منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 03-25-2015 02:51 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 89 - لونجه والغول زهور ونيسي الجزائر

- تعالج الرواية ثية المرأة الثورية في الرواية الجزائرية لونجة والغولـ

- يعالج هذا الموضوع العلاقة بين الثورة الجزائرية باعتبارها حدثا بارزا في تاريخ الجزائر المعاصرة، ورافدا يستقي منه الأدباء مادتهم الإبداعية، وبين الأدب الروائي من جهة أخرى.

- ويكشف الموضوع مدى استفادة الرواية من الثورة في مجال تصوير بطولة المرأة، مركزا على رواية الأديبة الجزائرية زهور ونيسي "لونجة والغول " من خلال تقديم صورة للمرأة الثورية، مع الإشارة إلى أعمال روائية أخرى.

بقلم : مفقوده صالح

-------
- اختارت السيدة زهور ونيسي أن تحتفل ببلوغها سن السبعين بطريقتها الخاصة، لتصدر رواية بعنوان "جسر للبوح وآخر للحنين"، وهي التي قضت حياتها بين جسرين.. جسر الكتابة الأدبية، وجسر النضال والانخراط في السياسة.

- ابنة مدينة الجسور (قسنطينة بالشرق الجزائري)، لم تقطع صلتها بجسر الكتابة الذي ظلت وفية لها، ليبقى جسرها الأساسي الذي تواصلت من خلاله مع الذين أحبوها وقرؤوا لها،

- وفي سن متقدمة وبعد رحلة شاقة من جسر إلى آخر جلست في لحظة تأمل طويلة كانت محصلتها رواية "جسر للبوح وآخر للحنين" الصادرة في الثلاثي الأول من هذه السنة عن منشورات زرياب في إطار تظاهرة "الجزائر عاصمة للثقافة العربية"،

- لكن تلك اللحظة أعادتها سنين طويلة إلى الوراء، إلى سن الطفولة حيث الجسور المعلقة، وقد بقيت هناك موزعة بين جسر للبوح بتفاصيل تلك الرحلة الشاقة، وآخر حنينا إلى تلك الطفولة التي لن تعود.

- هذه السيدة التي تعتبر من الرائدات، فهي من أوائل نوّاب البرلمان الجزائري من الناس، وأول امرأة حاولت كتابة رواية من خلال عملها "يوميات مدرّسة حرة"، وأول وزيرة في تاريخ الجزائر المستقلة وربما في تاريخ الجزائر قديمه وحديثه،

- أثبتت وفاءها للكتابة، كهم أول مقدم على هم النضال السياسي الذي انخرطت فيه باكرا،

- وقد كانت الرحلة فعلا شاقة، وكانت زبدتها تلك الرواية التي تلخصها في أنها "رحلة إلى أغوار تاريخ مدينة، رمز لكل الوطن، برقمها المقدس سبعة في جسورها، وقصباتها، وأوليائها، وما يحمله كل ذلك وغيره من زخم* تراثي ،* وموروث شعبي".

- لكن الرحلة لم تكن أدبية خالصة، بين كانت سياسية أيضا من خلال الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات وتأسيسها للمجلة التي كانت تصدر عن تلك المنظمة "الجزائرية"، التي ظلت في عهدها تصدر بانتظام وفي حلة جميلة، وكانت تطمح لأن تكون بالفعل "لسان حال المرأة الجزائرية"،

- ثم انتخابها نائبا في البرلمان سنة 1977، سنة بعد العمل بدستور1976 الذي أعاد الحياة النيابية التي غابت بعد انقلاب بومدين على بن بلة سنة 1965،

- ثم أول وزيرة في تاريخ الجزائر المستقلة، وحول تلك المحطة قالت السيدة زهور: "الأمر بدأ مع اقتراح الأخ الرئيس الشاذلي بن جديد، وكان ذلك مفاجأة كبيرة بالنسبة لي، عملت كثيرا وناضلت بالكتابة وداخل الاتحاد النسائي أيام الحزب الواحد، ولم أكن أتصور يوما أن أكون وزيرة أو أي منصب من هذا القبيل، وعندما استدعاني الأخ بن جديد وعرض عليّ منصب كتابة الدولة للشؤون الاجتماعية، قبل أن تتحول إلى وزارة كنت متردّدة كثيرا وكدت أرفض، وعند إلحاح الرئيس وتمسكه باقتراحه، طلبت أن أمهل ساعات لأستشير الأسرة وفي الحقيقة استشرت زوجي الذي نصحني بأن لا أرفض، ففي الحقيقة أن الثورة هي التي كرّمتني بذلك المنصب وألا يجوز التأخر عن ذلك الأمر"،

- وحول تلك التجربة الفريدة قالت: "كانت تجربة رائعة جدا.. قضيت فيها أجمل سنوات عمري، ولأن المسؤولية كانت تكليفا وليس تشريفا، فأنا مقتنعة بأني عملت بكل جهدي وأعتقد بأني نجحت بامتياز بدليل أني فتحت المجال لنساء أخريات نجحن بدورهن في تسيير وزارات مهمة"،

- ورغم انخراط السيدة زهور في السياسة إلا أنها لم تقطع يوما صلتها بالكتابة الأدبية، وظلت تكتب وتنشر إلى الآن، وقبل رواية "جسر للبوح وآخر للحنين"، عرفت بالكثير من الكتب، "الرصيف النائم" وهي مجموعة قصصية صدرت بالقاهرة سنة 1967 بالقاهرة، "على الشاطئ الآخر" مجموعة قصصية صدرت سنة 1974 بالجزائر، "من يوميات مدرسة حرة" 1978 بالجزائر وهي أول رواية كتبها امرأة جزائرية، ثم "الظلال الممتدة" سنة 1982 وهي مجموعة قصصية، و "لونجة والغول" وهي ثاني رواية لها صدرت سنة 1994، ثم "عجائز القمر" 1996 وهي مجموعة قصصية ولها مجموعة قصصية أخرى بعنوان "روسيكادا" صدرت سنة 1999، ثم جمعت زبدة المقالات التي كتبتها في الأدب والسياسة والمجتمع في كتاب صدر سنة 1999 بعنوان "نقاط مضيئة".

- والآن وقد تجاوزت السيدة زهور ونيسي سن السبعين، لم تتوقف عن الكتابة والتفكير في مشاريع الكتابة، فهي بصدد كتابة سيناريو يتناول مأساة الجزائريين الذين نفاهم الاستعمار الفرنسي إلى كاليدونيا الجديدة، ذلك السيناريو الذي اتفقت بشأنه مع المخرج الجزائري سعيد عولمي من اجل تحويله إلى مسلسل سيرى النور مستقبلا، وما زال في جعبتها مشروع مجموعة قصصية سترى النور قريبا.

- وبعد عودة السيدة زهور إلى مدينتها الأول واستعادتها لتلك الطفولة التي كانت موزعة بين الجسور السبعة لتلك المدينة، بقيت زهور وفية للعبة الجسور تلك ومن بين الجسور يبدو أن جسر الكتابة هو الأقرب إلى وجدانها، ذلك الجسر الذي ربطها بالكثير من القراء الذين عرفوها منذ صدور كتابها الأول قبل أربعين سنة، وليس وصولا إلى روايتها الصادرة أخيرا، فجعبة السيدة مازالت تعد بالكثير من مشاريع الكتابة.


من مقال بقلم الخير شوار


ايوب صابر 03-26-2015 05:10 PM

تابع .....

- هي أوّل أديبة تكتب باللّغة العربية في الجزائر وأوّل وزيرة بعد الاستقلال وأوّل امرأة تتولّى رئاسة تحرير مجلّة نسائية·· إ

- انها المجاهدة صاحبة وسام المقاوم ووسام الاستحقاق الوطني والأديبة صاحبة (لونجة والغول) والرّصيف النّائم وعلى الشاطئ الآخر وغير ذلك من الأعمال الأدبية التي أبدعت فيها الأستاذة زهور ونيسي·*

- شاركت في تحرير المرأة بالسلاح قبل القلم ...

- قاتلت الى جانب الرجل في معركة التحرير الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، لتكون شريكة في صنع مستقبل لوطنها عبر تاريخ طويل من النضال الانساني والاجتماعي، في سبيل الوصول للحرية التي طمح بها كل فرد من البلاد، محققة عبر اصرارها ما عجز الكثيرون من اثباته ... و لتنال بجدارة وسام المقاوم ووسام الاستحقاق الوطني، منتقلةً بعد ذلك للعمل السياسي والفكري والثقافي

- عبر توليها مناصب متميزة كأول امرأة تتولى منصب وزيرة للشؤون الاجتماعية ثم للتربية الوطنية وعضو المجلس الشعبي الوطني وعضو مجلس الأمة وأول امرأة في الجزائر تترأس وتدير مجلة نسوية "الجزائرية" وعضو الهيئة المديرة لاتحاد الكتاب الجزائريين.

- حين سؤالها : كأديبة وكاتبة هل تتحاشين الخوض في موضوعات تصنف على أنها تابو؟ أجابت ...كلا أنا أتحدث عن كل شيء ... لكن باسلوب نظيف ومهذب أستطيع من خلاله الدخول إلى عقل القارئ ومخاطبته بشكل بعيد عن المباشرة التي قد تسبب النفور من الأفكار المطروحة رغم أنها قد تكون صحيحة، أي أنني اكتب في الممنوع لكن بأسلوب يتقبله القارئ ويتفاعل معه دون أي ردة فعل منه، فالكتاب القدماء أمثال الجاحظ تجدهم يتحدثون عن كل الامور والتفاصيل بدقة وبجرأة أيضاً لكنهم اعتمدوا طريقة مهذبة ومنهجية وعقلانية تخاطب فكر القارئ دون أن تجرح إحساسه ومشاعره.

- وعند سؤالها : كيف تبدو صورة المرأة في كتاباتك؟ اجابت منذ بداياتي في مجال الكتابة وحتى هذه اللحظة تجد المرأة متناثرة بين صفحات رواياتي، بدءاً من سرد تجربتي الشخصية كمجاهدة في الثورة الجزائرية ضد الاحتلال والعينات النسائية التي عشت معها أو عملت معها، ضمن عمل كان هدفه توثيق ما عانته المرأة الجزائرية في تلك الفترة، فضلاً أن عدد كبير من قصصي تحمل أسماء نساء من المجتمع، التي نقلت عبرها تجارب وخبرات لحياة المرأة في المجتمع الجزائري خصوصاً والعربي عموماً، لذا فانك تجد صورة المرأة واضحة وجلية وبالرغم أنني في الفترة الأخيرة انتقلت نحو الكتابة بأمور المجتمع، إلا أن صورة المرأة كانت لها بصمتها بين الشخصيات.

من مقال بقلم : مالك أبوخير

ايوب صابر 03-26-2015 05:57 PM

تابع والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 89 - لونجه والغول زهور

- تعتبر الأديبة زهور ونيسي من أبرز الكاتبات الجزائريات اللواتي ولجن عالم الكتابة في ظروف جد صعبة ،

- فكانت من أول المبدعات اللواتي كتبن عن الوطن فقرأنا لها " من يوميات مدرسة حرة " ، "لونجة والغول" ، "الرصيف النائم" ،"على الشاطئ الآخر"..

- جاهدت ونيسي في ثورة التحرير وهي تحمل وسام المقاوم ووسام الاستحقاق الوطني،

- تقلدت مناصب عليا ثقافية وإعلامية واجتماعية وسياسية، منها عضو المجلس الشعبي الوطني في الفترة من 1977 إلى 1982م

- وكانت أول امرأة تتقلد وزيرة للشؤون الاجتماعية ثم للتربية الوطنية،وكانت أول امرأة في الجزائر ترأس وتدير مجلة نسوية "

ايوب صابر 03-27-2015 01:37 AM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 89 - لونجه والغول زهور


- أن القيم التي تستند إليها والمرجع الذي تستقي منه مبادئها هي نفسها مرجعيتها المتشبعة بروح الوطنية الصادقة التي ناضلت وضحت من أجلها، ولذلك تجدها قد تحدثت معنا زهور ونيسي بدون تحفظ لأنها تعلم يقينا أن أخلاقيات الذين يتعاملون مع "صوت الأحرار" ليس من مهمتهم زراعة الفتنة والشقاق بقدر ما مهمتهم هي أداء الرسالة الإعلامية المفيدة قبل كل شيء، وإن كانت هذه الغاية دونها صعوبات والكمال لله وحده.

- تقول اسمي هو زهور ونيسي وأنا من مواليد 13 ديسمبر 1936 بمدينة قسنطينة من عائلة محافظة وعريقة في العلم والإصلاح، فوالدي رحمه الله تأثر كثيرا بالحركة الإصلاحية للشيخ عبد الحميد بن باديس ومتشبع بالثوابت الوطنية، وفي بداية حياتي درست في أول مدرسة أسسها بن باديس وهي جمعية التربية والتعليم للبنات، وفي تلك الفترة أي سنة 1954 تحصلت على الشهادة الابتدائية بتفوق وقد نشر لي في جريدة "البصائر" أول نموذج لمقال عن الامتحان الذي حزت عليه وبعدها تشجعت لكتابة مقالات كنت أبعث بها من البيت إلى أن توقفت "البصائر" عن الصدور.

- وبعد اندلاع الثورة التحقنا بها لأن اهتمامنا كله كان بها، فناضلت في ولايتين وأنا معلمة، وعقب الاستقلال التحقت بجامعة الجزائر، ومن حسن الحظ سمح للمجاهدين وللمجاهدين بالالتحاق بالجامعة بعد المرور على مسابقة التي لا يمكن الاستهانة بها، لأن مستوى التعليم الحر في ذلك الوقت كان جد محترم وعلى درجة عالية، وقد كان من بين رفاقي السفير الحالي عبد القادر حجار والمجاهدة خديجة لصفر.

- وبعد حصولي على ليسانس في الفلسفة عملت دراسة معمقة في علم الاجتماع، كما أنني كذلك كنت نشطة في العديد من المنظمات الجماهيرية وعضوا مؤسسا فيها، مثل شبيبة جبهة التحرير والاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، كما أنني كنت عضوا مؤسسا للإعلام الوطني في ذلك الوقت، من بينها "الشعب "عندما عربت وجريدة "صوت الأحرار" والجماهير للطاهر وطار وجريدة "الثورة والعمل" و"المجاهد الأسبوعي"، ونسيت أن أذكر لك أنني من مؤسسي مجلة "الجيش" وقد نشر لي أول مقال بها سنة 1963،...

- إلى أن أسندت لي أول مجلة جزائرية نسائية وهي "الجزائريات" وهي اللسان المركزي لاتحاد النساء الجزائريات، أي أن هذه الفترة كانت مليئة بالحيوية والنشاط إلى درجة أنني رشحت من طرف جبهة التحرير الوطني لشغل عضوية المجلس الشعبي الوطني من سنة 1977 إلى سنة 1982 وفي نفس الوقت لم تنقطع علاقتي بالتدريس، وقد تعلمنا من مدرسة الأفلان أن الاستقلال ليس بغاية وإنما هو وسيلة لخدمة الوطن،

- والحمد لله خضت تجربة غنية لم أفقد فيها التوازن والتواضع وحب الوطن والإخلاص للشعب، وبعد المجلس الشعبي الوطني ونحن نتدارس قانون الأسرة، طلب مني شغل منصب كتابة الدولة للشؤون الاجتماعية، ولست أدري إن كان في الأمر ثوابا أو عقابا.

- في رد على سؤال حول ----ما هي التحولات الإبداعية التي طرأت على الروائية زهور ونيسي بعد دخول الجزائر عهد العشرية الحمراء، التي راح ضحيتها بعض الروائيين والمسرحيين، دون أن نسقط الآخرين من القائمة طبعا؟ تقول : في هذه الفترة أحلت فيها على التقاعد، الأمر الذي مكنني من أن أقرأ كثيرا، وفعلا الأمر يدعو إلى المرارة والأسى وأصارحك أن فترة العشرية الدموية غيرت كثيرا من ذهني ومن مشاعري، إلى درجة أنني فقدت فيها الأمل وشعرت بالإحباط وراودني الحزن الشديد، بالخصوص حينما أستذكر المحطات الوطنية التاريخية من الثورة الجزائرية، التي ضحى من أجلها الشهداء بالنفس والنفيس، وقد جاء ميلاد روايتي "لونجا والغول" سنة 1996 نتيجة هذا المخاض العسير.

- وفي رد على سؤال -هل لك مساهمات شعرية وهل لازال الشعر هو ديوان العرب، أم أن الرواية بدأت تزحزحه من مكانته؟ تقول : بلا، أكتب الشعر على النمط العمودي والحر وكثير من الرسائل التي تصلنا أرد عليها بالقصائد الشعرية، لكن لا يوجد عندي ديوان مطبوع خاص بأشعاري، أما أن الشعر لازال ديوان العرب فأعتقد أن الشعر والرواية كل يكمل الآخر، بالخصوص إذا كانا في خدمة القضايا الوطنية والقومية.
- وفي رد على سوال : لكل مبدع أو كاتب طقوس وعادات، ما هي طقوس الكتابة الروائية في حياة المبدعة زهور ونيسي؟ تقول أنا أضع في كل غرفة من غرف البيت، دفترا وقلما، ومتى حضرتني الفكرة دونتها حتى لا تضيع مني، أما كطقوس فأنا متفرغة للكتابة منذ صغري ولا أضيع وقتي كثيرا في الثرثرة وحضور مناسبات الأعراس، كما تفعل معظم النساء، فعندي نوعا من الموضوعية والمنطق في تسيير الوقت، فروايتي" جسر للبوح وآخر للحنين" هو نص تأبيني عن المرحوم "أبو العيد دودو" الذي كان يناديني بالكاتبة الماجدة، فالكتابة عندي تأتي بدون ضغوط وهي بالنسبة لي صناعة.

ايوب صابر 03-27-2015 03:40 PM

تابع ....

- ما تزال تحتفظ في تفاصيل وجهها بصرامة جيل من النساء ناضل كثيرا من اجل فرصته في الحياة والوجود، كانت أول امرأة كتبت الرواية في الجزائر بالعربية وأول وزيرة في النظام الجزائري رغم ارثها النضالي والثوري والأدبي الكبيرة ما تزال تحافظ على تواضعها واتزان حديثها.

- إنها السيدة زهور ونيسي التي استقبلتنا في بيتها على طعم قهوة قسنطينية المذاق والتقاليد وفتحت أمامنا دفاترها القديمة في جلسة حميمية استعادت خلالها صاحبة “يوميات مدرسة حرة” بعض ذكرياتها ومواقفها المختلفة في صبيحة هادئة في بيتها الذي يحتفظ بين جدرانه بعبق الثقافة ونضال الزمن الأصيل.

-عندما تتحدث السيدة ونيسي عن مسارها بين مختلف المناصب والمهام التي مارستها تتحدث بتواضع كبير قل ما نجده في زماننا فتقول إنها لم تؤدي خلال كل تلك المراحل إلا واجبها بنفس الشغف وروح المسؤولية والخوف أيضا من عدم تأدية هذا الواجب فكانت أديبة، صحفية، مدرسة، وزيرة ونائبة بالبرلمان، وهو الحس الذي ظل يلازمها حتى عندما تكتب نصوصها بنفس درجة الإحساس بالمسؤولية في مواجهة الرجال في المجالس العليا والمناصب الكبيرة التي أسندت إليها، وعنها تقول “كل مهمة من هذه المهام أضافت لي تجربة وخبرة وعلم كنت أفتقده وأعتبر نفسي محظوظة لأني استطعت أن أكون في كل هذه المناصب أنا نفسي كما هي بصراحتي وإمكانياتي“.

-عندما تتحدث إلى هذه المرأة يصعب كثيرا أن تثيرها أو تدفعها لإثارة مهما كانت جرأة أسئلتك وخبثك الصحفي، بساطة لأنها امرأة مارست الإعلام في زمن كانت فيه للكلمة هيبتها وخبرت دهاليز السياسة والحكم، لذا فهي تتجنب الجزم والقطع في إجاباتها وتترك دائما هامشا للاحتمال والتقدير.

- لا تتردد كثيرا السيدة ونيسي في الدفاع عن تراث المدرسة الأصيلة الإصلاحية التي كانت إحدى خريجاتها كتلميذة في مدارس ابن باديس ثم كرائدة من رائدات التعليم الحر في الجزائر، لذا ترفض التهمة التي تلصق بهذه المدرسة في رعاية وإنجاب الإرهاب، لأن الرهان الذي رفعته الجزائر بعد خروج فرنسا هو فتح المدارس في فجر أول استقلال.

-“ظاهرة الإرهابجاءت من الخارج لأنها ربما كانت رد فعل لظروف أخرى لأن الفعل المتطرف لا ينتج إلا التطرف. وعليه فالإرهاب لم يأت من المدرسة الجزائرية، والذين يقولون بذلك هم أعداء اللغة العربية والمدرسة الوطنية، والظاهرة بدأت قبل الثمانينيات عندما خرج تلامذة مدرسة ديكارت ينادون بالتاريخ في المزبلة، والفكر الوهابي جاءنا من أفكار بعض الأفغانيين الذي جاؤوا للجهاد في الجزائر من بعض البلدان الإسلامية الأخرى” على العكس من ذلك تماما ترى صاحبة “اللونجة والغول” أن “ما وصلت إليه الجزائر اليوم هو جزء من المؤامرة التي حيكت بعد الاستقلال ضد الاتجاه الإصلاحي.. التهمة لا تلصق بالمدرسة الإصلاحية في خلق الإرهاب بل التهمة تسلط على الذين همشوا الحركة الإصلاحية بعد الاستقلال فلو أنهم احترموا الحركة الإصلاحية وروحها بأصالتها وتفتحها لما وقعنا في ما وقعنا فيه”.

- فالحركة الإصلاحية أزيلت من كل ما من شأنه أن يبني هذه الجزائر. الحركة الإصلاحية كان على رأسها ابن باديس وهو أول من دعا إلى تعليم البنات. في هذه المدارس كنا نجلس البنات إلى جانب الأولاد بدون عقدة، وكانت الحصانة هي الأخلاق وحسن التربية، ولم تكن يومها مسألة الحجاب مطروحة، كنا نلتزم بالسترة وبقينا إلى اليوم لا نتبرج في حركاتنا ولا في كلامنا ولا في لباسنا، كانت الحصانة يومها الأخلاق والتربية وليس الحلال والحرام. والحركة الإصلاحية التي همشت بعد الاستقلال هي التي حافظت على الروح الوطنية والشخصية الجزائرية والهوية الوطنية، وهي التي دفعت بالكثير من تلامذتها وأتباعها إلى اعتناق الثورة وحافظت على الحس الوجداني والوطني في هذه الجزائر، ربما لهذا حوربت بعد الاستقلال” تلك الحرب التي أرجعتها المتحدثة إلى جزء من صراع الاتجاهات على افتكاك المناصب والمنافع ورحلة البحث عن المصالح “ما رأيناه بعد الاستقلال لم يحدث حتى في وقت الحركة الوطنية قبل الاستقلال” لهذا ترى الوزيرة السابقة للتربية في نظام الشاذلي بن جديد أن الإصلاحات التربوية في الجزائر لم تكن خيرا كلها ولم تكن شرا كلها، وأن مسيرة التعريب في الجزائر لم تفشل لكنها تعثرت، ولم تكتمل بل تمت توقيفها، مذكرة بجهود مولود قاسم نايت بلقاسم في هذا المجال “فالدور الذي قام به مولود قاسم نايت بلقاسم في الإدارة لا يمكن تجاهله، وكنت يومها في وزارة الحماية الاجتماعية، وكان كل من في القطاع مستعدا للتعريب لكن المسيرة توقفت” في هذا المقام ترى السيدة ونيسي أننا “نتهاون كثيرا اتجاه العربية لأنها إحدى أهم مبادئ السيادة” وتشدد الوزيرة السابقة للتربية على وجوب احترام العربية كلغة رسمية للبلاد المكرسة بنص الدستور خاصة في معاملاتنا الإدارية، لأننا بتهاوننا تجاه لغتنا “نتنازل عن أهم نجاح للثورة الجزائرية” ورغم أن الأستاذة زهور ونيسي لم تستبعد تواطؤ التيار الفرانكفوني النافذ في دهاليز الإدارة في إعاقة مسار التعريب لكنها تؤكد من جهة أخرى أن “التطرف لا ينتج إلا التطرف“.

- زهور ونيسي التي جمعت بين صرامة المناضلة وحس الكاتبة ترفض أن تدخل حزب جبهة التحرير الوطني إلى المتحف وتؤكد أن لهذا الحزب ما يقوله في عهد التعددية “طالما أن له امتدادات وقواعد شعبية” استمدها من تاريخه النضالي، ومع هذا تؤكد أنها تمارس نقدا لاذعا في بعض الأحيان للحزب ولا تتردد أن تقول “بقيت الوحيدة التي لم تتنكر لحزب جبهة التحرير في الوقت الذي اختار البعض تغيير الوجهة“.

-في هذا الحزب خاضت النضال واستوزرت باسمه وخاضت أيضا معارك عدة منها معركة قانون الأسرة الذي يتهمها فيها البعض بأنها تواطأت فيه مع المنصب ضد مصالح النساء عن هذه الأحداث تروي قائلة “يومها كنا 10 نائبات في البرلمان وكنت الوحيدة يومها التي واجهت وتغلبت على التيار المتطرف في المجلس الشعبي الوطني بحيث كنت أسهر على الأخذ من أمهات الكتب ومن فقه السنة والتفاسير والأحاديث التي تؤيد حقوق المرأة، لذا كان التيار المتطرف داخل المجلس الشعبي الوطني يخافني أكثر مما كان يخاف المتطرفين من الجناح الآخر خارج المجلس، ومشروع قانون الأسرة جاءنا يومها من الحكومة في قراءة ثانية، وكان معي بعض الزملاء الوزراء الذين كانوا نوابا بالمجلس الشعبي الوطني، ووقع بيني وبينهم نفس الصدام، فأصحاب هذه الإشاعة هم أصحاب التيارات التغريبية المتطرفة التي جاءت بعد الانفتاح السياسي ليس لها أي هدف إلا مهاجمة التيار الوطني الإصلاحي النظيف الذي يعمل على تكريس حرية المرأة واحترامها لأصالتها ولتميزها كعربية وأمازيغية مسلمة” من هذا المنطلق ترى المتحدثة أن مشكلة المرأة الجزائرية اليوم ليس مع القوانين بقدر ما هي في العقليات وبعض “الذهنيات المريضة لبعض الرجال ومن سلبية المرأة أيضا تجاه واقعنا لأننا اليوم نجرجر حصيلة سنوات الانحطاط في المجتمعات العربية بكل ارثها” وترى المتحدثة أن إيمان المرأة بنفسها هو جزء من إيمان الغير بها، لهذا كانت بالأمس للاتحاد الوطني للنساء الجزائريات امتدادات شعبية كبيرة “كنا نجند نساء السفراء العرب لمحو أمية الجزائريات عبر القرى، ومن بينهن السيدة هاجر صادق حرم السفير السوري بالجزائر، ولولا الدور الكبير لتلك التعبئة والتجنيد والحث على العمل والتعليم لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم”.

- السيدة زهور ونيسي، وغداة تعيينها على رأس وزارة الأسرة، لم تترد في طلب استشارة زوجها، موقف أعابه الكثيرون يومها على السيدة ونيسي التي ترى فيه “قمة الاستقلالية عندما تسعى لإضافة نجاح إلى آخر وليس بناء نجاح على أنقاض نجاح”.

- زهور ونيسي، المحسوبة على الرئيس الراحل هواري بومدين، تصف علاقتها بزعيم الجزائر بأنه كان أخا وزعيما يحسن الاستماع ويحسن الاستفادة من غيره “لما كنت ارأس مجلة الجزائرية التي لم تكن لها ميزانية كنت قد طلبت منه لما بلغت المجلة عاما من التأسيس أن يكتب لنا افتتاحية، كتب لنا الافتتاحية واستقبلني يومها رفقة رئيسة الاتحاد صفية بن مهدي واستمع إلينا وإلى مشاكلنا، وقلت له إن جبهة التحرير تقوم فقط بدفع أقساط المطبعة أما أجور العاملات والكتاب والكاتبات فلم تدفع منذ عام، فدفع لنا الفرق الموجود، ومنذ تلك الزيارة أصبح يقدم لنا مساعدة مالية شهرية، كما كان بومدين في اجتماعات رمضان مع رؤساء أجهزة الإعلام ينصت إلينا باهتمام ويحرص على الاستفادة من غيره” وعن علاقتها مع الشاذلي بن جديد عندما سألناها لماذا عينها هي تحديدا وليس غيرها في منصب الوزيرة أجابت “لأني كنت مناضلة ميدان، لم أكن طامعة في المنصب، ولم أسع له ولم أتوجه كما توجه غيري بعد الاستقلال إلى تكوين الثروة“. بنفس المنطق تؤكد زهور ونيسي أنها لم تسع لأي منصب بعد خروجها من الوزارة ولم يعرض عليها إلا منصب نائب في مجلس الأمة، وبقيت فيه 6 سنوات، كما عرضت عليها مؤخرا إدارة المكتبة الوطنية لكنها اعتذرت “لأنني أعرف أن المكتبة الوطنية معلم كبير ومهمة صعبة وفضلت أن تكون من نصيب الشباب“.

- لا تختلف كثيرا علاقة زهور ونيسي بالسياسية عن علاقتها بالأدب والكتابة، وما تزال تعرف حدود قلمها أين يبدأ وأين يتوقف “لا يضيرني أن تقول أحلام مستغانمي إنها أول من كتب الرواية في الجزائر بالعربية، وربما أحلام لم تقل هذا الكلام، فالصحافة لا تؤتمن دائما، لكن حتى وإن قالت أحلام هذا الكلام لا يضيف لي ولا ينقصني مني شيئا، فالنقاد العرب يعترفون أن “يوميات مدرسة حرة” هي أول رواية نسوية في الجزائر باللغة العربية وقريبا ستتحول إلى مسلسل تلفزيوني” تقول ونيسي “تشرفت بتدريس أحلام وأرى في نجاحها نجاحا للجزائر خارج الحدود رغم أن المشرق قليلا ما يعترف لأبناء المغرب بالريادة”، هنا تتذكر الاستاذة طالبتها فتقول “أحلام هي أحلام بتمردها، شقية وشاعرة حساسة وأول قصائدها نشرتها في مجلة الجزائرية عندما كنت مديرة لها” صاحبة “اللونجة والغول” التي خبرت ميدان الكتابة وتمرست فيه ترى أن أجيال اليوم من الكاتبات لديهن ما يكفى من نضج التجربة والخيار للكتابة، وسعي هذه الأجيال اليوم للتمسك بجلباب أحلام مستغانمي يعود أساسا للشهرة الإعلامية التي حصلت عليها أحلام عبر وسائل الإعلام.

-عندما تتحدث إلى زهور ونيسي مجبر أنت أن تصغي إليها للنهاية، وتتحول بحضرتها إلى تلميذ يصغى لأستاذه وهي تجول بمكتبتها التي تضم عشرات بل مئات العناوين في الأدب والتاريخ والسياسية بالفرنسية والعربية، في هذا المكان تفضل زهور ونيسي أن تقضي معظم وقتها في تقليب كتب التاريخ والفلسفة التي تفضلها. في هذا المكان تواصل زهور ونيسي رحلة البحث والكتابة حيث أنهت مؤخرا مشروع نص حول رائد الحركة الإصلاحية في الجزائر الإمام ابن باديس سيصدر قريبا في مجلدين في انتظار أن يحول إلى مشروع تلفزيوني أو سينمائي يعيد سيرة رائد الحركة الإصلاحية في الجزائر، عن هذا المشروع تقول المتحدثة “من خلال البحث والمراجع الكثيرة اكتشفت أن لهذا الوطن رجالا وقامات كبيرة حققت التناغم في الحركة الوطنية التي فجرت الثورة وقادت الجزائر للاستقلال“.

- في ذات المكان وبين هذه المجلدات استعادت الكاتبة جزءا من ذكرياتها في اتحاد الكتاب الجزائريين الذي يعيش اليوم تشرذما وانقساما بطريقة تدعو حقا للأسف بعدما كان يجمع كبار الكتاب والمبدعين “اتحاد الكتاب من المفروض أن يجمع كل الجمعيات المهتمة بالفكر لكن إذا به هو الذي يضيع، لست ادري إن لم يكن الاتحاد في مستوى المسؤولية التاريخية له ولا ادري لما هذا التطاحن والتشرذم، ويحز في نفسي وأنا من المؤسسين لهذا الاتحاد أن أرى ما وصل إليه. أول أمانة وطنية لاتحاد الكتاب كان فيها مالك حداد، وأفتخر أنني رشحته لذلك رغم غضب بعضهم علي، وكان فيه سعد الله والميلي وشريط والسائحي.

-في هذا الحي الهادئ بأعالي القبة تسكن السيدة ونيسي منذ زمن ولم تغير مكان سكناها ولا فكرت في مغادرة البلاد حتى إبان الأزمة الأمنية “لم أفكر يوما لا في تغيير السكن أو الهروب وقلت إن مصيري من مصير جيراني، ولم أتخلف يوما عن موعد ولا عن السوق أو الشارع ولم اطلب الحماية لأن كانت قناعتي دائما أن الأعمار بيد الله“.

-ونحن نودع الكاتبة والوزيرة السابقة زهور ونسي أحسسنا أننا لم نأخذ منها الشيء الكثير من خبرتها وأسرارها التي تحتفظ بها في الذاكرة والمسار النضالي الطويل، إذ يصعب كثيرا أن تحيط بتاريخ هذه السيدة في جلسة صحفية عابرة وهي التي ما تزال في زمن التجارة في كل شيء تحتفظ بصرامة جيل لا يغفر الأخطاء لنفسه قبل غيره

ايوب صابر 03-27-2015 11:41 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 90- صخب البحيرة محمد البساطي مصر

- في الرواية ترتبط بأشياء مادية وتفاصيل شخصية غامضة تظل تتبعها من حالة لأخري وتسأل في عقلك ربما هناك علاقه بين هذا وذلك ؟

- تعرض الروايه أربعة حالات مختلفة عاشت في المنطقه ما بين ملتقي البحيرة والبحر ولا رابط بينها سوى المكان بتفاصيله حتى أننا ننسي الزمن ونعبر سنوات لنصل من حالة لحالة دون أدني ملل أو خروج عن الجو العام ..

- تفاصيل متكررة لدرجة أنني أثناء القراءة أكاد أستمع لصوت الماء أو أري غيوما تمر عابره لبعيد فيما بعد النوه.

- الكاتب يصدمنا بواقع مجتمعنا من خلال التفاصيل الدقيقة ليوميات بشر من المهمشين في الحياه الذين لا تهمهم السلطة أو تغيرات العالم من حولهم.

- تفاصيل لا يمكن تخيلها إلا من خلال سرد محمد البساطى.. الذي تربي في منطقة مشابهه في قريته الصغيرة المطلّة على بحيرة المنزلة.

- في الجزء الأول من الرواية تجلس المرأة علي حجر تحكي لرجلها – ذلك الصياد العجوز الذي يسكن قاربه -أنها لم تكن متزوجة من قبل ولكن رجلها الأول هو من قال ذلك للناس في القرية .. وحين علم بحملها ضربها وتركها ورحل وظلت من يومها تقول أنه مات.. وتسير الأحداث وتروي أن رجالا من سكان البحيرة كانوا يأتون إلي السوق للبيع والشراء هم من اعتني بها ووفر لها حياة كريمة طوال فترة حملها وكان كل منهم يقول عن حملها هذا ابني .. وكيف كانت اخلاقهم بمنتهي الوداعة والرحمة معها ويقولون أنهم أقاربها.. حتي من لا تعرفهم أو بالكاد تتذكر بعض ملامحهم .. هذا النوع من البشر خلق في داخلها حبا لمن هم خارج القرية

- في هذه البيئة الفقيرة أو المعدمة تجلس المرأة تحكي تفاصيلها بلا خزي ولا إنكار فليس لديها ما تخسره .. وكل ما مر بها هو ما جعلها في هذا المكان تتقبل هذه الحياة وتتقبلها الحياة .. وحيدة هي وولديها التؤام في بيت صغير علي الشاطئ .. لا تري من العالم غير أشرعة بعيده تأتي من البحر ثم تختفي في هدوء

- رجال البحيره علموها أشياء كثيرة علموها كيف تستغل كل ما تملك حتي لو كان برميلا ملقي في ساحة البيت

- الصياد العجوز لم يتخلي عن قاربه وهو عالمة المتحرك وكذلك لم يتخلي عن دوره في توفير بيت لها وولديها كعالمها الذي اعتادت عليه وبالتالى هي لن تتخلي عنه حتي يرحل في سكون

- وعلي طول الرواية الشخصيات صريحة .. كامله الإنسانية بكل معني الكلمة من خير وشر .. وعلي سجيتها

- تتغير علاقه أهل الأرض (سواء المزارعين أو البنائين) بأهل البحيرة وماوراءها (البحر) بتطور أحداث الرواية
أولاً تكون البحيرة مصدر الطعام.. ربما أيضا مجموعه من ألواح الخشب .. ألواح معدنيه .. اشياء أخري غريبة لا استعمال لها ولكن في الأساس هي مصدر للطعام والمأوي.

- لاحقا تتحول البحيرة لمصدر من مصادر الثقافه .. يرون من خلالها العالم الخارجي ... ملابس بألوان زاهية .. أسلحه قديمة .. أدوات شخصية ... صندوق موسيقي ... مقتنيات ذهبيه وزجاجات ملونة ... كلها أشياء تلقي بها البحيرة إلي الشاطئ أشياء تأتى من البحر بعد كل نوة ... لم تكن فقط حاجات للمنفعه الشخصيه أو الزينة إنما أيضا تجارة رائجة ومصدر رزق حين استغلها أحد سكان القرية كتجارة.

- يجد بعضا من أهل القرية أن خلف هذا الماء عوالم أخري وأحيانا يتجرأ البعض علي الخروج للبحث عن تلك العوالم.

- كل ذلك وأهل البحيرة يأتون إلي اليابسة يتزودن باحتياجاتهم الاساسية ويرحلون في سلام ثم تتطور الزيارات إلي هجمات من أهل البحيرة علي أهل اليابسة .. ليس بغرض الغزو على الإطلاق إنما هو استعراض للقوة فقط .. ربما ينهبون بعض الاشياء ولكن بلا طمع فقط ما يأكلون .

- ولكن هناك دائما صراع خفي وترقب من أهل اليابسة لأهل البحيرة

- أهل القرية يستنكرون وجود أهل البحر لمجرد أنه مختلفين .. هم رجال غير مختونين .. والاختلاف هو فقط سبب الرفض

- كانت البحيرة للبعض حلما عليه أن يدفع ثمنه سنوات من الغربة وأحيانا يدفع عمرة كاملا فلا يعود إلا جثة غارقة طافية علي سطح الماء بعد نوة.

- صندوق يظهر ويختفي من بداية الرواية.. ذلك الصندوق الذي كان يحمله رجلها الأول وبه تضع كل ما تملك من مقتنيات ... يأخذه ويرحل

- صندوق يحمله العجوز في قاربه به كل ما يمتلك من مقتنيات .. ثم يتركه ويموت

- صندوق موسيقي يعثر عليه أحد الأشخاص علي الشاطئ بعد نوه .. ويتعلق به لدرجه الهوس .. أم الإيمان ...

- تنتهي الروايه بمشهد غامض يعود بك إلي أولها ... سيده تأتي ومعها رجلان ... يحفران في الأرض ويأخذان رفات وعظام ميت ... وصندوق

- هو نفس المشهد حين دفنت المرأة الأولي وولديها الصياد العجوز وبجانبه صندوقه.. هي عادت لتأخذه الي حيث ينتمي

- نظرت إلي المكان وقد تحول إلي بيوت اسمنتيه ومجتمع كامل جديد .. أشارت إليه ولم تنطق.

- أحسست في نفسي أنها حزينه على عالمها الأول الذى اقتحمه أهل القرية ... وكنت حزينة معها.

- مشهد عالق بذاكرتي لإمرأة كانت تجمع ما يلقيه البحر علي الشاطئ ثم تخرج لتبيع بعضا منه هي وزوجها في السوق.. وها هي تمشي في سوق القرية ترتدي فستان قصير من الحرير يصل لركبتها لونه أصفربخطوط مائلة لونها بني وسوستة من الخلف , وفي قدميها حذاء أسود برقبة , وزوجها يتقدمها فوق الحمارة ..
تقول النساء في القرية الحذاء يشبه حذاء العسكرى .. الفستان منسول حول السوستة , وممزق عند الإبطين والمرأة أوسعت من خطواتها ولحقت بزوجها

- الرواية جعلتني أفكر ربما أبعد قليلا من المحتوي المكتوب ... هل شاطئ البحيرة أو القرية هى عالمنا الذي عشناه لأعمار كاملة واهمين أنه كل الدنيا .. وهل ما وراء البحيرة هو ما نرى اليوم من ثقافة أجنبيه اقتحمتنا مرة بالألوان البراقه ومرات أخري بالغزو الحقيقي ؟

- هي روايه رائعة .. وراءها الكثير من المعاني وتستحق القراءة.

ايوب صابر 03-28-2015 12:26 PM

تابع ....
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 90- صخب البحيرة محمد البساطي مصر



من مقال بقلم : عصام شرتح

- ان ما يثير التأملات عن طبيعة القراءة وتجربة الرواية في تصوير الحياة انما هو نص روائي جديد لمحمد البساطي بعنوان «صخب البحيرة» الذي فاز بجائزة معرض الكتاب المصري لعام 1996، وتابع به الكاتب مسيرته الابداعية باعتباره أحد ممثلي جيل الستينيات، الذي قطع شوطاً طويلاً في تطوير التجربة الروائية العربية ودفعها في اتجاهات طليعية خصبة ومتعددة.

- ولعل الظاهرة اللافتة في هذه الرواية، والمناظرة لعدد آخر من الأعمال الجديدة هي غيبة البطل المركزي والحدث الرئيسي، وقيامها على أساس نوع طريف من العلاقات «العقدية» ان صح التعبير، أي تلك التي تبدو الفصول كأنها حبات من عقد منتظم في سلك يتمثل في المكان والبؤرة والاستراتيجية الدلالية، مع احتفاظ كل حبة بكيانها المستقل وطبيعتها الخاصة،

- حتى لتراود القارىء فكرة اعتبارها مجموعة قصصية،

- لولا أنها تقدم اليه منذ عنوان الغلاف بصفتها رواية، ولولا انه يستفز في كل نقلة بين الوحدات المكونة لها الى البحث بنفسه عن روابطها الظاهرة والخفية، وسرعان ما يدرك انه ازاء نسق منتظم في بنية كلية، وان ما يصل عناصر هذه البنية ويقيم التراتب الحيوي في المكان والزمان والرؤية بين وحداتها، ويشكل عالمها في نهاية الأمر، أهم مما عودنا عليه السرد التقليدي من وحدة البطل والحدث المركزي،

- ويقوم العنوان حينئذ بدور هام في تحديد البؤرة الدلالية للعمل، وبوسع أنصار التحليل السوسيولوجي للأدب ان يستخلصوا من تكرار ظاهرة غياب البطل والحدث الرئيس دلالة تشبه ما سجلته دراسات «غولدمان» عن تطور الرواية الغربية، حيث تُعدّ مؤشراً لتجاوز المجتمع لحالة الاعتماد على البطل المركزي الذي تنعقد حوله الآمال في الخلاص وصناعة المستقبل الموعود، وتَتَبَأّر في منظوره رؤية العالم، وانتقال هذا المجتمع لحالة أخرى تسود فيها الرغبة في توزيع الأدوار على رقعة وسيعة من الشخوص والمواقف، على ان تتلاقى في نهاية الأمر عند محور جوهري يرتبط بظروف المكان وشروط الانسان، ومقتضيات تغيرهما.

- والجدير بالذكر ان العالم الذي يقدمه محمد البساطي في «صخب البحيرة» هو تلك المجتمعات البدائية التي تعيش على هامش بحيرة كبرى تقع بين ملتقى النيل بالبحر الأبيض في شمال الدلتا، حيث تقيم أحراش الجزر المتناثرة وبعض التجمعات السكنية للصيادين المبثوثة في تضاعيف المياه، تغمرها حين تهيج «النوّات» وتنحسر عنها لتعود الى سيرتها الطبيعية والانسانية في أوقات الصفاء، وتنبت حيوات الناس وتتحدد مصائرهم منذ القدم طبقاً لهذه الجدلية بين حالات الطبيعة، حتى ترتفع بانخطافة سريعة الخرسانة، لتعلن عن دخول الانسان مرحلة جديدة في الصراع مع الطبيعة وتؤذن بنوع من التحول لا تتريث لرصده، بل تكتفي باللمحة الدالة في الاشارة اليه،

- فما كان يعنيها في المقام الأول انما هو صناعة ما يشبه النصب التذكاري الأخير لهذا الانسان في الطبيعة قبل ان تتخطفه السدود والأبنية العالية ومظاهر التحول الحضاري الجارف،

- انها تستنقذ من ذاكرة المكان حالته البدائية الابدية وتسارع الى تسجيل ملامحه المحكوم عليها بالاندثار، قبل ان تغمرها المياه الأخرى مثلما غمرت قرىً ومعابد، وطمرت آثاراً على ضفاف وادي النيل، لكنها تفعل ذلك دون شجن أو شماتة، بل تحافظ على موضوعية قاسية وتسجيلية حقيقية محايدة،

- ومن الواضح ان الكاتب الذي بعد عهده فيما يبدو بهذه البيئات الأصلية، ثم أخذ يقاربها بحنوٍّ شعري متوازن، قد اصطفى في ذاكرته خطوطها التجريدية العريضة، وأخذ يرسمها بريشة الفنان المتمكن عن بعد،

- بحيث يشحنها بالتفاصيل التي لم تنتزع لتوها من الواقع المباشر، وانما جهزت واختمرت في معامل التمثيل الفني لتقديم أوقع صورة ممكنة عنه،

- فنجد أنفسنا حيال ألوان فضية شاحبة مثل تلك التي تستخدم في السينما للاشارة الى اختلاف الذكرى أو الحلم عن الهدير اليومي بألوانه الفاقعة، لكن ما تؤديه السينما جمالياً بتغيير درجة اللون وإيقاع مظاهر الاشياء بما يتبقى في الذاكرة عادة بعد وقت طويل.

- من هنا فإن اصداء «الصخب» المدهش الذي ينبعث من البحيرة هو معادل الصمت الرائن عليها معظم الوقت، عندما تجثم في حضن الغيبوبة عن الزمن وحركة التاريخ، وتبرز من ثناياها ملامح انسانية مركزة لعدد من البشر، النساء والرجال والأطفال، الذين نسجوا حيواتهم ومصائرهم، وطموحاتهم ومشاعرهم على ضفافها، ريثما كانت تأتي هبة العاصفة فتجرف بأنوائها وطينها وكدرها وبقايا معاركها هذا الصمت، وتحيله الى ضجيج طبيعي هائل هو الذي يتبقى في قاع الصورة الأدبية لينطقها بعد طول سكوت،

- عندئذ نرى ان البحيرة/ الطبيعة لا تتحدث الا بكلمات الادب عندما تشف عن قوانينها، وتنحسر عن آثارها، وإذا عظم الانسان ولحمة المتشذر هما ما يتراءى على الشواطىء المهجورة.

- على أن يقظة الحس الواقعي - على حدّ تعبير صلاح فضل- عند محمد البساطي وتجربته الطويلة بمذاقها الخاص في الكتابة قد جعلت عملية «التغييب الشاحب لصور الواقع لا تصل الى الدرجة التي يتحول فيها الى الوجه الآخر، فحالت بنيه وبين امكانية استثمار أساطير الصيادين وعالمهم السحري المتصل بالبحر والماء، لم يخرق الروائي قوانين الواقع وهو يستبعده ويستقطره، ولم ينفذ منه الى ما وراءه».
رصد الرواية من الخارج:

- إذا تأملنا بعض التقنيات الفنية التي يوظفها محمد البساطي في هذه الرواية بفصولها الأربعة، والتي يقدم فيها مجموعة من الصور التي تنحفر ببروز شديد في ذاكرة القراء لأنها تخلقت بجهد فني متمكن عن انطباعات غائرة في وجدان المبدع - وجدنا أن الملمح البارز فيها يتمثل في طريقة سرد الأحداث وتكوين الصور،

- فأسلوب الروائي هو الذي يجعلنا ندخل عالمه ويقربنا مما يريد ان يبثه من دلالات،

- فهو يعمد الى رصد المظاهر الخارجية للمشاهد باقتصاد لغوي شديد، في جمل فعلية متلاحقة، تنشىء حركات منتظمة للمرئيات، وتعزف عن التوغل في دواخل الشخوص والمواقف،

- لا يسرف في التعليق ولا يتبرع بشرح ما لا يلزم، يكفيه ان يرقب بعين الكاميرا اللاقطة ما يحدث، ناطقاً بوصف موجز ضروري لفهم المشهد.

- ومع أنه لا يستخدم ضمير المتكلم المفرد، ولا ضمير الجماعة المتحدثة إلا نادراً، ويختفي دائماً حول ضمير الغائب (الراوي) فإنه لا يبدو في وضع العليم ببواطن الأمور، لا يعتمد على الراوي الذي يعرف السرائر والمصائر، بل لا يكاد يتشخص أو يتعين، فالكاتب ليس هناك، بل الآخرون هم الذين يشهدون ويراقبون، وتبدو الرواية كأنها (تنكتب أمامنا دون راوٍ مسيطر فأفعال المضارعة تجعل المشاهد تتوالى وهي تحدث دون أن تنعكس لتصوير المتحدث ذاته،

- هذا المشهد المرسوم المتحرك لا يكاد يتجاوز سطح الأشياء إلا بلمسة خفيفة عندما يعمد الى تفسير الحركة بأنها نتيجة للتعب والشوق للأرض، أو يصنف إيقاعها بأنه ليس متعجلاً

-وفيما عدا ذلك فنحن حيال كلمات شديدة القابلية للترجمة الحرفية الى منظور تشكيلي في متواليات مرئية لسيناريو متواصل، ومع أنه يصف الأشياء والأشخاص إلا ان طريقة الوصف تختلف تماماً عما عهدناه في القص التقليدي، فهو يؤثر تكوين الصور الخارجية مكتفياً بالاشارة السريعة الشارحة غير الشخصية.

- وإذا كان أسلوب محمد البساطي يعتمد «الأسلوب السينمائي» على طريقة الستينيات مثل ابراهيم اصلان وصنع الله ابراهيم فإن محمد البساطي يمارسه بطريقة خاصةً تكاد تخلو من الانحياز الأيديولوجي لعصر معين،

- انه صارم في طريقة تشكيله للواقع المتباعد عن الزبد السياسي المباشر، فهو يحاول الغوص في أعماق الحياة، بعيداً عن التيارات القريبة عن طريق هذه التقنية اللا شخصية المحايدة، وليس معنى ذلك ان كتاباته خالية من الدلالة السياسية، بل هي تطمح الى تصوير القوى الكامنة خلف أمواج السياسة، تطمح الى التصوير المكثف لكيفية تخلق حيوات الناس وتشكل مصائرهم.

- في فصل آخر بعنوان «النواة» نرى كيفية تولد الكلام المنطوق بالحوار من قبل الوصف السينمائي الخارجي ذاته والاقتصاد الشديد في تجسيد العالم دون ميوعة أو خطابية أيديولوجية على الرغم من أنها مفعمة بالدلالة، الى جانب هذا الاتقان التشكيلي والحركي في رسم الصورة ثمة عدد من الاشارات الدالة في السياق،

-الفصل يدور كله حول ما تأتي به النوة من حطام البحر ومخلفات السفن التي برعت امرأة جمعة في التقاطها وتنظيفها وإعادة تشغيلها، مثل الكرسي الهزاز والفانوس والبراد هنا الولع بمخلفات الصناعة الأجنبية هو الذي سوف يحدد مصير جمعة عندما يعثر على صندوق ناطق صغير، تنبعث منه موسيقى وكلمات أجنبية فيؤدي الى استلابه وذهاب عقله افتناناً به، هنا تكتسب النوة ومخلفاتها بعداً رمزياً... فالتقاء العوالم لا يتم في مناخ تفاعل صحي خصب، وانما هو مثل ارتطام العواصف وضرب الأمواج للصخور، تفتتها قبل ان تذوب على أطرافها المدببة، فالوصف هكذا لا يظل خارجاً الى النهاية، بل سرعان ما ينتج دلالته عندما يقيم القارىء مفارقاته ويستخلص مغزاه.

ايوب صابر 03-28-2015 04:02 PM

تابع ....
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 90- صخب البحيرة محمد البساطي مصر



- أغزر كتاب الستينات في مصر ما زال قادراً على الإدهاش

من مقال بقلم : عبد النبي فرج

- يكاد يكون حصار الإنسان وعزلته هو الفضاء الروائي الذي تدور فيه أعمال محمد البساطي، فهو مغرم بهذه التقنية، لأنها، على حد قوله، تجعله يرى شخوصه من الداخل.

- البساطي الذي يعد أغزر كتاب الستينات في مصر إنتاجا، ما زال قادرا على إثارة الدهشة والتساؤل في كتاباته.

- أسلوبه السلس الممتع، مسكون دائماً برائحة شفيفة للمكان. وهي رائحة خاصة لم تراكمها الجغرافيا، بل راكمتها خبرة الكتابة والحياة والسنين.

- في رده على سؤال : >ما العوامل الحياتية التي أثرت في تكوين الروائي محمد البساطي؟ يقول :
- رغم أنني عشت حياة عادية إلا أن الذي تميزت به حياتي هو الانتقال المستمر في الجغرافيا. فقد ولدت في محافظة الشرقية، ثم انتقلت إلى محافظة الدقهلية، وهناك كانت الصدفة السعيدة أن بيتنا كان يطل على بحيرة المنزلة؛ فكانت هذه المنطقة تمثل حالة فريدة بالنسبة لي، بسبب جزرها التي تعيش عليها عائلات صغيرة موردها الأساسي تربية الماشية وصيد الأسماك. وكان نمط الحياة بين هؤلاء البشر مليئا بالدفء والحميمية، رغم ظروف الحياة الصعبة. بعد ذلك نزحنا إلى القاهرة للتعليم، كان عملي في الجهاز المركزي للمحاسبات، في مجال التفتيش على الوحدات المالية للحكومة. وهذا أتاح لي أن أجوب كل نواحي مصر، ومن ضمن الأماكن التي كان عليَّ أن أزورها مصلحة السجون، لذلك كتبت مجموعة قصصية عن عالم السجن، تتضمن خمس عشرة قصة. والسجن يوجد في بعض المشاهد من رواياتي، وكتبت أيضا عنه في رواية «التاجر والنقاش». هذا الانتقال المتعدد ساعدني على وصف الأمكنة والشخوص، خاصة التي من بيئات معينة لا يستطيع الخيال وحده أن يستحضرها.
وفي رده على سؤال : >منطقة الجزر هذه كانت موضوع روايتك «صخب البحيرة» كيف ترى هذا العالم الآن كما صورته في هذه الرواية؟
- رواية «صخب البحيرة « عن عزلة الإنسان، فشخوصها يعيشون في عزلة ويحملون سمات الإنسان المعزول. وتوجد حكاية طريفة لم أروها، وهي أن كل شاب يتزوج، ينتقل إلى جزيرة أخرى مجاورة، ويصبح في عزلة مضاعفة.

- المؤثر الآخر في هذه الرواية هو الحروب التي عاشتها مصر، وكانت بلدنا الخط الثاني في الصدام مع إسرائيل بعد الخط الأول وهو بورسعيد والسويس والاسماعيلية؛ ولذلك كان الخط الثاني هو الملجأ لنزوح أهالي مدن القناة.

>وفي رده غلى سؤال : المهجرون أيضاً كانوا موضوعاً لرواية «بيوت وراء الأشجار»، وهذا يثير سؤالاً حول دور الواقع المباشر في أعمال البساطي؟ يقول :
- بالنسبة لي الواقع هو المثير الأول في الكتابة الروائية، وأنا ما زلت أحمل داخلي خزينا من التجارب الإنسانية المتنوعة.
وفي رده على سؤال : > الايروتيكا تمثل هاجسا ملحاً لشخوص رواياتك الأخيرة. هل توافقني على هذا الرأي؟
يقول :
- «الإيروتيكا» ليست مقحمة في الرواية وهذا هو المهم. فرواية «فردوس» تحكي عن شخصية حقيقية عايشتها في البلد عن قرب. أما «ليال أخرى» فهي عن شخصية أعرفها، أصور من خلالها تداعيات فترة سلبية في تاريخ مصر. وهي فترة «السادات» لأنني كرهت هذا العصر أشد الكراهية. «الإيروتيكا» هنا ليست لذاتها ولكنها حالة، تضيف للنص ـ وتمنحه مجالات إدراك جديدة. وأنا أعتبر عندما تكتب «الإيروتيكا» معزولة لذاتها يتحول الأدب إلى أدب تافه، وهناك نماذج كثيرة على ذلك. كما هناك روايات من الأدب العالمي كانت بها «الإيروتيكا» عالية وكثيفة، وتشعر بأنها ضرورية للعمل الأدبي.

>وفي رده على سؤال : الحوار يمثل قيمة جوهرية في أعمالك منذ رواية «التاجر والنقاش»، فيما تتراجع أحيانا مقومات حديثة للسرد.. كيف ترى ذلك؟ يقول :
- الحوار قادر على تكثيف الجوانب الشخصية أكثر من السرد، خاصة أن الحوار أكثر حيوية وحياداً، كما إنه يعبر عن الأفكار التي يراد لها أن تصل مباشرة إلى القارئ.

--------
> البعض أشار إلى رواية «صخب البحيرة» باعتبارها رواية غامضة هل تتفق مع هذا الأمر؟
- البعض أشار بأنها غامضة والبعض الآخر لم يعتبرها كذلك، فلكل رواية خصوصية، كما أن الشرح يضر أحيانا بالعمل الأدبي.
> روايتك الأخيرة «جوع» هل هي تعبير عن الوضع القائم؟
- نحن نعيش حالة انهيار يتجسد فيها الجوع بشدة ورأيت أن أفضل ما يكتب للتعبير عن هذه الحالة، هو الجوع الذي تعيشه أسرة مصرية، وكم البؤس الانساني الذي يغلف حياتها.
> أنت محظوظ نقديا، تابع أعمالك كبار النقاد المصريين وغيرهم، وترجم معظمها إلى عدة لغات. هل تتفق مع الرأي الذي يذهب إلى أن المكان هو الفاعل الأول والذي يحدد ويحرك مصائر الشخوص في معظم الأحيان. ألا تشعر أن هذه التقنية أصبحت مجرد نمط قالبي يجب كسره والتمرد عليه؟
- نعم أنا محظوظ نقدياً، وراض تماما عن ذلك. وأتفق معك ان الشخصيات في أعمالي تطبع بطابع المكان وتتشربه، فأناس، مثلا، يعيشون في جزر منفصلة، ولم تتح لهم الحياة الاختلاط بالمدن والحياة المعاصرة، كيف يفلتون من حصار المكان؟ الجغرافيا تصنع البشر، ولذلك رواية «صخب البحيرة» هي رواية المكان بامتياز، وانعكس ذلك على حياة الشخوص التي وسمت بالعزلة. وما زلت أشعر أن المكان لم يستنفد مخزونه الإنساني، وأنا لا أتعامل معه كمجرد إناء، بل كحامل دائم لخبرة ومسيرة بشر في الحياة والتاريخ. ومن هنا يفرض المكان تطوره، بل روحه الخاصة من عمل إلى آخر.
> من الملاحظ أنك مغرم بحصار الشخوص في أماكن نائية.
- بالفعل أنا مغرم بحصار الشخصية في بعض الروايات، بسبب رغبتي في معرفة كيف تكتشف العالم حولها وتواجه مصيرها ومأزقها الإنساني في حيز بسيط ومحدود. أحب أن أنوه بأن الغرام بهذا الحصار ليس محض حالة سيكولوجية وإنما هو نتاج طبيعي لعلاقة الشخصية بواقعها. وهذا ما تلاحظه مثلا في رواية «فردوس». فالقصة مستمدة من الواقع، ناهيك عن أن العزلة تكشف عن المخزون الروحي للشخصية، فصراعها أساسا يبدو مع ذاتها.

وقد انعكس ذلك على قصصي القصيرة، فالكثير منها غارق في تهاويم شعرية ويغيب الموضوع ، ونحن نجد الكثير من القصص العالمية الممتازة بلا مضمون، وتكتفي بلمسة حزن، أو مودة. وأعتقد أن الكثير من قصص تشيكوف هي كذلك.
> أيضا أنت مغرم بأن تدور القصص والروايات في الليل حتى انه لديك أعمال بعناوين: «أصوات الليل» و«ساعة مغرب» و«ضوء خفيف»؟
- لليل إيقاع خاص في نفسي، وهو يساعدني في أن أضفي لمسة من السحر والشعر على الواقع المباشر، والتخفيف كثيراً من تجهمه وقسوته.
>هل تتفق معي أن جيل الستينات هو أول من انفصل عن القارئ العام، وشجع على ذلك النخبة السياسية، بل فتحت لكم مؤسساتها للنشر والعمل؟
- لا أنا أختلف معك في ذلك. جيل الستينات في بداية المد الثوري الذي قاده عبد الناصر، كان ناقدا بشدة للتجاوزات الثورية من إجهاض للديمقراطية واستبداد الدكتاتورية. كان جيل الستينات صاحب الصوت العالي، ولذلك لفت الانتباه بشدة. سنجد ذلك مجسداً بقوة، في كتابات صنع الله إبراهيم والغيطانى وأصلان ويحيي الطاهر، وعبد الحكيم قاسم، وهم فرسان هذا الجيل مما أجبر المؤسسة أن تنشر لنا، وتفيد من خبراتنا.
> لكن ذلك النشر كان في طبعات محدودة، وتم حصاره في أماكن مغلقة؟
- محدودية التوزيع لم تكن قاصرة على جيل الستينات، فنجيب محفوظ كان يحكى في جلساته بمقهى ريش عن ضآلة توزيع أعمالة التي لا تطبع سوى 300 نسخة، ويوزع منها القليل. واللذان كانا يوزعان جيداً، في ذلك الوقت، هما إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي. أي أن الكتابات الرومانسية هي التي كانت تشد القارئ كثيراً، وليست الكتابات المهمة الممتلئة بالهموم.
> لكن البعض يرى أن السبب هو تأثر جيل الستينات بالأدب الأوروبى، خاصة تيار الاغتراب والتشظي والعدمية. هذا كان له ما يبرره في دول فقدت ملايين القتلى في الحرب العالمية الأولى والثانية، وتم استيراد هذا النموذج الغربي، الذي لم تخرجنا منه سوى الواقعية السحرية الآتية من أمريكا اللاتينية.
- بالعكس... الميزة الأساسية لجيل الستينات، انه ابتعد عن التأثر بالغرب، ولكنة استفاد من تقنيات الكتابة لدى كبار كتابهم، وهذه مسألة مشروعة لأن الفن كوني. بل إن جيل الستينات كان ملتصقا بالشارع وهموم الوطن. فحينما كتب صنع الله روايته «تلك الرائحة» كان يكتب عذابات الإنسان في المعتقلات التي كانت مفتوحة على اتساعها في عهد عبد الناصر، برغم انجازاته الكبيرة. وستجد قصة لي اسمها «المقشرة» تدور حول تعذيب المساجين داخل المعتقلات. مات المناضل شهدي عطية الشافعي داخل السجن في أيام عبد الناصر، وكذلك في أعمال يحيي الطاهر تجد الهم الفلسطيني، مجسداً في واقع يومي شديد الصعوبة.
> كيف ترى رواية السيرة الذاتية التي انتشرت في الفترة الأخيرة؟
- بعض النقاد قالوا إن هذا الجيل مستغرق في ذاته، ولكنه كلام عام وفضفاض. حتى لو كانت الرواية سيرة ذاتية، فالمهم ما تطرحه من قضايا الكتابة. الشاعر المصري أسامة الديناصوري كتب سيرة ذاتية اسمها «كلبي الهرم» جاءت غاية في الجمال، وكشفت الصعوبات التي يعيشها الإنسان المصري. ولا ننسى لطيفة الزيات وعملها «أوراق شخصية»، وهي سيرة ذاتية من أجمل ما كتب، وقد قرأتها كرواية كاملة لا كسيرة ذاتية.

ايوب صابر 03-29-2015 01:28 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 91- السائرون نياما سعد مكاوي مصر


- وُلد سعد مكاوى (1916 ــ 1985) بقرية الدلاتون بمحافظة المنوفية. أنهى دراسته الثانوية بالقاهرة، ثم سافر إلى فرنسا ليلتحق بجامعة السوربون. ثم أصبح أحد كتاب جريدة المصرى لسان حال حزب الوفد. واشتهر ككاتب للقصة والرواية والمسرح.

- أشهرُ روايات القاص الكبير سعد مكاوى،

- تتناول الثلاثين عامًا الأخيرة من حكم المماليك فى قالب شيِّق جذاب.

- رأى فيها بعضُ النقاد أنها إسقاط مباشر على الضباط الأحرار وصراعاتهم وعلاقتهم بالشعب.

- وقد نُشرت هذه الرواية عام 1963 فكانت من أوائل الأعمال التى وظفتْ التراث.

- احدهم قال عنها : "هكذا يُكتب التراث روائياً. من أجمل ما قرأت في حياتي. منذ ثلاثية غرطانة لم تسحرني رواية تاريخية مثلما فعلت السائرون نياماً".

- الرواية مقسمة لثلاثة أجزاء ونسج بهم سعد مكاوي عشرات الشخصيات والأماكن في سحر جذاب يجعلك تفغر فاك في دهشة سائلاً كيف أمكنه الإمساك بتلابيب هذه الشخصيات وبحكاياتهم وبجمعهم معاً بهذا الأسلوب والبيان الأخاذ.

- الرواية تحكي الثلاثين عاماً الأخيرة لحكم المماليك، وقيل أن بها إسقاط واضح على الضباط الأشرار وصراعهم بعضهم بعضا.. لكنك تجد أن حالهم لا يختلف كثيراً عن الزبانية الذين أحاطوا بالرئيس المخلوع.

- ستغوص في البلاط السلطاني وقت المماليك.. ستعرف كيف أن المملوك يظل بلا كرامة وإن صار ملكاً.

- ستعرف كم الفساد الذي سيطر على هذه الحقبة الزمنية.

- وأيضاً الشعب المغلوب على أمره، الذي دُهس بالأقدام، وسبيت منه النساء، وعُومل بالكرباج.. رغم أن كل همه كان لقمة يأكلها.

- ألفاظ سعد مكاوي وأسلوبه يأخذوك منذ الكلمة الأولى بأسطورية لهذا العالم..

- تعيش بداخله وتحيا وسط المسميات المملوكية، حيث أتابك العسكر وبيت المال والمتلزم والسخرة.

- صراع وتناحر وقتل. اعتداءات ومرض وموت. دروشة وخرافات و... مدد! مدد. أيعقل ألا يكون المماليك أضافوا أي قيمة لمصر طول مدة حكمهم؟

- لغة جميلة وتصوير راق حتى للاعتداءات المذكورة

- يقول احدهم " لا أدري...أهو حبي الشديد للروايات التاريخية...أم براعة ذلك العمل الأدبي للقاص سعد مكاوي ؟... الذي جعلني أعيش ليالي قلعة الجبل..أدخل مخادع سلاطينها...أسمع همس الجواري فيها..و صرخات المساجين في أقبيتها...أتجول في القاهرة المنكوبة أبان تلك الفترة...أشم روائح الجثث المصلوبة..ثم أطير لقرى الفلاحين المقهورين....لأرى كيف تكون كسرة الخبز هي الطلب الوحيد...و أسمع صوت كسر عظام البسطاء في مطحنة الحياة...

- ويسأل آخر " كيف أبدع سعد مكاوي هكذا..في انتقاءه للألفاظ...و تراكيب العبارات...كيف أستخدم اللغة التي تعود بك كل لفظة فيها إلى مكانها الأصلي...لغة أهل حواري القاهرة و قرى الفلاحين و امراء الجركس و مجاذيب الأولياء....عمل ادبي شديد التميز...

- القارئ للتاريخ لن يعدم الأسقاطات الواضحة لهذة الرواية...عهد أنقلاب العسكر في 1952....و طحن الشعب في سبيل رغباتهم..و تحول سلطان اليوم إلى مسجون و ذبيح الغد....هذا الكم الهائل من المتلصصين و البصاصين و الجواسيس...حتى يظن المرء أن الأخ يبلغ عن اخيه ...فيأتي بالجذور التاريخية للبوليس السياسي و جهاز امن الدولة...أيضا ثورة يناير...و صراع القوى المستمر الذي لا رحمة فيه....

- رأيت فيها أسقاطاً على أحداث الامن المركزي 1986...على الرغم من أن الرواية كتبت قبلها بما يزيد عن العشرين سنة...و من هنا تبرز عبقرية هذا العمل....التي تتجدد أسقاطاته بتوالى الأحداث...

- ويصف الرواية آخر بالقول " عمل روائي تاريخي عبقري.

- استمتعت جدا في العيش في تفاصيل الحياة في الفترة التاريخية من 1468 الي 1499 ، حوالي ثلاثين عام من فترة حكم المماليك .. مابين الردهات و القاعات و الغرف المغقلة و اعماق السجون في القصر السلطاني .. و بين ازقة (حارة الحمام) و بيوتها العطنة و و المدن المصرية ببوابتها العملاقة التي تغلق علي ساكبنها طوال اللليل و المقاهي و الكتاتيب و واقبية المجاذيب و البهاليل.. وبين الريف في (ميت جيهنة) المٌغتصب خيره و ارضه وفلاحية.

- الاحداث المتوالية و ترابطها و متابعة ما يحدث لعشرات الشخصيات المؤثرة ما بين القصور و الحارة و الريف لم تخلوا من التشويق والمواقف الغير متوقعة و الكشف عن مفاجأت حتي اخر القصة.

- في نظري الكتاب موسوعة في الالفاظ و المسميات القديمة في هذا العصر كما انه يصف بدقة تفاصيل المعيشة .

- قراءة القصة اليوم بعد المرور باحداث ثورة يناير قد يبين مدي تشابه الحياة المصرية عبر الاجيال منذ قديم الازل .


ايوب صابر 03-29-2015 02:06 PM

تابع ...

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 91- السائرون نياما سعد مكاوي مصر

- السائرون نياما ( عزة ) بدأ سعد مكاوي (1985-1916) نشر رواية السائرون نياما في يناير 1963 في جريدة الجمهورية لسان حال الثورة في ذلك الوقت ، في عز المجد الاشتراكي بعد صدور قوانين يوليو الاشتراكية وكتاب الميثاق ،

- ثم ظهرت الرواية في كتاب لأول مرة في مايو عام 1965 والعجيب ألا يتعرض أحد للرواية بالنقد أو المدح أو الذم كما هو الحال عندما يظهر عمل جديد ,

- ويبدو أن الكاتب أصيب بإحباط شديد من جراء ذلك , فلم يعد إلي كتابة الرواية إلا بعد ما يقرب من خمسة عشر عاما , إذ بدأ نشر رواية تاريخية أيضا بعنوان الكرباج في الأهرام عام 1979 ,

- ثم ظهرت في كتاب عن دار شهدي عام 1984 , ثم رواية \" لا تسقني وحدي\" وهي تعتمد علي التاريخ أيضا , لكن الروايتين لم تكونا في مستوي رواية السائرون نياما .

- ظهرت بعد السائرون نياما روايات تاريخية أخري للغيطاني ونجيب محفوظ ومجيد طوبيا وفتحي إمبابي وغيرهم وكلها روايات متميزة إلا أنه تبقي رواية السائرون نياما علامة بارزة في تاريخ الرواية المصرية عامة وتاريخ إبداع سعد مكاوي خاصة ,

- وقد بدأ التنبه إلى أهمية الرواية في السنوات الأخيرة فأعيد طبعها عدة مرات ، كان آخرها العام الماضي عن المجلس الأعلى للثقافة .

- وقد حدد لنا الكاتب الفترة التاريخية التي اعتمد عليها في بناء روايته فكتب في صدر الرواية يقول : \"الفترة التاريخية التي تدور فيها أحداث هذه القصة لاتكاد تتجاوز ثلاثين سنة (1468 – 1499) من عصر سلطنة المماليك التي حكمت تاريخ مصروالشرق 267 سنة \"(44) ويبرز السؤال : لماذا التاريخ المملوكي بالذات ؟

- ولماذا الاعتماد على الفترات المضطربة منه؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال ذي الشقين أشير فقط إلى عبارة \"جون بويون\" المشهورة ؛ إذ تمثل وحدها نصف الإجابة ، يقول \" الشعوب السعيدة لا تاريخ لها\"(45) ،

- رجع سعد مكاوي إلى التاريخ المملوكي– حيث القهر والظلم والاستبداد الواقع على الشعب من جانب الحكام ومن ثم أعوانهم ، وحيث الانفصال الحاد بين السلطان والرعية فالحكام أجانب لا يتكلمون لغة الشعب فلم \"يتعلموا قط اللغة العربية واستمروا طبقة متميزة تماماً عن السكان المحليين \"(46) . ومفروضون عليهم ، لم يأتوا باختيارهم

- ولعل الرجوع إلى المصادر التاريخية وبالذات التي تناولت هذه الفترة يغنينا عن عرض مساوئ الحكم المملوكي، والمعاناة والظلم والقهر الذي تكبده الشعب المصري تحت ظلال هذا الحكم

- ونعود إلى السؤال الذي طرحناه مرة أخرى بشكل أساسي لنجد ذلك التشابه بين الفترة التاريخية التي تدور فيها أحداث الرواية وبين الواقع المعيشي الذي يكتب فيه الكاتب روايته .

- إن الرسالة واضحة في \"السائرون نياما\" فهذا الشعب السائر كالنائم محكوم بالقهر والظلم والاستبداد من قبل سلطة العسكر المستبدة ولذلك لابد من مقاومة هذا الظلم والقهر ولابد أيضا من خلع هذه السلطة المستبدة التي لا تمت للشعب بصلة ، فهي في حكم الأجنبي الذي لا يتحدث لغة الشعب صاحب الأرض والتاريخ ،

- إن مثل هذه الرسالة الجادة لا يمكن أن تقال بشكل مباشر ، من هنا كان اللجوء إلى التاريخ والرمز ، ومع ذلك فُهمت الرسالة جيدا،

- ومن هنا يمكن تفسير التعتيم الذي ران على الرواية ، فكاد يدفعها إلى قاع الظلمات .

- والواقع أن قيمة رواية \" السائرون نياما \" لا تنبع من رسالتها المشار إليها فحسب، ولكن قيمتها الحقيقية في إحكام بنائها السردي وتشكيلها الجمالي ،

- فقد حشد المؤلف في هذه الرواية جُل طاقته الفنية لتخرج لنا رواية كاملة الأوصاف على حد قول أستاذنا المرحوم على الراعي

- اعتمد الكاتب في بناء الرواية على ما يسمى بالبناء المتوازي ، وهو نمط من البناء ، تقسم أحداث الرواية على عدة محاور ، تتوازى في زمن وقوعها ،ولكن أماكن وقوعها تكون متباعدة نسبياً ، ولكل محور شخصياته الخاصة بها ، تنمو وتتطور إلى أن تلتقي في خاتمة الرواية، وربما تظل معلقة دون لقاء،

- وهذا البناء بالإضافة إلى إسقاط فترة طويلة من الأحداث على المستوى التاريخي ( يسقط سعد مكاوي تسعا وعشرين عاما من الأحداث التاريخية الحقيقة للفترة التي حددها في صدر الرواية ) مكنا الكاتب من إحكام بناء الرواية مما ساعد بالضرورة على توصيل رؤية الكاتب .

- ففي الرواية تتوازى الأحداث في ثلاثة محاور أساسية تؤلف بإجمالها حدث الرواية الرئيسي : المحور الأول يرتبط بالمماليك والسلاطين وما يدور في فلكهم من شخصيات داخل القلعة وخارجها .

- والمحور الثاني يرتبط بالشخصيات الشعبية وهو يختلف عن المحور السابق المرتبط مكانيا بالقاهرة فقط ، وبخاصة القلعة ، في أنة يجمع بين مكانيين متباعدين هما : القاهرة وميت جهينة ،

- بمعنى آخر المدينة و القرية ، مما يشي بدلالة وحدة الشعب وتماسك الشخصيات المؤلفة لهذا المحور ، يؤكد ذلك وقوف شخصيات أخرى من الصعيد بجوار أهل \"ميت جهينة\" والقاهرة في صراعهم مع آل حمزة .

- أما المحور الثالث فيرتبط بشخصية \"حمزة\" الكبير وابنه\"إدريس\" وحفيده من بعدهما الذين يمثلون الطبقة البرجوازية ( أعوان السلطة ) بكل قيمها ومثلها الاجتماعية والمادية , فى مواجهةالشعب في القرية .

- ويتجلى تماسك البناء في الرواية من خلال المحور الثاني الذي يمثل حلقة الوصل بين المحورين الأول والثالث ، ثم من خلال تفاعل شخصيات كل محور على حدة ، لتكون بنيتها الخاصة المتماسكة في حد ذاتها،

- إذا تتصارع شخصيات كل محور مع بعضها البعض، كما سنرى من خلال الأحداث .

- يقسم \"سعد مكاوي\" روايته إلى ثلاثة أجزاء ، ويعطى لكل جزء اسما خاصا به هي على الترتيب ( الطاووس – الطاعون – الطاحون ) ,

- وهى معادلة منطقية جداً فإذا انتشر الظلم و السلب والنهب ، وتمتعت فئة صغيرة وعاشت متخمة برفاهيتها فهي كا (الطاووس) . وإذا استشرى الفقر وعم وعاشت فيه الغالبية العظمى البائسة وتلظت على نيرانه فهي كا (الطاعون) ، وحتى إذا استمرت هذه الأوضاع لمدة ثلاثين عاما ، فلا بد أن تتقلب وتتغير الأحوال ، وحين يفيض الكيل بالمطحونين ينطلقوا من (الطاحون) إلى الثورة\" (47) .

- ويتشكل البناء في الرواية من خلال صراع المحور الثاني الذي يمثله الشعب مع محوري الرواية الآخرين اللذين يمثلان السلطة وأعوانها، وذلك على مستويين , المستوى الأول : السلطان / الرعية ، والمستوى الثاني : الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة (العمال في القاهرة والفلاحين في ميتجهيئة) وبين الطبقة البرجوازية التي يمثلها آل حمزة .

- وبذلك يتشعب الصراع ويحتدم مما يثرى العمل درامياً ، ويعطيه حيوية متدفقة تجعل الرواية نابضة بالحياة ، زاخرة بالقيم الإنسانية والروحية .

- إن هذه الأحداث في مجملها تفرز لنا شخصيات تتجلى في هسمات الشخصية المصرية في تعاونها وتآلفها ورفضها للظلم وحرصها على كرامتها وعلى أرضها وشرفها ، إنها في الأخير تصهر الشعب في بوتقة واحدة ، ليندفع في ثورة عاتية ضد الملتزم في ميت جهينة الذي يرمز إلى السلطة الحاكمة ، فيفتحون صوامع الغلال ويستولون عليها : ـ فتحناها فتحناها !… ـ صوامعنا ! … ـ كله من فضلة خيركم ! ... ـإرادة الله فيكم ! ... ـ أبشر يا ساكن الجميزة ! ... (48) .

- وإذا كانت هذه الأحداث أبرزت الشخصية المصرية وحسم الصراع فيها للشعب على السلطة والطبقة المعاونة لها الممثلة في آل حمزة ، فإن سعد مكاوي أقام ما يمكن تسميته بناء رمزيا متوازيا ونابعا في ذات الوقت من هذا البناء الظاهر القائم على الصراع المباشر بين الشعب والسلطة ،

- وهذا البناء الرمزي يتمثل في شخصية عزة أخت خالد التي اختطفها المماليك وهي عارية من حمام النساء .

- لقد كان خطف عزة الشرارة التي أشعلت الصراع الكامن بين الشعب والسلطة في القاهرة .

- لقد وسع المؤلف من دلالة الشخصية لتأخذ بعدا رمزيا واسعا إذ تصير عزة معادلة لمصر كلها من شمالها إلى جنوبها ، وثمة إشارات عديدة داخل النص تؤكد ذلك ،

- وقد جاءت أول إشارة على لسان الشيخة زليخة ذات البصر والبصيرة : ـلنعترف في هذا النهار الأسود أن عزة ضاعت ! حاول أيوب مرة أخرى أن يلطف من مرارةالحقيقة : ـ لله عاقبة الأمور ، فلا تقل هذا الكلام يا ولدي فتناول خالد بين يديه مقرعة المجذوبة : ـ وهل عندي كلام غير هذا أقوله ؟ .. ومع ذلك فإني لا يهمني الآنأن تكون عزة حية أو ميتة .. لا يهمني ألا أراها بعد اليوم أو أن يعيدها إلى أحدخرقة مهلهلة .. عزة انتهت ولن أقول بعد اليوم إنه لابد لي من عزة .. اليوم لابد ليمن شيء واحد هو الانتقام أليس هذا هو الحق يا شيختنا ؟ قبلت زليخة رأسه وهي تحنوعليه بصوتها الرقيق الطيب : ـ أينما تولى وجهك فثم وجه عزة ، يداها في البحر المالحوقدماها في أرض الصعيد وملء البر أنفاسها الطاهرة \" (49) .

- الرمز واضح هنا يداها فرعي النيل دمياط ورشيد وقدماها امتداد النيل من الجنوب إلى الشمال ، إنها مصر كلها، من الجنوب إلى الشمال ،

- إنها رؤية الشيخة زليخة ذات البصيرة الحادة ، وقد آمن خالد بهذه الرؤية ، ولذلك ينضم فيما بعد إلى أهل ميت جهينة من الفلاحين للثورة على آل حمزة ، وذلك لأن جزءا من عزة بالقطع موجود في ميت جهينة .

- وهكذا تتحول عزة إلى ذكرى مؤلمة وفي ذات الوقت دافعة الثوار للانتقام وخاصة خالد أخي عزة ، فنراه في ميت جهينة بعد اختطاف عزة شاردا بين رفيقيه بجوار حائط الطاحون : \"وقال عيسى للفتى المهموم وهو يخطف العود اليابس من يده : ـ صل على كامل النور يا رجل شقت صدر خالدتنهيدة موجعة وهو ينظر في عيون رفيقيه : ـ عزة الآن في كل مكان ، يداها في البحرالمالح وقدماها في أرض الصعيد وملء البر أنفاسها ، هكذا قالت لي ستنا زليخة وهيتودعني وهكذا أرى الآن أختي الحبيبة عزة \"(50)

- وستكرر هذه العبارة على امتداد الرواية فتكون بمثابة التميمة في رقبة الثوار في ميت جهينة .

- وإذا كانت عزة خطفت وضاعت ، فإن شخصية \"فاطمة\" زوجة غالب في ميت جهينة تعد امتداد لشخصية عزة ولا أقول بديلا حيث يصل بها المؤلف إلى مستوى الرمز أيضا ، فهي بصورة أخرى مصر المغتصبة على المستويين الواقعي والرمزي ،

- لذلك ينظر إليها خالد وكأنه يرى عزة : \" وعلى البعد كانت فاطمة تبدو لعين خالد جميلة وهانئة بحمى عريسها .. وعلى صورتها والنسيم يعبث بطرحتها تخايلت له صورة عزة بكل شبابها اليانع عروساً وسعيدة بالحب … لكن لا ! عزة فى السماء وفى كل مكان ! نعم يا ست الشيخة نعم ! عزة يداها فى البحر المالحوقدماها فى أرض الصعيد وملئ البر أنفاسها الطاهرة \".(51) وفاطمة هذه فتاة ريفيةجميلة زوجة غالب يراقبها ويتحرش بها إدريس ابن الملتزم الكبير حمزة مما جعل زوجهاغالب ينبهها إلى ذلك : \"- يا بلهاء … الفراخ حجة حتى يكلمك ! ألم تفهمي ؟\"(52)

- وبالفعل يزول هذا البله، خاصة بعد أن ينالها إدريس رغم أنها تكون المرة الأولى والأخيرة ،ويكون ثمرة هذا الاغتصاب الفتى \"محمد\" ابن غالب والمؤلف يجعل من هذا الاغتصاب سببا لقوة الشخصية لا لضعفها ، لأن فاطمة تظل بعد ذلك المرأة القوية لا ينالها الخور والضعف ، وكأن الاغتصاب جاء بمثابة سلاح تقف به في وجه الملتزم ، وهو ما استغله المؤلف ،

- إذ يقوم \"محمد\" ومعه \" نور\" ابنة محسنة التى كانت ثمرةاغتصاب حقيقي أيضا لمحسنة بقتل أبيهما إدريس في ختام الرواية فمن غرس هذه الأرض المغتصبة تنبع الثورة ويتحقق الانتقام الذي حلم به خالد لأخته عزة / مصر .

- بقي أن أشير إلى أن سعد مكاوي استفاد من خبرته الكبيرة ومعايشته للريف المصري حيث قضى جزءامن حياته في قرية الدلاتون ليصور لنا بعمق المرأة المصرية الريفية والفلاح المصري على حقيقته ، لا أقول مثله في ذلك مثل عبد الرحمن الشرقاوي في الأرض ولكن لسابق كتابته عن الريف في مجموعاته القصصية القصيرة \"الماء العكر: وغيرها ،

- فهو في الواقع من الرواد الذين كتبوا بعمق وصدق عن الريف وهذه الرواية التاريخية التي بينأيدينا تعد درة إنتاجه الأدبي


من مقال بقلم د محمد عبد الحليم غنيم

ايوب صابر 03-30-2015 11:53 AM

تابع ...


والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 91- السائرون نياما سعد مكاوي مصر



- عاد سعد مكاوي "إذن" من باريس دون أن يحصل على شهادة مثله في ذلك مثل أستاذه توفيق الحكيم ، ومن ثم لم يكن أمامه بعد عودته إلى مصر سوى العمل فى الصحافة وكتابة القصة فتولى الإشراف على صفحة الأدب فى جريدة المصرى عام 1947 وكانت من أوسع الجرائد المصرية انتشارا ً فى عالم الصحافة والأدب آنذاك ،

- وقد مكنه هذا العمل من نشر أهم قصصه ذات الصيغة الواقعية ، أو (الواقعية الانحيازية) على حد قول الدكتور سيد حامد النساج، وهى القصص التى ضمنها مجموعتي " الماء العكر " ، " والزمن الوغد " ،

- وفى الوقت نفسه فتح باب النشر أمام كثير من نقاد اليسار وأدبائه أمثال : محمد مندور و عبد الرحمن الشرقاوى ، يوسف إدريس وسعد الدين وهبه و نعمان عاشور وغيرهم ،

- لكن من أسف ، أغلقت جريدة المصرى مع إلغاء الأحزاب عام 1954م ويمر عامان لينتقل بعدهما للأشراف على الصفحة الأدبية فى جريدة الشعب عام 1956م ليظل بها حتى عام 1959م ومن الشعب ينتقل للعمل كاتباً بجريدة الجمهورية لسان حال الثورة آنذاك، وهناك يتبارى نتاجه الأدبي مع نتاج يوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوى ، إذ ينشر على صفحاتها ابتداء من يناير 1963م رائعته فى الرواية التاريخية ، والتى ستظل علامة فى تاريخ الرواية العربية أقصد رواية " السائرون نياما "

- مبلورا فيها " بتقنية " فنية عالية رؤيته الواقعية والتاريخية للمجتمع المصري فى ذلك الحين من خلال فترة تاريخية من العصر المملوكى .

- ينتقل الكاتب بعد ذلك للعمل فى وزارة الثقافة حتى إحالته إلى المعاش ، فيعمل مشرفا على لجنة النصوص السينمائية ، لينتقل بعدها – وفى عامه الأخير – قبل سن المعاش – ريسئا ً لهيئة المسرح حتى 16 أغسطس 1976 وهو تاريخ بلوغه سن الستين.

- أما آخر أعماله الوظيفية فكان مقرراً للجنة القصة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب ، وقد لازمه هذا العمل حتى وفاته فى 11 أكتوبر 1985م .

- وواضح من خلال هذه المرحلة الخصبة من العمل فى الصحافة ووزارة الثقافة ، أنه كانت لديه الفرص المتاحة للوصول إلى عالم الشهرة ، وفرض الذات ، بيد ان سعد مكاوى كان عازفاً عن كل هذا ، ولعل هذا راجع إلى حساسيته المفرطة وميله إلى العزلة والابتعاد عن " الشللية " والمجتمعات والأندية الأدبية

-يقول من حوار له مع الكاتب عبدالعال الحمامصى" منذ الصبا الأول والميل إلى التأمل طبيعة أصيلة فى تكويني .. لذلك تجد فى بعض نماذجي القصصية سخرية رفيقة من الذين لاهم لهم إلا أن يكونوا واسطة العقد ، أو زهرة المجلس . حتى (متعى) فى الطفولة والصبا كانت من النوع الذى ينأى عن الضجيج والزحام ، ويجنح إلى فرص التأمل" ويقودنا هذا إلى الحديث عن نشأة الكاتب وتكوينه الاجتماعي والثقافي .

-ينتمي سعد مكاوي إلى الريف المصري الفقير " الذي يسوده عبق التصوف" لذلك تكثر فى أعماله أسماء وشخصيات ريفية ، بل إن أدبه قائم على ثنائية الريف والمدينة ، إذ يعدان المكانين الأساسيين فى بناء أى عمل فنى له ،

- نرى ذلك فى أعماله الأولى والأخيرة على حد سواء ، لنترك الكاتب يتحدث عن نشأته فى ظل القرية والجو الصوفي وتأثير ذلك على رؤيته للحياة والفن ،

-إذ يقول : كان أبى من طبقة المتصوفة ، التى أخذت روح التصوف الحقيقي فى معناه الكلى ليس التصوف الذي يفر من الواقع فى صورته الشائعة ، بل الذى ينظر إلى الواقع من خلال رؤية كلية تنفذ إلى الما وراء لدرجة أنها قد تربط المعنى الإنساني الكلى وحقائق الوجود الأصلية بالمصير الإنساني ، مما يهب النفس قدراً من الثقافة والتصوف بهذا المعنى يعطى الإنسان قدرة على أن يستشف كل حقائق الوجود والحياة ، بحيث تكون النظرة الجوانية للإنسان هى القوة السائدة .

-من خلال هذا الطراز النادر للفلاح المصري البسيط المتصرف بدأت ونمت نظرتي إلى الواقع .

-ففى هذا الوسط الفقير الكادح أمكن أن تعرف فى وقت مبكر نوعاً ما إلى الكثير من أوليات الوضع الطبقي العام لأبناء وطني ، وللعلاقات الاجتماعية ".

- على أن هذه النشأة الفقيرة وسط عالم التصوف التأملى لا تعنى ابتعاد الكاتب عن مصادر الثقافة النظرية ، بل والعملية حيث كان أبوه من خريجي دار العلوم ، ويعمل مدرساً للغة العربية فى القاهرة ، لكن حقيقته الكبرى كانت فى سعة إطلاعه ورحابه فكرة فى إطار من تصوف حسن الذوق ، كانت له جاذبية على نفسه المتفتحة للمعرفة ، مما مكنه من الإطلاع على مكتبه ضخمة تحتوى على أمهات الكتب فى " التراث والتاريخ والأدب " فضلاً على مجلدات من أمهات المجلات الشهرية مثل المقتطف والهلال ولعل هذا يفسر لنا اتجاه سعد مكاوى بعد ذلك إلى استلهام التصوف
والتاريخ وتوظيفهما فى إنتاجه الروائي .

- وبانتقال سعد مكاوى إلى القاهرة والتعرف على أحيائها وظروفها السياسية والاجتماعية ، يبدأ اهتمامه السياسى ،يقول:" بدأت اشترك فى صف الحزب الجماهيرى الذى يمثل الشعب ضد سلطة الأقليات المتعاونة مع القصر"، وفى نفس الوقت بدأ اهتمامه بالقصة القصيرة .

- على أن النقلة الثقافية الكبرى للكاتب ستكون مع رحيله إلى باريس ومكوثه هناك أربع سنوات كاملة ، وكان قد تعرف أثناء وجوده فى القاهرة على محمود تيمور والمازنى ومحمود طاهر لاشين وغيرهم من كتاب المدرسة الحديثة وسيكون من المفيد أن نترك الكاتب يتحدث عن هذه الفترة من حياته ، حيث تم تكوينه الثقافى ، هذا التكوين الذي سيلون أدبه وكتاباته فيما بعد بلون خاصة فريد ومتميز عن أبناء جيله ،

- يقول عن هذه الفترة التى قضاها فى فرنسا :" انفتح أمامى عالم جى دى مويسان أستاذ القصة القصيرة الأول الذى أكملت تعريفي إليه فى لغته الأصلية ، بل أنه هو الذى … بل أنه هو الذى قادنى إلى بلزاك وزولا وبروست وغيرهم .

- وكانت فترة الدراسة فى فرنسا قد بدأت بصدمة نافعة ، نتيجة للفاروق الهائل بين النظرة إلى المرآة فى بيتي فى مصر ، وبين وضعها فى البيئة التى انتقلت إليها وهو أمر كان له أثره العميق بعد ذلك فى نفسى وفى أفكاري .

- كما كانت فترة التفتح على الحياة فى باريس هى الفائدة الكبرى التى فتحت لى الأبواب المسحورة لعوالم الفكر والأدب والفن القديم والحديث ، بما فى ذلك الفنون التشكيلية وعالم الموسيقى الرفيعة .

- والواقع أن هذه الفترة الباريسية تركت أثرها السلبي والايجابي معا على أدب سعد مكاوى ، إذ جعلته يقف فى ثقافته الفرنسية عند حدود الأربعينيات من هذا القرن رغم ما تميزت به هذه الفترة من زخم ثقافى ، وبخاصة أفكار جان بول ساتر فى الالتزام إلا أنه لم يستفد منها بالقدر الكافي فى تطور فنه الروائي كما سيتضح لنا فيما بعد ،

- وبوقوفه عند هذه الفترة لم يلتفت إلى المدرسة الجديدة فى الرواية التى ظهرت بعد ذلك فى فرنسا .

- ونعود إلى أثر هذه الفترة فى فئه ، فنجد يحتفى بكتاب من القرن التاسع عشر فى فرنسا وبخاصة : جوستاف فلويسير ، وأميل زولا ، فنراه يحلل رواية الأول ، مدام بوفارى ، ويجعل من شخصية ، أيما بوفارى إحدى موضوعات كتابه " رجل من طين " وفى مقال آخر يتحدث عن الشخصيات المعاونة فى الرواية نفسها – مما يشى بنظرة نقدية للقصة – متخذاًَ من " هومة " فى القصة نموذجاً ،

- أما تأثير " زولا " فيبدو واضحاً بشكل لافت للنظر فى رائعته " السائرون نياما " وقد ترجم له رواية " جرمينال " والواقع أنها ليست ترجمة بل تلخيصاً وقد كان سعد مكاوى أميناً مع نفسه عندما كتب على صفحة العنوان ترجمة وتلخيص ويمكن عمل مقارنة بين هذا العمل و " بين السائرون نياما " بيد ان هذا بحث تعوزنا وسائلة الآن ، لكن يكفى أن نشير إلى فكرة البطولة الجماعية المشتركة فى العملين

- وكان سعد مكاوى قد أعجب بـ " جرمينال" من هذه الناحية يقول فى تقديمه لها : " لأول مرة فى تاريخ الأدب ، ومن تصوير كاتب جمهوري واشتراكى ، لم يكن البطل فى رواية فرد أو أفرادا ، بل كان بطلاً جماعياً هو جمهور عمال المنجم ، ولأول مرة ينهض كاتب ليسم بالحديد المحمى مجتمعه الذى يسمح بمثل هذا الظلم ، مما يجعل " جرمينال " التى صور فيها إضراب عمال المناجم فى أحد أقاليم فرنسا احتجاجاً على مظالم الشركة المستغلة عملاً فريداً فى الأدب الفرنسي ، كما أنه فريد فى إنتاج زولا نفسه .

- وهو ما حاول أن يطبقه سعد مكاوي بنفسه فى رواية " السائرون نياما " على أن سعد مكاوى لم يقف فى قراءاته وترجماته عند " فلويير وزولا فقط ، إذ ترجم المئات من القصص الفرنسية على صفحات جريدة المصرى ، يقول عنه الدكتور فائق الجوهري فى تقديمه لمجموعة "راهبة الزمالك أنه "… لخص أكثر من مائتي كتاب " وإن كان لم يظهر من هذه الترجمات والتلخيصات إلا أقل القليل .

-وهكذا يتفاعل رافدان أساسيان فى ثقافة الكاتب ، أولهما تراثى يتمثل فى التاريخ والتصوف ،

- والثانى غربى يتمثل فى الثقافة الغربية الحديثة من نتاج أدبى ، وقراءات مختلفة فى الموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية ،

- وهذا بالطبع إلى جانب تجربة الكاتب الحياتية وقراءاته الأساسية فى الأدب العربى الحديث كل هذا يفضى فى التحليل الأخير إلى أننا أمام كاتب ، متنوع الثقافة على وعى بحركة التاريخ الأدبي الحديث . ومعاصرا له ومشاركاً فيه ، قرأ تراثه العربى وتشبع به فامتلك ناصية الأسلوب اللغوي السليم ، وقرأ التراث الغربى فى لغته الأصلية فأضاف تجربة جديدة إلى تجاربه الأساسية . على أنه لم يبخل علينا فألف وترجم لنا عبر إبداعه المتنوع فى القصة القصيرة والرواية والمسرحية والمقال ليقف علامة بارزة فى إنتاجنا الأدبي خلال هذا القرن ، وفيما يلى قائمة بإنتاجية المنشور فى كتب فى هذه المجالات

ايوب صابر 03-30-2015 10:05 PM

تابع ...
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 91- السائرون نياما سعد مكاوي مصر


- رغم إنتاجه الغزير والمتميز لم يحتل سعد مكاوي المكانة الخاصة به، كان كاتباً عزوفاً ومتفرداً وأميل للعزلة.

- وقد ظهرت هذه الخصائص في تفاصيل أدبه.

- لم أتتلمذ – شخصياً – على سعد مكاوي، وإن مثلت أعماله بعداً مهماً في كتبي "مصر في قصص كتابها المعاصرين" و "مصر المكان" و "مصر الأسماء والأمثال والتعبيرات".

- التقيت سعد مكاوي ، للمرة الأولى، في قصصه القصيرة التي كان ينشرها في "المصري"، وفي بعض المجلات التي كانت تصدر أوائل الخمسينات ، ثم تعرفت إليه ، بصورة أعمق، حين اقتنيت مجموعتين له، صدرتا في وقت متقارب هما "مخالب وأنياب" و "في قهوة المجاذيب"، وحين قدمت الى القاهرة قدمني إليه الكاتب الكبير أحمد عباس صالح. اكتفى بالترحيب الصادق والطيب، ثم انشغل بأوراق في يده، فاكتفيت بأن أضيف تلك اللحظة الى رصيد ذكرياتي.

- وأتاحت لي دراسة أعمال سعد مكاوي ، فيما بعد، أن أتعرف الى جوانب موهبته الخصبة والمتفردة، وأن أفيد من كتاباته التي لم تقتصر على جنس أدبي محدد، لكنها شملت الكثير من ألوان الكتابة بما يذكرنا بإسهامات جيل الرواد.

- ولد سعد مكاوي في 16 أغسطس 1916 بقرية "الدلاتون" التابعة لمديرية – محافظة – المنوفية، وهي القرية نفسها التي شهدت مولد صديقه وزميله عبد الرحمن الشرقاوي، والتي مثلت النبع نفسه الذي اغترف منه مكاوي والشرقاوي مظاهر الحياة في القرية المصرية .

- كانت مكتبة أبيه في البيت الذي أمضى فيه أعوام النشأة بالقرية هي المصدر الأول والأهم لتكوينه الثقافي المبكر.

- تعرفه من خلال ما تضمه من كتب الأدب والتاريخ والسياسة والتراث الى جوانب شتى من المعرفة الإنسانية .

- ولعله يمكن القول إنها كانت هي البداية التي استفزت الفنان في وجدان سعد مكاوي الصبي، قبل أن يسافر الى القاهرة، ليحصل فيها على شهادة التوجيهية (الثانوية العامة).

- ثم سافر الى فرنسا، وأمضى عاماً واحداً بكلية الطب بجامعة مونبلييه، ثم دفعه حب الأدب، ونتذكر هيكل والحكيم ، الى الالتحاق بكلية الآداب بجامعة السوربون.

- وبالطبع، فقد أتيح لسعد مكاوي – في أثناء إقامته بفرنسا 1936/1939، فرصة التعرف الى الآداب والفنون، والثقافة الأوروبية عموماً، في أحدث معطياتها. وهو ما انعكس في كتاباته التي عنيت بالموسيقى والفن التشكيلي وغيرهما من الفنون، بالإضافة الى التراجم التي لم تقتصر على المشاعل من الأدباء، وإنما عنيت بالمشاعل في الإنسانيات المختلفة. وعاد سعد مكاوي الى القاهرة ليمارس العديد من الأعمال المعبرة عن اهتماماته الثقافية والفنية، فقد عمل محرراً أدبياً في صحف "المصري" و "الشعب" و "الجمهورية".

- وكان آخر المناصب التي تولاهاه رئاسة هيئة المسرح، ولما أحيل الى المعاش تفرغ للكتابة الإبداعية. وتزوج سعد مكاوي في 1953، وأنجب ولداً وفتاة، يعملان مهندسين معماريين، وقد انضم الى عضوية نقابة الصحفيين، وكان من الأعضاء المؤسسين لاتحاد الكتاب.

- أما قلة الدراسات التي عنيت بأعمال سعد مكاوي، فهي لم تكن نتيجة إهمال من جانب النقاد، بقدر ما كانت حرصاً من الفنان على أن يبدع في غيبة من أضواء وسائل الإعلام، مع أنه كان إعلامياً. ومن تجمعات الأدباء والمثقفين، حتى في أعوامه الأخيرة كانت جلسته المنفردة في النادي القريب من بيته، ولا يخلو من دلالة أن الأحاديث التي وافق على أن تجرى معه كانت في عام 1970 .

- كانت العزلة، في تقديره، شرطاً مهماً من شروط الإبداع الفني، فهي تهبه القدرة على الرصد والمراقبة والتأمل واجترار الخبرات، وإفراز ذلك كله في إبداعات تتخلق من داخلها دون أن يحاول المبدع أن يقحم عليها فكرة ربما لا يتقبلها السياق.

- وحين يتحدث عن صديقه الفنان التشكيلي، فكأنه يتحدث عن نفسه، فهو الفنان التشكيلي، يعمل في عزلة خصبة، تيسرها له قناعة جميلة، ودخل بسيط أخضعه لفهمه العميق لفنه، وطبع أصيل فطر على ازدراء الصيت الرخيص، وتقديس الفن الكريم، إنه لا يتبع نظرية معينة، ولا يدق الطبول لنظرية ما، لكنه يرى أن الفن كائن حر وحي، ينمو ويتطور، فلا نظرية فيه ولا مذهب، ولا قديم ولا جديد، وإنما هو نهر دافق عبر الأجيال من الإحساس الذاتي للفنان بما يدور حوله، وفي نفسه موصول بكفاح الماضي وقيمه، وانطلاقات المستقبل وآفاقه.

- ويصف فائق الجوهري، وأدين لإسهاماته في حياتنا الثقافية بالكثير من تكويني المعرفي، سعد مكاوي بأنه "إنسان صامت لا تعرفه الأندية والمجتمعات، والكثيرون جداً من القراء لا يعرفون صورته".

- وبالطبع ، فإن تلك القناعات التي تملكها ضرورة التفرغ للعملية الإبداعية لا تلغي أهمية أن يهبط الكاتب من برجه العاجي، أستعير تعبير الفنان، ويبرح صومعته، وفي يده المشعل، لكي يمتزج بحياة الشعب، ويصور آلامه وآماله، تلك، في تقديره، رسالة الكاتب في أعلى مراتبها.وقد اختار معظم أدباء جيل الوسط، أو جيل الأربعينيات، جنساً أدبياً واحداً، يقصر كل منهم غالبية إبداعه عليه. ذلك ما فعله نجيب محفوظ حين تحددت اهتماماته في البداية في المقالة الفلسفية، ثم كتب القصة القصيرة والرواية لا يجاوزهما الى أجناس أدبية أخرى.

- وهو ما فعله عبد الحميد السحار، وهو ما فعله أيضاً محمود البدوي الذي كانت القصة القصيرة قوام إبداعه، الأمر نفسه بالنسبة لصلاح ذهني، وكانت المسرحية هل الملمح الأهم في إبداع علي أحمد باكثير، والأمثلة كثيرة.

- أما سعد مكاوي، فقد جعل من جيل الرواد مثلاً يحتذى به، أبدع القصة القصيرة والرواية التي تصور الواقع، وتوظف التراث، وكتب المسرحية ، والمقالة الفنية، والترجمة، وغيرها من فنون السرد.

- نحن نستطيع أن ننسب تعدد كتابات سعد مكاوي الى احتذائه ريادة الجيل السابق، لكننا نستطيع أن ننسب ذلك التعدد أيضاً الى أن سعد مكاوي كان مخلصاً في التعبير عما يشغله بالفعل.

- كتب ما تثقف فيه، وما أخلص في تأمله، وما نبضت به موهبته، وكانت محصلة ذلك كله إبداعات قصصية وروائية ومسرحيات وتراجم وتأملات مجتمعية وغيرها. ساعد على ذلك أن عمل سعد مكاوي لم يقتصر على ترف الكتابة وحدها، وهو ترف يصعب الادعاء أنه أتاح لكاتب ما أن يتقوت منه.

- لكنه عمل ، لأعوام طويلة، بالصحافة قبل أن تنقله السلطة الى وظيفة غير صحفية. لقد وضعت جريدة "المصري" إحدى قصصه في موضع المانشيت، وبامتداد صفحتها الأولى، وكان ذلك احتجاجاً على مصادرات الرقابة آنذاك، لكن العمل الصحفي، وكان مكاوي محرراً أدبياً، كان يلزمه بالكتابة في غير القصة. فتنوعت كتاباته بما أملته عليه طبيعة عمله، وباتساع اهتماماته الى نهاية أفقها.

-ومع ذلك، فقد كانت القصة القصيرة هل الملمح الأهم في كتابات سعد مكاوي. منجزه الإبداعي فيها يقارب الثلاثمائة قصة. صدر غالبيتها في 14 مجموعة قصصية هي: نساء من خزف، مخالب وأنياب، قهوة المجاذيب، راهبة من الزمالك، الماء العكر، مجمع الشياطين، الزمن الوغد، القمر المشوي، أبواب الليل، الرقص على العشب الأخضر، شهيرة وقصص أخرى، الفجر يزور الحديقة، على حافة النهر الميت، كلمات في المدن النائمة.

-أما الرواية، فقد صدر لسعد مكاوي أربع روايات هي: السائرون نياماً، الرجل والطريق، الكرباج، لا تسقني وحدي.

-وهو الرقم نفسه الذي بلغته مسرحياته، فقد كتب: الميت الحي، أيام صعبة، الهدية، الحلم يدخل القرية، كما صدرت لسعد مكاوي دراستان عن الموسيقى "لو كان العالم ملكاً لنا" والتاريخ السياسي "رجل من طين".

-والحق أن مجموع كتابات سعد مكاوي، حتى الكتابات غير القصصية، تنسبه الى التيارات التقدمية، وتصنفه باعتباره كاتباً منحازاً الى قضايا البشر.

-وكان لسعد مكاوي وجهة نظره التي تبين عن قسماتها وملامحها في مجموع كتاباته، والتي يمكن إيجازها في ثقته المعلنة بأن عصر التمزق والانسحاق والحيرة يبشر بغد إنساني جميل غض، وأن الواقع المرير الذي يكابده الجنس البشري في عنق الزجاجة لم يؤثر في إيمانه بأن إنسان العصر القادم سيكون أبهى وأعظم من المسودات البشرية، والتعبير للفنان.

- إن القرن العشرين لا يعدو أن يكون معمل تفريخ لطبقات جديدة راقية من الإنسان، وإن إنسان ذلك القرن وما بعده سيكون على الصورة التي يستشرفها. يقول في حوار مع عبدالعال الحمامصي: "التزامي نابع من إيماني الإنساني، أنا ملتزم بالقضية الإنسانية في عمومها وشمولها.

- وشعاري في هذا أنني مع الحرية ضد الزيف، مع الحق ضد الاستبداد، مع الشجاعة ضد الخوف، مع الإرادة ضد القهر، مع الجمال ضد القبح، مع الحب ضد الكراهية،

- التزامي في كلمة واحدة هو مستقبل الإنسان وقدراته المتجددة التي لا يمكن لأي ايديولوجية معاصرة أن تحتويها.

- فمن الذي يعطينا الحق في أن نصادر المستقبل، ونحجر على إمكاناته، وما تنطوي عليه صيرورته من قابليات". وفي هذا الإطار ينبغي أن نضع أعماله التي تنتسب الى أدب الخيال العلمي، إنها إطلالة جيدة لاستشراف آفاق المستقبل.

- نشر سعد مكاوي أولى قصصه القصيرة في فبراير 1936، وصدرت المجموعة الأولى لسعد مكاوي سنة 1948. ثم توالت أعماله في القصة القصيرة والرواية والمسرحية ، فضلاً عن كتاباته في أثناء عمله كمحرر أدبي.

- وتصدر أعماله الإبداعية بعامة عن واقع القرية المصرية، والصلات بين القرية والمدينة من خلال أبناء القرية الذين يهجرون قراهم للدراسة أو للعمل في المدينة، والحس الفكاهي في بعض كتاباته لا يخفي قسوة الواقع الذي شغل بتناوله.

- والصوفية ملمح مهم يصعب إغفاله في إبداعات سعد مكاوي، بل إنه اختار عناوين لبعض مجموعاته القصصية تبين عن هذا الملمح. والتصوف، كما يبرزه الفنان، ليس مظاهر انجذاب ودروشة، لكنه تعبير عن الغياب الذي تعانيه الطبقات الأدنى بين طبقات المجتمع ككل.


- وقد حاول سعد مكاوي أن ينطلق من أرضية الواقع، الخير والشر والرذيلة والعطف والقسوة والصعلكة والجوع والغواني وكل المولد البشري. التعبير للفنان نفسه، الى الحب والتسامي بقوة هائلة الأثر في حياة الجنس البشري ، الى أن جعل من الحب موضوعاً لقصته.

- يقول: "إني لست ممن يجدون في الكلام عن الحب والكتابة عنه شيئاً مخجلاً أو زائداً عن حاجة الناس الحقيقية، بل إنني من المؤمنين بأن الحب في عصرنا القلق المشحون بالخلافات والكراهية والقلق قد صار في حاجة الى تفسير ومناقشات جديدة، وأن الحب هو دين المستقبل الجديد".

- وحين بدأت سعد مكاوي في كتابة روايته "الرجل والطريق" فقد كان مشروعها التخطيطي أن يكون الحب هو البطل الحقيقي باعتباره القوة هائلة الأثر في حياة الجنس البشري، والشيء الكبير الأساسي في حياة الكل في كل زمان ومكان، والقوة الدافعة المثمرة من قوى الطبيعة الإنسانية الخلاقة البناءة.

- وينفي أن يكون انصرافه الى كتابة "الرجل والطريق" مجرد كتابة قصيدة غنائية تتغنى بالحب وتتبع أحوال المحبين، لكن ما شغله أن يعبّر عن الحب باعتباره عاطفة إنسانية ترتبط بالمساعي الإنسانية المتشابكة، والتطور الاجتماعي ، فضلاً عن ارتباط الحب بكيمياء الجسد الإنساني.


- ومع أن ثلاثية الرجل – المرأة – الجنس لم تكن مما يلفت النظر في قصص سعد مكاوي، بعكس قصص البدوي التي كانت في مجموعها إلحاحاً على تلك الثلاثية، فإنه كان يرى في الحب بحثاً عن الوسيلة لتحويل جاذبية الجنس الى الشوق للكمال من خلال شخص من الجنس الآخر يختاره المرء فلا يعود لجنسه كله وجود إلا في صورته. تلك هي ميزة الإنسان على الحيوان. من يستطيع أن يثبت غريزته على شخص واحد، فيستغني عن الجنس الآخر كله، إرادة الطبيعة هي أن يكون الجنس والحب متحدين، ولذلك توج المجتمع هذا القانون الطبيعي بمؤسسة الزواج.


- مع تعدد الأعمال التي وظفت التراث الفرعوني والعربي والإسلامي، بداية من جيل الرواد ، فأدباء المدرسة الحديثة، ثم أدباء جيل الوسط: محفوظ والسحار وباكثير وغيرهم، فإن معطيات سعد مكاوي في الرواية التاريخية، روايته الأهم "السائرون نياماً"، على وجه التحديد، كان هي الحادي الذي مضت من ورائه محاولات الأجيال التالية لتوظيف التراث.
- لم يكن الأمر مجرد حنين الى أزمنة جميلة، ولا استعادة ملامح من تراثنا القومي والوطني، بل كان، وبوضوح، توظيف الحادثة التاريخية، أو الشخصية التاريخية، في الإشارة، هذا هو التعبير الذي يحضرني الى الظروف التي كانت تضغط على المجتمع في الفترة التي كتب فيها الفنان رواياته، وهو الهدف نفسه الذي عني به مبدعو الأجيال التالية الذين حاولوا توظيف التراث في إبداعاتهم.



من مقال بقلم : محمد جبريل

ايوب صابر 03-31-2015 08:52 AM

تابع
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 91- السائرون نياما سعد مكاوي مصر


- الرواية في مسيرة سعد مكاوي الأدبية على قلتها بالقياس لما أصدره من مجموعات قصصية تربو على خمس عشر مجموعة إلا أنها تعتبر علامة شديدة التوهج في رحلة الرواية العربية، خاصة رواية "السائرون نياما" التي تعتبر من أهم الروايات العربية التي صدرت حتى الآن شكلاً ومضموناً.

- ومن خلال التفاعل بين الزمان والمكان والصراع بين الخير والشر، ومزج الواقع باصطراعاته وهمومه مع بحثه الدائم عن مدينته الفاضلة، وإسقاط التاريخ على الأرضية المعاصرة.

-نجح سعد مكاوي في أن يضع بصمة هامة في ساحة الرواية العربية بجانب بصمته المتميزة في دروب القصة القصيرة والمسرح.

- يقول من حوار له مع الكاتب عبدالعال الحمامصى" منذ الصبا الأول والميل إلى التأمل طبيعة أصيلة فى تكويني .. لذلك تجد فى بعض نماذجي القصصية سخرية رفيقة من الذين لاهم لهم إلا أن يكونوا واسطة العقد ، أو زهرة المجلس .
- ويقول: حتى (متعى) فى الطفولة والصبا كانت من النوع الذى ينأى عن الضجيج والزحام ، ويجنح إلى فرص التأمل" ويقودنا هذا إلى الحديث عن نشأة الكاتب وتكوينه الاجتماعي والثقافي .
- ينتمي سعد مكاوي إلى الريف المصري الفقير " الذي يسوده عبق التصوف" لذلك تكثر فى أعماله أسماء وشخصيات ريفية ، بل إن أدبه قائم على ثنائية الريف والمدينة ، إذ يعدان المكانين الأساسيين فى بناء أى عمل فنى له ، نرى ذلك فى أعماله الأولى والأخيرة على حد سواء ، لنترك الكاتب يتحدث عن نشأته فى ظل القرية والجو الصوفي وتأثير ذلك على رؤيته للحياة والفن .
- إذ يقول : كان أبى من طبقة المتصوفة ، التى أخذت روح التصوف الحقيقي فى معناه الكلى ليس التصوف الذي يفر من الواقع فى صورته الشائعة ، بل الذى ينظر إلى الواقع من خلال رؤية كلية تنفذ إلى الماوراء لدرجة أنها قد تربط المعنى الإنساني الكلى وحقائق الوجود الأصلية بالمصير الإنساني ، مما يهب النفس قدراً من الثقافة والتصوف بهذا المعنى يعطى الإنسان قدرة على أن يستشف كل حقائق الوجود والحياة، بحيث تكون النظرة الجوانية للإنسان هى القوة السائدة .
- من خلال هذا الطراز النادر للفلاح المصري البسيط المتصرف بدأت ونمت نظرتي إلى الواقع . ففى هذا الوسط الفقير الكادح أمكن أن تعرف فى وقت مبكر نوعاً ما إلى الكثير من أوليات الوضع الطبقي العام لأبناء وطني ، وللعلاقات الاجتماعية ".
- على أن هذه النشأة الفقيرة وسط عالم التصوف التأملى لا تعنى ابتعاد الكاتب عن مصادر الثقافة النظرية ، بل والعملية حيث كان أبوه من خريجي دار العلوم ، ويعمل مدرساً للغة العربية فى القاهرة ، لكن حقيقته الكبرى كانت فى سعة إطلاعه ورحابه فكرة فى إطار من تصوف حسن الذوق ، كانت له جاذبية على نفسه المتفتحة للمعرفة ، مما مكنه من الإطلاع على مكتبه ضخمة تحتوى على أمهات الكتب فى " التراث والتاريخ والأدب " فضلاً على مجلدات من أمهات المجلات الشهرية مثل المقتطف والهلال ولعل هذا يفسر لنا اتجاه سعد مكاوى بعد ذلك إلى استلهام التصوف والتاريخ وتوظيفهما فى إنتاجه الروائي .

- وكانت فترة الدراسة فى فرنسا قد بدأت بصدمة نافعة ، نتيجة للفاروق الهائل بين النظرة إلى المرآة فى بيتي فى مصر ، وبين وضعها فى البيئة التى انتقلت إليها وهو أمر كان له أثره العميق بعد ذلك فى نفسى وفى أفكاري
- رغم إنتاجه الغزير والمتميز لم يحتل سعد مكاوي المكانة الخاصة به، كان كاتباً عزوفاً ومتفرداً وأميل للعزلة.

ايوب صابر 03-31-2015 12:48 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم- 92 - 1952 جميل عطية إبراهيم مصر


- ثلاثية جميل عطية إبراهيم تأريخ بلغة الرواية


- صاغ المبدع الكبير جميل عطية إبراهيم جزءًا من تاريخ مصر بلغة الفن في ثلاثيته (1952) ، (أوراق 1954) ، (1981)


-الصفحات الأولي في الجزء الأول تمهيد لحركة الجيش.

-ولأنه يعي أهمية التراث الشعبي ، لذا بدأ بصاحب صندوق الدنيا الذي يغني (اللي بني مصركان في الأصل حلواني) ولكن بعد أنْ ألغي مصطفي النحاس معاهدة 36 قال (اللي بني مصركان في الأصل فدائي) وعندما سأله المارد ماذا يريد قال (آتني بأسلحة لمحاربة الإنجليز) وتنتهي الحكاية بأنْ طلب مصطفي النحاس من فؤاد سراج الدين (وزيرالداخلية) توزيع السلاح علي الفدائيين. تصاعد الكفاح المسلح ضد الإنجليز لذا قال اللواء عويس إنّ (الإطاحة بحكومة الوفد أصبحت ضرورية) في عزبة هذا اللواء نتعرف علي عباس الفلاح الذي جمع وعيه بين الصراع الطبقي واستقلال الوطن، فانضم إلي أحد التنظيمات الشيوعية. وبعد نجاح حركة الضباط تم القبض عليه فاندهشتْ زوجته وقالت (قضي سنوات عمره في معارضة الملك والتنديد بسياسة الباشوات وفضحهم) وبعد أنْ أفرج عنه تم اعتقاله مجددًا وكان قائد الحملة اليوزباشي أنور عرفه (وكانتْ هذه آخرمهمة يؤديها لضباط يوليو قبل سفره لأمريكا في بعثة في فنون القبض والتفتيش وتسجيل الاعترافات) وما ذكره المبدع حقيقة أكدها كثيرون مثل د. فخري لبيب في كتابه (الشيوعيون وعبدالناصر)

-وهكذا ضفر جميل عطيه الفن الروائي بالوقائع التاريخية.

- وإذا كان اللواء عويس أحد رموز الاقطاع المتعاونين مع الإنجليز، فإنّ المبدع المؤمن بتعدد الأصوات، قدّم شخصية د. السيد أحمد باشا الذي لم يتدخل في حياة ابنته (أوديت) المنضمة لأحد التنظيمات الشيوعية لمقاومة الإنجليز والسراي. وعندما كان البوليس يبحث عنها لاعتقالها اختبأتْ في أحضان الفلاحين وقالت عنهم (هؤلاء القوم الذين يتظاهرون بالبلاهة لهم آفاق واسعة) إذْ حفظ الفلاحون سرها ولم يتقدم أحد ليشي بها. ومن أبناء عزبة عويس (عكاشة) المغنواتي ، فلاح ليست له أية علاقة بالسياسة. ذهب إلي الإسماعيلية للعمل. صارت بينه وبين الجندي الإنجليزي (جون) صداقة بسبب حبهما للغناء. اقتنع عكاشة بالعمل مع الفدائيين لنسف معسكر للإنجليز. لمح صديقه (جون) فكيف يتركه للموت ؟ صاح يحذره.

- في هذا المشهد المكتوب ببراعة فائقة لم يمت (جون) كباقي زملائه بينما مات عكاشة. وفي التحقيقات الصحفية قال الجندي جون إنه مدين بحياته لعكاشة الذي حسبه اللواء عويس من الشيوعيين. وكانت صدمته عندما قال له أحد الضباط (إنه من أتباعك ياباشا) فقال مستنكرًا (الواد المغنواتي) وتحوّل عكاشة إلي أسطورة بين الفلاحين وإلي شيوعي بين الشيوعيين وإخواني في نظرالإخوان المسلمين.

-في عزبة عويس نتعرف علي كرامة سرحان الطالب بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية المولع بالشاعرإليوت الذي قال (نحن الرجال الجوف. بالقش حُشيتْ رؤوسنا) كرامة ابن السقا الذي يبيع الماء يقع في حب جويدان بنت اللواء عويس فيجلده. ثم ينتقل بنا المبدع إلي زهيه الفلاحة الفقيرة التي ضمّدتْ جراح كرامة وأطعمته ومنحته جسدها. ولكنه لم يعترف بهذا الحب الفطري ، فأدركتْ أنه لايهتم بها رغم أنّ جنينًا يدب في أحشائها. ثم يكون لقاء هذا الثلاثي- كرامة وزهيه والأميرة جويدان في الجزء الأخير ومعهم ابن زهيه التي اختارت له اسم (محمد نجيب) ينتهي الجزء الأول بالمذبحة التي دبّرها الضباط ضد عمال كفرالدواربعد عشرين يومًا من سيطرتهم علي الحكم. لذا قالت أوديت بعد اعتقال عباس (الجيش طرد الملك. وأحزان القرية كما هي). ****

-يبدأ الجزء الثاني علي لسان د. يونس الأستاذ الجامعي الممرور لاعتقال زملائه. استخدم المبدع الكثيرمن الأسماء الحقيقية، فيتذكرد. يونس رفيقه (محمود أمين العالم) ثم ينضم إلي جلسته د. شلبي المفصول من الجامعة. والواقعة كما ذكرها المبدع حقيقية ، إذْ في يوم 23/9/54أصدر الضباط قرارًا بفصل44أستاذًا جامعيا لميولهم الليبرالية كان من بينهم عبدالعظيم أنيس، عبدالمنعم الشرقاوي، لويس عوض وفوزي منصورإلخ. في هذا اللقاء يسأل د. شلبي صديقه عن أخبار د. أوديت وهكذا يلتحم الجزء الثاني بالجزء الأول. كان بين السيد أحمد باشا وعبدالناصرمعرفة أقرب إلي الصداقة. بعد يوليو بدأ الحذرمن جانب الباشا (فهاهي شوكة عبدالناصرقويت. ولم تعد في البلد سوي المؤسسة العسكرية. طرْدْ الملك جملة اعترضية. أما سنة 53 فقد تم تسوية الأرض لخلق الجو المناسب لإقامة ديكتاتورية بعد قصقصة أجنحة جميع الرجال وإلغاء الأحزاب والدستور) ويتحوّل الحذرإلي نوع من التوجس فقال (ماىُدهشني عدم اعتقال ابنتي بعد القبض علي رفاقها الماركسيين. هل صداقتي لسليمان حافظ وزير الداخلية وفرتْ لها الحماية؟ أم هي معرفتي بعبدالناصرالتي منعتْ عنها البلاء؟) وسيتطورالحذر والتوجس إلي فاجعة بعد اغتيال ابنته إذْ صدمتها سيارة جيش بطريقة متعمدة، فقال الأب (شممتُ في الأمر رائحة التدبير. هذه جريمة وخيوطها الرئيسية ليست بعيدة عن عبدالناصر. لايقوي أحد في البلد علي مس ابنتي بسوء دون إذن منه. وهم يعرفون تردده علي قصري) ترتب علي إصابة أوديت نزف في الدماغ فقال أحد الأطباء (منذ حركة الجيش والبلد كلها دماغها ينزف) توجُسْ الباشا لم يكن خيالا، فعندما زاره عبدالناصرفي قصره سنة53 اعتقد عم محمد الطباخ أنه محمد نجيب فرحب به (سيادة اللواء محمد نجيب) فرماه عبدالناصربنظرة نارية وقال (والله لوناداني أحد في الطريق بمحمد نجيب ربما قتلته)

- هنا أبدع الروائي مشهدًا جمع فيه بين سيكولوجية عبدالناصروالموقف من محمد نجيب الذي سيتم التخلص منه.

- في هذا الجزء صورة درامية لوقائع الصراع علي السلطة بين الضباط وصل لدرجة فصل واعتقال كثيرين بل وتعذيب بعضهم تعذيبًا وحشيا كما حدث مع المقدم حسني الدمنهوري وآخرين وهي وقائع اعترف بها كثيرون مثل أ. أحمد حمروش وأ. طارق البشري وآخرين.

- مزج المبدع هذه الوقائع بحياة شخصيات الرواية فحقق إنجازًا مهمًا في تاريخ الرواية المصرية والعالمية.

- ولأنّ المبدع مزج الواقعي بالروائي ، لذا جاءتْ شخصية عبدالناصر في الرواية مطابقة لشخصيته الحقيقية من خلال تصرفاته وأقواله مثل قوله (جيشي هو برلماني) وأنه استخدم المحيطين به للقيام (بالمهام القذرة) وكان يعادي الوفديين والشيوعيين ويرسم الخطط للتخلص منهم. وعندما خاطب عبدالناصرشعبنا قائلا(علمتكم العزة. علمتكم الكرامة) فإنّ أصحاب العقول الحرة شعروا بالإهانة، لذلك انطلقت الهتافات المعادية لحكومة العسكر. وقال د. يونس إنّ عبدالناصر(يري أنّ المثقفين الليبراليين هم أكبرمعضلة).

- شمل الجزء الثاني التطورالدرامي لزهيه حيث أخذتها أوديت للعمل كخادمة في قصرأبيها. تعلق الباشا بابنها الرضيع ثم بأمه التي أصبحتْ المشرفة الحقيقية علي كل شئون القصر. وقبل وفاة أوديت أوصتْ والدها بأنْ تمنح ثروتها لزهية وابنها. ونفذ الأب وصية ابنته. ****

- تدورأحداث الجزء الثالث في سويسرا. كرامة تزوج الأميرة جويدان وصارمستشارالسفارة المصرية. ذهب إلي مطار جنيف ليستقبل السيد أحمد باشا وزوجته. كرامة في الجزء الثاني استجاب لأوامرأحد ضباط عبدالناصرالذي استكتبه بلاغًا ضد أوديت ووالدها. في المطاركرامة يتذكر زهيه مندهشًا (عاملة الترحيلة تضع الفراء علي جسدها وتتحدث إلي مضيفة سويسرية وتُفتح لها قاعة كبارالزوار) زهيه الفلاحة الفقيرة أصبحتْ زهية هانم زوجة السيد أحمد باشا الذي شجّعها علي التعليم واتقنتْ عدة لغات وتعلمت أصول الغناء الأوبرالي. تذكركرامة قول السفيرأنّ محمد نجيب ابن زهيه من رجل آخرفقال لنفسه (أنا هذا الآخر) وتظل هذه الجملة ملازمة له ، فيقتله التردد بين الاعتراف بابنه أوالتضحية باستقراره العائلي والوظيفي ، بينما الباشا الذي تولي تربية محمد نجيب منذ أنْ كان رضيعًا حتي صارشابًا ، تعمّد أنْ تكون زيارته لجينيف من أجل (لم شمل الأسرة) وأنْ يتعرف الابن علي أبيه. هذا الموقف الإنساني من الباشا يتسق مع موقفه الفكري، فرغم أنه ليس شيوعيا فقد احترم آراء وكفاح ابنته الشيوعية. لذلك كان الهدف الثاني من زيارته لجنيف لقاء عباس الذي صارممثلا لمصرفي منظمة العمل الدولية، وتسليمه مذكرات ابنته التي دوّنتْ فيها رأيها عن الحركة الشيوعية بكل ايجابياتها وسلبياتها لنشرها. هذا الباشا الليبرالي لايعرف الأحادية الفكرية، لذا يأخذ عباس للجلوس علي المقهي الذي كان (لينين) يجلس عليه أثناء إقامته في جينيف. ويعشق الفن التشكيلي فيشتري لوحة الفنان ديلفو. وعندما تأمل عباس اللوحة قال إنّ المرأة فيها تُشبه ستهم ابنة عمي. وأنّ زهيه تحب أعمال هذا الفنان البلجيكي.

- وكما بدأ الجزء الأول بأحوال الفلاحين في عزبة عويس قبل يوليو 1952 انتهي الجزء الأخير بأنّ أحوالهم بعد30سنة عادتْ كما كانتْ ، إذْ في عهد السادات الذي عينه عبدالناصرنائبًا له وبالتالي كان هوالمرشح لرئاسة الدولة، أقام (الاقطاعيون) دعاوي قضائية لاسترداد أراضيهم. وبعد موت اللواء عويس أقامتْ أسرته دعوي وصدرالحكم لصالحها. أراد السيد أحمد باشا شراءالقصر ليهديه إلي وزارة التعليم ليستمر كمعهد فني لتخريج الطلبة الزراعيين. وكان هذا هوالهدف الثالث من زيارته لجينيف، ولكن الأميرة جويدان رفضتْ البيع. وحصل عمها علي موافقات السلطات الإدارية لتحويل العزبة بأكملها إلي مشروع استثماري عقاري. وعندما علم الفلاحون بذلك تذكروا أنّ اللواء عويس كان يستعد لإقامة مشروع لتعليب الخضروات، فشعروا بالحسرة وترحموا علي اللواء عويس وأيامه.

- وإذا كان البعض أثارفي عام 2009موضوع بيع الغاز لإسرائيل ، فإنّ المبدع في الجزء الثالث المنشورفي يناير1995 جعل كرامة يتذكرأنه أجري اتصالات مع الإسرائيليين (لعقد صفقات بيع البترول بواسطة شركة وهمية مصرية في جينيف من خلف رؤسائي بتعليمات من الرئيس السادات) فقال الباشا الليبرالي (كم من المنتصرين في حلبة التاريخ، كانتْ المشانق أحق بهم من أقواس النصر)

- وعن جماليات اللغة فإنّ الزمن في الصفحة الأولي من الجزء الأخير(صفارشمس العصاري المزيف الفالصو) وفي ص 8 يربطه بأحلام الفلاحين الذين كفروا بالزراعة واهتموا بتجارة العملة والسفر إلي السعودية، ولكنها (أحلام كالذهب الفالصو في شمس العصاري). وجميل عطية لديه ولع بالموروث الشعبي مثل قول المصريين أنّ (يوم الجمعة فيه ساعة نحس) و(إذا كان صباعك عسكري اقطعه) وقبل تغلغل الأصولية الدينية كان المصريون علي وعي بخطورة توظيف الدين لأغراض السياسة أو لتحقيق مصالح شخصية، لذا عندما دافع الشيخ لهيطة في خطبة الجمعة عن اللواء عويس وأمرالفلاحين بإطاعة أولي الأمر والدعاء لهم، قال الفلاحون عنه (هذا الملعون لايعبد الله لكنه يعبد الباشا) كما أنّ هؤلاء الفلاحين يطبّقون قانون النسبية رغم أميتهم، وبالتالي مزجوا مفهومهم عن (الحرام) بالشفقة، فنجد أنّ زهيه عندما حملتْ دون زواج، قالتْ للست نفوسه أنْ تسترها، فضربتْ الأخيرة صدرها وقالت (ياحبة عيني.. بيتك) وبعد طغيان اللغة الدينية في السبعينات، فإنّ ابنة عباس المناضل الشيوعي، تنضم إلي الجماعات الإسلامية التي تُكفرالحاكم والمحكومين وتُشارك في عمليات اغتيال الأبرياء.

- وجميل عطية لديه شجاعة استخدام الكلمات المصرية التي يأنف كثيرون من استخدامها مثل (خرجتْ الكلمة من الفم مدغمسه) ومن السياق نفهم أنّ المقصود بكلمة (مدغمسه) أنها خرجتْ مضغمة غيرمفهومة. وكلمة (غتاته) المقصود بها الشخص ثقيل الدم. و(نن العين) إذْ هي في اللغة العربية (بؤبؤالعين) وتعبير أنّ الوعاء امتلأ (لتمة عينه) فكلمة (تمة) نحت مصري لكلمة (تمام) العربية. ويستخدم تعبير(دحلبته لمعرفة سره) بمعني استدرجته العربية. وتعبير(فركة كعب) كناية عن المشوار قصيرالمسافة. ووصَفَ شقاء الفلاحين بتعبير(طافحين الكوته) أي الشقاء الفادح في العربية. وتعبير(الدنيا قلابه) أي الغادرة بالعربي. وتعبيرأنّ فلانًا (وقع في الخيه) أي وقع في شرك أو خطأ فظيع. ويستخدم أداة الاستفهام المصرية (ليه) كبديل عن العربية (لماذا) وهكذا.

-المبدع الكبير جميل عطية إبراهيم له أكثر من مجموعة قصصية وأكثرمن رواية ، وكل رواياته زاخرة بالشخصيات الحية والأحداث الدرامية،

- ناهيك عن الثلاثية التي هي معزوفة تاريخية بلغة فن الرواية. ورغم ذلك تتجاهله الثقافة السائدة ، فلم تُفكر أية جهة في ترشيحه لجائزة من جوائز الدولة. وتجاهل كتاب السيناريو والمخرجون إبداعه. فهل الجماليات الفنية والعمق الفكري ، والتوثيق الأمين المحايد ، أحد أسباب العزوف عن هذا الانتاج الأدبي البديع ؟


بقلم : طلعت رضوان

ايوب صابر 04-03-2015 11:45 AM

تابع.....تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم- 92 - 1952 جميل عطية إبراهيم مصر


أوراق 1954:

- المصدر : فتحي ابو رفيعة.

- ”أوراق 1954” للروائى جميل عطية إبراهيم هى قصة صعود محمد نجيب وسقوطه فى رحى الصراع على السلطة فى مارس من ذلك العام.

- ويشير تعريف الناشر (دار الهلال) الوارد فى الصفحة الأخيرة من الرواية إلى أن الكاتب “يلتقط طرف الخيط من روايته السابقة “1952” ليكتشف هذا الفنان المؤرخ وراء السطح الصاخب للأحداث مسار قواها الدافعة الحقيقية المتنكرة خلف الأوهام والشعارات الرائجة”.

- ويضيف التعريف أن ربيع 1954 كان لحظة تاريخية حبلى بالإمكانات المتعارضة أمام حركة يوليو 1952، وقد انتهت بالهزيمة المؤقتة بكل غزارتها واختلاط تفاصيلها جزءا من النسيج الحي لحاضرنا.

- وبقدر ما يعكس هذا التعريف فى إيجاز بليغ فحوى هذا العمل الهام، فإنه يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات والقضايا التى تثيرها هذه الرواية شكلا ومضمونا.

- ففى ضوء هذا التعريف هل يمكن اعتبار أن هذا هو الحكم الذى يمكن استخلاصه من الرواية على ما سمي بأزمة مارس 1954، وبالتالى على حركة – لا “ثورة” – يوليو 1952؟

- وإلى أي مدى استطاع المؤلف الدفاع عن وجهة النظر هذه وترسيخها فى ذهن القارئ وإقناعه بها؟

- ثم ماهى المعايير التى يتعين الحكم بها على عمل “الفنان المؤرخ”:هل هى معايير العمل الأدبي الفني أم معايير السياسة والتاريخ ودقة الوقائع التاريخية وتأصيلها؟

- كما يثير “شكل” الرواية تساؤلات هامة عن اختيار هذا الشكل بالتحديد، وهو الرواية المتتابعة الأجزاء فى شكل ثلاثية أو رباعية أو غير ذلك، وملاءمة هذا الإختيار لموضوع الرواية.

- عزبة عويس باشا، قرية صغيرة بالقرب من أهرامات الجيزة، هى الأرضية التى تنطلق منها أحداث رواية “1952” والتى تقدم الشخصيات المحورية فى هذه الرواية وفى جزئها التالى “أوراق 1954”.

- ومن هناك يرقب المؤلف ويرصد تفاعلات شخصياته فى اقتدار حقيقى. الباشا صهر الملك والذى ينتظر تكليفه بالوزارة. عمدة القرية وشيخ الغفر (الخفراء( وولده كرامه طالب قسم اللغة الإنجليزية المعجب بإليوت وأرضه الخراب؛ وزهية الفلاحة التى عشقته وحملت منه – فى لحظة نزوة – طفلا أسمته محمد نجيب تيمنا بقائد الثورة، لكن قلب كرامة معلق بالأميرة جويدان إبنة عويس باشا، وفى نهاية الجزء الثانى يلقى القبض عليه وهو فى طريقه إلى الخارج بصحبة أسرة الباشا؛ وعكاشة المغنواتى الذى يقوم بعملية فدائية ضد الإنجليز فى الإسماعيلية؛ والطبيبة المثقفة الضالعة فى العمل السياسى السرى أوديت السيد أحمد إبنة أستاذ الحقوق الكبير الذى نلتقى به فى الجزء الثانى من الرواية مستضيفا جمال عبد الناصر فى سنوات الثورة الأولى حيث يستشيره عبد الناصر فى قضايا هامة مثل تأميم قناة السويس، والمأساة أن أوديت تقتل فى حادث فى نهاية الرواية فيهتز لموتها د. يونس أستاذ الجامعة المفصول الذى يبدو أنه كان يحبها من طرف واحد.

- هذه هى بعض الشخصيات التى يقدمها المؤلف فى الروايتين المتصلتين فى ظل الخلفية التاريخية لثورة يوليو 1952.

- وفى الجزء الأول من الرواية “1952” يتولى المؤلف سرد الأحداث وتقديم الشخصيات فى فصول متتابعة تضعنا فى النهاية أمام نسيج روائي محكم. أما فى الجزء الثانى فإننا نجد أنفسنا أمام شكل روائى جديد حيث قسم الرواية إلى فصول ترك فيها السرد لشخصيات الرواية نفسها وبعناوين تحمل أسماءها.

- وضمن هذه الفصول التى تتحول إلى شهادات تاريخية نطالع شهادات هامة لمحمد نجيب، استنادا إلى مذكراته المنشورة، تعبر عن ذروة الحدث الرئيسى الذى يبنى عليه المؤلف عمله الثانى وهو أزمة مارس 1954 وصراع السلطة بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر.

- ولعل هذا يعكس رؤية المؤلف التى عبر عنها فى الجزء الثانى من الرواية بقوله:”القضية قبل 23 يوليو كانت واضحة. أما الآن بعد حركة الجيش فقد اختلطت الأمور.” إن اختلاط الأمور هذا هو الذى حدا بالمؤلف إلى إختيار شكل جديد للجزء الثانى من الرواية كي يتيح للقارئ التعرف على صورة كاملة لتطور الأحداث على لسان صانعيها ولسان من عاشوها.

- وإذا كان من أهم أحداث الجزء الأول “1952” هو حريق القاهرة فى يناير من ذلك العام، فقد كاد عام 1954 – مسرح أحداث الجزء الثانى – أن يشهد حريقا مماثلا. ففى مذكرات محمد نجيب التى نشرها فى كتابه “كنت رئيسا لمصر” يقول :”كنت قد أدركت أن مجلس الثورة أراد إحراق البلد وإحراق الديمقراطية، وطلبت ساعتها زكريا محي الدين فى التليفون وقلت له:أنتم تلعبون بالنار يازكريا، والنار ستحرقكم قبل أي شىء آخر، وعليكم أن تتحملوا نتيجة ماتفعلون.

- ولأن الوقائع التاريخية تشكل العمود الفقرى لأحداث 1952/أوراق 1954 فلعلنا نتساءل هل يشكل هذا العمل تاريخا فى شكل رواية أم رواية “تتعامل” مع التاريخ؟

- إن الرواية، بجزأيها، تمزج بين شخصيات عامة بأسمائها الحقيقية ووقائع مستقاة من مصادر تاريخية يعتد بها، وشخصيات أخرى هي أيضا بالتأكيد شخصيات حقيقية ولكن لأنها ليست شخصيات عامة (أو غير محسوبة على الشق التاريخي فى الرواية) فإننا نعتبرها فى النهاية “شخصيات روائية” سواء ابتدعها المؤلف أو انتقاها وأدخلها فى النسيج الروائي لعمله.

- ومن هنا يصبح التاريخ عاملا مزدوجا: فهو الذى يشكل الأحداث؛ وهو من ناحية أخرى الأحداث نفسها وقد تشكلت بصورة أو بأخرى.

- وفضلا عن أنه يوسع من الأبعاد الزمنية للرواية من خلال توسيع نطاق حركة شخصياتها وتفاعلاتهم ، فإنه يشكل فى حد ذاته إطارا للأسباب والدوافع وراء الوقائع التاريخية (التى عادة مايكتنفها الجمود والتعقيد) فتتحول على يد الروائي الحصيف إلى وقائع “روائية” تربط بين المتغير الشخصي المحدود والمتغير التاريخي الأوسع نطاقا وتعكسهما معا فى ظل خلفية زمنية دائبة التغيير والتحول.

- إن أربعين عاما قد مرت على أزمة مارس 1954 كتبت فيها آلاف الصفحات عن أحداث ذلك الربيع العاصف. واختلطت أوراق كثيرة. وعلى مدى أعوام عديدة سادت وجهة نظر واحدة متحيزة هى وجهة النظر التى كانت تسمح بها السلطة حتى وفاة عبد الناصر. ثم ظهر سيل من الدراسات والمذكرات الخاصة والوثائق السرية التى كشفت عنها الخارجية البريطانية والأمريكية. وهاهي “أوراق 1954” لجميل عطيه إبراهيم ثقدم لنا منظورا عاما جديدا لوقائع تلك الأزمة.

- ولذلك، فإن جميل عطية إبراهيم، فى جانب كبير من “أوراق 1954” لايؤلف أحداثا وإنما يعرض “وقائع تاريخية” من وجهة نظره، يحدوه فيها إيمان قوى بالوعى التاريخى ، وبأن هذا الوعى، كما يقول هيربرت ماركوز، هو الأساس البنيوي الذى تقوم عليه المعرفة السياسية والعمل السياسي ، وهو المنهل الذى يولد الأدب والفن والشعر والموسيقى والعلم. وهو أيضا يتوخى مقولة ماركوز بأن نسيان آلام الماضى ومعاناته إنما يمثل العفو عن القوى التى تسببت فى هذه الآلام، وبأن الجراح التى تندمل بمرور الوقت هى أيضا الجراح التى تحمل السموم، وفى مقابل هذا الإستسلام للزمن تصبح استعادة الوعى، كوسيلة للتحرر، مهمة من أسمى مهام الفكر الإنسانى.

- إن تصدى المؤلف لمهمة كتلك – من استثارة للوعى وتعميق المعرفة السياسية وطرح الوقائع التاريخية من منظور جديد إلى الإلتزام بالإطار الروائى والزمنى الممتد منذ بدايات 1952 – ألقى عليه عبئا مضاعفا من حيث تحريك عدد كبير من الشخصيات أمام خلفية من الأحداث السريعة وغير المتوقعة.

- ومع أن المؤلف يترك شخصياته تتحدث عن تجربتها فى فصول مستقلة فإننا نكاد نراه يقف بينها جميعا كمخرج مسرحى يوجه حركتها وينظم أدوارها إلى أن يمسك فى تهاية الرواية بجميع الخيوط التى بدأ بها فى رواية 1952.

- والرواية مليئة بالإيحاءات والأحكام وهى تنتهى بالقبض على “كرامة” دون أن يرى ابنه غير الشرعى “محمد نجيب” فى كنف أمه الفلاحه “زهية” التى استطاعت أن تستميل إليها قلب الدكتور السيد أحمد باشا حتى أنها وقفت إلى جواره تتلقى العزاء فى إبنته الفقيدة وقرر بناء على طلب إبنته أن يؤول ميراثها إلى زهية وطفلها.
وكان من رأى السيد أحمد باشا، وهو من كبار فقهاء القانون الدولى، أن “سنة 1953 هى أخطر السنوات التى مرت على مصر وليست سنة 1952. فطرد الملك لم يكن سوى جملة اعتراضية فى خضم الأحداث، أما فى سنة 1953 فقد تمت تسوية الأرض لخلق الجو المناسب لإقامة دكتاتورية بعد قصقصة أجنحة جميع الرجال وإلغاء الأحزاب والدستور وإعلان فترة انتقال لمدة ثلاث سنوات.”

- ولعل المؤلف أراد أن يقول على لسان بطله المستنير أن تلك كانت المقدمة المنطقية لما تلى ذلك من أحداث بلغت ذروة مأساتها فى نكسة 1967 ولا تزال آثارها باقية حتى الآن. ولعل ذلك أيضا يعطينا إشارة بأن أحداث ذلك العام الكئيب والفاصل ستكون موضوع الكتاب الجديد فى مسلسلته الرائعة

ايوب صابر 04-05-2015 12:01 AM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم- 92 - 1952 جميل عطية إبراهيم مصر


- جميل عطية ابراهيم في “1981”: فاجعة اغتيال العقل وفقدان الذاكرة

المصدر- فتحي ابو رفيعة
- لكل أمة ماض ثابت ومستقر، أما المستقبل فهو غير معلوم. وإذا كان لنا أن نعرف الماضي فإنه لايسعنا سوى التكهن بالمستقبل. أما الحاضر فلا هو ثابت ولا مستقر، وهو سرعان ماينحسر دوما بين تلافيف الماضي. وإنه فقط من خلال تفسير الماضي ورؤية الحاضر من خلال هذا التفسير يمكننا أن نحدد موقعنا الحالي على خريطة العالم. وبمعنى آخر، فإنه إذا كان يستعصي علينا استقراء المستقبل، وتستغلق علينا قراءة الحاضر، فلا أقل من استكناه الماضي. وإذا عرفنا ماذا كنا، فربما نكتشف ماذا نكون. إنها التساؤلات التاريخية الأزلية: ماذا حدث؟ ولماذا حدث؟ وما هي التفسيرات المختلفة لماحدث؟ الوقائع، والتفسير، والمغزى. إنها باختصار العناصر الأساسية لفلسفة التاريخ. هذه التساؤلات ومحاولات الرد عليها هي فحوى عمل جميل عطية ابراهيم العظيم: ثلاثية 1952 التي صدر مؤخرا الجزء الثالث والأخير منها تحت عنوان “1981”.

- وقد تناول المؤلف في الجزء الأول إرهاصات الثورة وقيامها، وتناول في الجزء الثاني ماسمي بأزمة 1954 التي أطاحت بالرئيس محمد نجيب. نعم، لقد كان1952 و 1954 تاريخين هامين في عمر الثورة وفي مسيرة الوطن. وكانا تعبيرا عن مرحلة مفعمة بالآمال والأحلام وأيضا بالصراعات التي هددت الثورة من الداخل إلى أن مرت العاصفة، وانتصر جناح على آخر، وبدا أن الأمر أصبح مهيأ للثورة كي تحقق أحلامها الموعودة.

- وقد استطاع جميل عطية ابراهيم أن يرسم معالم هذه المرحلة بكل الصدق وبكل الأمل في تحقيق الحلم والخوف من تبدده. فأي طريق سلكته الثورة؟ أو أي طريق أريد لها أن تسلكه؟

- ربما تصور البعض أن المؤلف، سيرا على المنهج التاريخي التقليدي، سيتوقف عند 1956 أو 1967 أو 1973، وكلها تواريخ هامة وإن كان يجمع بينها أنها كلها تواريخ معارك وحروب. لكن جميل عطية ابراهيم، بحركة ساحر، أخرج من جعبته “جوكرا” مسح القديم والجديد، وغطى على مايمكن أن يقال عن أي من هذه التواريخ وغيرها والتي قادت جميعها إلى هذه النقطة الفارقة في تاريخ الوطن: نقطة الإنهيار أو مرحلة الكتلة الحرجة Critical Mass التي كان لابد عندها من تعديل المسار: ينطبق هذا على الوطن ككل وعلى شخصيات الرواية فردا فردا، كما سنرى.

- ثلاثون عاما، 1952 ـ 1982 ، أعمل فيها جميل عطية ابراهيم قلمه وفكره ليس بمنهج الرواية التاريخية التقليدية ولكن بأسلوب المؤرخ الفرنسي البارع فرناند برودال مؤسس المدرسة البنيوية في تسجيل الحوليات التاريخية والذي اعتبر من طليعة مؤرخي مدرسة مابعد الحداثة. وتجسد نظرية برودال فكرة التاريخ الممتد أو الطويل الأجل في مقابل الوقائع القصيرة الأجل، بما فيها الحروب والغزوات. وتركز مدرسة الحوليات، التي بلغت ذروة تأثيرها خلال الستينات والسبعينات، على التاريخ العام والشامل وعلى تنوع التفاعلات التي تشكل في النهاية قاعدة عامة موحدة أكثر من تركيزها على التاريخ السردي التقليدي. ويستجيب برودال لنظرية نيتشه من حيث كتابة التاريخ من مواقع ومناظير مختلفة تشمل الإجتماعي والثقافي والإقتصادي والأنثروبولوجي.

- ويعكس جميل عطية ابراهيم هذا المفهوم المتعدد الجوانب للتاريخ في ثلاثيته التي تبدأ في عزبة عويس قبيل قيام ثورة 1952 وتنتهي في عام 1982، حينما تجمع الغربة والإغتراب بين بعض أبطالها خارج الوطن، لكنهم يقررون في لحظة هامة من لحظات اتخاذ القرار أن يعودوا إلى “عزبتهم” وإنقاذها من الخطر الذي يتربص بها.

- من الشخصيات الرئيسية في “1891” كرامة سرحان السقا، طالب اللغة الإنجليزية، الذي التحق بعد تخرجه بوزارة الخارجية، وتزوج من الأميرة جويدان إبنة اللواء عويس، أما زهية الفلاحة التي حملت منه، في لحظة نزوة، طفلا أسمته محمد نجيب تيمنا بقائد الثورة، فقد التحقت بخدمة الدكتور أحمد السيد باشا أستاذ القانون الذي فقد إبنته في حادث يتعلق بنشاطها السياسي، وانتهى الأمر بزواج زهية من الباشا، الذي قام بتربية محمد نجيب الذي أصبح عمره الآن ثلاثين عاما.

- في نيسان 1982 (نيسان أقسى الشهور، إفتتاحية “الأرض الخراب” الشهيرة لإليوت التي كان يعشقها كرامة سرحان ويرددها في سنوات صباه)، هاهو نيسان يعود بعد ثلاثين عاما بقسوة أشد. فقد حضر إلى جنيف، حيث يعمل كرامة مستشارا بالبعثة، الباشا وزوجته التي أصبحت الآن زهية هانم، ومعهما إبنه ـ أي إبن كرامة ـ المعروف بأنه إبن زوجة الباشا من “رجل آخر”. وستظل صفة “الآخر” هذه تعذب كرامة إلى أن يقرر الإعتراف بإبنه في آخر الرواية، التي تنتهي بموت الباشا، وربما ـ كتحصيل حاصل ـ زواج كرامة من زهية وانفصاله عن زوجته الأميرة التي ثبت حتى نهاية الرواية أنها لاتزال تتآمر ضد عزبة عويس وأهلها.

- هذا هو السياق الروائي لـ “1981” الذي يطوي في ثناياه نصا زاخرا بالرؤى والأفكار والأحكام والشخصيات التي تتحرك حركة دؤوبة في كل اتجاه.

- وها هو قصر الأمم في جنيف يشكل مسرحا دوليا يختلط فيه العام والخاص، ويدلف بنا المؤلف ليس فقط بين دهاليز هذا المبنى التاريخي وكواليسه السياسية والدبلوماسية ولكن ايضا بين خبايا النفوس البشرية فنتعرف على شخصيات فريدة أبدع المؤلف رسمها وسبر أغوارها: أميرة تحولت إلى مترجمة وتعاني من الوحدة في أواخر العمر، لازوج ولا ولد، وعينها على المصير الذي ينتظرها: بيت المسنين؛ وملازم سابق في الجيش (هو أيضا تحول إلى مترجم) وحكاياته عن مؤامرة قام بها ضد عبد الناصر وانخراطه في العمليات الإنتحارية في سيناء في أعقاب نكسة 1967؛ والخال عباس أبو حميده الإشتراكي الذي هدته الغربة.

- على أن أهم الشخصيات التي قدمها جميل عطية ابراهيم في “1981” هي شخصية الأستاذ عبد الله صابر التي أفرد لها تمهيدا صدر به روايته. فهذه الشخصية التي لم يكن لها وجود في الجزأين السابقين إن كانت توحي بأي شىء لأول وهله فلا أقل من أنها توحي بشخصية سقراط العظيم، المثقف الأزلي، الباحث عن الحقيقة.الأستاذ عبد الله صابر الذي يضطهد ويعتقل بسبب أفكاره، ويتحلق حوله الصغار والكبار في القرية يحكي لهم ويسمع منهم، ومع ذلك فهو يردد لهم دائما أن “جعبتي خالية ياأولاد من الإجابات، هي تساؤلات نطرحها على بعضنا البعض حتى نعثر على حكيم يفتح أعيننا على الحقيقة.” ولكننا ما أن نتعلق بهذه الشخصية ـ التي ربما أراد لها المؤلف أن تمثل العقل أو روح الشعب ـ نفاجأ بأنه “في اليوم التالي عثر على عبد الله صابر مكوما أمام باب الدار وقد اخترقت جسده عدة طعنات بخنجر من الخلف.”

- لماذا يبدأ جميل عطية ابراهيم روايته بواقعة تمثل إغتيال العقل؟ لعله يعبر بذلك عن حكمه على ما آلت إليه الأمور في عزبة عويس التي كانت في الجزأين السابقين تعبيرا وتجسيدا للوطن؟
هنا، تتأكد مرة أخرى، مثلما تأكدت في الجزأين السابقين، رؤية جميل عطية ابراهيم للكتابة باعتبارها تعميقا للوعي التاريخي الذي يشكل الأساس البنيوي الذي تقوم عليه المعرفة السياسية والعمل السياسي، وإيمانه بمقولة ماركوز بأن استعادة الوعي، كوسيلة للتحرر، هي مهمة من أسمى مهام الفكر الإنساني.

- وهاهو كرامة سرحان، الشخصية الرئيسية في الرواية يسترجع ذكرياته المكبوته، وفي هذا الإسترجاع يحدث التحول في شخصيته السلبية إلى الشخصية التي يريدها لنفسه. في هذا الإسترجاع يتحول سرحان من مجرد “الآخر” إلي “الأنا”، ويحقق لنفسه السعادة والحرية.

- إن ذاكرة الوطن هي همّ أساسي يحمله سقراط جميل عطية ابراهيم، وتصبح من الشواغل الرئيسية التي تتمحور حولها الرواية.

- يصدق على ثلاثية جميل عطية ابراهيم وصف الرواية “الجمعية” التي تستهدف استثارة وعي الجماهير والتعبير عنه في مواجهة ما تتعرض له هذه الجماهير من عنت ومن استلاب للحلم.

- وفي الرواية الجمعية تقوم الجماعة أو المجتمع بدور الشخصية الرئيسية، ويتعين على المؤلف أن ينقل هذا الإحساس الجماعي الذي يصبح أكثر أهمية من التركيز على شخصية الفرد. وهذا هو الإحساس الذي نجح جميل عطية ابراهيم تماما في نقله إلى القارئ.

- ولأن 1981 هو عام اغتيال السادات فإن “1891”(الرواية) تتضمن الكثير من الأحكام على الحقبة الساداتية وهي أحكام تخضع في مجموعها للقبول أو الرفض.

- في”1981″، واتساقا مع ذروة الأحداث في الثلاثية، تسمو لغة الرواية إلى مستوى رفيع وبالغ الدلالة والتعبير.

- شمس الماضي أشد فتكا بالروح من أحلام المستقبل الوردية التي لم يقدر لها التحقق بعد. هي تبزغ فجأة فتعري الحقائق وتزيل عنها تلك الستائر الواهية التي طرزتها الأيام والليالي.”
“ الغربة بطالة، ونحن بشر. رنت في أذني كلماته كالنفير الناعق في مقطوعة موسيقية مليئة بالشجن. و “1981” هي هذه المقطوعة ذاتها، وهي تحمل شجنا لايوصف، وهو شجن يبدو أن المؤلف يحسه حتى النخاع، ولهذا فقد جاء التعبير عنه بكل العمق والسلاسة: “أمضيت عمري كله متغربا. طحنتني الغربة في عزبة عويس بين أهلي وناسي. وفي الغربة الحقيقية تجرعت كأس الوحدة حتى الثمالة.”

- هناك أيضا الكثير من الإيحاءات والتلميحات التي لايتسع المجال لذكرها، لكن أهميتها تكمن في أن المؤلف يعني كل كلمة وكل عبارة ويعني ماوراءهما من دلالات .

- في مطلع الرواية تطغي على القرية نذر “التقسيم”، ومع أن المقصود هو تقسيم الأراضي الزراعية بعد تجريفها تمهيدا لبيعها وتحويلها إلى أراض للبناء، إلا أن شبح كلمة التقسيم بمدلولاتها السياسية يفرض نفسه على السياق. “مات جمال عبد الناصر، فانفض مولد الثورة، وتفرق الناس.”

- وفي آخر الرواية، وحينما يقرر كرامة المثقف وعباس أبو حميدة الفلاح الثوري العودة إلى القاهرة لإنقاذ عزبة عويس، تقول إحدى الشخصيات في تعبير لاتخفى دلالته:”يبدو أن عزبة عويس عليها العين منذ حركة الجيش.”

- إن جميل عطية ابراهيم حينما تصدى لقراءة ـ أو إعادة قراءة ـ ثلاثين عاما من تاريخ الوطن فقد كان يدرك أن التاريخ هو أكثر من مجرد حادثة تلو أخرى، وأكثر من مجرد استرجاع وقائع قديمة، بل وكان يدرك أنه أكثر من مجرد ماوقع من أحداث.

- لقد نظر جميل عطية ابراهيم إلى تاريخ هذه الفترة باعتباره خطابا سياسيا يفوق مجرد سرد أحداث الماضي وتفسيرها ليصبح تعبيرا عن مجمل تجربة شعب وتفاعل العلاقات بين أفراده في ظل المعطيات التاريخية لهذه الفترة.

- وقد جعل ذلك من ثلاثيته عملا كلاسيكيا أصيلا سوف يحتل دائما مكانته بين شوامخ أدبنا الحديث.

ايوب صابر 04-06-2015 09:29 AM

تابع ..والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم- 92 - 1952 جميل عطية إبراهيم مصر




- من مقال بقلم : نص القيمة ... د. مصطفى الضبع تحت عنوان قيمة النص/ نص القيمة . رواية 1952 نموذجا

- تعد" 1952"، للروائي المصري جميل عطية إبراهيم رواية واقعية بوقوفها عند مرحلة تاريخية ذات ملامح محددة في التاريخ المصري ، ولرصدها لأحداث لا يخالفها الواقع التاريخي (ثورة يوليو) ، ولا يختلف عليها من يؤرخون لهذه الفترة التي تمثل منعطفا تاريخيا مؤثرا في تاريخ المنطقة العربية كلها ، ثم هي في نهاية الأمر تقف عند أشخاص كان لهم وجودهم الواقعي المؤثر تماما كتلك الأحداث المشار إليها .

- من البداية يحيلنا النص لقيمة عددية ليست مقصودة في ذاتها ، إذ هي تشير لقيمة تاريخية ، حيث لا قيمة للعدد خارج الإطار التاريخي (1) ، ولا معنى له إن لم يقترن بالتاريخ ، أو بالواقع التاريخي المحدد .

- والتاريخ هنا يمثل بؤرة أو مركزا زمنيا ليس منفصلا عما قبله كما إنه يحيلنا –بالضرورة – لما بعده ، فإذا كان التاريخ خارج النص من صنع الواقع ومعطياته ، فالتاريخ داخل النص في امتزاجه بالتاريخ النصي (2) يطرح صيغة جديدة – ويجب أن تكون كذلك – على المتلقي الذي يكون مشغولا بمراقبة المعطيات الفنية ، وليس مراقبة التاريخ في حركته داخل النص ، متجنبا التشتت إن هو تحرك بين التاريخين : النصي والواقعي ، ولا تتحقق له المتعة إن هو ظل يتحرك بين النقطتين : التاريخ خارج النص ، والتاريخ داخله .

- منذ الفاصلة السردية الأولى يحيلنا الروائي للحكاية بوصفها قيمة دافعة ومحركة ، ومن قبل ذلك حافظة للتاريخ ومعطياته ، وقيم الماضي ، والقيم الواجب الحفاظ عليها ، يطرح الاستهلال النصي الحكاية القيمة بمكانها وزمانها وشخوصها ، الحكاية في بعدها القريب من الأسطوري ، الممتزج بالإنساني ، ولا يكتفي الروائي في استهلاله بأن يضع متلقيه في خط الحكاية ، وإنما يروح يبث مجموعة من الإشارات النصية عبر استهلال بقوة المتن .

- يتجاوز الاستهلال وظيفته التقليدية بوصفه ممهدا للنص ومهيئا للدخول للمتن ، فالإشارات النصية التي يتضمنها الاستهلال تكاد تكون القانون النصي أو بداية التعاهد بين النص ومتلقيه ، حيث النص يقدم نفسه ، وعلى المتلقي أن يكون على وعى بما يطرحه النص من إشارات دالة لا يمكن للتلقى أن يستقيم دون الوعى التام بها (4) وقد صاغها السارد محكمة مستثمرا إمكانيات صيغة نحو النص، ونحو اللغة (يورد الجملة الأولى بصيغة الجملة الخبرية، وما بعدها ملحقات وتوابع نحوية ، أسلوبية لها )، وهى إشارات تمثل مفاتيح لمقاربة القيمة الروائية ، تتشكل على النحو التالى :

- يطرح النص مكانا يمثل بؤرة يتأسس عليها التلقى (عزبة عويس) في إشارتها لمكان دال في انتمائه لاسم له حضوره المصري (عويس ) ، كما يشكل مع الإشارة الزمنية في العنوان( 1952) صورة طبقية لمالك وأجراء ، باشا يمتلك عزبة بناسها وأرضها وسمائها ، يضاف لذلك قدرة العزبة على أن تحمل قوة الرمز في إشارته للوطن الأكبر (مصر ) التي لم يكن وضعها حينذاك مغايرا للعزبة ، وهو ما تؤكده الرواية في تفاصيلها اللاحقة .

- ثم يطرح حالة للمكان ، حالة تطرح إخبارا عن هذه الحالة ، يتناسب مع صيغة الخبر (غارقة) : اسم الفاعل الدال على حالة دائمة للغرق في التفاصيل الأكثر قسوة على السواد الأعظم من البشر ، إضافة لما يشكله التعبير من استغراق معناه في الزمن (وهو ما لم يكن يطرح لو استخدم السارد الفعل المضارع ) .

- وقبل أن تنتهى الجملة المحورية الأولى يطرح السارد الإشارة الزمنية الصغرى الفاتحة بدورها المجال الزمنى للنص(5) ، وما يخلقه من علاقات مع الواقع الخارجى ("صفار شمس العصارى ") تلك الصيغة ذات الطابع الشعبى المميز بما يحمله اللون الأصفر من دلالات تستمد قوتها من الثقافة الشعبية ، وقد أكد السارد عليها عبر تمييزها بالفاصلتين ، كما أنها تمثل انطلاقة لعلامة متكررة تطرح عنصرا له حضوره الدال في النص (تتكرر الشمس والنور في الرواية بصورة دالة لا يمكن تجاوزها في تشكيل دلالته الكلية ) .

- بعد أن تستوفي الجملة النحوية أركانها التعبيرية يبدأ السارد جملة جديدة تطرح الفعل الذي يضمه المكان ، وتضيف العنصر البشرى المتحرك في إطار عزبة عويس (خفت حركة ...وتفرق الخلق ) طارحا فعل الانعزال ، وكاشفا عن النشاط البشرى في إشارته لثقافة المكان وما يشغل الخلق ( يحسب للسارد وعيه بقيمة اللغة في انتقاء الدال منها حيث يؤسس عبر (الخلق ) دون غيرها لعمومية أو لإشارة دالة على انفتاح الرمز ، حيث الخلق أشمل من الناس ، وقد أراد أن يبث قيمة كرنفالية يتحرك خلالها الكائن الإنسانى بهذه الصورة ) مخرجا وعى متلقيه من منطقة عزبة عويس بوصفها الحيز الأضيق إلى ما هو أوسع ، الحيز الأكثر اتساعا الذي يبدأ من مصر ولا ينتهى عندها إذا ما اتسع وعى المتلقي للقيمة الكونية أو الإنسانية التي يبثها النص ـ منحازا إليها بصورة واضحة - حيث يطرح السياق بعدا إنسانيا يمكن للمتلقى إن استثمره أن يتجاوز المنطقة المحلية منطلقا لحركات التحرر الإنسانى ، فالظلم الواقع على الإنسان – و إن اختلفت صوره وأشكاله – يكون دافعا مؤثرا للتخلص منه ، يستوى في ذلك البشر في كل زمان ومكان ، لا فرق بين أمة وأخرى في هذه النظرة ، وهو ما يكون مبررا للثورة على الظلم بصوره وأشكاله التي تكاد تكون قناعا لفعل واحد متكرر، عندها يكون النص قد وصل للمنطقة الأعمق في طرح ما هو إنسانى ، طارحا خاصية خالدة تمنح النص نفسه القيمة الفنية الكبرى على حد التعبير النقدى :" وكلما أمعنت هذه الخاصية في العمق ارتقى العمل الأدبى إلى القمة وأصبح خلاصة للروح القومى في شكل محسوس ، وموجزا للملامح الأساسية في فترة تاريخية محددة ، وتصويرا للغرائز والملكات الثابتة لدى عنصر ما ، كما أصبح في نفس الوقت قطعة من الإنسان في مختلف أنحاء العالم " (6) .

- يبدأ الرمز في بث تفاصيله والكشف عنها ممارسا نوعا من القوة الترميزية ، ( الثعبان والحية ) كاشفا عن مفارقة تعبيرية ، تتمثل في أن الرفاعى يأخذ عهدا على ألا يؤذى الناس هذه الحيات والثعابين وليس العكس ، مما يثير أسئلة منتجة تتأسس على المفارقة نفسها : هل بدأت الثعابين تشعر أنها تفقد قوتها مما جعلها في حاجة للحماية بدافع الخوف ، أم أنها ليست قوية في ذاتها ، وأن قوتها مزيفة مما يضطرها للبحث عن مصدر للقوة ، أو السلام مع القوة الشعبية ( خاصة أن العهد يؤخذ من الشباب تحديدا والرواية تطرح كيف أن الإيذاء يقع بصورة تكاد تكون قدرية لهؤلاء ) ؟ ، وهل الشعب يمثل قوة في ذاته تكون كفيلة بإرهاب هذه الحيات والثعابين ؟ أم أن من فروض الطاعة ، طاعة العامة للخاصة ، أن يبعد العامة أذاهم عن الخاصة ؟ ، يضاف لذلك قوة الثعابين التي لم تكتف بما هي فيه بل أخذت طريقها لبطون البشر " استقرت الثعابين في بطنه وأصبحت تشاركه طعامه وتمصه منه قبل أن يبر به جسده " (7) ، وكذلك حقد هؤلاء على الفلاحين وليس العكس ، فاللواء عويس " أحس بحقد على الفلاحين الذين يبيتون وقلوبهم خالية " (8) .

- ويخلص السارد من طرح الرمز الأول للقوة المسيطرة و الرمز الثاني الممثل في الحاوى وثعابينه والفئة الشبابية إلى طرح الفئة الثانية من تصنيفه للبشر في حالتهم الناشطة ، وهى الفئة الأقل عددا (لتحديدها بستة فقط ) والأضعف (الصبيان والبنات ) ، كاشفا عن رمز جديد لجيل قادم يعى الحكاية أو عليه أن يكون على وعى بها ، وهى الفئة التي يمكن استثمار طاقتها الدلالية على وجهين : أولهما : أنها صورة سابقة للشباب تمثل قدرا أو صورة من الظلم الاجتماعى لما يؤول إليه حال القاعدة العريضة من القوى الشعبية ، تبدأ بالحكاية التي لا تمثل إلا شكلا من أشكال التسلية ، أو الترفيه لا التعليم الصانع للوعى ، وتنتهى بأخذ العهد من الحاوى بعدم الإيذاء ، يؤكد ذلك الإشارة لكرامة بن سرحان السقا (الذي لم يكن اسما على مسمى ) فهو مقارنة بمن تعلمت في المدينة (أوديت الثائرة القادمة من المدينة ابنة الباشا) ، يمثل شكلا من أشكال الخنوع للسلطة ، ولم يملك "كرامة " ما يدافع به عن نفسه وقد جلده " اللواء عويس باشا " مضيعا كرامته ورامزا لضياع كرامة من يرمز إليهم من طبقته أو من شعبه الذين حولوا حدث الجلد إلى حدث أسطورى بدلا من أن يكون دافعا للثورة عليه أو التمرد بسببه ، أهل العزبة يفسرون حدث الجلد تفسيرا دينيا ، حيث يحفر الكرباج آية قرآنية على جسم المجلود، يبثون عبره نوعا من الصبر غير المقبول على القهر الذي يمارسه عويس عليهم ، " انتظر الحمقى معجزة ، وبحثوا عن آية قرآنية على جسده الممزق ، يؤكد لهم أن الله قادر على كل شيء "(9) ، وهذا الوجه يحيل إلى السلبية الكامنة في البعض ، والتى تجعل من الطرف الآخر متجبرا ، متسلطا ، ممعنا في ذلك اعتمادا على ضعف هؤلاء . والوجه الثاني : يحيل إلى جانب إيجابي ، فالصغار متسمرون حول الرفاعى ، في مقابل حركة الشباب الحرة مما يمنح الأمل في استثمارهم لقدر ما من الحرية ، كما أن الشباب عيونهم غير مغطاة بستارة سوداء كما الصغار ، و"كرامة" الرامز لهذا الجيل من الشباب لم تمت فيه تماما بذرة الإحساس بنفسه ، فهو موزع بين الموت كمدا من ناحية والانتقام من ناحية أخرى : " تمزقت روحه بين كونه متعلما وبين حقيقة وضعه كعبد لدى جناب الباشا ، رغبتان تتنازعانه ، إحداهما تشده إلى أسفل وتزين له الموت كمدا ، والأخرى تدفعه للانتقام وكراهية البشر ، وبين الرغبتين يجلس حائرا على شط الترعة ، ولا من أنيس حوله سوى أنفاس زهية ونبرات صوتها الحانية وهى تتردد حوله وتلفه بهالة من الحنان البشرى والتواصل الإنسانى " (10) ، وتعد الحيرة وقبوله التواصل مع زهية علامات على بقاء بذور الحياة داخله، رامزة لأمل ربما يتحقق يوما .
تكتسب الحكاية قيمتها من رمزيتها ، وشمول منظورها الفنى للوقوف على جماليات الحكاية من هذا النوع ، الحكاية القابلة للتطبيق أو تلك الدالة على أن الزمن قادر على أن يحافظ على دورته الطبيعية في قلوب البشر .

- ولقد كان للحكى دور الشاهد على التاريخ ، ذلك التاريخ الذي يشهد بدوره على البشر وحياتهم وفعل الزمن فيهم . وقد استثمر السارد طاقة الحكي في تزويد النص بقدر كبير من الحكايات الكاشفة عن طبيعة المكان المحتضن الحكايات ، فقد كان عليه أن يختار مكانا صالحا للحكى ، لذا يكون التنوع في صيغة الحكاية ، أو في طريقة تقديمها واضحا بين مشاهد تدور في المدينة (القاهرة ) ، أو في القرية ( عزبة عويس ) ، ومابينهما من مكان مؤقت (مدينة الإسماعيلية ) التي جعلها مكانا لبطولة عكاشة المغنواتى وقد تنازل قرر أن يغنى أغنيته الأخيرة هناك ، فارا ببطولته ، أو فارا برجولته المهددة في عزبة عويس (وقد هددته صديقات الأميرة جويدان الأجنبيات بجب عضوه الذكرى كما فعل بأبيس الخادم المخصى ) ، لذلك كانت حكاية عكاشة حكاية كاشفة عن قيمة المصري الذي يرفض حياة لا تناسب طبيعته ، ولم يكن الموال الأخير الذي يردده قبل استشهاده إلا علامة فارقة بين حياتين ، حياة يرفضها ، وحياة يختارها ، وقد انتهت حياته دون أن يحقق أحلامه البسيطة ، ولكن موته لم ينه حكايته فقد ظل صورة لحياة زاخرة بالقيمة وعلامة على ثقافة مهددة بالزوال ، ثقافة مصرية كان عكاشة اختزالا لها .

- بخصوص القيمة المكانية : نجد ان السارد ادار حكاياته عبر ثلاثة أمكنة تشكل مجتمعة قيمة خاصة ، كما يمثل كل منها قيمته المنفردة ، وقد نشأ صراع ، أو حوار بين مكانين أساسيين : عزبة عويس – القاهرة ، انطلق الحكي من المكان الأول بوصفه محتضن الحكايات ، والثانى بوصفه مستهلكا لها ، لقد نشأ حوار بين الأمكنة الثلاثة ، ظاهريا الكلمة العليا فيه للقاهرة بوصفها مركز السلطة ، ومدار الحركة المضطربة والنشاط السياسى المتمخض عن حريق القاهرة ، ولكن الكلمة الأقوى كانت لعزبة عويس بالأساس ، وقد تضمن النص حدثين دالين على قوة العزبة في حوارها مع القاهرة :

- أولهما : أن حريق القاهرة كان على يد القادمين من العزبة ، أو بعبارة أخرى لعب سرحان السقا ومن معه الدور الفعال ، أو الدور الذي كشفت عنه الرواية بوضوح تأكيدا عليه ، دور القائد الفاعل عبر سلطة دينية اكتسبها هذا العائد لحظيرة الحق ، أو التائب فيمنح القوة للفعل ،:" أطلق عليه المتظاهرون :" مولانا " يأتمرون بأمره ، يسيرون خلفه ، يقطعون الخرق له ويحملون له قطع الحجارة وصفائح الجاز ، يشعل أو لكرة ويقذف بها ، فيهللون ، ويتبعونه في إلقاء الكرات المشتعلة " (11) تلك التي كانت بمثابة فعل التطهير على المستويين العام والخاص .
لقد صرخ السقا بسؤاله الوجودى : نكون أو لا نكون ؟ فتحول للقائد المشارك غير المتعالى على من يقودهم ، هؤلاء الذين هزموا في العزبة فجاءوا للقاهرة بحثا عن فرصة لغزو من هزموهم ، وسرقوا منهم الحياة الكريمة هناك في العزبة ، وعلى رأس هؤلاء سرحان السقا الذي يعد النموذج الأكثر واقعية ، صاحب الفضل في الكشف عن قيمة النيران " اشتعلت النيران على طول طريق الأهرامات بفضله ، وهاهو قد مل رائحة الدخان ولم تعد صيحات المشاغبين حوله تروقه : انتقم من الجميع ، الباشا والعمدة ، وشيخ الغفر ، وابنه كرامة ، وزوجته خديجة " (12) .

ثانيهما : عملية نسف الجنود الإنجليز في الإسماعيلية ، والتى كان الأساس فيها عكاشة ابن عزبة عويس والذى لم يكن ليفعل ذلك ما لم يكن قد عاين حياة الطبقة الأعلى خلال الحفل الذي أحياه لابنة اللواء عويس وصديقاتها من بنات طبقتها الأجنبيات ، وهو هنا يرفع صوت العزبة ، ليكون بمثابة سفير الانتقام من الطرف الثاني فيما آلت إليه الأحوال في مصر .
من هنا تحملت عزبة عويس عبر رجالها عبء الدفاع عن الوطن ضد من أوصلوه لحالته المتردية (الملك وأعوانه في القاهرة ، والانجليز في الإسماعيلية ) ، كما تحملت العزبة عبء الرمز على المستوى الفنى ، حيث العزبة رمز للقرية المصرية ، تلك العنصر الأصيل لمصر .

- وبشأن مقولات النص : نجد ان النص يعد – في أحد وجوهه – تشكيلا من المقولات المتداولة عبر تفاصيله (الحوار – السرد ) ويمكن للمتلقى استكشافها تأسيسا على صداها ، وفعلها عبر النص ،ويكون من دورها :

- الكشف عن الرؤية الكلية للسارد ومن قبله المؤلف الضمنى ، حيث يتبنى المتلقي هذه المقولات بوصفها هدفا لرســالة يتلقاها عبر النص .

- التعبير عن البنية العبير عن البنية العميقة لآليات التفكير لدى الشخصيات ، حيث تشكل هذه المقولات علامات على الشخصية ومدى تفكيرها النمطى ، أو المغاير .

- تقديم شهادة على عصرها ، تطرح عبرها قضايا العصر وطبيعة المجتمع .

- الإشارة لثقافة العصر ، وإنسانه .

- الإشارة لجذور ثقافية ، ونتاج عقلى تستمد منهما هذه المقولات مرجعيتها .

- رسم صورة لصراعات الفكر الإنسانى ، وجذور مؤرقات الشخصية المصرية .
وقد وضعتنا الرواية إزاء مساحة واسعة من المقولات المسندة لـلسارد أو للشخصيات :

- ما يسند للسارد طارحا رؤيته المباشرة لعصره ، كما أنها تفض إشكاليات في قضايا غير محسومة أحيانا ، أو تمهد لمقولات أكبر يتطلب بثها وعيا خاصا لدى متلقيها ، وتعبر بدرجة ما عن حكمة السارد بوصفه المسئول عن بناء القيمة في النص ، ومسئوليته ليست أمام المتلقي فحسب ، وإنما هي مسئولية أمام التاريخ والأشخاص الممثلين لهذا التاريخ ، وقد استثمر السارد كثيرا من لحظات سرده لبث الكثير من المقولات منها :

1- " الأعيان لا يكونون أعيانا بحق إلا إذا استمع لهم الناس " (13) .
2- " ومن ينس هويته ينس همومه "(14).
3- "ومن يتبن البشر لا يحزن لفقدان ابن واحد أو امرأة واحدة "(15) .
4- "فإذا كانت الإكزيما الحادة قد أصابت زينة نسوة المنطقة ، هاهى الحرائق تلتهم القاهرة لحظة صحوتها " (16) .
5- آفة المشتغل بالحياة العامة الجبن " (17) .
6- "السجن يجسم عجز الإنسان ويزيد من خياله " (18) .
7- الذين ينوون الانسحاب من المعركة لا يتمسحون بالشهداء " (19) .
8- "السياسة لا ترحم " (20).
9- " مخ النساء مثل مخ الرجال . شعيرات وخلايا عصبية . وتلافيف متعرجة ، هذه أمور مادية ياباشا ، يمكن وزنها وقياس حجمها ، أما الوعى فشيء آخر تماما ، هو محرك التاريخ ، والتاريخ لا يمكن وزنه وقياس حجمه ، وإن كان متمثلا أمام أعيننا في قصور وطرق ومشروعات ، وجيوش ، وأسلحة ." (21) .
10- " قلب الأم دليلها ، الخطر يحيط بها من كل جانب ، ومعرفتها بالتاريخ تؤكد لها أن حريق عاصمة البلاد نهاية لعمر بأكمله " (22).
11- لا شيء تغير !! هذا ظاهر الأشياء . العجلة دارت / لن تدافع عن حركة الجيش ، لتستمع إليهن . هذا الشعب يحتفظ بحكمته من جيل إلى جيل . صراع بين الرفاق يكاد يودى بالحركة وقد انقسمت على نفسها بين مؤيد لحركة الجيش وبين معارض لها . سرق العسكر نضال الناس " (23).

ظاهريا تسند هذه المقولات للمؤلف / السارد ، ولكنها مضمونيا تحيلنا إلى شخصيات ترد المقولات في سياقها ، ويدور صداها في فلكها ، وتقدم دلالة عليها خلال مستويات متعددة خالقة إطارا عاما تتحرك فيه الشخصيات ، حيث تقوم المقولات بدور نصوص القانون المحرك للمجموعة البشرية مادامت على وعى به ، ولا يفوتنا ملاحظة الصيغة المعتمدة - أسلوبيا – صيغة أسلوب الشرط الآخذة صورتين :

- مباشرة : تجئ جملة الشرط مصرحا فيها بالأداة ، مباشرة التركيب ( المقولات من الأولى حتى الرابعة ) وتحمل معانى الترغيب والترهيب ، والحث وغيرها مما يمكن أن يكون على سبيل الإغراء أو التحذير .

- غير مباشرة : وفيها يتحقق معنى الشرط دون أركانه غير المصرح بها محققة معانى الصيغة السابقة،مضيفة إليها أنها تخلق نوعا من القيمة السارية مع خط الزمن (وهو ما يحدث مع تجاوز الزمن واستمرار التلقى للنص بعد سنوات من نشره للمرة الأولى حيث تستقر هذه المقولات في الأذهان طارحة قيمة متجددة تحتضنها الرواية عبر دورات تلقيها المختلفة ) .

- لقد خلقت المقولات مجموعة من محطات التأمل ، وزرعت أشجارا تظلل طريق المتلقي المؤول ، كما أنها أضافت نوعا من خبرة الزمن ، وتجلى الحكمة المصرية التي ترى الأمور ممررة عبر خبراتها الحياتية ، كاشفة عن بعض ملامح الشخصية المصرية التي تواجه أمورها بالنقيضين : الحكمة ، أو السخرية ،(24) وكلتاهما تفصحان عن حكمة الإنسان المصري بشكل خاص .

- وبخصوص قيمة النور : نجد ان الرواي يوظف لخدمة النص عنصر النور ، بوصفه العنصر الأكثر حضورا من بين العناصر الشيئية غير البشرية ، ليقوم بدور البطل غير الملحوظ ، حيث يلحظ غيره به ولا يلحظ هو بغيره ، فقد عول النص كثيرا على هذه الوظيفة بوصفها الوظيفة الكبرى الخالقة للوعى الروائي .

- تتجاوز مفردات النور (وخاصة الشمس ) قيمتها الدلالية بوصفها إشارة زمنية (تشير في حدها الدلالى الأدنى لزمن قرين مشهد روائى ،أو بنية صغرى من بنى الحدث ) ، هنا يلعب النور دوره معلنا عن قيمته الروائية المؤسسة على عنصرين :
- التكرار والتداول .
- السياق المشهدى .

- في الأولى يجد المتلقي نفسه إزاء عنصر متكرر عبر الفواصل السردية ، بداية من الاستهلال ذى الطبيعة الزمنية / الضوئية " صفار شمس العصارى " (25) ، ومرورا بـ " آلاف الشموس الصغيرة ترمى بأشعتها الناعمة وتغرق جناح الأميرة جويدان (26) ، وحتى الحضور الدال للسيدة بثينة عبد الجواد ، وبداية حركتها " وقد اشتدت الشمس في الخارج " (27) ، وتجاه مفردات : كالشمس ، الضوء ، النور ، وأخيرا النار.
و قد لعبت جميعها - بداية - وظيفة الكشف، فالمشاهد التي تتم تحت ضوء الشمس تغاير تلك التي تتم ليلا ( والروائى الممتلك حرية تشكيل البعد الزمنى لنصه يوزع أحداثه بصورة واعية ، ودالة ) ، وعندما ينبهنا الروائي إلى غرق عزبة عويس في صفار ضوء الشمس فإنه يشير إلى ذلك النور (الوعى) الذي تغرق فيه العزبة ، ذلك الوعى الآخذ في الأفول ، لذا وقف الجميع موقف المتفرجين إزاء أفعال اللواء عويس ( بوصفه نموذجا سلطويا ) ، ومنها مشهد جلده " كرامة " (لاحظ الاسم الدال ، غير المحتاج للتأويل ) ، ومن ثم كان على الراوى أن يحاول إعادة الأمور لنصابها ، فالمجتمع الذي يعمل الكبار – عمدا أو إهمالا - لتخريبه ، أو هكذا تفضى أعمالهم ، لابد له من استعادة هويته ، وقد جاء حدث جلد الباشا عويس لكرامة موازيا أو معادلا لهذا المجتمع في صورته هذه ، وقد كان للوعى الناهض لدى كرامة الحد الفاصل على مستوى النص في تحوله للبحث عن طريق ، تمثل واضحا في سرحان السقا الذي كانت عملية الجلد نقطة تحول في حياته ، تحول من المرحلة المائية للمرحلة النارية ( سنفصل القول في هذاالجانب لاحقا ) .

- ويكاد رد فعل كرامة تجاه شمس الصباح يكون صورة لما يحدث للمجتمع ، أو للواقع آنذاك " شمس الصباح العفية تبخ هبابا في عينى كرامة ولد سرحان السقا ، وهو مكوم على شط الترعة على بعضه كشوال الجلة . أضاءت الدنيا ، ولمعت غيطان عزبة عويس ، وبلل الندى النباتات وأوراق الشجر فلمعت ، وعيناه تريان سوادا ، ولسانه يلوك فقرات من قصيدة الأرض الخراب لإليوت في لغتها الأصلية وقد خانته بعض المقاطع وحرف كلماتها في مقاطع أخرى "(28).

- ويشكل العنصر المتداول نوعا من البناء التراتبى للدلالة المؤسسة عليه ، طارحة صيغة إيقاعية متكررة ، أو عزفا متواترا في نطاق النص الروائي ، حيث تبدو بوصفها الخلفيات ، أو القماشة التي يتشكل فوقها/ منها الحدث بكل ما يضم من تفاصيل ، كما تبدو في حالة سكون

-وفى الثانية تكون كل مفردة منها مؤدية دورا سياقيا يرتبط بمشهد ما ، أو بموضع ما في سياق النص .العناصر في هذا الجانب لها قوة الفعل ، متحركة ، فاعلة بقدر ما يمنحها النص من قوة للفعل، وقد أحسن الروائي توظيف العنصر الذي ليس بإمكان المتلقي تجاوزه عبر رحلته مع النص.

- هنا نحن أمام كاميرا الراوى وقد وجهها لعنصر بعينه ليكون محركا لغيره ، أو ليكون دافعا للحدث ، فالشمس (على سبيل المثال ) تتجاوز الدور الساكن الذي تبدو فيه خلفية للمشهد ، إلى الدور الذي تكون فيه محركة للنص عبر تحريكها للحدث أو لشخصية من الشخصيات .

- " وكلما حميت الشمس وسخن صهدها ، أحس كرامة بالعرى ، وماذا يفعل ؟! وكيف ينتقم لنفسه ؟ هل يرقد للباشا في الذرة ؟! أم يحرق له الزرع ؟!" (29) .
والنار يبدو دورها التطهيرى في حريق القاهرة الذي ظهر بوصفه مخلصا القاهرة من أدرانها ، وبوصفها الحدث الفاصل الذي كان لابد أن يحدث في موضعه وقد بات الوضع في حالة لا يمكن تجاوزها إلا بالتطهير عبر النار .


- وبشأن المرأة / القيمة : " قلب الأم دليلها ، الخطر يحيط بها من كل جانب . ومعرفتها بالتاريخ تؤكد لها أن حريق عاصمة البلاد نهاية لعمر بأكمله ، لكنها خائفة من الجديد الذي سوف يقام على جثث عديدة " (30) .

- هكذا تظهر بثينة عبد الجواد في الربع الأخير من أحداث الرواية ، لتجعل المتلقي يعيد النظر في الشخصية النسائية ، والوجود الأنثوى عبر الرواية ، ورغم أنها لم تكن مشاركة بصورة مباشرة فاعلة في سير الأحداث ولكنها تظهر مؤخرا لتلعب مجموعة من الأدوار ذات الفاعلية في سياق النص :

- أولها : يطرح ظهورها المتأخر حكمة الشخصية التي لابد أن تمارس النص / الحياة لتكشف عن حكمتها في النهاية ، وقد جاءت بثينة عبد الجواد لتخلق توازنا في سياق الشخصيات .

- ثانيها : تلعب أدوارا تتوازن مع غيرها من الشخصيات النسائية ،وإن تعددت فهى تمثل :

1- خلفية مرجعية للدكتورة أوديت التي لم يكشف النص عن أسرتها بالدرجة التي يتكشف للمتلقى منابعها المانحة حب الوطن ، والانتماء له ( لقد أراد الراوى أن يفتح أفق الشخصية النموذج ، حيث تكون مرجعية الدكتورة أوديت متصلة بامرأة غير أمها ، فاتصال مرجعيتها بأمها أو الكشف عن أصولها من شأنه أن يجعل بذرة الوطنية في أسرتها فحسب ، وإنما أراد الراوى أن يجعل من فكرة الانتماء ميراثا متحركا في الشخصية المصرية ،ليس مقتصرا على الرجل فحسب ) .

2- الهدوء والحكمة في مقابل ثورة الدكتورة أوديت واندفاعها في كثير من الأحيان ، بحيث باتت الشخصيتان – بما تملكان من معرفة وعلم - وجهين لعملة واحدة ، في مقابل الشخصيات النسائية الأخرى التي يمكن تصنيفها إلى صنفين مغايرين : فتيات القصر ، والإنجليزيات- باستثناء مارجريت سنكلير - ممن يأخذن الحياة بوجهها الترفيهى ، والفلاحات بما يسيطر عليهن من جهل ، وتخلف ( يرجى العودة لشخصية ستهم زوجة العمدة،وأم حبيبة زوجة عكاشة بوصفهما نموذجا لهذا النوع ) .

3- الأم في جانبها الرمزى ، وقلبها في إحساسه بالخطر ، مما يؤهلها لتكون صورة مجازية عن الوطن في خوفه على أبنائه المنتمين له ، وهو التمثيل الواضح الذي يجعل من بثينة عبد الجواد نموذجا أموميا له قيمته على مستوييه الحياتى والنصى .

- ثالثها : يكون ظهورها ممهدا لظهور شخصيتين لهما دورهما الفاعل ، وإن لم يمنح النص لهما مساحة كبرى على مستوى المساحة الممنوحة للشخصيات الروائية المختلفة ( وهما ابناها الضابطان ، بوصفهما ممثلين لأبناء الوطن من رجال القوات المسلحة ، كما يمثلان جيلين متتاليين يعملان لخدمة الوطن ) ، وقد أجاد الراوى في طرح الشخصيتين بقدر من العناية بالجانب الرمزى أو عبر منحهما من الملامح ما يرتفع بهما لدرجة الرمز ، وهو ما ينبنى على :

- كونهما غير محددي الملامح ، فلم يرد الراوى أن يكونا شخصين لهما ملامحهما الحاسمة التي يمكنها أن تغلق الباب أمام فكرة النمذجة ، لذا تتعامل الأم معهما بوصفهما ، الابن الأكبر ، والابن الأصغر دونما أسماء تشكل علامات فارقة .

- استثمار الراوى الشخصيتين في بث إشارات لها خطورتها ، تتمثل في الخلاف بين الإخوة حول تفسير حريق القاهرة :" دارت بعدها مناقشات حامية بين الأخوين . اتهم ابنها الأصغر الملك بتدبير الحريق للتخلص من حكومة الوفد وضرب حركة المقاومة الشعبية في مدن القنال . وابنها الأكبر يؤكد أن جلالته كان خائفا وقد فزع عندما وصلته أنباء الحريق ، وليس من المعقول أن يحرق الملك عاصمة ملكه ليتفرج عليها وولى عهده عمره سبعة أيام " (31) . وهو ما يكشف عن رمز واضح يقف بنا على إخلاص الجيل السابق للملك ، وأن جيلا جديدا يرى خلاف ذلك، وهو جيل قادر على توجيه الاتهام ، ووضع الآخرين / السابقين الكبار في وضع المدافع ( وهو ما فعله الابن الأصغر وقد وضع أخاه الأكبر في هذا الموضع ، ويلاحظ أن الراوى يؤكد الفكرة ، وقد استثمر الطاقة الدلالية للتقديم ( تقديم صوت الأخ الأصغر /الاتهام على صوت الأخ الأكبر المدافع ) .

- رابعها : القيام بدور المراقب المتأمل ، الممتلك خبرة ووعيا يمنحانه القدرة على التفسير والتأويل ومن ثم الوعى بما يدور وما يمكن أن يكون متواريا هناك خلف ما هو ظاهر ، لذا كانت حركة بثينة عبد الجواد على قدر كبير من الدقة أحسن الراوى تقديمها ، وتحريكها لخدمة القيمة التي وظفها لها ورغم أن ظهورها كان مباغتا للقارئ الذي كاد يستنيم للشخصيات الروائية متآلفا معها دون أن يتوقع ظهور شخصية جديدة ، فإنه (القارئ ) لا يلبث أن يتآلف معها بعد السطور الأولى عنها : " تحس السيدة بثينة عبد الجواد المفتشة السابقة لمادة التاريخ بوزارة المعارف العمومية بالقلق طوال اليوم لسبب غامض . في الصباح قالت لنفسها : هذا يوم شديد الحرارة وشديد الرطوبة . وفتحت نوافذ الشقة لتهويتها ثم أغلقت شيش النوافذ لمنع الصهد من التسلل إليها وقد اشتدت الشمس في الخارج " (32).

- لقد كانت حركتها – في جانبها الرمزى - محسوبة لصالح الوطن ، فهى ربة البيت المثقفة الواعية التي تعد نموذجا للمرأة / الأم / الوطن ، ولم تكن معرفتها بالتاريخ (دراسة وتدريسا ) قيمة مجانية أو مهدرة ، فهل خرج أبناء مصر ، أبناء القوات المسلحة من رحم غير رحم التاريخ ؟ ( وهو الدور الرمزى الذي يتحقق في ابنيها الضابطين ) .

- بثينة عبد الجواد عبر هذا الطرح تمثل الشخصية التي كان لابد لأحداث الرواية أن تنتهى إلى إنتاجها ، أو التعبير عنها كاشفة عن أدوارها غير المحدودة ( المتعددة بتعدد التأويلات النصية )

ايوب صابر 04-09-2015 01:46 PM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم- 92 - 1952 جميل عطية إبراهيم مصر

- يقول : لا أكتب عن سويسرا أو أوروبا، إنما اكتب عن مصر والمهمشين، وأقدم كتاباتي لقارئ عربي، لهذا لا اهتم بترجمة أعمالي، فهي مكتوبة لقارئ أعرفه جيداً، أما وهم الكتابة لغرض الترجمة.. فهذا ترف لا يشغلني! فأوروبا تشغلها قضايا أخرى،

- ولا اعتقد ان كاتباً أجنبياً يمكنه مخاطبة قارئ أوروبي، كما أنني أكره تلك الكتابة التي تحول الشرق إلى حديقة حيوانات ليتفرج عليها مشاهد أوروبي من الخارج!".

- وقال جميل عطية في حديثه إلى "ثقافة اليوم": اعتقد ان الكاتب تترجم أعماله إذا فرض نفوذه الأدبي في موطنه أولاً، فنجيب محفوظ نفسه ترجمت أعماله بغزارة بعد أن فرض نفوذه الأدبي في الشرق أولاً وحاز على جائزة نوبل.

- والغالب في مصر وكافة الدول العربية - يقول جميلة عطية - ان الحالة الثقافية لا تسمح بهذا الفرض لنفوذ الكاتب، فالكتابة الجادة محل تجاهل متعمد، ولا تأثير لكاتب على مسارات العمل السياسي في بلده، ورعاية الإبداع غائبة على الرغم من كافة المظاهر السائدة. إن الأمر المهم هو سماع ما يقوله الكاتب، وإذا حدث ذلك فأعتقد ان كتاباتي سوف تترجم!

- إنني كتبت كثيراً عن ثورة 1952، والحديث عن هذه الثورة مرفوض في الغرب، فهل هناك واحد على استعداد لسماع شيء عن مصر عبدالناصر؟! لا أظن.

- ولمن يود ترجمة أعماله ورواياته بسرعة البرق أن يروج لزيارة إسرائيل أو يتناول فتنة طائفية في حي من أحياء القاهرة في رواية أو يتحدث عن ختان البنات، فهذه الأمور يسيل لها لعاب المترجمين حتى إذا كتبت بأقل حد من الحرفية!

- ولكن هذا لا ينفي أن هناك دوراً للنشر قد ترجمت أعمالاً مهمة مثل كتابات إدوار الخراط وجمال الغيطاني وبهاء طاهر وصنع الله ابراهيم وسلوى بكر وغيرهم، ولكن في المحصلة تعتبر هذه النجاحات في الغرب محدودة.

- وحول أبرز تحديات الكتابة في الغربة يقول الروائي جميل عطية ابراهيم: الكتابة في الغربة محنة، نظراً لغربة المكان وغياب الأحبة. وربما تأتي ساعات يفقد فيها المرء القدرة على التعبير بلغته الوطنية الأصلية، وقد كان من حسن حظي أنني رفضت الارتباط بعمل في سويسرا، وبدأت في مراسلة مجموعة صحف ومجلات مصرية وعربية إلى جانب عملي الاذاعي، وهذا يتطلب التعبير باللغة الأم،

- وكنت في بعض الشهور أشعر بافتقادي للغة، فأعود إلى القاهرة لسماع لغتي وزيارة ملاعب الصبا والشباب، فهذه الأمكنة هي زادي في الكتابة الروائية. خزانة التحدي!


ايوب صابر 04-09-2015 02:13 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 93- طيور أيلول أميلي نصرالله لبنان
- إملي نصر الله هي أديبة لبنانية ولدت عام 6 يوليو 1931 في قرية الكفير جنوب لبنان نشرت عددا من الروايات والمجموعات القصصية للاطفال وحصلت على جوائز عديدة منها جائزة الشّاعر سعيد عقل في لبنان وجائزة مجلّة فيروز وجائزة جبران خليل جبران من رابطة التّراث العربيّ في أوستراليا وجائزة مؤسّسة العالميّة لكتب الأولاد على رواية “يوميّات هرّ”

- تلقت تعليمها الجامعي في جامعة بيروت (حاليا أصبحت الجامعة الأمريكية في لبنان) وحصلت على شهادة الماجستير سنة 1958

- عملت كروائية، صحفية، كاتبة مستقلة، معلمة، محاضرة، ناشطة في حقوقِ المرأة.
أول رواية لها نشرت عام 1962 (طيور أيلول) وحازت على 3 جوائز أدبيه (افضل رواية – جائزة AKL – جائزة أصدقاء الكتاب)، وترجمت العديد من رواياتها إلى الإنجليزية والفرنسية


- عند أملي نصر الله نبع إبداع أدبي لا ينضب مصدره القرية وطبيعتها، وهو متجسد بأعمالها.

- إلا أنه يبلغ ذروته في روايتها "طيور أيلول".

- فهذه الرواية، إلى جانب روعة صورها الفنية،

- وإلى جانب ثراءها التعبيري والبلاغي والتصويري واللغوي،

- إلى جانب كل ذلك، فإن طيور أيلول تمثل في إحدى جوانبها دراسة اجتماعية لعادات وتقاليد أهل تلك القرية،

- وفي جانب آخر، هي تمسّ وببراعة عالم النفس الإنسانية بكل طموحاتها المؤجلة والمعجلة، وبكل أمانيها المقهورة والمبتورة، وبكل معاناتها التي وكما هي بقعة سوداء في حياة بطلة أملي،

- هي إلى ذلك بقعة ضوء أكسبت تلك الرواية سمة الواقعية، وأغنت عالم الرواية بالكثير من التجارب الإنسانية.

- طيور أيلول، رواية لإميلي نصرالله، واحدة من الروايات التي اختارها اتحاد الكتاب العرب ضمن قائمة أفضل مئة رواية في تاريخ الأدب العربي.

- إنها قصة الشباب بطموحه وآلامه، والشيخوخة برضاها واستسلامها.. الأرض تعيش وتتألم أيضاً كامرأة.. والبشر يرتطمون بقدرهم قبل أن يتشظوا بعيداً في قلب المغامرة.


- رفضت الكاتبة في هذه الروايا جميع التقاليد والأعراف، نسفتها بنقدها لها، تكلمت عن أحلام الشباب، الخروج أبعد من القرية، حلم المدينة، الحب الذي تختاره البنت وليس أهلها، التقاليد والأعراف البالية التي تدخل مظلوميها قفص الحرمان والذل ..

- هي ثورة على التقاليد البائدة السائدة في تلك الحقبة، في العام 1962

- كتب عنها المستشرق الهولندي ( يان بروخمن): إنها واحدة من أفضل الروايات التي كتبت باللغة العربية وتجمع المؤلفة فيها بين المقدرة الفنية الغنائية في التعبير وبين الوعي الاجتماعي.

- كتب عنها ميخائيل نعيمة: معرض فني للقرية اللبنانية في شتى مظاهرها … إنه لكسب كبير للقصة في لبنان.


ايوب صابر 04-10-2015 10:41 PM

تابع ...
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 93- طيور أيلول أميلي نصرالله لبنان


- رواية، من بدايات الروايات اللبنانية، التي أسست لاحقا، لشريحة واسعة من أدب حول الهجرة والرحيل، حول هذه القصة التي خبرها اللبنانيون في جميع حقباتهم، والتي لم تتوقف حتى الآن عن استعادة تفاصيلها كل فترة، وكأن الهجرة والرحيل صفة ملازمة لهذا البلد، الذي لا يتوقف لحظة عن اختراع أسبابه الموجبة، للذهاب بعيدا، إلى أقصى منفاه.

- زهيدة جبور تطرقت في كلمتها إلى مجمل التمفصلات التي اجتازت أدب نصر الله حيث «فسحات الحلم ومساحات الهواء» لتجد أن الكتابة عندها «ليست قناعا بل حقيقة الذات».

- بينما جنحت مداخلة طعمة إلى التمييز بين كتابة نصر الله الصحافية في بداية مشوراها الأدبي وبين رواياتها اللاحقة وأقاصيصها التي استفادت من الصحافة وواقعيتها.

ايوب صابر 04-11-2015 10:45 AM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 93- طيور أيلول أميلي نصرالله لبنان


- على الأرجح، أن عقد الستينيات وما سبقه، قد شكّل على مستوى الإبداع الروائي بشكل خاص، أحد الملامح الهامة لرؤية تحولات الأدب النسوي، وما سبقه من إرهاصات ضرورية، حيث إن أصواتاً نسائية بعينها قد أسّست لخصوصيتها وفضاءاتها اللاحقة مع تواتر العقود،

- فالخطاب الروائي النسوي في تعالقه مع قضايا وإشكاليات عدة، كان خطاباً مشتركاً لجهة طابعه السياسي والاجتماعي والإنساني، فالمسألة لا تنحصر في محدودية تلك القضايا، أو اتساعها، أو درجة التباين فيما بينها فحسب، بل في هواجسها المشتركة، ولاسيّما صورة المرأة وإكراهات تغييب صوتها وحضورها، والبحث عن كينونتها، كشرط لتحررها، خطاب أفصح عن وجهات نظر لا تقتصر على حاجات المرأة الآنية، بل تعدّى ذلك، ليقارب مشكلات مجتمعية حاسمة ومتداخلة وسط بنية ثقافية شاملة تقصر دور المرأة على المستوى الثقافي والاجتماعي، إلى أدوار ثانوية ودنيا، لا تمثّل طموحها وتوقها، ولا ترقى لأسئلتها الجريئة المتوضعة في متون سرديات مثّلتها بامتياز كوليت الخوري وليلى اليافي، ولطيفة الزيات وحياة بيطار، وماجدة العطار وسواهنّ، وبخصوصية لافتة بزغ اسم إملي نصر الله.

من مقال بقلم جهينة- أحمد علي هلال:

- عُرفت إملي نصر الله صحفية، تكتب التحقيقات الصحفية والزوايا الأدبية في مجلة المرأة والصياد اللبنانية بين عامي 1955-1970، وتقارب فيها هموماً وتجليات اجتماعية وفكرية وإنسانية، ما شكّل بحساسيته زخماً، لتدفع روايتها الأولى – طيور أيلول- إلى سطح المشهد الثقافي، ولتشكّل له مفاجأة سارّة،

- رواية تأسيسية حظيت باهتمام النقاد والكتّاب والمثقفين، والإعلاميين، ولاسيّما أن عنوانها اللافت قد فتح السجال إزاء قضايا شغلت المجتمع اللبناني، ومنها قضية الهجرة إلى المغتربات،

- ترى ما الذي دفعها لكتابة تلك الرواية، هل مجرد الحنين للقرية، وهي المتحدرة من أصل قروي وجذور ريفية- كوكبا- ولاحقاً انتقالها لقرية الكفير المجاورة لكوكبا في جنوب لبنان، أم هجاء المدينة؟! وهي قد سكنتها، لتعود إلى قريتها، كما عودة بطلتها «منى» في نهاية روايتها الأولى، القرية ستصبح مدونتها المترعة بسحر خالص وبعفّة لا نظير لها، محمولة على شغفها الخاص بحكايات جدتها ونظيرتها في الرواية «حنة» الحكّاءة البارعة.

- إن عفة القرية وشعرية فضاءاتها ستسفر عن حامل جمالي على مستوى اللغة والتركيب والمفردات وسعة المتخيّل، وتلّون فصيح اللغة بالشفوي والمتداول، وبالاتكاء على أساطير تتعالق مع المحكي الروائي، لتزيد جرعة الإبهار والدهشة، بمعنى تخصيب النص بالدلالات، فالمتخيّل في مقابل المعاش...

- لقد انتزعت إملي نصر الله امتياز الرواية «كبنت للمدينة» فكانت روايتها طيور أيلول هي بنت للقرية بامتياز،

- إذ هي ليست مجرد مكان فحسب، بل مرحلة خصبة لتحول وعي نسوي بالفن والمجتمع، وبهذا المعنى فإن- طيور أيلول – هي نموذج مكاني مفتوح على تشكيل سردي، درج عليه غير ما نص عربي، كان الريف أو القرية بطلها ومكوّنها القصصي والروائي النوعي.

- ولدى إملي نصر الله، يفيض الريف «القرية» كعلامة سردية ساطعة، بأصوات الذاكرة الأولى ولاسيّما جدتها لأمها، تقول الكاتبة: «إن جدتي هي زاوية السحر في حياتي، لها طريقة فريدة في القص والحكي، وعندما كبرت كان لابد أن أقول للعالم قصتي عرفت طريقها من حكايا جدتي».

-فضلاً عما يتكشّف في الرواية من موضوعات، بملاحظة السياق التاريخي: الهجرة والحب ورهانات العواطف وهجاء المدينة، والثورة على التقاليد، وعبر مشهديات متواترة بدلالة الطيور المهاجرة التي تمر فوق القرية، وتسجل نقطة جديدة في دائرة الزمن،

-إذ نتعرف على الوجوه والأحلام «مرسال وراجي وأنجيلينا ومريم وفواز ونجوى ومنى» شخصيات تصارع أسواراً عالية من تقاليد ومفاهيم وأقاويل وقصص حب مكتومة، فالقرية تحيا على الحب وتعيش حكاياته في الفصول الأربعة لكنها تأبى أن تسمع أخبار الحب!.

- ثمة تبادلية تحكم إيقاع الرواية، تتمظهر في ثنائيات لاحقة، الرجل والمرأة، الموت والحياة، الحب والكراهية، القرية في مقابل المدينة، «اندحار الحياة ليبسط الموت أجنحته القوية..

- هي رواية الشرق حينما يستسلم للعاطفة ويدور في محرابها ناسياً كيانه ومنطقه وتفكيره».

- وهذا ما يجعلها تنطوي وفق تلك المقتربات على استعادة لحظات هاربة وتسجيل ذكريات وصور حلوة، لكأنها تستبطن سرداً ذاتياً مقنعاً، فمنى «الساردة» هي إملي:

- «أنا منى في هذه القصة ولدت وعشت صباي في قرية صغيرة، تنفست حياة القرية نسمة، نسمة،»

- ثمة ما يماهي بين اللعبة الروائية، والجهر بشهادة على زمن ما، منى الباحثة عن الغد تستظهر دفاع الأنثى عن ذاتها، هل هي لغة الضعف؟! لتتوق إلى الحرية وتتحسّس وجودها المستقل إلى الانفلات مع ذاتها المنفصلة عن الجميع، ولتدفع الصراع إلى ذروته «المدينة تمسخني والقرية تنكرني» فالغد أكبر من الحاضر والحلم أعظم من الواقع،

- ولهذا تمتلك طيور أيلول حساسيتها وخصوصيتها، ليس لجهة الأسلوب واللغة والرهان على جماليات المكان «القرية» فحسب،

- وإنما لجهة نزوعها الرومانسي،

- وأبعاد واقعيتها الفنية،

- وأمثولتها لمشهد عربي معاصر،

- وإثارتها لقضية الحدود التي يمكن أن تقوم بين فن الرواية وفن السيرة أو المذكرات،

- ومدى ما يستفيده الروائي – الروائية من استعارة الأحداث الواقعية وحياة بشر حقيقيين.

- عكس تلقي رواية طيور أيلول مستويات نقدية متعددة تستبطن حفاوة واختلافاً لافتين،

- منها ما فتن بسحر مرجعها الروائي،

- ومنها ما كان أسير سطوة وغواية اللغة وتشكيلاتها الباذخة،

- ومنها ما فارق الرواية في مستوى تجنيسها وانتمائها لحقل الرواية، فهي أقرب للعمل الشعري منها إلى الصنيع الروائي الحقيقي،

- وثمة من يرى بأنها تلتقي مع تيار الرواية «البيسكولوجية»، التي مثلتها روايات دستويفسكي وجويس وفرجينيا وولف،

- واللافت مقارنتها بفرنسوا ساغان الروائية الفرنسية الشهيرة، حيث فارقتها إملي ليس بالمعنى الثقافي، بل بالمعنى الأخلاقي والفكري.

-وذهبت آراء ودراسات لتقول بأنها مجموعة لوحات وذكريات عن قصص جرت في القرية، وبأن الكاتبة قست على المهاجر.

- إن أكثر الدراسات إنصافاً للتجربة الروائية الأولى لإملي، جعلت منها محاولة فنية جريئة، ورمزاً للأدب الواقعي الحر والرفيع وهي بمثابة «غرازيلا» للامارتين في الأدب الفرنسي،..

- وبالطبع ثمة من قرأ تأثير جبران خليل جبران في روايتها، وأنكر عليها استدخال «العامية» اللسانية في روايتها؟!

- ومهما يكن، فإن عنصر البناء القصصي في الرواية سيظل منزاحاً إلى تجريب فني وخيارات أسلوبية مفتوحة طالما أنها رواية تأسيسية،

- اللافت فيها صورة المرأة والنماذج النسوية التي تغري التأويل، لينفتح على سؤال ضروري هو كيف تنظر الكاتبة إلى المرأة، وكيف تشكل نموذجها النسوي في وعيها ولا وعيها، ذلك أن استخلاص النقد الحديث في مقاربته الذكية ومنهجه الدقيق لعمل أدبي لا يحكمه تصورات مسبقة.


- تقول د. الباحثة والناقدة بثينة شعبان في كتابها 100 عام من الرواية النسائية العربية: «طيور أيلول واحدة من الروايات القليلة في الأدب العربي التي تعتبر القرية مركز اهتمامها، وتعبّر عن حب كبير للتربة والأرض والناس، وتقترن بنظرة عميقة ترفض التقاليد السلبية وتحذر من نتائجها... وجوهر الاهتمام ليس مجرد وضع النساء، بل هو الإصلاح الاجتماعي والسياسي، ولهذا السبب يصبح تحرير المرأة ضرورة وطنية وسياسية».

- فهل حملت طيور أيلول سمات الأدب اللبناني، واستطاعت الصمود أمام اختبار الزمن وتغير الحساسية الأدبية؟!

- ذلك ما يتواتر من أعمال لاحقة أعقبت «الحجر الأساسي لمخطط إنتاجها الأدبي» فكانت شجرة الدفلى، والرهينة، والجمر الغافي، والمرأة في 17 قصة، وخبزنا اليومي، ورياح جنوبية وغيرها من الروايات والمجموعات القصصية، والمؤلفات الخاصة بالناشئة.

- وبمعنى آخر ثمة تطورات حملها أدب إملي نصر الله ومراحله، بدءاً من الرومانسية وصورة المرأة المستلبة، إلى الواقعية والصورة المتغيرة للمرأة،

- إذ أن الكاتبة لديها ترصد حراكاً مجتمعياً واسعاً دون أن تخرج من موضوعاتها الأساس القرية، لتؤرخ بالأدب شتى التحولات النسوية، بتعدد نماذجها التي قاربها الدرس النقدي ووقف على استخلاصات حصيفة، ليواكب المغامرة الروائية لدى إملي نصر الله، المغامرة المديدة بعلامة ثانية انكشف فيها اسم القرية صريحاً، كما في روايتها التي صدرت بعد اثنين وثلاثين عاماً على صدور طيور أيلول، بعنوان «الجمر الغافي» إذ تنزع الكاتبة الأقنعة الداخلية والخارجية لوجه «حارة الجورة» وحكاياتها الكثيفة، لتكشف حقيقة الزمن وتواشجه مع الذكريات الجارحة، وتذهب أكثر في استكشاف «ظلام القهر وعجز البراءة» ونموذجها الدال «ليا» التي لم تسع إلى اختراق الدائرة لتقف في وجه الشمس وبقيت متوارية خلف فرح غامض في ذاتها.

- وإذا كانت إملي نصر الله لم تخرج عن ثيماتها في عديد رواياتها، وتنوع شخصياتها، فهي تدلل على إعادة اكتشاف ذاتها عبر أصواتها النسوية، وأصالة مرجعها ومدى ما عُبّر عنه من منظومات نفسية واجتماعية للمرأة الريفية والإنسان الريفي، ليكون «وثيقة» ريفية تضيء حلقة من حلقات تاريخ يكاد ينسى ويتشظى، فصورة المرأة في رواياتها تعكس صورتها في تحولات بنيوية واجتماعية وفكرية، قوة مثالها تلك العمارات الروائية الكلاسيكية الواسعة الشرفات صوب فعل الزمن وتحول المصائر، وتوهج التمثيل اللغوي ليخلق المعنى من طيور تمارس تحليقها القلق المرتعش والحذر.
إ
- ملي نصر الله تفتح تلك الأبواب الأسطورية أمام المخيلة، أبواب أغلقتها في وجوههم شيطانة ساحرة «المدينة»، سعياً ربما وراء زمن مفقود وآيل للنسيان، لتروي حكاية الشغف الإنساني بامتزاج «طائر من أيلول» بذرات التراب الأحمر، ليوقع مدوناته في هجرته إلى الحضور، وهو ينتظر زمنه الآخر ليُقرأ «كذات» في بوحها وغنائها ونشيدها المتصل.

- كتب لها الأديب اللبناني ميخائيل نعيمة إثر نشر روايتها الأولى «إن كتابك لكسب كبير للقصة في لبنان».

- لقبت أثناء دراستها الجامعية بالفيلسوفة المتشائمة.

- يعتبر كتاب الناقدة والباحثة اللبنانية زينب جمعة «صورة المرأة في الرواية لدى إملي نصر الله» باعتماد عدة مناهج، ولاسيما المنهج البنيوي، الذي يعد كل رواية بنية قائمة بذاتها، تتضمن عدداً من العناصر التي تتفاعل فيما بينها في علاقات لتؤدي وظيفة ما، من أبرز الدراسات الجادة بمنهجها ودقة استخلاصاتها وصفاء لغتها النقدية المقارنة.

- عللت الكاتبة عدم موافقتها على تمثيل قصصها في التلفزيون، بالخشية ألا يحافظ التمثيل على المستوى الأدبي للعمل.

- صرحت أن مصدر قصتها الأولى جدتها روجينا، وخالها أيوب أبو نصر الذي كان عضواً من أعضاء الرابطة القلمية.

- أهم أصدقائها من الأدباء ميخائيل نعيمة وغسان كنفاني.

- ترجمت بعض أعمالها إلى الانكليزية والألمانية والدانمركية والهولندية والإيطالية منها: طيور أيلول، الإقلاع عكس الزمن، الرهينة، ويوميات هرّ.

- نالت الأديبة إملي نصر الله عدة جوائز: جائزة سعيد عقل عن كتابها طيور أيلول ومما قاله الشاعر عقل في المناسبة: «سبر أغوار، ومسحة حزن لا تنقطع ولوفي الفرح وغالباً بث شعري أخاذ، وفي الحالات جميعاً، قلم نظيف كأنما القدر نفسه عجز عن تلطيخ الجمال في لبنان... الأرض تعيش وتتألم كامرأة تحب».

- منحت جائزة جمعية أصدقاء الكتاب في لبنان لأفضل رواية عام 1962.

- جائزة مجلة فيروز لأعمالها الإبداعية عام 1983، وجائزة جبران خليل جبران من رابطة التراث العربي في أستراليا عام 1991.

- وفي مجال أدب الأطفال، جائزة الهيئة اللبنانية لكتب الأطفال عام 1998 عن كتابها يوميات هر، الذي اختير في العام نفسه على لائحة الشرف من قبل الهيئة الدولية لكتب الأطفال «ibby».
كتبت في السيرة والسيرة الذاتية، «نساء رائدات من الشرق والغرب في ستة أجزاء وكتاب في البال».
- روايات إملي نصر الله، مرحلة جديدة في تاريخ الرواية العربية.

ايوب صابر 04-14-2015 09:52 AM

تابع ..والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 93- طيور أيلول أميلي نصرالله لبنان


- إميلي نصرالله - قلم يرشحنضارة وجمراً


- أقلعت عكس التقاليد والظروف وجسدت مسيرة النضال المبدع

- تختصر إميلي نصرالله باقة من الرموز والقيم لها في وجداننا مساحات رحبة.

- من سفححرمون انطلقت فتاة يافعة، في نفسها جمالات الطبيعة ونقاوتها، وتوق للانطلاق عل ىدروب المعرفة والأدب.

- حملت موهبتها وعزمها وبدأت نضالها باكراً،

- روّضت الظروف الصعبة لتتابع دراستها.

- في الكلية الوطنية «سرقت» كتب جبران ونعيمة من المكتبة لتشبع نهمها للقراءة.

- وعلى ابواب الجامعة كان عليها ان تناضل من جديد، فعملت بعزم الجبابرة في التعليم والصحافة لتغطي تكاليف دراستها.

- إميلي نصرالله صاحبة القلم الذي يرشح نضارة وألقاً، تواصل مسيرتها الأدبية بشغف الانطلاقة الأولى.

- بين يديها اليوم رواية جديدة، وعلى رفوف المكتبات عشرات الكتب التي تحمل توقيعها روائية وقاصّة وباحثة، وفي الحالات كلها مبدعة ترحب الجامعات والمنتديات بأدبها، وكتبها ترجمت الى العديد من لغات الأرض.

- تعتبر إميلي نصرالله أن المرأة تتفوّق على الرجل، لأنها الحياة وتشارك الله بصنع نعمة الحياة.

- وتقول عن لبنان: «إنه غني بمبدعيه، وهو «مشتل للإبداع» أعطاها الكثير، كما أعطتها قريتها مخزوناً لا ينضب.

- ولدت إميلي نصرالله العام 1931 في بلدة كوكبا الجنوبية، وهي الإبنة البكر لعائلةمؤلفة من ستة أولاد. والدها السيد داوود أبي راشد من كوكبا، ووالدتها السيدة لطفىأبو نصر من الكفير، البلدة التي استقرت فيها العائلة بعد ولادة إميلي بقليل. عاشت إميلي نصرالله طفولتها كغيرها من أطفال القرى، فقد عملت في الحقول، وشاركت في جني المواسم، من قطاف الزيتون الى حصاد القمح وسواهما، فأغنت هذه الحياة ذاكرتها.

- مع الحرف الأول الذي تلقنته ابنة الست سنوات، بدأت رحلة المعرفة لديها ورحلة غرام بالكتاب، لكن شوقها للمعرفة كان سابقاً لدخولها المدرسة، وهي تصف تلك المرحلة فتقول: «كان منزلنا مجاوراً لمدرسة القرية التي تستقبل تلامذة الست سنوات وحسب،وكنت أهرب من المنزل وانا في عمر الأربع سنوات، واسترق السمع من نافذة الصف وأحفظ الشعر والقصص... فكم حفظت من الأشعار وأسمعتها لوالدي وهو يجلس على المصطبة يشرب القهوة مع أصدقائه».

- لاحظ الموهبة الأدبية لهذه الطفلة، خالها الكاتب أيوب ابو نصر، وهو أحد زملاء الأديب جبران خليل جبران في الرابطة القلمية في نيويورك،وصاحب مقالات أدبية نشرت في الصحيفة التي كانت تصدر عن الرابطة في حينه.

- وبعد عودتهمن الإغتراب، اثر مرض عصبي ألمّ به، كان مرشدها الأول وموجهها نحو القلم والأدب، فكان يدعوها الى وصف جبل الشيخ وغيره من الأشياء، الأمر الذي وسّع آفاق مخيلةالطفلة المبدعة.

- بعد ان انهت دراستها في مدرسة القرية التي يقف مستواها العلمي عند الصف الإبتدائي الثالث، والذي درسته إميلي نحو ثلاث مرات، كتبت رسالة الى خالها الثاني،وهو رجل أعمال مغترب، عبّرت له فيها عن رغبتها في متابعة تحصيلها العلمي، شارحة ظروف أهلها المادية التي تحول دون دفع رسوم المدرسة الخاصة. بسرعة لبّى الخال المحب النداء، وتجاوب مع طموحها وأرسل لها شيكاً بالمبلغ الذي خوّلها دفع رسوم الكلية الوطنية في الشويفات.

- درست في هذه الكلية لمدة أربع سنوات، كانت الفترة التي تكوّن فيها حبها للأدب، فخلال سنوات دراستها تلك «سرقت» العديد من الكتب من مكتبة المدرسة وقرأتها في فراشها سراً، ومن أهم ما قرأته وقتذاك اعمال ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران الذي تأثرت به كثيراً.

- كان يتملكها في تلك المرحلة جوع للمطالعة والقراءة، لدرجة أنها اعتبرت أن أجمل هداياها كانت: «قصاصة مجلة أو جريدة تضع فيه اصاحبة الدكان «الملبّس» و«القضامي»، وتجد الطفلة فيها مادة مثيرة للمطالعة».

- الفضل في موهبة المطالعة لديها وتوجيه قلمها للكتابة الصحيحة في تلك المرحلة، يعود الى أستاذ اللغة العربية نسيم نصر، الذي علّمها تقنية الكتابة ووجّه لها «النقد اللاذع بقلمه الأحمر» على حدّ قولها.

- تأثرت به كثيراً، وأعجب بقلمها، ونشر مقالاتها الأولى في صحف عديدة منها، «التلغراف» بين العامين 1949 - 1950، كما انه كان يختارها دائماً للمشاركة في المباريات الخطابية والكتابية.

- كتبت إميلي نصرالله في تلك الفترة العديد من المواضيع الانشائية البدائية بطريقة جيدة، وكانت كتاباتها تلك مثقلة بالمشاعر الصادقة وبالوصف المخلص والدقيق للأشياء.

- نَشرُ مقالاتها في الصحف البيروتية، منحها الحافز للتطور والنجاح وروح التحدي، لكنه جعلها موضعاً لسخرية الصبية في المدرسة الذين راحوا يرحبون بها بالقول: «أهلاً بالأديبة».

- كان من المقرر، فور تخرجها من المرحلة الثانوية، ان تعود الى مدرسة القرية وتمارس مهنة التعليم فيها لعدة اعتبارات أهمها، عدم رغبة الأهل بذهاب ابنتهم الى المدينة للعمل ومتابعة تحصيلها العلمي بمفردها.

- ولكنّ شعوراً غريباً كان يتملّكها ويدعوها الى متابعة المسيرة ويحثها على الإصرار لتحقيق ذلك.

- توجّهت الفتاة الطموحة الى العاصمة بيروت، تحمل أحلامها وآمالها كلها بثقة وتحدٍ للحياة الجديدة التي تنتظرها.

- عملت إميلي كمدرّسة خصوصية واعطت دروساً لأبناء الأديبة ادفيك جريدينيشيبوب رئيسة تحرير مجلة «صوت المرأة» آنذاك، والتي كانت تكلّفها احياناً ترجمة بعض المقالات وكتابة البعض الآخر، وكانت الداعم القوي لها في انتقالها الىبيروت.

- مرحلة التحدي في العاصمة بدأت في المدرسة الأهلية في وادي أبو جميل، حيث استقبلتها مديرة المدرسة السيدة وداد المقدسي قرطاس العام 1955،ومنحتها فرصة السكن، مقابل تقديم ساعتي تعليم في اليوم.

- وهذا الأمر منحها فرصة الإنتساب الى كلية بيروت الجامعية يصي سابقاً - يصءجي حالياً، ولكن هذا العمل لم يوفر لها تأمين القسط الكامل، فعلى ابواب الجامعة كان كل ما بحوزتها خمس ليرات لبنانية.

- ولكن زميلتها في المدرسة جليلة سرور ساعدتها ودفعت قسطها الأول.

- وهكذا بدأت مسيرة التعب والجد، فبالإضافة الى مزاولة مهنة التعليم في المدرسة الأهلية،أعطت دروساً خصوصية، وعملت في مجال الصحافة المكتوبة في مجلة «صوت المرأة» وفي الصحافة المسموعة، من خلال قراءة بعض النصوص عبر أثير الإذاعة اللبنانية. بذلك تمكنت من دفع دينها لزميلتها جليلة، والتي كانت لها اليد البيضاء في تعريفها على «دار الصياد»، من خلال صديقتها الصحافية جاكلين نحاس.

- وبذلك خطت إميلي نصرالله الخطوة الأول نحو احتراف الصحافة المكتوبة في مجلة «الصياد» العام 1955.

- عملت الصحافية إميلي نصرالله ولمدة خمسة عشر عاماً، في مجلة «الصياد» في كتابة أخبار المجتمع، وكذلك في قسم التحقيقات، فكانت صوت الناس، حملت مشاكلهم وهمومهم وعبّرت عن مشاعرهم ورفعتها الى المسؤولين، وكأنّ طريق النجاح تأبى إلاّ أن تمرّ عبرمهنة المتاعب، لا بل عبر البحث عنها.

- سؤال مقلق كان يراودها منذ بدأت تنشر مقالاتها الصحفية، وهو: «أنا أنقل مشاعر الناس، ولكن من ينقل مشاعري لهم؟ وجواباً عن هذاالسؤال، أصدرت روايتها الأولى «طيور أيلول» العام 1962، والتي تناولت فيها هجرةالشباب من قريتها الجميلة الكفير.

- وكانت هذه الرواية تحولاً هاماً في الأدب الروائي النسائي اللبناني، تلقفها المهتمون وناقشوها، فرأوا فيها شعاعاً لشمس قد تسطع على الثقافة ولقد عرّضتها هذه الرواية للنقد والمدح في آن، ووجدت نفسها فجأة أمام محبة الناس لها من جهة وامام النقد الإيجابي أو السلبي من جهة أخرى.

- وبالتالي أصبح التحدي أكبر وأصعب، وحازت إميلي على بكالوريوس بالآداب من الجامعة الأميركية فيبيروت.

- كتبت إميلي نصرالله الرواية والقصة القصيرة، عن تجربتها وخبرتها في الحياة.

-كتبتعن بيئتها وأهل بلدها وعن كل ردود الفعل...

- وكرّت سبحة الإنتاج الأدبي، فأصدرتالروايات الواحدة تلو الأخرى،

- وكتبت أيضاً القصص القصيرة للأطفال والأولاد والكبار.

- يتميّز أسلوب إميلي نصرالله بلغة سهلة ومريحة، اذ لم تخرج من إطار ريفيتها وما تحمل أخبار الضيعة من سلاسة السرد.

- فالطبيعة الأخاذة ومداها الرحب موجودان في شعورالكاتبة ووجدانها، كونها إبنة ضيعة تلبس الملاءة البيضاء وترتاح في أحد سفوح جبل حرمون؛

- تلك الطبيعة أكسبتها رحابة التفكير وسهولة التعبير، ما جعل أدبها فيالمتناول، يحاكي وجدان الكثيرين وشعورهم.

- ولعل إميلي نصرالله من الأقلام النسائية اللبنانية القليلة المتمتعة بهذا التفرد في حبك الرواية وعناصر التشويق فيها.

- تدور أعمال إميلي نصرالله حول ثلاثة مواضيع أساسية:

1- الهجرة: التي عالجتها في رواية «طيور أيلول» وفي «الإقلاع عكس الزمن»، و«الجمر الغافي» وغيرها...

2- المرأة: تحدثت عن المرأة في عدة روايات مثل «شجرة الدفلى»، وهيرواية منع نشرها في بعض الدول العربية.

3- الحرب وتأثيرها على الضحايا، تناولتهاالكاتبة إميلي نصرالله في «تلك الذكريات»، «الإقلاع عكس الزمن»، «خبزنا اليومي» و«يوميات هرّ»، الذي ترجم الى الألمانية والانكليزية والتايلندية...


من اعداد: تريز منصور

ايوب صابر 04-18-2015 10:01 PM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 93- طيور أيلول أميلي نصرالله لبنان

- فتح السفر والتجوال حول العالم، آفاقاً كبيرة أمام الروائية إميلي نصرالله،فالسفر «يجعلنا نرى أنفسنا بمرآة أكبر وبمقياس عالمي أوسع».

- ولقد كتبت العديد من الروايات خلال اسفارها، ففي القطب الشمالي، كتبت «على بساط الثلج»، وبين فرنسا واميركا

- ولدت «الإقلاع عكس الزمن»، وهذه الرواية نفسها تهاجر اليوم من بلد الى آخر،حيث تمت ترجمتها الى عدة لغات، الألمانية والدانماركية وغيرها...

- وعندما تسألها عن معنى الكتابة وأهميتها بالنسبة إليها تقول: «لا أعرف لماذا اكتب! لا يمكن حصر هذا العمل بمعنى أو بمكان وزمان محددين. فهناك عوامل عديدة تتآلف في كل زمان ومكان. هذا العمل هو فن إبداعي، وهو من اختراع الكاتب وتصوره للعالم».

- الكتاب حسب رأيها سوف يبقى الأساس للحضارة في العالم أجمع، فالانترنت لن يلغيه أبداً.

- أما ما تخشاه فهو أن يكون المستقبل جارفاً لشخصيتنا، وليس لحضور الكتاب وحسب.

- ذلك أننا ما نزال غارقين في التقاليد ولم ننضج بعد، نقبل على ما يأتي الينا شأن كل مستهلك.

- وتقديراً لمؤلفاتها وأسلوبها الأدبي المتقن، أصبحت كتبها في صلب مناهج الطلاب في المرحلتين الثانوية والجامعية، وانبرى الكثيرون لدراسة أسلوبها في الأدب والقصة والرواية، وقد قدم العديد من الباحثين اطروحاتهم الجامعية عن إميلي نصرالله.

تصوير: الجندي بلال العرب

ايوب صابر 04-22-2015 01:45 PM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 93- طيور أيلول أميلي نصرالله لبنان

- منذ انطلاق إرهاصاتها الأدبيّة الأولى، في قرية الكفير الجنوبيّة، كانت مسكونة بالرحيل الدائم. «عندما أتيت إلى بيروت، جعلني الانتقال أعي معنى ترك المكان الأول والدخول في عالم بارد وغريب، حيث عليك أنت أن تشقّ سبيلك بمهارتك وصلابتك».

- حين كرّمها «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» في النبطيّة في نيسان عام 2006، لامست اللفتة حنين الأديبة غير المنقطع إلى جذور الجنوب. هذا الشوق يلاحق إملي نصر الله في مجمل أعمالها، ويحملها نحو كوكبا، قرية والدها الفلاح داوود أبي راشد، ونحو الكفير، بلدة والدتها وملعب طفولتها، حيث كانت حكايات جدتها مداد حلمها وحيث صمّمت: «أريد أن أكون كاتبة وأديبة».

- من أين جاء ولعها هذا؟ تقول «ربما كان السبب توقي إلى الهرب من محيطي الضيّق؛ حسبت أن الكلمة طائر مجنّح أتعلّق به وأرحل». ظلت تراقب عبور الطيور المهاجرة، عاماً بعد عام، إلى أن انتشلها مما هي فيه من ارتباك، طائر تلك الطيور التي هاجرت في أعقاب الحرب العالمية الأولى: خالها أيوب أبو نصر الكاتب والعضو في «الرابطة القلمية». كان قد عاد من نيويورك ليسكن الدار، وليروي على مسامع إملي قصص الفتيات في أميركا. كتبت تطلب من خالها توفيق، مساعدته المالية لكي تعبر الجسر، إلى ما هو أبعد من مدرستها الابتدائية، والصف الثالث والأخير فيها.

- تقول «أنا ابنة مجتمع محافظ جداً، كان والدي يريد أن يحجّبني مثلاً، معتبراً أن المسموح به للذكر غير مباح للأنثى... ما جعلني أثور على ما أنا فيه». وحين قررت الذهاب، سألتها صديقتها مرة: «أنت بنت، وبتروحي وحدك على بيروت؟... بيجرصوكي». العبارة تصيبها في الصميم، فترد: «ولكنني ذاهبة لأعمل وأكمل دراستي الجامعية».

- إلى بيروت تصل عام 1953، تحمل فوق منكبيها كل الوصايا المستحيلة. درست في جامعة بيروت، أي الجامعة الأميركية اليوم، وسكنت في معهد داخلي وعلّمت فيه لقاء إقامتها المجانية.

- كانت تسير في الشوارع، شاعرة بأنها مراقبة من عيون الناس الذين أحبّتهم وكتبت حبها لهم ولومها أيضاً، في روايتها الأولى «طيور أيلول». لم تكن تتوقع أن يقرأها أهل بلدها كما فعلوا في باكورة أعمالها التي لا تزال تطبع، ويعاد طبعها، و«تزوّر أيضاً»...

- تقول: «لن أستطيع وصفاً للرعب الذي أصابني إثر صدور تلك الرواية (1962)، وثقل المسؤولية التي وضعها النقاد والقراء فوق منكبي، وهم يمتدحون العمل الأول».
بدأت عملها الصحافي طالبة جامعية، وتسجلت في نقابة الصحافة منذ خمسين عاماً.


-أهّلتها انطلاقتها في «صوت المرأة» للوصول إلى «دار الصياد» عام 1955، حيث عملت مع سعيد فريحة، ودخلت عالم الصحافة من بابه الواسع، وكان راتبها 200 ليرة. تجنّبت السياسة وتعاملت بجفاء مع السياسيين والحزبيين، وكتبت في زاوية «الدور والقصور». هذا العمل خوّلها دخول البيوت المخملية في بيروت، فتعرّفت إلى ربّاتها واستوحت من تجاربهن الحياتية بعض عناوين القصص ومدلولاتها.

-تقول في مذكراتها «في البال»: «حين أتحدث عن المخاوف التي كانت تحيط بي، وتحدّد سلوكي، فلكي أشير إلى طبقات القمع، والتحجيم التي تتراكم فوق هامة الكيان الأنثوي، في مجتمعنا، منذ أن تفتح البنت عينيها على الوجود. وهي إذا قدّر لها، في ما بعد، أن تنهض منها وتقاوم، فقد تمضي عمرها وجهدها، وقد تنفق عصارة علمها، في محاولة تفكيك تلك التعقيدات التي لم تولد معها وفي تفسيرها وفهمها، ولا هي في الطبيعة البشرية، بل متوارثة من ترسبّات وتقاليد، وقيم تتوارثها الأجيال ولا يجرؤ جيل على نزعها أو مواجهتها».

- تعترف نصر الله بأنّ صدمة الحرب التي أصابت لبنان عام 1975، أصابتها، فتوقفت عن الكتابة ليقتصر نشاطها على العناية بأسرتها وبيتها. «لم يعد همّي التعبير عن أحوال المرأة المقهورة، بل كيف نحمي أنفسنا من الموت، وبيوتنا من الدمار». في تلك المرحلة، انصرفت إلى كتابة قصص الأطفال لا لتنشرها، «بل لأقرأها مع أولادي، كي ألهيهم عن عنف يدور في الخارج. في الوقت ذاته، اعتبرت كل ما سبق أن كتبته ساقط، ولم يعد ذا معنى، أمام الأحوال المستجدة».

وكانت قصص الأولاد والأطفال عند إملي نصر الله زورق العبور إلى ما كانت تبحث عنه، إذ دخلت مرحلة القصة القصيرة. ثلاثة عناوين استأثرت باهتمامها في كتابة القصة، المرأة ـــ مع أنّها تقول إنها ليست كاتبة نسوية ـــ الهجرة، والحرب. «لا أدّعي أني كتبت رواية الحرب، بل كتبت على هوامشها، وأبطال قصصي هم الضحايا».

- بعدما قامت برحلات عدّة إلى أميركا الشمالية، وخصوصاً كندا، كتبت «الإقلاع عكس الزمن» التي ترجمتها «وزارة تنوّع الثقافات» إلى الإنكليزية، وتلتها ترجمة مؤلفاتها إلى لغات مختلفة. وحين غادرت لبنان عام 1988، لتقيم مع زوجها فيليب الذي هجّرته الحرب إلى مصر بعد نكبة مؤسساته التجارية. «رحت أداري الشوق إلى الوطن وأهله، بالكتابة الهاربة من الحاضر، إلى ماض بعيد، وقد اخترت زمان جيل سابق، لكن في مدار الاغتراب».

- وانطلاقاً من حنينها إلى «جورة السنديان»، قريتها الكفير، قرّرت «استخدام لغة تكاد تنقرض من وعي جيل الشباب في المدن، هي لغة الأهل والأجداد» فكتب النقاد أنّها «رفعت تمثالاً للغة هي في سبيل الانقراض».

- تعترف إملي نصر الله بأن الكتابة للصغار، أصعب من الكتابة للكبار... وهي مستحيلة إن لم يكن «الطفل ما زال يقظاً في أعماقنا». ترى أنّ روايتها «زيكو» أو «يوميات هرّ»، «رسالة عن الأطفال في زمن الحرب»، وهي رواية باتت كتاباً عالمياً تُرجم إلى أكثر من لغة، وصولاً إلى التايلاندية. كما حازت جائزة مؤسسة IBBY العالميّة للكتاب، وترجو أن يكون لها المفعول الذي حلمت به «الإقلاع عن ممارسة عادة كريهة جداً، هي الحرب».
ب

- عد هذه المسيرة الطويلة، ما زالت تعتبر نفسها تلك الفلاحة الريفية التي ارتبطت بحقول قريتها وأحبّتها، ومارست «طقوس» العمل فيها. «عندما أرخيت من يدي المحراث، أمسكت بالقلم لأواصل الحراثة والغرس، على رجاء أن تنقل كلماتي ما يختزن صدري، من محبة، ودعوة لأجل السلام والحرية».


من مقال بقبم : كامل جابر 3\3\2009 | الأخبار

ايوب صابر 04-23-2015 12:42 PM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 93- طيور أيلول أميلي نصرالله لبنان

- ترى ما الذي دفعها لكتابة تلك الرواية، هل مجرد الحنين للقرية، وهي المتحدرة من أصل قروي وجذور ريفية- كوكبا- ولاحقاً انتقالها لقرية الكفير المجاورة لكوكبا في جنوب لبنان، أم هجاء المدينة؟! وهي قد سكنتها، لتعود إلى قريتها، كما عودة بطلتها «منى» في نهاية روايتها الأولى، القرية ستصبح مدونتها المترعة بسحر خالص وبعفّة لا نظير لها، محمولة على شغفها الخاص بحكايات جدتها ونظيرتها في الرواية «حنة» الحكّاءة البارعة.

- ولدى إملي نصر الله، يفيض الريف «القرية» كعلامة سردية ساطعة، بأصوات الذاكرة الأولى ولا سيّما جدتها لأمها، تقول الكاتبة: «إن جدتي هي زاوية السحر في حياتي، لها طريقة فريدة في القص والحكي، وعندما كبرت كان لابد أن أقول للعالم قصتي عرفت طريقها من حكايا جدتي».

- فضلاً عما يتكشّف في الرواية من موضوعات، بملاحظة السياق التاريخي: الهجرة والحب ورهانات العواطف وهجاء المدينة، والثورة على التقاليد، وعبر مشهديات متواترة بدلالة الطيور المهاجرة التي تمر فوق القرية، وتسجل نقطة جديدة في دائرة الزمن، إذ نتعرف على الوجوه والأحلام «مرسال وراجي وأنجيلينا ومريم وفواز ونجوى ومنى» شخصيات تصارع أسواراً عالية من تقاليد ومفاهيم وأقاويل وقصص حب مكتومة، فالقرية تحيا على الحب وتعيش حكاياته في الفصول الأربعة لكنها تأبى أن تسمع أخبار الحب!.

- إيقاع الحياة.. إيقاع الموت.

- ثمة تبادلية تحكم إيقاع الرواية، تتمظهر في ثنائيات لاحقة، الرجل والمرأة، الموت والحياة، الحب والكراهية، القرية في مقابل المدينة، «اندحار الحياة ليبسط الموت أجنحته القوية.. هي رواية الشرق حينما يستسلم للعاطفة ويدور في محرابها ناسياً كيانه ومنطقه وتفكيره».

- بطلة الرواية (منى) الباحثة عن الغد تستظهر دفاع الأنثى عن ذاتها، هل هي لغة الضعف؟! لتتوق إلى الحرية وتتحسّس وجودها المستقل إلى الانفلات مع ذاتها المنفصلة عن الجميع، ولتدفع الصراع إلى ذروته «المدينة تمسخني والقرية تنكرني» فالغد أكبر من الحاضر والحلم أعظم من الواقع

- هناك من يرى بأن الرواية تلتقي مع تيار الرواية «البيسكولوجية»، التي مثلتها روايات دستويفسكي وجويس وفرجينيا وولف، واللافت مقارنتها بفرنسوا ساغان الروائية الفرنسية الشهيرة، حيث فارقتها إملي ليس بالمعنى الثقافي، بل بالمعنى الأخلاقي والفكري. وذهبت آراء ودراسات لتقول بأنها مجموعة لوحات وذكريات عن قصص جرتفي القرية، وبأن الكاتبة قست على المهاجر.

- إن أكثر الدراسات إنصافاً للتجربة الروائية الأولى لإملي، جعلت منها محاولة فنية جريئة، ورمزاً للأدب الواقعي الحر والرفيع وهي بمثابة «غرازيلا» للامارتين في الأدب الفرنسي،.. وبالطبع ثمة من قرأ تأثير جبران خليل جبران في روايتها، وأنكر عليها استدخال «العامية» اللسانية في روايتها؟!

- جوهر الاهتمام ليس مجرد وضع النساء، بل هو الإصلاح الاجتماعي والسياسي، ولهذا السبب يصبح تحرير المرأة ضرورة وطنية وسياسية».

- في روايتها التي صدرت بعد اثنين وثلاثين عاماً على صدور طيور أيلول، بعنوان «الجمر الغافي» إذ تنزع الكاتبة الأقنعة الداخلية والخارجية لوجه «حارة الجورة» وحكاياتها الكثيفة، لتكشف حقيقة الزمن وتواشجه مع الذكريات الجارحة، وتذهب أكثر في استكشاف «ظلام القهر وعجز البراءة» ونموذجها الدال «ليا» التي لم تسع إلى اختراق الدائرة لتقف في وجه الشمس وبقيت متوارية خلف فرح غامض في ذاتها

- لقبت أثناء دراستها الجامعية بالفيلسوفة المتشائمة.

- نالت الأديبة إملي نصر الله عدة جوائز: جائزة سعيد عقل عن كتابها طيور أيلول ومما قاله الشاعر عقل في المناسبة: «سبر أغوار، ومسحة حزن لا تنقطع ولو في الفرح وغالباً بث شعري أخاذ، وفي الحالات جميعاً، قلم نظيف كأنما القدر نفسه عجز عن تلطيخ الجمال في لبنان... الأرض تعيش وتتألم كامرأة تحب».

- روّضت الظروف الصعبة لتتابع دراستها. في الكلية الوطنية «سرقت» كتب جبران ونعيمة من المكتبةلتشبع نهمها للقراءة. وعلى ابواب الجامعة كان عليها ان تناضل من جديد، فعملت بعزمالجبابرة في التعليم والصحافة لتغطي تكاليف دراستها.

- عاشت إميلي نصرالله طفولتها كغيرها من أطفال القرى، فقد عملت في الحقول، وشاركت في جني المواسم، من قطاف الزيتون الى حصاد القمح وسواهما، فأغنت هذه الحياة ذاكرتها.

- مع الحرف الأول الذي تلقنته ابنة الست سنوات، بدأت رحلة المعرفة لديها ورحلة غرامبالكتاب، لكن شوقها للمعرفة كان سابقاً لدخولها المدرسة، وهي تصف تلك المرحلة فتقول: «كان منزلنا مجاوراً لمدرسة القرية التي تستقبل تلامذة الست سنوات وحسب،وكنت أهرب من المنزل وانا في عمر الأربع سنوات، واسترق السمع من نافذة الصف وأحفظالشعر والقصص... فكم حفظت من الأشعار وأسمعتها لوالدي وهو يجلس على المصطبة يشربالقهوة مع أصدقائه.

- نَشرُ مقالاتها في الصحفالبيروتية، منحها الحافز للتطور والنجاح وروح التحدي، لكنه جعلها موضعاً لسخريةالصبية في المدرسة الذين راحوا يرحبون بها بالقول: «أهلاً بالأديبة

- منذ انطلاق إرهاصاتها الأدبيّة الأولى، في قرية الكفير الجنوبيّة، كانت مسكونة بالرحيل الدائم. «عندما أتيت إلى بيروت، جعلني الانتقال أعي معنى ترك المكان الأول والدخول في عالم بارد وغريب، حيث عليك أنت أن تشقّ سبيلك بمهارتك وصلابتك».

- من أين جاء ولعها بالكتابة؟ تقول «ربما كان السبب توقي إلى الهرب من محيطي الضيّق؛ حسبت أن الكلمة طائر مجنّح أتعلّق به وأرحل».

- تقول أنا ابنة مجتمع محافظ جداً، كان والدي يريد أن يحجّبني مثلاً، معتبراً أن المسموح به للذكر غير مباح للأنثى... ما جعلني أثور على ما أنا فيه». وحين قررت الذهاب، سألتها صديقتها مرة: «أنت بنت، وبتروحي وحدك على بيروت؟... بيجرصوكي». العبارة تصيبها في الصميم، فترد: «ولكنني ذاهبة لأعمل وأكمل دراستي الجامعية».

- تقول في مذكراتها «في البال»: «حين أتحدث عن المخاوف التي كانت تحيط بي، وتحدّد سلوكي، فلكي أشير إلى طبقات القمع، والتحجيم التي تتراكم فوق هامة الكيان الأنثوي، في مجتمعنا، منذ أن تفتح البنت عينيها على الوجود.

- تعترف نصر الله بأنّ صدمة الحرب التي أصابت لبنان عام 1975، أصابتها، فتوقفت عن الكتابة ليقتصر نشاطها على العناية بأسرتها وبيتها. «لم يعد همّي التعبير عن أحوال المرأة المقهورة، بل كيف نحمي أنفسنا من الموت، وبيوتنا من الدمار».

- حين غادرت لبنان عام 1988، لتقيم مع زوجها فيليب الذي هجّرته الحرب إلى مصر بعد نكبة مؤسساته التجارية. «رحت أداري الشوق إلى الوطن وأهله، بالكتابة الهاربة من الحاضر، إلى ماض بعيد، وقد اخترت زمان جيل سابق، لكن في مدار الاغتراب».
-- أصبحت الأديبة إملي نصر الله أشهر من أن تُعرّف ، بقلمها السيّال وأسلوبها الرّشيق الشيّق في معالجة المواضيع الإنسانية ، حيث تنقلك من الخيال النرجسي ، إلى واقع الحياة المرير أحياناً ، والمتناقض في أكثر الأحيان ، فتميّزت بالطابع الإنساني .

- تدور قصص وروايات نصراللّه حول الجذور العائلية، الحياة في القرية اللبنانية، الإغتراب والهجرة، نضال المرأة في سبيل المساواة والتحرّر وخصوصاً حرّية التعبير، ثم الحرب، وقد عانتها مع عائلتها ومواطنيها. وقد احترق منزلها العائلي، مع مجموعة مخطوطات إبّان الإجتياح الإسرائيلي لبيروت في العام 1982

- تقول ان اسباب الظلم متعددة، منها عزل الارياف وفقرها وحاجتها للحد الادنى من الشروط التي ترضي اهلها او توفر وعوداً للأجيال الصاعدة. في رواية «طيور ايلول» عبرت عن هذا الواقع الذي يجعل المهاجرين اشبه بطيور نجت من اقفاصها.

- وتقول " بالعودة الى تجربتي الشخصية، اذا كان السؤال عنها، فانني اعتبر ان الرجل كان عنصر توازن في حياتي فأبي كان رجلاً فقيراً واضطر لان يكتفي بتعليمنا انا واخوتي في مدارس الضيعة التي سقفها، ثلاثة صفوف ابتدائية ثم يذهب الصبيان الى الحقل وتنتظر الفتيات نصيبهن، لكن، لحسن الحظ شاءت الظروف غير ذلك.

- حينها كنت كما كل اولاد الفلاحين في القرية نذهب الى الحقل ونحصد بأيدينا، نلمّ الزيتون ونقطف العنب باختصار. كنا ايدياً عاملة في سن لم تتجاوز الثامنة.

- أنا استلهم حياتي منذ روايتي الاولى «طيور ايلول» وصولاً الى عملي الاخير واكتب عن الهجرة والاغتراب لأن عائلة امي كلها مهاجرة ولم يبق منهم في لبنان سواي، كذلك استلهم طفولتي وقريتي وحياة الناس الذين اعرفهم.

- تقول أشعر بشيء من ذلك، ويخيل اليّ انني في حوار دائم مع موتاي، هناك تواصل مستمر بيني وبينهم، واستمد العزم من قوتهم. صحيح، عندي تصوف خاص بي، ولي علاقة خاصة مع الانسان والطبيعة متداخلة ولا استطيع ان أرى في الموت نهاية لهذا العالم.

ايوب صابر 04-23-2015 12:51 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -94- المؤامرة فرج الحوار تونس


- ليس من العسير على متصفّح روايات فرج الحوار المكتوبة بالعربية أو الفرنسيّة الوقوف على ولعه بالعتبات.


- وهذه العتبات أصناف منها العناوين والتقديم والتمهيد والتصدير والإهداء.

- ويعتبر الإهداء من العتبات الثابتة في هذه الروايات.

- والإهداء، برأي جونات، مصطلح يطلق على شكلين من الممارسة بينهما قرابة. ويتمثّل الشكلان في منح الكاتب كتابه لشخص ما أو لمجموعة حقيقيّة أو مثاليّة من الأشخاص أو لأيّ كيان آخر. إلاّ أن الشكلين يتمايزان. فأحدهما يخصّ الحقيقة المادّيّـة لنسخة بعينها ويجسّم التبرّعَ بها أو بيعَها وثانيهما يخصّ الحقيقة المثاليّـة للكتاب ذاتـه الذي لا يمكن امتلاكه (وبالتالي التخلّي عنه) إلاّ رمزيّا.

- ولما كان فرج الحوار من الروائيين المكثرين وممن يكتبون باللغتين العربيّة والفرنسيّة رأينا أن ندرس الإهداء في بعض رواياته المحررة بالعربيّة وتحديدا في الروايات الأربع الأولى أي في "الموت والبحر والجرذ"(2) و"النفير والقيامة"(3) و"المؤامرة"(4) والتبيان في وقائع الغربة والأشجان"(5) . وسنحاول تناول مبحثنا وفق أربعة محاور هي مواطن الإهداء وأصناف المهدى لهم وعلاقة الإهداء بسائر العتبات وبالمتن الروائيّ وأخيرا وظائف الإهداء.


- ظهرت كلّ إهداءات مدوّنتنا مرافقة للمتون الروائيّة للطبعات الأولى.

- وقد يكشف هذا الإصرار على الإهداء أهمّيّة هذه الممارسة في نظر الكاتب، ذاتها المنتجة.

- واحتلّت هذه الإهداءات موطنين مختلفين نسبيّا.

- ففي "الموت والبحر والجرذ" وفي "التبيان في وقائع الغربة والأشجان" تلا الإهداء تقديم الرواية.

- وهو تقديم أنجزته ذات منشئة مختلفة عن الروائيّ. فالرواية الأولى كتبتقديمها عبد الفتاح ابراهم(6) في حين قدّم الثانيةَ عبد العزيز شبيل(7) . أمّا "النفير والقيامة" و"المؤامرة" فتلا الإهداءُ فيهما صفحة العنوان الداخليّة.

- وقد نفهم من تأخير الإهداء في الروايتين الأوليين أنّ المؤلّف يعتبر التقديم مكوّنا انتماؤه إلى نصّه ليس انتماء عضويّا وذلك بخلاف الإهداء بل لعلّه يعتبر الإهداء أقرب إلى المتن الروائيّ منه إلى الكتاب.

- ومثل هذا القرب وذلك الانتماء، إن صحّا، قد يدلاّن على أنّ الإهداء، لدى فرج الحوار، ليس عتبة شكليّة. وهذه الدلالة المزدوجة المحتملة قد يدعمها تنوّع الإهداء من رواية إلى أخرى وحجمه النصي الممتدّ نسبيّا. ولعلّ التعرف إلى المهدى لهم يعمّق معرفتنا بالإهداءات وصاحبها.

- المهدى لهم في الروايات الأربع صنفان كبيران، المهدى لهم غير المباشرين والمهدى لهم المباشرون أو الرسميّون حسب تسمية جونات. وهم المعيّنون تعيينا فرديا أي المشار إليهم بالاسم. ويتكوّن هذا الصنف الثاني من مجرّدات ومحسوسات. والمجرّدات هي العفن والأمل والحداثة. أمّا المحسوسات فبشر. والبشر نفس الكاتب(8) التي خصّها وحدها بإهداء رواية "المؤامرة" وأشركها مع غيرها في إهداء رواية "الموت والبحر والجرذ". والبشر كذلك أهل وأصدقاءُ وأساتذة ونكرات. والأهل أمّ وزوجة وثلاثة أبناء، نهى ووائل ولينا. والأصدقاء كلّ الخلان وعبد الفتاح ابراهم. والأساتذة واحد هو الأستاذ توفيق بكّار. أمّا النكرات فهم، في الواقع، معارفُ في مرتبة النكرات. وهم: "الإنسان" و"كلّ الناس" و"كلّ الأطفال" و"الرجال والنساء-الأسلاف والأحلاف وكل من رفع لواء الإنسان".

- ولعلّ الإهداء الوحيد الذي يبدو تقليديا، من زاوية المهدى له، هو إهداء "النفير والقيامة". فهو مهدى للأمّ والزوجة والبنت البكر وللصديق الأخ عبد الفتاح ابراهم وللأستاذ توفيق بكار. أما سائر الإهداءات ففيها، من الزاوية نفسها، تجديد. وسواء بدا الإهداء تقليديا أو اتسم بطابع التجديد فهو يشفّ عن نمط العلاقة القائمة بين المُهدي والمهدى له. وهي علاقة شخصية حينا وعامّة حينا آخر. فقد أهدى فرج رواياته إلى بعض من جمعته بهم قرابة العائلة والدم وعلاقة الصداقة. وأهدى رواياته كذلك على قاعدة العلاقة الأدبيّة حينا والفكريّة حينا آخر. فعبد الفتاح ابراهم والأستاذ توفيق بكّار بؤأتهما العلاقة الأدبيّة الفنيّة محلّ المهدى له المعترف له بالجميل. أما المجردات ومن أسميناهم "النكرات" فالعلاقة بينهم وبين الروائيّ لا تدرك إلا في مستوى الفكر وحده.


- وإنّ المتأمّل في قائمة المهدى لهم الرسميّين وفي نصوص الإهداء ليستكشف قيام هذه النصوص على مقابلة بين عالمين لا أمل في تعايش إيجابيّ بينهما. العالم الأول هو عالم العفن، والخوف والأشواك والداء والأعداء، ومزارع القحط ينتعش فيها العدم. وهو عالمُ الحرف المظلم والهراوة المشرعة وقطاع الطريق وحرائق الهزائم(9) والغلبة والاندحار(10) والعراء والصحراء والمنفى(11) والجنون والكواسر والأوثان والأنقاض والطواعين والأوبئة والغيلان والأشباح والابتزاز والتكرار والبتر والخلط القبيح ومطامع الظلام(12) . أمّا العالم الثاني فهو عالم الأسرة والأم والصديق والخلان والأستاذ والأطفال والأسلاف والأحلاف الذين سفحوا حبرهم وأرواحهم مدائح تحض الشمس على الانتشار وكل من رفع لواء الإنسان. وهو عالم الحداثة والحلم والأمل واليقين والشمس والنور والتوق والصمود والحياة وبشائر الانتصار.


- هذان العالمان المتقابلان هما عالما الخير والشرّ. وبينهما صراع قائم لا يني مداه الجغرافي غالبا ما يضيق فلا يتجاوز حدود "حارة" الكاتب، وطنيه التونسي والعربيّ. ولكنه يتّسع في أحيان أخرى قليلة فيشمل العالم الرحب، عالم الإنسان. وهذا الصراع غير متكافئ بسبب غلبة الشرّ غلبة صار معها عالم الخير حلما ومناط توق وشوق. ولعلّ قيام كلّ الإهداءات على هذه الثنائيّة يوحي بأنّ هذه الثنائيّة ستكون أسّ المتون القصصيّة. وهذا الاحتمال ترجّحه عناوين الروايات التي لم تخل، إن صراحة أو ضمنا، من مقّومي هذه الثنائيّة.


- إنّ القول بانفتاح محتمل للإهداءات على المتون يجد مبرّره في الصنف الثاني من المهدى لهم الذين اعتبرناهم غير مباشرين. ونعني بهم القرّاء. وفي هذا الصدد يرى جونات أنّه مهما يكن اسم المهدى له الرسميّ فثمّ دوما لبس في وجهة الإهداء أو هدفه. فالإهداء لا يستهدف مرسلا إليه واحدا هو المهدى له الرسميّ فحسب بل يستهدف أيضا القارئ بما أنّ الأمر يتعلّق بعمل عموميّ أُقحم القارئ، على نحو ما، في الشهادة عليه. فالإهداء، حسب جونات، عمل لغويّ إنجازيّ عبارته: "أقول لفلان إني أقول للقارئ إني أهدي فلانا هذا الكتاب" (وبعبارة أخرى: "أقول لفلان إني أنجز له إهداء علنيا") ولكن في الآن نفسه: "أقول للقارئ إني أقول لفلان الخ.."(13) . فالقارئ، شاء أم أبى، أحد متقبلي الإهداء. وهو ما يكشف طابع الإكراه في هذا العمل الاختياريّ المسمّى بالإهداء. فالكاتب مطالب، على نحو ما، باختيار الإهداء الذي يناسب المهدى له الرسميّ. وهو مطالب أيضا بالعمل على أن يشدّ الإهداء، مهما كان خاصّا، القارئ.


- ويبدو أن فرج الحوار كان واعيا بهذا الإكراه. وهو وعي نتبيّنه من خلال قرينتين: أولاهما تنويعه غالبا المهدى لهم تنويعا يتراجعون معه إلى مرتبة ثانية ليحلّ محلّهم ما يشتركون فيه والمهدي والقارئ المحتمل. أمّا ثانية القرائن فالإهداء للقارئ. ونجد مثل هذا التوجه المباشر إلى القارئ في "الموت والبحر والجرذ" وتحديدا في قول الكاتب: "إلى كلّ الناس من ثبت جواري ومن غاب عن نظري وهو منيّ إليهم جميعا مرآة يتملون فيها وجوههم. يتملّون فيها حرائق الهزائم و.. بشائر انتصار" (ص27).


- إنّ التوجه المضاعف إلى القارئ وقيام كلّ الإهداءات على الثنائيّة نفسها يحتّمان تنزيل هذه العتبة في سياقها النصي والبحث عن علاقاتها بسائر مكوّنات نصّ الكاتب.

- يحتّم علينا المقام الاقتصار على بعض العتبات والمتون. ولقد جاءت كلّ إهداءات مدوّنات وثيقةَ الصلة بعناوينها. وقد أقام إهداء "الموت والبحر والجرذ" علاقة صريحة بينه وبين التمهيد الممضى من الكاتب. ففيه يقول الكاتب متوجّها إلى كلّ الناس: "إليهم جميعا مرآة يتملّون فيها ووجوههم". وهو قول نجد له امتدادا في أواخر التمهيد حيث يقول الكاتب نفسه: " إليكم النص فاثأروا منه لوجوهكم فيه. إليكم مرآة فانظروا فيها وجوهكم يا "محمّد". (ص35) ولعلّ الجمع بين القراء وشخصية قصصيّة محوريّة يبيّن أن الإهداء والتمهيد وثيقا الصلة بالمتن. بل إنّ رمز الوجه يتكرّر في رواية فرج الحوار الثانية "النفير والقيامة". وقد كان محورَ خمس عتبات من عتباتها وموضوعا من أهمّ مواضيع متنها. ولا يغيب الوجه عن "التبيان في وقائع الغربة والأشجان" إذ نجد له ذكرا في إحدى عتباتها. فقد جاء في العتبة "تحذير" قول المؤلّف: "هذا الكتاب خيال قحّ. بضعة من إسراف الهوس، وحلول في غسق الآية البعيدة الغور، وله حارق القول [...] فلا يذهبنّ الغرور بأحد فيتوهّمَ أنّه يرى فيه وجهه أو محلّه من الدنيا، فيكونَ من الظالمين"(ص19).


- والعلاقة صريحة أو تكاد بين إهداء "النفير والقيامة" والمتن. ففي الإهداء وصف لزمن الكتابة بأنّه "زمن الغلبة والاندحار" (ص3). وفيه عرفان بالجميل للصديق وللأستاذ اللذين أعاناه على إنجاز نصّه. وفيه خاصّة إبراز لعسر الكتابة أو لـ "وعر المسالك وفظّ الطريق" (ص3) على حد عبارة الكاتب نفسه. أمّا المتن فتصوير ضاف لزمن الغلبة والاندحار، زمن حصار بيروت وتشريد الفلسطينيّين ومؤامرات أعداء الداخل والخارج. وفي المتن أيضا شكل من أشكال الكتابة ليس للقراء به ألفة أوجزه أحد الرواة في قوله: "... وجعلنا الكتاب بناء ورصدنا له أبوابا ومنافذ وجعلناه القصر المنيع لا يدخله الداخل إلاّ طرق مطيلا صابرا. إنّنا ننحِت ونحبّ الكتاب عمارة..."(ص15).


- وفي "التبيان في وقائع الغربة والأشجان" لا يغيب هذا الضرب من العلاقة بين الإهداء وسياقه النصي وتحديدا بينه وبين المتن القصصيّ . وقد أشار إليه محمد القاضي فكتب مختتما دراسته الحواريّةَ في هذه الرواية: "لذلك كانت الرواية تأريخا ذاتيا مندرجا في التأريخ العامّ وبحثا عن كوّة ينفذ منها النور أكثر ممّا هي تحسّس لعالم الظلام . وهو ما يفسّر لنا ما جاء في الإهداء: "إلى الإنسان يقوّض ليقيم. وهل الإنسان إلاّ هدّام ينحِت من غُثاء الأنقاض عضل اللحظة القادمة، كواكب تربو عن جميع العدد" (ص15). (14)


- يتبيّن مما سبق أن الإهداء لدى فرج الحوار يفيض على ما حوله وأنّ في الاقتصار على دراسة هذه العتبة في ذاتها، كما فعل جونات، تقصيرا يحول دون التفطّن إلى ما تنسجه من علاقات مع محيطها النصّي وإلى كل الوظائف التي يمكن أن تؤدّيها.


- يرى جونات(15) أنّ إهداء كتاب ما هو إعلان (صادق أو غير صادق) لعلاقة مّا بين المؤلف وشخص أو مجموعة أو كيان. وبناء عليه تُستنفد وظيفةُ الإهداء الأساسيّةُ في وظيفة تدقيق هذه العلاقة. وإذا ما عدنا إلى إهداءات فرج الحوار ونظرنا إليها من زاوية المهدى له تبيّن لنا تعمّده في ثلاثة إهداءات الجمع بين مُهدى لهم لا يجتمعون عادة. فما الرابط بين العفن والحارة والخلان وكل الناس والنفس في إهداء "الموت والبحر والجرذ"؟ ولماذا الجمع، في أكثر من إهداء، بين المحسوس والمجرّد، بين البشر والقيم، سلبيّها وإيجابيّها؟


- ما من شكّ في أنّ هذا الجمع وذاك الربط ليسا مجّانيين. ولعلّنا نرى في هذه الممارسة شكلاً من أشكال الخروج عن معهود الإهداءات، أي الإهداءات التي توجّه إلى سند اقتصاديّ أو راعٍ أدبيّ. وقد شذّ إهداء رواية "النفير والقيامة" عن هذا الاختيار. فكلّ المُهدى إليهم من البشر، بل وممّن لهم صلة بالكاتب، سواء كانت صلة دم أو صداقة أو أدب. ولعلّ ما يشدّنا إلى الإهداء أكثر من غيره إسما عبد الفتاح ابراهم وتوفيق بكار والدور الذي أدياه في الأخذ بيد الكاتب وفي إعانته على ارتياد "وعر المسالك وفظّ الطريق".


- لا جدال في أنّ هذا الإهداء يُظهر فرج الحوار في صورة الابن والزوج والأب والأديب الناشئ المقرّ بفضل الآخرين عليه والمعترف لهم بالجميل. ولكنه ينهض في الآن نفسه بوظيفة ثانية لا تقل أهمية عن سابقتها بل لعلّها تتجاوزها. فإيراد اسمي عبد الفتاح ابراهم والأستاذ توفيق بكار يقدّمهما بوصفهما كافلين لقيمة مؤلّف فرج الحوار الأدبيّة. وفي هذا الصدد يرى جونات أنه لا يمكن، في عتبة عمل ما أو في نهايته، ذكرُ شخص ما أو شيء مّا بوصفه مرسلا إليه مميَّزا دون الاستشهاد به على نحو ما وبالتالي دون إقحامه بوصفه ملهما مثاليّا: ف "إلى فلان" تحوي دائما "عن طريق فلان". فالمُهدى له يكون دوما مسؤولا على نحو ما عن العمل المهدى له. وهو يحمل إليه، شاء أم أبى، قليلا من دعمه وبالتالي من مشاركته(16) . ويبدو لنا أنّ في هذا الرأي بعضَ مبالغة. فهو لا ينطبق، في نظرنا، على كلّ مُهدى له وإنّما يصحّ فقط بالنسبة إلى المهدى لهم المشهود لهم بالدراية في مجال اختصاصهم. وهو هنا الأدب. وبذلك يصبح الإهداء لأمثال هؤلاء ضربا من حجّة السلطة التي تدعم النص. فتعلي من شأنه. وتهيئ لتقبّله تقبّلا إيجابيّا.


- يؤدّي الإهداء إذن وظيفة ذات بعد أخلاقيّ هي بالكاتب ألصق. ويؤدّي أيضا وظيفة دعم هي إلى الكتاب أقرب. وهو يؤديّ إلى جانب هاتين الوظيفتين وظيفة اللامعة أو الفاتحة (Amorce) إذ يمكّن من بعض مفاتيح قراءة المتن الروائيّ. وهو إلى ذلك يتيح معرفة أمتن بفرج الحوار الإنسان والفنان. وعن مثل هذه الوظيفة يقول بيار فان دان هوفل في معرض حديثه عمّا يسمّيه بالخطاب على الخطاب(17)(Métadiscours) : "إنّ البحث عن الذات التي ينتجها النصّ عند القراءة يمكن أن يستفيد من هذا المستوى الخطابيّ الخاصّ الذي يظهر فيه المتكلّم ، بصفة أكثر علنا، قائما بوظيفة مغايرة للوظيفة التي يجب عليه أن يشغلها في القصّة" .(18)


- يتبيّن من كلّ ما تقدّم أنّ الإهداء لدى فرج الحوار ممارسة شبيهة بالطقس. وهو طقس نكاد نجزم أنّه خاصّ به وذلك من خلال الوظائف التي أدّاها سواء في علاقاته بالكاتب أو بنصّه. وقد كشفت لنا دراستُه التراتبَ بين المُهدى لهم وصلةَ بعضهم بصاحب النصّ وصلة بعضهم الآخر بالنصّ ذاته. ويلاحظ التراتب أيضا في مستوى عتبة الإهداء نفسها. فثمّة إهداءات كإهداءات فرج الحوار متعدّدة الأبعاد ومثقلة بالدلالة وثمّة إهداءات شحيحة ضنينة كقول أحدهم: "إلى رجاء وإقبال ووسام". ولعلّ هذا التراتب يسمح لنا بالتمييز بين عتبة خارجيّة تعرّفنا بالكاتب أكثر مما تعرّفنا بنصّه وعتبة داخليّة تيسّر لنا الدخول إلى النصّ وعوالمه دون أن تغفل تعريفنا بالكاتب.


من مقال بقم : محمد نجيب العمامي

ايوب صابر 04-26-2015 01:59 PM

تابع ...
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -94- المؤامرة فرج الحوار تونس

- الكاتب التونسي فرج الحوار هذا الكاتب المتمكن من لغة بودلار بقدر تمكنه من لغة المعري و الجاحظ .
- أن " فرج الحوار " هو شاعر بالأساس .



ايوب صابر 04-30-2015 06:56 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 95- المعلم علي عبد الكريم غلاب المغرب

من مقال بقلم محمد رشد

- يقول الناقد المصري احمد عطيه عنه : عبد الكريم غلاب فهو أبرز روائيي المغرب، لأنه كاتب قومي، ومناضل وطني من صفوف حزب الاستقلال،

- وقصاص وروائي تعبر رواياته عن زخم الحياة العربية وعن حركة النضال الوطني والاجتماعي في المغرب."

- إذا كان (شلوفسكي/Chklovsky) قد فرق في البناء القصصي بين نوعين:بناء حلقي: ينغلق فيه حدث ما بمجرد انتهائه. و بناء ذو المراقي: يظل فيه الحدث مفتوحا في نهايته على حدث أو أحداث أخرى. فإن إمعان النظر في بناء رواية "المعلم علي" سيجعلنا نصل إلى أن بناءها ينتمي إلى النوعين السابقين معا: فهو حلقي حين نلاحظ تتابع مجموعة من الوحدات التي تكاد كل واحدة فيها فعلا مغلقا: (وحدة العمل في الطاحونة، وحدة العمل في دار الدبغ، وحدة العمل في معمل النسيج). وهو كذلك بناء ذو مراقي على مستوى المحكي جملة، إذ نلاحظ أن الوحدة الواحدة لا تستنفذ بحث "علي".

- لكن ما الذي يعمل – في إطار هذا البناء المزدوج- على تماسك المحكي في الرواية؟ نلاحظ في رواية "المعلم علي" أن تماسك المحكي يتم بواسطة "المكان"، أي مكان الأحداث، و أعني به مدينة فاس، ويمكن ملاحظة الأوضاع التي يتجلى فيها المكان أداة ربط:المكان في البداية لا يطرح عائقا يذكر باستثناء الإعاقة الطبيعية التي لا تحفز "علي" على التغيير بالقدر الذي سيحدث فيما بعد.

- حين يصبح المكان عائقا و سببا في الخروج من وحدة إلى أخرى: ترك المطحنة للعمل في دار الدبغ، ثم الفرار من دار الدبغ للعمل بالمعمل. حين يتحول المكان إلى وضع إيجابي، خصوصا في الوحدة الثالثة حيث يصبح المكان فاعلا في التغيير.

-من كل ما سلف، نستنتج أن الوحدات الثلاث التي تستغرق بحث "علي" قد احتاجت في ترابطها إلى وجود المكان، فكان المكان. و يمكن أن تكون قصته وحدة رابعة.

- يُقصد هنا بالوحدات تركيبا حكائيا يتوفر على معنى مكتمل، و على استقلال نسبي، و يمكن اعتبار الوحدة أشبه بقصة قصيرة تندرج في سياق قصة أعم و أشمل.

- تأسيسا على هذا الطرح يمكن أن نقف داخل رواية "المعلم علي" على ثلاث وحدات حكائية تسبقها وحدة تمهيدية هي وحدة العرض (L’expose):

- يمكن اعتبار الفصل الأول من الرواية و الذي تجري أحداثه في غرفة أسرة "علي"، وحدة تمهيدية هي العرض، و ذلك لأن محتواه يعمل على إدراج محتويات جزئية سيقع تطويرها خلال الوحدات التالية.

- إن المحتويات ترجع إلى مشكل "التوتر" الذي يعتري "علي" كما ترجع إلى الشخصيات التي سنجدها بعد ذلك مفصلة أو هي تتطور.

- غير أن هذه الوحدة التمهيدية لا يجب أن ندركها كوحدة مستقلة عن الوحدة الأساسية التي ستتلوها، و هذه خاصية من خصائص العرض، حيث تغرس فيه العناصر الحكائية الأساسية التي سيتم تعهدها بعد ذلك في مجمل الرواية.

- و يمكن الوقوف على بدايتها في "العرض" لكن بدايتها الحقيقية لا يصرح بها الكاتب في الرواية، و يمكن أن نسجل أن هذه الوحدة تتألف من عنصرين هما:ممارسة العمل.

- إننا إذن بصدد وحدة مغلقة تتوفر على فعل كامل، بمعنى محدد بالنسبة للسياق العام للرواية، و لو أننا تأملنا حالة "علي" لوجدنا أن الطابع المسيطر على شخصيته/ نفسيته، هو طابع التوتر، هذا التوتر الناتج عن عدم الرضى بما هو معيش، و التطلع إلى حالة أفضل، هذا التوتر هو الذي سيرافق "علي" خلال الوحدات الآتية.

- الوحدة الثانية و يمكن أن نميز بداخلها عدة عناصر مكونة نذكر منها:
عنصر الصداقة. عنصر الصراع. بداية التدرج نحو كسب الوعي النقابي.

- في هذه الوحدة يتكون "علي" كشخصية (إشكالية) حين ينمو "التوتر" و يتحقق التناقض و لو مبدئيا في وعي "علي" بين مالكين (الحاج عبد القادر...) و مستخدمين (عمال: علي و الحياني...)،

- إلا أن هذا التناقض لن يتضح بشكل جلي إلا في الوحدة الثالثة.الوحدة الثالثة: (وحدة العمل في المعمل): وهذه الوحدة تستغرق القسم الأخير من الرواية، و يمكن – بناء على سياق الرواية- أن ندمج فيها لحظة السجن، فنجد عندئذ أن هذه الوحدة المتميزة يمكن أن نقف بداخلها على عناصر أو لحظات هي:العمل في المعمل.العمل النقابي. السجن. الوعي النقابي.

- إن هذه الوحدة هي التي يمكن تسميتها بالوحدة/ الخلاصة، لأنه فيها يحكم عبد الكريم غلاب على نهاية روايته وفق ما يناسب توجهه السياسي و موقفه الإيديولوجي، فيحُدُّ من (إشكالية) البطل و يفرض حلا يرى فيه انسجاما مع الواقع، لكن أي واقع هو؟

ايوب صابر 04-30-2015 07:09 PM

تابع ....
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 95- المعلم علي عبد الكريم غلاب المغرب



- صفة التنقل في الرواية: يعتبر التنقل تقنية من التقنيات التي استعملت دائما في الحكايات، و يمكن إرجاع هذه التقنية إلى أسلوب الرحلة، و ما يمكن التعبير من خلاله عن تبدل الأوضاع، و تجذر المشاهد و ظهور الشخصيات، فكل حكاية، كما يقول (ميشيل بوتور M.Butor)" يجب أن تعتبر رحلة و اكتشافا، و يمكن القول فيما يتعلق بهذا الموضوع أن كل أدب خيالي يستقي مواضيعه من هذا المعين، و كل رواية إنما تقص علينا خبر رحلة ما".

- فالرواية من الناحية النظرية هي وصف لعملية البحث و خروج للبطل من أجل استكشاف عالمه الخاص. و من هنا كان السفر حافزا مهما من حوافز الرواية، فالسفر بهذا المعنى هو تنقل من اجل البحث، نظرا لأن الانتقال يكون دائما مدفوعا بدوافع الرغبة في الاكتشاف و التوصل إلى المجهول.

- وإذا ما رجعنا إلى رواية "المعلم علي" فإننا لن نجد سفرا بالمعنى الحقيقي للكلمة، و إنما سنجد تحركات داخل فضاء مدينة فاس، و سنجد تحديدا نوعين من التنقلات:تنقلات فعلية.

- تنقلات ذات خاصية مجازية. و على العموم، فإن مجموع هذه التنقلات يمكن تصنيفه إلى ثلاثة مستويات:الانتقال على مستوى الأمكنة: يترسخ لدى قارئ الرواية انطباع واضح بالقلق و التوتر اللذين يميزان شخصية "علي" و ذلك من خلال تعدد تنقلاته المكانية، إذ نجده يتنقل من مكان إلى آخر: (المنزل المطحنة دار الدبغ المعمل السجن) و الملاحظ أن هذه التنقلات تتميز بكونها تنقلات غير تلقائية، و إنما نزولا عند رغبة العيش، إلا أن التنقل من دار الدبغ إلى المعمل يشكل بداية لحدث نوعي بالنسبة لِـ"علي" هو بداية التمرس بالعمل/ الوعي النقابي الشيء الذي سيؤدي به مرغما إلى أن يعيش تجربة السجن التي ستخلق منه إضافة إلى مناضل نقابي، منظرا للعمل النقابي و السياسي.

- فالتنقل على مستوى الأمكنة داخل الرواية، يمثل تدرجا من حالة الوعي السلبي المضطرب نحو حالة الوعي الإيجابي، و يمكن تجسيد ذلك عن طريق الشكل الآتي:
المطحنة دار الدبغ المعمل السجن تأسيس النقابة. وعي سلبي وعي مضطرب وعي نقابي وعي سياسي إحراز الاستقلال.

- الانتقال على مستوى العلاقات: رغم الصفة القارة لعلاقات "علي" بأمه و إخوته، فإننا سنجد بصدد علاقاته العملية تبدلا يعكس القلق و التوتر المميزين لشخصيته، و أول مظهر لهذا التوتر هو تركه المعلم التدلاوي و اشتغاله عند المعلم عبد القادر الذي سيضطر لتركه هو الآخر للالتحاق بعمله الجديد في المعمل حيث سيتصل بالعمال المغاربة و الفرنسيين، ثم في السجن الذي سيتعرف فيه على نوع آخر من الناس هم المناضلون النقابيون.

- و أهم ما يميز علاقات "علي" هو علاقته المتميز بكل من الحياني و عبد العزيز، فالأول يمثل تتميما لشخصية علي / المناضل. أما الثاني فيمثل عقل علي/ المناضل، فإذا كان علي يفتقد الوعي النقابي و السياسي، فإن هذا الزاد سيصله من عبد العزيز، و يمكن رصد حالتين لـ "علي" قبل اتصاله بعبد العزيز و بعده:
ما قبل اتصال علي بعبد العزيز
ما بعد اتصال علي بعبد العزيز
علي التمرد
انفعال و انعدام المنهجية في النضال.
علي الثورة.
دراسة و اكتساب المنهجية في النضال النقابي و السياسي الانتقال على مستوى التعبير:
يمكن ملاحظة أن سلوك (علي) يتدحرج تدريجيا وبصورة حاسمة من حالة القبول بالواقع كما هو إلى حالة الدخول في صراع مع هذا الواقع. فبعدما كانت لغة (علي) لغة بسيطة، تتسم بالخضوع والقبول ــ ولو ظاهريا ــ بالوقع على عِلاَّتِهِ:
" ــ صباح الخير آسيدي المعلم...
ــ أمي تقرئك التحية، وتسأل عن صحتك..." ( ص.44 و45).
فإن هذه اللغة هي التي سنجدها بشكل مختلف ومتطور نسبيا حين يتكون لدى (علي) ذلك الوعي الجنيني/ النقابي، فيتداخل الآخر (الجماعة) والذات، حين تدرك هذه الأخيرة همومها كجزء من هموم الجماعة (الطبقة):
" ــ أ صحيح أننا لو اتحدنا لما استطاع المعلم عبد القادر أن يطردني... ؟" (ص.186)هذا هو السؤال الذي يكشف عن بداية تخلخل البنية الفكرية الاستسلامية التي سيطرت على (علي) والتي ستتطور أكثر فيما بعد، حين نجده مثلا يقول:
" ــ لو كنا مسلحين بالنقابة لتحَمَّلَتْ مسؤولية القيادة." (ص.308)
" ــ لِمَ لانُكَوِّنُ نقابة مستقلة عن نقابتهم." (ص. 309)
إن هذا التعبير يزيح الستار عن اكتساب وعي نقابي، سيتطور بعد ذلك إلى وعي سياسي بعد فترة السجن:
" ــ لا تضطرب فالسجن أُسِّسَ للرجال، وقد تكون كاكثر الذين تراهم هنا مظلوماً.
ــ كلنا مظلومين، ولكنا نتقبل الظلم بقلب مليء بالأمل، ومن الخير لك ألا تغتم فتفقد الأمل، فستضاعف من مدة سجنك من حيث لاتشعر." (ص. 342) " ــ منذ الآن يجب أن ننصرف عن الطريق المسدودة إلى الطريق المفتوحة: إلى تكوين جماهير الاستقلاليين." (ص.376)
" ــ ولكن، لأن أعمل على تكوين مناضل استقلالي يحقق الاستقلال والنقابة خير من أن أنفق جهدا من جهدي في تكوين نقابي يبحث عن النقابة فلا يجد." (ص. 377) الراوي ووجهة النظر:
قد نجد مرادفات لمصطلح وجهة النظر ( POINT DE VUE) في النصوص النظرية الخاصة بالسرديات مثل: مصطلح (رؤية / VISION) ويستعمله ( ج. بويون / J.POUILLON)، وكذا مصطلح ( التبئير/ FOCALISASION) ويستعمله (ج. جينيت / G. GENETTE). والمعروف أن هناك ثلاثة أشكال لوجهة النظر هي:
الرؤية من خارج أو التبئير الخارجي: وفي إطارها يمنع الراوي عن نفسه التسرب إلى ضمائر الشخصيات، إنه يدعي الجهل بالمحركات والنوايا، ولهذا تتقلص شخصياته إلى خواصها الجسدية أو سلوكاتها.
الرؤية المصاحبة (مع) أو التبئير الداخلي: حيث يتطابق الراوي مع شخصية من شخصيات الحكاية فيرى بعينها الناس أو أفعالهم.
الرؤية من خلف أو انعدام التبئير: وهنا يكون الراوي عليما (OMNISCIENT)، إنه متفرج ذو حظوة بالغة، نظرا لأنه يعرف بصفة تامة الأفكار السرية أو الأفعال المستترة للشخصيات، ويمكنه أن يخبر بها القارئ، وهذا النوع من الرؤية هو المستعمل في الرواية التقليدية.
ويمكن القول بأن رواية ( المعلم علي) تنتمي إلى الرؤية من خلف، لأن الراوي يبدو عارفا بعالمه معرفة تامة، وهي معرفة متعلقة بتفاصيل الأحداث، كما أنها معرفة متعلقة بما يجري حتى في أذهان أبطال الرواية، ويمكن أن نلاحظ هذه المعرفة المزدوجة في النموذج التالي:
معرفة على مستوى الظاهر" كان الجنرال مضطربا وهو يستقبل نواب جمعية أصحاب العمل مع نواب النقابة ... ولكنه كان يجلس إلى مكتبه ... يبحث أوراقا بين يديه في اضطراب.معرفة على مستوى الباطن لم يكن يقرأها أو يبحث عن شيء فيها. وإنما كان يشغل يديه وهو يفكر قبل أن يبدأ حديثا لايدري بعد كيف يوجهه. كان يستعين على التفكير بالتدخين." (ص. 362 ـ 363)
إن الراوي هو الشخصية المتخيلة التي نتلقى من خلالها السرد، ويقسم ( توماشيفسكي) الراوي إلى نوعين:
الراوي الذاتي (NARATEUR SUBJECTIF): ويمكن أن ندرج ضمنه مجموع النصوص الروائية التي يستعمل فيها الراوي ضمير المتكلم، والتي تتميز بكونها لاتروى إلا من زاوية رؤيته هو بحيث يكون شاهدا، أو أحد الشخصيات. وفي هذا الصدد يقتصر سرده على الأحداث التي شارك فيها أو المعلومات التي توصل بها عن طريق مصدر معلوم، أو يكون هو البطل، وهكذا تتركز الأحداث حوله مما يسهل عليه مهمة حكايتها.
الراوي الموضوعي (NARATEUR OBJECTIF): ويجوز أن ندرج ضمنه الراوي الذي يستعمل ضمير الغائب. وهو راوٍ يتميز بقدرة خارقة " على التحرك في جميع الاتجاهات" كما يقول (ألان غوب غرييه) عن (بلزاك).
وإذا كانت وضعية النوع الأول من الرواة تسمح بتفسير الطرق التي يستقي منها الراوي مصادر ما يحكيه، فإن وضعية الثاني تعمل على تجاوز ذلك نظرا لأن علاقته بالأحداث و الشخصيات لايمكن إدراكها.
أما فيما يخص رواية (المعلم علي) فإننا نجد بأن أحداثها تُروى بضمير الغائب، مما يجعل الراوي في هذه الرواية راويا موضوعيا، لكن ما سمات الراوي الموضوعي في رواية (المعلم علي) ؟ لقد أكد الكاتب باستعماله ضمير الغائب، أنه سيقدم تفسيرا لجميع الوقائع، فما على القارئ إلا أن يتابع الأحداث لمعرفة الحلول، لأن حريته في التأويل والاجتهاد من أجل معرفة الأحداث تكاد تنعدم.
إن استخدام ضمير الغائب ما هو إلا إيهام بالموضوعية، وإنما هو في حقيقته يتجه نحو صيغة وثوقية تضيق الخناق حول القارئ فلا تُقهمه إلا ما أرادت أن يَفهمَه.
الشخصيات في رواية (المعلم علي) :
يقصد بالشخصية في التحليلات الشكلية ظهور اسم علم، أو ما يعادل هذا الإسم، في النص بحيث يحدث ظهوره ما يشبه الفجوة في عملية القراءة. وهذه الفجوة إما أن تمتلئ بالمعنى أو لاتمتلئ. فإذا كان الإسم أو مايقابله قابلين للامتلاء فإنهما إما أن يمتلآ دفعة واحدة كما كان يحدث في روايات (ق 19) أو أن يمتلآ بصورة تدريجية إلى غاية انتهاء الرواية، ويحدث الامتلاء المذكور في شكلين:
امتلاء عن طريق التراكم، حيث كل فعل يقع يعمل على ظهور صفة جديدة تنضاف إلى الصفات الأخرى الخاصة بالشخصية التي أنجزت الفعل.
امتلاء عن طريق العلاقات بين شخصين أو مجموعة من الشخصيات، تتنوع هذه العلاقات بحسب الأغراض التي يراها الكاتب مناسبة للرواية.
إذا استطعنا استخلاص لائحة تامة بالشخصيات التي تتوفر عليها رواية (المعلم علي) لاحظنا التنوع التالي:
وجود شخصيات تظهر على مستوى ما يُحْكى من قِبل الراوي: ونعني بذلك الشخصيات التي تقوم بأعمال هامة أو ثانوية في سيرورة الحكاية، نمثل لها بكل من : علي / الحياني / فاطمة / وكذلك عبد العزيز...
أوضاع شخصيات أخرى تتمركز أهميتها في مستوى الكتابة أو طريقة الحكي: وهذه الشخصيات لاتقوم بأعمال في سيرورة الحكاية، ولكنها تعمل على إبراز بعض الأجواء المتعلقة ببعض التطورات ويمكننا أن نضرب مثلا على ذلك بشخصيات إخوة (علي): عيشة / كنزة / الجيلالي.
شخصيات تذكر بأسمائها كاملة، مثل علي وعبد العزيز، غير أن هذه الوضعية لاتدل على أهمية الشخصية، ذلك أن : الحاج عبد الله أو السي الحسن، يذكران باسميهما دون أن يكون لهما دور على مستوى ما يُحْكى.
شخصيات يتكرر ظهورها على امتداد فصول الرواية مثل (علي)، وشخصيات لاتظهر إلا بضع مرات أو أقل من ذلك، مثل : للا خدوج / عمي اللمطي / قدور...
من خلال هذه الملاحظات نستطيع أن نتبين التنوع الكبير لأساليب تقديم الشخصيات في رواية (المعلم علي)، هذا التنوع يضعنا أمام صعوبة تصنيف كل شخصيات الرواية أو على الأقل المهم منها. وهذه الصعوبة تدفعنا إلى اختيار تصنيف يهتم بنوع الأعمال التي تؤديها هذه الشخصيات إما على مستوى المحكي (ما يُحكى)، أو على مستوى الحكي (طريقة حكي ما يحدث):المعيار الأول: اعتبار عمل الشخصية على مستوى المحكي: ويمكن أن نلاحظ في هذا الإطار:شخصيات تبادر بالقيام بأفعال مستقلة أو أفعال ناتجة عن تطورها السيكولوجي، مثل:علي: في مراحله الأولى قبل أن يتصل بعبد العزيز.
عبد العزيز: في المرحلة الثانية حين أصبح هو العقل المدبر والموجه للجماعة فلا تعمل إلا بناءً على تعاليمه.
شخصيات لاتقوم بأعمال مستقلة، وإنما يترتب سلوكها مباشرة عن علاقتها بالنوع السابق من الشخصيات، ولهذا نلاحظ ضعف صفتها السيكولوجية، ونمثل لها بــ :
علي: بعد اتصاله بعبد العزيز، إذ أصبح الأول فاقدا لمبادرة بذاته.الحياني: على اعتبار أنه هو وعلي يأتمران بأوامر عبد العزيز.المعيار الثاني: اعتبار فعل الشخصية على مستوى صيغة الحكي، وفي هذا الصدد يمكن تبين الأنماط التالية:

ايوب صابر 05-03-2015 12:13 AM

تابع ...
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 95- المعلم علي عبد الكريم غلاب المغرب


- الشخصية ذات الوظيفة الواصلة: ويمكن اعتبار الراوي شخصية مركزية تستقل وحدها بهذه الوضعية.

- الشخصيات ذات الوظيفة التكميلية: ونقصد بها ظهور الشخصية لمجرد إحداث الأثر الواقعي للمحكي أو للتأكيد على الأثر، ومن أمثلة هذا النوع يمكن ذكر إخوة علي: (عيشة وكنزة والجيلالي)، لأنها تظهر حجم أسرته وبالتالي عمق مأساته. وكذلك شخصية (فاطمة ــ أم علي ــ)، التي تشتغل غسالة ثياب . كل هذه الشخصيات تظهر مركز علي الاجتماعي.

- الشخصيات التي تقوم بإحداث الأثر الثقافي: ويمكن تمييز شخصية عبد العزيز في هذا الإطار كمُحْدِثٍ للوعي ومُطَوِّرٍ للثقافة السياسية والنقابية.

- الشخصيات ذات الوظيفة الميثولوجية: ونقصد بهذه الوظيفة إحالة بعض الشخصيات في مستوى صيغة الحكي على قصص دينية أو حضارية قديمة، ويمكن أن نذكر مثالا لهذه الشخصية: مولاي ادريس.

- على أن تصنيف الشخصيات الذي قمنا به لا يوضح الجانب الأهم في شخصيات الرواية، ألا وهو جانب العلاقات بين الشخصيات. ذلك أن هذه الرواية إنما تقوم كشبكة متداخلة من العلاقات بين الشخصيات، يتوازى بعضها ويتعارض الآخر ويتكامل الثالث.

- التوازي: وفي هذا الصدد نجد أن العلاقة بين بغض الشخصيات تتوازى دون أن تتشابه رغم أن وضعية هذه الشخصيات قد تكون متجانسة أو لاتكون.
علي الحياني عمل في دار الدبغ عمل في معمل النسيج دخل السجن عمل في دار الدبغ عمل في معمل الصابون دخل السجن

- التعارض: هذه التقنية يمكن أن تتجلى في العلاقة بين شخصيتين أو أكثر سواء على مستوى صفات هاتين الشخصيتين أو محكيهما: عبد العزيز الجنرال
متفهم / هادئ / يوجه المستغَلِّين / ينظر من أجل النقابة والاستقلال...سلطوي / مضطرب / يوجه المستغِلِّين / ينظر من أجل الاستغلال والاستعمار...

- التكامل: ولتبرز هذه التقنية على مستوى خصائص الشخصيات أو صفاتها أو آرائها أو سيرورتها في محكي معين، وإنما تتجلى في المنظور العام للرواية، وفي هذا الإطار نجد التكامل فيما بين شخصيتي: الحياني وعلي عبد العزيز وعي سلبي مضطرب وعي إيجابي تابث

ايوب صابر 05-03-2015 02:42 PM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 95- المعلم علي عبد الكريم غلاب المغرب


- تباشر رواية "المعلم علي" سيرورة تخلقها بحوار طويل بين شخصية علي وأمه فاطمة، سيمتد إلى حد مستهل الفصل الثاني الذي يتراكب فيه السرد والوصف: "على باب المطحنة، كان يقف تحت سقيفة من صفيح دقت على خشبة مهترئة، يحاول أن يتقي بها المطر المتهاطل كأنما ينصب من أفواه القرب. عيناه زائغتان تتلفتان ذات اليمين وذات الشمال كأنهما تبحثان عن مستقر. فكره منفعل مشتت لا تنعكس عليه أضواء الصباح ولا يتسم بهدوئه…" (ص 15).


- وأن تبدأ الرواية متخيلها بمطلع حواري، فهذا يعني أنها لا تدشن كينونتها على أساس خطاب وصفي يعين الخلفية الزمكانية لوقوع أحداثها وتحرك شخصياتها، أو خطاب سردي يصوغ بنيتها الحدثية، وإنما تدشنها على أساس خطاب خارجي جاهز تسعى إلى مزايلته، وهو الواقع:
"- أفق يا بني، أفق. فقد اضاءت الشمس مشارف السطوح.
- خو…خو…
- أفق يا علي، مالك أصبحت ككيس رمل لا تطيق حراكا…
- أوه…
ندت من علي وهو -يشير بيده متأففا- غارق في نومه العميق، وكأنه في أول ليله…"(ص - ص 5-6).

- ولا غرابة في أن يتسم سعيها هذا بنوع من التمحل والتكلف هما من سمات جميع المطالع الروائية. فهذا المطلع يوحي بأن الرواية بادرت إلى مفارقة "ما قبلها" بافتعال حوار بين شخصيتين دون سابق إشعار يبرره ويضفي عليه شرعيته. لذلك، فهو "يجسد صعوبة كل بداية، أي التوتر الناجم عن هذا الرهان: أن يكون الواقع، في ذات اللحظة التي ينزاح فيها عن هذا الواقع لينخرط في الخيال"(15).

- والرواية، بمطلعها الحواري هذا، تقذف القارئ رأسا وبمنتهى السرعة إلى غمرة الحدث في طور وقوعه، أو لنقل، بتعبير استعاري، إن القارئ، في هذه الحالة، يركب الرواية وهي في معمعة انطلاقها.

- فلم يتم إعداده لاقتحام الرواية بخطاب تمهيدي ينقله تدريجيا إلى عالمها الخاص، ولا تم تجهيز النص قبلا بمشهد موصوف أو بصورة للشخصية أو بإطار للحبكة.

- ولا شك في أن السارد، بسكوته عن ذلك، أراد الإيهام بحكاية مشروع فيها ترسم صورة عالم ما يزال يشد الرواية إليه مثلما يشد النعاس شخصية علي إليه .

- فكأن ترجح علي بين اليقظة والنوم ترميز إلى تردد الرواية بين الخروج من عالم الواقع والدخول إلى عالم المتخيل:
"… ويهمهم غاضبا وما يزال النعاس يشده إليه:
-… ما يزال الليل يسدل ستاره على الدنيا وهي توقظني كما لو كنت مذنبا أساق إلى مصيري…"(ص 6).

- وهو كذلك مصير الرواية (بل مصير كل الروايات) الذي يتقرر في مطلعها، أي قدرها كجوهر ذي تجذر مزدوج: تجذر في الواقع وتجذر في الخيال!

- تكمن أهمية هذا المطلع "المباشر"(16) إذن في كونه "يقطع حدثا بدأ من قبل، مما يثير سؤالا أساسيا يتصل بـ"ما قبل القصة الذي لم يكشف عنه، ولكن النص يفترضه. وهذا النمط المطلعي يجر القارئ مباشرة (أي دون توسط أو تدخل ما) إلى الخوض في الحدث"(17)، وفي كونه يباشر وظيفته خاصة. فبخلاف الروايتين السابقتين، اللتين تقومان على سنن حكائي نسقي يتألف من عناصر ومتواليات سردية تتسم، صراحة أو ضمنا، بإحكام الرصف والتركيب -وهو ما يدعوه Roland Barthes بـ"السنن التأويلي"، أي "مختلف العناصر الشكلية التي بواسطتها تتمحور الحبكة وتتوكد وتتوضح ثم تتأجل لتنكشف أخيرا"(18)-

- فإن رواية "المعلم علي" تكسر أحد عناصر هذا السنن بابتدائها بمطلع يوحي بانفتاحاها على حبكة تكاد أن تكون جاهزة، مما يجعله يزاول وظيفة تسريع إيقاع تشكل الحبكة الروائية.


ايوب صابر 05-03-2015 02:44 PM

تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 95- المعلم علي عبد الكريم غلاب المغرب

- يمكن القول إن مطالع روايات عبد الكريم غلاب اتسمت بسمات مشتركة تكفلت متضافرة بصياغة استهلالية خاصة.

-فهي، ككل المطالع الروائية، تحمل في ذاتها آثار كونها امتدادا لعالم موجود قبلا وكونها انزياحا عنه. ففيها تحقق نوع من التناص بين جوهرين مختلفين، لكن متكاملين، تجسد في تفاعل النص الروائي مع نص الواقع، هذا التفاعل الذي سرعان ما سيخبو بمجرد ما يتجاوز السارد الوجه الأول لعتبة محكيه ليمر إلى وجهها الثاني، لا السارد وحده، بل كذلك المسرود له، حيث سيتم عبوره من النص الأول إلى النص الثاني بالسيرورة ذاتها.


-انتقالها بعنف وتعسف بين النصين. فالجمل الأولى تمثل تلك العتبة التي يشعر فيها الروائي بالتردد والارتباك. فهو، لدى مواجهته الصفحة البيضاء، يكون بعد مشدودا بأكثر من وثاق إلى عالم الحقيقة. لكن نداء هذه الصفحة ملحاح وإغراءها لا يقاوم! فهل من حيلة أخرى إذن سوى افتعال مرور عنيف ومباغت من اللانص إلى النص؟

-احتواؤها على مبادئ إنتاجيتها النصية. ففي متوالياتها الاستهلالية تقرر مصير الروايات. فهي جميعا شفافة في مستوى شفافية الواقع الذي تسعى جاهدة إلى تصويره، لا أثر فيها لأي أسلبة متكلفة ولا لأي تكلف أسلوبي، مما ينبئ بطبيعة السجل الجمالي (هنا: الواقعية) الذي ستستمد منه هذه الروايات عناصر صوغ متخيلها.

-تضمنها، بالتلازم مع هذه الخاصية، لاشتراطات مقروئيتها. فالروايات، باستيحائها الجمالية الواقعية، قد جهزت في مطالعها قارئها المفترض، فحددت أفق انتظاره والميثاق الذي سيبرمه معها.


ايوب صابر 05-05-2015 01:48 PM

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 95- المعلم علي عبد الكريم غلاب المغرب


- عبد الكريم غلاب.. كاتب ارتبطت عنده الكتابة بالنضال

- الذات والوطن عند عدد من الزعماء والمفكرين العرب مظهران لماهية واحدة، ذلك ما كان عليه الأمر عند علال الفاسي، ومحمد المسعدي، وكاتب ياسين، وساطع الحصري، وعبد الكريم غلاب وغيرهم من الكتاب والقادة الذين ارتبط لديهم الأدب والفكر بالنضال من أجل التحرر والتحديث والديمقراطية وتحقيق نهضة وطنية شاملة.

- تبدو الكتابة عن الذات عند الكاتب والسياسي المغربي عبد الكريم غلاب، جزءا من قدر الكتابة عموما، وهاجسا لا يكاد ينفصل عن هموم التعبير عن ذاكرة الوطن، وتحولات مساره، وتطلعات أجياله.

- ذلك ما تُنبئنا به ظاهريا على الأقل دراسة الناقد «حسن بحراوي»، التي اختار لها عنوان «جدل الذات والوطن» الصادرة عن: دار جذور للطباعة والنشر، الرباط، 2005.

- ويأتي الكتاب الحالي ليسلط الضوء على جانب مهمل من تجربة غلاب السردية، متمما في هذا السياق الجهود التحليلية التي أنجزها العديد من النقاد المغاربة والعرب، ممن انصرفوا لدراسة المنجز الروائي والقصصي لـ «غلاب»، وتحليل منتوجه الفكري، مثل: إبراهيم الخطيب، ونجيب العوفي، وعبد الحميد عقار، وحميد لحميداني، و«صالح جواد الطعمة». ويتعلق الأمر بالبحث في جماليات الكتابة السير ـ ذاتية عند غلاب، وإضافاتها النصية لرصيد هذا النوع العريق من السرد العربي، وإسهاماتها الفنية والخطابية في بلورة مكانة معتبرة للأدب الشخصي في مسار الكتابة السردية المغربية الحديثة، بهدف الوصول إلى تمثل حيز الجدل الخفي بين «الأنا» ومجالها المرجعي متمثلا في المجتمع والثقافة والتاريخ والفضاء الحاضن.

- يشتمل الكتاب على أربعة فصول، فضلا عن تمهيد وخاتمة. خصص كل فصل لنوعية محددة من الخطاب «السيرـ ذاتي»، ترتبط بمرحلة عمرية معينة، وبتجربة حياتية خاصة. هكذا أفرد الفصل الأول لسيرة «الطفولة والصبا»، وتناول فيه الناقد المرحلة الممتدة من سنة 1918 تاريخ ميلاد الأديب المغربي، إلى سنة 1937 موعد هجرته إلى مصر، وهي الفترة التي خصصها السارد لوقائع النشأة الأولى بمدينة فاس، وبدايات اكتشاف العالم المديني الصغير، وصلات الصبي بمحيط الأسرة و«الكتاب» و«الحارة»... وهي الوقائع التي انطوت عليها سيرة مفردة حملت عنوان: «سفر التكوين» (1997).

- أما الفصل الثاني فخصصه «حسن بحراوي» للسيرة «التعليمية» حيث تناول بالتحليل نص «القاهرة تبوح بأسرارها»(2000) وهو النص الذي يرصد الفترة الممتدة من مغادرة «غلاب» للمغرب سنة 1937، وحتى عودته إليه بعد مرور إحدى عشرة سنة من الإقامة المتواصلة في مصر، شهد خلالها تحولات ثقافية حاسمة، وخطوبا سياسية بالغة الخطورة، وتعرف فيها إلى رموز أدبية وفكرية طبعت المشهد الثقافي العربي لعقود عديدة من أمثال طه حسين والعقاد والمازني وأحمد أمين، كما انخرط في أجواء النقاش السياسي الحامي الذي احتضنته فضاءات الجامعة والنوادي الثقافية والصالونات الأدبية ودور النشر والصحافة، وغيرها من مراكز التنوير التي ازدهت بها القاهرة في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي.

- هذا بينما خصص الفصل الثالث من الكتاب للسيرة «السجنية» من خلال نص «سبعة أبواب» الذي تناول فيه غلاب تجربته في الاعتقال على عهد الاستعمار التي استمرت ستة أشهر، بما هي تجربة شديدة الخصوصية طبعت ذاكرته ومساره الحياتي، وكان لها بالغ الأثر في تعاطي شخصية المناضل السياسي الذي مثله مع الاختبارات العديدة التي شهدها المعترك السياسي المغربي طيلة عقود طويلة من التجاذب بين الحكم والمعارضة. ويجدر التنويه في هذا السياق بنص السيرة السجنية الذي كان هو أول نص ذي طبيعة سيرة ذاتية كتبه غلاب، حيث صدر مطلع سنة 1965، قبل كل نصوص السير الأخرى التي أرخت لمساره الحياتي.

- وختم «حسن بحراوي» كتابه «جدل الذات والوطن» بفصل عن «سيرة الشيخوخة» كان هو الرابع والأخير من الكتاب، تناول فيه بالتحليل نص «الشيخوخة الظالمة» (1999)، وهو نص فريد في نوعه في سياق السير العربية المعروفة بانحيازها لفترات الطفولة والشباب وتمجيدها لمحطات العنفوان، بينما يبدو النص الحالي شاذا من حيث «فرحه» بخريف العمر، واحتفائه بأفول الزمن، وهدوء السريرة، بعد التخلص من شهوات «الشهرة» و«المركز». إنه أشبه ما يكون بمديح لمرحلة «المراجعة التأملية» التي غالبا ما تركت من قبل الكتاب خارج دائرة الضوء. ومحاولة لاستبطان مفارقات الوعي والسلوك في شيخوخة مجازية، من قبل ذات لا تكف عن بث الإحساس بتجدد اليفاعة.

- والحق أن هذه الدراسة التي قدم حسن بحراوي جزءا منها ضمن الحفل التكريمي الذي أقامته مؤسسة «سعاد الصباح» بالتعاون مع الجامعة الأميركية ببيـروت، لعبد الكريم غلاب، تبدو في شقها الأعظم محاولة لإضفاء منطق ذهني/تركيبي على نصوص السير الذاتية التي لم يخضع فيها «غلاب» مساره الحياتي لاسترجاع يراعي منطق التعاقب والاسترسال، وإنما كان ينطلق دوما من أحداث كبرى في حياته ليسلط الضوء على التفاصيل والتحولات التي أحاطت بها، ومدى تأثيرها على شخصيته الفكرية، واختياره السلوكي، كما أن الدراسة غلبت عليها في أحايين كثيرة نغمة الحكي واستعادة الوقائع، بحيث بدت أشبه ما تكون بملخص لنصوص السير المختلفة، واختزال لها في صور محددة يحكمها الجدل والترابط.

- والظاهر أن الإضافة النقدية الأساسية في هذه الدراسة تتمثل أساسا في استخلاصها لجملة سمات فارقة لطبيعة السرد الذاتي لدى «غلاب»، من مثل سمة «التوازن التصويري»، قرينة «الصدق» و«الموضوعية»، التي ميزت نصوصه عما سواها من سير المشاهير، خصوصا السياسيين منهم، حيث غالبا ما تطغى نبرة التمجيد، وتصوير رحلة «الصعود» العبقري، والطهرانية. يقول الكاتب في هذا السياق: «نجده ـ أي غلاب ـ يتجنب الإشادة بصفاته الشخصية... مبتعدا عن ذلك التقليد الشائع في إبداء الإعجاب بالنفس والتنويه بما حققته منجز. واستعاض عن ذلك بممارسة النقد الذاتي والصدع بالعيوب ونقاط الضعف الإنسانية» (ص 124).

- ولعل السمة الإيجابية الثانية التي تستثير الانتباه بصدد هذا المعنى ذاته، مزج السارد (غلاب) بين صوته الشخصي وصوت الضمير الجمعي، وجعله من التفاصيل الشخصية مجرد منفذ إلى نوع من التاريخ السياسي والاجتماعي، حيث ينتقل الحديث من دائرة الزمن الشخصي إلى نسق من الوقائع الغيرية المنفتحة على الأفق القومي الجماعي.

- تلك كانت أهم المضامين التحليلية التي اشتملت عليها دراسة الناقد حسن بحراوي عن عبد الكريم غلاب، سعى من خلالها إلى الكشف عن التشكيل السردي لنصوص السيرة الذاتية لهذا المفكر المغربي البارز، بالقدر ذاته الذي استهدف فيه التعريف بالمحطات المركزية في حياته وتفاصيلها الحميمة، والوقوف، من ثم، على سماتها الجمالية، وسجاياها الفنية والأسلوبية. مما جعل من كتاب «جدل الذات والوطن» ترجمة نثرية بالغة التأثير لتحولات مسار أدبي ثري، وتجربة حياتية مثيرة بتفاصيلها وتقلباتها المدهشة، لا يمكن إلا أن تعد بسفر ذهني عذب، يدعو لمعاودة القراءة مرات عديدة.

من مقال بقلم: د. شرف الدين ماجدولين

==

- أصدرت مؤسسة منتدى أصيلة، كتابا جديدا يؤرخ للمسيرة الإبداعية للكاتب والروائي المغربي المعروف عبد الكريم غلاب، تحت عنوان “عبد الكريم غلاب: الأديب والإنسان”.

- ويضم الكتاب شهادات ودراسات لنخبة من الكتاب والنقاد المغاربة وهم: محمد العربي المساري، أحمد المديني، محمد بوخزار، علي القاسمي، مبارك ربيع، عبد العالي بوطيب، حسن بحرواي، محمد غز الدين التازي، مصطفى يعلى، أنور المرتجي، هشام العلوي، رشيد بنحدّو، الحبيب الدائم ربي، محمد المسعودي، حسن المودن، محمد أقضاض، ابراهيم أولحيان، عبد اللطيف محفوظ، عبد الرحيم العلام، محمد يحيى قاسمي.

- والكتاب من إعداد الناقد المغربي عبد الرحيم العلام.

- واعتبر محمد بنعيسى في توطئة الكتاب أن لاحتفاء مؤسسة “منتدى أصيلة في موسمها الثقافي الدولي الثالث والثلاثين، بالأستاذ عبد الكريم غلاب، أكثر من معنى ورمزية.

- لقد دأبت أصيلة، على الاحتفاء برموز الثقافة والفكر والأدب والفن. من المغرب وخارجه، لكن الاحتفاء في هذه الدورة بالأستاذ غلاب، له نكهة وطعم خاص، لاعتبارات عديدة ومتضافرة فيما بينها.

- ومع ذلك، فالمتمعن في الموقع المرموق الذي تحتله شخصية عبد الكريم غلاب، وطنيا ونضاليا وسياسيا وفكريا وأدبيا وإعلاميا، لابد وان يثيره، منذ الوهلة الأولى، تعدد شخصية الرجل وتنوع حضوره وعطائه، بما يكسب شخصيته الفذة أبعادا إنسانية وريادية مؤثرة، في عديد المجالات والميادين التي انخرط فيها المحتفى به.

- كل ذلك، إذن، يجعلنا أمام علم ومفكر وأديب ورجل إعلام. ويقول بنعيسى “ويكفي، أن نتأمل التجربة الوطنية والنضالية والسياسية المديدة للرجل، وكذا مشروعه الفكري والنقدي والأدبي والصحفي، وغزارة إنتاجه في مختلف مجالات التعبير والرأي التي كتب فيها غلاب وأبدع، لكي نلمس عن كثب مدى شموخ هذا العلم، ومدى قيمة إنتاجه الثقافي عموما”.

- ويتضمن هذا الكتاب، شهادات عن شخصية الأستاذ عبد الكريم غلاب، في تلويناتها وأبعادها الإنسانية والفكرية، فضلا عن دراسات وقراءات وتحاليل في مجمل إنتاجه الأدبي والنقدي، إبرازا للدور الكبير الذي قام به الأستاذ غلاب، باعتباره كاتبا وأديبا ملتزما بقضايا أمته ومجتمعه، في التأسيس لأدب مغربي حديث، وفي إثراء المشهد الأدبي المغربي والعربي بكتابات منتظمة في أجناس أدبية: الرواية والسيرة الذاتية والمذكرات والقصة القصيرة والرحلة والنقد...

- وقد تم تزيين صفحات هذا الكتاب بصور من شريط ذكريات المحتفى به، في توهجها، وفي كشفها عن مدى ما يتميز به الراحل من وضع اعتباري لافت، في أبعاده الوطنية والنضالية والسياسية والمهنية والإبداعية”.

- وفي شهادة الأستاذ محمد العربي المساري، الذي يعد من أحد أصدقاء الأستاذ عبد الكريم غلاب، قال المساري في مقالته الافتتاحية، إن عبد الكريم غلاب ولد “سنة 1919 بمدينة فاس، ثم التحق بالقاهرة حيث حصل على الإجازة في الأدب العربي من جامعتها. ويمكن رصد مسار حياته عبر ثلاث فترات هي فترة التكوين في فاس والقاهرة، وثانيا فترة النضال السياسي بعد 1948، وثالثا غلاب الأديب في فترة الانفجار التعبيري عبر القصة والرواية. وبهذه الفترة يبدأ فصل في حياة غلاب له بداية علمت ما بعدها”.

- ويضيف المساري، متحدثا عن الأستاذ غلاب “في فترة التحصيل بكل من فاس والقاهرة، كان الفتى عبد الكريم يعد نفسه للحياة، بالتزود من المعارف المتاحة، حيث اجتاز مسارا لم يكن له فيه اختيار سوى أن “قوة الدفع كانت أقوى من قوة الارتداد إلى وراء”، كما يقول عن فترة وجوده في القاهرة، وهو مندمج في المجتمع المصري الشاب في الجامعة والمكتبة والشارع. وكدأب خلانه من أفراد جيله، كان يمزج التحصيل بنشاط أدبي جمعوي يملأ به وقته الثالث، فيقارع القلم، ويغشى المنتديات، معبرا عن رغبة مبكرة في أن يسجل اسمه ضمن فئة تمتزج عندها “الأوقات الثلاثة” جميعا. حدثني انه وهو تلميذ في القرويين، سمع بمبادرة في تطوان لإحياء الذكرى الألفية لأبي الطيب المتنبي، الذي كان قد دعا إليها الأستاذ الطريس، فكتب مقالا لمجلة “المغرب الجديد” التي كان يصدرها المكي الناصري في عاصمة الشمال، حيث تناهى إلى علمه أن المجلة التطوانية كانت بصدد إصدار عدد خاص بالمناسبة. وقد يكون هذا أول مقال دبجه، ولكنه وصل بعد إقفال العدد فلم ينشر. وفي فترة القاهرة لم يكن يصرفه التحصيل العلمي عن الكتابة والقراءة والاشتغال بالشأن العام.

- في القرويين كان يتنفس السياسة، والحركة ما زالت بعد في طور التأسيس، تحثها على السير إلى الأمام مبادرات شاعر الشباب علال الفاسي. ويؤدي غلاب ضريبة انجرافه وراء التيار المؤسس للحركة، فيرتاد السجن لأول مرة، وفي حقبة التحصيل في القاهرة (من 1937 إلى 1948) يملأ رئتيه هواء السياسة ممزوجا بالثقافة، على إيقاع حركات طه حسين الخارج من معركة هي من العلامات الأولى في مسار الموجة الليبرالية العربية، وكذلك على إيقاع الصراع بين الوفد وخصومه، والسجالات التي كانت تملأ صفحات مجلة “الرسالة” التي كان يصدرها الزيات، والبرلمان والشارع والمحاكم.

- وهنا ينفتح وعي الشاب غلاب على ما كان يعتمل في عاصمة جعلتها الظروف قائدة التنوير في المنطقة كلها. وفي ذلك الخضم، يختار غلاب أن يقوم بدور سياسي فنجده عضوا في “رابطة الدفاع عن مراكش”، ومشاركا في إعداد عريضة الشباب المغربي في القاهرة للمطالبة بالاستقلال، في نفس الوقت الذي أعدت فيه وثيقة 11 يناير 1944 المعروفة، وبذلك صنف نفسه ضمن المعسكر الذي ركب أهوال معركة كان مرسوما لها أن تطول. وتطابقت انشغالات الطلاب المغاربة المهاجرين مع الأصداء التي كانت تصل من الوطن.

- بعد 1948 تابع غلاب وهو في الرباط المسار الذي ارتسم لديه بوضوح، حيث أدرك أن استقلال المغرب هو القضية، وأن هذا الاستقلال لن يكون إلا ضمن مشروع متكامل يستحضر وحدة النضال في أقطار المغرب العربي، وهذا هو العلم الذي حمله من القاهرة حيث كان قد تم اختياره أمينا عاما ل “مكتب المغرب العربي” حينما انعقد المؤتمر التأسيسي في فبراير 1947.

- وهكذا ما أن عاد إلى المغرب حتى ارتسم في ذهنه بوضوح أن مكانه هو طليعة النضال من أجل الاستقلال، بهوية مغاربية، وافق عربي.

- تقوت عنده هذه الهواجس، وهو يصنع لنفسه مكانا بين العاملين في سبيل القضية الوطنية العامة. واختار بالذات أن يكون موقعه هو الواجهة الثقافية التي أنشأها الحزب، فكتب في “العلم”، ثم تولى رئاسة تحرير مجلة “الرسالة” المغربية. وفي هذه الفترة ارتسم مسار غلاب في ثلاثية هي الصحافة والسياسة والأدب.

- وهكذا نجده في غمرة مهام المرحلة، ضمن رديف للجنة السرية البديلة للجنة التنفيذية للحزب بعد القمع الذي كان في سنة 1952، وخالجه في تلك الفترة مشروع كتاب “الأوضاع الاجتماعية في المغرب” الذي كتبه سنة 1954 ولكنه لم يطبع.

- وفي نفس الاتجاه تابع غلاب طريقه، بعد 1956 مازجا بين السياسة والصحافة. مناوبا بين هذه وتلك. دخل دواليب التسيير الإداري والسياسي وزيرا مفوضا في الخارجية لدى تأسيسها وذلك لفترة قصيرة عاد بعدها إلى التحرير في “العلم”. وظل الحس الأدبي يمارس قوة جذب ملحة، مثلما كان شأن عبد المجيد بن جلون وعبد الكريم بن ثابت. وانساق غلاب في أمواج الصحافة والسياسة، تصنع جدول أعماله متطلبات الحضور في مهام ما بعد الاستقلال، ماضيا في مسيرته على إيقاع مسيرة الحزب الذي انتمى إليه، فيكتب في السياسة: الاستقلالية عقيدة ومذهب وبرنامج، ثم الإصلاح القروي”.

- أما محمد أقضاض، فاعتبر أن عبد الكريم غلاب من “الكتاب المغاربة الأكثر إنتاجا والأكثر تنوعا في هذا الإنتاج، فقد كتب في التشريع وفي التاريخ وفي الفكر وفي الأدب والنقد، وفي السرد من رواية وسيرة ذاتية وقصة قصيرة”.

الاتحاد-من مقال بقلم : محمد نجيم





ايوب صابر 05-06-2015 11:13 AM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 95- المعلم علي عبد الكريم غلاب المغرب


- قبل أن ينظر للشعر كيف ينبغي أن يكون ناقش الأستاذ غلاب الرومانسيين والرمزيين من خلال سؤال مهم هو : ماذا نختار من المذاهب الأدبية ؟ وصبت أغلب أجوبته في اتجاهين ، يدعو في الأول إلى اعتناق المذهب الواقعي ؟ ويحارب في الثاني أتباع الرومانسية والرمزية .

- يقول في دعوته لاعتناق المذهب الواقعي : << إن رسالة الشعر يجب أن تنصرف إلى تصوير حالة المجتمع ، وإلى نقل الصور الحية ، لأن المجتمع يطفح بالصور الإنسانية التي لا يستطيع أي فنان أن يمر أمامها دون أن تدفع به إلى استخدام موهبته في تصويرها ، وإبراز أثرها مما يدخل في رسالة الشعر .. الشعر الذي يحيا مع الناس ، ويحس بإحساسهم ، ويصور جوانب من حياتهم>>2.

- والحياة التي يعنيها (عبد الكريم غلاب) ليست تلك التي يحياها الشاعر في برجه الخاص، فقد لا يكون لها أي أثر في توجيه الشاعر ، ولكنها – كما يقول – حياته وسط الأحياء الذين يعيش معهم، ويبادلهم المنفعة لإكمال عناصر الحياة في المجتمع الخاص 3 . وفي عبارة هذا الأخير إشارة صريحة إلى تبني المذهب الواقعي ، وإشارة إلى التعريض بالرومانسيين والرمزيين الذين يخالفون الواقعيين .

- لم يعد الشعر – في نظر غلاب – عملا سلبيا أو تعبيرا عن عواطف فردية .. وحياة عاطلة ، ولم يعد يعتمد على التهويمات الرومانطيقية أو اللمسات العاطفية أو التلوين اللفظي بمقدار ما يعتمد على الفكر والعقل والتحليل والتوجيه . إنه في معناه الحقيقي يعتمد على التعبير الجميل عن أدق الانفعالات الإنسانية والقومية والوطنية ، والنضال عن طريق الكلمة السامية في سبيل الخير والحياة الأسمى والجمال الأرفع >> 4.

- وفي رأي (غلاب) أن الشاعر الذي يعيش مع خيالاته أو الذي اصطلح على إدراج شعره في الموجة الرومانسيةقد يقول شعرا لأنه معبر عن الذات ولكنه يظل بعيدا عن الآخرين إلا حينما يعبر عن إحساس الحالمين من أمثاله، وتلك شريحة باهتة نجدها في المجتمعات التي لا تواجه الحياة بكل أبعادها وصراعاتها 5 . يقول : << والشعر .. لا يعني أن الشاعر يستند في ترنمه إلى ذات نفسه – ولا شيء غير هذه الذات – وإنما يستند انطلاقا من ذاته إلى تجاربه في الحياة ، مع الواقع الحلو أو المر الذي يعيشه داخل نفسه …>> 6.

- إن الشاعر بهذا المفهوم هو الذي يرتبط بالحياة اليومية للمجتمع ، ويصف هموم الناس ، ويعيش معهم مشاكلهم . فالوطن - في نظره - في حاجة إلى من يزيح عنه كابوس العبودية والظلم، لا من يبكي وينتحب ويجتر أوهام الذات .

- يقول الأستاذ غلاب : << إننا نعتقد بأن إقليمية الأدب تكاد تكون من ضروريات الأدب الحي ، لأن الأدب الذي لا يعكس طابع إقليمه معناه أن صاحبه لا يشعر بما حوله ، ولا يتفاعل مع طبيعة بلاده ، ولا مع التيارات التي تتقاذف المجتمع الذي يعيش فيه ، وسيكون إنتاجه مجرد اجترار لمحفوظاته فقط ، ولا صلة بواقع الحياة ، وهو بالتالي غير قادر على البقاء والاستمرار في إطار المحلية >> 7 .

- غير أن المذهب الواقعي الذي ينادي به الأستاذ عبد الكريم غلاب لا يعني بالضرورة أن يكون عن طريق الأسلوب الواقعي في الشعر ؛ ولا يعني كذلك الانصراف إلى التعبير عن المجتمع المغربي فقط، وإنما يعني الدعوة إلى تركيز الجهود لإنتاج أدب قومي وإنساني في الوقت نفسه . ولا يعني ذلك ثالثا أنهيدعو إلى أدب إقليمي ضيق ، وإنما يدعو إلى البحث عن أسس حضارية تخرج الأدباء إلى ما يسميه بالمحيط الإنساني . 8

- إن الأستاذ غلاب لا يدعو إلى إقليمية أدبية ، وإنما يدعو إلى المساهمة في رسم هذه اللوحات الكبيرة للأدب التي يشارك في رسمها جميع أدباء العالم ، كل واحد منهم يرسم فيها ما يقع عليه نظره، وما تنفعل له نفسه 9 .

- فهذا المفهوم يعمد فيه غلاب إلى النظر في الشعر من زاوية الرؤية الإنسانية ، ومن خلال علاقته بكل بيئات العالم ، فلكي ننتج شعرا مغربيا لا بد أن نمتلك حسا إنسانيا ، وإذا كان بعض الشعراء في أمم أخرى يعرفوننا ببيئاتهم عن طريق ما ينشرونه من إنتاج فيكون من اللازم – في نظره – أن نعرفهم بالبيئة المغربية عن طريق إنتاجنا الشعري .

- هكذا أصبح الشعر في ظل الإنسانية ؛ بعيدا عن الإقليمية الضيقة، وظل مقياس الروعة في الشعر محصورا في مقدار ما ينطوي عليه الأثــر الشعري من قوة مستمدة من واقع البيئة التي ليست بالضرورة محلية (أي مغربية) ، بل هي إنسانية عالمية تتجاوب مع جميع رسالات الآداب الإنسانية العالمية ، وتتعاون معها وتتفاعل وتتكامل . وبحكم هذا التعاون والتفاعل والتكامل بين أبناء الإنسان في كل مكان من الأرض ، فإن الحدود المكانية للمجتمع لا ينبغي أن تكون حدودا عقلية بالنسبة للشاعر .

- كما أن اتصاف الشعر بالواقعية والإنسانية يفرض عليه أن يكون شعرا إنسانيا حقا ، يعبر حدوده مكانيا ، ويتجاوزها ليصل إلى كل مكان في الكرة الأرضية .

- وللخروج بالشعر من قوقعة الحدود المكانية للمجتمع يشترط الأستاذ غلاب ، أربعة عناصر أساسية لبلوغ دائرة الإنسانية العامة ، وهي : - الصدق - والالتزام - والوعي - واختيار الموضوعات .

- ويقول يعتبر الصدق أو الحقيقة الشرط الأساس لتحمل أعباء مسؤولية الرسالة الإنسانية العالمية للشعر ، وهو نقطة الانطلاق للشعر الإنساني . فـعلى قدر هذه الحقيقة وهذا الصدق يكون الشعر الوطني شعرا إنسانيا ، وبغيابهما يظل الشعر وطنيا محليا ، فاقدا لكل انفتاح على الإنسانية أو العالمية . وهو في هذه الحال لا يقوم برسالته الشعرية خير قيام ، وعندئذ يفوته الركب المتفوق الذي يقود قافلة الآداب العالمية إلى الأمام ، ويبقى هو يتعثر في مسيرته البطيئة يجر خطواته جرا ثقيلا .

- والصدق لا يتأتى إلا إذا اندمج الشاعر في المجتمع ليستطيع التعبير عن الحياة الإنسانية بما فيها من آمال وآلام ، ومن الأحسن – كما يقول (أحمد زياد) – أن ينفعل الشاعر مع واقعه ومع أحاسيسه انفعالا صادقا ليأتي بالصور الشعرية الفنية التي ترسم الصور في غير مبالغة ولا تهويل . 10

- والشعر – في ظل الشعر الإنساني- لا يكون رائعا إلا إذا كان صادقايصور إحساسات تفاعلت فيها عناصر المشاهدة والملاحظة ، ويكون على العكس من ذلك خافتا وباهتا كلما صدر عن نفسية مصطنعة تقـلـد ولا تبتكـر . 11

- وتبعا لذلك فإن الصدق في التجربة الشعرية يساهم بأكبر نصيب في تشخيص أماكن الضعف في الشعوب التي ما زال فيها ضعف ، ثم إنه قادر على أن يكيف نفسية الشاعر بكيفية خالية من كل أثر للتصنع أو التكلف . وتبعا لذلك أيضا ، فإن الشعراء لا يقولون إلا الحق ، ولا يلجون إلا باب الصراحة الواضحة ، والصدق المجرد في تصوير وسائل الحياة ومظاهرها تصويرا صادقا . 12

- إن علاقة الصدق الشعري بالواقع ( الإنساني ) مباشرة ، ويمكن أن يتحقق الشاعر من صحة التطابق فيها . والشعر الواقعي الصادق هو محك الشعر الإنساني الخالد ، وبدون هذا الصدق يبقى الشعر باهتا ومحليا إقليميا ، لا يرقى إلى درجة الشعر الإنساني .

- وهو في نظر غلاب الشرط الثاني في العملية الشعرية لبلوغ دائرة الإنسانية ، والشاعر الملتزم – على حد تعبيرههو الأديب الواعي بمسؤوليته الفكرية والأدبية .. ولا يمكن إلا أن يكون ملتزمابقضايا أمته ووطنه وبالقضايا الإنسانية جمعاء 13. <<

- وهو ينبع من ذات الأديب نفسه ومن تقديره لرسالته ، ومن اندماجه في الحياة والناس ، ومن استيحائه من مجتمعه ومن معرفته الخاصة للخير وقدرته على الدفاع عنه ، ومن تمييزه للجمال وقدرته على إبرازه ومن اشمئزازه من الشر وقدرته على النضال ضده ، ومن ممارسته للحياة مع الناس ، وقدرته على الإيحاء إليهم ، ومن أسلوبه في التعبير والأداء وقدرته على النفاذ إلى ضمير مخاطبيه>> 14.

- والالتزام بهذا المعنى هو أن يتخذ الشاعر موقفا من الشؤون التي تعرض أمامه ، ولا بد من أن يصدر حكمه فيها ، لأن الحياد في مثل هذا القيام ليس ممكنا ولا مرغوبا فيه .

- وبعبارة أخرى يجب على الشاعر أن يصبح مكافحا من أجل مثل عليا ينشدها ، ويسخر لها مواهبه وقواه ، شأن غيره من المكافحين .

- ولا يقف مفهوم الالتزام – في نظر غلاب – عند اتخاذ المواقف أو الانصهار مع حياة الشعوب، فقد تتوافر هاتان الخاصيتان في الشاعر ، فلا يكون واقعيا ؟ ولا تكون واقعيته إنسانية ؟ والالتزام بهذا المعنى يلزمالشاعر بالابتعاد عن الطبقية ، والشعر بهذا المعنى لا يكون شعرا صحيحا إلا إذا كان مرآة للحياة العامة ، لا مرآة لنوع خاص من الحياة .

- وهذه إشارة لمفهوم الطبقية في الإنتاج الأدبي التي تعني أن عوامل البيئة تستطيع التأثير على بعض الشعراء من الطبقة الأرستقراطية مثلا ، فيكيفون إنتاجهم تكييفا خاصا ، فيخرجون شعرا رائعا ، يصورون فيه هذه البيئة في مستواهم العام ؛ وفي مستواهم الخاص .

- إن غاية الشعر عند الأستاذ غلاب هي أن يعيش على نشر الوعي في كافة الميادين. فإذا كان الشعر مسؤولا وجب عليه – في نظر ( غلاب ) – أن ينـزل إلى الجماهير الكادحة ليحركها ويوقظها ، ويبعث في جوانبها الحركة والتمرد ، والأمل والحياة . 15

- والتوعية ليست من مسؤولية الأحزاب السياسية وحدها ، ويخطئ كل الخطأ – في نظر أتباع الواقعية – من يظن أن السياسة هي التي تستطيع وحدها أن توقظ الوعي في الجماهير أو تعبئها ، بل الشعر – كما يقول (زياد) هو الذي <<يستطيع أن يوقظ الوعي في الجماهير وأن يعبئها>>. 16

- والصلة الوثيقة التي تربط الأدب بالواقع هي التي خولت لوظيفة الشعر أن تكون وظيفة كفاح ونضال، إلى جانب أنها وظيفة توعية ، ومعنى هذا أن الشعر أصبح أداة من أدوات إعداد الأمة إلى خوض معركة الحياة .

- الموضوع في الشعر هو المنطلق بالنسبة لغلاب ، ولكن المضمون هو ما يستطيع الشاعر أن يضفيه على موضوعه . فالسر إذن ليس في الموضوع بمقدار ما هو في الشاعر نفسه،

- ومن هنا لا يتنكر غلاب لبعض الموضوعات التي تسمى تقليدية أو للأبواب التي حصرها النقاد القدامى في الشعر العربي باعتبارها أبوابا تقليدية قديمة مستهلكة .

- ومن هنا أيضا لا يدعو غلاب الشعراء إلى أن يلتصقوا بالموضوعات القديمة التي يعدها كثيرون مستهلكة ، ولكنه يدعوهم إلى أن يعطوا لموضوعاتهم مضامين جديدة مهما كان الموضوع ..قديما مستهلكا ، يقول : << فالموضوع لا يستهلك الأدب ولكن الذي قد يجعله مستهلكا هو الأديب نفسه ، وقد يجعل منه رغم قدمه غير مستهلك >> 17.

- إن اختيار الموضوعات الشعرية ضروري حسب غلاب ، وهذا الاختيار سيصطدم مع شعراء المناسبات الذين يتصيدون الفرص للإنتاج 18 . فشعراء المناسبات لا يتخذون خطة عامةتؤدي إلى غاية معينة ، بل يكتفون بالسير مع الصدف والمناسبات.

- ولذلك فإن معظم الشعر الذي ينظمه هؤلاء لا يستطيع - كما يقول (عبد الكريم غلاب) -أن ينسبه القارئ - الذي لا يعرف عمن صدر - إلى المغرب والى شعـراء المغرب ، ومن ثم كان هذا الشعر لا يمثل إقليمه ولا البيئة التي صدر عنــــها . 19

- و(عبد الكريم غلاب) الذي رفض شعر المناسبات جملة وتفصيلا يعجب بالمتنبي وأبي تمام وابن الرومي أولا لأنهم <<حاولوا أن يصرفوا المدح من الشخص إلى التعبير عن قضية أو فكرة ، فكان المدح أو الهجاء أو الرثاء عندهم إطارا لفن رفيع من فنون التعبير الشعري ، ينسيك الإطار وأنت تقرأه لأنه يضعك أمام شعر حقيقي لا يضيره أن عنوانه - مثلا - مدح سيف الدولة أو المعتصم>>20 .

- ويعجب بالشاعر أحمد زكي أبي شادي ثانيا لأنه - في نظره - <<يستطيع أن يخلق من المناسبة العابرة ميدانا للشعر الإنساني الخالد بما ينفحه من عقله وعاطفته ، وما يولد فيه من معان إنسانية لا تمس شخصا معينا ولا تتصل بحادثة خاصة ، وذلك ما يخرج بشعره عن شعر المناسبات الذي ألفـناه عند كثير من الشعراء يتعبهم فلا يستطيعون أن يخرجوا به عن معـناه الضيق إلى المعنى الإنساني العام>> 21.

- كيف نفسر - إذن - موقف رافض لشعر المناسبات يقبل شعر شاعرين واحد من القديم وواحد من الشرق لأنهما يخلقان – في نظره – من المناسبة ميدانا للشعر الإنساني ؟ .

- لا نملك تفسيرا لهذا الموقف سوى أن نقول : إن (غلاب) يميز بين الشعر المرفوض والشعر المرتضى. فهو يقبل بشعر المناسبات الذي يعود نفعه على الإنتاج بصورة عامة وعلى الأمة جمعاء ، ويرفض شعر المناسبة الذي يهم فردا أو هيئة .

- والموضوعات الجديرة بالاهتمام – في نظر أتباع الواقعية – هي التي تتصل بالحياة العربية والإسلامية والعالمية العامة ، مثل مأساة فلسطين ، وميلاد فكرة القومية العربية وفكرة توحيد المغرب العربي .. الخ

- أما إذا استهلكت هذه الموضوعات ، فينبغي على الشعراء أن يبحثوا عن أخرى ، بل أصبح لزاما على الشاعر ، وواجبا في حقه – كما يقول ( زياد ) – إن أراد إرضاء شعوره الخاص ، وشعور قرائه – أنيحدث المناسبة ويخلقها خلقا ليذكر الناس بأحوالهم ومعاناتهم . 22

ايوب صابر 05-06-2015 11:21 AM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 95- المعلم علي عبد الكريم غلاب المغرب

- لكي يكون الشاعر شاعرا لا يمكن أن يكتفي منه بأن يتقن علوم اللغة كالنحو والصرف والاشتقاق أو علوم الوزن كالعروض والقافية أو علوم الأدب كتاريخ الحركات الأدبية والشخصيات الأدبية وعلوم البلاغة والنقد أو صنعة كتابة الرواية والقصة . ولكن يجب إلى جانب علوم الآلة هذه أن يكون مثقفا واسع المعرفة مسايرا لنمو العلوم والآداب . 23


- إن الأدب والشعر -حسب غلاب -في حاجة إلى ثقافة ، والشاعر الذي لا يستند على رصيد هائل من الثقافة لا يمكن أن يكون شاعرا ولو كانت عنده المؤهلات الذاتية للشعراء كالذكاء وحسن الملاحظة وسرعة البديهة وقوة الاختزان ورهافة الحس . 24

- إن الصناعة هي أساس جودة الأدب ..وأن الكتابة فن كسائر الفنون لا تحتاج إلى الموهبة فحسب، ولا إلى معرفة اللغة وعلوم العربية فحسب ولكنها تحتاج أكثر من ذلك إلى إتقان صناعة الكلمة. 25

- والواقع أنه لا يوجد تناقض بين الطبع والصنعة وبين الموهبة والتعلم.كلاهما ضروري للشاعر وأحدهما لا يغني عن الآخر. 26

- الموهبة إذن ضرورية ولكنها في حاجة إلى صناعة لتخرج من نطاق النظر إلى مجال الواقع. 27

- سادسا: الشعر حرية : الحرية بالنسبة للشاعر بصفة خاصة أو الأديب بصفة عامة هي الهواء الذي يتنفسه فيسري في فكره وفنه سريان الهواء الطبيعي في جسده . يقول غلاب :<<وما نشأ أدب وما نما في غير هواء الحرية . والأديب عندما يخلو إلى قلمه لا يفكر في الحرية ، لأنه لا يمكن أن يخلو إلى قلمه إذا لم تكن هناك حرية يستطيع معها أن يخلو إلى هذا القلم ، وإذا احتاج إلى التفكير في الحرية عندما يخلو إلى قلمه فذلك هو الخنق الذي يمنع الأديب عن أن يتنفس>> 28.

- والدولة في نظر غلاب مسؤولة عن هذه الحرية من ناحيتين : أما الأولى فهي أن الدولة هي التي تمنح هذه الحرية أو على الأصح لا تمنعها . ( فمسؤوليتها كائنة بين الحاء والعين ) .وأما مسؤوليتها من الناحية الثانية فمن واجبها أن تهيئ الجو لنشر الشعر وذيوعه ، فلها أن تيسر سبل النشر وسبل القراءة، تدفع الشعراء والأدباء عامة إلى الإنتاج ، وتدفع القراء إلى الاستهلاكعن طريق وسائل النشر والدعاية للأدب إنتاجا وقراءة ومشاهدة . وعن طريق تيسير الطباعة والنشر من الترخيص أو الإعفاء من الضرائب التي تثقل كاهل الأديب . وعن طريق إنشاء المكتبات في المدن والقرى والأحياء، أو عن طريق إنشاء مكتبات متنقلة في الأسواق حتى يروج الكتاب. 29
يقول الأستاذ غلاب: <<والدولة التي تجد الكتاب فيها أغلى من الخبز هي دولة لا تقدر الحياة الفكرية بل إنها تضع في طريق الحياة الفكرية صعابا لا تستطيع هذه الحياة أن تتخطاها >> 30

- الشعر في نظر غلاب فن يعتمد على أدوات أساسية في التعبير في مقدمتها : اللغة والصورة والموسيقى . 31

- أما اللغة فمعناها الكلمة الجميلة التي تحتاج إلى عملية انتقاء .. وانتقاء الكلمة ليس سهلا .. ومعنى هذا أن الشاعر لكي يختار ألفاظه في حاجة إلى ثروة لغوية واسعة وإلى دقة في الحس اللغوي تمكنه من اختيار اللفظة الشعرية الجميلة المعبرة .32

- واختيار اللغة لا يعني الالتجاء إلى القاموس أو إلى الغريب، ولكنه يعني الاختيار على أساس الأداء النفسي للمفهوم الشعري ، يقول : << الشيء الذي يتفق مع لغة الشعر المعبرة عن أحاسيس الشاعر ومفاهيم الشعر هو ما يستطيع الشاعر أن يشحن به الكلمة مستمدا من مشاعره وإحساسه فينقلها من مفردة قاموسية إلى مفردة شعرية>>33.

- وأما الصورة فوسيلة الشاعر لأداء الفكرة أو التعبير عن العاطفة . وهذه الوسيلة لا تدرك بالفطرة ولا بالطبع ولا تدرك بتعلم أصول الكلام اللغوية والنحوية والصرفية والعروضية ولكنها تدرك بالممارسة والمجاهدة كما تدرك كل الصناعات الفنية التي تعتمد على الذوق إلى جانب التجربة .

- وتأتي الموسيقى باعتبارها عنصرا أساسيا في الشعر ، وهي صنعة لا موهبة أو فطرة وما لم يستطع الشاعر أن يتقن هذه الصنعة لا ينتظر منه أن يكون شاعرا . 34

- والأستاذ غلاب إذ يعتبر الموسيقى عنصرا أساسيا في الشعر فهو يهدف إلى أمرين :

- أولهما : ألا يقيد الشعراء بقيود لا يحاد عنها أو يجبَ الجمودُ عندها كما يقول فلا تتطور مع تطور الشعر .


- ثانيهما : أن التطور ليس معناه إلغاء كل القيود بدعوى الحرية . فتلك فوضى في نظره .


- ويضع غلاب أمام المجددين في موسيقى الشعر العربي شروطاهي :


- ألا يكون عملهم صادرا عن تبرمهم – فقط - من الأوزان والقوافي باعتبارها قيودا تقيد إنتاجهم ، أو باعتبارهم لا يتقنون هذه القيود فيجب إذن التخلص منها .


- أن تتوافر في هؤلاء المجددين ثقافة واسعة بالشعر العربي والشعر الإنساني وبالموسيقى القديمة والحديثة ليعرفوا إلى أي مدى يعتمد الشعر على أصول فنية لا يستطيع التخلص منها .


- لا يمكن أن يصبح تجديدهم في الموسيقى أصولا تحتذى إلا إذا قبلها الذوق العام للشعراء والنقاد، ويكافح أصحابها من أجل بقائها . 35


- نستخلص من الأدوات التي يشترطها غلاب للشعر أن الشاعر لا يمكن أن يكون شاعرا بمجرد المواهب الأولية : الموهبة - الذوق - الإحساس والشعور ، وأن الشاعر لا يمكن أن يكون شاعرا بمجرد إتقان علوم اللغة أو البلاغة ، فلا بد من أن يتقن صناعة الشعر ليكون شاعرا حقيقيا.

- الشاعر الذي لا يجد متنفسا لا يمكن أن يعيش ، والمتنفس هو القارئ بالمعنى الكامل للقراءة أي القارئ الواعي المتفهم الناقد المناقش المحاور ، يقول الأستاذ غلاب : <<

- إن الكاتب الذي لا يضمن القراء لا ينتج إلا إذا كان يعيش في عالم المثاليات أو في عالم الذين يكتبون القصيدة لينقشوها على الأحجار مثلا كعمل فني لا يهدف إلا إلى الفن نفسه >> 36 .


- والشعر في نظر الأستاذ غلاب ما يزال يشكو من قلة القراء ذلك بأن المواطنين في هذه البلاد إما أميون بالمعنى الأولى للأمية ، وإما أميون فكريا بمعنى أنهم لا يحسون بالحاجة إلى أن يطوروا فكرهم وثقافتهم ، ومن ثم لا يقرؤون ولا يحسون بالحاجة إلى القراءة >> 37 .

- وعلى الرغم من هذه الشكوى الصاخبة فإن الأستاذ غلاب يتفاءل خيرا بالشعر فيقول : << وما نظن أن قيمته كفن تعبيري ستنقص إذا قل مستمعوه في الأسواق والمهرجانات والاحتفالات ، ولكن قيمته ستزداد بين قرائه الذين يخلون إليه كما يخلو الشاعر إلى نفسه ويقرؤونه بنفس الروح الذي أملاه على الشاعر . لا خوف على مستقبل الشعر العالمي والعربي رغم صخب الأحداث التي يعيش فيها العالم لأن الشعر كفن قولي رفيع ما زال يدرك رسالته ويستطيع أن يقوم بها >> 38 .

- ومن الصدف العجيبة أن يستعير الشاعر أحمد هناوي هذا التفاؤل الحسن ليخرج أكثر من مجموعة شعرية تحمل هذا الشعار : (لا خوف على أمة ما دام فيها الشعر والشعراء) .

- أن مفهوم الشعر عندالأستاذ غلاب ينبعث من واقعية لها خصوصياتها الفكرية ولا أقول السياسية .


- والملحوظة السابقة قد تختلف في منظورها مع بعض الآراء التي حاولت أن تجعل من فكر الرجل فكرا سياسيا ، يقول الأستاذ فطري مثلا:<< والالتزام السياسي ..هو الذي نجده في معظم إنتاجات غلاب الأدبية مما جعل هاته الإنتاجات تصبغ بالصبغة السياسية في كثير من الأحيان حتى أصبحت آثار السياسة غير خافية في مختلف الفنون الأدبية التي كتب فيها>> 40 .

- قد نتفق مع الأستاذ فطري فيما يتعلق بفكر غلاب بعد الحماية ، وبإبداعه بعد الاستقلال ، لكننا نتحفظ في تبني رأيه بخصوص اصطباغ نقد الأستاذ غلاب بصبغة سياسية فيما قبل ذلك . إننا نعتبرها واقعية . فالفترة السابقة لعهد الحماية كانت تفرضسلطة الواقعية حسب تعبير عبد القادر الشاوي . وهي التي جعلت واقعيته اختيارا أساسيا في مواجهة التأثير الثقافي الغربي – الاستعماري ، وذلك ما حدد توجهها إلى الواقع .<<والحال أن الأصل في تكون سلطة الواقعية على صعيد الأدب المغربي الحديث .. يعود إلى هذا الاختيار وإلى هذه المرحلة بالذات >> 41

ايوب صابر 05-06-2015 11:34 AM


الظروف الحياتية التي اثرت في تكوين الاديب عبد الكريم غلاب:

- تعتبر رواية "المعلم علي" نموذجا دالا على الواقعية الحياتية. فإذا كانت الرواية السابقة "دفنا الماضي" تتمثل "جيل القنطرة" باسترجاع الأحداث التاريخية وبناء القصة عليها. فإن رواية "المعلم علي" انتقلت إلى الواقعية الحياتية وعملية. فظهر بها مفهوم النقابة والعمل النقابي ومفهوم القانون والحقوق الخاصة بالعمال والحقوق العامة التي تشمل بقية الفئات في المجتمع. وظهرت مفاهيم أخرى كالربح والإنتاج والعامل ورب العمل/المعمل والإضراب والصراع. والدفاع عن العمال والخروج بالعمل النقابي إلى العمل السياسي المناهض للمستعمر والمستغِلِّ. وهو ما سيدفع عبد العزيز (شخصية الرواية) أن يشرح ويبين:" مهمة النقابة الدفاع عن مصالح العمال.. هكذا يفهمها زملاؤكم الأجانب، ولكنها عندكم رسالة لإنقاذ إنسانية الإنسان فيكم". ص (320، المعلم علي).


- غير أن صاحب «الأبواب السبعة»، روايته الشهيرة، سيجد نفسه يوما رفقة مدير «لوبنيون»، المحامي محمد برادة، يدلف أبواب سبعة من نوع آخر، تختلف عن أبواب وأقواس مدينة فاس، فقد اقتيد الرجلان إلى سجن لعلو في أكتوبر 1969، بتهمة نشر أنباء مخلة بالأمن العام.


- وقد كان حين تتعبه الكتابة الجادة في الافتتاحيات والسجالات الفكرية والأدبية وفنون الإبداع ينحو في اتجاه السخرية التي كانت تجد مجالاتها في عمود يومي أطلق عليه اسم «مع الشعب» يعرض فيه مشاكل المواطنين وقضاياهم. لكن تلك الكتابات ستجلب عليه المزيد من المتاعب، خصوصا حين كتب يوما ينتقد استفحال ظاهرة الإجرام والسرقة التي تفشت كثيرا. فالرجل الذي كان يعيش «مع الشعب» في رصد مشاكله وطموحاته، كانت له حياة أخرى أقل مدعاة للقلق، لكنه كان يفرق بين التزامه الفكري والسياسي وبين حياته الخاصة، إذ كان يمارس هوايته المفضلة في مسالك الغولف أو يسافر بعيدا عن هموم الشعب، أو يقتطع من وقته بعضا منه للانشغال بأمور أخرى، مع أنه كان شبه زاهد في مسائل عديدة.

- يتحدر غلاب من عائلة برجوازية. كان أبوه تاجراً أسهم في تاسيس المدارس الحرة لأن التعليم الرسمي التي كانت تشرف عليه الإدارة الفرنسية لم يستجب لحاجات الشعب وتطلعاته.

- أسس في القاهرة أثناء دراسته الجامعية، مع عدد من الطلاب المغاربة رابطة الدفاع عن المغرب ضمت مغاربة من تونس والجزائر ثم كوّن معهم "مكتب المغرب العربي" هدفه المطالبة باستقلال الدول المغاربية والمطالبة بتحرير بعض القادة الذين سجنتهم السلطات الفرنسية المستعمرة. وعمل لدى عودته إلى المغرب أستاذاً وصحفياً ومناضلاً فدخل السجن ثلاث مرات.

- لغلاب خمس روايات منها: سبعة أبواب 1965 وهي سيرة ذاتية عن تجربته بالسجن.

- وثلاث قصص هي: مات قرير العين 1965.

- كاتب ارتبطت عنده الكتابة بالنضال

- يشتمل الكتاب على أربعة فصول، فضلا عن تمهيد وخاتمة. خصص كل فصل لنوعية محددة من الخطاب «السيرـ ذاتي»، ترتبط بمرحلة عمرية معينة، وبتجربة حياتية خاصة. هكذا أفرد الفصل الأول لسيرة «الطفولة والصبا»، وتناول فيه الناقد المرحلة الممتدة من سنة 1918 تاريخ ميلاد الأديب المغربي، إلى سنة 1937 موعد هجرته إلى مصر، وهي الفترة التي خصصها السارد لوقائع النشأة الأولى بمدينة فاس، وبدايات اكتشاف العالم المديني الصغير، وصلات الصبي بمحيط الأسرة و«الكتاب» و«الحارة»... وهي الوقائع التي انطوت عليها سيرة مفردة حملت عنوان: «سفر التكوين» (1997).

- أما الفصل الثاني فخصصه «حسن بحراوي» للسيرة «التعليمية» حيث تناول بالتحليل نص «القاهرة تبوح بأسرارها»(2000) وهو النص الذي يرصد الفترة الممتدة من مغادرة «غلاب» للمغرب سنة 1937، وحتى عودته إليه بعد مرور إحدى عشرة سنة من الإقامة المتواصلة في مصر، شهد خلالها تحولات ثقافية حاسمة، وخطوبا سياسية بالغة الخطورة،.

- هذا بينما خصص الفصل الثالث من الكتاب للسيرة «السجنية» من خلال نص «سبعة أبواب» الذي تناول فيه غلاب تجربته في الاعتقال على عهد الاستعمار التي استمرت ستة أشهر، بما هي تجربة شديدة الخصوصية طبعت ذاكرته ومساره الحياتي، وكان لها بالغ الأثر في تعاطي شخصية المناضل السياسي الذي مثله مع الاختبارات العديدة التي شهدها المعترك السياسي المغربي طيلة عقود طويلة من التجاذب بين الحكم والمعارضة. ويجدر التنويه في هذا السياق بنص السيرة السجنية الذي كان هو أول نص ذي طبيعة سيرة ذاتية كتبه غلاب، حيث صدر مطلع سنة 1965، قبل كل نصوص السير الأخرى التي أرخت لمساره الحياتي.

- على نصوص السير الذاتية التي لم يخضع فيها «غلاب» مساره الحياتي لاسترجاع يراعي منطق التعاقب والاسترسال، وإنما كان ينطلق دوما من أحداث كبرى في حياته ليسلط الضوء على التفاصيل والتحولات التي أحاطت بها، ومدى تأثيرها على شخصيته الفكرية، واختياره السلوكي، كما أن الدراسة غلبت عليها في أحايين كثيرة نغمة الحكي واستعادة الوقائع، بحيث بدت أشبه ما تكون بملخص لنصوص السير المختلفة، واختزال لها في صور محددة يحكمها الجدل والترابط.

- تلك كانت أهم المضامين التحليلية التي اشتملت عليها دراسة الناقد حسن بحراوي عن عبد الكريم غلاب، سعى من خلالها إلى الكشف عن التشكيل السردي لنصوص السيرة الذاتية لهذا المفكر المغربي البارز، بالقدر ذاته الذي استهدف فيه التعريف بالمحطات المركزية في حياته وتفاصيلها الحميمة، والوقوف، من ثم، على سماتها الجمالية، وسجاياها الفنية والأسلوبية. مما جعل من كتاب «جدل الذات والوطن» ترجمة نثرية بالغة التأثير لتحولات مسار أدبي ثري، وتجربة حياتية مثيرة بتفاصيلها وتقلباتها المدهشة، لا يمكن إلا أن تعد بسفر ذهني عذب، يدعو لمعاودة القراءة مرات عديدة.

ايوب صابر 05-08-2015 04:52 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 96- قامات الزبد إلياس فركوح الاردن

- يمكن لنا أن نسميها رواية الخراب... حيث كل شيء في انقضاض على كل شيء. وحيث تتجلى الحياة في نقائضها، وتتقذف بشكل زلزالي ضد ذاتها وتجلياتها،

- ضمن هذا الخراب تتحرك الشخصيات باتجاه حلم غامض، إنها شخصيات مشردة تحاول حلمها الخاص بشكل أو بآخر، وتفيق على واقع واحد هو الخراب، ثم تنتهي أو تنوس في غمرة موات حقيقي يطحنها.

- وتتناسل حركة القص دائماً بشكل فيوضات سردية عارمة، منتجة شخصيات مشظاة وزمناً متشرخاً وأحداثاً هبائية ومكاناً شبحياً متفلتاً

- وتبدو الرواية في الظاهر خليطاً غير مبرر من كل شيء ونقضيه، لكنها في الحقيقة ترسم الزمن العربي الرسمي الحاضر بإحداثياته اللازمة، بدءاً من فلسطين ومروراً ببيروت وانتهاءً بالذات الفردية العربية، التي أنتجها الموات وأنتجته.

- إن حلم الثورة هو اللامكان الوحيد الذي اسمه بيروت، وهو اللازمان الوحيد الذي هيأ نذير الحلبي للموت بيد طائفية، وخالد الطيب للموات بيد الذات التي اكتشفت ذاتها الهروبية على غير فجأة، وزاهر النابلسي للنواس والإنضاب خلف حجاب الحلم المنتسف.

- وهكذا يتفقع كل ذلك السيل الذي كان منذوراً للبشارة والثورة والعتق من الخراب، يتفقع زبداً جفاءاً، ويتكشف عن صمت برزخي يرين على الأشياء.

- إن "قامات الزبد" رواية ترصد "الواقع" وتترصد حركته الباطنة لتجلو خواءه العميم.

- وهي حين تسافر في حركة الواقع بلغتها وبنيتها الحكائية السافرة، إنما تسافر لتسفر، وإنما تستبطن لتجلو مرحلة ما سنعيشها.

بقلم : زهير أبو شايب

ايوب صابر 05-09-2015 03:49 PM

تابع >>>>والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 96- قامات الزبد إلياس فركوح الاردن

- تبدو شخصيات " قامات الزبَد " ومنذ الصفحة الأولى مشغولة بتحليل انكسار إشعاعات العالم والتجربة الجماعية في منشور الذات ،

- وتبدو هذه الشخصيات جميعاً منفصلة عن الماضي والأحداث التي مرّت بها ومنهمكة في لعبة تحليل المشاعر وتقصي حقيقة موقفها من العالم الذي تصفه وتحوّله إلى مرآة شفافة تعكس صوراً مشوشة وخيالات باهتة وأفكاراً تُحيل التجربة الموصوفة إلى مبررات للانهيار واختيار الهروب ملاذاً من تجربة سياسية غامضة .

- هل تحكي " قامات الزبد " عن الحرب الأهلية في لبنان ؟ نعم ، ولكنها تحكي أكثر عن حرب الذات مع نفسها ، عن ذلك الصراع الداخلي الذي يعتمل داخل ذوات الشخصيات .

- ومن هنا تلتحق رواية إلياس فركوح بذلك النموذج من الكتابات الروائية العربية الجديدة التي تصوّر انهيار العالم الخارجي بتصوير الصراعات الداخلية للشخصيات .

- إنها تلتحق فرداً جديداً في عائلة الأعمال الروائية التي كتبها إدوار الخرّاط ، وإبراهيم أصلان ، ومحمد عز الدين التازي ، وحيدر حيدر .

بقلم : فخري صالح

ايوب صابر 05-10-2015 08:33 AM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 96- قامات الزبد إلياس فركوح الاردن



- من اقوال الياس فركوح :إن الكتابة لا تتعامل مع مصادفة، وهي ليست نتاج المصادفة على الإطلاق.

- إنها ممارسة واعية ؛ فعلٌ مقصود يصدر عن ذاتٍ تبصر كل ما يحيط بها، وتسجّل الجزئيات بوعيٍ متيقّظ، كي تصوغها في ما بعد ضمن تركيبٍ فـنّـي يتسق ووجهة نظرٍ تسري في الحياة، وتحكم عليها""

ايوب صابر 05-13-2015 11:47 AM

تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 96- قامات الزبد إلياس فركوح الاردن


من حوار اجراءه : محمود منير
- اختار مدينته والسرد معاً. تؤثث ذاكرته رواياته عن مكان يهوى الأقنعة ويرفض الإفصاح والإبانة, في ثلاثة أعمال روائية أصدرها خلال فترة جاوزت عقدين من الزمن, وبقدر إخلاصه لمدينته المختلة نبش أرشيفاً استثنائياً يمتد ستين عاماً تبدأها الحرب والأسئلة لتنتهي عنده عبارة حاسمة هي: لا شيء يكتمل.

- إلياس فركوح وعَمّان على موعد قديم لم يتغير منذ الصفعة وطيور عمّان تحلّق منخفضة ومجموعات أخرى, لكن القصة القصيرة دفعته إلى تجديد مواعيد أخرى مع مدينته في الرواية, فنشر رواياته: قامات الزبد, أعمدة الغبار وأرض اليمبوس, لذلك كانت فكرة محاورته تفترض لحظة تداعي لا تحتمل تلصص الصحافة بل اعترافات متدفقة متوالية حملته على نشرها جملة تداعيات, أرسلتها له عبر البريد الإلكتروني, تمثل قراءة متأملة لروايته الأخيرة.


- يقول بعد قطعي لشوطٍ في التجربة القصصيّة, وخلال كتابتي لقصص المجموعة الثالثة إحدى وعشرون طلقة للنبي, أدركتُ بأنني فقدتُ كثيراً من ركائز اليقينيات التي انبنت في سياقها القصص السابقة; إذ بِتُّ على غير ثِقةٍ بما كنتُ أراه رؤية العَين! ففي لحظات إعادة تشكيل تلك المرئيات, عبر كتابتها باللغة, وخلال بذلي المجهودَ لاصطيادها على هيئاتها المُجَرَّبَة, وجدتني أُصابُ بما يشبه الفَزَع! كانت تنفلتُ من تشكيلاتها الأُولى عندما أعملُ على التحرّش بها, حائراً ومتسائلاً عن النقطة, أو الزاوية, التي سوف أبدأُ منها لأستطردَ من ثَم في عمليّة بِنائها بالكتابة. كانت تتحررُ من أجسامها الأُولى وتمثلاتها السابقة لتتخذ لنفسها أجساماً وتمثلاتٍ جديدة! جديدة ومغايرة كأنما ما كانَ موجوداً هناك, في الخارج قبل الكتابة, ما عادَ ليتكررَ ثانيّةً هنا, عند الكتابة وفي داخلها! كأنما التماسُك الظاهر للعيان في (المصادر) و(المراجع) لا يعدو أن يكون وهماً, أو سراباً سرعان ما يتلاشى عند إخضاعه للامتحان برؤيا الكتابة; فلقد تحوَّلَت محسوساتُ العالَم الواقعي المنتظمة والمتسقة والصلبة إلى حالاتٍ من الهشاشة بحيث افتقَرَت لِمْا يشدُّّ ويُمَتِّنُ عناصرَها, وبالتالي لِمْا يؤهلها لأن تكون ذات تعيين متَفَقٌ عليه, أو أشتركُ فيه مع غيري!

- عندها, اكتشفتُ بأنني لا أكتبُ قِصصاً بالمعاني المتعارَف عليها, تلك السائدة, وإنما هي حالاتٌ تستبطنُ قصصها المتعددة القابلة, بدورها, للتكاثر أكثر.

- كما أنها قابلة, أيضاً, لكثرةٍ لا تنفدُ من تقنيات التناول الفني. فإذا كان ذلك كذلك, أعني مرئيات العالَم الواقعي بمحسوساته الجامدة وحيواته المتحركة, فإنَّ المراهنة على جوهرٍ حقيقي فيها ليست سوى مراهنة خاسرة. كما أصبحَ التسليمُ بما نراه, والقبول به, والرِضا عنه, من المحظورات التي يأباها الوعي الكتابي في أعماقي وينفرُ منها. وأحسبني أصبتُ بالتعبير عن هذا كلّه, عندما خصصتُ في بداية رواية أعمدة الغبار صفحةً لأشهدَ بالتالي:
كلّما حاولتُ ذاكرةً تسترجعُ ما فاتَ;
انكسرتُ على شفرة الغياب.
قلتُ: لعلَّ الكلمات هي القادرة.
لكنَّ شيئاً, في الخارج, لم يحدث.

- إذَا; ولأني افتقدتُ الثقةَ في ثَبات الموجودات على أحوالها عند الكتابة, والتفَّت الريبةُ حول ثبوتيتها لدى (المنطق) الفني إبّان إعادة تشكيلها على الورق; أصبحَ العالَمُ يتحركُ في دوائر من الاحتمالات. والاحتمالات, كما نعرف, مجموعة افتراضات لا بُرهان عليها قبلَ إخضاعها للفحص والتجربة. ولكن; ماذا يحدث لتلك الاحتمالات/ الافتراضات في ورشة الكتابة الأدبيّة? وهل نبتغي الوصول إلى البُرهان, أم نكتفي بما يمنحنا الفحصُ والتجربةُ من فضاءاتٍ انفتَحَت لنا لتنفتحَ, بالتالي, الكتابةُ السرديّةُ على احتمالاتٍ تجددُ نفسها من خلالها? ناهيكَ عن أنَّ ما تخرجُ به ورشةُ الكتابة الأدبيّة والفنيّة لا يخضع لقياس ومعايير العمل في المختبرات!

- وبذلك; فإنَّ السعي الأدبي (السعي الأدبي الواعي, أعني) لا يريد الوصول إلى بُرهانٍ هو زائفٌ بمعايير العِلْم الوضعي, بقدر ما يستمتعُ بالوقوع على عوالَم جديدة أخرجتها الكتابة, وأنضجتها جسارةُ المُضي في ملاحقة احتمالاتها المحمولة على خَيالٍ يرى ما أسميته (المصادر والمراجع) دون التنكُّر لسياقها الاجتماعي والتاريخي ولحظتها السياسيّة, ولكنه لا يلتزمُ إلاّ بآليّة إعادة التركيب ومنطق الحذف والإضافة.

- نعم, الكتابةُ رحلتي نحو المعرفة التي أضاعت نفسها وسط فوضى العالَم. أو لعلّني أنا مَن تاهَ داخل أكاذيب العالَم وتلفيقاته القيميّة وتوليفاته المضادة للإنسان الفرد وإخصائها لحريّته في الحلم والتخييل, تلك المسنودة بأيدولوجيات شتّى تَدّعي بناء عالَمٍ نظيف, لكنها, حين تصطدمُ بلحمنا وترتطمُ برؤوسنا, تَسقطُ وتُسقطنا معها في مستنقعات الدم ومدارات الوهم القاتل. لأنها كذلك; فهي كتابةٌ تتلبسها الحيرةُ المشفوعة بالمرارة ابتداءً. حيرةٌ تجاه المدينة, رغم أنها مدينتي أنا. مدينةُ هذه الذات المكلومة على وَقْع الجروح المفتوحة في أرواح ساكنيها, التي لن تشفيها أو تغلقها جميعُ أبراج الإسمنت المتعاليّة عليهم وعلينا وعلى الفضاء الذي تتواقح لتغلقه أيضاً!

- سأواصلُ الكتابةَ ما دامت معرفتي ناقصة, ومدينتي تتفلتُ مني. سأواصل بالكتابةِ حَفْري المعرفي المتواضع بحثاً عَني أنا. أبحثُ عني في مدينتي, وأبحثُ عن مدينتي فيَّ. لأننا, ندري أو لا ندري, نحن الذين نُسْكِنُ المُدَنَ فينا! نحن, كُلُّ واحدٍ مِنّا, إنما يحتفظُ في داخله بمدينةٍ تخصّه وحده.. رغم أنها تخصُّ سواه في الوقت نفسه.

- وفي رده على سؤال : معرفة لن تكتمل, ومدينة تهوى التفلت, إلى أين ستمضي ببحثك عن نفسك في عمّانك, وعن عمّانك فيك?
يقول: حين نباشرُ سَرْدَ المدينةِ إنما ننطلقُ, بحَذَرٍ وبما يقاربُ الخوفَ من أن ننزلقَ إلى حيث لا نقدر على الفكاك من أسْرِ اللغة واستطراداتها المغوية, من صورةٍ ما, معينة ومحددة بمعنى أنها واحدة. غير أنَّ الانطلاق, بحسب تجربتي, لا يكون نحو الأمام باتجاه توسيع الصورة وتطويرها بمراكمة فضاءات تتعدّاها, لكن بالحفر فيها ومحاولة معاينة ما تخفيه تحتها من أصداءٍ هي التي أبْقَت عليها ماثلةً تنتظرُ مَن يكتبها. الصورةُ المُرادُ البدء منها صورةٌ جامدة, أو هي مركونةٌ في ثَلاّجة الذاكرة مُجَمَدَةً, لكنها ليست فوتوغرافيّة أبداً. إذ تختزنُ المجموعةَ الكاملةَ من الروائح, والأصوات, والألوان, وذبذبات الكلام الكثير - أو القليل - التي تتفاوتُ في درجات وَخْزِها لذاكرتنا حتّى تفيق.

- ويقول : هي الصورةُ إذَا نعاينها الآن, لحظة الكتابة. وإنها قديمة. الصورةُ القديمةُ نفسها نستعيدها من زمنها الذي انقضى لنُحييها, ونبعثها جديدةً بكلماتٍ ينبغي أن تكون, هي أيضاً, جديدة. ولكن: كيفَ تتجددُ الصورةُ إنْ ظَلَّت كما انتهت إليه في لحظة زمنها العتيق? هل نُبقي على عناصرها كاملةً, أم نُضيفُ إليها أو نحذفُ منها? هل نحافظُ على علاقات تلك العناصر ببعضها, وبما/ بمن جاورها وحايثها وارتبطَ بها, أم نعملُ على خَلْقِ/ اختلاق علاقات مغايرة قد لا تقلبها رأساً على عقب; لكنها تجعلُ منها صورةً

- أقربُ إلى المنظور إليها من زاوية جديدة? حَسَنٌ; ما الزاوية الجديدة? ماذا أقصدُ ب¯الزاوية تحديداً?
الاجتهادُ, في نَظَري, قراءةٌ جديدةٌ, أو قُلْ معاينةٌ جديدةٌ لصورةٍ قديمة أبتغي رسمها بكلماتٍ تشيرُ إليها وتأنفُ من نسخها أو استنساخها. فالكاتبُ فيَّ, وبإصرارٍ نهائيّ لا رجعةَ عنه, ليس ناسخاً, وليس مقّلداً, وليس مصوِّراً, وليسَ ذاكرةً صافيةً لا يشوبُ شفافيتَها الخالصة عَكَرٌ, أو شَغَبٌ يحطّمُ الانسيابيّةَ الكاذبة التي يتوهمها الخيالُ الكسيحُ المستكينُ إلى قُدسيّة الواقع وقداسته!
إذَا: نحنُ حيالَ آليّة الخَلْق من جديد. نحنُ بمواجهة زيف اليقينيات نعملُ على زحزحةِ أعمدة الماضي/ التاريخ, ونجتهدُ في تقويض أركان المعابد المُكّرَسَة لتبجيل وَثَن السَلَف الذي لم يكن صالحاً غالباً, ولا نشبعُ من التهامِ كُتَل التَمْر في أصنامِ هُبَل وغيره; إذ نحنُ لا نعبدُ الزائلَ لا بل, في حقيقتنا, إنما نجعلُ من ذاك الزائل عنصراً نستثمرهُ في نصوصٍ تستبيحُ عِصْمَتَهُ الكاذبة, وتشهدُ على فَرادةِ الفرد مِنّا في مواجهته لهذا العالَم المُريب بأسئلةٍ لا تجيب عنها مزاعمُهُ الصفيقة.

- الإفصاحُ والإبانةُ غايةُ صورة الكاميرا (الثابتة دائماً رغمَ وجود المتحركة), لكنها ليست مهمة الكتابة أبداً. فالكتابةُ, في المبتدأ منها وفي مطافها الأخير, حالةٌ دائمةُ التغيُّر ودائبةُ الانقلاب على سابقها من نُصوصٍ هي مَحَلُّ شَكٍّ; إذ ثمّة العَينُ المستطلعةُ تُمْعِنُ في أن تَدَعَ الصوَّرَ تتألبُ على نفسها لكي تتداعى.. ولكن شريطة الاحتكامِ إلى بصيرة الوعي المستريب. وبذلك; فإنَّ الاستثناءَ في أرشيفي عن مدينتي عمّان يطلعُ من منطقةٍ غائرةٍ لا ترى محتواها سوى عَيني أنا, لا عَين سواي. ولذلك; فإنَّ عَمّاني ليست كمثل أيّ عَمّانٍ أُخرى. كما يجدرُ التذكير, لكُّلِ الذين يَنسون, أنَّ لِكَّلِ واحدٍ مِنّا مدينته, حتّى وإنْ كُنا نشتركُ جميعاً في العيش داخلَ هذه الواحدة المتعددة المُسمّاة: عَمّان!

- وفي رده على سؤال : بدأت أرض اليمبوس بالحرب وانتهت بها, كأنها اليقين الوحيد, ومَرّت بينهما نساءٌ كثيرات وحبٌّ يتحوَّل ويتغيّر... ولا شيء يكتمل. هل هي لعبة السرد وغوايته, أم هي ضرورة المكان وخُلاصة التاريخ فيه? يقول :- أهي فجيعتُنا بفقدان أحبّتنا بالموت الذي تجلبه لنا الحروب, رغم عدم رغبتنا فيه وفيها, ورغم هشاشتنا حيال وحشيتها الطالعة مِنّا? أم هي رهبتُنا الشخصيّة من ذاك الآتي إلينا يخطفنا إلى العَدَم, أو المجهول, بعد أن كُنّا ذات تاريخ? أم هي خِشيتُنا من هذه الوحشة والتوّحُد, في حياتنا الراهنة لَمّا نتنفس, وتالياً من ذاك التلاشي والاندثار والاندغام بالتراب لَمّا نقضي, فنمضي? نحن نقضي. إذَا: نحن ننتهي.
ولكن: أين نمضي, حقاً, لنبدأ من جديد? وهل ثمّة جديد ينتظرنا, أو ننتظره?

- ربما يكون هذا هو السؤال الوحيد المفتوح على آخره, وبلا حدود, ومن دون أي نهاية. إنه سؤالُ الفراغ! هو كذلك لأنَّ فراغاً محتوماً, مهما أعملنا الخرافةَ, والأسطورةَ, والإيمانَ الديني, والعقلَ في تعبئته بالإجابات, فلسوف يبقى بُرهاناً يشهدُ على نفسه فقط, ليتركنا في رَحِمٍ مُصابٍ بالحمل الكاذب! ولستُ هنا بصدد البحث عن حَلٍ ما حيال هذا الفراغ والعُقْم, لكنني أبحث, بالأحرى, عن تعبئة عَيشي الشخصي, الفردي, ما دُمتُ أتنفسُ, بما يقيني من أن أنتهي قبلَ أن أقضي. كما لستُ أخجلُ من الجَهْرِ بخوفي من الفراغ, وتحديداً ذاك الفراغ الذي يعني خُلو ذاتي من المعنى. أيّ معنى. صحيحٌ أنَّ لا شيء يكتمل, غير أنَّ قدراً هائلاً من المعنى نتحلّى به لحظةَ اعترافنا بنقصنا. لسنا مخلوقات كاملة, لكننا, في الوقت نفسه, لسنا كائنات تسبحُ في فراغ المعاني.

- هذا يقينٌ أؤمنُ به, مثلما أؤمنُ إيماناً كاملاً بواقعة الموت. لكني أجدني أستطردُ متسائلاً عن أشكال الموت وضروبه. إذ ليست الحرب وحدها تعادلُ الموتَ. فالحُبُّ, في موازينه المختلَّة وأهوائه المتقلبة, والمتحرك ضمن سياقات لسنا أحراراً في اختيارها, إنما يضعنا وجهاً لوجه أمام (موتٍ ما) ربما نعاني قسوته وضراوة خساراتنا فيه أكثر مما نتوقع من ذاك الحامل للعَدَم! مَن يدري? وها نحنُ نتخبطُ وسط المتاهة. متاهة ما نريد الاكتمال به, ومعه, وفي داخله, غير أننا, وعلى صدور محبوباتنا وفي عيونهنَّ, نبدأ بخوض حروبنا المهزومة حتّى الثمالة نتجرعها محاذين, بصمتنا الرُخامي المكابر, حجارةَ المدافن الملوكيّة التي خَضَّرتها عُفونةُ السراخس والجهنميات الناغلة في بقايانا! أيُّ معنى يتبقى لنا, والحالةُ هذه, سوى أن نكتب? أعني أنا: أن أكتب?

- فأن أكتبَ خُلاصةَ تاريخ المكان هو أن أكتبني في حالات الوجد الشفيف, وثمّة المرأة وجهي الآخر الذي خطفتهُ الحربُ مني. وأن أكتبَ هو أن أكتبَني في حُمّى اشتعالات الحروب الخاسرة, وثمّة المرأة التي غادرَت المكانَ وخلّفتني وحدي لأستنسخها صُوَراً لن تكون هي أبداً. فعَن أيّ حروبٍ نكتب, إذَن?

- ليست غواية السرد ما يكمن خلف أرض اليمبوس. ربما هي كذلك في قلب تلك الأرض التي أُقيمُ عليها, أنتظرُ امرأتي تأتيني بالجوابِ عني أوّلاً, عَلّني, إنْ فَعَلَت, أحظى بقليلٍ من الطمأنينةِ عند خطوي عَتَبَةَ الما بعد. عَلّها تمحضني, بلمسة أصابعها الحرير, راحةَ روحٍ أتعبها النقصان.


الساعة الآن 09:45 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team