية نقرأ الخاتمة التالية: "حاول. أنت تعرف. لن أكون بعيداً عنك. يدي في يدك، ولسوف نعبر معاً الى الضفة الأخرى بأقل الخسائر".

- ولا شك أن "أرض اليمبوس" استلهمت مخزون الذاكرة الواقعية والتاريخية لكاتبها، عبر انتقاءات من سيرة ذاتية، فكان أن حضرت حروب شهدتها الساحات العربية من العام 1948 حتى العام 1991، وحضرت رموز وشخصيات حقيقية: جورج حبش ومنيف الرزاز، وصادق جلال العظم، وحضرت مدن القدس وعمان ويافا واللد ومخيم الوحدات ومدارس وكالة الغوث، وغير ذلك، وحضرت تجارب سياسية وحزبية ووجدانية وعلاقات اجتماعية لها ارتباطات بشكل ما بالسيرة الذاتية.

- لقد كان حضور الواقع ملموساً الى حد بعيد، وما كان في مقدور ذلك الواقع ببصماته السياسية والتاريخية والاجتماعية من دون التخييل أن ينتج عملاً إبداعياً. هذا التخييل الذي بدأ من عنوان الرواية والذي يفضي إلى مرجعيات دينية وأدبية ورمزية وثيقة الصلة بالواقع في ظلالها ودلالاتها.

- لا بل إن المشهد الروائي الفني الأول يحيل الى التخييل حين ينظر الراقد في المستشفى الى لوحة السفينة التي تتقاذفها الأمواج مشارفة على الغرق، فيخترق التأمل العالم الفني وينفذ الى الواقع عاقداً مقارنة بين المشهد التشكيلي والواقع الخارجي، إذ يتماهى المشهدان بحيث لا يستطيع القارئ أن يميز بين سفينة توشك على الغرق وواقع عربي موغل في التردي والسقوط.

- على أن القيمة التخييلية الأساس في أرض اليمبوس تكمن في البناء السردي الذي شيده الكاتب، متجاوزاً خط السرد الواقعي التاريخي للحدث وإلاّ كانت روايته سرداً موضوعياً تاريخياً لسيرة ذاتية خالية من الأبعاد الجمالية والفنية التي يخلقها التخييل.

- أرض اليمبوس رواية تخلو من الحبكة أو العقدة أو التسلسل الزمني للأحداث، بل هي سرد مركب تتعدد فيه أصوات الساردين ويغيب المؤلف كسارد، بل يصبح شخصية أساسية من شخصيات العمل، ويمضي الى أبعد من ذلك بأن جعل الشخصية تخلق قرينها تعبيراً عن الازدواجية القائمة فيها، ما يساعد على تأمل الشخصية لذاتها، ومساءلتها، ومساندتها، أملاً في أن تتوحد الشخصية والقرين ليصبحا كياناً إنسانياً واحداً بوعي فاعل وطريق واحد.

- في هذا البناء السردي المفتوح، لا توجد قمم ولا تلال، لا مد ولا جزر بل سهل فني منبسط تتعدد فيه أساليب السرد، فأحياناً يكون الوصف، وأحياناً تكون الذاكرة الشفوية عبر آلة التسجيل، وأحياناً توظف النصوص وقصاصات الصحف، وأحياناً الحلم أو الكابوس، والمونولوج (حوار الذات وتأملها)، وأحياناً الحوار بصوت عال مع القرين.

-هذا البناء التخييلي يجد له جذوراً في الواقع: الذاكرة انقطعت عن أزمنتها وأمكنتها، العالم فوضى لا ضابط لها، والأحداث شظايا متناثرة على امتداد العمر. كأن الياس يكتب محاوراً ذاته: أي عمر هذا؟ تولد في عام 1948 فتضيع فلسطين! فيصبح عام ولادتك عام شؤم، ويشتد ساعدك فتى قبل العشرين فتضيع القدس وينقطع امتداد التجربة والذاكرة، وما أن تدخل مرحلة الشباب حتى يسقط تل الزعتر، ويمتد بك الشباب قليلاً فإذا بيروت تحت الحصار الكامل، وإذ تغدو كهلاً تشهد حرب التحالف على العراق.

- هي وقائع على أية حال لا تخص المؤلف وحده، بل هي ذاكرة الجيل الذي شهد هذه المرحلة، وذاكرة أمة ما تزال تبحث عن بوصلة.

- في مشروعه الروائي الناجز قدم إلياس فركوح محاولة لإدراك الذات من الداخل، وإدراك الذات في تفاعلها مع الواقع بأحداثه وناسه، ليكتب رواية تستند إلى سيرة الذات باعتبارها سيرة جماعية أولاً وقبل كل شيء، ولا شك في أن قيمتها الفنية العالية هي التي بلغت بها قمة الصفوة الروائية العربية للعام المنصرم


ايوب صابر 05-13-2015 11:59 AM

تابع ....

- يخلص الناقد د.فيصل دراج في شهادته المعنونة 'إلياس فركوح في أرض اليمبوس: الحقيقة المؤجلة في الإبداع الروائي' إلى أن 'الياس فركوح وصل في (أرض اليمبوس) إلى عمله الروائي الأكثر إتقاناً، منتهياً إلى نص نوعي يضيء معنى الكتابة الروائية'،

- منوها إلى 'سعي إلياس فركوح، منذ بداياته الأولى، إلى تمييز ذاته، مدركاً أنّ الشخصية الكتابية أسلوب لا يختزل إلى غيره، وأنّ كتابة تائهة الأسلوب لا ضرورة لها.

- وسواء احتفى القارئ بروايتيه: (أعمدة الغبار) و(قامات الزبد) أو لم يحتفِ بهما، فإنّه سيذكر منهما، إن كان قارئاً جاداً، أمرين: أولهما عمل في اللغة يقترب من الصناعة، وثانيهما وحدة العملين الأكيدة، التي تعيّنهما عملاً واحداً، أو تكاد.

- ولعلّ هذين البعديْن الإيجابييْن، فاشتقاق الشخصية من الأسلوب فضيلة كبرى، هما اللذان يفرضان على القارئ أن يقرأ عمليّ فركوح بين روايات عربية أخرى، طالما أنّ صاحبهما لم يرغب، منذ البداية، في أن يكون كاتباً مطمئناً يداعبه الاستسهال، بل أراد أن يكون روائياً حقيقياً، يحاور غيره من الروائيين، ويقدّم إضافة خاصة به'.

- وبيّن دراج أن الناقد 'يستطيع، ربما، أن يقع في العملين السابقين على آثار روائييْن متميّزيْن: أولهما غالب هلسا، الذي قاسمه فركوح فكرة (النثر اليومي)، إذ الرواية شكل من اليوميات أو ما يشبهها، تدور حول مفرد يتكلّم ويوزّع كلامه على غيره. وثانيهما: إدوار الخرّاط الذي أخذ منه إلياس، ربما، الصناعة اللغوية، التي هي ردّ جمالي على واقع لا يلبـّي من رغبات الروائي شيئاً كثيراً. هناك، في الحالين، مغترب نموذجي، يشتق خفة التاريخ من رخاوة نهار قوامه الرتابة، ويردّ على ما يخدش الروح بلغة مصقولة، لا ترحّب بها اللغة اليومية كثيراً. بيد أنّ الياس، الذي وحّد بين الشخصية والأسلوب، لا يكتفي بمحاكاة غيره، مُؤْثراً حوار ما يمكن حواره والذهاب إلى مساحة خاصة، لا تلتبس بغيرها. ولهذا يفترق إلياس عن هلسا في شكل التعامل مع اللغة، وينفصل عن الخرّاط مدرجاً 'التاريخ القومي' في الخطاب الروائي. وواقع الأمر أنّ 'الما بيْن'، الذي سيقول به الروائي في عمله الأخير: 'أرض اليمبوس'، كان ماثلاً في تصوّره منذ زمن، أي منذ أن أدرك، مبكّراً، أنّ العمل الروائي الذي لا تحتشد فيه أعمال سابقة عليه لا يأتي بجديد'.

- ويواصل دراج: 'يصل إلياس فركوح في (أرض اليمبوس) إلى عمله الروائي الأكثر إتقاناً، بل يصل إلى عمل يجد لذاته مكاناً مريحاً بين أفضل الروايات العربية التي ظهرت العام 2008 - وقت نشر الرواية - يتكئ هذا الحكم النقدي على الموضوع الذي عالجه الروائي، لكنّه يتكئ أكثر على العناصر التقنية التي أنتجت الخطاب الروائي.

- والموضوع هو: اللايقين، أو النقص المتوالد الذي لا سبيل إلى تجاوزه، أو المعنى المخادع الذي كلّما توهّم الإنسان القبض عليه تسرّب من جديد . ومع أنّ الرواية، من حيث هي جنس أدبي، تجعل من المعرفة الحوارية، أو من نسبية المعرفة، عنصراً أساسياً في بنيتها الكتابية، فإنّ الأعمال التي تحقّق ما تقول به النظرية ليست كثيرة، إن لم تكن قليلة، أو تتاخم القليل. أراد فركوح لروايته ألاّ تنزاح عن النظرية كثيراً، مدركاً، بحذق كبير، أنّ معنى العمل الروائي يقوم في التقنية التي صاغته، التي تتفق مع النظرية وتوسّع آفاقها.

- وفي إضاءة نقدية لبنية الرواية يبين دراج 'بنى الروائي عمله، كما يردّد بشكل إيقاعي، على فكرة النقص، فلا شيء يكتمل، ويظل ناقصاً إن استعان بآخر.

- يقود هاجس النقص إلى التعدّد، طالما أنّ المفرد لا ضمان فيه، وأنّ التعدّد يفصح عن اللايقين، فلو كان اليقين ممكناً لما التمس المفرد عوناً من غيره.

-وبسبب هذا المنظور تستدعي كل علاقة روائية علاقة أخرى وتحيل كل علاقة، مهما كان شأنها، على عنصر، أو عناصر، مبرهنة أنّ المعنى لا يقوم في العلاقات بل في الفسح القائمة فيما بينها، ذلك أنّ (الما بيْن) هو المعنى الأخير، الذي لا يراهن عليه.

- تبدو (أرض اليمبوس)، في مستهلها، رواية، أي فضاء متخيلاً يتوسطه 'مركز لغوي'، هو صورة أخرى عن 'مركز حكائي'، يسرد حكايته، ويترك آخرين يسردون حكاياتهم أيضاً.

- بيد أنّ الفضاء المتخيّل، المطمئن إلى مركز مزدوج، لا يلبث أن ينتج ارتباكاً، فنياً، يضع إلى جانب المتخيّل الصريح 'سيرة ذاتية'، تدلّل على وجودها 'الأنا' الساردة ومراجع واقعية، محدّدة المكان والزمان.

- وواقع الأمر أنّ الروائي، المسكون بفكرة اللايقين، لا يطمئن إلى أحادية الصوت، بل انّه لا يطمئن إلى تعددية الأصوات، إلاّ بقدر، فيضع الشخصية إلى جانب شخصيات، كي تتحاور وتتداخل، متحوّلة إلى شخصية إنسانية شاسعة يخترقها القلق'.
فركوح يمرعلى فلسطين وعام 1948

- وزاد: 'تنتج سطوة النقص تعددية المكان، الذي يبدو واضحاً وشديد الوضوح حيناً، ويبدو واهن الملامح، حيناً آخر، مسقوفاً بالأطياف وغيوم الذكريات. تتداخل عكا ويافا والقدس وعمّان، إذ في الأولى حياة مضت وفي الثانية ذكريات هاربة وفي الثالثة حنين موجع وحكايات منقضية والأخيرة موقع حكايات شتائية وسيرة حياة طافحة بما يسر ولا يسر، وعلى الرغم من تراصف الأمكنة المحددة الاسم، فمعناها جميعاً ماثل في الحكايات، الصادرة عن ذاكرة تخون ولا تخون، ذلك أنّها أشبه بغربال جيد الصناعة، لا يحضر المكان بل يحضر ظله، ولا يحضر المكان إلاّ إذا استضاف آخر يضيء عتمته، فصور الأمكنة جميعاً رهن بذاكرة قلقة يخالطها البَدَد. غير أنّ الأمكنة، ثابتة الأركان كانت أو عرضة لوهن الذاكرة، لا معنى لها خارج الأزمنة التي تغلّفها، تلك الأزمنة الجامحة التي تبدو كنثار من الوقت، بعيداً عن زمن تتابعي واضح المفتتح وثابت الخطا. ومع أنّ فركوح يمر، كعادته، على فلسطين وعام 1948، ثم على هزيمة العرب في الـ 67، وصولاً إلى حصار العراق وهزيمة العرب في العراق، فإنّ أزمنته المتعددة تنبثق من الحكايات لا من تواتر التاريخ المستقيم، وتنبجس من (مناخ الوعي)، إن صحّ القول، إذ في الكآبة ما يستذكر هزيمة، وإذ في رائحة القماش ما يضع شوارع القدس تحت بصر الذاكرة'.

- لا شيء له مركز- كما يبين دراج - والمركز الصلب الذي يدّعي قول الحقيقة فاسد، وجميع المراكز لا وجود لها، فما يوجد هوامش متعددة، طالما أنّ الذاكرة مكشوفة الغطاء ومليئة بالشروخ. وبسبب غياب المراكز، بلغة الجمع والمفرد، لا يكون للسارد الأول غبطة ممتلئة، كما كان يفعل الراحل جبرا إبراهيم جبرا، فهو موزّع على شخصيات يسردها وتسرده باحثة، جميعاً، عن حكاية لا تكتمل. فإلى جانب السارد الأول، الذي يروي من حياته الذاتية أشياء كثيرة، هناك الفلسطيني المتأنّق الذي يحشر الحديث عن فلسطين بين كماليات أخرى، وفلسطيني آخر مليء بالنقاء والعذوبة، وصور النساء المتلاشية التي أسبغ عليها النسيان صفة وحيدة، وشخصية الأب المنسوجة من التواضع والحكمة والندى، ومرايا الإشراق والانطفاء . كل شخصية توجد واضحة، كما يأمر بها مبدأ المساواة الروائي لكنها لا توجد، على مستوى المعنى إلاّ بغيرها، ذلك أنّ صورة الفلسطينيين كامنة في تأويل يتجاوزهما . اتكاء على مبدأ المساواة وإضاءات التأويل المتبادلة، واتكاء على منظور روائي يرى العالم في تعدّده، أدرج الروائي في نصه لغات متعددة: الحوار الموجز واللغة التأملية الكثيفة ولغة السرد البسيطة واللغة العامية ولغة غامضة ملتبسة، تتاخم الشعر أو تساكنه. والتعدّدية اللغوية، بهذا المعنى، ليست مصطنعة وهي بعيدة عن التصنّع والصناعة لأنّها استجابة مطابقة للمنظور الروائي، تضيء تعدّدية الأمكنة وتستضيء بها، وتحاور زمناً روائياً بعيداً عن الصلابة والتماسك. فما يتعدّد ينقسم، وما ينقسم يتصل بغيره وينفصل عنه، وعلاقات (أرض اليمبوس) مرايا مختلفة لجدل الاتصال والانفصال.

- أدرج إلياس فركوح في روايته إشارات دينية متعددة، لكنّه - بحسب دراج - وهو الروائي المأخوذ بفكرة النقصان، حوّل ما يبدو دينياً إلى مادة روائية بين مواد أخرى. وفي الواقع فإنّ فركوح، المفتون بلغة خاصة، ليس مهجوساً بفلسطين بل بما يحيل عليها، ولا بالدين بل بما يرمز إليه، ولا هو مشدود إلى هذا المكان أو ذاك، لأنّه مشدود إلى الصور البشرية المتناثرة على الأماكن جميعاً. لذا يحوّل المادة الروائية، في مصادرها المختلفة، إلى علاقات قيميّة ـ جمالية. فإذا كان التصوّر الديني للعالم يطمئن إلى فكرة 'الأصل' الذي ينكر التغيّر، فجميع العلاقات في رواية فركوح متبدّلة متغيّرة، ترضى بـ 'اسم' معيّن وتقع، لاحقاً، على اسم آخر. وهو ما جعله يبدأ بـ 'مريم' وينتهي إلى 'ماسة'، التي هي مجرّد قناع لوجه واسع لا وجود له، كما لو كان لا يقبل بالموضوع إلاّ إذا انزاح عن موقعه وجاور موقعاً آخر.

- لا تصدر دلالة العمل الروائي عن مضمونه، قال بالنقص أو بالكمال، إنّما تتعيّن، وتتحدّد وتقاس بالعناصر التقنية التي أنتجت معناه. وبسبب ذلك تُقرأ رواية 'أرض اليمبوس'، في علاقاتها كلها، انطلاقاً من التقنية الفنية المندرجة فيها. وبداهة فإنّ تعددية المعنى، التي تفتح أمام القرّاء أفقاً واسعاً، لم تكن ممكنة من دون العناصرية التقنية التي أعلنت عن 'مأساة النقصان' بأشكال مختلفة. يستهل الروائي عمله بمجاز 'السفينة'، تلك الملتبسة المتماوجة الغامضة التي تنتهي إلى موضوع، وإشارة: فهي موضوع من حيث هي صورة ملوّنة مؤطرة تشيع ملامحها إيحاء قاتماً، وهي إشارة إلى روح إنسانية مضطربة، تهجس بالغرق واللهب وما يدع كيان الإنسان خارجه. وإضافة إلى المجاز الموحش، الذي يحايث الرواية بإيقاع لا انقطاع، استعمل الكاتب تقنية القرين، حيث في الشخص المتكلّم شخصية أخرى، تحاوره وتتدخل في حديثه وتضاعف تساؤله. بل انّ السارد الذي حذف المسافة بينه وبين شخصيات قريبة منه، رحّل قرينه إلى هذه الشخصيات، واستولد من كل منها قريناً جديداً. وتكثير القرين، أو القرائن، درب إلى تعددية الكلام، التي تعلن عن القلق والسخرية في آن. لن تختلف وظيفة الفصل بين الزمن الفيزيائي المباشر، الذي يأتي بارداً مربوطاً بتاريخ معروف، والزمن النفسي، الذي يحوّل التاريخ البارد إلى دوّامة من الأسئلة، ويقترح لغة تنوس بين الوضوح والغموض. لا غرابة في تصوّر ينصاع إلى عتمة الذاكرة أن يحضر، بعفوية كاملة، تيار اللاوعي وأن تحضر فسحة زمنية واسعة.

-وإذا كان تيّار اللاوعي يستحضر الأحداث معتمداً على صدفة لاهية، يزاملها لون أو رائحة أو صوت وكل ما يترجم الحدث العارض إلى صورة وإحساس، فإنّ عمق الذاكرة القلقة هو الذي يفرض زمناً مديداً، يمتد من بواكير الطفولة إلى أبواب الكهولة مروراً بـ 'صبا'، اختلط بكثير من الرغبات والنزوات. وعلى الرغم من أزمنة متراكمة لا متجانسة يظل زمن الطفولة، في رواية إلياس، هو الأكثر جمالاً وكثافة، لأنّ في زمن الطفولة من الأسرار ما يساوي أسرار سور الصين.

- وبين دراج أن الياس فركوح 'التمس من العناصر التقنية ما يحتاج إلى دراسة مفصلية. فإلى جانب القرين والمجاز الاستهلالي وتيّار اللاوعي ميّز الكاتب بين النص و(عتبة النص)، فوضع لكل فصل روائي مدخلاً خاصاً به، هو تمهيد وتعليق وتأويل في آن، موحياً بأنّ السرد لا يقول تماماً بما يصرّح به، لأنّ وراء كل نص صريح نص مضمر أكثر اتساعاً. وزّع الروائي نصّه على أقسام ثلاثة أولها: السفينة، المدخل المحمّل بالقلق والالتباس وثانيها: الأسماء، القسم الناطق بسخرية مضمرة، ذلك أنّ اسم الإنسان الحقيقي هو ما تقترحه الذاكرة المتحوّلة، التي تخلع على الإنسان اسماً ليس له وتخلع عنه اسماً عرف به منذ الطفولة. لن يكون القسم الأخير، أي اليمبوس، إلاّ امتداداً منطقياً لما سبقه. يتحدّث الروائي في الصفحة الأولى عن اليمبوس فيقول إنّه: (المنطقة الوسط، بحسب المفهوم الكاثوليكي، أو الثالثة، ما بين الجنة والجحيم'، فلا الجحيم الخالص موجود، ولا وجود لجنة كاملة، مثلما أنّ الصواب المبرأ من الخطأ مجرّد احتمال لا أكثر. وسواء انتهى الروائي إلى (المنطقة الوسط) أو بدأ بها، فإنّ علاقات عمله كلّها تقول بالاحتمال ولا تقول بغيره. '

- وختم دراج شهادته بالقول: 'ملاحظتان أخيرتان عن معنى الكتابة والحكاية لدى إلياس فركوح: ليست الكتابة عند الروائي وسيلة تسجّل موضوعاً، إنّما هي الموضوع الذي ينجز تحققه بوسائل عديدة. كتابة حرّة، تحاور إمكانيات الكتابة، بعيداً عن كل كتابة شفافة مستقيمة. ولهذا تكون الحكاية هي البحث القلق الدؤوب عن كتابة الحكاية، ذلك أنّ فعل الكتابة الروائية هو الحكاية الكبرى، لأنّ فعل الكتابة إشعار بالنقص ومحاولة محدودة لحصار مساحته.

- أعلن الروائي الياس فركوح في نهاية شهادته 'هذا أنا. في جميع هذه البؤر. وأدركُ بأني ما زلتُ الناقص الباحث عن اكتمالٍ ما من غير أطماعٍ أو أوهام، كبيرة أو صغيرة'، وكان فركوح قسم شهادته إلى ثلاثة محاور أولها عنونه بـ 'أرض اليمبوس.. وأحمال الذاكرة '، وثانيها: 'الرواية رؤية ذاتية'، وثالثها: 'الذات ليست سطحاً واحداً'.

- يقول فركوح في الجزء الأول من شهادته 'كنتُ أعتقد بأنني، إثر انتهائي من كتابة (أرض اليمبوس)، سأكون قد نحيّتُ جانباً الجزء المتبقي الأكبر من مخزون الذاكرة وأثقالها. غير أنني اكتشفتُ، رغم الصفحات الكثيرة، أنَّ المسألة ليست بهذا اليُسْر أو تلك البساطة؛ فثمّة تداعيات تتبع الكتابة تستدعي، بدورها، نُتَفَاً أخرى كانت مخبوءة أو مطموسة جاءت الكتابة لتحييها من جديد ولتطالبني بمستحقاتها. إنها مستحقات ذات خصوصيّة شخصيّة تنفردُ بي وأنفردُ بها، ولا تشكّلُ بالضرورة مادةً جديدةً للكتابة؛ اللهم إلاّ إذا ساقتها النصوصُ القادمة من تلقائها واحتاجتها داخل متنها في سبيل اكتمال أوجهها'، مؤكدا: 'نعم، لقد استطعت التخلّص من بعض أثقال الذاكرة ـ مع الأخذ بالاعتبار أنَّ الإنسان، وبعد أكثر من خمسة عقود عاشها وعاينَ خلالها هذا الكم الكبير من الشخصيات والأحداث الكبيرة والصغيرة، إضافةً إلى التغيّرات التي أصابت تقييمه لمجريات حياته، إنما يحتاجُ إلى مجموعة روايات!'.

- ويوضح فركوح بخصوص مسألة دمجه أو توفيقه بين الخاص والعام، 'ربما يكمن السبب في أنَّ حياتي الشخصيّة ـ الداخليّة والظاهر منها للخارج - ضمن خطوطها العريضة ومحطاتها الرئيسية، كانت إما استجابة للوقائع العامة الكبرى أتحركُ على إيقاعها متفاعلاً معها ومحاولاً التدخل (بحجم شخصي الصغير طبعاً) ليكون لي دوري المأمول فيها. أو هي مجموعة الأسئلة التي طَرَحَتْها تلك الأحداث العامة على الجميع، والتي بقدر ما تبدأ بالحيوات الكُليّة للمجتمع فإنها، في الوقت نفسه، تنتهي في عقل الإنسان الفرد لتقلب له يقينياته وتجعلها عُرْضَةً لعصف المساءلات. نحن، كأفراد، لسنا سوى التفاصيل البانية لمجموع المشهد البانورامي'، خاتما بالسؤال الوجودي 'ألسنا كذلك؟'.

- ويواصل فركوح في الجزء الثاني من شهادته القول 'أشرتُ في غير موضعٍ إلى أنَّ الرواية باتت، لدى فئات واسعة من القُرّاء والمثقفين والكُتّاب ودارسي علم الاجتماع، وبمعنىً معيّن، إلى مُدّوَّنة حديثة لمجريات الحياة العربيّة تسجِّل الأحداث من زوايا جديدة ليست هي الموافقة الكُليّة، وليست المعترضة كُُليّاً، وليست هي الحاذفة للبشاعات والتشوهات، أو تلك المضفية عليها أفضالاً وجماليات مزعومة. الرواية، ولأنها (بانوراما ذاتيّة) تتشكَّل وفقاً لرؤيا ذات كاتبها / كاتبتها؛ فإنها التدوين الأدبي المتحلّي بفنيات الكتابة ذات التجنيس لعلاقة التفاعل - الكاملة أو الناقصة المضروبة ـ لإنسانٍ عربيٍ بعينه لتاريخٍ ومجتمع معيشين كان لا بُدَّ من تسجيله وتوثيقه'.

- ويستدرك فركوح 'كان الشِّعرُ تاريخنا العربي، في جزء كبير منه، أو تاريخ حياتنا العربيّة، موزوناً مُقفّى، ولكن بحسب أنساق وموضوعات ذاك العصر: راثياً، ومادحاً، وهاجياً، وباكياً على الأطلال. وبحسب منظور ذاك العصر أيضاً (هي عصور على أي حال) كان تاريخاً يتصفُ بالمبالغة غالباً، وبالتزوير والتحريف أيضاً. حتّى الحُبّ؛ كان حُبّاً مبالِغاً في عِفته المزعومة، طامساً لحقيقة الاشتهاء الحِسّي وطاقته الدافعة للشاعر لأن يُلقي على الملأ ظاهرَ الحالة باحتشام، ولنفسه الباطنيّة يهمس بالاحتراق اللاسع!'.
الرواية هي التدوين

- لذلك كله يؤكد فركوح أنَّ 'الرواية هي التدوين (وأشدد على أنها تدوين، بمعنى أنها كتابة وليست شيئاً آخر، صوتاً كالشعر مثلاً) يصيرُ من خلالها إيصال وجهة نظر صاحبها، أو مجموع أسئلته، لآخرَ مجهول لكنه مُفْتَرَض، ليس مرئيّاً ومباشراً بحيث تَحولُ الأُلفةُ المفقودة دون الصراحة في التصريح. كما أنها كتابة تتطلبُ في الجانب الثاني منها، أي القراءة، درجةً من التخصص والتعمُّق والذائقة وخبرةً في النوع الكتابي من دونها جميعاً تبطل فاعليّة العمليتين: الإرسال والاستقبال!.

- من خلال الرواية، كما الحال مع صنوف الآداب المكتوبة الأخرى، تتحاور الكائنات البشريّة / الاجتماعيّة تحاوراً عن بُعْد! لكنه التحاور الحميم، والصادق، وغير المسدود بأي حواجز يخلقها واقع ووقائع ما هو خارج النَصّ. فعلى أرض الكتابة نمتلكُ قدراً كبيراً من حُريّة التعبير عن أسرار أسرارنا، وعليها أيضاً نمتلك ذاك القدر من حُريّة المشاركة والتأويل على نحوٍ ليس له مثيل على أرضٍ أخرى على الإطلاق!.

- إذا صادقتُ على المأثور القائل بأنَّ الشاعر العربي القديم كان ينطق بلسان الجماعة؛ إذ هو ناطقها الإعلامي، أو ضميرها الجمعي!؛ فإنَّ الروائي العربي لا ينطق بغير لسانه هو. لم يعُد الفنان/ الكاتب بمعناه الحقيقي في زماننا يتماهى مع الجماعة وينوب عنها في قول ما تريد. باتت مكانة الفرد، داخل الفرد، هي محل التقدير والاحترام والأخذ بالاعتبار، وليس العكس.

- بتواضع: لم أجد حتّى الآن هُويةً خاصّة للرواية العربيّة؛ اللهم سوى لغتها العربيّة، ومناخاتها الاجتماعيّة. أما أن نذهب أبعد ونزعم بوجود هُوية مفارقة تقف بلونها المختلف إلى جوار رواية أميركا اللاتينيّة مثلاً (وهذا بحاجة لتدقيق أكبر، إذ ليس هنالك 'ماركة' واحدة تجمع الروايات الطالعة من هناك؛ اللهم سوى مرجعيتها القاريّة)؛ فإننا نكون نقفز عن الحقائق. ثم؛ هل من اللازم أن يكون للرواية العربيّة هُويةً مخصوصةً في زمن التلاقح والتداخل المعرفيين والثقافيين وما ينتج عنهما من مشترَكات تدخل في الِبنى المكوّنة للأشكال الأدبيّة؟!'

- ويذهب فركوح إلى القول: 'إنَّ جُملة تلك الضروب من الكتابة ليست سوى محاولاتي من أجل استكمال صورتي الكائنة في داخلي، والتي أنظرُ إليها باعتبارها إمكانيات متفاوتة في نسبة وكثافة منسوبها تحثّني على أن أحققها، لأتحققَ أنا على هذا النحو تارةً، أو على غيره تارةً ثانية. إني من المؤمنين بأنَّ الإنسان يمتلكُ في أعماقه، وبعد عقود من التجربة الحياتيّة والثقافيّة، عدة مستويات أو طبقات، هي خُلاصته. أي: الإنسانُ ليس سطحاً واحداً، ليس كائناً مسطحاً، ليس هو 'الإنسان ببُعدٍ واحد' ـ بحسب تعبير هربرت ماركوز. ولأنَّ الأمر هكذا؛ فإني أزعمُ وجودي في جميع تلك المجالات الكتابيّة / الأدبيّة / الثقافيّة. لكنه، وينبغي عليَّ التنبُّه والتنبيه، وجودٌ ناقص وسيبقى ناقصاً حتّى النهاية. ثمّة اللازمة المتكررة في رواية 'أرض اليمبوس'، والتي باتت بمثابة الأيقونة كمفهومٍ أرى وجوباً أخلاقيّاًً وفكريّاً اعتبارها حِكمةً تستوقف الكثيرين مِنّا، ألاْ وهي: 'لا شيء يكتمل'. أنا أحاول أن أكتمل عبر توزعي على جميع الأنشطة المذكورة، مع يقيني بأني أسعى وراء سراب! لكنه القَدَرُ.. بمعنى من المعاني.

- أكتبُ القصة والرواية لأطرح أسئلتي، وأمتحن رؤيتي، وأتعايش مع شخوص الحياة عبر تعالقنا جميعاً وانضفارنا بحبال الخيال الذي يُشهدُنا على أحوالنا من مسافة. وأقومُ بالترجمة لأنَّ نصوصاً قرأتها فأعجبتني، ولكلّ واحد منها خصوصيته، الجماليّة أو المعرفيّة، فأحببتُ نقلها لآخرين مجهولين مفتَرَضين يشاركونني محبّة الجَمال وتوق التعرُّف. وكتبتُ مجموعة شهادات لأفضي برؤيتي لِما أكتب وأشهدُ عليَّ من الداخل، وكذلك لأقول رأيي المتواضع بما أقرأ لغيري وماذا رأيتُ في ذلك كلّه. وأعملُ بالنشر لأني، ومنذ البداية، عرفتُ بأني لستُ مؤهلاً على مستوى النجاح التجاري أو الاقتصادي، ولا أطيق وضعيّة الموظف

ايوب صابر 05-13-2015 12:00 PM

وقفة متأنية: «أرض اليمبوس» أم متاهتنا العربية؟

* بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي
هذه واحدة من أجمل الروايات العربية التي قرأتها، وكانت لجنة جائزة البوكر العربية محقة في ترشيحها ضمن قائمتها القصيرة عام 2008، والرواية عنوانها «أرض اليمبوس» ومؤلفها الكاتب الأردني الياس فركوح.
لقد احتفى عدد من النقاد العرب بهذه الرواية وكتبوا عنها عددا من المقالات أمثال: فيصل دراج، مصطفى الكيلاني، حاتم الصكر، فاروق يوسف، عالية ممدوح، يوسف ضمرة، محمد معتصم، أماني سليمان، وغيرهم. وقد ثبّت المؤلف مقتطفات من مقالاتهم على الغلاف الأخير والصفحات الاخيرة من الرواية.
وإلياس فركوح ناشر (صاحب دار أزمنة)، وهو روائي (له رواية أخرى بعنوان قامات الزبد 1990 حائزة على جائزة الدولة التشجيعية)، وله أيضا رواية ثالثة بعنوان «أعمدة الغبار» 1996، ولكن منجزه الكبير يتمثل في أعماله بالقصة القصيرة إذ له عدة مجموعات وحاز بعضها على جوائز تقديرية من اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة في الأردن. منها الصفعة (1978)، طيور عمّان تحلق منخفضة (1981)، احدى وعشرون طلقة للنبي (1982)، من يحرث البحر (1986)، أسرار ساعة الرجل (1991)، الملائكة في العراء (1997).
وله منجز مهم في مجال الترجمة سواء كانت بالاشتراك أو قام بها بمفرده.
لعل ما يلفت الانتباه ان إلياس فركوح اجتهد كثيرا من أجل أن يكتب روايته هو، أن يمنحها التميز الذي لابد منه لكي تتميز عن غيرها، وتحقق هوية كتابية ذات بصمة خاصة.
وهو في هذا لم يبتعد عن روايات السيرة الذاتية التي صارت سمة لكل الروايات الجديدة التي تكتب في البلدان العربية وجلها لأسماء جديدة لم يعد فيها مركز ولا أطراف بعد الثورة الاعلامية التي وحّدت وقرّبت الأدباء من بعضهم، بل صرنا كلنا مركزا بقدر ما نحن أطرافا في الآن نفسه.
وبمعزل عن تقرير لجنة تحكيم بوكر التي رأت هذا (وحّد إلياس فركوح في هذه الرواية، بنية السيرة الذاتية لانسان محدد الهوية والانتماء وسيرة الانسان المغترب بشكل عام (كما ورد نصا)، نقول بعيدا نجد الرواية هذه رواية سيرة ذاتية لا باعتماد (بنية) هذه السيرة (اذ هناك أكثر من بنية) لكونها تعتمد على الكاتب نفسه الذي انشأ النص ومما أشرناه أنه يستمرئ التخفي له ولمن حوله، فمريم مثلا التي تحدث عنها منذ سنوات الروضة وحتى الشيخوخة ـ ان كانت الخمسون شيخوخة ـ مريم هذه تتخفى وراء عدة أسماء فمرة منتهى وأخرى «ماسة» ويكاد اسم «ماسة» ان يكون اسم كل من عرف من النساء.
ثم ان بطل الرواية يدور حول اسمه ولا يقوله، حتى انه فضّل ان يكون «رفيق» وهذه الكلمة يطلقها أعضاء بعض الاحزاب على بعضهم (مثل حزبي البعث والشيوعي)، وقد جاءه الاسم بعد أن انضمّ الىأحد فصائل الثورة الفلسطينية.
وصديقه الذي تعرّف عليه بعد حرب 1991 القادم من الكويت ليقيم في عمان تخفى وراء اسم نجيب الغالبي، هكذا يحب أن يكون اسمه وهكذا يحب ان ينادى رغم أن يافطة الباب النحاسية المثبتة أمام باب شقته تحمل اسم عزيز رزق ا&، حتى ان (رفيق) فكّر: (أهذه احدى متاهات بورخيس؟).
وعندما فتح نجيب الباب سأله: (من هذا العزيز رزق ا&؟) فردّ ببساطة (أنا عزيز).
هنا نحن أمام انسان فصل ما بين الاسم الذي يحب أن يحمله والاسم الاخر الذي هو اسمه الرسمي (شهادة تقدير السن، وجميع اوراق الثبوت الرسمية وجواز السفر، وعقود البيع والشراء الى آخر هذه الشكليات).
ومبرره لهذا أعلنه جوابا: (مللت اسمي، رأيت أنه لا يناسبني، ببساطة).
(رفيق) هذا (وقد تماهيت مع ما ارتكن عليه هذا اللامسمّى) المولود في القدس سنة النكبة 1948 يورد تفاصيل يكاد ينفرد بها نصّه من مرصده الخاص حول ما جرى في فلسطين والقدس تحديدا وبعد ذلك التحول الى عمّان مع أسرته.
سيحكي الياس فركوح عن الحياة في القدس، رياضها، مدارسها الداخلية، أناسها، كنائسها، ثم احتلالها بالكامل عام 1967 وهجرة الكثير من سكانها.
ونجد أيضا ان الكاتب قد أثرى نصّه بكل الطقوس والعادات المسيحية التي تمارسها أسرته البسيطة، الأب الخياط النسائي، والأم ربة البيت والاخوة.
كما أثرى نصّه بحديث مدينة عمان وكيف نمت وتوسعت وامتدت ورأى أنها قد أفادت من محن مدن أخرى في هذا مثل بيروت وبغداد ومدن فلسطين. ثم أحداث الكويت، وهو إذ يؤشر هذا في حواره مع مريم لا يرى فيه مأخذا على المدينة بل وصف لحالتها.
و(رفيق) هذا يريد أن يكون كاتبا متفرغا، يعيش من كتاباته، ولكنه لا يريد أن يبقى في موقع المراقب لما يجري من مسافته بل اختار أن يعيش في الخضم، ومثلما فعل ذات يوم عندما انتمى الى أحد الفصائل الفلسطينية وحمل الرشاش فإنه لا يكتفي بمراقبة ما ينتظر العراق ـ الحاضر بآلامه في الرواية ـ من عدوان وشيك تم عام 1991 فوقّع البيانات وانخرط في المظاهرات المنددة بالعدوان، واعتصم وأضرب من أجل العراق.
هذه الرواية غارقة في التفاصيل الساخنة النابتة من الوجع العربي الذي يتّسع ولا يلتمّ.
تتداخل الضمائر فمتاهة بورخيس هي متاهته أيضا، ولكنها متاهة قد تبدو بسيطة أمام المتاهة العربية المتفاقمة حيث تتلاشى ومضات الأمل وتحتجب الاحلام موؤودة في حفرها، وتهوي النجوم من سماواتها في خلوات الرمل والخرس والموت.
في الرواية خبرة لغوية فاتنة، تأتت من ممارسة كتابية ثريّة في الدلالة وفي العديد من الشخصيات التي تتحرّك بحيوية في فضاء هذه الرواية.
أما عنوانها فيشرحه المؤلف بقوله: (ان اليمبوس هي المنطقة الوسط حسب المفهوم الكاثوليكي، أو الثالثة بين الجنة والجحيم).
فهل نحن في هذه المنطقة حقا في (المطهر)؟ لا أظن هذا.

ايوب صابر 05-13-2015 12:02 PM

فركوح: المصادرة منطق الرقابة

حوار مع الروائي الأردني إلياس فركوح 4/2 شوكوماكو أجرى الحوار: محمد ديبو "أوليست هي
الحروب ما عَلَّمَ وحفرَ وفرزَ وخلَطَ وولّدَ وأدّى وكشفَ وخَبّأَ وطمَرَ وعَرّى عارَ مجتمعاتنا وأنظمتنا السياسيّة راعية هزائمنا وداعمة خسارات أرواحنا وأحلامنا .. وأراضينا" يمتاز الروائي الأردني الياس فركوح عن غيره من الروائيين العرب بنشاط متنوع الاهتمامات, وطاقة موزعة على حقول متعددة تبدأ بالرواية ولا تنتهي عند حدود القصة والمقالة والترجمة ودار النشر التي تستنزف وقته وعمره, محاولا البحث عما يعينه على تحمّل مأسي العالم من جهة , ومنقبّا من جهة أخرى عن كوّة نور يطل من خلالها على الأمل . شوكوماكو التقى الروائي الياس فركوح وحاوره حول وصول روايته” أرض اليمبوس” إلى القائمة المصغرة لجائزة البوكر العربية في دورتها الأولى وحول أمور أخرى. للروائي : في الرواية :أعمدة الغبار – قامات الزبد – أرض اليمبوس في القصة: حقول الظلال – من رأيت كان أنا ...‏ - ولدتَ عام 1948، هذا العام الذي يصادف ذكرى النكبة، والآن يحتفل العالم بذكرى “تأسيس إسرائيل” بينما نحيي ذكرى النكبة الستين وسط خَجَل عربي فاضح. ماذا يعني لك هذا على الصعيد (الشخصي والعام؟ وهل ولادتك في ذكرى النكبة أثرّت على شخصيتك لاحقاً وزرعت فيك جينات ستجعل منكَ لاحقاً كاتباً مغموساً بالهم العام والكتابة عن فلسطين؟‏ أن تولد عام 1948 يعني أنَّ الحياة باشَرَت، ومنذ بداية بداياتك، بحفر علاماتها الجارحة في روحك. معناه أنَّ “صُدفةً تاريخيّةً ما” عملت على تكريسك، ربما بنصف وعي أحياناً، شاهداً رغمكَ على محطات الحياة العربيّة المعاصرة، ومنخرطاً منغمساً في تفاصيلها اليوميّة. معناه أنَّ تلك البداية وضعتكَ داخل سياق عَيشٍ أنتَ لم تختره اختياراً حُرّاً صافياً في عمومه، إذ لم تترك لكَ سوى هامش الموافقة على أن تكون إبناً لهذا السياق تتفاعل معه وتفعل فيه بقدرٍ شخصي ضئيل .. أو تخرج منه (إنْ استطعت) فتخسر الخسارات الكبرى واهماً لتكسبَ، بالمقابل، ذاتاً مُعَرّاة ومنعزلة تتغذّى على ذاتها دون شَبَع. هي حالةٌ أو معادلةٌ لا مكان فيها لأي بطولة مفتخرة بنفسها، لأنَّ منطق قاعدتها لا يسمح أو يمنح أبناء جيلنا فرصة إلاّ أن يكونوا ضحايا/ مقاتلين، أو إنْ شئت، هُم: المقاتلون/ الضحايا. كأنما صدى “ البحرُ من ورائكم، والعدو من أمامكم، فأينَ تنفرون وتفرون!” هو النداء الوحيد، أو القَدَر المرسوم الذي أطبقَ على مصائرنا طوال أكثر من خمسة عقود، بدايةً من نفير 1948 الأوّل! ثمة الكثير من المعاني لهذه الولادة من حيث التاريخ. وكذلك، وهذا في غاية الأهميّة كما أرى، من حيث الجغرافيا. فالأردن هو وجه فلسطين الآخر، عَبْر دلالات مجازيّة تفكريّة وواقعيّة أرضيّة لا تُحصى. فكيف لي أن أهرب من فلسطيني اللصيقة بي، أنا الأردني!‏ - عشتَ ودرستَ في القدس وعمّان وبيروت، هذه المدن التي نجدها مزروعة في روح نصوصك. إلى أي حد سكنتكَ المدينة؟ وإلى أي حد أسكنتها في أعمالك عموماً ورواياتك خصوصاً؟‏ أنا إنسانُ مدينةٍ في معظم طبقات تكويني الشخصي. أنا كذلك لأنني لستُ سليل أُسرة ريفيّة، كما لستُ ابن صحراء أو بادية. صحيحٌ أنَّ مُدننا العربيّة لم تُمْنَح ما يكفي من الوقت لتستوي مُدناً تنمو (وتتطور وفق “أُسس وقوانين” نشوء المُدن، إذ ضُرِبَت مبكراً بريفٍ هَجَّرَهُ الجوعُ وأجبره على غزوها ومَلئها، فأعاقها وشوهها رغماً عنه وعنها ـ إلاّ أنَّ ذلك كلّه لم يَحُل دون تميّزها وتميّز أبنائها بهويةٍ مختلفة وأُخرى مغايرة لسواها. هي ليست أكبر شأناً بالضرورة، لكنها ليست أقلّ أصالة بالتأكيد. ولأنني كذلك؛ ولأنَّ المدينة تشكّل فضاءً طبيعياً لي، فضاءً ليس مُعادياً، أو صادماً، أو باعثاً مستفزاً لاختلاق ما يشبه كذبة عَيش “الغُربة” الرومانسيّة المفتعَلَة التي يدّعيها عدد من الكُتّاب القادمين من خارجها لأسباب وحجج شتّى؛ لأنني كذلك، كانت القدس كعمّان، في تحليها بمبادىء المدينة الصغيرة وفق الطراز البسيط لذاك الزمان، فما وجدتُ فيها سوى التنويع على أمرٍ أوّل أليف مألوف. أما بيروت؛ فجاءت فيما بعد لِتُزْهِرَ فيَّ قابليّة القبول بالمدينة الكبيرة والرضا الهادىء السلس بها. نعم. المدينةُ تعيشُ فيَّ لأنها رحمي الأول ومالكة تكويني. ولأنني، قبل كل شيء، عشتُ فيها كمكانٍ أصْل فعاشتني كحالةٍ متناميّة. فأنتَ، بعد عُمْر، تتحوّل من ابنٍ لها لتصبحَ أباً لتوالي تحولاتها المستمرة، وبذلك تصيرُ بانياً لها صفةً تضيفها إلى مجموع صفاتك. فإذا كان ذلك كذلك، فلا مفر من حضورها الكبير في نصوصي. هي وحدها المكان ـ البطل. إني من الكُتّاب الذين لا يقتربون، بالكتابة، من عوالم وفضاءات أزعمها معرفةً، لكنني لم أعشها حياةً وحالات.‏ “-أرض اليمبوس” روايتك الأخيرة التي دخلت قائمة البوكر العربيّة، تتداخل فيها السيرة الذاتيّة بالسيرة العامة للتاريخ العربي في نصف قرن. هل كنتَ تكتب سيرتك الشخصيّة، أم سيرة عَمّانك وقُدسك، أم كنتَ تصفّي حسابك مع تاريخ عربي أكلَ عمركَ وروحكَ ولم يهبكَ سوى الهزائم وبُكاء اللغة؟‏ بين السيرة الذاتيّة أو الشخصيّة، وانتقاء محطات معينة من تجربة الكاتب الحياتيّة يراها منسجمة ومتآلفة مع السياق الروائي ومعززة لدلالته .. ثمة فرق. هذه نقطة أراها حاسمة للتمييز بين مَعنيين يجري خلطهما أحياناً، فيأخذ أحدهما مكانَ الآخر مستبدلاً بذلك هويةَ أو ماهيّة الجنس الكتابي، وهذا خطير؛ إذ تقع عمليّة القراءة في شَرَك الشواش أو قُلْ الانحراف باتجاهٍ آخر تماماً. وفي أحسن الأحوال يصير لاجتهاد القارىء سبيل تسميّة العمل المكتوب بـ”سيرة روائيّة”، أو “رواية السيرة”، أو “رواية ـ سيرة”، أو “رواية سيريّة”. ومع أني منفتحٌ تماماً، لا بل أدعو وأحضُّ على طموح توسعة الهوامش في أي جنس كتابي، لتتضمن ضروباً وافدة من أجناس أخرى، إغناءً له وتجريباً واعياً مسؤولاً؛ إلاّ أنني أخشى سوء القراءة والاستنتاج الذي يجعلُ العملَ يندرج في جنسٍ حائر! فبقدر ما يتحمّل الكاتب غير المتمكّن مسؤوليّة إضاعة هويّة كتابته، إذا ما لجأ إلى تهجينها عبر توسعة هوامشها من غير تدبُّر مكين؛ كذلك الأمر في ما يتعلّق بالقارىء المتسرّع الذي يجد نفسه كمن وقع على اكتشاف مفترَق طُرُق: أأقرأ النصّ روايةً؟ أم سيرةً؟ .. ثم يريح نفسه في منطقة الوسط ليجلس حيث هو بينهما: هي رواية سيرة! عَليَّ الإقرار بأنَّ درجةً عاليّةً من التماهي أوْجَدتُها واعياً بين شخصيتي ككاتبٍ للرواية يمتحُ من تجربته الحياتيّة، وبين شخصيتي المكتوبة كراوٍ متعدد الأصوات وزوايا النظر داخل الرواية، وهذا ما دفعَ معظم ـ إنْ لم أقُلْ جميع قُرّائها ـ إلى تأويلها على أنها رواية سيرية. ولعلّي أبالغُ في تحسسي لمفردة “سيرة ذاتيّة” جرّاء أخذ نفسي بشدة عند الالتزام بِدِّقة معاني المفردات وحدودها قبل استخدامها، كتابةً أو حواراً مع آخرين. ثمة الخِشية من إضاعة اللغة المشتركة ، بمعنى عدم الاتفاق الضمني والأولي على معنى أو دلالة اللفظ قبل النُطق به! إضافةً إلى ذلك، وهذا ما لم يلتفت إليه أحد ممن كتبوا قراءاتهم للرواية، هنالك توسعةٌ أزعمها في تطبيق مفهوم الكتابة ما بعد الحداثيّة. فإذا كانت، في أحد جوانبها، معاينتها لنفسها ككتابة ومحاورتها من وفي داخل النصّ حين يتخلّق ومساءلتها لنفسها؛ فلقد أُخضِعَت شخصيّة الكاتب هي أيضاً لأسئلتها عنها، ولضروب التشكيك في ذاكرتها، وبالتالي لمدى مصداقيّة أو موثوقيّة ما تكتب، حين تكتب نصّها عنها وعن سواها! جُملة ما تخرج به القراءة تنضفرُ في سَلَة أسئلة تجافي الذهاب إلى أن الرواية سيرة تتستر برداء رواية. فالسيرة وقائع أكيدة الحدوث ليست كتابتها سوى عمليّة تدوين لوقائعها كما وقعت .. وإنْ بقليلٍ من التعديل. وقائع ليست موضع تساؤل أو تشكيك، يسجّلها صاحبها عنه وعنها، وبذلك يسجّل سيرته، وسيرة آخرين، وسيرة الأمكنة وأزمنتها. لا أنفي ولا أعترض على أنَّ جانباً من “أرض اليمبوس” أُوكِلَت إليه مهمة كهذه، غير أن الرواية ليست هذا فقط، كما أنها ليست تأريخاً إلاّ بقدر ما يكون التاريخ، في الأدب والفن، إعادةُ كتابةٍ مَرَّت في موشور الذاكرة المنتقيّة الحاذفة والمضيفة (كما ورد هذا حرفيّاً داخل النصّ)، ومصافي اللغة المتفكّرة، و”شياطين” الرغبات الفالتة من شروط “الملائكة” المحافظين على سكون الخليقة، كما هو، عند أوّل بزوغها.‏ - تمارس الترجمة إلى جانب نشاطاتك المتعددة، كيف تقيّم حال الترجمة /من وإلى/. هل نستطيع القول أننا بتنا موجودين على قوائم الترجمة العالميّة، أم أننا ما زلنا متخلفين عمّا يحصل في العالم في هذا الأمر أيضاً؟‏ لا زلنا على الصعيد العربي، بمؤسساتنا الرسميّة وشبه الرسميّة وكذلك بدور النشر الأهليّة ضئيلة القدرات الماليّة الممولة لمشاريع الترجمة، في وضعٍ متخلّف بكل معنى الكلمة. وإني هنا أشير إلى حال (الترجمة من لغات العالم إلى لغتنا العربيّة. فبالإضافة إلى تقرير اليونسكو الذي نشر قبل سنوات قليلة بهذا الخصوص والأرقام الصريحة الواردة فيه والتي تشكّل فضيحةً ثقافيّةً حضاريةً ينبغي لكل مشتغل بالثقافة ومَعْنيّ بها التفكير بمدلولها الخطير؛ أقول: إضافةً إلى هذا التقرير، بإمكان أي متابع لحركة الترجمة، وفي جميع حقول المعرفة، وضع اليد على أننا في آخر دول العالم عنايةً واهتماماً والتماساً لضرورتها، رغم أننا الأحوج في هذا الراهن من التاريخ إلى نقل معارف الآخرين إلى لغتنا وبالتالي إلى إنساننا الذي لا يتقن سوى لغته الأُم. أما عن ترجمة نتاجنا الفكري إلى لغات العالم؛ فحدّثْ ولا حَرَج! فإذا كان تقرير اليونسكو يشكّل فضيحة؛ فإنَّ الجانب الآخر لهذه الفضيحة أكثر فضائحيّة وأشد مرارة. ناهيك عن السؤال الذي يطرح نفسه علينا جميعاً: هل لدينا في نتاجنا المعاصر والحديث من المعارف (غير الرواية والشعر والقصة القصيرة) ما ليس مُتاحاً للآخرين هُم بحاجة إليه يسدون به نقصاً ما في دوائر معارفهم؟‏ - نلاحظ في رواياتك الثلاث (قامات الزبد، وأعمدة الغبار، وأرض اليمبوس) حضور الحرب كحدث مركزي. هل تسعى لتأريخ الحروب العربيّة روائياً؟ وكيف تتجلّى لديك العلاقة بين الحرب والرواية؟ أي، كيف تستطيع أن تُخضِع الحرب كوثيقة ومعارك وموت ودمار و.. لمفهوم الرواية وأدواتها، دون أن تخسر الرواية وتقع في مطب المحاكاة الساذجة لواقع قائم وترتفع بها نحو مصاف الإبداع الخالص؟ ﴿ بدأتُ قاصّاً منشغلاً برصد النُتَف الصغيرة في يوميات أفرادٍ يمثّلون ذواتهم مثلما يمثّلون، في الوقت نفسه، غيرهم. لكنني، حين كنتُ أكتب ذلك، وجدتني أسجّل رؤيتي لعوالم غلُبَت عليها العاديّة لفرط تكرارها في حياتنا، كل يوم، ومن خلالها كنتُ أكشفُ عن قسطٍ من موقفي حيالها: بمعنى أني كنتُ أكتشفُ لحظةَ الكشف قسطاً مني أنا شخصياً. وهكذا تحوّلَ وعيي على الكتابة ليكون وعياً للذات الكاتبة أيضاً، وبذلك صرتُ أرددُ قائلاً بأنَّ القصة تكتبني شيئاً فشيئاً كلّما تدرجتُ بكتابتها مشهداً مشهداً. كانت »قامات الزبد« روايتي الأولى بعد مجموعات قصصيّة عدة، وما كنتُ أعرف ماذا سأكتب بعد انتهائي منها. ثم، وإثر نشري لها بسنوات، وقعتُ على أنني لحظة شروعي بالكتابة الروائيّة، مستنداً إلى محطة في حياتي، إنما باشرتُ التأسيس للكتابة عن جيلٍ أنتمي إليه مَرَّ بكل المحطات التي مررتُ بها. وهكذا اتضحَ لي مشروع ثلاثيّة روائيّة غير معلَنَة تغطّي المفاصل الرئيسة في حياتنا، فكانت »أعمدة الغبار« ثم انتهت بـ »أرض اليمبوس«.ما المفاصل الرئيسة في حياتنا، إذَن، إنْ كنتُ أسجّل روائياً سيرةَ جيل ولِدَ عام ١٩٤٨؟أوليست هي الحروب ما عَلَّمَ وحفرَ وفرزَ وخلَطَ وولّدَ وأدّى وكشفَ وخَبّأَ وطمَرَ وعَرّى عارَ مجتمعاتنا وأنظمتنا السياسيّة راعية هزائمنا وداعمة خسارات أرواحنا وأحلامنا.. وأراضينا؟ ست حروب خلال ستة عقود، كأنما ثمة حرب في كل عقد هدية لكل جيل! لستُ أسعى لتأريخ الحروب روائياً، ولستُ مَيّالاً للكتابة عنها إلاّ بقدر ما تعمل هي على كشف التوتر داخل الشخصيات التي مرَت بها، أو مرّت الحربُ عليها، ولكن كأمرٍ مسبب وكخلفيّة تصبغ المناخات وتحدد الإيقاع. يَرِدُ ذِكر الحرب كعامل استفزاز يكشف عمّا هو أهمّ منها: الفردُ الذي طحنته نتائجها المدمّرة. كما أني، بالكتابة، إنما أدوّنُ دواخل الشخصيات وتاريخها على وقْع الحرب وصداها المتردد في أعماقها. الحربُ ليست موضوعاً مثيراً لكتابتي إلاّ بقدر ما تشير إلى »الحرب الأخرى« الدائرة بين »نحن المكشوفة« و»نحن المطمورة«. لن يجد القارئ في رواياتي حرباً أحاول وصفها وتصويرها، بمفرداتها العسكريّة ومعاركها وجنودها وقتلاها وضحاياها وأبطالها ومشاهد ساحاتها، إلخ. ذلك ليس هَمّي أبداً. وبالتالي فأنا لا أحاكيها ولا أحاكي سواها. كتابتي »فـي« الأشياء وليس »عـن« الأشياء. والعلاقة بين الحرب والرواية التي أكتبها بحسبي، هي علاقة بين إشارة استفزاز تعمل على إثارة الأسئلة عن حروب ذواتنا. أسئلة عني أنا أيضاً، تماماً مثلما فعلتُ في كتابة القصص، كما بدأتُ ممهداً للإجابة. تعدّد - كتبتَ الرواية، والقصة، والمقالة، والبحث، والترجمة، والشهادة، إضافةً لدار النشر التي تملكها. لماذا هذا التعدد؟ هل هو صدى لروحك المتشعبة؟ وأين يجد الياس فركوح روحه أكثر؟ ﴿ لو أنكَ سألتني هذا السؤال قبل سنة أو سنتين، لربما أجبتكَ على هذا النحو: روحي تحققُ ذاتها في هذه الأنواع الكتابيّة جميعها، ولكن بِنِسَبٍ متفاوتة بالطبع. فما دام المرء الواحد ينطوي على مستويات أو طبقات عدة تبتغي التعبير عن طاقاتها، وهنالك ما يكفي من الوقت لأن يتوزع صاحبها عليها منشغلاً بها؛ فليس ثمة مشكلة. هذا صحيح من حيث المبدأ. وصحيح أيضاً قبل سنة أو سنتين، حين لم ألتفت إلى ضرورة ترتيب الأولويات بإعطائها حقها الأوفر من الجهد، والانشغال، والوقت ـ وهو الأمر الذي بِتُّ أعيش إشكاليّة توفيره الآن. ولم يعد المتبقي من العُمْر يكفي للإحاطة بهذا »التَرَف«! تحضرني بهذا السياق حكاية نيكوس كازانتزاكيس ووقوفه عند زاوية الشارع متسوّلاً المارّة شيئاً من الوقت يدّخره لإكمال أحلامه الكتابيّة! كما ينبغي للمرء، في هذه المرحلة من عمره، أن يواجه نفسه بعنوانه الأوّل أو الرئيس، وبذلك يكون قد تحلل، ولو نسبياً، من مُلحَقات العنوان باعتبارها تفريعات له. ربما لا يتمكن من التخلص منها نهائياً كونها تشكّلُ إعاقةً لمشروع العنوان، لكنه سينصرف حتماً إلى الحَدّ منها ليتفرغ لِما يراه يتحلّى بالأولويّة. التعدد سِمة جوهريّة في الكائن، والعمل على إشباع مكوناته يحققُ له التوازن. لا شك في هذا. إنما، وبالنسبة لي والآن، معترفاً بفضل هذا التعدد في إثراء جوانبي المعرفيّة الثقافيّة، أصبحت عمليةُ تلبيتها مرهقة ومسببة للتشتت وفقدان القدرة على التركيز. وبذلك، أصبحتُ بدوري أنحو باتجاه الانصراف إلى الرواية، إعداداً، وقراءات، وتفكراً، لتكون عنواني الأوّل. دار النشر مشروعٌ وعملٌ جميل! مشروع وعمل مِعطاء وصاحب رسالة بمعنىً ما. لكنه غولٌ يلتهم الوقت، والجهد، والتركيز، والمال القليل، ويستنفد أنايَ الكُليّة التي ما عادت قادرة على تلبيّة حاجاته واحتياجاته من ذلك كلّه. لن يكون باستطاعتي التخلص من الدار؛ فليس سهلاً تصفيّة ما يشبه مؤسسة طفقت تحقق نجاحاً ثقافياً وحضوراً لافتاً محترماً، ومحو منجزها وشطب طموحاتها. وهذه مشكلة حقيقية تؤرقني. رقابتان - الرقابة في العالم العربي أمر محيّر ومربك للكاتب، وفي الوقت الذي يعتبر أغلب الكُتّاب خارج الأردن أن الرقابة السياسية أخطر أنواع الرقابات وأشملها؛ نراك تركّز على الرقابة المجتمعيّة. لماذا؟ وماذا عن الرقابة الدينيّة؟ كيف تؤثر الرقابة على عملك الإبداعي بالدرجة الأولى وعلى عملك كناشر؟ وهل سبق أن اضطررت للمراوغة بشكل ما أمام الرقيب؟ وما الحل برأيك للتعامل مع الرقابة السياسية من جهة، والرقابة المجتمعيّة والدينية من جهة أخرى؟ ﴿ لستُ مستخفاً بأي من الرقابتين السياسيّة أو الدينيّة على الإطلاق. أبداً. فأنا أعي تماماً بأنَّ الرقابة المجتمعيّة بقدر ما تنطوي على أثقال الرقابة الدينيّة وممنوعاتها الخافيّة المتخفيّة بالمحافظة على »دين وأخلاقيات وقيم وعادات« المجتمع والأُمة. أو تلك الجاهرة بتكفير كل ما/ ومَن تراه خارجاً على منطوقها اللفظي بشروحاتها الجامدة أو شروحاتها المتطرفة ـ فإنها أيضاً تتضمن، في أُسها وأساسها، منطق المَنْع والمصادرة، وتمنح نفسها سلطةً على الجميع هي مستمدةٌ أصلاً ومدعومة من السلطة السياسيّة المتراجعة أمامها خوفاً، أو مجاملةً لتيّارٍ زاحف يصطبغ بشعبويّة ساخطة، أو بالتواطؤ، أو عبر عَقدٍ تضامني (هو مرحليٌ بالضرورة) يكفلُ للطرفين مساحاتهما السلطويّة. عندما أركّز على الرقابة المجتمعيّة (وليس الاجتماعيّة) فإنني أدعو إلى تفكيك عناصرها المكوّنة لها لاكتشاف أنها مجموع الرقابتين السياسيّة والدينيّة، ومعاينة آليات فعلهما المشترك داخل البِنيات الاجتماعيّة المؤدية إلى: انحباس في الرؤيا، وتَعَصُّب في التعامل، وحَظْر للحِراك المدني والاجتهاد الفكري بعمومه، ومصادرة للاختلاف، وفِتنة في المعتَقَد، ومعاكسة لمتطلبات العدل والمساواة، وضرب لمفهوم المواطنة القائم على عدم جواز التفريق بين المواطنين بسبب اللون، أو الدين، أو الجنس، أو الأصول، أو القرابة، أو العشيرة، أو المال، أو النفوذ المتوارَث، إلخ. السلطة المجتمعيّة بمواصفات كهذه وراهن كهذا، وبالتالي رقابتها المتأتيّة عنها، لن تنتج بلداً بمؤسسات مدنيّة مرتكزة إلى قواعد ديموقراطيّة حقيقيّة غير زائفة أو شكليّة ترسم حدوداً واضحة للحريات، ولأذرُع السلطات التي تتغوّل، في حالاتنا العربيّة، السلطةُ التنفيذيَة لتهيمن على التشريعيّة والقضائيّة! نعم، هذه هي الرقابة المجتمعيّة في خُلاصتها. وهي شاذة. وهي أخطر بما لا يُقاس من مجرد رقابة سياسيّة تمنعُ كِتاباً بمقدورنا تسريبه إلينا وقراءته رغماً عن أنف الحدود والرقابات البلهاء. نحن الآن بصدد أزمة انغلاق أُفق، وحالة تخلُّف شديدة التعقيد في تركيبتها تتجاوز المفهوم السياسي لدولٍ باتت رهن التحلل والارتهان لقوىً إقليميّة وعالميّة شارعة بتسيُّد العالم وإعادة اقتسامه، مزيحةً من طريقها هذه »الدول« المشكوك بسيادتها السياسيّة على أراضيها! أما عن الشق الثاني من سؤالك؛ فأود الإشارة إلى أن تجربتي الكتابيّة علّمتني كيفيّة التعامل مع الرقابة الرسميّة دون أن تتنازل عن منطوقها من جهة، أو أن تُنْزِل الضرر بمستواها الفني. فلكّل رقابة، وبحسب التجربة الشخصيّة، تخومها وحدودها على الكاتب والناشر معاً معرفتها ليصار لكلٍ منهما أسلوبه في إدارة ما أسمّيه »سِجال الذكاء« المفتَرَض والمفروض عليهما. ثمة قاعدة اجتهدتُ خلال ما يقرب الثلاثين سنة من الكتابة في بنائها، تتلخص في أنَّ على الكاتب (والناشر) أن يحترم نفسه فلا يبتذلها! والابتذال عادةً ما يكون بواحدة من طريقتين: إما أن يتجاوز الخطوط الحُمْر بمباشرة وانكشاف وصراخ بحيث يُجبر الرقيب على فعل المنع، فيتحوّل إلى »شهيد« بالمَجّان، لكنه يصبو في الوقت نفسه لأن يصنع من نفسه »نجماً« ضمن منطق إعلام الإثارة وسوق فبركة الأبطال. مع ملاحظة أنَّ المباشرة والانكشاف والصراخ، في الأدب والفن، تستدعي معها، غالباً، لغةً وأسلوباً يقعان خارج البناء الفني وعلى حسابه. ولذلك، فإنَّ قراءةً نزيهةً ونبيهة وبريئة من طغيان »نجوميّة شهيد الحريّة« لكثير من »النصوص الممنوعة« تدلّنا على فقرٍ كِتابي داخلها تم تعويضه، أو التستر عليه بالأحرى، بضجيج الحظر والمنع. أما طريقة الابتذال الثانيّة، فإنها ببساطة الخضوع لاشتراطات الرقابة على نحو مبالغ فيه يصل عند البعض إلى درجة المهانة، فيتنازلون عمّا ليس مطلوباً التنازل عنه! ليس هنالك من حل واحد في التعامل مع الرقابات، السياسية والمجتمعيّة والدينيّة. ليست هنالك صيغة جاهزة. أنتَ تبني صيغتك بحسبكَ وبحسب تجربتك. أما الحل الجذري؛ فبإلغاء الرقابات كافة، واستبدالها برقابة الضمير، وروح احترام الكتابة كاحتراف له شروطه. -قلتَ لنا في الأردن إنك تعتبر أن المستقبل سيكون للنصّ النخبوي، وأن الثقافة تتجه لأن تكون نخبويّة. ألاْ ترى أنكَ بذلك تلغي القارئ من المعادلة الثقافيّة التي تموت دونه؟ ﴿ لستُ أنا مَن يلغي القارئ من المعادلة الثقافيّة؛ بل هو النظام التعليمي، والتربوي، والتثقيفي الآخذ بالتفكك والانحلال على طول الوطن العربي وعرضه. هنالك عمليّة تَخَلٍ كامل من قِبَل المؤسسات ذات الشأن عن مسؤولياتها تجاه تنميّة ثقافيّة، عريضة وعميقة ومستمرة، تطال مواطنيها عبر جميع المراحل، بحيث تعودُ للمعرفة المتجاوزة حدود المتطلبات الأكاديميّة ومستلزماتها قيمتها داخل المجتمع، وبالتالي داخل الحياة الخاصة لكل فَرد عربي. ثمة إفقارٌ في الوعي الثقافي للإنسان العربي، وإجدابٌ في التذوق الفني والأدبي لديه، كأنما بقصدية ووعي وهذا أمرٌ مُريب! وإنْ كان ليس كذلك، فالأمرُ ينذر بكارثة قادمة على مستوى عُمق الشخصيّة العربيّة كنتيجة حتميّة لهذه المقدمة. مثلما يدلل، في الوقت نفسه، على تَرَدٍ فاضح في كفاءة أصحاب المسؤوليّة، وغياب منهجيّة أو استراتيجيّة عارفة متأتيّة عن رؤيا واضحة بعيدة المدى تعي مفهوم »الوطن« حقاً، وتُعنى بمستقبله. فلنكُنْ أكثر صراحةً: حين يتحوّل الفسادُ إلى ظاهرة متفشيّة وراسخة في المجتمعات العربيّة، فإننا لحظة اعترافنا به والتسليم بصعوبة اجتثاثه كونه أصبحَ مؤَسَساً (بفتح السين) إنما نعاينُ ونشهدُ انفلاشه خارج المؤسسات الرسميّة الحكوميّة وأجهزتها، ليغطّي ويتغوّل على معظم جوانب البِنية المجتمعيّة.. اللهم بعض الدوائر الصغيرة والمشتتة من المثقفين والشرفاء، والمعزولة للأسف. هي دوائر تم عزلها بفعل إدبار الجسم الأكبر من المجتمع عن التعاطي مع ضروب الإنتاج الثقافي، فباتت نتوءاً شاذاً ربما يُلتَفَتُ إليه كرنفاليّاً وعلى سبيل استكمال الديكور باقتطاع يومٍ ما من روزنامة السنة للتذكير به بدافع (رفع العَتَب)، ثم يُنسى! معارض الكتب تشهدُ تراجعاً واضحاً في زوّارها، وخسارات تؤكد أرقامها في مبيعاتها، وانفضاضاً عن الكتب الموسومة بـ»ثقيلة الدم« مقابل الهجوم على تلك الموصوفة بـ»الصفراء« المبشّرة بعذاب القبر، والموصية بأي من القدمين عليكَ دخول المرحاض، وكيف للزوجة أن تجذب زوجها وتحتفظ به عبر سُبُل الإثارة والإغراء، والصفحات التي تُطلعك على حظك كل يوم في كتب تدّعي علم الفلك والإبحار بين النجوم! أي صورة يمكنكَ رسمها عند الحقيقة القائلة بأنَّ عدد النسخ المطبوعة من أي كتاب، قبل عشرين سنة، كان ثلاثة آلاف ـ بينما الآن، رغم تكاثر الجامعات والأكاديميات على اختلاف تخصصاتها تكاثراً بكتيريّاً، لا يتجاوز الألف نسخة! والبعض من الكتب، الشعر خصوصاً، الخمسمائة! عند تدقيقنا بهذا الحال، هل تتوقع قارئاً مثقفاً يتجاوز دائرة النخبة بمقدوره التفاعل مع النصوص الأدبيّة الحديثة؟ هل تتوقع أن يكّف الكُتّاب عن المضي عبر تحولات الأجناس الكتابيّة، ليتوقفوا عند نقطة الانقطاع الثقافي والفني والأدبي ـ المعرفي عموماً ـ للمجتمع، بانتظار صحوة شاملة تأخذ بالاعتبار تعويض ما فاتها؟ هنالك نخبوية على صعيد الكتابة لأنَّ هنالك نخبويّة، ومن قبل، على صعيد القراءة. وهنالك غُربة بين الفئتين تكاد تقتل. - نلاحظ في كتابتك عموماً اهتمامك الكبير باللغة، حيث تغدو لغتك معجميّة صافية ومنحوتة بإدهاش، وتقترب من تخوم الشعر. كيف تتعامل مع اللغة؟ هل تتقصد أن تكون لغتك هكذا وأنتَ تكتب، أم أن الأمر يأتي تلقائياً؟ ومن جهة أخرى، ألاْ تخشى أن تُبعدك هذه اللغة عن القُرّاء؟ ﴿ من الأقوال المأثورة: »الكاتبُ هو الأسلوب« ومن الخُلاصات التي خرجتُ بها عبر تجربتي الكتابيّة وعنها: الكتابةُ هي اللغةُ كعلامةٍ فارقة تشير إلى كاتبها، تماماً مثلما هي بصمةُ الكائن الواحد التي لا تتكرر. من دون لغة خاصة يتعرّى النصُّ وينكشفُ خفيفاً فاقداً لخصيصة صاحبه، ويتحوّل إلى مجرد كتابة تشبه غيرها من كتاباتٍ سواها، فلا يبقى ما يشير إليها إلاّ موضوعها وطريقة بنائها. وبالرغم من أهميّة هذين العنصرين (الموضوع وطريقة البناء)، لكنهما لا يكفيان لوحدهما ليوجدا للكاتب حيّزه الخاص على خريطة الجنس الكتابي الذي ينخرط فيه. أما عن خِشيتي من ابتعاد القُرّاء عن كتابتي بسبب هذه اللغة؛ فإني أحيلك إلى إجابتي السابقة بخصوص نخبوية القُرّاء. ناهيك عن وجهة نظري الرائية إلى أن ليس ثمة وجود للقُرّاء (بأل التعريف) .. بل ثمة قُرّاء معينون لكل كتابة معينة. لقد انتهت أسطورة جمهور القُرّاء، أو الوهم بوجودهم ككتلة متجانسة واحدة في مستوى وعيها الفني والثقافي، والخروج بالتالي بنتيجة علمية قياساً إليهم وإحالةً عليهم. - العلاقة بين المبدع والسلطة بطبيعتها علاقة إشكاليّة من حيث طبيعة كل منهما، ولكن في العالم العربي تغدو تلك العلاقة مدمرة وتناحرية. كيف تقرأ العلاقة بين السلطة والمثقف؟ وهل من الضروري أن يكون المثقف نابذاً ومواجهاً لأي سلطة، على الأقل معنوياً؟ ﴿ لم تتسم العلاقة بين المثقف والسلطة يوماً، خاصةً في الوطن العربي، بالتوافق أو الانسجام، اللهم إلاّ إذا تقاطعت رؤية كل منهما أو المصلحة لديهما عند نقطةٍ ما. وهذا نادر الحدوث. تاريخنا يشهد على ذلك، والمشهد المعاصر تكملةٌ ليست نشازاً لذاك التاريخ الطويل. إنَّ طبيعة الأنظمة العربيّة، على اختلاف شعاراتها وتسميات عناوينها، بما تتضمن من أُحاديّة في وجهة النظر وفرضها: وانعدام مساحة القبول الحقيقي بالاختلاف والتعامل الموضوعي معه، والتعارض الجوهري مع مبدأ تداول وانتقال الحكم، والاستناد إلى قبليّة وعشائريّة المجتمعات وعصبياتها بما يحول دون بناء الأسس الراسخة لمجتمع مدني يفرز أحزابه السياسية الحقة، وجمعياته النقابيّة غير المشتراة، وصحفه الحرّة حقاً؛ كل ذلك أفضى إلى هذا التوتر التاريخي في العلاقة بين المثقف العربي وسلطاته الحاكمة. هذه الأنظمة بطبيعتها والتي تجيز للرئيس أو للرجل الأول، أياً كان، الاستمرار بالحكم رغم عجز حكوماته وبالتالي عجزه هو عن حل المعضلات المعيشيّة في الداخل والاختلالات الهائلة بين الشرائح الاجتماعيّة من جهة، وإفقاد بلده لوزنه الدولي لإضاعته دوره مهما بلغ حجمه من جهة ثانية، وفشله في ردّ الاعتداءات المباشرة أو استرداد الحقوق الوطنيّة من جهة ثالثة .. ومع ذلك؛ نراه يترسخ مع الزمن ليتحوّل إلى »زعيم« و»محط الآمال«! يتحوّل من حاكمٍ مطلق إلى حكيمٍ بصير وضرورة تاريخيّة! يتحوّل شخصياً ليكون هو المؤسسة، والدولة، والمرجع الأول والأخير، والتجسيد الملموس لروح الأُمة، والموّجه للسياسات الداخلية والخارجية ملغياً بذلك كافة المؤسسات الدستورية، وناسفاً حتّى الديكورات الكاذبة لديمقراطيّة شوهاء، وبالتالي يحق له تمثيل مقولة: »أنا الوطن، والوطن أنا«! من بعد؛ هل لنا أن نتصور نظاماً كهذا يتقبّل المثقف، أو تسمح تركيبته بدورٍ عضوي للمثقف يلعبه باتجاه إحداث تغييرات حقيقية، تنويرية وتثويرية وتثقيفية وتعليمية تقلب المعادلة السائدة طوال ما يقرب قرن من الزمان؟! ثمة خطوة ناقصة يحلم بها المثقف، حتّى البراغماتي الاتجاه، تعجز عنها السلطات المبنيّة على الفرد الواحد. خطوة التسليم بأنَّ الحاكم ليس ظِل الله على الأرض، وأنه مجرد لحظة خاطفة في التاريخ. هذه من ثوابت التاريخ العربي. إضافةً إلى أن النقد، وعدم الرضا، والتعفف عن تبييض ذِمة الحاكم، تعتبر من لوازم المثقف ومن صفاته الجوهريّة. باختصار: إنَّ مكان المثقف الدائم يقع خارج مؤسسات السلطة. على هامشها. وكلّما عسفت السلطة نأى المثقف عنها وتعاظمت حالةُ التوتر بينهما. السلطة، وفق النظام العربي، هي المُطْلَق، بينما المثقف هو النسبي. الأولى خارج التاريخ لأنها مضادة للعلم والمنطق. والثاني ضحيّة تاريخه رغم محاولاته لأن يدخل تاريخ الانسانيّة. أسماء وأسماء - نلاحظ في العقد الأخير وصول النتاج الأدبي الأردني إلى العواصم العربيّة، ولكن رغم ذلك نرى أن الأمر محدود بعدد قليل من الأسماء وكذلك الأمر في دول عربيّة أخرى بحيث تطغى أسماء معينة على كامل الحضور الثقافي لبلدٍ ما. إلامَ تعزو هذه الظاهرة، وهل فعلاً أن هذه الأسماء هي الأفضل في كل بلد عربي، أم أن علاقات الصداقة والشلليّة والعلاقة الجيدة مع السلطة هي التي تجعل من هذه الأسماء واجهة لبلدانها؟ ﴿ أبدأ بالقول أنَّ هذه ظاهرة حاضرة وشاملة جميع البلدان العربيّة، للأسف، وإنْ بِنِسَب مختلفة، آخذين بالاعتبار التمييز الدقيق بين الغثّ والسمين في مجموعة »الواصلين« تلك، على صعيد النتاج الأردني أو سواه. وبقدر ما يدعو انتشارها للاستفزاز والغيظ فإنها، في الوقت نفسه، تجلب معها أسئلةً كأسئلتك. لماذا؟ والسبب، بحسب اجتهادي، ليس واحداً بل هو متعدد يتصف بالتركيب وأحياناً، عند التدقيق باسمٍ ما، بالتعقيد بحيث يصعب الحصول على إجابة مقنعة تشفي الغليل. يمكن لي أن أعدد الآن مجموعة أسباب ليست من اكتشافاتي بالتأكيد؛ إذ يعرفها الجميع مثل الشللية، واحتكار المنابر الإعلاميّة، وأمزجة المسؤولين الثقافيين ومستواهم المعرفي وشبكة علاقاتهم، وتبادل المنافع هنا وهناك، واجترار الأسماء عينها في كل المؤتمرات والندوات، واحتراف صناعة العلاقات العامة بما تجلب معها الأضواء والمانشيتات لزوم »الشهرة«!، ثم تأتي درجة العلاقة مع السلطة في آخر سلم الأسباب. فأنا لم أعرف أديباً واحداً على علاقة جيدة بالسلطة ظل محتفظاً ببريقه الإعلامي، وبسبب من هذه العلاقة وليس نتيجة إبداعه العميق، في أي من الحالتين التاليتين: موته الفيزيقي هو نفسه، أو انهيار السلطة التي عملت على رفعه والترويج له. ربما أكون صادماً في رأيي حين أقول بأنَّ هشاشةً ما تتسم به الحالة الثقافيّة في بلداننا العربيّة سببت هذه الظاهرة، ولسوف تستمر في تغذيتها ما دامت الهشاشة والخِفّة والاستسهال من طبيعة الحالة الثقافيّة، وبالتالي من طبيعة المتحركين ضمن دوائرها. وما دامت روافع الأديب جُلِبَت من خارج نصوصه الأدبيّة بما تحمل أو لا تحمل من قيمة فنيّة وفكريّة! ثمة أبعاد أخلاقيّة ذات صِلة بالقِيَم والمبادئ تمَ التخلّي عنها وهَجْرها لصالح الشهرة السريعة والسهلة المأخوذة من مانحٍ لها (شلة، منبر، علاقات، إلخ) ارتضى لنفسه أن يقبض وأن يقايض. فإنْ كُنا تطرقنا للفساد في موضعٍ سابق من الحوار، فإنَّ فساداً مفضوحاً يمكن معاينته بسهولة، أو استنتاجه، عند قراءتنا لهذه الظاهرة. ثمة ما يمكن النظر إليها وتسميتها بحالات »الرشوة«! وكذلك، ثمة ضحالة ثقافيّة سمحت بانتشارها.

ايوب صابر 05-13-2015 12:03 PM

الياس فركوح
المصدر : موقع القاص والناقد ايــاد ع. نصــار


- ترتبط سنوات السيرة الذاتية لالياس فركوح بمحطات عربية هامة. هل للصدفة أهمية هنا؟ لعلها كذلك. ولكن بلا شك شكلت هذه المحطات معالم رئيسة في تطور وعي الياس فركوح وأدواته السردية وعالمه الروائي الخاص به نحو انجاز مشروعه الذي يطمح الى تحقيقه وخاصة بعد الاستقبال الكبير الذي لقيته روايته الاخيرة أرض اليمبوس من قبل الساحة الثقافية والنقدية العربية والذي تمثل في ترشيح الرواية ضمن القائمة القصيرة للترشيحات النهائية لجائزة البوكر العربية لعام 2008، مما يذكرنا كذلك بالاستقبال الذي لقيته مجموعته القصصية الثالثة "واحد وعشرون طلقة للنبي" التي صدرت عام 1982 ونالت جائزة رابطة الكتاب لافضل مجموعة قصصية تلك السنة.

- ولد الياس جورج باسيل فركوح ابن العائلة ميسورة الحال في عمان في العام ذاته الذي شهد النكبة الفلسطينية 1948، وقد درس المرحلة الابتدائية في مدارس الفرير دي لاسال في عمان. كما درس المرحلة الثانوية في القدس حيث كان طالباً في القسم الداخلي في المدرسة ، وقد امضى اربع سنوات من حياته المدرسية في القدس ، انتقل بعدها الى عمان.

- شكل ضياع القدس وهزيمة عام 1967 حدثاً مأساوياً ليس على الصعيد العام بالنسبة له كأديب وروائي بلا شك وحسب ولكن على الصعيد الشخصي الذاتي لانه ضاعت بذلك ذكريات مرحلة مهمة من تاريخ حياته الاولى.

- كانت هناك ثلاث محطات رئيسة في حياته لعبت دورا مبكراً في تنمية موهبته الابداعية واتجاهه نحو كتابة القصة والرواية. شكل اطلاعه الواسع المبكر على أعمال نجيب محفوظ في الرواية وأعمال يوسف ادريس في القصة القصيرة بالاضافة الى القصص القصيرة المترجمة بداية الطريق نحو الابداع، ثم هزيمة عام 1967 وما تلاها من اضطرابات سياسية وعسكرية وفكرية وأدبية خلخلت بنية المجتمع العربي والاطلاع في تلك الفترة على الفكر السياسي والثوري اليساري وتجارب المقاومة الشعبية في كوبا وفيتنام. كما أثرت فيه ترجمات الشاعر العراقي سعدي يوسف لشعر الشاعر اليوناني الوطني المعروف بنضاله من أجل الحرية يانوس ريتسوس.

- كانت اول قصة نشرت له في الصحافة الاردنية المحلية في اليوم الاخير من سنة 1976 وشكلت ذكرى جميلة لا تنسى بالنسبة له.

- في المجال الاكاديمي حصل الياس فركوح على ليسانس فلسفة وعلم نفس من جامعة بيروت العربية. أما على الصعيد العملي فقد عمل في الصحافة الثقافية خلال السنوات 1977 - 1979، وشارك في تحرير مجلة المهد الثقافية، كما شارك الشاعر طاهر رياض العمل في إدارة دار منارات للنشر خلا السنوات 1980 -1991، ثم أسس دار أزمنة للنشر والتوزيع عام 1992 حيث يعمل مديراً لها لغاية الان. وهو من مؤسسي اتحاد الناشرين الأردنيين، وعضو فيه. وهو عضو في اتحاد الكتاب والادباء العرب.


- كما شغل عضوا في الهيئة الادارية لرابطة الكتاب الاردنيين لعدة دورات.

- حازت روايته "قامات الزبد" على جائزة الدولة التشجيعية للعام 1990، كما حاز على جائزة الدولة التقديرية في حقل القصة القصيرة عام 1997. نال الياس فركوح جائزة محمود سيف الدين الإيراني للقصة القصيرة من رابطة الكتاب الأردنيين، كما نال جائزة أفضل مجموعة قصصية للعام 1982 من رابطة الكتاب أيضاً عن مجموعته القصصية "أحدى وعشرون طلقة للنبي". وفي عام 2008 نال جائزة تيسير سبول للرواية التي تمنحها رابطة الكتاب الاردنيين عن روايته أرض اليمبوس في حفل أقيم خصيصا لتسلم الجائزة. تعد أرض اليمبوس عملاً روائياً مهماً ينهل في بعض مصادره من جوانب من السيرة الذاتية للمؤلف، مع المحافظة على الجانب الابداعي التخيلي للسرد الروائي.

- نشر في عام 2002 مجموعة نصوص بعنوان "الميراث الاخير" تحت إسم مستعار هو "راكان خالد" . حاول في هذه النصوص المقاربة بين الشعر والنثر دون الدخول في توصيف النصوص، رغم أن الياس نفسه يراها أقرب الى قصيدة النثر. وقد نشرها بالاسم المستعار حتى يتسنى له معرفة وجهة نظر الساحة الادبية في محاولته الشعرية الاولى وتلمس ذوق ووجهة نظر القاريء في عمله، ولكنه نسبها لنفسه لاحقاً.

- علاوة على مجموعاته في القصة القصيرة والروايات، فقد قام بترجمة عدد من القصص القصيرة وقصص الاطفال والروايات. كما نشر عدداً من الدراسات والشهادات الادبية والمقالات.

ايوب صابر 05-19-2015 11:37 AM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 97- عصافير الفجر ليلي عسيران لبنان

- عاشت الأديبة ليلى عسيران محنة الحرب بضميرها وإحساسها، فحلقت بخيالها وواقعها في ضمائر البشر المرهفين بنزيف الأرض وغضبها، وجالت في خواطرهم وعاشت معاناتهم، وإيمائهم بالعاصفة والثورة التي ستنفجر الحياة بعد الموت. فلقد استشهد خالد فولد أحمد، وقاتل سليمان ليُحرر والده الأخرس، نسفت البيوت فراحت النساء تزغرد، وبين قلب مريم وسهير ولد حب جديد طاهر مهّد تراب أرضه لتخطو عليه أقدام المقاتلين برقة. وظل مازن عينين نقيتين، وفؤاداً طاهراً، يحمل حزناً عجيباً لأنه استطاع أن يطلق من عبراته بسالة الشجاعة وأعجوبة الفرح، وفي رهبة الليل تصاعدت أنفاس "الختيار" تتخطى لهاث خطوات الخطر المهيمنة على "العاصفة" في كل التفاتة. ولكن الشمس كانت تشرق في سواد الليل فجراً، في نسمات اليقين والاطمئنان، العاصفة، الثورة،


-أحداث ناشدتها المؤلفة وهي أهم من الحرب تفردها عصافير الفجر قائلة: الثورة حتى النصر.

ايوب صابر 05-19-2015 05:16 PM

تابع .....

- ليلى عسيران صحافية، وروائية صدرت لها ثلاث روايات عن الفداء

- كانت اول امرأة تقيم بين الفدائيين في قواعدهم العسكرية. ونتيجة لهذه التجربة صدرت لها روايتان: "عصافير الفجر" و"خط الافعى"...

- عاشت في منطقة جسر الباشا المحاصر اثناء الحرب الاهلية (1975 – 76) وكتبت عن هذه التجربة رواية "قلعة الاسطى"...

- ترددت على قرى الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني المحتل حيث صورت الصمود والنضال في وجه الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية المتكررة في روايتها "جسر البحر"...

- منحت عام 1997 وسام الاستحقاق اللبناني من رتبة فارس تقديرا لاعمالها الروائية...

- من اقوالها في حديث لها مع مجلة "الاداب": "كان في حياتي صراع دائم بين الطوق الادبي وارتباطي بالحدث القومي، وان قصتي "المدينة الفارغة" تعبر عن احباط...
-
تصوروا انني وصفت بيروت المتألقة بالمرأة الجميلة التي لا عقل لها ولا ذكاء، وبعملي هذا اقترفت جريمة بحق بيروت...

-كانت كتبي ممنوعة من دخول الاردن، ومنحت تأشيرة باذن خاص لاكتب عن الحرب... كتبت عن شهداء فلسطين الاحياء...

- من الصعب أن تنسى امرأة وجوه جرحى النابالم...

- ساعات طويلة امضيتها تحت الشمس أشاهد نزيف النزوح، وهذه المشاهد محفورة في نفسي.

- وبعد أن قرأت بعض ما قالته أديبتنا، وبعد ان تشبعت بقراءة بعض رواياتها التي تفوح منها روائح القومية، والاسلوب الفلسفي والشفافية النسائية والانسانية، الى جانب مواقفها السياسية الرائعة، سعيت الى لقائها في منزلها العريق في بيروت، حيث كان لي معها هذا الحديث المتواضع، قياسا بآفاقها الادبية والفلسفية.

- وإن كنت التقي معها عند الشريط الحدودي في الجنوب اللبناني المحتل حيث الاعتداءات الاسرائيلية الوحشية المتكررة، وحيث الصمود والنضال كما صورتهما في روايتها "جسر البحر" ولكنني سأبقى بانتظار ان يرفرف علم لبنان فوق هذا الجزء العزيز المحتل، وان يسجل التاريخ العربي ما كتبته الاديبة ليلى عسيران الحافظ عن ذلك الصمود الاسطورة.

- تقول لقد دخلت عالم الصحافة من باب تجربة الحياة، وتخصّصت في التحقيق
السياسي والفلسفة في الجامعة الاميركية في بيروت، ثم كتبت عددا لابأس به من القصص القصيرة كتجارب ادبية اولية. لقد استفدت كثيرا من اجواء السياسة، التي انغمر في غمارها امين الحافظ، وذلك قطعا اخذ يضيف الى تجربتي مع الناس في كل مستوياتهم، وكذلك اخذ وقتا من تفرّغي الكامل لبيتي ومطالعاتي وتجاربي في ممارسة الادب والنشاطات

- وتقول انا أؤمن أن تحرير المرأة يبدأ من العقل والفكر والوجدان، وينتهي بالاكتفاء المادي لها. الا أن المجتمع اللبناني لم يزل لا يعطي المرأة كل حقوقها، مثله مثل العالم أجمع، إذ أني أقرأ عن العنف المستعمل ضد المرأة في اميركا وفي اوروبا. لكن في كل الاحوال لا أؤمن ولا أقرّ الا أن تكون المرأة انسانة لها كرامتها وليست منصاعة ومقهورة ومنساقة الى ظروف الحياة القاسية، سواء أكانت تلك الظروف مادية، أو نفسية.

من مقابلة اجرتها : نجاة فخري مرسي

تركت ليلى عسيران العديد من الرويات التي حكت فيها قصص قريبة للواقع من يوميات المعراك في المخيمات الفلسطينية على ضفاف نهر الأردن، إلى يوميات حرب 1967م، وصولا إلى الكتابة عن بيروت ومعاناتها وغيرها من الخيبات العربية، حتى قيل أنّ ليلى عسيران هي مؤرخة الخيبات العربية.

ايوب صابر 05-20-2015 12:46 PM

تابع...

- عندما كتبت ليلى عسيران: «مسح الغروب ألوان الدنيا من أعيننا، وانقض سواد باهر ساطع، وزف إلينا حلول الليل بهيبته وعظمته»، لم تكن تقصد لحظة غارت عيناها أمس، وانخطف الضوء من حياتها إلى الأبد، إنما كانت تصف إحدى الليالي التي قضتها في مخيم للمقاومة الفلسطينية، على ضفاف نهر الأردن، في كتابها «خط الأفعى» الذي كتبته عام ,1972 وأضافته إلى مؤلفاتها التي بلغت سقف الدزينة من الكتب.

- ليلى عسيران التي كان لها شرف المساهمة بالقلم والفعل في يوميات المقاومة الفلسطينية منذ نشأتها، وقد عبرت عن ذلك في روايتها الأخرى «عصافير الفجر»، كانت الصوت المدافع عن ثورة عبد الناصر، وكل ثورة عربية ووطنية في عالمنا العربي، وصولاً إلى المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية في جنوب لبنان، خصوصاً أنها ابنة هذا الجنوب، أحبت وجسدت معاناته في كتابها «جسر الحجر»، ولم يسعفها العمر كي تحقق رغبة بقيت دفينة فيها، وهي كتابة رواية عن «معتقل الخيام» ومعاناة الجنوبيين في سجون العدو الاسرائيلي.

- إبنة الجنوب المتعاطفة مع قضية العرب الأولى، فلسطين، عاشت عمرها مع ابن قاضي القضاة في فلسطين، أعني ابن طرابلس، الرئيس أمين الحافظ، الذي ضيّق السياسيون الخناق عليه عندما وصل إلى الحكومة، و«أبعدوه» عنها بسبب مواقفه الوطنية والقومية، وقد استمر، هو المثقف، مع زوجته التي شربت الثقافة مع حليب الطفولة، في فتح بيتهما لاستقبال سياسيين ومنفيين ومثقفين من كل الألوان، متخطين حواجز المناطق والطوائف وكل الحساسيات البغيضة.

- تلك المرأة، التي حولت بيتها إلى خلية ثقافة ونضال، لم تهدأ، فقد عملت، منذ البداية، من أجل تحرير المرأة، تبع رؤية خاصة اقتنعت بها، وهي أن تمارس المرأة نضالاً مشتركاً مع الرجل، من أجل القضايا الوطنية العامة. وهذا ما تجلى في أولى رواياتها «لن نموت غداً». ورفضت أن تستسلم لليأس، ووقفت ضد تعميم تعبير «النكسة» على هزيمة عام ,1967 ذلك أن الفعل الفلسطيني، برأيها، من خلال المقاومة، قلب اليأس تفاؤلاً.

- هذا ما أكدته في كتابها «شرائط ملونة» الصادر عام ,1994 والذي ضمنته العديد من محطات سيرتها، وجاء كأنه رواية الروايات، أو سيرة السير، أتبعته بسيرة معاناتها مع المرض، في «غيبوبة»، آخر ما خط قلمها، قبل أن ينكسر.

- وإذا كانت ليلى عسيران تنتقي فسيفساء السيرة وتشكلها بالألوان التي تريد، تسمي الأشياء بأسمائها مرة وتحاذر أسماء أخرى، أو تغض النظر عن تفصيل محرج هنا وتفصيل مسيء هناك، فلم تكن الكاتبة الراحلة بعيدة عن الجرأة في المواقف والكتابة، لا في وصف المظالم ولا في نقد السلبيات، ولا حتى في الكلام على الحب والجنس.

- هي جدية حتى اندماجها بالثورة قولاً وفعلاً، وتصدر عن هوى وجنون ومزاج جاهز للانقلاب. رومنسية حتى لتشعر أحياناً أن روايتها أغنية حنين، أو نشيد شعب، أو رسالة حب.

- لم تكن الأرض تتسع لليلى عسيران، فعاصمتها بيروت، التي خافت عليها في روايتها «المدينة الفارغة» (1966) وتوقعت أن تملأ حرب ما هذا الفراغ فيها، لم تكن تملأ عينيها، لذلك كان جمال روما يبهرها أكثر.

- كان الطموح يقتلها، إلى درجة كانت تشعر فيها أن التعبير بالكلمة، عما يجول في النفس، وفي وصف شخصيات الرواية، لم يفها بالغرض، فكانت تشعر أحياناً بأنها تقصّر عما تقدر الصورة الفوتوغرافية أو اللوحة على تصويره أو التعبير عنه.

- كانت ليلى عسيران تشعر بأن الحياة يجب أن تتسع لإبداع أكثر، وحب أوسع، وجمال لا ينتهي... لكن الضوء انطفأ في الغرفة، وفارقتها طيور المخيلة، وبقيت رواياتها تكرر سيرتها الفاتنة.

من مقال بقلم : احمد بزون

ايوب صابر 05-20-2015 01:48 PM

تابع...

- للحديث عن الروائية ليلى عسيران نكهة خاصة، فهي الملتزمة بقضية الانسان، المشاركة في معاناته، وصاحبة الرؤية الخاصة تجاه قضية المرأة في زمن اختلطت فيه الامور وضاعت البوصلة، معها يتحول الحوار الى مشاركة، في صناعة الفكرة التي تسبق أي عمل أدبي.

- تقول "انطلقت في كتابة اول رواية لي من قناعتي بأن المرأة لا تتحرك في فراغ، فالمرأة تتحرر من خلالها اندماجها بالمجتمع وإثبات قدرتها على العطاء في مجالات معينة، وأنا لا اعتقد ان المرأة مثل الرجل، فهما كيانان يختلف كل منهما عن الآخر، أما ما يحكى عن التحرر الجنسي فهو كلام بدائي يفتقر الى النضج، والتحرر بالنسبة لي هو تحرر اقتصادي وفكري.

ـ وتقول عن الروايات التي تناولت فيها القضية الفلسطينية " هناك طبقة من الناس في لبنان تقول بأن هؤلاء النازحين هربوا من بلادهم، فأردت ان أذهب بنفسي لمعايشتهم، وبالفعل ذهبت الى "جسر اللبني" الشهير على نهر الاردن وعايشت النازحين، عندها فهمت لب المشكلة، ان الانسان لا يرتضي على نفسه الخروج من وطنه، الا اذا كان يتعرض الى اهانة لا تحتمل، وفي جولاتي في المخيمات التي أقيمت لاستيعاب هذا الدفق من النازحين، لمست مدى غضبهم على العرب، في البداية ظنوا اني أجنبية، ولكن بعد حديثي معهم ومجالستي لهم على الارض، رحبوا بي، وقد رأيت عيون الاطفال لونها رمادي من غبار الصحراء، أفلا يهزني ذلك.

- وقد كتبت رواية "عصافير الفجر" بسرعة، ثم عايشت المقاتلين في غور الاردن وكتبت رواية "خط الافعى"، وقد كانت هاتان التجربتان من أمتع ما قمت به في حياتي، فقد عشت التجربتين، ونمت معهم على الارض، وسمعت صوت الارض، وفي تلك الظروف لم يكن صوت الارض الا أنينا.

ـ وفي رد على سؤال عن رواية "المدينة الفارغة" حيث جاء السؤال : نجد ان الأحداث والوقائع تنبئ بحدث كبير، فهل توقعت فيها الحرب الاهلية في لبنان قبل وقوعها، ام ان ذلك جاء مصادفة؟ تقول " قبل كتابة هذه الرواية شعرت بشكل جدي بواقع جديد يحيط بنا، اشد وقعاً في نفسي، ومصدر هذا الشعور التفاوت الكبير في مستويات المعيشة في حياة المقيمين في بيروت، المدينة الصاخبة، التي تعيش حياة بذخ، وانعدام أي من مقومات الحياة الكريمة لأولئك القاطنين حول المدينة فيما عرف بأحزمة البؤس؟، وقد اعتبرت هذا الامر مؤشراً لوضع غير طبيعي قد لا يستمر طويلاً، فطريق الحرية الفوضوية التي لا هدف لها، ولا جذور وغير المنسجمة مع الواقع، لا بد ان تقود بنتائج وخيمة، وهذا ما أشعرني بأن بيروت ليست سوى مدينة فارغة، وعندما جاءت الحرب التي عانيت مرارتها في "حي القلعة" بمنطقة "سن الفيل" كتبت رواية "قلعة الاسطى" التي نقلت فيها معاناتي ضمن معاناة الناس في هذه المنطقة، قبل تهجيري منها مع ما حملته من معاناة كبيرة.

ـ وفي رد على سؤال "الملاحظ انه في كل رواية من رواياتك يمكن بسهولة ان نتلمس معاناة ليلى عسيران الذاتية، فهل كانت هذه المعاناة جزءاً اساسياً من الروايات، أم ان تداخلاً عفوياً يولد ذلك؟ تقول "عند الكتابة أنسى نفسي، فأنا عندما أتفاعل مع تجربة بشر معينين، التصق بهم وبمعاناتهم، وفي بعض المرات كنت ابكي لمعاناتهم وهم لا يبكون، فأجد انهم اصلب مني، وهم نموذجي، وهم من علموني، لأن الانسان البسيط المرتبط بالارض والمتمسك بالكرامة الانسانية، لا يمكن ان يقهره مخلوق، فالقهر الداخلي عنده ينفجر بغير الواقع، وأنا بشكل طبيعي لا أستطيع الفصل بين معاناتي ومعاناة الآخرين، وان كنت قد صورت تجربتي الشخصية مع المرض بكل تفاصيلها في رواية "رواية بلا كلمات في الغيبوبة" فهذا لم يكن الا نقل أمين للأحداث بكل تفاصيلها التي عايشتها اثناء الغيبوبة التي مررت بها.

ـ وفي رد عن سؤال " ولكن ورغم الواقعية البارزة في أعمالك الروائية، يحتل الخيال حيزاً مهماً، فما هو دور الخيال في الرواية الواقعية؟ تقول " معظم القراء لا سيما في منطقتنا يظنون ان الروائي عندما ينتقل الى موقع الحدث، يأخذ الصورة، وأنا أؤمن بأن التفاعل مع الحدث ومع بشر الحدث يتطلب اعادة نظر الى الحدث بعين ترى عدة أشخاص، معبر عنهم بشخصية واحدة، والتقاط المزايا في تلك المرحلة وغض النظر عن الاخطاء واجب وطني في حالات الكتابة عن قضية وطنية كبرى، ولكن لصعوبة الكتابة او الرسم بالكتابة لإظهار كل الشخصيات التي تلتقي بها، ولإيصال الفكرة المطلوبة عن مجموع البشر، لا بد من اللجوء الى الخيال، الذي يساعد على ايصال الفكرة ويسلط الضوء عليها من خلال بعض الشخصيات وعلاقتها بالاحداث المحيطة، وبخلاف ذلك تكون الرواية بحثا كلاسيكيا.

من حوار اجراه معها : بلال أحمد



ايوب صابر 08-24-2015 10:32 AM

تابع...العناصر التي صنعت الروعة في رواية 97- عصافير الفجر ليلي عسيران لبنان



- ليلى عسيران الأرستقراطية التي صارت فدائيّة في الأدب والحياة

- تقول ليلي عسيران عن مسيرتها: «بقدر ما كان دخولي إلى الحزب محطةً مهمةً كإحدى أهم ذروات مسيرتي في الحياة، بقدر ما كان قراري بترك الحزب تافهاً وعادياً».

- إحباطها القومي الأول كان مأساة فلسطين التي عاشت قضيتها بكلّ وجدانها، حتى إنها التحقت بالفدائيين في أغوار الأردن ولُقّبت يومها بـ«الأخ ليلى»...

- تركت روايتين عن «مقاومي» تلك المرحلة: «عصافير الفجر» التي كتبتها بعد «هزيمة» الـ67 ــــ إذ كانت من القلائل الذين اعتبروا «النكسة» هزيمة! ــــ ثم «خط الأفعى» (1972). وقد سردت فيهما يوميات المقاومة الفلسطينية في الأردن. وكتبت باسم «خضرة» في مجلة «الأرض المحتلة».

-تابعت كتابتها عن المقاومة في «جسر الحجر» (1986) الذي أرّخت فيه قصة الجنوبيين من خلال شخصية أم قاسم المرأة التي أحبتها ليلى عسيران، إلى حد أنّها سألت زوجها عنها بعد جولة قتالية «ماذا حلّ بأم قاسم؟»، فأجابها بأن أم قاسم شخصية روائية غير موجودة في الحياة.

- تركت الحرب الأهلية اللبنانية أثراً كبيراً في عسيران، ولا سيما بعد وفاة الطباخ السوداني الذي كان يعمل لديها إثر تعرّض منزلها في جسر الباشا للقصف.... فكتبت في «قلعة الأسطة» قصة حبها له ولبيتها الذي «كنت أظن أن مجرد وجودي فيه كاف لحمايته... كان بيتي مثل أبي الذي توفاه القدر».

- وكتبت في تلك الفترة رواية «الاستراحة» التي تساءلت فيها إن كانت ذكريات الحرب تضمحل بمجرد ركوب الطائرة؟ وهذا ما لم تنجح فيه. إذ تقول البطلة مريم التي سافرت من لبنان إلى روما: «لقد حاولت أن أنزع من نفسي جذور مدينتي التي عشقتها، لكن أجواءها تحولت إلى خيوط من العنكبوت راحت تشد على أنفاسي».

- لذلك كانت روايتها الأولى بعد انتهاء الحرب الأهلية عن بيروت التي شبّهتها بـ«طائر من القمر» وروت فيها قصة حبّها لهذه «المدينة العجائبية» ولإنسانها «الفريد» الذي يعيش فيها ويصرّ على الاستمرار والحياة.

- ليلى عسيران هي زوجة الرئيس السابق أمين الحافظ. الرجل الذي أحبته كثيراً وانتقدت نفسها علناً أكثر من مرة لأنّها ربما لم تحقق له الحياة الزوجية المفترضة بسبب حساسيتها المفرطة وانشغالها بالقضايا القومية.

- تعرّضت عام 1996 لأزمة قلبية حادة أدخلتها في غيبوبة طويلة، كتبت بعدها معاناتها مع المرض وتجربة مواجهة الموت في «حوار بلا كلمات في الغيبوبة» (1998).

- حتى اللحظة الأخيرة من حياتها بقيت ليلى عسيران وفيّة للصورة التي رسمتها ذات يوم عن نفسها: الإنسانة التي «اتخذت موقفاً من الحياة ولم أمرّ بها مروراً سطحياً، ولم أقبلها على عواهنها، بل حاولت التدخل فيها».

من مقال بقلم : هيا زراقط

ايوب صابر 08-25-2015 12:16 PM

تابع...العناصر التي صنعت الروعة في رواية 97- عصافير الفجر ليلي عسيران لبنان

- عسيران المولودة عام 1934 كانت زوجة رئيس مجلس الوزراء اللبناني الاسبق الدكتور أمين الحافظ ووالدة رمزي الحافظ المهندس وناشر مجلة Lebanon Opportunities. ل

- طالما عرفت كيف تجمع بين نشأتها في كنف عائلة عريقة لها بصماتها في التاريخ اللبناني وارتباطها بأحد أهم رجالات لبنان الذي سجل مواقفه وترك بصماته على الحياة السياسية بأسلوب غير مألوف في مستويات الصراع اللبناني وبين قناعاتها والتزامها بقضايا تتجاوز وطنها الى هموم العالم العربي.

- تركت ارثا ثقافيا وأدبيا كبيرا في الصحافة والرواية والقصة القصيرة والمقالات.

- بدأت عسيران مسيرتها الروائية مع «لن نموت غدا» بعد حرب يونيو (حزيران) 1967.

- ومع هذه البداية حاولت ان تؤسس عمارتها الروائية بمعزل عن مقولة الادب النسائي. لم تكن تؤمن بهذه التسمية.

- سعت الى تجاوزها باتجاه الادب الانساني الطالع من بيئته والملتزم بها، وذلك خلال فترة محتدمة من تاريخنا العربي.

- وهي لم تكتف يوما بالكتابة الصورية بمعناها الوصفي السطحي. عاشت مواضيعها وشخصياتها.

- ففي رواية «خط الافعى» راحت الى غور الاردن واجتازت النهر وحاربت مع الفدائيين الفلسطينيين. كان لقبها آنذاك «الاخ ليلى».

- وفي رواية «قلعة الاسطه» عاشت فترة حصار منزلها في أحد ضواحي بيروت يوما بيوم ونقلت معاناة اهل البيت من دون توقف عند الفوارق الاجتماعية التي لطالما أزالتها لتغلب عليها جوهر التعامل الانساني. فـ«الاسطه» صاحب القلعة الصامدة في وجه الحصار والحرب هو الطباخ المصري للعائلة، أي فرد من أفرادها.

-اما في رواية «جسر الحجر» التي تحكي معاناة الجنوب اللبناني ابان الاحتلال الاسرائيلي فالبطلة «أم قاسم» الطالعة من نسج الخيال اكتسبت حياة وحركة في ذهن الكاتبة، حتى انها سألت زوجها ذات جولة قتالية: ترى ما حل بأم قاسم؟ كيف ستنجو من القصف؟ ليذكرها بأن أم قاسم لا وجود لها الا في الرواية.

- وفي كتب ليلى كل تاريخ العرب وخيباتهم وبتسلسل ادبي انيق وصافع في حقيقته. الا ان تأريخها لهذه الخيبات لم يحل دون بقائها في دائرة التفاؤل، تماما كما يمكن ان نلمس في سيرتها التي حملت عنوان «شرائط ملونة»، حيث استعرضت محطات من حياتها التي عرفت لوعة الموت باكرا بفقدانها الاب وهي بالكاد في الرابعة من عمرها، مرورا بسنوات المدرسة الداخلية في القاهرة، وبعدها الدراسة الجامعية في الجامعة الاميركية في بيروت، ثم بدايات العمل الاعلامي في الصحافة المصرية، انتقالا الى مسيرتها الروائية والنضالية ومحطات بارزة في حياتها السياسية ان وفق قناعاتها والتزامها بالقضية الفلسطينية او الى جانب زوجها الذي كان في الندوة البرلمانية لعقود من الزمن.

- ولعل عودة بيروت الى السلم الاهلي والانطلاق بإعادة الاعمار شكلا حلقة ساطعة من حلقات التفاؤل فكانت روايتها «طائر من القمر» خير ترجمة للامل بعودة لبنانها الى سابق عهده.

- الا ان احوالها الصحية قوضت متابعتها لتلك المرحلة، وهي التي تحمل العياء في قلبها المتعب منذ شبابها. وتناضل لتهزمه. وقد فعلت فتغلبت على ازمة قلبية خطيرة اخذتها الى الغيبوبة طوال اشهر. وعادت لتكتب عن تجربتها هذه.

- «الغيبوبة» الذي كان آخر رواياتها، لتغرق الكاتبة المرهفة من دون غيبوبة في غياب قسري طوعي.


من مقال بقلم : سناء الجاك

ايوب صابر 08-26-2015 08:44 AM

تابع ...

- ليلى عسيران ..فدائية الكتاب

- ليلى عسيران>>> المرأة التي مرت بالعديد من التجارب الغير العادية في فترة زمنية كانت أكثر ما عليه من أحداث تاريخية شهدتها الأمة العربية والتي انفعلت وتفاعلت معها وكمنت في داخلها شعور وصفته بأنه يفوق عظمة الحب بين الإنسان والآخر.

- "ليلى عسيران" ذات رؤيا بمنظار العروبة والوطنية التي أخذت تحكم به من خلال كتاباتها، الذي يجعلنا لا نستغرب من تحورّها من صحفية من صفحات الأزياء والمرآة إلى التغطيات الميدانية السياسية، فكان لشغفها وولعها دور كبير في تميزها في هذا الموقع محققةً من خلاله أكثر من سبق صحفي، وكان من أهمها تغطيتها لمحاولة انقلاب اللواء"أبو نوار" على ملك الأردن عام 1957 ف، وانفرادها بمقابلة معه بعد فشله في هذه المحاولة وفراره إلى سورية،


- أما حماسها السياسي فكان سبباً في خروجها في العديد من المظاهرات ما بين مؤيدة ومناهضة واشتراكها في العديد من الاتحادات الطلابية، فكان بداية تعمق نشاطها السياسي عند استشهاد أحد زملائها في أول مظاهرة لها لنصرة الرئيس المصري "جمال عبد الناصر" بعد توقيعه لصفقة السلاح مع "تشيكوسلوفاكيا".

- وما كان في حياة هذه الكاتبة يذكرنا مرة أخرى بقصة الغموض، مشبهاً بساحة من الظلماء تتضح شيئاً فشيئاً في ظل وجود بقعة ضوء، فكانت بدايتها من إرساليات الرؤية الغامضة التي توحي بأنها ستصبح عازفة بيانو عالمية أو كاتبة كبيرة، فكانت بداية ظهور هذه الموهبة المكتشفة كأنها تحقق الوعد الإلهي المبشر به، فكانت أول بادِرة من قبل الرسام والصحافي "أحمد بهاء الدين" في الصحافة، وتطورت كما سبق الحديث حتى وصلت إلى منعطف قادها إلى الخوض في غمار الروايات الخيالية


- كان أهمها "حوار بلا كلمات في غيبوبة"، والتحدث عن تجربة الحرب وذعر سنوات الحرب اللبنانية كما في روايتيها "قلعة الأسطى" و "جسر الحجر" الرواية الأخيرة، التي أمعنت فيها النظر والتي أصفها كنموذج من روايات "نتاج الحروب" تحدثت فيها عن قصة جسر العبور للوطن، ودور المواطن المتمثل في شخصية "رضا" الطامح لإزالة الفقر والظلم، السبب الذي جعله يلتحق بأحد أحزاب الحركة الوطنية فاشتعلت الحرب التي شارك فيها في ظل أمله الملتهب في تحقيق آماله فكانت آثار هذه الحرب تجر الخيبة والهزيمة، فعاش في مجتمعه في صورة الرجل "الميت الحي" ثم يبدأ يتصل بأفراد مجتمعه، ويقرر بناء جسر ليخرج من ظلمة اكتئابه وصراعه النفسي وللعبور لوطنه، ويحدث اتصال بينه وبين قرينته مما يبث في نفسه الأمل للعودة وتنظيم مجموعات مقاومة،

- حيث تكلفت أحداث هذه القصة الوصول إلى استنتاج وفكرة تحمل في مضمونها أن الاستقلال يأتي لا ريب فيه متمثلاً ذلك في الجسر الذي من الممكن أن يبنى بالصبر والتضحية والاستشهاد للعبور إلى أسمى غايات القتال، وهي الحرية،

- وفي نهاية هذه اللمحة عن أهم مستأثرات الأدب اللبناني والذي إذا ما حاولت أن أقف في وصفه أجد نفسي في عجز تام وفي وقفة لا تكاد تعبّر عن نفسها، لا أقول أنها وقفة انبهار واستغراب بل وقفة أقل ما توصف به وقفة احترام لكتّاب الحرب الذين جعلت النزعات منهم أكثر العارفين بماهية الحقيقة، فنظرتْ لها ليلى عسيران في روايتها "لن نموت غداً" بأن: "ليس في حياتنا حقيقة واحدة مهما كبرت أو صغرت، نستطيع أن نتأكد من وجودها إلا الموت.. ألسنا شجعاناً إذ نمضي في الحياة كما لو كانت أزلية؟".




ايوب صابر 09-01-2015 03:16 PM

تابع ....ليلي عسيران


- أمّا هدفه من اختيار الأديبتين المصرية عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) واللبنانية ليلى عسيران كنموذجين إلى جانب الكتّاب الأربعة، فينصب في رصد التجربة النسائية العربية في كتابة السيرة، لا سيّما أنّ كتابتهما الذاتية برزت جلياً انطلاقاً من ثيمتي «الحبّ والموت».

- أمّا عن أسباب كتابة السيرة الذاتية فيحصرها الكاتب في خمسة أسباب هي: «التعبير عن أزمة روحية ما»، «البحث عن معرفة الذات»، «لذّة التعرّي»، «طلب الوصول إلى الآخرين»، «تحدّي الزمان ومجابهة الموت ونِشدان الخلود».

-إلاّ أنّ الكاتب لا يتجاهل ندرة السِيَر الذاتية مقابل وفرة السير الغيرية في عالمنا العربي، بل يعمل على تحليل أسبابها والوقوف عندها والإسهاب في شرحها ودراستها، ومن ثمّ يُقدّم رسماً بيانياً يوضح عبر جداوله مسار «السيرة الذاتية» في العالم العربي عبر سِير أشهر أعلامها.

- ثم يُقسّم دراسته إلى ستة أبواب ويُخصّص كل باب منها لدراسة ثنائية «الحب والموت» من منظور السيرة الذاتية في أدب كل كاتب. في أدب طه حسين نجد أنّ الحب كان بمثابة القدرة الهائلة التي تبعث الحياة في الأموات، فهو كان يتحدّى موت أحبّائه بالتفكير فيهم والكتابة عنهم لأنّه يرى أن نسيانهم هو الموت الحقيقي. أمّا الموت في سيرة توفيق الحكيم فيقترن بالقلق ولا يُمكن أن يُجابه موته الفعلي أو «قلقه» ذلك إلاّ بحبّه لفنّه وقدرته على الكتابة والإبداع. وكما أنّ الكاتب ولج رحاب شخصية طه حسين عبر «آفة العمى» وتوفيق الحكيم عبر «القلق والصراع»، فإنّ الكاتب ارتأى البحث في موضوع «البيئة» كمفتاح لدخول عالم عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) ونقطة انطلاق لسبر تجاربها في الحبّ والموت. وهي التي يقول عنها لبّس إنّها كتبت سيرتها الشهيرة «على الجسر» تحت وطأة الحب والموت معاً. فعائشة بدأت تدوين سيرتها بعد موت زوجها وحبيبها وأستاذها أمين الذي كانت تعتبره مدرسة إنسانية فائقة الأهمية في حياتها.

-ويُلمّح الكاتب في دراسته لسيرة ميخائيل نعيمة من منظور «الحبّ والموت» إلى أنّ الأخير كان يرى في الحب النور وفي المرأة النجم الذي أضاء له دروب الفضيلة، واستطاع أن يندرج من الحبّ إلى المحبّة ولم يتمكّن من تجاوز هول الموت والتهوين من شأنه إلاّ من خلال إيمانه بعقيدة التقمّص.

-ويُقدّم الكاتب دراسة معمّقة لفلسفة نعيمة في الموت نتيجة تجاربه المتعدّدة التي يأتي على ذكرها في سيرته المعروفة «سبعون»، بدءاً من موت جدّه وجدّته وعمّته وخاله مروراً بموت صديقه جبران خليل جبران وأخيه الأصغر نسيب وصولاً إلى وفاة والديه ومن ثمّ أخيه هيكل.

-وفي الباب الخامس يدخل لبّس عالم توفيق يوسف عوّاد عبر مفتاح «الجوع» الذي وسم حياته، فكان جوعه إلى النساء والحبّ والحياة والملذّات سمة شخصيته وحياته. وارتكز لبّس على البحث في سيرة عوّاد الذي لم يعرف غير الحبّ وسيلة يجابه بها الموت وكشف الخوف من فقدان الحياة بعدما ظلّ الموت بالنسبة إليه مشكلة وجودية لا حلّ لها.

- ويختتم لبّس بحثه عبر دراسة «الموت في سيرة ليلى عسيران» وهي التي «صُبغت طفولتها ودُنياها باللون الأسود، لون السقوط والفراغ والموت».

- ومن ثمّ يوضح الكاتب عبر الفصل الثاني «الحبّ في سيرة ليلى عسيران» كيف أنّ الحبّ في حياتها جاء نتيجة مباشرة لتجربة الموت المبكرة، بمعنى أنّ معاناة ليلى عسيران في معاركها المتتالية مع «عدوها اللدود» (الموت) دفعتها للبحث عن طريق آخر قد يُبلسم جراحها ويُنسيها مكابدتها ويُلوّن حياتها التي صُبغت بالأسود.

- ويستخلص الكاتب في خلاصته أنّ ليلى عسيران كتبت سيرتها «شرائط ملوّنة من حياتي» نتيجة فقدان أبيها ورحيل ابنها.

- في هذا البحث الأدبي الذي بلغ نحو 466 صفحة، استطاع الكاتب أن يتوصّل إلى حقيقة إنسانية وأدبية في هذا المجال مفادها أنّ ليس من حياة تخلو من حبّ وموت، وبالتالي فليس هناك سيرة تخلو من حبّ وموت. لذا، فإنّ علاقتهما الباطنية عميقة وليس كما يتبيّن لنا في ظاهرهما، هذا فضلاً عن أنّ هناك امتزاجاً - بحسب رأي الكاتب - بين نزوة الحياة ونزوة الموت من خلال ثنائية الساديّة والمازوخيّة. وكما أنّ الحبّ يعيش صراعاً دائماً مع الموت، وهذا ما يُكرّسه نجيب محفوظ في «أصداء السيرة الذاتية» عندما يقول: «أشمل صراع في الوجود هو الصراع بين الحبّ والموت»، فإنّ الحبّ والموت تجمعهما علاقة «تحالف وتكافل» أيضاً لأنّهما الحقيقتان الكبيرتان في هذه الحياة. وهذا ما يؤكدّه محفوظ نفسه في سيرته قائلاً: «جوهران موكلان بالباب الذهبي يقولان للطارق: تقدّم فلا مفرّ، هما الحبّ والموت».

من مقال بقلم : مايا الحاج عن الحياة

ايوب صابر 09-02-2015 01:50 PM

تابع ليلى عسيران

- غابت امس ليلى عسيران في تجريب نهائي للموت واغلقت على صومعتها وعزلتها وآلامها القاسية.

- رحلت المرأة الشفيفة، المرهفة والملتزمة، امرأة المدينة قاطفة الاحلام والاصرار ومراجعة غموض الاشياء ووجع الاعماق.

- مغامرة اخرى في التواري والاختفاء لرائدة نسوية، طليعية حققت منزلة متقدمة في الرؤية اللبنانية في الستينات كما في كتابة القصة، والمقالة، وحفرت عباراتها انيقة في دائرة من اشعاع، وهي تتسلل الى بيروت القديمة، وارتسامات الذاكرة، واسترجاعات الطيور الحالمة، طيور القمر.

- رحلت امرأة الآلام والكبرياء والشفق والآلام، رفيقة لحظات بيروت الاستثنائية، مضت في تجربة الموت الى الاقصى، هي التي جعلت من كتاباتها قضية.

- هي اكثر من كاتبة وروائية وقاصة، هي توأمة المدينة، عاشتا معاً توأمية المرارات العالية، والغيبات المبكرات وعبث الحرب، ومجهول الغياب وانواع الفواجع، والحزن، والخوف. توأمية متشابهة في مساءلة رافضة للموت.

- امرأة المدينة، عاشت في ظل تفتح التجربة الادبية والمسرحية والسياسية في الستينات، وعلى كل ما هو جديد وثوري (القضية الفلسطينية)، ومجهول وكان لها مشروعها المقاوم ثقافياً، وفي الخروج من قيود الواقعية برومانسية وفانتازية.

- مزجت الادب بالتاريخ والماضي بالمستقبل كبيروتيات تتوالد دائماً من ذاتها.

- لها اكثر من عشر روايات، "طائر من القمر" واحدة منها في العودة الى بيروت والالتزام، ولها "حوارات بلا كلمات في الغيبوبة"، في القصة والمقالة، والمقابلات، واللقاءات.

- وهي عرفت دائماً كيف تخترق الفجر، وتخترق اعماق عري الليل والموت، وقد عاشت اكثر من مرة ازمة صحية طويلة، وادركتها شتى العذابات، وتبعثر عمرها الادبي رمادياً، وثابرت على الموت مرات ومرات!.

- رحلت ليلى عسيران ابنة عائلة كبيرة واصيلة، وزوجة كبيرة ونبيلة بصلة متميزة وبصداقة كبيرة ليست من العاديات مع زوجها الرئيس امين الحافظ ولبيروت الأم بالمشاعر والكلمات.

- بغيابها نفتقد طائر القمر، ذلك الشيء الجميل، نفتقد تلك الغمامة الادبية الطويلة ونتحسر على غياب جيل اختصر حيوات مدينة.

من مقال بقلم : يقظان التقي

ايوب صابر 09-03-2015 07:48 AM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 98- جسر بنات يعقوب حسن حميد فلسطين

- خلقها حسن حميد لتنتفخ وتتطور على أجزاء من أمكنة لا مثيل لها على وجه البسيطة، عنق زجاجة فيه نبت وزرع ودفء وماء واختناق،

- حكاية نمت في غفلة من الزمان ومن أهل الزمان، وكاد الجشع المتلبس بالحلم يحيط بأعناق فئات وأقاليم فتمسخهم أو تنسخهم، وعلى الرغم من محاولات تلك الفئة خلق واقع مدروس على حساب تلك الجماعات الوادعة الآمنة الأصيلة، إلا أن مجريات الأحداث الحبلى بكل المفاجأت تناولتها رواية "جسر بنات يعقوب" لمؤلفها حسن حميد،

- فتعامل مع دقائق وتفاصيل من حياة يعقوب وبناته، سايرهم ورافقهم في المواقف الصعبة المدعاة، ولمح للمطبات في أحلام شخوص الرواية وأيامهم، وساهم في تمهيد السبيل الصعب اللولبي لتحقيق خطوات ملموسة، وبكل الصبر والأناة معيداً أو حافظاً أو مفنداً لمطالعات متشعبة متضاربة تارة ومتوافقة أحياناً أخرى،

- اقتبس الكثير من النصوص الدينية من الكتب السماوية كالتوراة والأناجيل والقصص القرآني، وجعل من روايته ميداناً تصول شخوصه فيه وتحور وتتمحور، مستعرضاً كفاءته وثقافته وقدراته وفكره

- "كان حنا ابناً لعجوزين تقدم بهما العمر كثيراً ، وهما يرجوان الله كثيراً أن يمنّ عليهما بمن يقوم على شيخوختهما في قادم الأيام .. . . " صفحة 17 من الرواية الطبعة الأولى ، ثم مزج ما جاء في القرآن عن قصة مشابهة أو متقاربة على لسان زكريا "قال رب إني يكون لي غلام وقد بلغت من الكبر عتيا"

- ثم يسقط قصة التقاط عزيز مصر للطفل موسى على العجوزين وحاجتهما لطفل " لكن العجوزين وفي ذات صباح مبكر استيقظا وهما ممددان في فراشهما على بكاء طفل صغير، هو ابن يوم أو يومين يبكي بصوت عال ومتواصل" صفحة 18

- ثم وربما جعل من روايته ليدحض أو يثبت بعض مقولات وحكايات توارثتها أجيال وأتباع أديان تحاول إعادة دورة الزمن وعجلاته آلاف السنين للوراء، فصاغها بأسلوب معاصر يلامس حاجة الإنسان العربي عامة والفلسطيني خاصة سواء العربي المهزوم من الداخل أو من استطاع أن يبقي نور الثقة في نفسه لمستقبل أجل وأسمى مما يرى آلمرء حوله من أوضاع وضياع، وحسبما يبدو لفكر كاتب الرواية،

- وأتحوط هنا وأدعو الغير لفحص بعض الانبعاجات في ادعاءت لمستها أو مدخلات قد تعني غير ما يظن القارئ العادي، أو أن الكاتب يريد أن يوحي بها، ومنها هل أراد حسن حميد ان يقول لنا أن أماكن استراتيجية في فلسطين كانت محط أنظار أقوام غرباء من غير أهل فلسطين ولا من ديانتهم ولا من جنسهم، وأنهم حاولوا ونجحوا في إقامة تاريخ وتراث لهم، وعلى الأقل قد يستغل بعض المفكرين من مدعي أرض فلسطين أنهم حصلوا على شهادة مجانية من مفكر عربي مرموق بأحقيتهم وإقامتهم وتوطنهم في فلسطين، واستخدموا كل الأساليب الشريرة والعابثة واللاأخلاقية لامتلاك المكان وطرد السكان، او استغلالهم والاستيلاء على موارد رزقهم، خاصة وأن العيون الزرق والشعور الشقراء وردت في مواضع من الرواية، أو لأنهم شعوب مختار من أرباب لا نعرفها، وهم الأولى والأحق بالثروة والجاه والسلطان والقوة وبمساقط المياه وتحديد المسارات كما قد يوى للبعض عبر قراءته للرواية، أو ان كل ذلك إسقاط وصورة مصوغة بعناية وتأن وتحوطات لما جرى ويجري على أرض فلسطين كتبشير مبكر بأن ما جرى وما يزال يجري لهو مرحلة عابرة برغم القوة والجبروت، وأن عنصر الهدم والفناء مترافق مع وجودها وكامن في أحشائها، ويعمل لغير صالح طغمة الفساد، ولحظة توقف زمنهم قادم لا محالة طال الزمن أو قصر.

- هذه الظنون تبرز تحدياً لكل قارئ لرواية حسن حميد ولفكره، قد يتشكك البعض سائلاً وماذا بعد؟ بل وماذا أراد حميد أن يقول لنا، وتلك هي المهمة الصعبة الملقاة على الناقد والمفكر والقارئ العتيد،

- لكنني أستدرك بأن ذلك يعتبر دليلاً على نجاح حميد على إحياء موتى وتوطينهم وانتعاشهم حسبما تهيأ لهم وحسبما أراد كاتب الرواية وخطط، وكلما ظننت وأنت تقرأ الرواية أن حبل السيطرة أفلت من بين يدي حسن حميد، كلما أثبت لك أنه المسير المدبر المحيي والمميت لأمثال هؤلاء الطارئين، وكما يقول نزار قباني (إن من بدأ المأساة ينهيها) فكلمة السر القادرة على تفكيك هذا الصعود والصمود والتحكم والتعالي لدى يعقوب وعطارة لدرجة الثقة بأزمان آتية مزدهرة وباسمة، في الوقت الذي كانت فيه كلمة سر الهدم مهيأة بين أصابع حسن حميد وبين سطور كتبه القديمة وأوراقه وفي رأسه، وعل طريقة (جزاء سنمار)، وحسب لعبة الوعي، يقول البروفسور فرانك كرمود في محاضراته التي جمعها كتاب بعنوان (الإحساس بالنهاية) نشر دار الرشيد-بغداد " أن أثر لعبة الوعي في عملية صنع العقدة، قد تعفينا من ثقل الزمن بتحدي إحساسنا بالواقع، ولكي نتحرر من الزمن حقاً، لعلنا لا بد لنا من أن نفقد الوعي كليا، أو أن لا نبالي، بشكل ما، يقول أحد الفرويديين المحدثين – إن ما أعتبره كنت Kant الخطوط البيانية للواقع فعلاً، إنما هي في الحقيقة الخطوط البيانية للكبت- ويضيف أحد النفسانيين التجريبيين بأن "الإحساس بالزمن لا يوجد إلا حيث يوجد الخضوع للواقع"، والأدب والتاريخ كما نعرفهما، ليسا كذلك، فعليهما يقع الخضوع والكبت،

- أرى الآن أن المرحلة التي بلغناها تقتضي طرح السؤال عن مدى ما ينبغي أن يبلغه هذا الخضوع،- أو بعبارة أخرى إلى أي مدى يجوز للمرء أن يستغل الأطر التخيلية- وهو سؤال أثار النقاش حوله بأشكال متنوعة الفلاسفة الوجوديون والروائيون واللاروائيون، وكل الذين يدينون أساطير كتبة التاريخ، "

- ربما سبق حسن حميد كثيرون في لملمة حكاية تاريخية أو متخيلة بإضافة تذييل أو تعقيب أو توضيح أو حاشية، لكن حسن حميد جمع كل ما استخدم شرقاً وغرباً، قديماً وحديثاً في روايته (جسر بنات يعقوب)،

- رواية شدتنا كثيراً في أوائلها وأواسطها، تجعلك تقرأ بنهم وتواصل كي تصل إلى نتيجة كل التفاعلات وحاجات الشخوص لتتواءم وتتلاقى وتنسجم لتحقيق غاية يعقوب والد البنات الثلاث،

- لكننا نرى أن السارد كان يتدخل أحيانا في تقرير حياة الشخو ص فيعطي أحكاماً مسبقة ، تأتي على هيئة أحكام من حكماء ومجربين، وهذا يحسب على النص الإبداعي ، ويعطي هدية مجانية للقارئ لتقدير ما سيؤول إليه الأمر مضعفاً روح المفاجأة ، ومخالفاً سنن الحداثة " لكن الدنيا عبوس حرون لاتدوم على حال" صفحة 24

- من الرواية، وبالمقابل نحسب لحسن حميد خياله المحلق في تسامي وكأنه بلا حدود مع قدرته على الصبر لدرجة الإعجاز حتى تحين لحظة عرض التفاصيل لتدل على توحده مع المواقف وإخلاصه في عمله " ولم يدر الاثنان، لا بديعة ولا زوجها كيف تواعدا أن يتودعا قرب ذلك الغدير المسيج بنباتات الجرجير وأعواد القصب ، وأشجار الصفصاف الحانية، ومشاتل الطرفا الكثيفة، فتسابقا، خطوة خطوة، وابتسامة تستولد ابتسامة، وأحاديث تتناوب مع أحاديث إلى أن وصلا إلى الغدير، فارتمى أحدهما قرب الآخر بصخب طفولي جميل على مرج من النجيل الأخضر، وماجا معاً فوق الأعشاب الطرية ، فتلامست الأيدي والأقدام وتعانقت الشفاه" صفحة 26.

- وتداهمني هاجس قناعة وأنا أقرأ الرواية أو حتى بعد الانتهاء من قراءتها، بأن حسن حميد قصد أن يوقف حركة العالم ونشاطه ليستمعوا لحكاية (جسر بنات يعقوب) وليقرأوها،

- ولعب على وتر الوعي والتراث والعمق التاريخي حسبما أراد،

- فالجهد الكبير والعمل الشاق والساعات الطوال التي أمضاها حميد في تجميع هذه الحكاية ولملمتها من أوراقها المهترئة لهو عمل إبداعي فريد ، ولا شك أنها أرهقته وأقضت مضجعه، وظل مرافقاً للسارد يرافقه أو يتوحد معه على مدى السنوات الطوال يحمل أوراقه ، يسطر ما سمع وما جرى ، ويسود الصفحات الطوال أو يقلب ما وقع منها بين يديه، ولشدة حرصه على تأكيد مواضيع معينة يعتبرها دماء تجري باستمرار في جسد الرواية فإنه يعيد ذكر أسماء بعضها ويكررها دون أن يكون بإمكاننا الجزم إن كان ذلك عمداً أو سهواً.
مكانة المكان في الرواية

- ودقائق وصف المكان هي إحدي أهم مميزات حسن حميد في هذه الرواية عل الأقل، فهو ينطق الشجر والحجر والشوك والهواء والملابس، "كان حفيف سراويلهم مسموعاً، وصوت تلاهث زفيرهم واضحاً، ودهس أقدامهم للأشواك ضاجاً وموحشاً، فقد كانت خطواتهم سريعة وواسعة، وكانت الأشواك والنباتات اليابسة تغطي مساحة من الأرض الشاسعة الممتدة حولهم، الأمر الذي جعل سليمان عطارة يقول ليعقوب: بلادنا جميلة ، ستراها في الأيام القادمة" صفحة 150 ،

- ويجب أن لا يغيب عن بالنا أهمية وقوع جسر بنات يعقوب بالقرب من موقعة حطين، ومن موقع التقاء نهر اليرموك بنهر الأردن، ومن موقع مدينة طبريا التاريخية.

- ولأن الكثير من المواقف في الرواية متخيلة تتطلب دراسات نفسية لأن الوصف والأمنيات بعيدة عن عالم الممكن، وهنا نشير إلى أثر النظرية النفسية (الفرويدية) في دراسة الظروف المحيطة بالكاتب أو السارد وحاجة المكان والزمان إلى إشغال النفس والعقل ببواطن أمور غير ملموسة ولا مثبتة، بل تتطلب تفهم الموقف والأهداف وما وراء السطور وما يين الكلمات من نوازع وعوالم خفية تؤثر على الشخوص والأحداث

- ويجب أن نعترف أن رواية حميد هي مجال خصب للنظريات النقدية في معظمها وخاصة النظرية التاريخية والنفسية والواقعية، وحتى الرومانسية، وحتى البنيوية والتحليلية والتركيبية، وبخبرته الواسعة في الكتابة وسيطرة هاجس الكتابة عليه في حياته الطويلة ملتزماً ومواظباً جعل روايته تتلون وتتزين وتجمع معظم مفاهيم المدارس النقدية الحديثة وتمثيلاتها،

- فدراية حسن حميد وخبرته الطويلة في كتابة القصة والرواية والنقد ومعظم المواضيع الأدبية والسياسية والتراثية جعلته شديد الحرص على توصيل أقصى ما يستطيع من مدخلات وإشارات وترميزات وتفاصيل عما يريد الناس أن يحفظوا عنه أو يعرفونه،

- وننوه إلى أن حسن حميد استعمل الكلمات المحكية وربما العامية في مواقع كثيرة من الرواية، وقد يبدو فهم ما أراده صعباً على غير أهل الشام وفلسطين، مثل (بلعوا ألسنتهم) ص 69 ومثل مفردة (لايطة) وتعني منزوية أو شبه مختبئة صفحة 116 ، و (إسوارة) بدلا من إسورة أو سوار، وكذلك (ودعيني يا بنتي، واشبعي من رؤيتي) فالمفروض أن تكون يا إبنتي، صفحة 32 ثم الاستجداء من الآخر لأن يشبع من رؤيته هو كلام محلي لو ترجم إلى لغة أجنبية أسيئ فهمه.

- لكننا نؤكد أن إخلاص حميد في هذا العمل الأدبي الفني، والانغماس فيه لدرجة التوحد، لهو إنجاز حسن من حسن حميد،

- فالأجواء التي أفلح المؤلف في تخيلها تنقلنا نحن القراء إلى حيث الزمان والمكان التي تتنامى فيه حكاية (جسر بنات يعقوب)، ويتمنى كل قارئ أثناء انغماسه بتفاصيل أحداث الرواية المشاركة والإدلاء برأيه، وبدلاً من أن نحاول الإمساك بدفة قيادة السرد ومسايرته،

- نجد انفسنا منقادين إلى حيث ينقلنا السارد بعقلانيته وثقافته وشباكه إلى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر لنشاركه تفاصيل حياة مخلوقات قصته،

- وتصدمنا المفاجآت أكثر بكثير مما يبدو بين سطور الكتابة المكرسة، وأكثر مما أثر على نفسيات شخوص الأحداث الغريبة والتي تجعلنا نكاد نصدق مجرياتها الخوارق فيها،

- مع أننا ندرك قبل البدء بقراءتها أنها من نسج خيال إنسان معاصر في القرن الواحد والعشرين، حيث وسائل الاتصال والرفاه والجريمة والحب والحروب والثراء والغذاء تسابق حدود قدرات المرء على وصفها،

- ففي اعتراف مرجانة الأول تقول: "أحسست بتلاحم الأكف والأصابع والأذرع والخدود والأنفاس والشفاه والشعر، كان كالحمى، وكنت في هيجان، وشعرت وإياه بأن الدنيا وسعادتها متختزنة بهذه الوقفة، خلف حاكورة الدار، وقرب السياح، وبعيداً عن الناس والكلام والطعام والشراب، بعيداً حتى عن الهواء" صفحة 55 من الرواية

- نعلم أن كل تلك المبالغات لا يمكن أن تكون حقيقية أو ربما غير ممكنة، لكن أسلوب الكاتب المتصاعد والمتنامي مع حاجة الإلحاح التي يتطلبها الموقف تجعله يستعمل لغة مطولة، ومرادفات ومعاني متقاربة لتوصل شدة التفاعل الذي يحسه السارد بأمانة مع نفسه وموقفه،

- أما الأسلوب الجديد الذي أدخله حسن حميد على نمط الرواية المحدّثة فهي كثرة استعمال الحواشي والتذييلات والاعترافات في عناوين منفصلة، لتؤكد للقارئ مرة أخرى تركيز الكاتب على المواضيع التي يريدها أن ترسخ في أذهاننا حتى يشتد تواصلنا معه، وتكون أساساً صلباً لتحمل صدمة النهايات،

- وربما أراد مثل تلك العناوين الفرعية لفت نظر القارئ لإبقائه ماسكاً بحبل القص والمتابعة بعيداً عن الملل بسبب الإطالة التي كان يلجأ كاتبنا حميد إليها، وفي أماكن عدة من الرواية.،

- ثم إن تلك العناوين الفرعية تشكل أعمدة قوة لتماسك روايته التي أرادها حسن حميد معقدة وفي نفس الوقت جاذبة ، تلك التفاصيل الكثيرة المنفصلة عن تتابع الفصول العادية ستكون عوناً لكل منتج أو مخرج سينمائي أو مسرحي أن يجسد القصة دون عناء ،

- فعمد حميد إلى تيسير الأمر ليجد كل ما يلزمه لإظهار عمل فني كاملاً غير منقوص. والكاتب كان موفقاً في إقناعنا بوجهات نظره في الحياة التي تخيلها، وفي الحب والعلاقات عبر تداخل فلسفته ضمن حبكة القص فلا يفرض آراءه بطريقة تعليمية أو توجيهية أو مقحمة أو إخبارية، ففي اعتراف مرجانة الآخر تقول: "لكنني لم ألمح وجه برهومة، ولا روح برهومة، أنفاسهم كانت مختلفة جدا،، أجل الأنفاس، هي من يميز الواحد من الآخر، الأنفاس هي كل شيء، كل شيء " صفحة 56،

- وسواء قصد الأنفاس اللاهبة او الناطقة او الهامسة أو المعطرة أو الكريهة فكل ما يعبر عنه الإنسان لا بد أن ترافقه الأنفاس.

- ففي لحظة ظنها خلف يعقوب من بنات وأصهار وطامعين وعابثين أن الزمن استقر لهم وأصبح ملك أيديهم، لكن النهايات كانت ملازمة ومنبثقة ومتصاعدة مع البدايات، إذ سرعان ما تهدم كل ما تراكم على وهم وأسس من أحلام وطمع ولا أخلاقية، وأقفر المكان ثانية لتعود طمأنينة البطء والتطور إلى مسارها الطبيعي، وتنفس الناس الصعداء في قرية الشماصنة وفي ما جاورها من الديار "بدا كل شيء مثل الحلم، أوالكابوس الطويل ، حلم له متعه ومخاوفه، منجم واكتشف تماماً، ولم يبق منه سوى الحجارة السوداء والمقبرة ، وآثار الخطى التي مشت تلك الدروب، منجم لم يصرف أهالي الشماصنة عن مواصلة الحياة قرب النهر، وفي السهول والأودية مع الماشية والأرض والطواحين ومعاصر الزيت، وكأن ما حدث لم يكن مطلقاً أو لكأنه لم يحدث أصلاً" صفحة 278 من الرواية.

- وينتهي تواجد كل من كان له دور في الحكاية إلى العدم ، وبحال أسوأ من البدايات، ودون تحقيق أي مكسب لأي من شخوص الحكاية، بل دلت الدلائل والأحداث أن المشروع وأهله وكل من ساهموا فيه آلوا إلى زوال.

- أخيراً لا بد من كلمة منصفة تحسب لحسن حميد، فخياله الجامح يكشف لنا عن مدى عمق ثقافته وتنوعها، بل وعلى قدرته على الخلق والإبداع، " فعلى الرواية أن تعدل من الأطر الخيالية وتحورها، بتنظيم أوساط شاملة منسجمة مع الأصول البعيدة والنهايات التي يمكن التكهن بها، بحيث تحافظ على اختلافها عن الاحتلام، أو أية طريقة أخرى لتحقيق الإشباع" وكأن حسن حميد يزرع ويؤسس لخلوده، وخلود الإنسان والمكان وربما لمدينة فاضلة في رأسه، وهذا يضع على كاهل كاتب الرواية حملاً ثقيلاً، وتحدياً جديداً ليتفوق على نفسه في عمل لاحق، وبعد فإننا ننتظر جديد حسن حميد أملاً أن يكون صعوداً


من مقال بقلم : بقلم نازك ضمرة

ايوب صابر 09-05-2015 12:52 PM

تابع....حسن حميد

- حسن حميد خرج من فلسطين ليحمل أدبه كل المعاني والدلالات التي تشير إليها، المعاناة التي رافقته منذ الطفولة،

- حمل تفاصيلها على تقاسيم وجهه، وأظهرها جلياً في أعماله الروائية التي عبرت عن وفاء الابن البار لقضيةٍ أثقلت كاهله، ليكون واحداً من رواد الرواية العربية.

يقول في احدى مقابلاته :
- كانت معيشة الطفولة في كنف جدّاي لأنني الولد البكر، ومن جدتي تعلمت فن الحكاية والإصغاء، والقص والوقف والتحييد، والإقصاء والاستدارة وما فات من حدث،

- البداية كانت شعراً في المخيمات في غياب الآباء الذين أخذوا على عاتقهم العمل الفدائي، كان الظرف ملائماً للكتابة الشعرية في ظل طقوس "الأربعين" الذي يقام تخليداً لذكرى الشهداء لتلقى القصائد والكلمات،

- حرصت أن أكون أحد شعراء المخيم البارزين، لكن الجانب السردي الأدبي الذي ميز قصائدي جعلني أتنحى عن كتابة الشعر إلى القصة القصيرة،

- لكن انفجار بركان الويلات والأحزان والطاقات الكامنة جعلني أتحول إلى الرواية، فكانت روايتي الأولى تتحدث عن أهالي الريف الفلسطيني .......... وأسميتها "السواد".

- يرى القارئ في أعمالك تتابعاً لأحداث متسلسلة، كيف عملت على ذلك؟

- يقول : كما ذكرت، "السواد" كانت مع خروج الاحتلال البريطاني وبداية تهويد الأرض، كذلك كانت رواية "تعالي نطيّر أوراق الخريف"، قدمت من خلالها أساسيات نشأة المخيمات فصورت المعاناة في مخيم "جرمانا" بوصفه شبيه كل المخيمات،

- صورت المعاناة واجتماعات الأهل على أحزانهم وآلامهم وحكاياتهم، تتضمن الكثير من الثنائيات والتمازج بين ما هو اجتماعي وسياسي وثقافي واقتصادي، ثم جاءت "الوناس عطية" لتشير إلى خمسينيات القرن العشرين والمناخ الفلسطيني الشائع في كل بيت، أخذت تمثيلاً مدينة "دمشق" راعية أهل التصوف، وحالات اجتماعية مثل "القبضاي"، وثنائيتين بين "أبي الحسن" قاطع الطريق و"أبي الحو" المتصوف، ومنهما كونت حالة الضد والضد، وحالة الحب والحب، والحب والكراهية

- يقول عشت المعاناة بكل صورها بؤساً وشقاءً، كنا نتبع التعليم في المدرسة في سبيل الخلاص من البؤس وأصبحت معلماً وأنا أعيش في خيمتي

- لكن "أنين القصب" و"دوي الموتى" و"طار الحمام" و"السواد" أسماءٌ لرواياتك تحمل البؤس عنواناً؟

- لم أقل أن هذا القول هو الفصل، لكنني حينما أتحدث عن أي عملٍ فأنا أعالج موضوعاً بعينه، "دوي الموتى" تتطرق إلى حالة المقبرة الفلسطينية التي تتميز عن مثيلاتها في سائر العالم، فعندما كبرت وأصبحت أكبر من المخيم، ولأن تشييع الشهداء يتم كل يومٍ فقد أصبحت سوقاً يستجدي منه الباعة الجوالون رغيف الخبز، كما لو أن المقبرة من تطعم الناس، لذلك كان لها الفضل كونها حالة اقتصادية، لكن عند غياب الشهداء فقدت رونقها وانفض الباعة، وأصبحت مكاناً موحشاً كغيرها من المقابر لا تطأ أرضها قدم، في كل روايةٍ حالةٌ أو حالاتٌ تعالج، وعندما تفكر في إغلاق الرواية فأنت تغلق على أفراد تئن من جروحها، وتصرخ من آلامها، أناس لديهم آلام، فهذه الروايات يقطر منها الدم والحزن والعويل وبكاء الأمهات.

* انتقالاً للجانب النقدي، توصف بعض أعمالك بالمباشرة والتقريرية خاصةً "الوناس عطية" في ظل الغياب الزمني والمكاني، فماذا تقول؟

** على العكس، فأنا أتهم بانتهاج الأسلوب الشعري الشاعري المتعلق بالغموض شديد الصلة بالخيال، وأعمل على فرض الإيهام الواقعي لحيزات قد لا تكون موجودةً لكنني أقوم بإقناع القارئ بوجودها، "الوناس عطية" تتحدث عن مديني "دمشق" و"القدس" كمكانين مدركين بينهما أشواقٌ وتطلعات، حتى إن تلك الفترة كانت تسمح بالتنقل بين المدينتين.

* حدثنا عن دراستك "البقع الأرجوانية في الرواية الغربية"..

** لم يكن لدي شغف البحث في الأدب والتاريخ الأدبي، لكن ومن خلال مطالعاتي لبعض التجارب لعدد من كتّاب الرواية العالميين وجدت أن فخ التقليد يوقع الكاتب العربي في شباكه، فعملت على وقف إطلاق الأحكام والابتعاد عن تقييم هذه الأعمال وإطلاق الحكم كقارئ، لكن المفاجأة الكبرى كانت في الرأي المخالف لما اتفق عليه الأدباء خلال نصف قرنٍ من الزمن في أعمال "كافكا" و"جيمس جويس" و"سرفانتس" و"تولستوي" و"مارسيل بروست"، فما قيل عن "كافكا" بشيوعيته وكرهه للصهاينة كان الرأي الخاطئ من خلال كشف سيرته الذاتية كمفاتيح لبيان مشاعره ودفاعه عن فكرة "هرتزل" بالخروج من أوروبا والبحث عن الوطن الجديد الذي يمثل فلسطين، أما "جيمس جويس" في "فيغوليس" الرواية التي وصفها أدباء الغرب بأنها أهم مفاصل التاريخ الروائي، فوجدت أنها تتحدث عن الصهيونية، ليس لأن أبطالها هم من اليهود، بل لأنها تتحدث عن الحنين للأرض الفلسطينية بصفتها أرض الميعاد، كما أراد الكاتب تمجيد شخصية "بلوم" اليهودي لتكون كشخصية "بوليسيس" البطل الأسطوري اليوناني وهذا شديد الخطورة، كما تناولتُ الأعمال الأخرى على السوية ذاتها.

من مقال بقلم : أحمد مراد

ايوب صابر 09-05-2015 06:07 PM

تابع .....حسن حميد

من مقال بقلم : ـ وحيد تاجا
- حسن حميد كاتب قصة ورواية معروف في الساحة الثقافية, وتثير كتاباته الكثير من الأسئلة والجدل في المشهد الثقافي, صدر له العديد من المجموعات القصصية والأعمال الروائية.

- يقول عن نفسه : يظنّ الكثيرون أنني جئت أدبياً مع العاصفة، أو مع المطر الموسمي، أو مع الطائرات النفاثة. وهذا الظنُّ ظنٌّ وحسب، وذلك لأنني عملت عملاً طويلاً على نصي الأدبي في عزلة تعلّمتُ أسرارها من شيوخ الزوايا، والعارفين بصفاء العزلة.. كي لا يخرج هذا النص عبوساً، أو شائهاً، أو ناقصاً.

- ويقول : ساعدتني فضيلة الانتظار والصبر على إنضاج نصوصي تماماً مثلما كانت أمي تنضج الأرغفة في (فرنيتها) الصغيرة، وأنا الذي ساهرتها ليال طوالاً وهي تعجن عجينها، كنت أشفق عليها وهي تدعك العجين وتقلبه، ثم ترشه بالماء، ثم تمدده، وتطويه.. تعيد وتعيد وأنا الذي كنت أظن أن العجين يصير عجيناً حالما يذوب الطحين، وحالما يختفي لونه الأبيض.

- أمي علمتني الصبر على العمل، وطرقه، وتقليبه على وجوهه قبل القذف به إلى (الفرنية). دائماً كانت تكرر أمامي من المعيب أن يخرج الخبز (عويصاً).. لذلك من البداية قلت من المعيب أن يخرج النص الأدبي (عويصاً). وقد ازدادت قناعتي أكثر بدور النصوص وأهميتها انطلاقي من إيماني العميق بعدالة قضيتي الفلسطينية، فهذه العدالة الواضحة لا تحتمل أية شائبة أو نقص.

- لهذا.. لم أكن في ظهوري نبتاً (شيطانياً) لا سمح الله، وإنما كان نبتاً طبيعياً جداً، فقد أنهيت دراستي الجامعية دون أي سعي في مجال الكتابة والإبداع،مع أنني كنت أقرأ وأكتب وأراقب الحراك الثقافي والإبداعي، كما كنت أقايس نصوصي مع النصوص التي أقرؤها منشورة في الصحف والمجلات والكتب التي كانت تصل إلى يدي (على الرغم من ضيق ذات اليد).

- ويقول صحف ومجلات المقاومة الفلسطينية هي التي أخذتني إلى الكتابة، هي التي وعتني بأهمية الكتابة ودورها. وذلك لأننا كنا في المخيم، نحن الطلبة القرائين، نهّرب صحف ومجلات المقاومة إلى بعض الأمكنة، وبعض الأشخاص، وبعض الجهات على جلودنا، تحت قمصاننا، تلك السرانية في الحرص على المجلات والصحف بعيداً عن عيون أهلنا، أولاً، والآخرين ثانياً هي التي جعلتني أتنبه إلى أهمية الكلمة ودورها، إلى أهمية الكاتب ودوره في الحياة، وقد تمنيت أن أصبح مستقبلاً كاتباً يظهر اسمه إلى جانب مقالاته على صفحات المجلات والصحف، ويصير من هم أصغر مني يهربون ما أكتبه تحت قمصانهم (العرقانة صيفاً)، والمبللة بالمطر شتاءً). تلك كانت الشرارة التي صارت غبطة لي وأنا أقرأ قصائدي الأولى، وقصصي الأولى على أسماع أبناء مخيم جرمانا. كم كانت تلك الأيام نادرة..

س4-ألهذا.. كتابتك علوقة بالمخيم وأهله.. وأحداثه؟!..
ج4-المخيم كائن مكاني عجيب غريب، قد لا يشبه كائن مكاني آخر في العالم. فهو مكان استثنائي طارئ وبديل عن المكان الأصلي الطبيعي (الوطن)، لذلك فهو مكان معلون بمعنى من المعاني، ومكان مكروه لأنه بديل عن الوطن، لا يشبهه في شيء. ولكنه من ناحية ثانية هو مكان حميم، مكان حفظ لنا الهوية، حفظَ لنا اجتماعيةَ الناسِ، والحكايات، والتراث،والأحداث، والأخبار، والمساءات، والمسرات القليلة.
المخيم مكان له فضل علينا نحن الفلسطينيين من حيث إنه (انتي بوتيك) المضاد ضد الإذابة، واللا جدوى.. فكل ما فيه يذكرك بالوطن (فلسطين).. وإن كان ذلك على نحو مناقض، فهو مكان لا حدائق فيه، ولا موسيقا، ولا طيور، ولا ساحات، مكان مكتظ كأعشاش العصافير، مكان لا جذور له. هذه القحولة، هذا الجفاف، هذا العبوس.. يذكرنا بقوة.. بفلسطين بلد البساتين، والبيارات، والأنهار، والسواقي، والسهول، والروائح الذكية، والتاريخ المتجذر في أعماق أعماق الأرض.
أنا علوق بالمخيم عشت فيه، وتربيت على مشهدياته، وأخبار أهله، عرفت أزقته وبيوته الواطئة التي يتكئُ بعضها على بعضها الآخر، بيوته التي تبيت وحيدة في هجعات الليل. وعشت طقوسه.. طقوس الولادة، والمرض، والختان، والأفراح، ومشهديات الموت التي اختصت بها مقبرة صارت أكثر اتساعاً من بيوت
المخيم نفسه. لذلك جاءت كتابتي علوقة بالمخيم وأهله ودلالاته الفلسفية.. فالمخيم مكاني الطارئ الذي ما زلت أعيش فيه وأتعلم منه، والمخيم مكاني الذي يأخذني إلى مكاني الأول، مكان أجدادي.. حيث تركنا بيوتنا مكرهين تحت الحراب وهي ملأى بضحكات أطفالنا، ونداءات أمهاتنا، ووقع عصي جداتنا وأجدادنا.. تماماً مثلما هي خوابينا ملأى بالعسل، والزيتون، والزيت، تماماً مثلما هي مساجدنا ملأى بالصلوات، وكنائسنا ملأى بالإيقونات.. ومثلما هي ملأى بالغدران، وتحليق الطيور، ورنين أجراس قطعان الماشية؛ ذلك الغنى الساحر تُذكرنا به جفافيةُ المخيم.
س5-لكأنك تحاول التأريخ للمخيم؟!..
ج5-بلى، المخيم ليس إلا لحظة في تاريخ الشعب الفلسطيني الموغل في القدم. لنا تاريخ عمره 6000 ستة آلاف سنة، وعمر المخيم (وقد صار مديداً) هو خمسون سنة، إنه ليس سوى تلويحة سريعة لا تثير الاهتمام لولا حرارتها، وفداحة الظلم الذي أوقعته الظروف علينا.
أؤرخ للمخيم لقناعتي بأنه زائل. سيصير [عندما نؤوب إلى قرانا ومدننا في فلسطين]، مجرد متحف مكاني يدلل على وجودنا الذي كان في ظل الإرهاب الصهيوني. سيصير المخيم متحفاً يزار من قبل الآخرين، سيأتون إليه ليروا أية حياة صعبة عاشها الفلسطينيون صغاراً وكباراً نساءً ورجالاً، وأية مكابدات تحمّلوها من أجل العودة المنشودة.. كيف أسسوا بيوتهم، ومقابرهم، ومدارسهم، وكيف تناقلوا تاريخهم جيلاً بعد جيل.
س6-وهل ساعدتك الرواية على القيام بمهمة التأريخ؟!..
ج6-الرواية بالنسبة إليّ َهي الجنس الأدبي الذي ساعدني على كتابة ما أريده تاريخياً، حقّبت للجروح الاجتماعية التي خلّفتها علة (الفقد)، وللبيوت البسيطة جداً التي سترت أهالي المخيم كالأثواب، والتي لولا الحياء الاجتماعي لذابت اهتلاكاً. الرواية سمحت لي بالعودة إلى الماضي البعيد لتدوين المشفوه الذي كاد يندثر بموت عارفيه.
س7-في ضوء اهتمامك بالمخيم.. أشعر بأنك لم تهتم بما هو خارج المخيم.. هل هذا صحيح؟!..
ج7-كتبت عن المخيمات باعتبارها مفصلاً أساسياً في حياة الفلسطينيين ومأساتهم في آن معاً، فهي أشبه بالمسافر الذي يقف بمحاذاة الطريق انتظاراً للحافلة التي ستأخذه إلى هدفه الذي نقشه داخل صدره. فالمخيمات كائنات مشدودة إلى موضوعة الانتظار، والانتظار مهما طال يظل انتظاراً ثم يذوب.
.. مع ذلك فأنا لم أقف عند عوالم المخيمات وأحوال أهلها فقط، وإنما كتبت في تجليات عديدة للقضية الفلسطينية، مثل من هو (الآخر)، وأي حوار يدار معه؟! ومن هو (العدو)، وكيف نفهمه؟!.. وهل هو كتلة موحدة في أهدافها وغاياتها؟ ثم إنني كتبتُ في أمور وقضايا إنسانية عديدة تحضّ الفرد في مشاعره وهو يواجه انحدار القيم واهتلاكها، وأحوال الاستهلاكية والهشاشة ورواسبها. الكاتب إنسان يرى، ويشعر، ويدرك، ويتحسس ما يواجهه في الحياة، ولكن من حقه أن يتوجه بكليته نحو المحرق الأساسي الذي يهدد مصيره، وتاريخه، وحياته، ومستقبله.. لهذا كان لابدّ لي من أن أعطي قضيتي الفلسطينية كل ما وهبني إياه ربي من قدرات على الكتابة، وتوظيف ثقافتي ومعارفي لبيان عدالة قضيتي في زمن يصحّ به أن داخل الرأس.. ثم تتم الكتابة على عجل دون معرفة بالخطوات المطلوبة. القصة القصيرة (مثل القصيدة مثل الأنهار) تحفر مجراها دونما تفكير عميق، تبدأ بالاندفاع، وكلما كانت الكتابة قريبة من لحظة التفجر الأولى كانت القصة أقرب إلى الولادة الطبيعية، أو قل أقرب إلى الظهور. والعكس صحيح. فكلما تباطأت الكتابة وابتعدت عن لحظة التفجر انطفأت الرغبة بالكتابة أو العودة إليها أو الشروع بها.
في الكتابة الروائية، الأمر مختلف جداً، هنا لابدّ من التخطيط، والتأمل، وتنسيق الأفكار، والتسلسل المنطقي للأعمار، والأجيال، لابدّ من ضبط الوصف واعتماده، ولابدّ من التقيد بالأوصاف والأنماط السلوكية التي رسمت للشخصيات.. أقول باختصار الكتابة الروائية بحاجة ماسة إلى خريطة معرفية كاملة، ومنها تنبع أو تنتج خرائط عديدة منها خريطة مكانية، وخريطة اجتماعية، وخريطة ميثولوجية، وخريطة تاريخية..الخ.
س9-تزدحم قصصك بالكثير من الشخصيات، وهي في غالبها شخصيات فلسطينية، ترى ألا يجعلك هذا تقع في مطب الانحياز الذي يضرّ بـ "موضوعية العمل الأدبي" على حد قول بعض النقاد؟!..
ج9- أنا ككاتب فلسطيني أرى الجرح الفلسطيني بكل مأساته ونواتجه لذلك لابدّ لي من أن أكون المعبر الأول عنه، وإلا ما قيمة كتابتي حين تدير ظهرها لهذه المأساة التي لا مثيل لها في التاريخ البشري. التعامل مع المأساة الفلسطينية من قبل الكاتب الفلسطيني ليس واجباً فقط، بل هو مسؤولية دائمة، وحرص ضروري على إدامة الحياة، والتاريخ، والذاكرة، والإرادة.
أعرف الكثير من النقاد الذين يتهمون الأدب الفلسطيني بالإيديولوجية في مرحلة زمنية من مراحل الكتابة الفلسطينية، وهم محقون بهذا الاتهام، ولكن الكتاب الفلسطينيين كانوا محقين في تلك الفترة حين أظهروا الإيديولوجية على حساب الأمور الفنية والتقنية.. ذلك لأن القضية الفلسطينية كانت بحاجة (في تلك الفترة) إلى من يعرّف بها. لاشك أن أخطاءً فنية عديدة وقعت، ولكن تلك الأخطاء كان لابدّ من وجودها لتلافيها. اليوم الأدب الفلسطيني في الرواية، والشعر، والقصة القصيرة.. يعيش حالاً من المناددة الرائعة مع الأدب الصافي الذي يكتبه الأدباء العرب وغير العرب لأنه محمول على نجاحه الفني وليس على نبل الموضوع.
..ولكن لابدّ من التنبيه أن بعض النقاد تعبوا من متابعة مايكتبه أدباء فلسطين، فظلوا على قراءاتهم السابقة كما ظلوا على آرائهم السابقة التي توصّف الأدب الفلسطيني.. هنا تكمن المشكلة.
س10-من يقرأ لك يشعر بسلاسة الجمل وعفويتها وقوتها بآن معاً مما يخلق انطباعاً عن مدى تمكنك من اللغة وتطويعها، هل هذا الانطباع صحيح، أو أن وراء ذلك جهداً ومعاناة ومحاولات عديدة قبل ظهور عملك الإبداعي؟!...
ج10-من واجب الكاتب ألا يُغرق قراءه في الغموض أو المعميات، خصوصاً الكاتب الذي يتبنى قضية ما. على الكاتب ألا يشغل وظيفة (الدليل السياحي) كي يشر ح نصوصه وكتاباته، عليه أن يضع الأمور في وضوحها الأبدي، أي الوضوح الذي يشبه وضوح الأنهار، والغابات والنهارات.. أي وضوح الصور الطبيعية التي تحيط بنا حيث لا نفطن إلى جمالية هذا الوضوح وأهميته إلا في أوقات متأخرة جداً.
الكتابة السلسة، الواضحة لا تعني أنها خالية من الجهد وتقليب النظر والوجوه.. إطلاقاً، فالأشجار عانت كثيراً، واجتهدت كثيراً قبل أن تستوي على قاماتها.
بالنسبة إليَّ، أنا أتعب كثيراً على نصي الأدبي.. فأوظّف كل ما أملكه وما لا أملكه لكي يكون النص غنياً ثرياً، واضحاً، ومؤثراً، وذا آثار حقيقية على مرآة الذات.
لذلك أقول، وبكل الصراحة والأمانة، أنا صاحب مقبرة وسيعة لنصوصي التي لم أرضَ عنها، وهي التي لو ظهرت لكانت تسربت بين أعمالي الأخرى دون أن تؤذيها أو تؤذي التجربة في مجملها. لكنني، والحمد لله، أعمل بما قاله المتصوفة "اللهم لا تذقنا حلاوة أنفسنا"!..
س11-أنت معروف بكتاباتك القصصية، فلماذا تحولت إلى الرواية؟!..
ج11-حولي أساتذة كبار من النقاد والمبدعين، قالوا لي حين قرؤوا ما كتبته من روايات (الوقت الذي أنفقته في كتابة القصص كان ضائعاً، ليتك بدأت بكتابة الرواية مباشرة).
ظروف البداية مع القصة أو الرواية أمر لم أتخيّره بنفسي، ولم أتوجه إليه إلاَّ بعد كتابة للشعر استمرت سنوات عديدة..
وحين كتبت الرواية كتبتها بدافع عقلاني، أو قل بتفكير عقلاني.. فحين كتبت رواية (السواد) كتبتها تحت إلحاح قناعتي بأن أكتب وجهاً آخر من وجوه الخروج القسري للفلسطينيين الفلاحين.. فحبّرت ذواتهم المألومة وهم يتركون كل شيء، كل شيء (أؤكد)، ثم وهم يعبرون عن أشواقهم وأحزانهم وقد طال عليهم وقت الانتظار. وحين كتبت رواية (تعالي نطيّر أوراق الخريف)، كتبتها بقرار عقلاني مؤداه أن أؤرخ للمخيم الفلسطيني باعتباره مكاناً مرفوضاً مكروهاً من جهة وباعتباره مكاناً له فضله في جمع اجتماعيتنا في مكان واحد، وحفظ هويتنا وذاكرتنا من جهة ثانية. وحين كتبت رواية (جسر بنات يعقوب) أردت العودة إلى التاريخ القديم، إلى عالم الميثولوجيا.. لأقول للجميع: انظروا إلى أي تاريخ ماجد ينتسب الفلسطينيون، وعلى أية مدونة حضارية هم عاملون.
س12-في روايتك (أنين القصب) لوحظ اعتمادك الكبير على القص الشفهي، ما مدى دقة هذا الأمر؟!..
ج12-أحياناً، وفي مرات قليلة ونادرة، لا أستطيع أن أظل على صراحتي المعهودة في الحديث عن أعمالي كي لا أجرح مشاعر النقاد، والقراء الذين رأوا في عمل من أ عمالي، ومنها (أنين القصب) ما رأوه.. صحيح أنني أضع أسطراً في مقدمة رواياتي عادة أقول فيها إنني فعلت كذا وكذا، وإنني أخذت كذا وكذا ولكن الحقيقة ليست كذلك، فالأمر يظل مجازياً.. وهو لعبة فنية يقتضيها مقام الفن. لا يظن أ حد أن الأمر خدعة وإنما هو محاولة في الإيهام الإبداعي، أو قل مكيدة فنية.. غايتها أخذ القارئ إلى العوالم المكتوبة ظناً منه (وبسبب اقتناعه بما قلته في أسطر التقديم) أن المكتوب هو تاريخ مكتوب سابقاً، وما أنا سوى جامع له. الأمر ليس كذلك إطلاقاً. ففي رواية (أنين القصب) التي بكى معها الكثيرون وهم يقرؤونها.. مكابدات الذات التي احترقت بمصداقية العذابات الفلسطينية (وما أكثرها).. وقد شددت نفسي إلى الإيقاع الواقعي لأجعل،عبر الوصف والتصوير، ما يقرؤه القارئ أمراً طبيعياً لا صنعة فيه ولا تركيب، وأظن أن هذا الأمر من الأمور الملحة في وجودها داخل النص الأدبي، عنيت أن يبدو النص اشتقاقاً طبيعياً. وليس قصة مكتوبة.
(أنين القصب) مدونة تاريخية-اجتماعية-ميثولوجية فيها المعتقدات، والمميزات، والحكايات الشعبية، والطقوس، والأعياد، والمعايشات الفلسطينية التي كانت بمحاذاة النهر العظيم نهر الأردن.. قبل خروجهم القسري... لتدلل على أهمية حياتهم وخصبها أيضاً. أما ماهو الحقيقي وماهو غير فالأمر غير مطروح في الرواية أو الكتابة الأدبية. المطروح هو هل هذا النص ناجح، وفني، وموظف، ومقنع، ومهم.
س13-لفتت انتباهي طريقة كتابة الرواية، وترتيبها،والحواشي والإضافات التي اعتمدها؟!...
ج13-أنا مدين لقراءاتي التراثية التي علمتني الكثير،ومن أفضال تلك القراءات عليَّ هو أنني تعلمت أسرار التدوين وأساليبه وطرائقه العربية الصرف والتي تعتمد الطيّ، والمضايفة، والاستهلال، والإخبار، والتعقيب، والحواشي، والالتفات، والمساررة، هذا ناهيك عن كتلتي: المتن، والهامش.
لقد أدركت، أن كسر الرتابة البصرية داخل النص الروائي أمر مطلوب جداً، وقد قام به أجدادنا كتبة التراث، فالقطع عبر العنوانات، والمضايفات.. هو قطع وظيفي؛ غايته كسر الرتابة البصرية، وليس قطع الوظيفة السردية..
س14-لاحظت أيضاً، في روايتك (أنين القصب) تطرقك إلى الحدث السياسي بجمل قصيرة.. إلا أنها كانت معبرة وكافية.
ج14-داخل الرواية مرآة تاريخية.. لذلك لا يمكن تجاوزها أو تخطيها، ومن المرتسمات التي ظهرت عليها بعض الإشارات الزمنية والمكانية التي لها دلالات سياسية أو فكرية أو عقيدية.
س15- ما مدى اطلاعك على الأدب الفلسطيني في الداخل،وكيف تراه مقارنة مع الأدب الفلسطيني في الخارج؟!..
ج15-قرأت تقريباً كل ما كتب في الداخل، بما في ذلك المترجم من الأدب الإسرائيلي (وهو لا يزال قليلاً). وتوقفت عند أسماء شديدة الأهمية،شديدة الغنى، وعبر أجيال أدبية متعاقبة، من هؤلاء الأدباء: محمد علي طه (ابن كابول في قضاء عكا)، وهو كاتب شديد المراس في إبداع شفيف رائع، وكذلك الروائي والقاص زكي العيلة، والقاص محمد نفّاع، والمرحوم أميل حبيبي الذي كان ولا يزال قلعة أدبية حقيقية، ومن الأجيال الجديدة الروائي أحمد رفيق عوض الذي يتمتع بثقافة كبيرة، وموهبة عالية، والروائي عبد الله تايه الذي يمثل تياراً أدبياً مهماً في مدونة السرد الفلسطينية.
هذا الأدب المكتوب داخل الوطن الفلسطيني المحتل مهم جداً،ومن الصعب الآن الحديث عن كل جوانب هذه الأهمية، وهو أدب منادد للأدب الفلسطيني المكتوب في المنفى، ويحظى بتقدير عال جداً من قبل الأدباء الفلسطينيين في الخارج.
س16-يؤخذ عليك أنك غزير الإنتاج، وسؤالي هنا كيف تكتب، بمعنى آخر هل تكتب بقرار، أم أن الحدث يدفعك للكتابة، أم ماذا؟!..
ج16- من يعرف (الفرن) الفلسطيني، ومن يعرف حرارته يدرك مباشرة أنني لست غزير الإنتاج،وأن ما أكتبه قليل جداً مقارنة مع تشوفاتي، وأحلامي،وأفكاري، ومساهرتي للأحداث، وبحثي عن الأرواح، التي تحترق بكل الرضا والمصداقية.
أنا لا أكتب بقرار خارجي. وإنما أ كتب بسبب إيماني العميق بدوري ككاتب يعيش تاريخياً استثنائياً هو التاريخ المقاوم للشعب الفلسطيني. إن المقاومة وظروفها وغاياتها.. تمنح الكاتب الفلسطيني شرف المشاركة بهذا التاريخ عبر إبداعه.. وهي فرصة غير متاحة للآخرين.. بسبب هذه المقاومة،وبسبب إيماني العميق بعدالة قضيتي.. أكتب، وغزارة الإنتاج ليست تهمة أو سبة.. إن كانت ناجحة فنياً، وستكون كذلك إن كانت هشة ورخوة وباهتة.

ايوب صابر 09-07-2015 12:18 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 98- جسر بنات يعقوبحسن حميد فلسطين

- يقول حسن حميد صاحب «دوي الموتى» " عندما تتحدث عن فلسطين كأنك تحمل عارك معك» بهذه العبارة الدامية حتى النزيف والعارية حتى الحقيقة والموجعة حتى الألم، والمتزامنة أيضاً مع «الربيع العربي» يصف القاص والروائي الفلسطيني د. حسن حميد حال الكتاب والمثقفين الفلسطينيين حيث «أصبح الأدباء الفلسطينيون أيتاماً» ولا أحد يلتفت إلى نتاجاتهم وإن حدث فعلى «خجل واستحياء» وعليه- يعقب د. حميد- فإن تجد أدباء وكتاباً فلسطينيين مستمرون في الكتابة فهذا يسجل لهم لأن الوضع اليوم وصل إلى «المرمطة» وإلى درجة «الخراب».
- ويصف صاحب «أنين القصب» الحالة الفلسطينية بـ«المأزومة» وأن «الجميع بات في جزر معزولة وكل راض بهزيمته»!!

- خرج منها ( فلسطين ) ليحمل أدبه كل المعاني والدلالات التي تشير إليها، المعاناة التي رافقته منذ الطفولة، حمل تفاصيلها على تقاسيم وجهه، وأظهرها جلياً في أعماله الروائية التي عبرت عن وفاء الابن البار لقضيةٍ أثقلت كاهله، ليكون واحداً من رواد الرواية العربية.

- كانت معيشة الطفولة في كنف جدّاي لأنني الولد البكر، ومن جدتي تعلمت فن الحكاية والإصغاء، والقص والوقف والتحييد، والإقصاء والاستدارة وما فات من حدث، البداية كانت شعراً في المخيمات في غياب الآباء الذين أخذوا على عاتقهم العمل الفدائي، كان الظرف ملائماً للكتابة الشعرية في ظل طقوس "الأربعين" الذي يقام تخليداً لذكرى الشهداء لتلقى القصائد والكلمات، حرصت أن أكون أحد شعراء المخيم البارزين، لكن الجانب السردي الأدبي الذي ميز قصائدي جعلني أتنحى عن كتابة الشعر إلى القصة القصيرة، لكن انفجار بركان الويلات والأحزان والطاقات الكامنة جعلني أتحول إلى الرواية.

- في رده على سؤال : يقال أن كبت المعاناة يفجر الطاقة ليولد الكاتب، فما رأيك؟ يقول ** لا أؤمن إلى حدٍ بعيدٍ بهذه المقولة، فالأديب يولد ليكون أديباً، صحيحٌ أن الضغط يولد الانفجار لكن ليست كل معاناةٍ تفجر الطاقات، ولا كل أديبٍ ابن المعاناة، ولو سلمنا بصحة ذلك لكانت ملاجئ الأيتام أهلاً لتخرج الأدباء والتشكيليين والموسيقيين، عشت المعاناة بكل صورها بؤساً وشقاءً، كنا نتبع التعليم في المدرسة في سبيل الخلاص من البؤس وأصبحت معلماً وأنا أعيش في خيمتي، لكن بذور الموهبة الأدبية بدت جليةً منذ الصغر وطورتها حتى أصبحت على ما أنا عليه الآن.

- ويرد على التعليق: لكن "أنين القصب" و"دوي الموتى" و"طار الحمام" و"السواد" أسماءٌ لرواياتك تحمل البؤس عنواناً؟ بقوله :** لم أقل أن هذا القول هو الفصل، لكنني حينما أتحدث عن أي عملٍ فأنا أعالج موضوعاً بعينه، "دوي الموتى" تتطرق إلى حالة المقبرة الفلسطينية التي تتميز عن مثيلاتها في سائر العالم، فعندما كبرت وأصبحت أكبر من المخيم، ولأن تشييع الشهداء يتم كل يومٍ فقد أصبحت سوقاً يستجدي منه الباعة الجوالون رغيف الخبز، كما لو أن المقبرة من تطعم الناس، لذلك كان لها الفضل كونها حالة اقتصادية، لكن عند غياب الشهداء فقدت رونقها وانفض الباعة، وأصبحت مكاناً موحشاً كغيرها من المقابر لا تطأ أرضها قدم، في كل روايةٍ حالةٌ أو حالاتٌ تعالج، وعندما تفكر في إغلاق الرواية فأنت تغلق على أفراد تئن من جروحها، وتصرخ من آلامها، أناس لديهم آلام، فهذه الروايات يقطر منها الدم والحزن والعويل وبكاء الأمهات

- ويقول في رده هلى سؤال : من الذي أخذك إلى الكتابة، من أغراك بها؟!.. صحف ومجلات المقاومة الفلسطينية هي التي أخذتني إلى الكتابة، هي التي وعتني بأهمية الكتابة ودورها. وذلك لأننا كنا في المخيم، نحن الطلبة القرائين، نهّرب صحف ومجلات المقاومة إلى بعض الأمكنة، وبعض الأشخاص، وبعض الجهات على جلودنا، تحت قمصاننا، تلك السرانية في الحرص على المجلات والصحف بعيداً عن عيون أهلنا، أولاً، والآخرين ثانياً هي التي جعلتني أتنبه إلى أهمية الكلمة ودورها، إلى أهمية الكاتب ودوره في الحياة، وقد تمنيت أن أصبح مستقبلاً كاتباً يظهر اسمه إلى جانب مقالاته على صفحات المجلات والصحف، ويصير من هم أصغر مني يهربون ما أكتبه تحت قمصانهم (العرقانة صيفاً)، والمبللة بالمطر شتاءً). تلك كانت الشرارة التي صارت غبطة لي وأنا أقرأ قصائدي الأولى، وقصصي الأولى على أسماع أبناء مخيم جرمانا. كم كانت تلك الأيام نادرة..

- يقول في وصف الحياة في المخيم: فالمخيم المشغول بغبار الصيف، وريح الصيف التي تقتلع الخيام يومياً، في الليل والنهار، وبوحول الشتاء وأمطاره، والمشغول بالجرحى، والأسرى، والشهداء، والأخبار الجارحة المؤسية.. كان يهبُّ فجأة للاحتفاء بمولد شاعر أو أديب، أو موسيقى، أو أستاذ، الخ.. لذلك كنت تجد في أمسية المخيم الأدبية حضوراً كبيراً من الأميين أو المهمشين الذين لا يعنيهم الشأن الثقافي. كانوا يجلسون بانضباط التلاميذ في المدارس ليسمعوا الشعر. كانت الأمهات يزغردن لأبنائهن الشعراء أو القاصين حين تضج قاعة المخيم الوحيدة بالتصفيق لهم. وقد كانت أمي أمية من بين هؤلاء النسوة.

- ويقول : أنا علوق بالمخيم عشت فيه، وتربيت على مشهدياته، وأخبار أهله، عرفت أزقته وبيوته الواطئة التي يتكئُ بعضها على بعضها الآخر، بيوته التي تبيت وحيدة في هجعات الليل. وعشت طقوسه.. طقوس الولادة، والمرض، والختان، والأفراح، ومشهديات الموت التي اختصت بها مقبرة صارت أكثر اتساعاً من بيوت المخيم نفسه.

- أنا ككاتب فلسطيني أرى الجرح الفلسطيني بكل مأساته ونواتجه لذلك لابدّ لي من أن أكون المعبر الأول عنه، وإلا ما قيمة كتابتي حين تدير ظهرها لهذه المأساة التي لا مثيل لها في التاريخ البشري. التعامل مع المأساة الفلسطينية من قبل الكاتب الفلسطيني ليس واجباً فقط، بل هو مسؤولية دائمة، وحرص ضروري على إدامة الحياة، والتاريخ، والذاكرة، والإرادة.

- وفي رده على سؤال : كيف تكتب، بمعنى آخر هل تكتب بقرار، أم أن الحدث يدفعك للكتابة، أم ماذا؟!.. يقول **من يعرف (الفرن) الفلسطيني، ومن يعرف حرارته يدرك مباشرة أنني لست غزير الإنتاج،وأن ما أكتبه قليل جداً مقارنة مع تشوفاتي، وأحلامي،وأفكاري، ومساهرتي للأحداث، وبحثي عن الأرواح، التي تحترق بكل الرضا والمصداقية.

- واضح ان هذا الكاتب اكتوى بنيران "الفرن الفلسطيني" فكان يتيم الوطن وعاش مأزوما ويتيما اجتماعيا ولا نعرف ان كان يتيم الاب فهو يتحدث عن امه لكنه لا يتحدث عن والده الذي ذكر بأنه كان غائب لانه كان يشارك في العمل الفدائي.

ايوب صابر 09-07-2015 11:14 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في99- الوسمية عبد العزيز مشري السعودية

- الوسمية هي باكورة أعمال المبدع الراحل عبد العزيز مشري الروائية وهي إحدى الروايات المتميزة التي صدرت عام 1982 إذ إنها تمثل - مع بعض الروايات الأخرى - التطور الذي ارتقى إليه فن الرواية في المملكة العربية السعودية،

- فقد تفردت هذه الرواية في أحداثها ولغتها بما يجعل عبد العزيز المشري واحداً من الكتّاب الذين يتفردون في الرؤية.

- كتب عنها الدكتور السيد محمد ديب (إن هذه الرواية تسير على درب النهايات من حيث واقعية الحدث، وسلب البطولة من الأشخاص، ومنها للبيئة بكل ما تحمله من عادات وطبائع

- وإذا كانت (النهايات) تعبّر عن طاقة هائلة من الصراعات المتعددة في علائق القرية بالمدينة، فضلاً عن الخصائص الأخرى التي تجعل من عبد الرحمن منيف واحداً من الرواد في العالم العربي، فإن (الوسمية) بناء متفرد في رسم الحدث وتحريك الشخصوص، وتوظيف الزمن بهدف رسم لوحة أفقية شاملة لقرية الجبل في منطقة الباحة).

- وقد استطاع الكاتب في الوسمية أن يصور في ثلاث عشرة لوحة الحياة الشعبية في هذه القرية، وأن يتغافل عن الحدث المتنامي والصراع النابع منه، بحيث يتجه إلى بعث الحكاية الشعبية وسرد هموم الزراعيين

- ولكن هذه الأقاصيص والحكايات التي امتلأت بها (الوسمية) تتشابك بخيوطٍ تخضع لعلائق أهل القرية، ويبرز بمجموعها وتكوينها البناء الروائي الذي يعرض لعادات المجتمع القروي منذ سبعينيات القرن الهجري السابق (خمسينيات القرن الميلادي الحالي).

- ونرى المشري يستمطر من الأحداث بعض الرموز التي تتنقد ذلك الواقع القديم في جرأة مكشوفة كما في الفصل العاشر (أحمد يتعلم أشياء جديدة) ويحرص على نقل الحدث البسيط بما فيه من رؤية فردية أو تحرك جماعي ليعبّر عن الحياة الشعبية بين أهل القرية، ويتلاءم مع انبساط الطبيعة وعمق الوجدان واتساع الذاكرة وضيق الحياة.

- لا يتولد الصراع (في الوسمية) من طبيعة الحدث المفرد، وإنما يبرز من الإرادة الجماعية للشخوص في موقفها من الإرادة الفردية كما في قبول الجماعة لشق الخط ورفض البعض له.

- تعطي مجموعة الأحداث انطباعات عن العادات والتقاليد المتوارثة في القرية بالإضافة إلى الحكايات الشعبية المنبثقة من الحدث القصير، أو من الشخوص الناهضة به، وأن هذه الحكايات والمواقف المتولدة منها تبرز وتؤكد واقعية الحدث وصدقه وتموجه بالحركة، ومواكبته للأنشطة الجماعية في موسم نزول الأمطار (الوسمية).

- ويستكمل الراوي بناء الخلفية بمجموعة أخرى من الأحداث مثل حرص الجماعة في القرية على صلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة والتصالح في قرية الوادي، رمي الضرس في عين الشمس، والسعادة بنزول المطر وتنتهي الرواية بشق الخط، وقدوم السيارة إلى القرية، وإفساح مكان في الذاكرة لعصر جديد والتحول إلى مرحلة جديدة.

- تتميز اللغة عند المشري بالتفرد والخصوصية وعدم التبعية لأحدٍ، فهو يمزج السرد بالحوار، ويورد من خلالها الوصف المنقطع والحكاية البسيطة للتأكيد على واقعية الحدث وعمق التجربة ووعي الذاكرة، ويقدم الوصف اللغوي الدقيق للأشياء من خلال السرد كقوله: (جاءت زوجة سيد الأعمى بدلة القهوة، خلطت تراكيبها ملأتها بالماء وضعتها بهدوء على الكانون النار تشتعل وتنفث دخاناً أزرق يلهب العيون بحرارته حيث استقرت الدلة.. نضح منها قدر ضئيل على الجمر، فقالت: (طش) ويبدي الكاتب اهتماماً كبيراً بالوصف الذي يسوقه من خلال السرد أو الحوار باللغة الفصحى بما فيها من روائح القرية وطعم الريف بالإضافة إلى المواصفات الأخرى كقصر الجمل، والفصل بينهما، والنهوض بكل منها بمعنى جزئي يشبه ما ينهض به البيت الشعري.

- ليست للسرد حدود فاصلة، بل ينتقل الكاتب منه إلى الحوار، ويمزج بينهما كطبيعة لغة المعيشة في القرية بما فيها من تعدد في المستويات اللغوية وبساطة الاسترسال والانتقال من موضوع إلى آخر بدون ترتيب،

- وكأن القاص يجنب نفسه من التدخل، تاركاً الشخوص تصور بنفسها حركتها وحياتها في القرية، وتعبّر باللغة التي تحلو لها، وتتوافق مع قدراتها،

- ولذلك تقترب لغة الوسمية من العامية ذات النكهة الشعبية ولكن ذلك يتجلى في كلمات معدودة ترد في ثنايا الحوار مثل (بلاش) و(يوه) و(علشان) و(مين) وغيرها،

- ويوفق المشري في تفصيح الكثير من الكلمات مع احتفاظها بالطابع القروي،

- ويعتمد على الحكاية الشعبية في إبراز الجوانب المتممة لبقايا الخلفية الزمانية والمكانية، مع عنايته برصد لوازم الحكاية مثل (قالوا) و(قال الفقيه) و(قالت الناس) و(قال الراوي).

- (الوسمية) رواية فترة زمنية تتناول النشاط الجماعي لإحدى القرى في (الخمسينيات الميلادية) تلك الفترة التي تنفتح فيها القرية على الحياة خارج حدودها، باستثناء سفرية إلى (مكة) أو أخبار يلتقطونها من جهاز (الراديو) الذي يعد الوسيلة الوحيدة التي تتصل منه القرية بالعالم الخارجي، ولما جاءت السيارة كان ذلك انتقالاً جديداً وتطوراً ملموساً على مستقبل حياتها

- (الوسمية) زمن نزول المطر، وأن هذا الزمن يؤثر في حركة الجماعة، ولذا تعاظم دوره عندهم، حتى خشي منه بعضهم فقال المؤلف على لسانه.
الله يكفينا شر هذا الزمان.. إلى متى ننتظر؟؟!
وسكت!

- ويعطي الكاتب عناية خاصة بدورة الزمن داخل الحدث الروائي لارتباط ذلك بالنشاط الزراعي والتحول الاجتماعي أما الزمن الخارجي فلم تتضح صورته تماماً، وان تمت الإشارة إليه ببعض الرموز المختلفة، التي كشفت عن المرحلة التاريخية المواكبة للزمن الروائي.

المصدر المجلة الثقافية


الطائية

ايوب صابر 09-09-2015 06:00 PM

تابع ....

من مقال بقلم : عابد خزندار

- من سنين عديدة، وبالذات منذ أن قرأت "الطوق والأسورة" ليحيى الطاهر عبد الله، لم يشد انتباهي أي عمل محلي أو عربي، اللهم إلا أعمال رجاء عالم، وقد كتبت عنها غير مرة.

- مهما يكن فإنني - كما قلت - وبالذات بعد عودتي من باريس - لم أجد إلا في القليل النادر أي عمل محلي أو عربي يستحق أن أكتب عنه. وفجأة اكتشفت عبد العزيز مشري، اكتشفته من خلال مشاركتي المحدودة في مهرجان الجنادرية، ومن خلال الندوة التي عقدت لقراءة روايته "الوسمية" وهي قراءة قام بها الأستاذ معجب الزهراني، ومن خلال التعقيب والنقاش الذي قام به الدكتور البازعي وفهد الحارثي، والسريحي، والغذامي، والدكتور الشوش، والدكتور سعدون حمادي.. إلخ

- وقد اكتشفت المشري من خلال الجدل الذي ثار حوله، رغم أن هذا الجدل كان جدلاً عقيماً، ذلك لأن مقدم الورقة وهو الأستاذ معجب الزهراني اتخذ عنواناً لورقته هذا العنوان "لغة المعيش اليومي في الوسمية"، أو شيئاً من هذا القبيل. وعندما انتهى النقاش احتدم الجدل بين حضور الندوة - وقد ذكرت - فيما سبق بعض أسمائهم - حول قضية الفصحى والعامية، بين نقاد للمشري لاستعماله للعامية في عمله الأدبي، متهمين المشري بأنه يريد القضاء على الفصحى، ثم بين هؤلاء وبين نقاد مؤيدين يقررون أن اللجوء إلى العامية أمر لا بد منه إذا أريد منا أن نصف الواقع وصفاً أميناً وصادقاً..إلخ.

- وفي وسط هذا النقاش العقيم. ضاعت روعة العمل الأدبي، ولم أتمكن من التعرف عليه واستقرائه.

- وبعد العودة من الندوة صاحبني في السيارة في الطريق إلى الفندق الصديق حسين علي حسين، وطلبت منه أن يزودني بنسخة من الوسمية. وفي اليوم التالي وجدت في صندوق البريد الخاص بي هذه الرواية، ووجدت بجانبها العمل الأخير لمشري وهو "أسفار السروي" وكانت النتيجة أن حبست نفسي في غرفتي يوماً كاملاً، بنهاره وليله لقراءة المشري وإعادة قراءته، وكما قلت في بداية المقال لم يشد انتباهي في الأعوام الأخيرة أي عمل محلي أو عربي سوى "الطوق والأسورة" وسوى "الوسمية" وقد أحسست عندما فرغت من قراءتها أنني إزاء عمل أدبي لا يرقى إلى مستوى "الطوق والأسورة" فحسب بل يكاد يرقى إلى مستوى أي عمل أدبي عالمي كرواية "مائة عام من العزلة" لماركيز،

- والفرق بين هذه الرواية وبين "الوسمية" هي أن الأولى ثرية بالأحداث والوقائع والفانتازيا الأمر الذي يجعلها تبدو وكأنها عمل سحري أو تخييلي ليس بمقدور أي كاتب عادي أو حتى جيد بأن يأتي بمثله، بينما نجد أن الأحداث والوقائع نادرة ومحدودة وتكاد تكون عادية في الوسمية، ولكننا إذا أعدنا قراءة الرواية فسندرك أنها تتحدث عن الحياة والموت وقضية البقاء والنجاة في مجتمع زراعي معزول هو الآخر.

- و"الوسمية" تنفذ إلى أعماق هذا المجتمع ودخائله لكي تجسم لنا قضية الصراع مع قوى الموت، ومحاولة قهرها في سبيل المحافظة على نوع بدائي ومحدود من الحياة، حياة ليس فيها أي ترف أو رفاهية، بل حياة لا تؤمّن للإنسان إلا القليل من مطالبه البدائية كالأكل والشرب، وحتى هذا القليل مرهون بدورة الطبيعة وتقلباتها، مما يجعل بقاء الإنسان واستمراره في الحياة معتمداً كل الاعتماد على الطبيعة وعلى قدرته في مقاومة الظروف المعادية له، دون أن يتوقع أي مساعدة من الخارج، من المدينة مثلاً، أو من الدولة،

- والإنسان في الوسمية يحيا ويعيش ويتغلب على الظروف المعادية بدون أن يحتاج إلى قوى من الخارج تسنده وتساعده على البقاء. إن الخارج غائب تماماً عن مجتمع الوسمية، وأبسط دليل على ذلك أنه لا يوجد أي شرطي فيه... وبالطبع لا يوجد بالمقابل أي هيئة، أي أن مجتمع الوسمية ليس بحاجة إلى الخارج بل بالعكس سنجد أن الخارج عندما يصل إلى المدينة عن طريق السيارة فإن مجتمع الوسمية يتفكك ويتلاشى ولا يصبح له أي وجود ويذوب في النهاية في مجامع المدينة.

- وكما قلت فإن مجتمع الوسمية لا يستسلم للظروف المعادية، وفي نفس الوقت لا يعتمد على الخارج، وهو ينجح في البقاء من خلال تلاحم أعضائه، فالمجتمع هنا عائلة واحدة مترابطة ليس فيها مكان لأي شاذ، ومجرد وجود هذا الشاذ يعني تخلخل المجتمع وحرمانه من شروط البقاء.

- ولهذا فإن الوسمية عندما تتأخر ينصرف الذهن فوراً إلى أنه لا بد أن يكون في القرية خائن أو مخرف لم يعترف بذنبه وحينئذ لا بد من قراءة "الراتب" ونموذج "الراتب" ليس نموذجاً مقصوراً على مجتمع "الوسمية" بل يبدو لي أنه من النماذج العليا التي تحدث عنها يونج والتي يتوارثها الإنسان من إنسان البدايات الأولى، ونحن على أية حال نجد هذا النموذج في المجتمع الإغريقي وبالذات في طيبة، حيث يحدثنا سوفوكليس، أن هذه المدينة تعرضت للجفاف والوباء.. ما يتجلى في حديث الكاهن في هذه المسرحية".

" هذه طيبة كما ترى تُهز هزاً عنيفاً وقد اضطرت إلى هوة عميقة، فهي لا تستطيع أن ترفع رأسها، وقد أحدقت بها الأخطار الدامية من كل مكان، إنها تهلك فيما تحتوي الأرض من البذر. إنها تهلك بما تصيب النساء من إجهاض عقيم..إلخ.." (ترجمة طه حسين) ثم نفهم فيما بعد أن السبب فيما حل بطيبة هو أن هناك جريمة لم يعاقب عليها فاعلها، وأن المجرم هو نفسه ملك طيبة أوديب الذي قتل أباه، وتزوج أمه، دون أن يدري، وتنتهي المسرحية بخروج أوديب من طيبة.. ونجاة المدينة من الجفاف والوباء.

- وقد قرأت وأنا أكتب هذا الكلام توصيات مهرجان الجنادرية، وقد شدت انتباهي توصيتان الأولى هي :
ثالثاً: دراسة علاقة المأثور الشعبي العربي بالموروثات الشعبية في مختلف أنحاء العالم، وإبراز دور المأثور الشعبي العربي باعتباره حلقة من حلقات الوصل المهمة في الموروث الشعبي العالمي.

- أليس هذا هو ما فعل المشري، وهو حتماً لم يقرأ أوديب، وإنما تحدث عن مجتمعه وموروث هذا المجتمع الشعبي، وبدون أن يقصد لفت نظرنا إلى صلة هذا الموروث بالموروث الشعبي العالمي، أي صلة "الراتب" بما حدث في طيبة ومسرحية أوديب لسوفوكليس..

- والتوصية الثانية لمهرجان الجنادرية هي:سابعاً: المحلية في القصة هي خطوة أولى في تاريخ العالمية، ولن يتأتى للقصة العربية أن تحقق هذا الهدف ما لم تنبع من البيئة التي تكسبها الصدق الإنساني.

- ونحن هنا في "الوسمية" إزاء عمل محلي نابع من البيئة المحلية، فهل يمكن أن يتجاوز النطاق المحلي ويحقق العالمية؟ وهو ليس نموذجاً محلياً فحسب بل يكاد يكون في نفس الوقت نموذجاً عالمياً.

- إذ أن مجتمع "الوسمية" ليس مقصوراً على بلادنا، بل أنه موجودٌ في كل المجتمعات الزراعية في العالم، (وخاصة دول العالم الثالث) التي بقيت معزولة عن المدينة، بل أن مجتمع "الوسمية" لا يختلف كثيراً عن مجتمع ماكوندو، القرية التي تدور فيها أحداث رواية "مائة عام من العزلة" والفرق بينهما أن مجتمع ماكوندو قد اقتحمته شركة الموز، وبذلك خرج من عزلته وتبعثر في أنحاء البلاد في حين أن أسرة بيونديا، الأسرة التي أسست ماكوندو، لم يبق منها أحد وانقرضت إلى الأبد، بينما مجتمع "الوسمية" لم يتعرض لغزو أجنبي، وإنما تعرض لغزو المدينة، ومنتجات المجتمع الاستهلاكي الأوروبي، أي أن الطريق الذي بناه أهل القرية كان وبالاً عليهم، لأنه بدلاً من أن ينقل منتجاتهم الزراعية إلى المدينة أغرقهم بمنتجات الخارج التي لا يستطيعون منافستها في أسعارها. وبذلك تركوا عملهم الزراعي، وتفرقوا في أنحاء البلاد للبحث عن وظائف حكومية، وانتهى بذلك مجتمع الوسمية إلى الأبد.

- ولا يقتصر وجه الشبه بين مجتمع "الوسمية" ومجتمع ماكوندو على طريقة أساليب الإنتاج الزراعية، بل الأمر يذهب إلى أبعد من ذلك، فهذان المجتمعان يشبهان المجتمعات البدائية، مجتمعات ما قبل التاريخ، في ارتباط دورة الحياة من زواج وإخصاب وإنجاب وولادة وبلوغ دورة الطبيعة من ربيع ومطر وبذور وإخصاب وإنبات، وهو ما يبدو جلياً في أسطورة برسفونة، (رمز) الربيع عند الإغريق وابنه زوس وديمتير، والتي خطفها هاديس (حارس الجحيم) عندما كانت تجمع بعض الأزهار في صقلية، وأخذها إلى الجحيم أو العالم السفلي واتخذها زوجاً له. ولكن أمها ديميتر استعطفت زوس وطلبت منه أن ينقذ ابنتها من براثن هاديس، فتوصل مع الاثنين إلى حل وسط، وهو أن تبقى برسفونة ثلث العام في العالم السفلي، وثلثيه الباقيين فوق الأرض، وبذلك انقسم العام إلى مواسم الخصب والحصاد وموسم الشتاء. وبذلك ارتبطت دورة الحياة بدورة الطبيعة في حياة الإنسان البدائي وهو الأمر الذي نلمسه بوضوح في الوسمية،

- ولعل المشري (بحسه الفني) قد قصد إليه قصداً، فالفصل الأول يتحدث عن انتظار الوسمية، والفصل الثاني يتحدث عن هطول المطر، والفصل الثالث يتحدث عن زواج بنت حميدة، أي أن نص المطر يستدعي نص الزواج، ومع بداية نمو النبات وبزوغه نجد حكاية عن زلة فتاة، ونجد حكاية عن بلوغ أحمد... الأمر الذي اعتقد أن الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي صوره أيضاً حين قال في قصيدته (كان لي قلب):
وأصوات البهائم تختفي في مدخل القرية.
وفي أنفي روائح خصب.
عبير عناق،
ورغبة كائنين اثنين أن يلدا
ونازعني إليك حنين
وناداني إلى عشك
إلى عشي.
طريق ضم أقدامي ثلاث سنين

- أي أننا هنا إزاء مأثور شعبي عالمي آخر غير مأثور "الراتب" وهو ارتباط مراسم دورة الحياة بالمواسم الطبيعية.. وهو ما يؤكد توصية مهرجان الجنادرية بارتباط المأثور الشعبي العربي بالموروث العالمي.

- وهذا كله يقودنا إلى أن نطرح سؤالاً يتعلق بالتوصية الثانية لمهرجان الجنادرية وهي انطلاق العمل الأدبي من المحلية إلى العالمية. وهذا السؤال هو: هل وصف البيئة المحلية بأمانة وصدق - كما فعل المشري - يكفي لتجاوز المحلية والانطلاق إلى العالمية خاصة إذا كان النموذج المحلي - كما هو الحال في الوسمية - موجوداً على نطاق عالمي؟

- في رأيي - وهو رأي تكوّن نتيجة لما حققته الأعمال العربية المترجمة من انتشار أو لا انتشار - إن ذلك لا يكفي، ولا يحقق العالمية، لأن الذي يحقق العالمية هو الشكل وليس المحتوى. وقد يبدو هذا القول غريباً ولكن هذا هو الذي حدث ويحدث فعلاً في تعامل الغرب مع النماذج الأدبية التي تأتيه من الشرق، ولعل أقرب مثل يرد إلى الخاطر في هذا الصدد هو تعامل الغرب مع ثلاثية نجيب محفوظ عندما ترجمت إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وفيما أعرف لم تحدث الثلاثية أي صدى عند المتلقي الإنجليزي، رغم أننا في عالمنا العربي نعتبرها أعظم عمل روائي عربي حتى الآن، أما في فرنسا فقد تصادف حين ترجمت هذه الرواية إلى الفرنسية أنني كنت أعيش في باريس، وقرأت عنها تعليقاً قصيراً ومبستراً في ملحق صحيفة اللوموند الأدبي الذي يصدر في يوم الجمعة من كل أسبوع، وبعد ذلك لم أقرأ عنها أي شيء في الصحف والمجلات الأدبية الفرنسية، ولعل مقال اللوموند كان حاسماً في الحكم عليها بالإعدام، ذلك لأن نجيب محفوظ استخدم في الثلاثية شكلاً من أشكال الرواية الأوروبية يعرف باسم الرواية النهر - Romam Fleuve والتي يسميها نجيب محفوظ نفسه برواية الأجيال، وهو شكل انتهى ودخل التاريخ منذ أكثر من سبعين عاماً، ولم يعد له وجود على الساحة الأوروبية، وحلت محله بالطبع أشكال أخرى من أشكال الرواية، ولهذا فعندما يفد إليهم عمل من الشرق مستورد منهم وفي نفس الوقت مضى وانقضى من واقعهم، فإن النتيجة المنطقية والطبيعية هو أن لا يعبأ به أحد وهذا ما حدث فعلاً بالنسبة لثلاثية نجيب محفوظ، والعديد من الأعمال الأدبية التي ترجمت إلى لغات الغرب. وعدا ذلك فإن العمل الأدبي الوحيد الذي وفد إلى الغرب من الشرق وبها هو ألف ليلة وليلة.. لماذا؟ لأنه قدم لأوروبا شكلاً من أشكال القصص لم تعرفه من قبل. لقد عرف الأوروبيون الملحمة والدراما والتراجيديا والرواية والقصة وربما الحكاية الشعبية، ولكن ألف ليلة وليلة فاجأتهم بشكل جديد لم يعرفوه من قبل، إنها ليست ملحمة وليست رواية وليست قصة، إنها شيء مختلف عن كل ذلك، وهي بالتأكيد ليست مجرد حكاية، إنها بناء فلسفي معقد ينهض على الحكاية، ولكنه يعدوها ليقدم لنا مجموعة من الحكايات التي تتداخل مع بعضها البعض، وتشكل في نفس الوقت حلقة موصولة ومواصلة من التجارب الإنسانية الثرية وهذا ما يجعلها تختلف عن الرواية بشكلها الأوروبي، فالحكاية كما يقول الناقد الألماني بنجامين شفهية، بينما الرواية عبارة عن كتاب لا يتحقق وجوده إلا بالكتابة، ولهذا فإن ظهور الرواية وانتشارها لم يكن ممكناً إلا بعد اختراع الطباعة، وما يمكن نقله وتداوله من فم إلى فم بكل ما يحوي من ثراء ملحمي يختلف كل الاختلاف عن طبيعة محتوى الرواية.

- إن الحكم الشفهية التقليدية ملك مشاع للجميع، وتداولها من فم إلى فم يجعل منها تجربة إنسانية مشتركة، ويشارك فيها الراوي والمستمع... والمستمع عندما يصبح راوياً يحكي الحكاية لمستمع آخر.. وهكذا دواليك بحيث لا يعرف في النهاية اسم المؤلف الأول (كما هو الحال في ألف ليلة وليلة)، أما الرواية فتظل ملكاً خاصاً بالمؤلف، لأن المؤلف معزول عن قارئه، وهي عـين اختيارية، وبمجرد أن يعزل المؤلف نفسه عن الآخرين فإنه لا يستطيع أن ينقل لها تجربته الذاتية، إنه لم يتأثر بالحكمة الجماعية التي يكتسبها الراوي (راوي الحكاية)، ولهذا فإن عمله يخلو من أي حكمة،

- وإذا أخذنا أول وأعظم رواية وهي دون كيخوته فإننا نجد الثروة الروحية والشجاعة والفداء تتحول إلى أعمال طائشة حمقاء خالية من أي حكمة، وما ينسحب على الرواية ينسحب أيضاً على القصة القصيرة، فهي أيضاً قد انعزلت عن التقليد فهي في القصص الذي يتمثل في نسيج متواصل من الحلقات، تستدعي كل حلقة فيه نقطة جديدة، أو إضافة جديدة، أو غزلاً لا ينتهي، مثلما حدث لشهرزاد التي ما أن تنتهي من حكاية حتى تبدأ في التفكير في حكاية جديدة، تضاف إلى الأولى وتكملها، وما أن تنسج هذه الحكاية الجديدة، فإنها تبادر إلى نسج حكاية أخرى.. وهكذا دواليك حتى تصل إلى مجموعة من الحكايات يربطها خيط واحد، لأنها نسجت على منوال واحد، وهو منوال التجربة الجماعية.

- صفوة القول إننا إذا أردنا أن نصل إلى العالمية فلا بد أن نقدم للغرب شكلاً جديداً لم يعرفه من قبل، وهذا لا يتحقق بالطبع بتقليد ألف ليلة لأنها أصبحت معروفة ومستهلكة، وإنما بتطوير هذا الكل واستنباط شكل جديد منه، ومع الأسف فقد سبقنا أدباء ما بعد الحداثة خاصة ايتالو كالفينو إلى ذلك، ولهذا فإننا يجب أن لا نقلدهم لأننا عندما نفعل ذلك فلن نأتي بجديد، ولحسن الحظ فإن ثمة أعمالاً عربية ما بعد حداثية أصيلة ليس فيها تقليد لألف ليلة وليلة، وليس فيها تقليد للآتي من الغرب وخاصة تيار ما بعد الحداثة، وإنما تطوير الاثنين معاً، وهو في رأيي تطوير عفوي لا مقصود نتج عن الصدق في وصف البيئة المحلية والمحافظة على تقاليدها في النص الشعبي الشفهي، ومن هذه الأعمال، بعض أعمال الطيب صالح... وأعمال يحيى الطاهر عبد الله، والوسمية،

- ولهذا فإنني في نهاية المقال أرشح المشري للعالمية.

ايوب صابر 09-16-2015 04:21 PM

تابع ...عبد العزيز مشري

من قال بعنوان تحولات المكان في رواية عبد العزيز المشري

- ثلاثة محاول نستطيع أن نتتبعها في كتابات عبد العزيز مشري الروائية: تأثير الطبيعة وتحولات المكان وحلم التغيير الذي يرتبط بالعلم والمستقبل والحركة والحياة.

- وتبدو رواية " الغيوم ومنابت الشجر " وكأنها نتمه لروايتة السابقة " الوسمية" التي تصور بدورها الانتقال من مجتمع بدوي إلي مجتمع مدني فبالإضافة إلي أن مكان الأحداث واحد في الروايتين وهو قرية الجل وقرية الوادي فقد تم التحول والتغيير بامتداده في الزمن وفي الأشخاص والمجتمع لعامة عبر مقابلة بين المجتمع القبلي والمجتمع الحضري بين القديم والجديد بين الجمود والتطور الخرافة والعلم القيم الشرقية الأصيلة والتقاليد المستحدثة

- وفي رواياتة لا نجد حكاية أساسية أو حبكة أو نمو وتطور في الشخصيات وإنما مجموعه من الحوادث المتفرقة في قالب من الحكايات الفرعية المتداخلة نحو التراكم الذي ينتج عنه التحول علي نحو عام

- تشابه الشخصيات في الروايتين .

- وتدور روايتة الأولي الو سميه حول تعبير طريق يصل ما بين القرية والمدينة وتضم ثلاث عشر حكاية هي : انتظار , تمر وسميه, بنت حميدة تتزوج, مصلح الدوافير الخال يزور " أبو صالح " الماطور , أبو جمعان مع ضيفه في البئر الزلة, أحمد يتعلم أشياء جديدة حمارة حميدة , أمطرت الحظ

- والجد في الروايتين واحد والخال الزائر في الوسمية هو البدوي صديق الجد في الغيوم والشايب الذي أصيبت قدمه وهو يعبر الطريق في الوسمية تقطع ساقه في الغيوم " مطر"

- ولعل أفضل مافي هذه الرواية هو تقديم الكاتب لخصوصية البيئة والمجتمع السعودي وهو يستخدم تعبيرات عامية سعودية وتتخلل روايتة نبرة السخرية والتضمينات اللاذعة التي يعبرها بسرعة ولكنها تستلفت نظرك بعمقها وجديتها

- ويطعم الكاتب روايتة ببعض الأمثال العربية ( لا تري البدوي طريق بيتك ) والرقصات الشعبية كالمسحباتي ويرينا طرقا من المجالس العرفية والعادات الشعبية في الأفراح والزواج كما تبرز للعيان النظرة إلي المر أه المسلمة باعتبارها تحتل المرتبة الثانية بعد الرجل والإيقاعات الصوتية وأن كان استخدامها فوتوغرافيا وكذا التقاليد الإسلامية

- والكاتب يركز علي الوصف والتقرير ويورد كثيرا من التفصيلات الصغيرة التي كنا نود أن يتخفف منها ومع ذلك فقد نجح الكاتب في أن يثير في أعماقنا الشجن لهذا الزمن المنصرم وأن يجعل " للمكان وظيفة في إنهاء النص القصصي بنغمة مسيطرة أو سائدة هي التي تبقي في ذهن القارئ بعد انتهائه

ايوب صابر 09-18-2015 10:26 PM

تابع ... عبد العزيز مشري



من مقال بقلم علي الدميني /

- تلتقي " البنى الأساسية " للروايات الثلاث المنشورة في هذا المجلد، حول ما يمكن وصفه بمحور " التناص الحياتي " بين السارد وسردياته ، فيتبدى لنا تماهي الروائي مع حياته في أعلى ذرى تشابكها، من خلال شفافية المكاشفة والتدفق العفوي لسرد الحدث، ورسم المكان والشخصيات ، بحميمية لافتة.

- ف "الوسمية "، كأول تجربة روائية للكاتب ، تتسم بوجدانية العلاقة بين الكاتب وموضوع نصه، بما يحفزه على رسمها لغويا وفق " لغة المعيش اليومي " في مجتمع القرى ، التي كانت تشكل " تعاونيات " حياتية طبيعية ، تحكمها وتتجلى عبرها جماليات ومدلولات العلاقات البشرية في أي مجتمع قروي بسيط، يعيش على إنتاج معرفته بذاته، وإنتاج خيراته لنفسه، وإقامة علاقاته المتوازنة بين أفراده، ومع المحيط المجاور.

- ولذا يغدو توظيف " لغة المعيش اليومي" – التي سكّ مصطلحها هنا الدكتور معجب الزهراني – كتعبير عن رغبة عاطفية دفينة، في إيجاد معادل فني قادر على الاحتفاظ بالذكرى "الإنسان / المكان" من خلال تكريس البلاغة الخاصة لتلك اللغة اليومية البسيطة، في كتابة النص.

- وهذا المنحى المختلف هو ما جعل رواية " الوسمية "تأخذ موقعها في الحقل الروائي المحلي والعربي ( اتفاقا و افتراقا) منذ البدء.

- أما رواية " في عشق حتى " فإنها نص إبداعي ، تتشاكل فيه " عذرية عشق قيس وليلى " ولذة الحرمان الذي عاشاه ، مع تأملات العلامة الفقيه " ابن حزم " لحالات الافتتان والتوله في طوق الحمامة"، لتفصح جذور تلك الأمثولات العاطفية عن أشباهها المعاصرة في افتتان العاشق بمعشوقته، فكرةً كانت ، أو حلماً، أو امرأة ، عبر تجليات عشق الروائي ل "حتى" !

- وحين نصل إلى الرواية الثالثة "المغزول " فإننا سنقرأ حالة أخرى من إبداع الذات لكتابة حياتها في عمل مختلف، يواجه فيه الروائي موته، بل ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في رؤية " ما بعد الموت" ، لنمضي معه في هذا النص لمعايشة أشد لحظات الألم ،وفقدان الوعي ، ولقاء الموت وما بعده، ومن ثم عود ة الروائي إلى الحياة، محملاً بنقض تراجيديات الأساطير والواقع التي يحملها الإنسان في حياته.

- ولعل من الصدف العجيبة والدالة أيضاً، أن يعيش " عبد العزيز مشري " هذه التجربة ويكتبها روائيا ً في نفس الفترة التي عايش فيها شاعرنا العظيم " محمود درويش" تجربة " مواجهة الموت "، وإبداعه لملحمته الشعرية المتفردة "جدارية محمود درويش" في عام 1999م!!

- بهذا المجلد الثالث من" الأعمال الكاملة " للراحل الباقي " عبد العزيز مشري" يسعى " أصدقاء الإبداع – أصدقاء عبد العزيز مشري" لتقديم أعماله الخصبة ، والمتعددة الاهتمامات والسمات الإبداعية ، إلى قرائه والمهتمين بإعادة التأمل فيها وقراءتها نقدياً، ليبقى صوته الإنساني والوطني حياً كما يستحق ، في سيرته العطرة، وفي غيابه الحي وحضوره بيننا.

- وتبقى كلمات للتاريخ ،ولذكرى الراحل ، ورغباته، تستدعي منا الإشارة إلى أننا قد أجرينا بعض التعديلات الطفيفة على عبارات من رواية " الوسمية " ، و رواية "المغزول" ، تقديراً للضوابط الاجتماعية ( التي نعرف أن سقف حرية التعبير الإبداعي في المملكة ، قد تجاوزها، ولكن!!!) ، آملين – بحنان خالص – أن يسامحنا " عبد العزيز" على ما قمنا به من اجتهاد!!علي الدميني

ايوب صابر 09-19-2015 12:55 PM

تابع ....


- اصدر مجموعة أعمال سردية وهي: موت على الماء، اسفار السروي، قال المغني، الزهور تبحث عن آنية، الفيوم ومنابت الشجر، الوسمية، الحصون، أحوال الديار،ريح الكادي، بوح السنابل، صالحة، جاردينيا تتثاءب في النافذة، مكاشفات السيف ،الوردة .
- ساهم في كتابة المقالة الصحفية عبر زاويته (تلويحة) في أكثر من صحيفة سعودية، كان آخرها الجزيرة وعبر ملحقها الثقافي.

- ويعد الراحل اضافة الى تميزه في الكتابة الروائية - التي أشاد بهاالناقد المصري الدكتور علي الراعي,,, واصفا روايته الفيوم ومنابت الشجر بأنها تضع كاتبها في مصاف كتاب الرواية في العالم العربي -

- وهو في طليعة كتاب القصة القصيرة في المملكة والعالم العربي,, متميزا بعالمه المستوحى من البيئة,,

- يتميز وبقدرته على استحضار التفاصيل,,

- ولغته الشعرية المعبرة,.

- ولا يكاد المثقفون السعوديون يجمعون على تميز كاتب في التجربة المعاصرة قدر اجماعهم على تميز الخط الابداعي للمشري.

- كان أبرز من كتب عن طبيعة الحياة في القرية الجنوبية بل أبرزهم حيث نقل عبر تجربته الروائية والقصصية منظومة العادات والتقاليد والقيم والمكونات الحضارية لهذه القرية في أعماله.

- كما استوحى طبيعة انسانها,, ومزاجه وحسه الانساني.

- كما كانت تجربة المرض جلية في إبداع المشري,, حيث استمدها كمقومات إبداعية

- نقل عبرها,, أدق تفاصيل الاحساس الانساني ساعة المرض,,

- بتلك الشفافية المتناهية,,

- والوصف الواقعي المنتقى,,

- الحساسية الاستثنائية

- كما كان إبداع المشري موضعا للعديد من الدراسات النقدية وتناول انجازه القصصي والروائي باعتباره ملمحا مستقلافي مسار الابداع السردي في المملكة وقد تناول أدبه بالدراسة الناقد الدكتور محمدصالح الشنطي، والدكتور معجب الزهراني، والدكتور حسن النعمي، والدكتور يوسف نوفل،والاستاذ عابد خزندار، والاستاذ احمد بوقري، والاستاذ حسين بافقيه، والاستاذ معجبالعدواني، والاستاذ عبدالحفيظ الشمري، والاستاذ احمد سماحة، والاستاذة فوزيةابوخالد، والاستاذ حسن السبع، والاستاذ فايز أبا.

- ولا يكاد يذكر واقع السرد في المملكة حتى يكون اسم المشري أبرز رموزه.
ولم يتوقف إبداعه عند القصة والرواية بل امتلك تجربة تشكيلية ثرية,, حيث مارس الراحل الرسم بالالوان,, مثلما ابدع بالرسم بالكلمات.

- وقد قام بتنفيذ الرسومات الداخلية للمجموعة الشعرية الاولى للشاعرة فوزية ابوخالد الى متى يختطفونك ليلة العرس ,, كما رسم لوحات بعض اغلفة أعماله النثرية مثل: ريح الكادي، والحصون، وموت على الماء، والزهور

ايوب صابر 09-20-2015 04:36 PM

تابع ....عبد العزيز مشري
-أعاقته ظروفه الصحية عن استكمال دراسته أو الانتظام في عمل وظيفي.

ـ أصيب بمرض السكري وأدت مضاعفات هذا المرض وعلاجه مع مرور الزمن إلى تأثير على البصرواختلال في التوازن والمشي والفشل الكلوي مما اضطره للغسيل عن طريق ( الديلزة ) ،وكذلك تعرضه لضغط الدم.

- زرعت له عملية كلى عام 1993مبجدة وقد تمت العملية بنجاح مما ساعده على السطوع مرة أخرى ، إلا أن ( الغرغرينا ) راحت تأكل أطرافه فبترت إصبع من يده اليسرى ثم بترت قدمه اليمنى وبترت الساق اليسرىكاملة.

-بعد إصدار مجموعتي القصصية الأولى " موت علىالماء " عام 1979م .. توقفاً منلوجياً تأملياً ..

-رأي أن الكتابة وقتها .. لاتحتاج إلى التغريب والبحث عن مادتها وعالمها من خارج ما يقع في الذهن من حكاياوأحاديث طويلة تكمن عند أصبع القدم وليست في جزر " الهونولولو " أو وديان " واقالواق " ، يضاف إلى هذا الشعور بالغربة القاسية والمرهونة بظرفها الذي لم أجد معهإمكانية لكسرها أو النفاذ منها بمجرد خاطر العودة .. وما سببته من حميمية إنسانيةقوية تجاه عالمي القروي الأول .

-لقد رأيت أن الكتابة لا يمكن أن تصيب وجدانوذهنية كاتبها - الروائية تحديداً - إلا إذا كانت تغمس سن قلمها في دم كاتبهاخزينة معيشته أو تجاربه وطريق رؤيته واستراتيجية .. قل محصلته الثقافية.

- ليس ثمة سر ولا كشف إنما هو الرجوع الحميمي لتفاصيل المكانالطفولي وجماليات معيشته وذكرياته، وبرغم بعد المكان على الإنسان يبقى يحن للأشياءالتي ارتبطت باندها شيته ومعيشته الأولى .. أذكر عندما كنت في إحدى الولايات في " أمريكا " وفي ظرف صحي يصعب وصفه تمنيت - وقت إذ امتنعت عن تناول أي نوع من الطعاموالشراب - تمنيت كسرة خبز ناشفة من حب " البلسن " العدس البني الصافي - مع قهوةالبن أو مع اللبن الحامض بالريحان

- يقول العلماء إن الإنسان في لحظة خطرة مباغتة .. يصرخ منفعلاً بلغته التي تعلمها في بيئة وطفولته، ولحادثة تحدث في عمر كبير وفيمنطقة بعيدة جداً وغربية اللغة والحياة عن بلده .

- كنت في الطفولة مفتونا بالنجوم وبعدها وكنت أحلم بنجم أخضر مضيء.

-الذائقة الفنية أيضاً - ومع علاقتها بالثقافة - لا يمكن فصلها عنزمن الطفولة والنشاة

- تميزت شخصيتك في سنوات الطفولة والصبا وحتى السنوات الأولىالتي قضيتها معنا في الدمام بالتأمل والأناقة مع ميل للانطواء،ولم تكن ترتاح أوتشارك في الأحاديث التي تخوضها مجموعة كبيرة من الأصدقاء، فاتخذت شخصيتك ملامحهاالجادة المبكرة والزاهدة في الآخرين، وفجأة وجدناك تحيل كل شيء إلى سخرية مرة أوهازلة،ثم ما لبث هذا التحول أن تغلغل داخل تكوينك الكتابي واليومي فأفدت منهالكثير في حياتك وأعمالك الكتابية حتى أصبح الحديث معك متعة خاصة يتعشقها الكثيرونوالكثيرات .هل يمكن أن تضع أيدينا على جذور ذلك التحول الهائل في تكوينك منالانطواء إلى الهزل وإلى السخرية وحب الدعابة ؟

- عندما كنت أعيش في القرية إلى سن أول العشرين .. لم أكن لأعرف العالم بمحيطاته وأناسه واختلاطات إيقاعاته وسهوله و جباله .. سوىبحدود طلوع الشمس من مشرقها خلف الجبل الكبير المقابل للبيت من بعيد،وللحصنالقديم الذي تلتف حوله برتقاله الشمس النحاسية في الغروب .. هذه حدودي التي التقطتفي تفاصيلها عالمي الأليف والحبيب والشقي أيضاً بآلامه وحرمانه، لكنه كان حميمياًومتغلغلاً في انسجتي وخلايا ذاكرتي وجوارحي ..

-فجأة أخذتني أقدار الصحةإلى " الرياض " .. فكنت أهرب من المستشفى في السابعة مساءاً لكي أعود إلى بيتي فيمدينة " الدمام " اقضي نصف الوقت في الطريق ( 3-4 ) ساعاتوأعود إلى غرفتيبالمستشفى قبل السابعة صباحاً ..لا تقل إنني كنت مجنوناً .. لقد كان هذا يحدث وفيحالة إغماء فالظرف الصحي كان صعباً.

- اقامتي في القاهرة كانت تجربة مهمة فيحياتي على كل الأصعدة غير أن اهتمامي بالكتابة عن عالم خاص شديد المرارة كما رأيت .. جعل رواية "الوسمية " تأخذ المكانة الحميمية الأولى وقتها، و بعد ذلك أخذتالأشياء تتوالى كتابياً في هذا البحر.

-لم يقم السفر الزواجيفي طريقه لقد ازدادت الصحة سوءاً واستمرت حالات عدم الوفاق من الطرفين .. ثم اتفقابصورة إنسانية على الانفصال . انفصلنا في حال تراجيدي صعب وكان كل منا في حالةحزن شديد ..

- يقول : أرى أن الإنسان عموماً وليس الكاتب المبدع وحده .. هونتيجة تجربة كتابية وإنسانية أولاً تصل إلى الحد الذي وصل إليه .. أنا كتبت فيمرحلة ( أعتقد أنها ثائرة الدم والعصب والفن ) .. مجموعتي الأولى " موت على الماء " ..النقاد أعتبروني ضدها لغة وفكراً بحكم اليوم .. لا مشكلة!.. أنا اليوم ( نهايةالقرن ) وبحكم التطور المرحلي ( في العمر والتجربة ) .. لا يمكنني أن أكتب لذاتاللغة والنحت المفردي الخاص في مجموعة " موت على الماء " .. مع أن الموت لا يزالقائماً .

-اخوالي من قرية بعيدة و من قبيلة غير القبيلة التي فيها قريتنا، وكنت أذهبإليهم مع والدتي مسافة نصف يوم مشياً على الأقدام ولا أنسى تفاصيل الطريق والقرىالتي نمر بها وبالطبع أسماءها ومساجدها ومدارسها الابتدائية والشعراء المعروفينوقراهم ..

- ربما ان ظروف المعيشة التي عاشاها في طفولته كانت صعبة للغاية ومثل ذلك سيره على الاقدام لمدة نصف يوم حتى يصل الى بيوت اخواله، لكن ربما ان المرض هو سبب ازمته الاساسية.

ايوب صابر 09-27-2015 01:24 AM

تابع ... عبد العزيز المشري


الكتابة والمرض
عبد العزيز المشري
september 26, 2015

عن القدس العربي

عندما قال الشاعر العربي أمل دنقل في آخر أيامه، أنه لا يخاف الموت، بل يخاف العجز، لم يكن محطماً إلى نقطة يظنها البعض الاستسلام.. لا، بل كان يرى في قرارة قناعته أنه أكبر من الإصابة بهذا الخلل الطبيعي السخيف، وكانت نظرته «في البطاقات التي تحمل أسماء قاتلي الزهور، المقدمة إليه من أصدقائه الزوار».
وإذا كانت قناعته النهائية، بأن زائراً أخيراً سيكون مضيفه الأبدي، اسمه الموت، فإن هذا لم يقطعه أبداً عن الورقة والقلم.. عن إدراكه الكامل بالهمّ الخارجي.. بألم الآخرين، وبطمي الجنوب، وباستدراكات أخرى يراها في غاية الهمّ، بعيداً عما يفكر فيه أصدقاؤه وزائروه .
أعتقد أن الإنسان، عندما ينوي الموت، وهو على فراش المرض، فإنه يختار هيئة موته، إنه يموت. المسألة لا علاقة لها بالمنظور الميتافيزيقي، وليست من باب الافتراض المثالي، بل أرى أنها الحقيقة، وضد هذا الشأن من يجد أنه لم يتهيأ للموت، ليس لأنه يخافه، بل لأنه يجد في قدراته التغلب عليه، وأنه يحتاج إلى عمر أطول وأبقى، من أجل أشياء سامية، ليس بقرار الحفاظ على الذات المسكونة برغبة الاستمتاع الاستهلاكي لساعات الحياة.
إننا نجد في التاريخ شخصيات شهيرة وذات رسائل إنسانية تاريخية، لم يجدوا من بقائهم بعد تأديتها سوى أن يتهيأوا للموت.. وكان لهم ذلك، لقد أدوا أماناتهم، وقالوا للناس ما يريدون أن يقولوه، ثم أعدوا لحياتهم ميقاتاً.
بالطبع لا يمكننا أن نجعل من حالات تقبّل أو رفض الموت، والإحساس بالتهيؤ له من عدمه، قانوناً. ولا يمكن اعتباره مقياساً علمياً كاملاً على كل الحالات، إذ أن هذا الشأن يحتاج إلى بحوث طويلة متنوعة الموارد، يعنينا أن تظل في إطار القياس، من خلال التجربة الخاصة، المختلطة برغبة الحياة، والإبداع، والجمال النسبي المعجون بهمّ الكتابة الإبداعية.
ولعل ذلك العشق الجنوني، والركض على حوافّ ثواني العصر، برغبة النبض الدموي في الكتابة، لم يساوم في قبول أي معطل، ولا يراهن على شيء مثلما يراهن على الاستمرارية.. الاستمرارية المطلقة، تلك التي لا ترضى بالتخبؤات والمداهنة، وليس لها أي منافس ولا مقابل ولا معوض، الرغبة الجامحة المبهمة في الإبداع.
أحد الحالات المتكررة في ظرفي الصحي، الذي «ليس من صداقته بدّ»، أن نتائج ضمور أعصاب الأطراف تكاد تحول دون الكتابة، وتبقى الأصابع مشتعلة بالحرارة العالية، مما يستوجب وضعها في الماء، فأحضر «طشتاً» على طاولة الكتابة، أغمس اليدين عشر دقائق لتبرد نصف المدة، أنفقها بين الورقة والقلم، تكون الحروف كبيرة أحياناً ومعوجة، وتتشابك السطور. غير أنها تبقى مسكونة بالرغبة المحمومة، بالانتشاء والمسرة.
لا خلاف، ولكن ما سبب تلك المسرة؟
لا نستطيع أن نقتبسها بميزان ثمرة الإبداع، وأبداً ليس بميزان الانتصار، الذي قد يفسره من يعلم. فالأمر لا رابط بينه وبين التحدي أو «الشطارة». لا، فإنما أجدني ضعيفاً وخاملاً، وقابلاً للانكسار، ومراراً يرتادني حسّ بالغباء، والطفولة في ثوب إنسان كامل البناء، لا رابطة بين ما يظن أنها قدرة غير اعتيادية وبين ما تحمله دواخلي، القوة المحملة بالمسرة تأتينا من هنا فقط.. من الطقس الكتابي، والإبداعي، أما ما عدا ذلك ففي الجورب العتيق.
والآن…
هل يمكن تحويل الألم إلى إبداع؟
قد يبدو سؤال كهذا قشورياً، وربما تعززه بإضافة: وكيف؟
بديهياً نعلم أن المعاناة المعتمدة على التجربة الخاصة، وإلى حد مبالغ فيه، تدفع بالكاتب والمبدع على وجه العموم، إلى استخلاص مركب، يكون بمثابة الرحيق، يقطر بحرارة واقتصاد عن أداة فنّه، وبالتالي فهو محاسب أمام إبداعه عن ذلك الاستخلاص، وهو أيضاً ـ وبدون تكلف ـ سيمضي بانقياد نحو إفاضة مهذبة (لا أعني أخلاقياً) نحو التعبير، وعليه فإن بديهية السؤال في مكانها.
لكننا نرغب في التعرف إلى كيفية الربط بين الألم والكتابة، فعندما يسيطر الألم المتقرح من بيولوجية البشر، فإنه بالضرورة يأتي على هيئة الحس، وهو المدى التأثيري المسيطر على كل انفعالاته ووظائف أعضائه، وهو تلك النافذة الضيقة المحصورة، التي يطل منها إلى الحياة، وعبرها تتحدد نظرته ومفهومه المخزون لفلسفتها. وحينما يكون هاجس الكتابة ممتزجاً بدماء الكاتب، فهو بلا شك مقترن بالألم حين حدوثه.
الكاتب لا يحتاج إلى شهود، حتى يقدموا له مرأى الحواس، بأنه ملتقط ذكي للأشياء، وعاكس حذق للأوجاع المبثوثة في دواخله أو خارجها في المحيط الماضي. فكيف وهو يصارع أوجاعه؟ كيف وهو الذي يعايش الأمر في كل ثواني حياته؟
في تلك الومضة الفاصلة بين نهاية الألم وبين الدخول فيما بعدها، تبدأ حكاية جديدة بلسان وعين مزدهرة لتكفير الآثام، حكاية أخرى لم يكن يحسب لها حساباً لو لم يكن الألم قد عصر صحته.. إنها كالمكافأة الحلوة والمجزية، لا يجد ما يعادلها. جمالها في أنها تتجدد، وفي كل مرة خروج من حالة ألم مستجدة، تتكرر تلك الحكاية، وهكذا.
إننا لا يمكننا وبأي حال من عدم الإدراك، أن نتصور أن الكاتب المتجاوز لآلامه، يختلف عن طبيعة الآدميين في حسه بالألم، فمهما بدا في عين الآخرين أسطورياً، إلا أنه لا يجنح خارج مطارق الألم. الفرق هنا أنه يحوله إلى إبداع، ويجد فيه كامل العزاء والانتصار، وبالتالي الأحقية في تكثيف المقاومة من أجل إبداع أكبر وأجمل. فالألم هنا ـ وهذا ما أريد التنويه عنه ـ ويطوف هناك خارج بدنه، يتحول بين الآخرين، وينصهر بمحبة بالغة، ليكتب عن آلامهم المختزنة في دواخله على شكل تراكم همومي عميق، لذلك فإيـجـابية الألــم تـــكــون بـــارزة عنده، وموظفة توظيفاً نابضاً، مثلما تواجهه أية صدمات تشويهية خارج ذاته.
من «مكاشفات السيف والوردة»، 1993

سارد الجنوب

في سنة 1987، استمع الكاتب والروائي السعودي (1954 ـ 2000) إلى نصيحة من الروائي المصري صنع الله إبراهيم؛ بأنْ يُصدر، في كتاب، الأقاصيص والكتابات والشذرات التي دوّنها من وحي المرض (أصيب المشري بداء السكري في مرحلة مبكرة من حياته، وانعكس عذابات المرض، ومشاقّه العملية، على مسار حياته كإنسان وككاتب أيضاً).
وهكذا كان، فصدرت المجموعة القصصية «الزهور تبحث عن آنية»، التي حملت بعض تجارب المشري في المستشفيات وعلى أسرّة المرض،

- وعكست رغبته الجامحة في إقامة «موازنة يقظة» بين مستوى وعي الكاتب وفنّية كتابته، وبين «لغة مفهومة» تتيح التخاطب مع الناس، وفي الآن ذاته «تستدرك زمام شكلها الفني بصورة جميلة وغير مخلة بمستوى الفنّ فيها»، كما قال.

- قبل هذه المجموعة، في شكل القصة القصيرة دائماً، كان المشري قد أصدر «موت على الماء»، و«أسفار السروي»؛ وبعدها نشر «بوح السنابل»، و«أحوال الديار»، و»جاردينيا تتثاءب في النافذة».

- وأمّا في الرواية، فقد صدر عمله الأول، «الوسمية»، سنة 1982، والذي غاص عميقاً في مناخات القرية السعودية الجنوبية خلال خمسينيات القرن الماضي،

- والتقط الكثير من تفاصيل الحياة الشعبية في 13 لوحة، على نحو جمع بين الواقعية والرمزية،

- وغامر بطرائق في السرد لم تكن مألوفة آنذاك ضمن المشهد القصصي السعودي، فبدا وكأنه ينقّل المؤثرات في أدبه بين يحيى حقي ويوسف إدريس على الصعيد العربي، وبين أونوريه دو بلزاك ووليام فوكنر على الصعيد العالمي. وبمبادرة كريمة من أصدقائه، وخاصة الشاعر السعودي علي الدميني، صدرت بعد وفاة المشري أعماله الروائية في مجلدين، ضمّا «مكاشفات السيف والوردة»، «الغيوم ومنبت الشجر»، «ريح الكادي»، «الحصون»، «صالحة»، «في عشق حتى»، و»المغزول». كما صدرت له مجموعات شعرية، بينها «ترنيمة»، «توسلات في زمن الجفاف»، و»خطوط من رحيق الريشة».

- كان المشري سارداً مثقفاً، بمعنى أنه وظّف في باطن حكاياته الكثير من عناصر الفلسفة والتشكيل والشعر والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والأساطير والرموز،

- ولم يكتفِ بتمثيل ميادين واسعة في توتّر القديم والحديث، ومجتمع البداوة والصحراء ثمّ النفط والعمران، بل تقصّد رسم شخوص كونية الطابع، عريضة الترميز، عابرة للجغرافيات والثقافات.

- وثمة إجماع، بين كتّاب السعودية، غلى المكانة الحداثية التي شغلها المشري، ليس في عداد أبناء الجيل الثاني من كتّاب المملكة فقط، بل على مستوى ريادة فنون السرد وتطويرها أيضاً.

عبد العزيز المشري

ايوب صابر 10-04-2015 01:00 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 100- البشموري سلوي بكر مصر
من مقال بقلم : منـى هـلال

- رواية في الجغرافية والتاريخ والأديان

- لا بدَّ، أولاً، من توضيح بضع نقاط قبل الخوض في بحر البشامرة، ألا وهي أن "البشموري" هو الفلاح القبطي الذي يسكن شمال مصر – دلتا النيل –، تلك الأراضي الموحلة من جراء جريان نهر النيل العظيم وفيضاناته، حيث العيشُ خَطِرٌ وصعبٌ بالنظر لما يجلبه النهرُ من طمي وتغيير في معالم الأرض والمكان؛ ولغة أبناء هذه الأرض هي "البشمورية"، إحدى لهجات الأقباط المصريين.

- المصدر الرئيسي لكتاب سلوى بكر[1] الذي نتناوله في هذا العرض إنما هو تاريخ الكنيسة القبطية – تاريخ الآباء البطاركة – للأب سايروس بن المقفع الذي اعتمد مزج التفاصيل الصغيرة بالأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عرضه تاريخَ مصر. فهو المؤرخ الوحيد الذي تطرَّق إلى ثورة البشامرة، الفلاحين القبط، وغيرهم ضد الخليفة المسلم، حاكم البلاد – مع العلم أن الكنيسة القبطية آنذاك أيدت الحكم الإسلامي ضد ثورة البشامرة وتوسطت لإقناعهم بدفع الخِراج للدولة وإعلان الطاعة؛ مما يجعل الرواية تعكس آخر مشهد في حياة مصر قبل تحوُّلها إلى دولة مسلمة بعد أن عرَّبت الكنيسةُ القبطيةُ الصلاةَ فيها.

- تجري أحداث الرواية في عهد الخليفة المأمون، الذي قضى على ثورة البشامرة، حتى لم تقم لهم بعد ذاك قائمة. ثم استخدم الخليفة المعتصم الأسرى الأقباط الذين جُلِبوا إلى بغداد، مركز الخلافة، للقضاء على "ثورة الزلط" (وفي مصدر آخر: "الظط") في جنوب بغداد، نظرًا لمعرفتهم (أي الأسرى الأقباط أو البشامرة) بخصائص الماء والتراب وجغرافية الأرض الموحلة.

- تبدأ الرواية بإرسال الكنيسة ممثِّلَين عنها، هما الشماس ثاونا الناضج الحكيم وبدير بطل القصة وخادم الكنيسة، إلى البشامرة لإقناعهم بالتخلِّي عن ثورتهم ضد الخليفة وبقبول دفع الخِراج للدولة. وفي الطريق تبدأ الصعوبات: فجغرافية شمال مصر شيء متحول، حيث يقوم النهر العظيم بتغيير جريانه عدة مرات خلال الفصول تبعًا لقوة المياه، فتتغير مواقع فروعه. وتبدأ بالنسبة للكاتبة صعوبةُ استعادة أمكنة الأحداث؛ فالقرى المذكورة قد اندثرت من الخريطة.

- وفي أثناء المسير، تنهال الذكرياتُ على بدير وتتلاحق: فهناك كان مسقط رأسه، وهناك كان غرامُه بفتاة أرادها أخوه زوجةً له وانتحارُها وهروبُه ولجوؤه إلى الدير. وفي الطريق، يصادف الرسولان الكثير من الناس المحتاجين، – وهنا تظهر تداخلات العناصر القبطية مع العناصر الفارسية والوثنية في عادات الناس وإيمانهم الشعبي، – إلى أن يصلا إلى مركز البشامرة المتمرِّدين، الذين يرفض زعيمُهم مينا بن بقيرة فكرة العدول عن الثورة ويأبى تقديم فروض الطاعة للخلافة، رافضًا حجج ثاونا الشماس بأن حكم المسلمين أهون شرًّا من حكم غيرهم من الطامعين في أملاك الكنيسة. فـ[...] كورة مصر قد هلك أهلُها من الظلم والخسائر والخِراج، كما أن أصحاب تاووفيليكس الخلقدوني لا يألون جهدًا لاغتصاب ضيعنا التاوضوسية بغير حق [...] يؤذون الكنيسة الجامعة ويقطعون خيرها من البلاد.[2]

- ثم يأتي جيش الخلافة، فيبيد المتمردين ويسوق الباقين منهم أسرى. وهنا، للمرة الأولى، يفترق بدير، خادم الكنيسة الذي أصبح أسيرًا، عن معلِّمه ثاونا، وتبدأ رحلةُ عذاباته. يؤخذ بدير أسيرًا عن طريق البحر. ونجد وصفًا قويًّا لرحلة الأسرى البحرية إلى أنطاكية، مركز المسيحية الشرقية، ومعاناتهم.

- وتخوض سلوى بكر هنا في تفاصيل حياة الأديرة وعادات الناس الشعبية، فتكتب عن أماكن اندثرت ولم تذكرها كتب التاريخ، انطلاقًا من الكلمة المصدر التي أصبحت كنزًا من منظارها.

- وفي أنطاكية، عمل بدير في خدمة أحد الكهنة، كونه ملمًّا بأمور الدين وباللهجات القبطية. ثم بعد وفاة معلِّمه، انتقل إلى خدمة كاهن آخر ذي ميول شاذة وعلاقات مع أطراف أجنبية، ففكَّر بأن أفضل طريقة للهروب من خدمة معلِّمه الجديد إنما هي بالتنكُّر لماضيه الكهنوتي. لذلك كان وضعُه في سجن انفرادي حتى يتم تقريرُ مصيره.

- ونلاحظ هنا كيف عملت مخيلة بدير على استذكار المفردات اللغوية وتعدادها ومقارنتها باللهجات الأخرى كي يُبقي ذهنَه حيًّا. فـ...[...] في ليلة عددتُ من أنواع الطير التي أعرفها ما يربو على المائة.[3]

- ثم يُنقَل بدير إلى بغداد لخدمة الخليفة، مرورًا ببلاد الشام وفلسطين. وتعود الجغرافية لتصبح سيدة الموقف من جديد: فالوصف هو صورة فوتوغرافية لبغداد قصر الخليفة، بغداد الشارع، بغداد الطوائف، بغداد الثقافة والترجمة واللغات والثورات... فيأتي متحفُ التاريخ ليربطنا بجغرافية المكان.

-وهذه كانت المحطة الثانية الهامة في حياة بدير، خادم الكنيسة ورسولها إلى البشامرة؛ إذ يتحول بدير إلى الإسلام، فيصبح حرًّا يعمل في نسخ الكتب وترجمتها.
ثم، بعد مكوثه فترة في بغداد، يقرِّر العودة إلى مصر كي يقابل ثاونا ويدعوه إلى الدخول في الإسلام. وفي طريق العودة، يمضي سنوات في فلسطين ناسكًا ودرويشًا، ليتابع بعد ذلك طريق عودته إلى بلده، فيصل إلى معلِّمه، الذي كان على فراش الموت، ويدعوه إلى الدين الجديد. فيرفض هذا الأخير اعتناق الإسلام ويموت، معبِّرًا بوفاته، كشخصية قبطية "نخبوية"، عن تراجُع القبط لصالح المسلمين. أما بدير فيتحول إلى درويش متصوف يجوب وحده الطرقات متعرضًا للضرب والإهانة، جاعلاً علاقته مباشرة مع ربِّ العالمين.

- وفي النهاية، لا بدَّ من ملاحظة أخيرة مُفادها أن البشموري، التي تسمِّيها كاتبتُها بـ"رواية الروايات"، إنما تهتم بمشهد مصر الثقافي في العصر الوسيط: مصر الوثنية، القبطية–المسيحية، فالمسلمة الناطقة باللسان العربي القديم والقبطي والفارسي والسرياني والنوبي معًا – مصر "المنصورة" التي احتوت تلك التلاوين كلَّها وطوَّعتْها!

ايوب صابر 10-07-2015 11:30 PM

تابع .....البشموري … لسلوى بكر


تقول كاتب / كاتبة المقال /
- أخذتني روعة السياق الأدبي و السرد و الأهتمام بأدق التفاصيل إلي اقترابي من تصديقها ،

- الروايه بها الكثير من التاريخ المدون الذي أجمع عليه المؤرخون الثقاه

ايوب صابر 10-08-2015 04:14 PM

تابع ....البشموري

- البشموري" رواية استثنائية لكاتبة جريئة وجادة ومجدِّدة، حقَّقت مكانة خاصة منذ أولى خطواتها الإبداعية، ثم توالت أعمالها التي لاقت تقديرًا واحتفاءً في مصر والعالم، وتُرجمت إلى عدة لغات.

- من روايتها: "العربية الذهبية لا تصعد إلى السماء" 1991، "وصف البلبل" 1993، "ليل ونهار" 1997، ومن مجموعاتها القصصية: "زينات في جنازة الرئيس" 1986، "عن الروح التي سرقت تدريجيا" 1989، "إيقاعات متعاكسة" 1996، "نونة الشعنونة" 1999، ومسرحية واحدة هي: "حلم السنين" 2002.

- و"سلوى بكر" لا تستسهل، إنما تقتحم الغابات، تبحث عن المناطق الشائكة، لتدخلها حافية، وكأنها عارفة طريقها.

- و"البشموري" لحظة حرجة في تاريخ الشعب المصري، خلال مرحلة الفتح الإسلامي، لحظة مرّ عليها أكثر من ألف وأربعمائة عام. كثير من المبدعين، بل من المؤرخين، يتخوفون قراءتها، لكنها كعادتها قررت وكتبت.

- في هذه الرواية لن نقرأ تأريخًا جافًا وباردًا لثورة البشموريين، ولكننا سنقرأ تضفيرًا، لا يقدر عليه غيرها، بين ما هو حقيقة، وما هو خيال. بين ما هو تاريخ، وما هو إبداع. بين ما هو ثابت وما هو ماش على قدمين. أناس من لحم ودم، ويصرّون على امتلاك الحقيقة، والثبات على المبدأ.

- تأتي هذه الرواية، لتفتح بابا كبيرا، لقراءة تاريخنا المستبعد عنّا، بفعل عوامل كثيرة، لا لنتعاطف معه، ولكن وبالأساس، لنعرفه.

- تقول سلوى بكر: "تقوم بنية «البشموري» على تلاحم فسيفساء تاريخية كثيرة على خلفية من السرد الروائي لتشكل ضمن هذه الخلفية محصلة وقائع ورؤى روائية لفترة غامضة، يبدو التاريخ فيها وكأنه لا نهاية له،

- ومن هنا فان نص الروائي ما هو الا جملة نصوص كتبت في فترات تاريخية مختلفة، اضافة الى هذا النص، وكأن الرواية تعيد تنسيق وتنظيم الروايات التاريخية هذه ضمن لوحة مشكلة للمشهد الثقافي الحضاري لتلك الفترة بالغة الأهمية، فهي تحتفي بالهامش التاريخي وتعتبره متنا داخل الرواية، كما انها تحتفي بالمسكوت عنه خصوصا اليومي والمعتاد وتضمه ضمن متطلبات ذلك الهامشي المبتعد، وتنقض في الوقت نفسه المتون التاريخية المزمنة والمنحازة الى كل الأيديولوجيات المسبقة والتي تلوي عنق الحقائق والوقائع الانسانية باتجاهه وتفقدها مضامينها النبيلة".

ايوب صابر 10-09-2015 10:09 AM

تابع

تقول عن نفسها :
-أنا أحاول أن أوصف أحوال المهمشين الذين لا صوت لهم ، أحاول أن أتعامل مع المتن والهامش الاجتماعي بحيث استقدم الهامش ليصبح متنا وأهمش المتن ، أظن أن هذا هو يعني مهمة من مهماتي في الكتابة .

-أنقب في هوامش التاريخ والجغرافيا لاكتشف حقيقة اللحظة الراهنة

- شخوصي مسلحة بإرادة المقاومة ولا تنحاز لأيديولوجيا محددة

ـ القرن المنصرم والقرن الحالي هما بالفعل القرنان الاكثر تعقيدا رغم أننا مازلنا في مفتتح القرن الحالي. فلقد بلغت هذه التعقيدات الانسانية ذروتها بسبب الاقتصاد والسياسة، اضافة الى الصراع الاستعماري وهيمنة القطب الواحد، والرواية ساحة ابداعية أوسع وتستطيع بالفعل ان تستوعب هذه التعقيدات التي تمور داخل المجتمع وتفاصيله المتشعبة. كما يجب الانتباه الى شيء مهم هو أن فضاء الرواية متسع لتعدد الأصوات الانسانية وتناقصها، ومن هنا ربما كانت الرواية بما تتضمنه من امكانيات العزف على الانواع الادبية الاخرى، هي الاكثر ملاءمة لروح القرن الحالي.

ـ من حق أي كاتب ان يعود الى التراث فلا يوجد مانع اطلاقا في العودة الى التراث، أما عن هذه الفترة فلأسباب كثيرة يمكن ايجازها في أن هذه الفترة أعادت تشكيل المشهد الثقافي الحضاري لمصر والمنطقة العربية كلها، وربما لان إغواء الكتابة عنها كان كبيرا ومن هنا فإن «البشموري» كانت نوعا من الابداع المجذوب الى التاريخ.

ـ تقوم بنية «البشموري» على تلاحم فسيفساء تاريخية كثيرة على خلفية من السرد الروائي لتشكل ضمن هذه الخلفية محصلة وقائع ورؤى روائية لفترة غامضة، يبدو التاريخ فيها وكأنه لا نهاية له، ومن هنا فان نص الروائي ما هو الا جملة نصوص كتبت في فترات تاريخية مختلفة، اضافة الى هذا النص، وكأن الرواية تعيد تنسيق وتنظيم الروايات التاريخية هذه ضمن لوحة مشكلة للمشهد الثقافي الحضاري لتلك الفترة بالغة الأهمية، فهي تحتفي بالهامش التاريخي وتعتبره متنا داخل الرواية، كما انها تحتفي بالمسكوت عنه خصوصا اليومي والمعتاد وتضمه ضمن متطلبات ذلك الهامشي المبتعد، وتنقض في الوقت نفسه المتون التاريخية المزمنة والمنحازة الى كل الأيديولوجيات المسبقة والتي تلوي عنق الحقائق والوقائع الانسانية باتجاهه وتفقدها مضامينها النبيلة.

ـ كل انسان في العالم يرتكز على ايديولوجيا بشكل من الاشكال، حتى وإن لم يع ذلك تماما. وانا بالطبع منحازة لكل ايديولوجيا تحتفي بالفقراء والمهمشين وتلك الكتل البشرية المنسية التي لا يعبر عنها في الأدب أو التاريخ. ولكن الحقيقة ان الذي اردت معارضته في هذه الروايات وما حاولت اثباته هو تجيير الحقيقة لصالح الايديولوجيا والعصف بها ضمن حسابات المصالح الايديولوجية، واعتمدت تكنيك رواية الروايات انطلاقا من مقولة «من قلمك أدينك» وأظن ان هذا جنوح موضوعي تقصدته في العمل على امتداده.

ـ لا افهم ما علاقة الخيال باستخدام هذه المراجع العديدة. فالمخيلة الروائية هي التي افترضت هذا النص وشكلت ملامحه ووضعت شخوصه وصورتها منذ البداية الى النهاية، وروايات المؤرخين على اختلاف انواعها هي التي دعمت هذا النص وجسدته. لقد وضعت على سبيل المثال شخصية البشموري ضمن اطارها التاريخي المروي في كتابات المؤرخين، بمعنى ان المتخيل الروائي وضع في اطاره الزماني المكاني، كما ان المعرفي ساعد بالفعل على إثارة المخيلة، وطرق اماكن وجغرافيا كثيرة لا يمكن بأي حال ولا أستطيع أن اصل اليها نتيجة عفوية الخيال. اذن هذه الروايات التاريخية كانت فعلا سندا حقيقيا ودعامة لجنوح الخيال.

ـ التفاصيل في هذه الرواية بالغة الاهمية فالبورتريه المطلوب لهذه الفترة يستلزم تفاصيل هائلة، ولكن هذه وظيفة أولية لها. هناك وظائف اخرى مثل تبيان التداخلات الثقافية الحضارية على مستوى المنطقة خلال تلك الفترة، فمثلا هناك نص يتضمن ما يزيد على عشرين اسما للطيور أو الاسماك. هذه النصوص المأخوذة عن القزويني في «عجائب المخلوقات» مكتوبة في عدة لغات مثل المصرية القديمة والقبطية والسريالية واليونانية والفارسية والعربية وربما لغات اخرى لا أعرفها باعتباري غير متخصصة، وايضا من هذه الوظائف ابراز وضع اللغة العربية باعتبارها لغة جديدة في مصر وطبيعة تراكيبها وابراز الانتقال اللغوي وعملية الاحلال والاضمحلال للغة خلال هذه الفترة، كما افادت التفاصيل في ابراز الاشارات والرموز القديمة المتداولة والمستخدمة خلال تلك الفترة، فمثلا عندما يقوم القيم أو خادم الكنيسة بوصف تفاصيل الادوات الكنسية باسهاب فانه ايضا يقدم ما وراء هذه الادوات من فلسفة ودورها في العقيدة.

- أن هذا التفصيل المكثف انما هو تفصيل يغني «البشموري» لكونه فسيفسائية لعالم قديم ضاعت في ذاكرتنا المعاصرة الكثير من ملامحه بفعل احادية التاريخ وبفعل أغراض اخرى اهدرت المعرفة، وشوهت يقينها ودورها .

ايوب صابر 10-10-2015 11:56 AM

تابع البشموري ... سلوى بكر


- قال الروائى إبراهيم عبد المجيد، إن الكاتبة سلوى بكر استطاعت أن توجد تيارًا روائيًا وقصصيًا خاصًا بها، وهى كاتبة "خبيثة" تشبه إلى حد كبير فى كتابتها القاص الروسى الشهير "أنطون تشيخوف" فكثيرا ما تترك أعمالها القصصية أمام القارئ بدون نهايات لتدفعه الى التأمل والتفكير.

- وأضاف، نتحدث دائما أن هناك أزمة تتعرض لها القصة القصيرة فى المجتمعات العربية وأن المشهد الإبداعى انحاز بأكمله لصالح الرواية ولكن هذا غير صحيح على الأطلاق لأن القصة القصيرة مازالت هى الأقرب إلى روح المتلقى وتحتاج لقليل من الوقت والجهد فى كتابتها على عكس الرواية تماما.

- وقال الشاعر شعبان يوسف، إن سلوى بكر من أبرع كُتاب القصة القصيرة وعلى الرغم من الروايات العديدة التى أصدرتها، إلا أنها كثيرا ما تعاود الرجوع لبيتها الأول وهو كتابة القصة القصيرة بالإضافة إلى أن لديها مخزونا قصصيا حافلا وللأسف لم تنشره ولم تكشف عنه حتى الآن.

- وعن احدى مجموعاتها القصصية قال محمد حافظ دياب "يشكل الوعى بالزمن بُعدا أساسيا فى هذه المجموعة، ويتميز أسلوبها بأنه مشوق وجذاب يجبر القارئ على استكمال قراءتها من أول قصة لآخر قصة بالمجموعة، ولم تلتزم خلال مجموعتها بمساحة معينة لقصصها بل على العكس نجدها جميعها تتراوح بين القصر والطول وتكشف عن حالة من التصعيد".

- وقالت سلوى بكر فى كلمتها، أهتم كثيرا برصد المأزق الحضارى الذى نعيشه وهذا ما أظهرته خلال هذه المجموعة، التى عكست إشكاليات المجتمع المصرى على مستوى القيم والمفاهيم وعلى الصعيد السياسى والاقتصادى والاجتماعى.

ايوب صابر 10-10-2015 12:07 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 101- الفارس القتيل يترجل إلياس الديري لبنان

- في رواية الياس الديري " عودة الذئب الى العرتوق " تطل على القارئ السمات الكلاسيكية لبطله المتعدد الأسماء، فهنا سمران الكوراني، وزيان في " تبقى وحيداً وتندم " وعواد، في " الفارس القتيل يترجل " .

- بطل الديري نموذجي، ثابت الطباع، ومقولب في إطار قناعات الروائي الأخلاقية والفكرية، يتحرك وفق إيقاع عام، ومناخات متشابهة .

- فسمران كسائر ابطال الديري يبحث عن ذاته وخلاصه الفردي، تموج في صدره الرغبات المتناقضة، وتتوزعه العواطف والأفكار . التمزق جوهره، والضوء والظلمة يمتزجان في عينيه . يتأرجح على الحد الفاصل بين الذوبان في مجتمعه والإنفصال عنه، التقدم اليه والتراجع عنه، التجمعن والتفردن .


من مقال بقلم : احمد زين الدين

ايوب صابر 10-11-2015 01:30 PM

تابع .. ..والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 101- الفارس القتيل يترجل إلياس الديري لبنان


- "إلياس الديري، قصاص الخيبة"،

- هو أول بحث أكاديمي، يتناول الروائي والأديب والصحافي اللبناني إلياس الديري، فيعرض لمختلف مراحل حياته الشخصية بعامّة والأدبية والروائية منها بخاصة، بشتى من التفصيل والتحليل. ويؤرشف لمختلف أحاديثه وكتاباته ونتاجاته القصصية والأدبية ويحللها جميعاً، فيظهر الديري من خلالها على حقيقته، فيلسوف الخيبة، نتيجة تجارب له في الحياة مريرة وتداعيات تعتمل في ذاته التائهة ليلامس حدود "فلسفة الخيبة" تلك!!...

- تبدأ تلك التداعيات والمفارقات الغريبة منذ سني الصغر الأولى وتمضي تلاحق الديري طيلة حياته كالظل،

-فالديري يبدو غريباً في كل المدائن في بيروت إلى الكويت إلى باريس، تسكنه الغربة، وللوهلة الأولى يتألف البطل-الكاتب مع ذئب "العرتوق" ويتنكر لانتمائه الإنساني، والوجودي!!

- حتى السياسة التي عاش من أجلها وكتب، يطلقها إلى الأبد ويشفق على ربع قرن من عمره هدره بالصحافة السياسية.

- لماذا خيبة البطل-الكاتب؟! سؤال كبير يحتاج إلى اكثر من مجلّد، وحول هذا السؤال يتمحور البحث الذي بين أيدينا محاولاً الإجابة من خلال عرض موثق ومدروس لأفكار الديري وآثاره وتحليلها وتناول ما كُتب حولها من آراء مخالفة أو موافقة ومؤيدة.

- ويبقى المهم في الديري إن فعل الكتابة كان يلازم فعل الخيبة في حياته ونتاجاته التي تعكس تلك الانكسارات الحادة بكل صدق.

- هو المندفع نحو غايته والمنكسر في نهاية الشوط، ليعود ويندفع من جديد حيث تنتظره الخيبة وينتظره الانكسار

- وهولا يملك شيئا سوى هذا الصراخ الصادق الذي يعادل وجوده، وكان هذا الصراخ يقوى ويقوى كلما صقلته تجارب الحياة أكثر، وكلما عاش الخيبة أكثر كان يصرخ في وجه هذا العالم.

- أن المحلل السياسي الياس الديري هو روائي أديب عمل صحافياً في مدينة طرابلس بلبنان، ثم رأس تحرير النهار الدولي، وهو عضو نقابة المحررين وعضو نادي القصة منذ عام 1960. والديري من مواليد دده (الكورة) شمال لبنان عام 1937. درس في مدارس طرابلس. وهو الآن يعمل كمحلل سياسي لإذاعة الشرق في باريس. من مؤلفاته القصصية: الرجل الأخير، جدار الصمت، الفارسي القتيل يترجل.

ايوب صابر 10-12-2015 03:48 PM

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 101- الفارس القتيل يترجل إلياس الديري لبنان


- رواية "الفارس القتيل يترجل" لإلياس الديري (لبنان), فهذه الرواية تمثل تجربة المثقف اللبناني الذي سعى إلى ممر نحو القمة, غير أن الحرب - القدر ألقته مثل الجرذ على الرصيف, الهامش,

- فكتب تجربته بلغة شعرية تمثل سعيه إلى خلاص, قيامة. وأي من هذين الاتجاهين: الاتجاه الشعري إلى السرد, أو الاتجاه السردي إلى الشعر لا يعني انحسار مد الشعر أو عجزه, وإنما يعني إبداع بنىً أدبية مختلفة تمليها التجربة المعاشة المختلفة.

- استخدم الياس الديري في هذه الرواية تقنية زمنية أخرى قائمة على التداعي بين زمنين مختلفين أحدهما ينتمي إلى الحرب والآخر يدور خارجها على حدود الحب، من خلال قصة عوّاد ورفاقه المجتمعين في أحد المقاهي أثناء الحرب، والذي ستنتصر الحرب على حبه في النهاية، في إشارة إلى السوداوية والعدمية التي ميّزت الصراع.

ايوب صابر 10-14-2015 02:05 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 102 - التوت المر محمد العروسي المطوي تونس

- التوت المر هي رواية تونسية أحد أهم أعمال الأديب محمد العروسي المطوي أصدرت عام 1967.

ايوب صابر 10-14-2015 02:11 PM

تابع ....


والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 102 - التوت المر محمد العروسي المطوي تونس

- التقديم: قصّة اجتماعيّة من النّوع الواقعي ذات طابع اجتماعيّ للأديب التّونسي المعاصر محمّد العروسي المطوي

- الموضوع: قصّة صراع ثلّة من الشّباب الوطني ضدّ ما كرّسه المستعمر من آفة تعاطيالتكروري والمتاجرة به.

- بناء الأحداث: بناء سرديّ يتدرّج من الهدوء إلى التأزّم فالانفراج.

- وضعيّة الانطلاق:يقدّم السّارد صورة عن قرية هادئة تعاني من الفقر. وقد شكّلت عائلتا الشّيخ مفتاح والحاج علي نموذجين للفئات الّتي تقطنها. إحداهما حلّت بالقرية مهاجرة هربا من ويلات الحرب في ليبيا. والأخرى تملك بستانا وتعدّ من أصيلي القرية.

- سياق التحوّل: الحدث القادح: تعاطي عبد الّله لحشيشة التكروري دون علم منه وتأثيرها الشّديد فيه.

- الاضطراب: مساعي( جمعيّة إنقاذ الشّباب ) للقضاء على حشيشة التكروري ومنع تعاطيها و بيعها سرّا أو علنا.ضبط قائمة بالمنازل التي تزرع النّبتة سرّا.الاتفاق على تحديد موعد جماعيّ يلتزم فيه أعضاء الجمعيّة بالقضاء على هذه النبتة حيثما كانت في ليلة واحدة.حرق دكّان أحمد العائب أكبر تاجر مخدّرات بالمنطقة.نشر الوعي وتعميمه بحفظ القصيدة الّتي قالتها إحدى عجائز القرية في التكروري وجعلها تغنّى وتعمّم.زواج عبد الّله من عائشة الفتاة الكسيحة.مغادرة الأمّ للمنزل احتجاجا على ابنها الّذي تمرّد على سلطتها وتزوّج ممّن رفضتها زوجة لابنها الوحيد.

- وضعية الختام: وضع عائشة لمولود ها الأوّل.حدوث المعجزة: انطلاق رجليها من إسارهما. فقد استقام جسمها بعد أن كانت كسيحة.فرحة عبد الّله العظيمة وخروجه مسرعا ليزفّ البشرى لأمه، وليطلب منها العفو والغفران.سقوطه متعثّرا.

- الزّمان في القصة:الزّمن التاريخيّ: يؤطّر السارد الأحداث تاريخيا. فهو يجذر الأحداث في فترة الاستعمار الفرنسي لتونس، وبالذّات مع بداية انتشار الوعي بضرورة المقاومة وتكتل الجهود ضدّ المستعمر.

- أمّا بالنّسبة إلى ديمومة الأحداث في القصّة، فقد استغرقت فترة يمكن أن تضبط منذ أن قدمت عائلة الشيخ مفتاح إلى القرية إلى زواج عبد الّله بعائشة ثمّ إنجابها لبكرها...وهي مدّة يمكن أن تحدّد بسنة أو سنة وبعض الأشهر.

- المكان:إحدى قرى الجنوب التّونسي. يمكن أن نتبيّن ملامح هذه القرية انطلاقا من الأوصاف المنسوبة لها: واحة وبساتين... قد تكون المطويّة قرية الكاتب.

- الشّخصيّات والعلاقات: الشّخصيّة المحوريّة:عبد الله وهو شابّ متوسّط الثّقافة غير أنّه يجسّد نموذجا للشابّ المدرك لما حوله، الواعي بواقعه، و بمخطّطات المستعمر، وهو يعي أيضا أنّ المقاومة هي السّبيل الوحيد للتحرّر من الظّلم والاضطهاد والعبوديّة وأنّ ذلك لا يمكن أن يتحقّق إلاّ بتكتّل الجهود.
يعمل مساعدا في دكّان و قد تميّز بتفانيه في العمل وحبّه للجميع وحسن معاشرته. أحبّ عائشة من أوّل نظرة. وقرّر أن يضحّي ليسعدها. كوّن وثلّة من الشّباب الواعي " جمعيّة إنقاذ الشّباب " وعملوا يدا واحدة على القضاء على حشيشة التكروري ومنع تعاطيها والتوعية بمضارّها.

- المساعدون:" جمعيّة إنقاذ الشّباب " وهم محمود ومختار وإبراهيم، فقد تكتّلت جهودهم جميعا لتطهير القرية من مضارّ التكروري.فاطمة: ساعدت عبد الله ليطوّر علاقته بعائشة.

- المعرقلون: الأمّ: حالت دون البطل وعائشة، رغم حبّها الكبير لابنها. فقد هجرت المنزل عندما قرّر أن يتزوّج بمن رفضتها.

- العلاقات:جمعيّة إنقاذ الشّبابعائلة الشّيخ مفتاحالسّيّد الحمرونيعائلة عبد اللّهعبد اللّه تعاون + مساعدة + ثورة ضدّ المستعمر + توعية بمخاطر التّكروري. تعاطف + تقدير واحترام + حبّ لعائشة فزواجعلاقة عمل + حبّ واحترامحبّ وعرقلة (الأمّ) حبّ ومساعدة (أخته فاطمة) حبّ ومساعدة (الأب)

- القضايا:الاجتماعيّة:معاناة الفقر والبؤس والشقاء من أجل لقمة العيش ( عائلة الشيخ مفتاح تمثّل نموذجا لذلك في القصّة. فهم ممّن شرّدتهم الحرب فعانوا الويلات بحثا عن الأمن والاستقرار+ عائشة تمثّل نموذجا بشريّا مجسّما للبؤس الإنساني لمعاناتها الشّلل بسبب غياب المال، ومعاناتها اليتم بسبب موت الأمّ)تعاطي التكروري هروبا من الواقع البائس.

- السّياسيّة:*الاستعمار وما يخلّفه من آفات كإغراق الشباب في التكروري علنا والمتاجرة به دون موانع، وبتشجيع من الحكومة الاستعماريّة. *المشاعر الوطنيّة الصّادقة:تجسّمها في القصّة "جمعيّة إنقاذ الشّباب" التي تغار على الوطن ومصالحه. *التواطؤ مع المستعمر:أحمد العائب يجسّد نموذجا لمن يبيع ضميره ووطنه في سبيل المال والأوسمة.*الحرب ومخلّفاتها نفسيا واجتماعيا:تدمير المنشآت و حرق البيوت وتشريد العائلات (عائلة الشيخ مفتاح نموذج لذلك).

- العاطفيّة:الحبّ و الزّواج: الحبّ محرّم بين غير المتكافئين (عائشة الكسيحة وعبد الله الشّاب المتدفّق نشاطا).

- الذّهنيّة: الحياة والموت (تساؤلات حول الكون والوجود والموت والعدم جاءت على لسان بعض الشّخصيّات في القصّة: مبروكة وعبد الله) الفوارق الاجتماعيّة بين الفقراء والأغنياء (لم أوجدها الله وما الحكمة منها: مبروكة)

- الأسلوب: السّرد: ورد السّرد في النصّ على لسان سارد لا يشارك في الأحداث ولكنّه عليم غالبا.
وقد يتولّى السّرد عبر الاسترجاع بعض شخصيّات القصّة (مبروكة، الشيخ مفتاح، فاطمة، عائشة، عبد الله...) فترد الأحداث من منظور الشخصيّات. السّرد ليس خطيّا دائما. فالسّارد يعمد إلى خاصيّة الاسترجاع لتقديم الشخصيّات والتعريف بماضيها، ويكثر هذا خاصّة في الفصول الأولى من القصّة.

- الحوار: حاضر بين ثنايا القصّة تعبّر فيه الشخصيّات عن مواقفها مباشرة و يدرج فيه الكاتب أحيانا بعض الألفاظ من العاميّة (دقّوجة، قشّابيّة...) قصد تجذ ير الأحداث و الشّخصيّات في الواقع.

- الوصف: مبثوث هنا وهناك في القصّة، و ينهض بوظائف التّعريف بالأطر والأشياء.


العمل من إنجاز أسماء عبيدلّي

مراجعة الأستاذة مليكة الرّياحي الحسناوي

ايوب صابر 10-15-2015 02:00 PM

تابع ...محمد العروسي المطوي



إصدارات علياء بن نحيلة الصباح

- أثريت هذه الأيام المكتبة التونسية والعربية بإصدار جديد عنوانه محمد العروسي المطوي سيرة وورقات من إبداع مرحلة الشباب في جزئين اعتنى الجزء الأول بالورقات الشعرية والثاني بالورقات النثرية. هذا الكتاب الصادرعن المركز الوطني للاتصال الثقافي ضمن سلسلة «ذاكرة وإبداع» أعده وقدمه وحققه الدكتور محمد الهادي بن طاهر المطوي.

- 248 صفحة للورقات الشعرية (الجزء الأول) أهداها الباحث إلى الراحل محمد العروسي المطوي الذي طالما كان يتوق إلى نشر إبداعاته الأولى من مذكرات ويوميات وأشعار ومقالات ومباحث وقصص، وأهداها كذلك إلى كل الأصفياء والأوفياء ممن عرفوا العروسي المطوي وعاشروه وصادقوه وواكبوه والى الذين اخلصوا للراحل سرا وعلنا ورافقوه بصدق سريرة وصفاء ضمير.

- وقد قسم الدكتور محمد الهادي بن طاهر المطوي إلى ثلاث مراحل وتناول في الأولى المرحلة التونسية التي عاشها بين المطوية وتونس العاصمة إبان طلب العلم وتدريسه والنضال الوطني والمرحلة الثانية وهي المشرقية التي سافر فيها إلى المشرق العربي ممثلا دبلوماسيا للثقافة التونسية والمرحلة الثالثة وهي التي عاد فيها إلى تونس ليخوض من الداخل معركة البناء والتشييد، ومعايشة الواقع التونسي بكل ما فيه من تنمية وتطور، وطموح وتغييروتقدم وتحديث.

- في هذا الإحصاء الأقرب إلى الشمولية في توثيق آثار الشيخ العروسي المطوي رغم كثرة ما تركه لتونس من إبداعات في شتى المجالات في الصحف والمجلات التونسية والمشرقية وسجلات النادي الثقافي أبو القاسم الشابي ونادي القصة واتحاد الكتاب التونسيين وخزائن الإذاعة الوطنية ومجلس النواب والنادي المطوي للتعارف والتعاون وغيرها من المؤسسات التي عمل فيها، وعرفت حركيته ونشاطه وتفانيه وإخلاصه للثقافة والأدب ولوطنه.

- عرف الباحث في الفصل الأول من دراسته هذه بالشيخ محمد العروسي بن عبد الله بن المبروك بن الطاهر بن علي بن الطاهر المهذبي المامي المطوي الذي ولد يوم 19 جانفي 1920 ودرس في الكتاب ثم في المدرسة العربية الفرنسية ثم بحلقة دراسة الحقوق الكائنة بوزارة العدل ( 1944) وفي معهد الجمعية الخلدونية وتكون علميا وأدبيا في الزيتونة.

- ثم تعرض الدكتور إلى ما شغله الراحل العروسي المطوي من وظائف ومسؤوليات ونشاط كالتدريس والتمثيل الدبلوماسي والعمل الإداري في وزارة التعليم وفي مجلس النواب حيث شهد له زملاؤه بالكفاءة وحسن التصرف طوال عضويته في مجلس الأمة (من سنة 1964 إلى 1986) الذي تغيرت تسميته إلى مجلس النواب في 9 جوان 1981، حيث تميزت حياته النيابية برؤية سياسية ثقافية وتعليمية وإعلامية ثاقبة.
تحمل العروسي المطوي أيضا مسؤوليات حزبية وبلدية وكان له نشاطات ثقافية ورياضية إذ أسس الجمعيات والنوادي الجهوية وحصل خلال هذه المرحلة من حياته على عديد الجوائز والأوسمة.

- أما بالنسبة إلى حياته العائلية فقد أورد الباحث شهادة كتبتها ابنة الراحل الكبرى عن آخر مراحل حياته وهو على فراش الموت.

- في الفصل الثاني تعرض الدارس إلى الآثار الأدبية والإبداعية للشيخ العروسي المطوي كالشعر والقصة الطويلة والقصيرة وأدب الأطفال والتعريب ودراسات في الأدب واللغة والأعمال التاريخية والإصلاحية والدينية والتربوية وما قدمه من تحقيقات.

- وتضمن هذا الكتاب أيضا ورقات من ديوان الشباب من الشعر المنثور والبيتي والتفعيلي والمتحرر من نمطية الوزن ومن شعر قصيدة النثر وعددا من الصور والوثائق التي تخلد فترات من شباب الشيخ محمد العروسي المطوي.

- أما الجزء الثاني والذي خصصه الباحث الدكتور محمد الهادي بن طاهر المطوي للنثر فقد تضمن ورقات من مذكرات الشيخ ورسائله ورسائل بعض الأصدقاء إليه ونماذج من أدبه المقالي ونقده بفرعيه الأدبي واللغوي وتضمن كذلك ولأول مرة في تاريخ الأدب التونسي صورة عن الشيخ الشاعر محمد العربي الكبادي الراوية من خلال ما دونه الشيخ محمد العروسي المطوي عنه من أمالي دروسه.

- هذه النتف من مروياته مع تعليقات عليها اختارها الباحث بعناية لتعطي للقارئ صورة عن منهج الكبادي في فن الرواية وقوة حافظته وجمالية ذوقه الفني ومدى سعة علمه الشامل لكل ما يتعلق بالأدب العربي مشرقا ومغربا.

- ومن أهم وأمتع ما تضمنه هذا الجزء الثاني من فصول، فصل توجهات في اللغة والأدب الذي تحدث فيه عن حروف المعاني وحروف الجر ونميمة الأسلوب والوصف والتطبيقات على الوصف كالذي جاء في الصفحة 134 حيث اختار الباحث ان يؤكد على ما جاء في رسالة تلقاها الشيخ المطوي من أستاذه توصيه فيها باللغة العربية خيرا ويؤكد له انه مادام يطلب الكمال في استعمالها فانه سيحصل عليه إذ يقول: «إن من احكم استعمال حرف الجر فقد تمكن من ناصية الكلمات وحذق مدلولها ومراميها المختلفة.

- ومن احكم استعمال حروف العطف فقد نظم أفكاره، واحكم بينها الترابط والتسلسل، والتوليد والتفريع».

- لقد سعى الدارس وهو الأستاذ الجامعي الدكتور محمد الهادي بن طاهر المطوي لان يمد قارئ هذين الجزئين من كتاب» محمد العروسي المطوي سيرة وورقات من إبداع الشباب» بما يكمل صور محمد العروسي المطوي المبدع الأديب التي تأسست عليها شخصيته الإبداعية بصفة عامة وتحددت بها توجهاته الأدبية والعلمية والفكرية، ولعله وفق في رد الاعتبار لهذا الأديب وسهل على الباحثين تناول آثاره وأثرى المكتبة العربية وهو الذي سبق أن كتب «محمد الحليوي ناقدا وأديبا» واحمد فارس الشدياق حياته وآثاره وآراؤه في النهضة العربية الحديثة» و«الرؤية النقدية عند محمد العروسي المطوي».

ايوب صابر 10-16-2015 11:12 PM

تابع ...التوت المر


- التوت المر هي رواية اجتماعيّة من النّوع الواقعي ذات طابع اجتماعيّ للأديب التّونسي المعاصر محمد العروسي المطوي أصدرت عام 1967. تروي القصة صراع ثلّة من الشّباب الوطني ضدّ ما كرّسه المستعمر من آفة تعاطي التكروري والمتاجرة به. لاقت الرواية نجاحا كبيرا، حيث تم إختيارها ضمن أفضل مائة عربية، كما تمت ترجمتها إلى لغات أخرى من بينها الإسبانية في سنة 2006.

- بناء الأحداث بناء سرديّ يتدرّج من الهدوء إلى التأزّم فالانفراج. يقدّم السّارد صورة عن قرية هادئة تعاني من الفقر. وقد شكّلت عائلتا الشّيخ مفتاح والحاج علي نموذجين للفئات الّتي تقطنها. إحداهما حلّت بالقرية مهاجرة هربا من ويلات الحرب في ليبيا. والأخرى تملك بستانا وتعدّ من أصيلي القرية. ويتحوّل السياق عندما يتعاطي عبد الّله حشيشة التكروري دون علم منه ويظهر تأثيرها الشّديد فيه.
وتبدأ مساعي (جمعيّة إنقاذ الشّباب) للقضاء على حشيشة التكروري ومنع تعاطيها وبيعها سرّا أو علنا، فيتم عمل قائمة بالمنازل التي تزرع النّبتة سرّا، والاتفاق على تحديد موعد جماعيّ يلتزم فيه أعضاء الجمعيّة بالقضاء على هذه النبتة حيثما كانت في ليلة واحدة. ويجري حرق دكّان أحمد العائب أكبر تاجر مخدرات بالمنطقة. وتسعى الجمعية لنشر الوعي وتعميمه بحفظ القصيدة الّتي قالتها إحدى عجائز القرية في التكروري وجعلها تغنّى وتعمّم. ويتزوج عبد الّله من عائشة الفتاة الكسيحة، فتغادر الأمّ للمنزل احتجاجا على ابنها الّذي تمرّد على سلطتها وتزوّج ممّن رفضتها زوجة لابنها الوحيد. وفي الختام تضع عائشة مولودها الأوّل، وتحدث المعجزة بانطلاق رجليها من إسارهما، فيستقيم جسمها بعد أن كانت كسيحة. ويفرح عبد الّله بذلك ويخرج مسرعا ليزفّ البشرى لأمه، وليطلب منها العفو والغفران، لكنه يسقط متعثّرا.
يؤطّر السارد الأحداث تاريخيا. فهو يجذر الأحداث في فترة الاستعمار الفرنسي لتونس، وبالذّات مع بداية انتشار الوعي بضرورة المقاومة وتكتل الجهود ضدّ المستعمر. أمّا بالنّسبة إلى ديمومة الأحداث في القصّة، فقد استغرقت فترة يمكن أن تضبط منذ أن قدمت عائلة الشيخ مفتاح إلى القرية إلى زواج عبد الّله بعائشة ثمّ إنجابها لبكرها، وهي مدّة يمكن أن تحدّد بسنة أو سنة وبعض الأشهر. تدور أحداث الرواية في إحدى قرى الجنوب التّونسي، ويمكن أن نتبيّن ملامح هذه القرية انطلاقا من الأوصاف المنسوبة لها مثل واحة وبساتين.

- الشخصيات : عبد الله: وهو شابّ متوسّط الثّقافة غير أنّه يجسّد نموذجا للشاب المدرك لما حوله، الواعي بواقعه، و بمخطّطات المستعمر، وهو يعي أيضا أنّ المقاومة هي السّبيل الوحيد للتحرّر من الظّلم والاضطهاد والعبوديّة وأنّ ذلك لا يمكن أن يتحقّق إلاّ بتكتّل الجهود. يعمل مساعدا في دكّان وقد تميّز بتفانيه في العمل وحبّه للجميع وحسن معاشرته. أحبّ عائشة من أوّل نظرة. وقرّر أن يضحّي ليسعدها. كوّن مع ثلّة من الشّباب الواعي "جمعيّة إنقاذ الشّباب" وعملوا يدا واحدة على القضاء على حشيشة التكروري ومنع تعاطيها والتوعية بمضارّها.

- جمعيّة إنقاذ الشّباب: وهم محمود ومختار وإبراهيم، فقد تكتّلت جهودهم جميعا لتطهير القرية من مضارّ التكروري. فاطمة: ساعدت عبد الله ليطوّر علاقته بعائشة.
الأمّ: حالت دون البطل وعائشة، رغم حبّها الكبير لابنها. فقد هجرت المنزل عندما قرّر أن يتزوّج بمن رفضتها.
- العائلات: عائلة الشّيخ مفتاح السّيّد الحمروني، وعائلة عبد اللّه.

- القضايا:تتناول الرواية العديد من القضايا مثا التعاطف والتقدير والاحترام والحبّ لعائشة فالزواج، وعلاقة العمل وعرقلة (الأمّ). كما يتناول القضايا الاجتماعيّة من معاناة الفقر والبؤس والشقاء من أجل لقمة العيش ،فعائلة الشيخ مفتاح تمثّل نموذجا لذلك في القصّة، فهم ممّن شرّدتهم الحرب فعانوا الويلات بحثا عن الأمن والاستقرار، وتمثل عائشة نموذجا بشريّا مجسّما للبؤس الإنساني لمعاناتها الشّلل بسبب غياب المال، ومعاناتها اليتم بسبب موت الأمّ. كما تتناول تعاطي التكروري هروبا من الواقع البائس.

ايوب صابر 10-16-2015 11:17 PM

تابع ... التوت المر

- قصّة اجتماعيّة من النّوع الواقعي ذات طابع اجتماعيّ للأديب التّونسي المعاصر محمّد العروسي المطوي. قصّة صراع ثلّة من الشّباب الوطني ضدّ ما كرّسه المستعمر من آفة تعاطي التكروري والمتاجرة به.


الساعة الآن 02:54 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team