منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 11-23-2014 12:11 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -77- الاغتيال والغضب موفق خضرالعراق

- موفق خضر القاص الغائب منذ 1980 استعادة سيرة أصغر قاص

- غاب أسمه عن المشهد الثقافي العراقي، فيما كان شاغل المثقفين بإبداعاته، ودماثة خلقه، ودوره في إذكاء الذوق القصصي من خلال تقديمه لقصص عشرات القصاصين العراقيين حينما كان مشرفا على ركن ريادي يسعى الى التعريف بالقصص وكتابها الذين كانوا ينشرون في مجلة الف باء العراقية في سبعينيات القرن المنصرم، او حين تسلمه رئاسة تحرير مجلة الطليعة الادبية وأسس مجلة الثقافة الاجنبية

- إنه موفق خضر الذي سجل اسمه كأصغر قاص عراقي ينشر قصة وهو بعمر14 عاما، طالبا في الدراسة المتوسطة، وأمامي عدد من جريدة بغدادية أسمها أنباء الساعة صادر يوم 27 تموز عام 1954 فيه قصة بقلم موفق خضر تحمل عنوان الشقية

- فهل رحيل المبدع، جسداً، معناه إسدال الستارة عن مسيرة وعطاء دام لعقود من الزمن،

- رحل موفق خضر منذ سنوات الى دنيا البقاء، وبرحيله ضاع ذكره وصمت حتى من كانوا يسبحون بإسمه، لكن نشاطه القصصي المبكر، يظل شامخا، متفرداً، بل هو ظاهرة شاء من شاء، وأبى من أبى،

- وعندي ان ولوج فتى بعمر الـ 14 عاما ومازال زغب شاربيه في طور النماء باب النشر في صحيفة محلية ، حاملاً قصة فرضت نفسها على المحرر الادبي في الصحيفة المذكورة فنشرها، هو شجاعة كبيرة، ورمز لتحدي موهبة تمور في جسد الفتى، في حين كان من هم أكبر منه سناً من متعاطي الثقافة لا يجرؤون المرور امام دور الصحف، مهابة وخشية.. اليس في ذلك ثقة عالية بالنفس جديرة بالذكر؟

-ريشة فنان في رسم القصة

- والحق اقول، انني لم أر في موفق خضر قاصا فحسب، بل رأيت فيه فنانا رائعا في رسم شخصيات رواياته بريشة محترف في الفن التشكيلي،

- وهو بارع في تقديم نماذج بشرية من سطح وقاع المجتمع، ويبدو اهتمامه واضحا بحدثه الروائي وتسلسه وبكثرة الافكار والأسئلة المنبثقة عنها.


-وكان مؤمنا بأن للقارئ الحق في تتبع مسيرة الشخصيات الروائية، دون تعقيد في الحبكة الروائية،

-فالبساطة والعمق عنده افضل من هلامية التعبيرات والجمل غير الواقعية التي تجعل القارئ يعلن اشمئزازه من اولى صفحات الرواية.



- لقد ظهر موفق كما ألمحتُ في فترة جيل منتصف خمسينيات القرن المنصرم، وهو لم يزل فتى يافعا، وهي فترة اصطرعت فيها الأيدولوجيات السياسية والفكرية والثقافية والأدبية،

-ومن يقرأ بدايته المتمثلة في روايته الأولى الشقية يجد ان هذا الفتى ملما بخفايا فن الرواية ربما بطريقة فطرية،

- لاسيّما أسلوبه المتفرد في جو الرواية،

- واظن ان تمكن موفق في فن الحوار القصصي جاء من اعجابه بالكاتب ديكنز المعروف باهتمامه بالحوار في جميع رواياته.

- وقد حدثني موفق في بولونيا على هامش جلساتنا اليومية التي سبق الاشارة اليها عن تأثره الشديد بكاتب العصر الفيكتوري تشارلز ديكنز ومما اذكر قوله بهذا الصدد، ان ديكنز كان فيلسوفاَ ومهرجاً، وعالماً نفسياً، وفناناً يمزج الجد بالهزل والعاطفة بالشعور الصادق.



- ان العالم يسير بسرعة باستمرار، وفي كل يوم يحدث جديد في العلوم والافكار، وفي شتى صنوف الحياة، وقد ادرك موفق هذه الحقيقة مبكرا، فسعى الى البحث عن وسائل جديدة للتعبير في قصصه

- وجعلنا نطوف مع افكاره الانسانية ونحن جلوسا في مقاعدنا لا نبرحها، ونسافر معه الى حيث يريد، وهي ملكة قليل من حظى بمثلها،

- فالقاص الحقيقي هو من يكتب من وحي الحياة، والروائي الممتاز يستحق لقب شاعر ، لأنه ينظر في الحياة اليومية، متأملا غائصا في عالم الاحلام ثم يعود الى عالم الواقع محملا بثمار الفن،

- ووظيفة القاص كما يفهمها موفق، هي اكتشاف عما في الحياة من جمال و قبح.. الخ



- لقد كتب موفق بأسلوب واقعي مثير،

- دون اية محاولة للافتعال، فجاءت قصصه صادقة، بسيطة، مؤثرة، تنفذ الى اقسى القلوب من اقصر طريق.



- وفي قصص موفق القصيرة، كل ملامح الرواية الطويلة، غير انها اكثر تركيزا، وهي تحمل طابعا متميزا وفلسفة واضحة المعالم ونظرة متفحصة للحياة والناس.




- ورغم كثرة قراءاتي لموفق خضر لم اجد له رواية او قصة قصيرة، خالية من فكرة فلسفية اوموقف من الحياة لا يخلو من سخرية تحمل معاني الخلق والعدم،

- له قيادة مذهلة لشخوص روايته، وهو حريص ان لا تقع تلك الشخوص فريسة لليأس، رغم قناعاته بان العالم الذي تعيش فيه قاس، غليظ يجافي أحكام العقل والمنطق.




- واجد ان موفق خضر، يؤمن بأن الاصالة، لا حدود لها، تخومها عند السماء وأذيالها عند أخر موجة تتكسر لنهر دفاق تحرسه سدود قوية، وانه كاتب قصصي متعدد الرؤى ، وليس أحاديا في منهجية وضمن قالب محدد،

- انه مثل لوحة تشكيلية، فهل سألت اللوحة عن ألوانها؟ إنها تسأل عن تشكلها، وخضر تشكّل في كتابة الرواية وبرع في الحوار، ولعل اختياره لكتابة حوار فلم الاسوار قصة عبد الرحمن الربيعي، ما يدلل على اختيار ذكي، حيث اضاف للفلم لمسة حوارية مفعمة ببعد انساني، شد المشاهد الى المتابعة…

-لقد رسم لنا موفق في حواره حدودا واضحة بين السخرية وبين الكوميديا، وعندما خرجنا من صالة العرض شعرنا بقوة الرواية وموقفها من الحياة والظواهر السيئة فيها، من خلال جزالة الحوار المنثال من افواه الممثلين، فقوة حوار اي فلم، هو سلاح الذين لا يحملون سلاحا




-رواية المدينة تحتضن الرجال صدرت في العام 1960 وموفق ما يزال طالبا في الجامعة، وموضوعها يتحدث عن شاب أضطر لقطع دراسته في بغداد في اعقاب انتفاضة 1956 الشعبية التي شهدها العراق رفضا للعدوان الثلاثي على مصر، حيث التجأ هذا الشاب عند اقاربه في الناصرية… وهذه الرواية تدلل على عمق الشعور الوطني للمؤلف من خلال اختياره تداعيات العدوان على مصر وما كانت تمثله مصر جمال عبد الناصر في الوعي الجمعي العروبي في تلك المدة المعروفة في التاريخ العراقي،

- وله رواية أخرى بذات المضمون الوطني بعنوان الاغتيال والغضب وللناقد باسم عبد الحميد حمودي رأي في هذه الرواية ثبته في كتابه المهم رحلة مع القصة العراقية قال فيه ان رواية الاغتيال والغضب تستند الى ديالكتيك حدثي مدهشّ

- و القاص في الرواية كائن حالم، يمتلك القدرة على التصوير الفني المعتمد على الواقع متطلعا الى المستقبل،

- وهو بهذه الصورة انسان رافض لكل ما يشوه التجربة الانسانية، ولكل ما يعيق الانسان عن مستقبله الافضل و ان نماذج موفق تحب الحياة، وتثق بها وتمنحها تجربتها كاملة رغم وعيها للواقع المتغير ولممكناته، فالأبطال ينشدون الى الواقع ليقاوموا الجانب الرديء منه، وينهلوا من جانبه الغض الامل الشديد الضياء

-ان هموم موفق خضر في قصصه، هموم عامة يطغي فيها الموضوعي على الذاتي، ويتدخل الذاتي بالموضوعي مشكلاً جزءا منه و لغة موفق تتميز بإشراقها الهادئ، يبدأها بجمل وصفية ثم ينطلق منها الى الحوار والمنولوغ، لينتهي بنهاية مرتبطة بالبدايات في وحدة درامية متشددة التفاصيل الى غاية .


-وضمن تصورات الناقد باسم عبد الحميد حمودي، فأنني لم اتفاجأ حين قرأت ان رواية لموفق خضر اختيرت من بين افضل مائة رواية عربية خلال القرن العشرين في أعمام لأتحاد الكتاب العرب في دمشق قبل أشهر، ضمن ست روايات عراقية هي الرجع البعيد لفؤاد التكرلي و الوشم لعبد الرحمن مجيد الربيعي و النخلة والجيران لغائب طعمة فرمان و سابع ايام الخلق لعبد الخالق الركابي و الاغتيال والغضب لموفق خضر و رموز عصرية لخضير عبد الامير.



-ولموفق خضر روايات وقصص منها المدينة تحتضن الرجال سنة 1960 و الانتظار والمطر سنة 1962 و مرح في فردوس صغير سنة 1968 و ألق ما بيديك 1970 و نهار متألق سنة 1974 و اغنية الاشجار سنة 1977 و الاغتيال والغضب سنة 1979 وغيرها، فما أحرانا بالتوقف امام الابداع، مبتعدين عن نظرية المؤامرة التي بسطت أجنحتها على واقعنا الثقافي، فبتنا لا نرى سوى أرنبة… انوفنا فقط

/5/2012 Issue 4203 – Date 19 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4203 التاريخ 19»5»2012
AZP09

من مقال بقلم : زيد الحلي

ايوب صابر 11-23-2014 12:22 PM

تابع ...



-وليس من شك اني كنت محتفيا برواية شاكر جابر ( رغم عدم معرفتي الشخصية به آنذاك وحتى الثمانينات من القرن الماضي) فيما كنت شديداالحساب في تقييم رواية الصديق موفق خضر ، رغم قربي منه وقربه مني ، فيما عدت تجربة موفق الثانية ناجحة فنيا وجديرة بالاهتمام وهي رواية ( الاغتيال والغضب )التي قدم فيها بطله الاشكالي ( سمير رؤوف ) في بناء فني مهم ، اضافة الى تجاربه في القصة القصيرة .

-واعتقد هنا ان جهد موفق خضر الابداعي كان جهدا مظلوما من قبل النقاد ولا يتناسب وثقافة الراحل وحيويته وقلقه الابداعي والحياتي الذي اودى به في النهاية وهو بعد شاب يعد بالكثير.

- قد اخذتني التفاصيل الى الراحل الكريم موفق خضر رغم أن الحديث اساسا موجه لتجربة شاكر جابر الكتابية وذلك لتزامن صدور روايتيهما في عام واحد، يوم لم تصدر في كل العراق رواية اخرى .. ذلك العام .

ايوب صابر 11-23-2014 12:40 PM

تابع ..

- فالحوار الدائر بين (عبد الرحمن ) و (سمير أحمد رؤوف ) في (الاغتيال والغضب ) تناول موضوعات عدّة ارتبطت بوشائج عضوية أبعدت الحوار عن مواطن التفكك والافتعال ،

-فضلاً عن السقوط في متاهات الوعظية المملة ،

-لتصل بالتالي إلى حقيقة واحدة تجسدت في تحقيق هدف الكاتب الرئيس في تشكيل معالم الصورة الثابتة للإنسان العربي الجديد ، إذ يبدأ الحوار بينهما من منطقة الصفر حيث يعلن (سمير ) هزيمته الكاملة في المهنة والحب وفي السياسة ومجمل العلاقات والمواقف ويعزوها إلى سوء الحظ ، غير أن (عبد الرحمن ) يحمل معوله ليهدم كل ركامات الخيبة وصخور الفشل والضياع من نفسه ، مبتدئًا بتقويم رؤيته المنحرفة عن تفسير الظواهر، عندما يدعوه للتواصل مع أصدقاء الأمس وأفكارهم ، مواقفهم ..، أخلاقيتهم .. فهم باعثو اليقين بالنسبة إليه ..

-وينتقلَ الموضوع إلى حال البلد ثم إلى نكسة حزيران وأبعادها على الروح العربية وما ستؤول إليه من نهارات مشرقة ثم ليتحول إلى مستوى جديد من الموضوعات هو أقرب إلى الفلسفة ، ذات النفس الرومانسي (18)
.


[font=simplified arabic]-
- وهنا يُجيد موفق خضير في الإغتيال والغضب القص ، ويدل على تمكن واستفادة من التجربة


- ويستمر الحوار بهذا الجريان الطبيعي ، دونما افتعال أو تصنع ليعبر بعمق عن حقيقة المشاعر الصادقة فضلاً عن تجسيده الأمين لملامح المستوى الاجتماعي مستعينًا باللغة الفصحى (المبسطة ) – كما هو واضح من التراكيب اللفظية فيه – رغم الهوة الواسعة بين المستويين .


- والحوار السابق بين (سعاد) و(خالد) في رواية ( رموز عصرية ) ، هو الآخر جاء محتفظًا بسمته الفنية ، ذلك أنه جاء متلائمًا مع وعي الشخصية وظروفها الزمانية والمكانية ، فضلاً عن إحساسها الباطن باللحظة الآنية وخاصة بعد لقائهما الثاني على صعيد العمل الوظيفي (29) .



- لقد أستأثر هذا المنحى الفني في اختيار لغة الحوار باهتمام سائر كتّاب الرواية (الحديثة) فأولوه رعايتهم الخاصة ، كما كان يوفره لهم من فرص متميزة لتحقيق الرؤية الإنسانية الشاملة للواقع ، عبر كشفه لجزئِيات أوجه التطور فيه وعناصر الصراع في حركته المستمرة ، المنظورة وغير المنظورة .



font]

ايوب صابر 11-25-2014 09:00 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 78- الدوامة قمر كيلاني سوريا

- يأتي الإنذار باشتعال الحرب في رواية "الدوامة" للكاتبة قمر كيلاني عبر حلم تراه السيدة هنية، وتعبّر عنه ابنتها في لوحة رسمتها تمثل دوامة وامرأة بلا رأس تطوف وتطوف في دوائر، ومن ثم تشعل النار في المنزل وترحل بعد سقوط القنيطرة (المدينة الحدودية السورية).

-اعتمدت االكاتبة الطريقة غير المباشرة في تقديم شخصيتي سامية وليلى.

- وهذه الإشارة تتضح على نحو أكثر جلاء إذا لاحظنا أن الراوي هو مصدر المعلومات المقدَّمة صراحةً عن سامية، وأن شخصيات (سميرة وهدى والأم) هي مصدر المعلومات المقدَّمة صراحةً أيضاً عن ليلى.

- وعلى الرغم من أن مصدر المعلومات عن الشخصيتين مختلف، فإن اختلافه يلائم وضع الشخصية داخل الرواية.

-فسامية تشعر بالخواء الداخلي، وليلى تشعر بالخواء الخارجي، ولا سبيل إلى تقديم المعلومات عن مظهر سامية ونفسيتها غير الراوي الذي يبتعد عن الشخصية
ويرصدها ويسعى إلى التقاط جزئياتها.

-أما الخواء الخارجي الذي تشعر ليلى به فلا بدَّ من أن يتضح من خلال حوار الشخصيات، فهذا الحوار هو فرصة الشخصيات الأخرى لتقديم آرائها في ليلى.

-ومن المعروف أن اللجوء إلى الراوي لتقديم الشخصيات تأكيد للموقف الجمالي الذي رسّخته التقاليد الروائية الغربية والعربية.

-وقد استثمرت قمر كيلاني موقف الراوي في رواية (الدوامة)، وفسحت له المكان ليُقدِّم المعلومات التي ذكرناها عن شخصية سامية.

- ولكنها - في رواية الأشباح - خرقت هذا الموقف الجمالي، ولجأت إلى بناء الشخصيات كلها بوساطة الحوار، وكادت تقضي على الراوي الذي أفادت من معرفته الكلية وعينه الراصدة وكونه وسيطاً بينها وبين القارىء في رواية الدوامة.

- ويمكنني القول هنا إن مصدري المعلومات عن سامية وليلى (الراوي والشخصيات الأخرى)، وهما مصدران غير مباشرين، لجأا إلى مقياس نوعي يفيد من المعلومات المقدَّمة عن الشخصية بوساطة المقياس الكمي، ثم يروح يحرص على توضيح نوعية تقديم هذه المعلومات.

- ولعلنا قادرون على معرفة نوعية هذا التقديم من خلال مبدأي التّدرُّج والتّحوُّل.

- المراد بمبدأ التدرُّج الانتقال من العام إلى الخاص، أي أن الشخصية تبدو عامة أول الأمر ثم تتضح رويداً رويداً في السياق.

-وكلما زادت المعلومات عنها وعن علاقاتها بالشخصيات الأخرى زاد وضوحها.

-ولعل هذا المبدأ يساير الإدراك الإنساني حسب نظرية الجشتالت المعروفة.

-والمهم بالنسبة إلينا عمومية هذا المبدأ وقدرته على التّحكُّم في بناء الشخصية الروائية ودلالتها.

ايوب صابر 11-26-2014 05:32 PM

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 78- الدوامة قمر كيلاني سوريا

- قمر كيلاني انسجاماً مع التقاليد الجمالية للرواية العربية، وتأثُّراً بطبيعة المجتمع العربي، أضافت إلى عناصر بناء الشخصية عنصرين آخرين، هما : الشخصية الجاذبة والاسم الشخصي.

- أما الشّخصيّة الجاذبة فهي التي تشدّ الآخرين إليها داخل المجتمع الروائي، وتجعلهم يتخذونها محوراً لهم، نتيجة مظهرها الخارجي (الجمال) أو وعيها.

- وقد عزفت قمر كيلاني عن المظهر الخارجي على الرغم من أنها قرّرت في الروايتين جمال سامية وليلى.

- والواضح أنها لم تجعل من الجمال عنصر جذب للشخصيات الأخرى، وخصوصاً الذكور، كما أنها جعلت سامية تنفي محاولتها استعمال جمالها في إيهام جابر بقدرته على إغوائها.

- إن وعي الشخصية الروائية هو عنصر الجذب عند قمر كيلاني .وقد توافر هذا العنصر في سامية وليلى، وجعل الآخرين يدورون حولهما ويمتحون منهما.

- ويستطيع القارىء أن يلاحظ وجود شخصيات كثيرة في الروايتين، ولكن الشخصيتين الجاذبتين تقعان في مركز هذه الشخصيات، لأن الروايتـين راحتا، طوال صفحاتهما، تسلّطان عليهما الضوء وراء الضوء لإبقائهما بارزتين، في حين حرصت الروايتان على إخراج الشخصيات الأخرى من المجتمع الروائي لدى انتهاء دورها فيه، دون أن تُسلِّط عليها المقدار نفسه من الأضواء .

- والملاحظ أن الشخصية الجاذبة الواعية عند قمر كيلاني امرأة في الروايتين وليست ذكراً. وفي هذا تعزيز روائي للموقع الحقيقي للمرأة، وهو موقع التأثير في الآخرين بوعيها وليس بجمالها كما جرى العرف الروائي القائل إن جمال المرأة هو العنصر الوحيد الذي يجذب شخصيات الذكور.

- مما يشير إلى أن قمر كيلاني حرصت في الروايتين على مخالفة الاهتمام بمظهر المرأة ،وسعت إلى ترسيخ الاهتمام بفكرها ووعيها وقدرتها على الإسهام في المجتمع.

- وأما الاسم الشّخصيّ فالحديث عنه طويل، ولكنْ من المفيد الإشارة إليه لأنه عنصر مهمل في نقد بناء الشخصية الروائية.

- وعلى الرغم من أنني لا أملك معرفة بالأسباب التي دعت قمر كيلاني إلى استعمال الأسماء الشخصية في روايتيها الأشباح والدوامة، فإن قائمة هذه الأسماء قادتني إلى اتباعها الأعراف الروائية السائدة في الرواية العربية، وإضافتها إليها شيئاً يتعلّق بها. ذلك أن هناك عرفاً في الرواية العربية يستمد أصوله من الأديان السماوية ،هو تسمية بعض الشخصيات الروائية بأسماء الأنبياء وزوجاتهم، أو أسماء الصحابة، أو التابعين، أو الفقهاء واتباع هذا العرف واضح عند قمر كيلاني في استعمالها اسمي (هاجر وصفية) في رواية الدوامة، و (يوسف) في رواية الأشباح.

- وهناك عرف آخر مستمد من أن المجتمع العربي ما برح يتشبّث بالأسرة. وقد تجسّد هذا العرف في نسبة الأسماء الشخصية إلى أسر محدَّدة، كآل الجابر في رواية الأشباح، والشامي في رواية الدوامة. وهكذا نرى : كريم السعدي - فادية توفيق - بشير العون - ناجي المهدي - مازن النجار - يوسف الأسمر - ياسر الفرحان لكل اسم نسبة يُعرَف بها، ويندر أن نرى شخصية لا تُعرَف بنسبتها ،كجابر وسالم ورنا في الدوامة.

- بيد أن العرف الروائي الذي يفرض تحديد الشخصية يُعوِّض عن النسبة المفقودة بشيء آخر جغرافي أو مهني أو غير ذلك .فجابر جار سامية، وسالم دكتور، ورنا فلسطينية.

- وليس هناك مقياس ثابت لاختيار النسبة في الرواية العربية، ولكنني أعتقد بأن الروائيين العرب يتحاشون النسب المعروفة في الواقع الخارجي ،حرصـاً على ألا يذكروا اسماً له شبيه في المجتمع المحيط بهم، ولهذا السبب تراهم يلجؤون إلى النسب المستمدة من المهن أو المدن أو غير ذلك، فمازن (النجَّار) ومجيد (الشامي). كما يهربون من الأمر نفسه باستعمال الكنى في تسمية النساء : أم هاني - أم حسّان.

- والواضح أن قمر كيلاني لم تخالف الأعراف الروائية السائدة بالنسبة إلى الاسم الشخصي، ولكنها أضافت إليها شيئاً يخصّها وحدها. فالأم عندها في الروايتين مريضة في بداية الرواية، ثم تموت نتيجة مرضها. والأب في الروايتين متوفَّى.

- وعلى الرغم من أن الأسرة في الروايتين تحمل نسبة الأب، فإن الأم تنهض وحدها بمهمة تربية الأولاد. ولذلك لم تُطلق عليها قمر كيلاني في رواية الأشباح أيّ اسم شخصي، انطلاقاً من أن لفظة (الأم) كافية. وقد سمّتها في رواية الدوامة (هنية)، ولكنها استعملت لفظة (الأم) بأكثر مما استعملت الاسم الشخصي، ونادراً ما قرنت لفظة الأم بالاسم الشخصي.

- أما نسبة الأم فمجهولة في الروايتين. وربما قصدت قمر كيلاني من نسبة الشامي) في رواية الدوامة تخصيص البرجوازية التي تحدّثت عنها بدمشق وحدها، ولكن هذا الأمر من قبيل الاستنـتاج والتأويل على الرغم من أن الروائيين العرب لجؤوا كثيراً إلى إضفاء صفاتٍ على الشخصيات تُجسِّدها أسماؤهم أو نسبتهم.

ايوب صابر 11-26-2014 05:37 PM

تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 78- الدوامة قمر كيلاني سوريا

- الأديبة الكبيرة والباحثة قمر كيلاني التي كانت تصر على أن ما تكتبه ليس للنخبة وإنما للناس عموماً،


- وأنه كلما كانت اللغة بسيطة ومتنوعة وقادرة على أن يستوعبها الآخرون كانت سعادتها كبيرة، كما صرّحت يوماً لصحيفة (تشرين).

- كيلاني التي تعد من أبرز الروائيات العربيات اللواتي عملن على منح المرأة حقها وتصحيح صورتها وإسناد دور البطولة لها في رواياتها مدفوعة بحماسة قوية لقضية المرأة ولرغبة جامحة لإنصافها وصلت إلى حد إضفاء هالة الكمال على بطلات رواياتها.

- كانت واحدة من الكاتبات اللواتي يقفن في الصفوف الأولى في الكتابة النسوية في سورية...

- فمنذ نعومة أظفارها لفتت نظر أساتذتها د.بديع حقي والأستاذ زهير دجاني وغيرهما ورصعت دفاترها المدرسية - كما كانت تقول بعبارات الثناء والإعجاب وبالعلامات التامة حتى إنها كتبت مذكراتها وهي في الحادية عشرة من عمرها.

- نشرت لها أول قصة قصيرة وهي في الثانوية في مجلة لبنانية بعنوان «شبح أم» مرفقة بعبارات الثناء التي تقول «نتمنى لهذه الأنامل البارعة أن تستمر في العطاء»

- وهذا ما كان فعلاً فقد كتبت بعد فترة قصة قصيرة أخرى، بعنوان «دمية العيد» تحت اسم مستعار هو «رائدة النبع» نالت عليها جائزة أفضل قصة قصيرة في المسابقة التي أقامتها هيئة الإذاعة البريطانية آنذاك،

- كما أنها كانت تنشر في المجلة الجامعية تحت اسم مستعار آخر هو «المتمردة الذهبية».

- من المفارقات أن أول نتاج مطبوع لهذه الروائية الكبيرة لم يكن رواية بل كان كتاباً تحت اسم «التصوف الإسلامي» عام 1962

- أما روايتها الأولى «أيام مغربية» فقد رأت النور بعد ذلك بثلاث سنوات عام 1965 وقد وصفتها الراحلة: بأنها كانت تحبو بين يديها كطفلة يتيمة.

- بعد فترة الستينيات استطاعت الأديبة كيلاني أن تثبت نفسها وترسخ اسمها على الساحة الأدبية والثقافية فقد كتبت أكثر من خمس عشرة رواية ومجموعة قصصية .

- لم تتوقف كيلاني عند القصة والرواية بل إنها كتبت عشرات الأبحاث والدراسات في التراث والنقد وفي موضوعات المرأة والمجتمع وفي مناسبات تكريم الأدباء المعاصرين أو في رثائهم وتقويم أعمالهم فضلاً عن مئات المقالات في الصحف والمجلات والدوريات المحلية والعربية منذ عام 1955

-وكان لها مقال أسبوعي في إحدى الصحف المحلية منذ عام 1963 حتى وفاتها، وقد ترجمت بعض أعمالها إلى الروسية والفرنسية والإنكليزية والفارسية والهولندية.

- ورغم ميولها الأدبية الصرف فإن الأديبة كيلاني كانت ناشطة في مجال العمل الاجتماعي والنقابي والتنظيمي، .

ايوب صابر 11-29-2014 12:21 AM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 79- الحصار فوزية رشيد البحرين

- تمضي الروائية في تلمس آلام العامة، العاملين منهم لتصور ضمن إطار قصصي مدى معاناتهم في سبيل لقمة عيشهم التي أبى صاحب العمل الأجنبي إلا اجتزاءها من خلال استغلال جهودهم، لينتهي الأمر إلى خروج صرخة تتجاوب معها أرجاء المدينة ليمضي الجميع متعاطفين مع هؤلاء ضد أصحاب العمل الأجانب.

-وتجدر الإشارة إلى أنه تم اختيار هذه الرواية عام 2000 من بين أهم مئة رواية عربية في القرن العشرين، وذلك في استفتاء قام به اتحاد الكتّاب في مصر،

-كذلك تمّ اختيار الرواية من بين (105) مئة وخمس روايات للترجمة إلى ست لغات عالمية حية عن طريق اتحاد الكتاب العرب في دمشق.

-هذا وتعتبر تلك الرواية إحدى أول روايتين صدرتا في البحرين، في إطار الحركة الأدبية البحرانية المعاصرة

- رغم تنوع موضوعات القصص، وتباين الأوعية التي تصب فيها أحداثها -ما بين الواقعية المجنحة، والواقعية الشعرية والحلم، والأسطورة المنتزعة في أغوار الماضي كي يضيئها نور وعي معاصر، ويبقى الإنسان وهم الإنسان الشغل الشاغل لفوزية رشيد. الإنسان طفلاً ورجلاً وامرأة. الإنسان شاباً أو عجوزاً. الإنسان مخطئاً أو مصيباً أو محيراً لا يدري أخطأ هو أم صواب.

-وتلجأ فوزية رشيد إلى الشعر وتقنيات الفن القصصي المعاصر. المونولوج الداخلي. تداخل الزمان والمكان.

-تعايش الماضي والحاضر ولكن ركيزتها الأساسية نفس شديدة الحس، وعاطفة دفاقة وروح تتعذب بالفعل وتقتطع من عذابها قطعاً تصنع منها قصصاً.

-إن على فوزية رشيد ألا تكتب إلا وهي مشتعلة، هكذا نطلب نحن الأنانيين!

ايوب صابر 01-04-2015 10:26 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 79- الحصار فوزية رشيد البحرين

- قوبلت رواية "فراشات القلق السري" للروائية والكاتبة البحرينية فوزية رشيد، باهتمام لدى الكثير من الأوساط الأدبية والنقدية .‏‏

- وقالت رشيد لوكالة الأنباء الكويتية "كونا" إن روايتها تتعلق ببحث المرأة ‏ ‏المعاصرة عن وجودها، من خلال قراءة وصياغة جديدة لأسطورة شهرزاد. ‏ ‏

- وأضافت أن شهرزاد الأسطورة تحايلت على الموت وقتل شهريار لها، أما شهرزاد ‏ ‏الرواية فإنها تتحايل على الحياة بمحاولة فهمها لذاتها، والوقوف ضد المحاولات ‏الرامية إلى تشويهها، حتى تستطيع أن تتجاوز مأساتها.‏ ‏

- وأشارت رشيد إلى أن شهرزاد الأسطورة أيضا تتبنى المنطق الذكوري، لأن الزمن آنذاك لم يكن مرشحا لأكثر من ذلك.

- أما شهرزاد القرن الواحد والعشرين فإنها تتبنى ‏منطقها الخاص وتطرح أسئلة وجودية كانت حكرا على الرجل.‏

- وقالت إن القلق الذي تفصح عنه الرواية ليس قلقا من أجل التمرد على الرجل، ‏ ‏وإنما من أجل معرفة الذات، وإمكانياتها، وآفاقها، وخلخلة الخبرة السابقة حولها. تلك ‏ ‏الخبرة التي حبست المرأة في صورة زائفة يتم تداولها عبر العصور .‏

- وأضافت رشيد أن أكثر ما تهتم به الرواية هو: طرح أسئلة عميقة وكثيفة على ألسنة نساء ‏القرن الجديد، حول وجود المرأة المعاصرة عبر بناء زمني متداخل، ولغة تمزج الحلم، ‏والفانتازيا، والواقع، والتاريخ، والأسطورة.‏ ‏

ايوب صابر 01-05-2015 10:35 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 80- في بيتنا رجل احسان عبد القدوس مصر

- "في بيتنا رجل" قصة احتلت من حيث موضوعها وأسلوبها الروائي مكانتها المتميزة في النفوس.
- فمسرح زمانها هو ذاك الوقت الذي سبق انفجار أحداث الثورة في مصر حيث كانت النفوس تغلي من قهر الاحتلال.
- والمكان هو مصر بمساحتها الجغرافية والقاهرة تحديداً.
- يروي إحسان عبد القدوس بأسلوبه الأدبي الشيق الرائق الرائع قصة محيي الدين البطل الذي سكنت شخصيته في خيال كل مواطن مصري مخلص.
- يجذب إحسان عبد القدوس القارئ إلى عالم روايته ليجعله متماهياً معها بأحداثها وبشخصياتها وبموضوعها.
- قصة لا تزال مثار شغف عند قراءتها على رغم حفنة الزمان التي مرّت عليها، ربما لأن بين سطورها ما يجد صداه عند قارئ اليوم، وفي أسلوبها ما يمتع النفس من حيث الأسلوب ومن حيث الأداء، ومن حيث أسلوب العرض المشوّق.
- تحكي رواية احسان عبد القدوس عن "إبراهيم حمدي" شاب بكلية الحقوق يقاوم الإحتلال البريطاني في مصر وينظم المظاهرات والإعتصامات إلى أن يقوم بعملية إغتيال لرئيس الوزراء العميل يهرب من السجن ويختبئ عند صديقه محيي وهناك يلتقي الحسناء الصغيره نوال ويتعلق بها غير ان الظروف تجبره على تركها ليواصل هربه وعملياته البطوليه ضد الإحتلال البريطاني غير انه يستشهد في إحدى العمليات .

ايوب صابر 01-08-2015 09:14 PM

تابع ..العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 80- في بيتنا رجل احسان عبد القدوس مصر

- يعتبر إحسان من أوائل الروائيين العرب الذين تناولوا في قصصهم الحب البعيد عن العذرية وتحولت أغلب قصصه إلى أفلام سينمائية.

- ويمثل أدب إحسان عبد القدوس نقلة نوعية متميزه في الرواية العربية، إذ نجح في الخروج من المحلية إلى حيز العالمية وترجمت معظم رواياته إلى لغات اجنبية متعددة.

- ترك مهنة المحاماة ووهب نفسة للصحافة والادب فقد شعر ان الادب والصحافة بالنسبة له كانا من ضروريات الحياة التي لا غني عنها، واصبح بعد اقل من بضعة سنوات صحفي متميز ومشهور، وراوئى، وكاتب سياسي، وبعد ان ترك العمل في روزاليوسف ،تهيات له كل الفرص والظروف للعمل في جريده الاخبار لمده‏8‏ سنوات ثم عمل بجريده الاهرام وعين رئيسا لتحريرها‏.

- ‏كان لإحسان شخصية محافظة للغاية، لدرجة ان شخصيته تتناقض مع كتاباته، فالبيئة التي تربى فيها جعلت منه انسانا صعبا للغاية، فقد كان ملتزما بالمعنى الاجتماعي، فلم يكن يسمح لزوجته بان تخرج من البيت بمفردها، وعندما يكون مسافرا يطلب منها الا تخرج، بل وترفض كل الدعوات التي توجه اليها مهما كانت، بل انه كان صعبا معها في موضوع الملابس، لدرجة انه كان يشترط عليها ان تكون ملابسها محتشمة لا تصف ولا تشف .

- ان ادب احسان عبد القدوس يمثل نقله نوعيه متميزه في الروايه العربيه الي جانب ابناء جيله الكبار من امثال نجيب محفوظ ويوسف السباعي ومحمد عبد الحليم عبد الله‏,‏

- لكن احسان تميز عنهم جميعا بامرين احدهما انه تربي في حضن الصحافه‏,‏ وتغذي منذ نعومه اظفاره علي قاعده البيانات الضخمه التي تتيحها الصحافه لاختراق طبقات المجتمع المختلفه وكانت الصحافه‏,‏ وصالون روزاليوسف والعلاقات المباشره بكبار الادباء والفنانين والسياسيين ونجوم المجتمع هي المنبع الذي اتاح لاحسان عبد القدوس ان يصور الجوانب الخفيه في الحياه المصريه ويتخطي بذلك كثيرا من الحواجز التي حالت بين زملائه وبين معرفه هذه البيانات‏،

- اما الميزه الثانيه لادب احسان فهي انه كان عميق الايمان بقضيه الحريه‏,‏ بمختلف مستوياتها السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه.

- وان ادب احسان قد نجح في الخروج من المحليه الي حيز العالميه‏,‏ وترجمت معظم رواياته الي لغات أجنبية

- الناس يظنونه كاتبا متحررا من كل التقاليد والاعراف الاجتماعية، مع انه ملكي اكثر من الملك، بل وتصلح نهايات ابطاله الذين يبغون الحرية للتدريس واخذ العظة والعبرة

‏- لا جدال ان البيئه الفنيه والصحفيه التي تفتح عليها وعيه ساعدته علي شق طريقه الصحفي فالاب محمد عبدالقدوس كاتب ومثقف مهندس وممثل له تميزه والام فاطمه اليوسف سيده عربيه عظيمه شقت طريقها منذ ان جاءت الي مصر في العشرينيات صبيه مهاجره من لبنان واصبحت من رموز مسرح رمسيس‏..

‏- اسهب احسان في الحديث عن الحريه في اعماله الادبيه والصحفيه حتي امتزجت لديه النزعه الادبيه الاصيله مع الحرفه الصحفيه‏.‏وكانت كتابات احسان بالمقارنه بزميله نجيب محفوظ ويوسف السباعي اقرب الي روح الشباب‏.‏ كما كانت رواياته تصدر عن حس وطني مؤثر فنجد روايه في بيتنا رجل تدعو للمشاركه السياسيه‏.

‏ - وايضا علي مقهي في الشارع السياسي تكشف عن حبه العميق لوطنه‏.‏

-أعمال عبد القدوس تنتسب إلى الإعداد السينمائي بأكثر من انتسابها إلى لون أدبي آخر.

ايوب صابر 01-12-2015 12:25 AM

تابع ..العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 80- في بيتنا رجل احسان عبد القدوس مصر

- في بيتنا رجل" قصة احتلت من حيث موضوعها وأسلوبها الروائي مكانتها المتميزة في النفوس. فمسرح زمانها هو ذاك الوقت الذي سبق انفجار أحداث الثورة في مصر حيث كانت النفوس تغلي من قهر الاحتلال. والمكان هو مصر بمساحتها الجغرافية والقاهرة تحديداً.

-يروي إحسان عبد القدوس بأسلوبه الأدبي الشيق الرائق الرائع قصة محيي الدين البطل الذي سكنت شخصيته في خيال كل مواطن مصري مخلص. يجذب إحسان عبد القدوس القارئ إلى عالم روايته ليجعله متماهياً معها بأحداثها وبشخصياتها وبموضوعها.

- قصة لا تزال مثار شغف عند قراءتها على رغم حفنة الزمان التي مرّت عليها، ربما لأن بين سطورها ما يجد صداه عند قارئ اليوم، وفي أسلوبها ما يمتع النفس من حيث الأسلوب ومن حيث الأداء، ومن حيث أسلوب العرض المشوّق.

-قصه رائعه ابدع فيها الكاتب في سرد الاحداث بطريقه تصويريه دقيقه يذكر فيها ادق التفاصيل الموقف و كأن كلمات هذه الروايه تتحول لمشاهد امام عينيك لكن دون ملل ...

- في قرائتي لهذه الرواية لم امر بلحظه ملل واحده (دون مبالغه) كانت الاحداث تتصاعد و تنخفض قليلا لتتصاعد و تشتعل من جديد و كأن دقات قلبك تتصاعد معها...

-يضعك الكاتب في احداث و مواقف تجلب الحيره و تثير التفكير ... و اجمل ما فيها هيه الافكار بجانب الاحداث حيث يفاجؤك البطل بافكار و تكتيك للخروج من الازمات تجعلك تشعر فعليا ان هذه الشخصيه حيه امامك لندرة افكارها ولعمق تفكيرها في حل ازماتها ....

- البعض كان يشكي من بعض الحوارات اللتي تحوي اللغه العاميه لكن انا شخصيا اجدها سمه لهذه الوايه لانني كنت اشعر اني اقرب للشخصيه و الزمن الذي تدور فيها الاحداث

-ثلاث نجمات للأسلوب و نجمة رابعة للفكرة أول مرة أقرأ فيها لإحسان عبد القدوس و لا عجب أن تصوٍّر أغلب روايات هذا الأديب و تعرض في أفلام

- أسلوب رائع في وصف الأحداث و الشخصيّات رغم بساطة اللغة لكنّها كانت معبّرة جدّا عن كلّ المواقف و الأحداث في القصة

- هذا النوع من الأدب برأي ينصح فيه للمبتدئين في القراءة إذا تمكنهم من إكتساب لغة سلسلة و سهلة بعيدا عن التكلّف الزائد لدى الكثير من المعاصرين

-من أفضل ما كتب احسان عبد القدوس، الشخصيات واقعية و لا تحاول الظهور كالملائكة فهي تخاف و تحب و تكره و تشتاق، تشعرك بالفخر المشوب بالحزن و الأمل بغد أفضل

-لا عجب أن تحتل موقعاً بين مائة رواية عربية مهمة بحسب تصنيف اتحاد الكتاب العرب. ابراهيم .. محيي الدين .. نوال وحتى سميحة وعبدالحميد .. شخوصٌ لابدّ أن تطبع في ذاكرتك بعد قراءة رواية شيقة أسلوبها الماتع يزيدك نهماً للانتهاء منها كهذه الرائعة لاحسان عبدالقدوس .. ولأنني شاهدت الفيلم أولاً أقول بحق أنه -أي الفيلم- رغم روعته وإجادة أبطاله: عمر الشريف وحسن يوسف ورشدي أباضة لأدوارهم، فلم يكن شيئاً بجانب كل التفاصيل الناعمة التي لا تُمَل وبجانب أوصافٍ رقيقة أوردها الكاتب لا تخل بتركيب الرواية ولا تزيدها إلا سلاسةً ووضوحاً وليست كالحشو الذي يملأ الكُتاب به رواياتهم فتصيرها ممجوجة.

- في أول مرة أقرأ إحسان عبدالقدوس، أثعجبتُ جداً يأسلوبه، أسلوب سلس منساب بسرعة شديدة، كلمات بسيطة، و أفكار واضحة.
الرواية رواية ثورية بامتياز، ترفع الروح الحماسية، و تناهض الاحتلال الانجليزي لمصر و تتحدث عن ثورات الشباب.

- أهم فكرتين وصلتا من الرواية: الشباب هم الأساس، هم الأعصاب، الخوف الأعظم من الشباب و عليهم! إذا أردت الانتصار فانتصر بالشباب.

- الخطر الأعظم يكمن في الأفكار لا في الأشخاص، و الثورة فكرة، إن قتلتَ أحد رموزها ظهر لك آلاف وراءه! لا تحاول محاربة فكرة إلا بفكرة.

- رغم بساطة وصفه إلا أنه يرسم لك صورا كاملة محملة بعواطف صادقة تجعلك مبهور اﻷنفاس من البداية وحتى النهاية مشدود اﻷعصاب وأنت معهم في الشقة تتحفز ﻷي طارق... تتلقى الصفعة اﻷولى.. كأنها تسقط على روحك وكيانك قبل خد محيي... تلهث وكأنك تجري مع البطل في المعسكر الانجليزيتشحذ همتك.. تتألم.. ثم تهوي بيأس للنهاية المحتومة.رواية عاشت في وعشت معها كما لم يحدث مع غيرها..رغم كل ما سمعته عنها.. لقد كانت أروع

- السرد جداً جميل , أحببت التحليل النفسي لشخصيات الرواية يجعلك تفهم الشخصية بعمق كما لو كنت تتعايش معها هذا ما زاد تعلّقي بها حتى أتممتها خلال فترة وجيزة . النهاية طبيعية ومتوقعة لكن مؤسفة :"

-ما يحدث حقا هو ان الرواية تحملك فى الة زمن من نوع خاص و تضعك فى خضم احداث الماضى لتصبح عينك شاهدة على كل التفاصيل التى وضعها احسان ببراعة فى شخصياته و فى سرده للاحداث متنقلا بك بين صراعات نفسية تدور بداخل كل شخصية و انعطافات اخلاقية و عواطف متشابكة و بين كل هذا و الوطن تدور الرواية .. ... من اقرب روايات احسان عبدالقدوس الى قلبى و فعلا تستحق القراءة اكثر من مرة

ايوب صابر 01-14-2015 08:59 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 81- رموز عصرية خضير عبد الامير العراق

- تمتاز كتابات خضير بعدة عناصر وأول هذه العناصر هو عنصر (الحدث)، فقد دفع الهدف السابق كتاب هذا الاتجاه إلى اختيار الأحداث ذات الدلالة (الواعية) التي اشتملت على أبعاد اجتماعية تمثلت بالصراع ضد التقاليد، أو أبعاد (ذهنية) تمثلت بالصراع السياسي والاجتماعي أو بكلا البعدين.

- فحادث طلاق (سعاد) من زوجها المتعســــف وبإرادتها الحرة في رواية (رموز عصرية) لم يكن حدثاً تقليدياً مألوفاً تسبب عن اعتبارات معروفة، تمثلت بالإدانة الصارخة للمواضعات العرفية السيئة فحسب، بل خرج إلى وظائف أخرى أكثر خطورة في مسار التطور الاجتماعي تمثلت باختيار (سعاد) الحر لآفاق مستقبلها الجديد من خلال مواقفها الحاسمة في تحديد صيغ العلاقة مع الآخرين بشكل يمنحها الفرصة لتأكيد موقع المرأة التاريخي من حركة المجتمع الذاتية إلى أمام.

- لقد آثرت صيغ المواجهة الحادة في تغيير الواقع المدان، بعيداً عن صور الشكوى أو ذرائع الحظ والنصيب،

- أنها تخلق البديل المتكافئ عبر قرارها مواصلة الدراسة كمعادل موضوعي ليس لسد الفراغ المرتقب، بل لشحن الوجود الحياتي بطاقات متوهجة من العطاء المتواصل للآخرين،

- فهي – إذن – تعبر بعمق واقتدار عن إحساس المرأة في كل مكان وزمان لتأكيد دورها الفاعل – جنباً إلى جنب – مع الرجل لبناء المجتمع العراقي الجديد، وبخاصة في مرحلة تاريخية كالتي يمر بها مجتمعنا الناهض اليوم.

- فالقاص خضير عبد الأمير لم يدع حدثه يعوم فوق زبد الأعراف، بل دفع به إلى الغوص في لجج المشكلة ليجعل منها قضية حضارية، تسجل بفخر دوراً ريادياً للمرأة في حركة التاريخ، مستنفراً كل طاقاتها المعطلة بهدف بناء الغد الأفضل

- وذلك عبر مواقف فنيه مقنعة لا يشوبها الافتعال أو الغرابة من دون أن يجردها من بعدها الرمزي ذي الإيحاءات المدببة.

ايوب صابر 01-15-2015 11:27 PM


والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 81- رموز عصرية خضير عبد الامير العراق

- من بين افضل مئة رواية عربية خلال القرن العشرين، نجد ست روايات عراقية هي "الرجع البعيد" لفؤاد التكرلي و "الوشم" لعبد الرحمن مجيد الربيعي و "النخلة والجيران" لغائب طعمة فرمان و "سابع ايام الخلق" لعبد الخالق الركابي و "الاغتيال والغضب" لموفق خضر و "رموز عصرية" لخضير عبد الامير ( ترتيب الاسماء حسب التسلسل )،

-والملاحظ ان جميع هذه الروايات يستطيع القارئ ان يتواصل معها، وينشد الى عوالمها دون ان يصيبه الملل،

- ولا خلاف على القيمة الجمالية التي تحمله كل رواية من تلك الروايات، وبعضها دخلت منطقة التجريب كروايتي " الوشم" و "سابع ايام الخلق" دون ان تضع المتلقى في متاهات.

- بل كانت تمد يدها له، لتبحر معه في رحلة ارادها الكاتب ان تكون جديدة.

- قد نملك بعض الاسئلة على هذا الاختيار، ولكنه يشي بحقيقة لا يمكن تجاهلها ان القصة والرواية العراقيتين وكأنهما تتعمدان الابتعاد عن الجمهور، من خلال اساليب تكون فيها الشخصية بلا ملامح، شبحية، غارقة باساليب تنشد بالدرجة الاولى ايصال ثقافة الروائي الينا، وتوقه الى اجتراح طريقة روي جديدة تسجل باسمه.

-القناع الذي يتخفى به هؤلاء الكتاب هو اختلاف الذائقة ومستويات التلقي، بالتالي فهم غير معنيين بالقاريء الكسول، ويودون متلقيا يشاركهم في صنع الدلالة، ومؤهلا للانتقال معهم في رحلة الى قاع النص لا ستخراج " الدرر


من مقال ضياء الخالدي - روائي من العراق

ايوب صابر 01-20-2015 04:45 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم82- ونصيبي من الافق عبد القادر بن الشيخ تونس

- الأستاذ الجامعي عبدالقادر بن الشيخ الذي كتب رواية واحدة شدت الاهتمام وتحولت إلى فيلم سينمائي هي: (ونصيبي من الأفق)، أو كما يصفها المؤلف في بداية هذا الحوار (رواية واحدة كانت كافية لاعتباره من أبرز الروائيين التونسيين المعاصرين.

- ورواية طرحت إشكالات عديدة على صعيد البنية الروائية شكلاً ولغة وأسلوباً ومضموناً)، وهذه الرواية كانت المسوغ للحوار والمحور الأساسي له.

- ونلاحظ أيضاً أن الخلفية الصحفية للمؤلف جعلته يختار لهذا الحوار العنوان التالي: (عبدالقادر بن الشيخ: أفكر بالفرنسية وأكتب بالعربية) حيث يعترف الرجل للسائل قائلاً: (سأقول لك، أتحدث الآن إليك، وأنا أفكر باللغة الفرنسية، وأجد صعوبة كما ترى وتلاحظ في نقل أفكاري إليك لأني أترجمها فورياً إلى العربية عن الفرنسية في ذهني قبل أن ينقلها لساني).

- طرح في روايته الرائعة قضية الارض المفقودة وخيبة النزوح الي سراب العاصمة.

-

ايوب صابر 01-20-2015 10:58 PM


والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم82- ونصيبي من الافق عبد القادر بن الشيخ تونس



من مقال لمحمد آيت ميهوب: صورة الريف في «نصيبي من الافق

- صورة الريف في «ونصيبي من الافق» لعبد القادر بن الشيخ من حيث تصويرها منطقة ريفية تونسية في ستينات القرن العشرين زمن تجربة التعاضد مقدمة صورة عن الريف التونسي في تقابل مع صورة اخرى مناقضة هي صورة المدينة كما اضحت تجسده المخيلة الشعبية.

- فوصل الباحث الى ان صورة القرية في الرواية يتجاذبها بعدان متناقضان: بعد النعيم ويتجسد في الطبيعة وتوابعها وبعد الجحيم وهو ما يقترن بالحضور الانساني الاجتماعي اذ تهيمن على القرية مظاهر الفقر والجوع والظمأ.. مما جعل القروي الريفي لا يفكر الا في النزوح والالتحاق بالمدينة، الجنة المفقودة، ولكن القروي كما يمثله بطل الرواية سالم ينزح الى المدينة فلا يجد الا سرابا خلبا ويخيب ويصطدم بالحقيقة فيعود الى الحلم بالقرية من جديد.
*
ان اهمية هذه الرواية كما يبين المحاضر انها تعيد النظر في قضية النزوح وتتساءل ان كان النزوح سببا في تخلف الريف ام نتيجة له؟ وهل النازح مجرم كما يسود عند الناس ام هو ضحية؟

- اختارت هيئة أيام الابداع الأدبي بزغوان تكريم الأديب الروائي الراحل عبد القادر بن الشيخ بإطلاق اسمه على جائزة سنوية على اعتبار أنه أصيل هذه المدينة الشهيرة بمياهها العذبة وعيونها الصافية والراحل أيضا رجل الفكر والأدب والاتصال والاعلام والتربية والتوثيق والمكتبات واشتهر الراحل بروايته «ونصيبي من الأفق» التي وقع عليها الاختيار كواحدة من أفضل مائة رواية عربية وقد عالج فيها صاحبها قضية الأرض المفقودة وخيبة النزوح إلى سراب العاصمة.

- وتجدر الاشارة إلى أن هذه الرواية حولها المخرج الراحل إبراهيم باباي سنة 1971 إلى فيلم سينمائي بعنوان «وغدا» توج في نفس السنة بجائزة منظمة الوحدة الافريقية.

-وضع الكتابة الروائية مقابل الكتابة المسرحية التي تعتمد التقطيع المشهدي، إذ تخرجه من انسيابيته السردية وتجرفه نحو الحركية السريعة، التي تلتزم باللعب المسرحي من خلال إعادة إنتاج العوالم المتخيلة دراميا، والمتحققة سيميولوجيا وسينوغرافيا، نموذج*نصيبي من الأفق لعبد القادر بن الشيخ.
*

ايوب صابر 01-21-2015 10:28 PM

والان مع العناصر آلتي صنعت الروعة في رواية 83- مجنون الحكم سالم حميش المغرب


- تستلهم هذه الرواية عناصر التاريخ شخوصاً ووقائع ومجريات،

- وتبني فرادتها كأثر فني معاصر وحديث، من خلال منظور فكري وفلسفي جديد للتاريخ تسلح به الروائي المغربي ليحقق من خلال عمله الروائي الأول، إنها محاولة فنية راقية لإعادة صوغ التاريخ وإسقاطه على الحاضر بطريقة ذكية.

- رواية تنتزع مكانتها في عالم الروايات العربية ذات المصادر التاريخية، وتنبه إلى غنى التاريخ العربي وطواعيته في يدي فنان مبدع.

- قالت فيها لجنة التحكيم التي منحتها جائزة مجلة"الناقد" اللندنية للرواية للعام 1990: مجهود واضح في استيعاب فترة حكم الحاكم بأمر الله، وإسقاط الحاضر عليه، وهو استيعاب للموضوع كما هول للأسلوب،

- وهو لا يلتزم الغالب التقليدي للرواية التاريخية، إذ يتراوح الشد الروائي بين اللوحات القصصية حيناً والتسلسل الروائي حيناً آخر، تتخللها مقاطع بأقلام مؤرخي تلك الفترة مما يضفي على العمل الروائي عبق التاريخ، فيتضافر الموضوع والأسلوب والشكل في تقديم عمل فني متكامل."

- الميزة الأولى -في هذه الرواية هي مقدرتها على الإفادة من التراث السردي الغني- في كتابات مؤرخينا القدامى، وامتلاكها -على الأغلب- ناحية اللغة المتسقة مع مادتها تاريخياً ونفسياً واجتماعياً وهو اتساق يندر أن يحدث في هذا الضرب من الكتابة الروائية المحدثة.

- اعتقد أن ميزة هذا النص تتجلى في تحقيق علائق جدلية بين الشخوص واللغات وطرائق السرد. وإذا كانت لغة المصادر والمراجع التاريخية تحتل مكانة بارزة، فإن لغة الكاتب المحاكية لها تضطلع بوظيفة التهجين والباروديا وتفجير السخرية.

ايوب صابر 01-22-2015 12:33 PM

تابع ...والان مع العناصر آلتي صنعت الروعة في رواية 83- مجنون الحكم سالم حميش المغرب



- يتوزع إنتاج سالم حميش بين الإبداع الشعري والروائي والبحث في الفلسفة والتاريخ.

- وعن روايته تلك، تحدث حميش قائلا أنه استلهم شخوصها من وقائع ومجريات تاريخية، في محاولة فنية لصوغ التاريخ العربي المفعم بالأحداث والمواقف وإعماله في جنس الرواية وانتزاع مكانة تليق برؤيته الفلسفية بعيدا عن المنظور التقليدي للرواية التاريخية.

- تحكي هذه الرواية، التي أحرزت جائزة مجلة "الناقد" اللندنية للرواية للعام 1990، سيرة الخليفة الفاطمي أبو علي منصور الملقب بالحاكم بأمر الله الذي حكم مصر والشام مدة 25 عاما ما بين القرنين التاسع والعاشر ميلادي، وعرف بشذوذه وغرابة أطواره، ولا يزال إلى الآن مثار اهتمام المؤرخين، خصوصا ما يتصل بأوامره وقراراته.

- ومن ضمن قرارات الحاكم بامر الله، الذي كان مصابا بمرض فضل الروائي تسميته بـ"السوداوية"، تحريم بعض الأكلات على المصريين ومنع المرأة من الخروج والعمل، وقد ثارت ضده قبائل من المغرب إلى جانب المصريين بقيادة إمام شاب يدعى "أبا ركوة" ولقب نفسه ب"الثائر بأمر الله" لكن هذه الثورة فشلت وقضي على زعيمها بعد القبض عليه في بلاد النوبة.

- كما أن هذا الخليفة كان يصدر، إبان أزماته "السوداوية"، مراسيم غريبة وقاسية، وعندما يعود إلى حالته الطبيعية يصبح ذلك الخليفة الطيب العادل والقادر على مواجهة مناوئيه السياسيين، المدنيين والعسكريين، فكان ينزل إلى الأسواق ويصدر أحكاما ضد كل من تبث في حقه الغش، وتطبق في حقه العقوبة أمام الملأ على يد العبد "مسعود" الذي كان يلازمه حتى يكون عبرة للآخرين.

- وتنتهي حياة هذا الخليفة على يد أخته "ست الملك" التي خلدها المصريون في السير الشعبية.

- وتنطوي هذه الرواية، كما عبر عن ذلك النقاد، على مجهود واضح في استيعاب فترة حكم الحاكم بأمر الله ، حيث نجح الروائي حميش في تقديم عمل فني متكامل.

ايوب صابر 01-23-2015 11:00 AM



تابع ...والان مع العناصر آلتي صنعت الروعة في رواية 83- مجنون الحكم سالم حميش المغرب


- إعادة النظر في التاريخ وكتابته روائيا هاجس مُقيم لدى الروائي المغربي بنسالم حميش،

- تلقى حميش تعليمه العالي في الفلسفة وعلم الاجتماع في الرباط والسربون بباريس وهو ما يفسر ربما مشاغل هذا الروائي الذي فاجأ الأوساط الثقافية العربية في مطلع التسعينيات بروايته المتميزة مجنون الحكم،

- التاريخ لديه ليس مجرد مادة خام لأعماله الروائية بل مصدر إلهام وأسلوبا مبتكرا في الكتابة من خلاله يسأل ويتساءل مُعيداً صياغة الأحداث وفق مخيال جديد.

- بنسالم حميش- روائي مغربي: أعتقد في نقاط تماس ما بين التاريخ والرواية، لكن الروائي هو واع بأن عمله الأساسي ليس فقط هو الإتيان بالخبر وتنقيح الخبر والحرص على صحة الخبر، هو كذلك مطالب بأن يسترجع ما لا يُخبِر عنه المؤرخ ويظل غائبا عن حقل إدراكه وبالتالي فالاسترجاع ما لم يُؤرَّخ له.. واسترجاع كل المغارات وكل الهوامش التي لم ينتبه إليها المؤرخ هذا عمل طبعا يتطلب الكثير من التخيل..

- والتخيل بمعنى الافتراض أن يفترض أن هذه الأشياء نظرا لمعطيات واقعية قد تكون حصلت بالفعل، فأنطلق أيضا من هذا التصور وأحاول أن آتي.. يعني بعطائي في هذا المجال وأنا مسبوق إليه من طرف كُتاب عالميين وطرف كذلك روائيين عرب.

- في مجنون الحكم يبحث بنسالم حميش عن المُهمَّش والمُغفل، يُحدق في العتمة المتبقية التي لم يُضئها المؤرخون لدى تناولهم سيرة الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله وهو ما فعله لاحقا في روايته العلامة التي تتناول سيرة ابن خلدون.

- الاهتمام بما لم يهتم به المؤرخون هذا يُمكن أن يفعله الروائي لكي يقول بأن نحن أمام مجتمع كُلي فيه شرائح من الناس وفيه دولة وفيه محكومون وحاكمون،

- فبالتالي هو.. يعني يُستحسن أن يلتفت إلى ما لم يلتفت إليه المؤرخون وبالتالي مثلا في روايتي هذه مجنون الحكم العبد مسعود هو موجود في فصل كامل، في حين أن المؤرخون يشيرون إليه في كلمة أو كلمتين أو سطرين لا أكثر، كذلك الشأن بالنسبة للثائر أبي ركوة..

- كذلك نجد عند المؤرخين إشارات عابرة ومستخفة بسبب أنه ثار على الحكم الفاطمي وعلى الحاكم بأمر الله، لا أنا أعطيه.. قول هذا شخصية أساسية ولابد من أن أهتم بها وبالتالي يصبح كذلك يعني قائما في الفضاء الروائي بشكل يعني لافت،

- كذلك الشأن بالنسبة لسِتْ الملك إلى آخره، الشخصيات التي تصورت أنها بالضرورة كانت تحوم حول ابن خلدون، كان لابد أن يكون له خادم في بيته ويعني أوجدت هذا الخادم وسَمَّيته وجعلت أن هذا الخادم يبرز بشكل أو بآخر في النسيج الروائي..

- وكذلك بالنسبة للذي وَظَّفته ككاتب لإملاءات عبد الرحمن ابن خلدون وهو حمو الحيحي، هذا ابتدعته ابتداعا يعني ولا وجود له في الواقع، لكن تصورت بأن الرجل وقد كان يعيش في حالة انهيار عصبي بعد أن فَقَدَ الأهل والأسرة، أنه لم يعد قادرا حتى على الكتابة، فيعني كما الشأن بالنسبة لابن بطوطة وابن الجوزي قلت من الممكن أنه كذلك استعان بخدمات هذا الكاتب وهذا الكاتب عندما سيتوفى هو سيتزوج يعني زوجته.

- وكذلك أوجدتها وسميتها وأعطيتها دورا أساسيا في الرواية إلى آخره..

-لكن أنا أقول بأنه في مجال الخيال لابد من مراعاة الذوق السليم ومراعاة حدود الإمكان،

- لا نتصور أي شيء أو أن نتخيل أي شيء، لابد أن يكون هذا التخيل في نطاق الافتراض الممكن وفي نطاق ما يقبله الذوق السليم حتى لا نترك الأشياء مُنفلتة وأن يقول الروائي ما يشاء، هذا جائز في الشعر وفي الكتابة السريالية لكن في الكتابة السردية والروائية هناك مسؤولية ما عند الروائي حتى يضبط خياله بما هو ممكن وما هو قابل للتصور.

ايوب صابر 01-23-2015 09:11 PM

تابع ...والان مع العناصر آلتي صنعت الروعة في رواية 83- مجنون الحكم سالم حميش المغرب

- بنسالم حميش شاعر، جانب طغت عليه سُمعة الروائي المغربي الروائية، فلحميش العديد من الدواوين التي يكشف فيها رهافة عالية وحسا مُتوقدا تجاه موضوعاته الأثيرة في الشعر والرواية، على أن التاريخ وتأَمُّله لا يغيبان عن القصيدة التي يكتبها حميش،

- الشعر أيضا نجده في رواياته عبر الرؤية الغنائية والاستعارات الشعرية التي يلجأ إليها حميش لإضاءة شخوصه.

- يقولى بنسالم حميش: لا أعتبر بأن الروائي إذا أعوزه الحس الشعري يكون روائيا موفقا، أنا أعتبر بأن الشعر ضروري حتى في مجال السرد، يعني هناك لحظات قوية، لحظات متألقة لابد أن يكون الشعر فيها حاضرا بشكل أو بآخر، يعني في اللحظات التراجيدية الكبرى في اللحظات الدرامية المتوترة ذات الزخم الكبير الشعر ضروري، لكن الشعر في اللغة، الشعر في النفَس، الشعر في تصوير كثافة اللحظة، أنا أعتبر بأنه لم أترك.. عندما أُمارس الرواية لا أطلِق الشعر بل أجعله حاضرا في مقامه المناسب،

- بدأت شاعرا ومازالت أكتب الشعر يعني في لحظات ما ولكن أعتبر بأن الرواية الآن صارت جنس الأجناس، لا يمكن للشاعر أن يصير روائيا ولكن يمكن للروائي أن يظل محتفظا بالمورد الشعري إذا شئت..

- بالرافد الشعري يوظفه هنا أو هناك إلى آخره، فإلى يومنا هذا ما أزال أكتب شعرا ونشرت خمسة دواوين وهناك أشعار كثيرة أخرى جاهزة للنشر ولكن على كل حال ربما أن سوق الطلب في الشعر ليس على ما يرام وهذا بشهادة الشعراء والناشرين معا، فأنا أعتبر بأن الرواية هي مدخلنا الآن، يعني إذا كان الشعر هو ديوان العرب بالنسبة لحداثتنا في هذا العصر وعلى عتبة هذه الألفية، إننا مُطالبون أن نؤسس لديوان جديد وهو الديوان الروائي.

- بحثا عن حرية الرأي والتعبير ساهم بنسالم حميش في بداية الثمانينيات في تأسيس مجلة الزمان المغربي، كما أسس وأدار مجلة البديل التي منعتها السلطات غير أن ذلك لم يمنعه من مواصلة نضاله السلمي، مرة بالكتابة وأخرى بعضويته في حزب الاتحاد الاشتراكي الذي تَصدر المشهد السياسي المغربي في حقبة الانفراج الديمقراطي وبدء مشروع انخراط المعارضة في العمل السياسي من موقع المسؤولية.

- بنسالم حميش: في بداية أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات يعني أنشأت مجلة الزمان المغربي وبعدها مجلة البديل تحت علامة استفهام.. وطبعا هذه التجربة أعتبر بأنها تنضوي في تصوري التزام المثقف.. ولم تمضِ بضع سنوات حتى تعرضت مجلة الزمان المغربي وكذلك مجلة البديل للمنع الإداري حيث استُدعيت إلى مخفر الشرطة لكي أوقع على محضر المنع وكان إذ ذاك في أيام سطوة إدريس البصري الغني عن التعريف من حيث سلبية هذا الرجل وعنفه في ممارسة السلطة، فكان ذلك بسبب عدد حول أدب الاعتقال وهذا العدد هو الأخير كان فقط.. وتوخيت منه فقط أن هؤلاء الذين يعانون من الاعتقال التعسفي لأسباب تتعلق بالرأي وبالاختيار السياسي، أكيد أنه في معتقلاتهم.. في معتقلهم السِجني إما يرسمون كاريكاتير أو يكتبون القصيدة أو القصة القصيرة أو ما إلى ذلك، فتوجهت إليهم وكثير منهم كانوا من أصدقائي وما زالوا طبعا وقلت لهم ها الفكرة زودوني بالمادة وفعلا طبعا حبذوا القضية وظهر هذا العدد حول أدب الاعتقال وتجنبت فيه كل ما هو تحليل سياسي أو شعارات أو ما إلى ذلك.. ورغم هذا يعني جُمع هذا العدد من الأكشاك ويعني تم المنع بسبب هذا العدد بالذات، فأنا قلت هذا يُعطيني فكرة أو ميزان الحرارة الموجود في المغرب إذ ذاك في مجال القمع وفي مجال التسلط، يعني حتى هؤلاء الذين يتنفسون الصعداء وهم يكتبون ويمارسون الإبداع يريدون أن يُحرموا من ذلك، فالتجربة أنا بالنسبة لي كانت غنية، مهمة وأعتز بها إلى يومنا هذا. وأعتبر بأنه.. وهذا المنع لم يَطَلْ فقط هاتين المجلتين ولكن كان هناك مجلات أخرى في هذه الدفعة مُنعت وأعتبر بأن هذا المنع يدخل في نطاق ما يسمى الآن بسنوات الرصاص التي طبعا عانينا منها كثيرا وأنا أتمنى أن تذهب بدون عودة.

- الإبداع هاجسه أكان ذلك رواية أو قصيدة أو بحثا وبعيدا عن الضوء وبهدوئه المعتاد يُلاحق بنسالم حميش نار الإبداع المُتقدة دون ادعاء، هذه هي روايته وهذه هي قامته منذ بداياته الأولى وصولا إلى إنتاجه الثري والمتميز الذي كرَّسه واحد من كبار الروائيين العرب.

ايوب صابر 01-28-2015 03:32 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 84- الخماسية إسماعيل فهد إسماعيل الكويت

- يبدو ان الخماسية اصبحت مع الزمن سباعية لانه لا يوجد تعليق على الشبكة العنكبوتية حول الخماسية ولكن هناك الكثير يقال حول السباعية:

- قراءة نقدية في رواية معاصرة ، هي رواية إحداثيات زمن العزلة للكاتب الكويتي إسماعيل فهد إسماعيل ، أنضج عمل روائي يتعرض لكارثة الاحتلال العراقي للكويت ، ومرد ذاك النضج يعود إلى تمكن المؤلف من وسائل الكتابة الروائية منجهة ، وإلى معايشة موضوع روايته من جهة أخرى .

- لقد جاءت هذه الرواية من سبعة أجزاء، مما جعلها أطول رواية كتبت بالعربية ، وفي صياغة تعتمد على التسجيل الذي يتداخل فيه التاريخ العام بالتجربة الذاتية .


- ويركز هذا البحث على جانب الخطاب الروائي في تلك السباعية ،ومن هنا جاء الاهتمام بلعبة العنونة ، والبحث في الصوت السردي ، والحديث عن العلاقات الزمنية في تلك الرواية المتميزة .

--

- لقد قدم إسماعيل الفهد روايته الأولى >كانت السماء زرقاء< عام 1970، وفي حينها قال عنه الأديب العربي المعروف الأستاذ الشاعر صلاح عبد الصبور في تقديمه للرواية:

"كانت الرواية مفاجأة كبيرة لي، فهذه الرواية جديدة كما أتصور. رواية القرن العشرين. قادمة من أقصى المشرق العربي، حيث لا تقاليد لفن الرواية، وحيث ما زالت الحياة تحتفظ للشعر بأكبر مكان. ولم يكن سر دهشتي هو ذلك فحسب، بل لعل ذلك لم يدهشني إلا بعد أن أدهشتني الرواية ذاتها ببنائها الفني المعاصر المحكم، وبمقدار اللوعة والحب والعنف والقسوة والفكر المتغلغل كله في ثناياها، إن إسماعيل فهد إسماعيل يعد بمنزلة العمود الأهم للفن الروائي والقصصي في الكويت خصوصا. ورعايته لعدد كبير من كتاب القصة القصيرة والرواية، واحتضانه لمواهب أدبية إبداعية باتا يمثلان حضورا لافتا على الساحة الكويتية والعربية."



ايوب صابر 02-03-2015 01:26 PM

تابع ...العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 84- الخماسية إسماعيل فهد إسماعيل الكويت

- كانت البداية في (كانت السماء زرقاء) من القاهرة.. انطلق بعدها من رواية لأخرى ومن كتاب إلى آخر..
لكن نكسة حزيران 1967م كان لها أبلغ الأثر في توقفه عن الكتابة والإبداع، لأنه كان يؤمن بالقومية العربية التي منحته الكثير من الآمال والانطلاقة بعيداً عن القيود..

- لأنه عاش في العراق فترة صباه، ولأنه متولد من أم عراقية كانت أغلب رواياته عن الواقع العراقي، منها روايته الشهيرة (الحبل) وروايات أخرى اختط لها هذا الخط،

- فكان صادقا وراسماً للمشاعر الإنسانية وتوصيفه لشخصياته بالغ الدقة..

- عرف أسرار الرواية فانطلق في كتابتها مبتعداً عن القصة التي جربها في بداية حياته، لكنه كما يبدو لم يأبه بها، على الرغم من أنه يحن إليها بين الفترة والأخرى،

- لكن تبقى الرواية عشقه الأساسي، حيث جرب الشعر أيضاً في فترة الستينات،

- انخرط في عالم الرواية فمسك بتلابيبه وجعله من أمهر الروائيين على مستوى الخليج،

- إذ يمكن أن يطلق عليه الروائي الأول في الخليج،

-ومع أنه لم يكن يسعى للجوائز إلا أنه حصل على الكثير منها، آخرها في بداية الألفية الجديدة عندما حصل على لقب واحد من أفضل 100 روائي خلال مائة عام بصحبة الروائية ليلى العثمان.

- الصعلكة كانت إحدى هواياته المفضلة، وقد عاش ردحاً كبيراً من الزمن متقمصاً إياها مسافراً من بلد لآخر لا يستقر في مكان ولا يفكر في لقمة يأكلها، فألهمته تلك المرحلة زاداً عميقاً وفكراً نيراً،

- فالصعلكة بالنسبة إليه ليست مجرد تيار إنها فلسفة حياة، لكنها لم تعد مجدية في زمن يفكر الإنسان في الزوجة والأولاد وكيف يصرف عليهم وكيف يفي بالتزاماته الاجتماعية.

- اسماعيل فهد اسماعيل، ليس مجرد روائي كويتي معروف وله قرابة 22 عملاً بين رواية ونص مسرحية وكتابة نقدية (آخر أعماله سباعية إحداثيات زمن العزلة)، إنه أب لكل كتاب القصة والرواية في الكويت،

- كثيرون كتبوا عنه وعدوه صاحب مشروع روائي يستحق الدراسة.



ايوب صابر 02-03-2015 01:40 PM

تابع ...العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 84- الخماسية إسماعيل فهد إسماعيل الكويت

- تبدو شخوص روايات إسماعيل فهد إسماعيل قلقة تعاني الأرق والاختناق كما في روايته " البقعة الداكنة " تحاول ان تبحث عن حلمها الخاص كما في روايتي " كانت السماء الزرقاء " و" المستنقعات الضوئية " وفي رواية " الحبل " رأينا كيفية التفاف الحبل حول العنق محملة بالدلالات بين محاولة إيهام الآخر لحظة الموت ،

- عوالم إسماعيل فهد إسماعيل مزدحمة بالأمكنة : الشارع ، السجن ، المقهى ، البيت، البحر، النهر،

- ترصد كثيرا من الأحداث التي مر بها عالمنا العربي ، التي من خلالها استطاع ان يترك بصمته على ساحة القصة والرواية العربية ،

- بلغت اعماله ما يقارب الثلاثين عملا ، بين رواية ومجموعة قصصية ومسرحية ودراسة نقدية وسيناريوهات لبعض الاعمال الفنية ،

- في حقيقة الأمر إنها جزء لا يتجزأ من باقة الاعمال المهمة التي ميزت عالم الرواية والقصة العربية في النصف الأخير من القرن العشرين ،

- فمنذ مجموعته القصصية الأولى " البقعة الداكنة " التي صدرت عام 1965 وهو يضع بين أيدينا وثائق تاريخية مهمة يتحتم علينا مراجعتها ، وتذكرها بين حين وآخر، وهذا ما يعطي أعماله اهمية خاصة من حيث واقعيتها ومادتها التاريخية.

- لم يتوقف إسماعيل فهد إسماعيل في كتابة اعماله على نسق سردي ، بل انه في كل عمل من اعماله يحاول ان يقدم جديدا ، فما وجدناه في اعماله الابداعية من حالة اشتباك وتنوع ، وجدناه في منزله المفعم بالمحبة ، وفوق جدرانه التي تزينها لوحات تشكيلية لمجموعة من الفنانين العرب ، وارفف مكتبته الغنية بكتبها في انواع المعرفة المتنوعة ..

ايوب صابر 02-05-2015 01:40 PM

تابع ...العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 84- الخماسية إسماعيل فهد إسماعيل الكويت

- للذي لم يقرأ إسماعيل فهو كاتب من طراز جميل تناول مجمل قضايا أمته وقضايا بلده وبعد الانقلابات الكبرى بدأ يتشاكل مع التراث والثقافي بوجه عام بتقنيات روائية جميلة .

- إسماعيل فهد إنسان ودود غاية في اللطف ، يتساوى عنده في التقدير والاحترام الكبير والصغير ويجبرك بلطفه على صداقته .

- قد يقول قائل أن اسماعيل فهد كويتي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ، لكنه وحسب تصريحه بالأمس شعر بكويتيته فقط لحظة الاحتلال وغاب عنه هذا الشعور لحظة التحرير .

- تحدث عن هويته قائلاً عشت في العراق ربع قرن بالتمام وكنت أعامل على أني كويتي واعتقلت فيها أربع مرات ـ بسبب مواقفه اليسارية ـ عدت إلى الكويت معلماً وكنت أعامل على أني عراقي ( مع علمهم بأني كويتي )

- عقب التحرير سافر إلى الفلبين وبقي عدة سنوات أنجز فيها سباعيته .

- متواضع إلى الحد الذي ينكر فيه ذاته وقيمته إذ عندما سئل عن كتابة السيرة الذاتية قال : وما الذي يشكله إسماعيل فهد في حياة مجتمعه أو وطنه العربي ليقدم سيرته للناس متسائلاً من هو إسماعيل في المحصلة .

- عرفته منذ سنوات وخلال هذه السنوات لم أشعر تجاهه بغير كونه صديقاً حميماً يشاطرك آلامك وأفراحك .

- في جلسة الأمس كان شفافاً لدرجة ذكرني فيه وهو يتحدث بهذا الألم والصدق بفلم تسجيلي عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي أخرجه المخرج السوري عمر أميرلاي للتلفزيون الفرنسي وكان بطل الفلم او المتحدث فيه سعد الله ونوس الذي قال عنه المخرج الاسرائيلي الذي أخرج الفلم نفسه من وجهة نظر إسرائيلية . قال : أمام هذا الصدق الجارح لا تملك إلا أن تشعر بالإكبار لهذا الرجل .

ايوب صابر 02-05-2015 01:50 PM

تابع ...العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 84- الخماسية إسماعيل فهد إسماعيل الكويت

- نلاحظ ارتحالا واضحا لإنسان روايات الروائي الكويتي اسماعيل فهد اسماعيل وقصصه، يتجاوز نطاق الواقع و إحداثياته إلى ما هو أبعد من هنا أو أقرب من هناك.

- وكأن الكاتب لم يكتف بواقعية وجوده في بعض هذه الأمكنة، وإنما استعار أيضا ذلك الارتحال النفسي لشخصياته، وربما لنفسه أيضا، بما يهيئ المتلقي للقبول بوجوده في غير هذه الأمكنة.

- يرتبط المكان في أدب إسماعيل بذلك الوجود النفسي الذي يستظل به الكاتب في رحلة الكتابة والفكر، في البحث عن ذلك الوجد الخالص بعد معاناة الإنسان الكامن فيه، وغربة المكان محل التجربة الروحية.

- ولا يقصد هنا بالغربة، ذلك المنفى الذي يُقصي الإنسان عن وطنه، أو الذي يهرب إليه من نفسه، وإنما هي العدم الذي يصنع منه الكاتب شيئا في العزلة، يزيد هالة الإبداع ألقاً وتألقا في مخاطبة العقول، بعيدا عن ضوضاء وصراع هوس قديم، بتحطيم كل ما هو جميل وجديد!

- في كتاباته الإبداعية، لمسنا ذلك الارتحال الدائم للإنسان عند إسماعيل بين مواطن عدة، استنطق فيها عذابات المكان والهواجس التي تسكن بين زوايا زمنه، بسبب صراع الأفكار واختناق أشكال شخصياته بمختلف الأحاسيس والمشاعر وأنماط الإدراك المتحولة ما بين مرجعيات أيديولوجية عدة.

- فأصبح المكان عنده حلبة تتصارع فيها أفكار الكاتب، والتي استرجع فيها الكثير من حوادث الزمان في ذات المكان، ليكون عنصر التأزيم وانفراج العقدة... الإنسان نفسه.

- فرواية مهمة في أدب إسماعيل وهي «كانت السماء زرقاء»، والتي وصفها الشاعر العربي صلاح عبد الصبور بأنها من أهم الروايات التي صدرت في أدبنا العربي حتى الآن، وذلك في معرض تقديمه لها في طبعتها عام 1970.

- عندما تقرأ تلك المضامين التي حملتها سطور النص، والرؤى التي حبلت بها، ستجد أن قارئا معينا يخاطبه الكاتب، وإن تغلّف النص بأنسجة ملونة تغري البعض العابر على النص دون مضمونه، سيجد مأساة الثوار الذين تأكلهم الثورة بعد تصفية الحسابات والمصالح بينهم دون أن يشفع لهم كفاحهم الثوري أو أن يفسح لهم المجال لإثبات حقيقة ما كانوا يؤمنون به،

- فالمكان الذي كان مشتعلا بثورتهم، بات جحيما يهربون منه إلى أراضي الغير، وإن كانت أرض أعداء الأمس أو باتت لهم منفى اليوم، وهنا تكمن سخرية الزمن في تبدل وجه المكان وهروب الإنسان منه و إليه، و إن كان قابعا بين زواياه المترامية وسمائه الزرقاء،

- ويكفينا ما سرده الكاتب على لسان الرجل الهارب في حواره مع ضابط الثورة الهارب أيضا عندما سأله الأخير:
- متى يأتي النهار؟
- بعدما تتم الأرض دورتها.
- وأنا أتممت دورتي الخاصة.
- وأنا أدور بصورة عكسية.
- ألا زلت مصرا على الهرب؟
- بلى.
- إذاً فأنا قد حبستك إلى جانبي نهارا كاملا!
- أنا حبست نفسي. لحـد الآن لم أتخذ قرارا قطعيا بالنسبة للمكان الذي سأتجه إليه. «فالمكان هنا أصبح جحيما ومخبأً في ذات الوقت والموقع.

- في حين، يأتي المكان في صورة مغايرة في رواية «مستنقعات ضوئية»، حيث يتكور في موقع مغلق على من فيه «السجن»، إلا أن الكاتب استطاع أن يرحل بشخصياته إلى خارج السجن، و ما ارتسم في ذهنية بطل الرواية «جاسم صالح» المختبئ وراء لقب «حميدة» من فضاءات أبعد من سقف الزنزانة أو أرض الأشغال الشاقة وشمسه الحارقة، فما كان الظل في فترات الراحة سوى عبور تلك الأمكنة إلى ذات الإنسان، فتتداعى معها صور الأفق المفتوح، باستحضار من هم... من هناك... من خارج مكان السجن. ليكون المكان هنا «السجن» حرية في شكل آخر، خلاف ذلك المكان الخانق «خارج السجن».

- ثم تحول المكان في رواية «الشياح» إلى ملجأ في زمن الحرب الأهلية اللبنانية، اجتمع فيه الأفراد من كل شارع وأيديولوجيا، خلقوا في مكانه المعتم والبعيد عن شمس النهار ونجوم الليل عالما مفتوحا فضاءات من سلوكيات شخصيات المكان، والذين اختلفوا عن بعضهم في ذلك.

- والمكان «الملجأ» لم يكن مقصورا في كونه ملاذا من أذى الحرب ورصد القناصة، بقدر ما كان ملاذا للجميع من حياتهم في خارج المكان.

- ويمضي الإنسان بارتحالاته في روايات إسماعيل، ليتجول بين العراق ولبنان ومصر والمغرب وسورية والخليج، ليعود إلى الكويت التي لم يغادرها بل عبرت إليه في كثير من تداعيات الروح الساكنة بها والنفس الكاتبة في جمالها.

- ولعل أجمل ما نُقل عن إسماعيل فهد إسماعيل عندما سئل، كيف استطعت أن تكتب عن الكويت «هنا» وأنت بعيد في الفلبين «هناك»... فأجاب أنه يراها «الكويت» أجمل. ليتمخض عن ذلك الشعور بالانتماء لهذا المكان «الكويت» أجمل وأروع وأهم أعماله الروائية وأضخمها إنتاجا وإبداعا، وأعني السباعية إحداثيات زمن العزلة» وهي رواية ملحمية عن الوطن إبان غزو النظام الصدامي للكويت، وكيف أن الكاتب صرّح بأن هويته الوطنية وانتماءه للمكان «الوطن» تعمّق أكثر عن ذي قبل، فكانت المواطنة جوهر مداد قلم إسماعيل في الكتابة عن هنا... المكان/ الوطن.

- ليقدم لنا نموذجا رائعا في تعلق الإنسان بوطنه، وأنه مصدر إلهام هذا الإبداع، دون إدعاء أن المكان الآخر (المنفى أو المهجر سمّه ما شئت) هو نبع ذلك الإبداع، فلولا الوطن ما كان للمغترب أن يراه في إبداعه وإحساسه، ولولاه – و هو المكان الأول – لما كانت هذه الارتحالات و هذا العبور الدائم له بين سطور القلم.

- وفي غمرة العزلة التي قد يختارها الكاتب، إلا أنها جاءت مغايرة هنا: «لكنك حيثما وليت شأنك يبقى الوطن تحت جلدك. إذ إن المكان البديل أشبه بالفتيل... قابل لتنكرك عليه... ليس إحساسا بالغربة، لكنه آخذ بالخواء، ومن ثم لامناص من أن تقفل عائدا».

- وهكذا الإنسان والمكان والوطن عند إسماعيل فهد إسماعيل.

ايوب صابر 02-06-2015 11:15 AM

تابع ...العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 84- الخماسية إسماعيل فهد إسماعيل الكويت

-ساهم في ترسيخ فن الرواية في الكويت ومنطقة الخليج العربية.

- لا يختلف اثنان على أن إسماعيل فهد إسماعيل هو المؤسس الحقيقي لفن الرواية في الكويت،

- و هو من الروائيين الذين وضعوا بصمتهم الواضحة في مسيرة الرواية العربية منذ أن أصدر روايته الأولى “كانت سماء زرقاء” في القاهرة في العام 1970. وإن كانت مجموعته القصصية الأولى “البقعة الداكنة” قد صدرت في العام ،1965 إلا انه انطلق في عالم الرواية، حيث توالت رواياته والتي بلغت أكثر من عشرين عملا الى جانب مجموعاته القصصية ودراساته التي تناولت القصة والرواية.

- ومن أهم رواياته “الاقفاص واللغة المشتركة”، و”المستنقعات الضوئية” و”الحبل” و”الشياح” و”الطيور والأصدقاء” و”النيل يجري شمالاً”، و”أحداثيات زمن العزلة” وهي سباعية تشمل عدة روايات “الشمس في برج الحوت” و”الحياة وجه آخر”، و”قيد الأشياء” و”دوائر الاستمالة” و”ذاكرة الحضور” و”العصف”،

- وقد نال جوائز عدة من أهمها جائزة الدولة التشجيعية في مجال الرواية في العام ،1989 وأيضا جائزة الدولة التشجيعية في مجال الدراسات النقدية في العام ،2002 الى جانب انه واحد من افضل 100 روائي عربي خلال المائة عام الفائتة.

- ولم يكتف إسماعيل فهد إسماعيل بذلك، وهو يرسخ مكانته الأدبية كقامة متميزة في المسيرة الإبداعية، ولكنه استكمل دوره الحضاري كمبدع له بعده الإنساني في ذاكرة المكان والوطن، فقام بدعم وتشجيع الأجيال الشابة الجديدة من كتّاب القصة والرواية في الكويت، وأسهم في بروز العديد من المواهب الأدبية الشابة التي يرى أن المستقبل في الخليج العربي عموماً والكويت خصوصا هو للرواية لأنها الجنس الأدبي الأقدر على تصور المتغيرات التي حدثت وأثرت في البعد الاجتماعي والفكري للمجتمع والإنسان الخليجي.

- عاش إسماعيل فهد إسماعيل مسافرا لا يستقر في مكان فقد مر بتجربة حياتية عمقت من انتمائه للمكان والوطن، حيث عاش فترة صباه في العراق وكتب فيها “الحبل” وانطلق بروايته الاولى “كانت سماء زرقاء” من القاهرة، ثم استقر في وطنه الكويت ليستكمل مسيرته الإبداعية، التي تناول في مجملها قضايا أمته العربية ومعاناة الإنسان العربي، وليظل هذا الارتحال يسكن إسماعيل فهد إسماعيل ويستنطق من خلاله عذابات المكان وكوابيسه وهواجسه، وهو يصور فيه الصراع واختناق شخصياته (المكان) المتناقضة والمتداخلة الأحاسيس والمشاعر والأفكار، والتي صنعت بدورها المكان في عالمه الروائي والذي تحول الى حلبة تتصارع فيها أفكار إسماعيل نفسه والتي استرجع من خلالها الكثير من حوادث الزمان في المكان نفسه ليكون حالات التأزم وانفراج العقدة.

- يقول عنه الكاتب والناقد فهد توفيق الهندالي في دراسة عالمه الروائي “لقد نجح إسماعيل فهد إسماعيل في أن يجعل لغته حبلاً سميكاً يخطو فوقه الإنسان عبر الحلم والارتحال في رواياته وقصصه التي يتجاوز فيها الواقع وأحداثياته الى ما هو أبعد،

- وكأن الكاتب لم يكتف بواقعية وجوده في هذه الأمكنة، وإنما استعار الارتحال النفسي لشخصياته وأيضا لنفسه لكي يهيئ المتلقي للقبول بوجوده في غير هذه الأمكنة”.

- لذا يستطيع المطلع على أدب إسماعيل فهد إسماعيل ان يلحظ ارتباط المكان في أعماله بذلك الوجود النفسي الذي يستظل به الكاتب في رحلته الأدبية، والفكرية، وهو يبحث عن ذلك الوجود اللاوجود اي الوجود الخالص، في ذلك المنفى الذي يقصي الإنسان عن وطنه او الذي يهرب اليه من نفسه، بعيدا عن الصراع الذي يحاول ان يحطم كل ما هو جديد او جميل.

- ويرصد الراحل صلاح عبدالصبور الذي قدم له روايته الأولى، وتحديدا عن المكان وعلاقته بشخصيات الرواية “عندما تقرأ تلك المضامين التي يحملها النص، والرؤى التي حبلت بها، ستجد مأساة الثوار الذين تأكلهم الثورة بعد تصفية الحسابات والمصالح بينهم، دون أن يشفع لهم كفاحهم الثوري او ان يفسح لهم المجال لإثبات حقيقة ما كانوا يؤمنون به، فالمكان الذي كان مشتعلا بثورتهم، بات جحيماً يهربون منه، وهنا تكمن سخرية الزمن في تبدل وجه المكان وهروب الإنسان منه وإليه، وإن كان قابعا بين زواياه المترامية وسمائه الزرقاء.

- وفي روايته “مستنقعات ضوئية” تأتي صورة المكان على شكل مغاير ومختلف، إذ يصبح السجن الموقع المغلق على من فيه أكثر رحابة عندما يرحل إسماعيل فهد إسماعيل شخصياته الى فضاء اوسع خارج السجن وأسواره وزنازينه، وأصبح الظل في فترات الراحة، مرحلة للخروج من تلك الأمكنة إلى الانسان، الذي نجح إسماعيل في استدعاء من هم خارج السجن ليتبادل معهم المكان (هنا وهناك)

- أما روايته “الشياح” فقد جمع في المكان المظلم والمعتم كل هؤلاء الناس الذين يتناقضون في فكرهم وانتمائهم وثقافتهم في هذا الملجأ أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، لا ليكون ملاذاً من ويلات الحرب وحسب، بل ليصبح ملاذاً للجميع من حياتهم في خارج المكان.

- إن ترحال إسماعيل فهد إسماعيل الانسان وحياته في العراق ولبنان ومصر والمغرب وسوريا ودول الخليج ليستقر في الكويت والتي في الحقيقة لم يغادرها لأنها استقرت في جل تداعيات الروح الساكنة فيه، فقد كتب بعض رواياته الأخيرة عن الكويت وهو يعيش في الفلبين، وقدم فيها عدة نماذج عن الانتماء والهوية والوطن الذي يظل مصدراً للالهام والمكان سواء في حالة العزلة أو الارتحال أو الاستقرار.

- لم يتشكل عالم إسماعيل فهد إسماعيل الأدبي إلا عبر جهد كبير وتضحية ومواقف حياتية وفكرية جادة وملتزمة بدأت مع محاولاته الكتابية الأولى في العام 1952 واستمرت لتكتمل مع مرحلة نضوجه الأدبي في العام ،1961 وصدور عمله الأول “البقعة الداكنة” حيث قرأ وتأثر بجيل الرواد من نجيب محفوظ وكاتب ياسين ومولود فرعون وحنا مينا وتوفيق عواد وفؤاد التكرلي، وصولاً إلى روايته الأولى “كانت سماء زرقاء” والتي أدهشت وقتذاك الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور، لتولد بعدها بقية أعماله الأدبية.

- وهو من الأدباء العرب الملتزمين لأنه يعتبر الأدب ومن ضمنه الرواية وظيفة اجتماعية مسؤولة عن رصد الواقع وعكسه فنياً، والمحاولة دائماً لتغيير هذا الواقع، وبالتالي فهي إذن فعل سياسي، لأنها تنحو إلى توظيف القضايا والمفاهيم والمواقف التي يؤمن بها الكاتب والمبدع. وأن الأدب في حصيلته أو في خلاصته، هو صدى لموقف المبدع من الحياة بصيغها العامة، ومن ضمنها رؤياه أو فهمه السياسي لأحداث عصره وحركة مجتمعه.

- لذا صور في سباعيته “إحداثيات زمن العزلة” معاناة الشعب الكويتي إثر الغزو في العام ،1990 والواقع الذي عاشه الانسان الكويتي بكل ما فيه من مآسٍ اقتصادية واجتماعية ووطنية وسياسية ونفسية.

- يقول سلامة موسى “كاتب بلا قلق ولا توتر لا يعادل أدبه ثمن الحبر الذي يستهلكه” وإذا كان هذا القول ينطبق على أحد، فأول من سيخطر على البال من كتابنا وشعرائنا العرب كتيبة متقدمة على رأسها إسماعيل فهد اسماعيل إلى جوار أمل دنقل وأحمد فؤاد نجم وحيدر حيدر ومحمد شكري وغيرهم،

- ومجمل أعماله تبرز مدى انغماس قلمه وفكره بالمعاناة التي عاشها في ارتحاله عن وطنه الكويت، بعد أن ظل مسافراً لا يستقر في مكان.

ايوب صابر 02-08-2015 01:06 PM

تابع ...العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 84- الخماسية إسماعيل فهد إسماعيل الكويت

- عاش إسماعيل فهد إسماعيل مسافرا لا يستقر في مكان فقد مر بتجربة حياتية عمقت من انتمائه للمكان والوطن، حيث عاش فترة صباه في العراق وكتب فيها “الحبل” وانطلق بروايته الاولى “كانت سماء زرقاء” من القاهرة، ثم استقر في وطنه الكويت ليستكمل مسيرته الإبداعية، التي تناول في مجملها قضايا أمته العربية ومعاناة الإنسان العربي، وليظل هذا الارتحال يسكن إسماعيل فهد إسماعيل ويستنطق من خلاله عذابات المكان وكوابيسه وهواجسه، وهو يصور فيه الصراع واختناق شخصياته (المكان) المتناقضة والمتداخلة الأحاسيس والمشاعر والأفكار، والتي صنعت بدورها المكان في عالمه الروائي والذي تحول الى حلبة تتصارع فيها أفكار إسماعيل نفسه والتي استرجع من خلالها الكثير من حوادث الزمان في المكان نفسه ليكون حالات التأزم وانفراج العقدة.

- لكن نكسة حزيران 1967م كان لها أبلغ الأثر في توقفه عن الكتابة والإبداع، لأنه كان يؤمن بالقومية العربية التي منحته الكثير من الآمال والانطلاقة بعيداً عن القيود..

- لأنه عاش في العراق فترة صباه، ولأنه متولد من أم عراقية كانت أغلب رواياته عن الواقع العراقي، منها روايته الشهيرة (الحبل) وروايات أخرى اختط لها هذا الخط، فكان صادقا وراسماً للمشاعر الإنسانية وتوصيفه لشخصياته بالغ الدقة..

- الصعلكة كانت إحدى هواياته المفضلة، وقد عاش ردحاً كبيراً من الزمن متقمصاً إياها مسافراً من بلد لآخر لا يستقر في مكان ولا يفكر في لقمة يأكلها، فألهمته تلك المرحلة زاداً عميقاً وفكراً نيراً، فالصعلكة بالنسبة إليه ليست مجرد تيار إنها فلسفة حياة، لكنها لم تعد مجدية في زمن يفكر الإنسان في الزوجة والأولاد وكيف يصرف عليهم وكيف يفي بالتزاماته الاجتماعية.


ايوب صابر 02-09-2015 01:43 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 85- أجنحة التيه جواد الصيداوي لبنان

- جوادي الصيداوي ...رواياته تلامس هموم الناس وتعبر عن أحلامهم

- يقول عن نفسه " أنا كاتب واقعي ملتزم بالإنسان".

- قدم الى المكتبة العربية الكثير من الروايات والقصص والنقد الأدبي والتاريخ,


- ورواياته كانت تتصدر الكتب الأكثر مبيعاً في معارض الكتب المحلية والعربية وأيضاً في باريس وقد ترجمت الى لغات عدة.

- من هذه الروايات: جمانة, أجنحة التيه, مطاردة, أسنان المشط, صرنا على الليسته, فساتين هندومة, ثلاثية-الى ثمالة حب وكتابات أخرى,

- يواصل خلالها جواد صيداوي نقد شوائب المجتمع والجنوح الى اليومي الواقعي مسجلاً تفاصيل الحياة..

- في "ثمالة الحب", يتحدث الروائي عن علاقة حب حميمة بين رجل كهل وامرأة في أواسط العمر, وتنطوي على اشكاليات اجتماعية وأخلاقية, لأن بطلة الرواية ذات ماضٍ ملتبس قد لا يكون قابلاً للغفران في نظر البعض ان السؤال المحوري الذي تثيره الرواية هو: هل تنجح علاقة حب في ظل تلك الاشكاليات فضلاً عن فارق السن بين بطلي الرواية التي تجيب على هذا السؤال في قول الكهل "العاشق": "ان الحب, في حال توافره بين الرجل والمرأة, لا يحلق بأجنحة السنين والأعمار, وانما يحلق بأجنحة اللحظة التي يولد فيها, وبما أن الحياة لا توهب لنا مرتين, ينبغي لنا كلما ساء مجرى الحياة أن نوجه الدفة متى كنا قادرين على ذلك, وفي أي مرحلة من مراحل العمر, نحو مجار أكثر أمناً, مثلما يفعل البحار الحاذق, حتى اذا بلغنا الشاطئ الأخير غادرنا سفينة الحياة غير آسفين على ما فاتنا".

- وثمة سؤال آخر: "هل ينجح الحب بمعناه الكبير, في تطهير الانسان من شوائب ماضٍ تستمر في القاء ظلال سوداء على حياته?", ربما نعم وربما لا, الجواب في سياق الرواية وفي نهايتها.

- في كل ما كتب جواد صيداوي كانت الواقعية هي المسار وهي الهدف دون التحايل على النص وفي ذلك قال لنا:أنا كاتب واقعي ملتزم بالانسان, وعندما أقول الالتزام, أعني الالتزام بمعناه الانساني الشامل, البريء من الانقياد الأعمى لنهج فكري أو سياسي أو مذهبي معين, فالرواية تميل الى الحديث عن الحياة العادية للبشر العاديين, والقارئ يتمنى أن يجد في الكتاب الذي يقرأ صورته ومشاكله ومكان عمله وهمومه اليومية. من هنا تدخل نماذج من شتى شرائح المجتمع الى عالم الرواية من الباب الواسع, كما أن الكاتب ذاته قد يجد في الرواية التي يكتب متسعاً لكي يعبر عن أفكاره ومشاعره الشخصية من دون أن يكون ما يقوله جزءاً من سيرته الذاتية, أو أن يحمل أشخاص الرواية تلك الأفكار والمشاعر على نحو متعسف.

- وفي رده عن مرجعيته الروائية, اي من أين منابع جوك الأدبي وأنت الذي أقمت ردحاً من الزمن في باريس? يقول : " لا أخفي عليك أن جيلنا في أربعينيات القرن الفائت جيل جرجي زيدان وجبران وتوفيق الحكيم وتوفيق عواد, كنا نلتهم كتبهم ونبكي مع "سلمى كرامة" في "الأجنحة المتكسرة" ونحلم بأجواء "دمعة وابتسامة", ونضحك لسذاجة الفلاحين المعدمين في "يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم, كان ذلك في المرحلة الابتدائية, في المرحلة التكميلية غدت مطالعاتنا أكثر تنوعاً وأكثر غنىً

- ويقول " التأثير الأدبي الحقيقي الأول جاءني من كتاب "البؤساء" رغم ما كابدته من عناء في قراءته لكم أوجعتني مأساة "فونتين" وبأي شغف قلق تابعت مصير ابنتها "كوزيت".

- ويضيف " ولم يقتصر تأثير الرواية على نزاعي الأدبي المبكر فحسب وانما أيضاً على نزاعي الفكري, ثم بدأت التعرف على أعمال نجيب محفوظ في مستهل خمسينيات القرن الماضي.

- وكنت شديد التأثر بها خصوصاً ثلاثية "بين القصرين", حيث وجدت في شخصية "أحمد عبد الجواد" صورة لأبي ولكل أب "سلطوي" في الأسرة العربية, وأغرتني روايات نجيب محفوظ بكتابته الرواية الى جانب الشعر.

- وكانت محاولتي الروائية الأولى في أواسط الستينيات ولكنني لم أجرؤ على نشرها الا بعد عقدين وهي "العودة على متن الرحيل",

- لقد استفدت من كل ما قرأت, ومازلت أستفيد مما أقرأ لكني لم أتقيد في رواياتي بنهج روائي معين على غرار هذا الكاتب أو ذاك.

- وان كنت أميل الى واقعية الأدباء الروس والى نزعتهم الانسانية ونقد الواقع الاجتماعي.

- لاشك أنني استفدت كثيراً على الصعيد الأدبي عموماً وعلى صعيد الرواية بشكل خاص خلال اقامتي في فرنسا, وفضلاً عن القراءة كان هناك علاقات شخصية مع عدد من كبار الأدباء والمفكرين والباحثين الفرنسيين مثل "ألان-روب غرييه" رائد الرواية الحديثة, لويس أراغون, جاك بيرك, مكسيم رودنسون وسواهم, وكلما كان برنار بيغو صاحب البرنامج الثقافي الشهير: "أبو ستروف" يستضيف في حلقات برنامجه كاتباً روائياً أو أكثر, كنت أحرص على وجودي في الاستديو مع المستمعين والمشاركين.

- يقول " ان الحداثة تعني بمضامينها الانسانية المختلفة, بناء حصن جديد على قلعة التراث قد يختلف شكل الحجارة واصطفاف المداميك والزخرفة, في الحصن الجديد, دون أن يخل بتناسق الهيكل العام للصرح العام.

- ويضيف " ومن الخطأ أن يأخذ بعضنا ببغائياً, بالأشكال الأسلوبية والمضامين الجامحة, من ثقافة أخرى ويفرضها على نحو متعسف, على مجتمع يعاني من غير مظهر من مظاهر التخلف, وهذا لا يعني اطلاقاً أن نغلق النوافذ دون الآخر, ونتقوقع في اطار ما ورثناه مع ما في الارث من أفكار ومعتقدات ميتة.



ايوب صابر 02-11-2015 02:48 PM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 85- أجنحة التيه جواد الصيداوي لبنان


- في سرد أقرب إلى الحكي في روايته ( صارنا على الليسته ) ، تتمدد حياة رجل على أبواب السبعين، يرثي حياته، يتهكم أحياناً، وبسخرية طوراً، وبحزن في أكثر الأحيان. وهذا الرجل السبعيني يروي سيرة ذاتية، ومن يعرف كاتبها "صرنا على الليستة" جواد صيداوي، يدرك كما لو أن الكاتب نفسه يروي حياته، إزاء ذكريات مع أصدقاء، وحياة بين مدينة النبطية التي كان فيها في زهو شبابه، وبيروت التي تشهد في هذه الأيام استسلامه لمصير لا يعرف متى يدخل عليه ويأخذ الحياة منه.

- وما يؤكد أن الحكاية حياة الكاتب، ما يقوله عن المعاناة التي تنتاب الكاتب أثناء الكتابة "متى استبدت الكتابة بالكاتب أنسته حركة الزمن واقتلعته من واقعه لتنقله إلى الواقع المتخيّل الذي يعيش فيه أشخاص الرواية، فيشارك التعيس منهم تعاسته، والسعيد سعادته، والشجاع شجاعته والخامل خموله والتائه ضياعه... إلخ.

- يعيش الراوي نديم الصافي وحيداً في بيته في شارع مار الياس في بيروت، بعد أن افترق عن زوجته المصرّة على البقاء في باريس حيث عاشا فترة الحرب الأهلية، معاً، هناك، وبعد توقف الحرب لم يعد مبرراً أن يبقى في الغربة، وهو الكاتب والفنان والحزبي والسياسي الذي يريد أن يكون فاعلاً في الوطن عوض أن يعيش غريباً في بلاد الآخرين.

- ترفض الزوجة، ربما من أجل أولادها الذين باتوا في المدارس الفرنسية، فيأفل راجعاً إلى الوطن ليعاني من وحدة ملولة تتكرر أمام عينيه كل يوم، بل كل ساعة، ثم يطرق الموت باب أقرب أصدقائه، فإذا بهذا الموت يذكره أنه هو الآخر بات على الليستة كما ذكره عادل محمود زميله في التدريس وزميل المرحوم السيد بديع، وثلاثتهم رفاق مدينة واحدة لم يفترقوا إلا لماماً بسبب ظروف الحياة، والشيخوخة هي إنذار للنهاية، بمتاعبها وأمراضها ومعاناتها حيث يغدو جسد الانسان "شبيهاً بقصر كبير لم يعد باستطاعة صاحبه، الذي أفقرته الأيام أن يشغل غرفه وقاعاته جميعها".

- وعندما يروي لصاحبه الآلام التي بدأت تنتابه في العصب والقدم والجسم كله. يذكره هذا ساخراً: الخير لقدام، أمامك، إذا نسيك الموت، تلف الأسنان، وتقرّح المعدة، والتهاب البروستات، وانسداد الشرايين، وارتعاش الأطراف، والطرش، والعمى... وو. وفي طقوس التشييع يعاني مع صاحبه من الحر والتعب، فتتداعى الأفكار على رأسه فـ: خير الميت دفنه.

- وإزاء مشاهدة الموت، والصديق الراحل، يتداعى الراوي إلى ذكرياته هنا وهناك، فعندما كان شاباً كان يفعل كل شيء بهمة الشباب في السياسة في المجتمع في الأسرة في الحب، دون أن يتخيّل أن الموت ذات يوم سيطاله، وإذ به الآن يرى ما آلت إليه حاله مذكراً صاحبه لها قائلاً: شق مائل ولون حائل، كما قالت الحكمة، فيجيبه: وعقل زائل. وهذا ما يدفعه هنا إلى التساؤل الفلسفي: هل الموت نهاية أم بداية؟ إنه السؤال الأزلي الذي يستمر بدون جواب إلى أبد الآبدين، ومع ذلك يترنم بقول أبي العلاء المعري:
فموت ثم بعث ثم حشر حديث خرافة يا أم عمرو
ويعلّق على بيت أبي العلاء قائلاً: هذا حكي... هذا شعر... إسمع:
أتترك ها هنا الصهباء نقداً لما وعدوك من لبن وخمر؟
خرافات يا طويل العمر خرافات.

- ويعود نديم الصافي إلى بيروت بعد أن شيّع رفيقه إلى مثواه الأخير، وشعور الهرب من الموت وأجواء الموات تتلبس فيه دون جدوى "الموت محو للكائن من دائرة الوجود. بالأمس (كان) السيد بديع، واليوم غدا مجرد ذكرى، وغداً يطويه النسيان كأنه لم يكن. فـ: الموت الذي سلبه اليوم، صديقاً ودوداً، سلبه في الوقت عينه، الشعور الخادع بأنه عائش إلى أجل غير مسمى. وما هذا الارهاق الذي يعاني منه بعد هذه السفرة القصيرة، سوى دليل واضح على أن جسده، هذا الرفيق الأمين الذي واظب على وفائه قرابة سبعين عاماً، قد غدا عدواً ماكراً سوف ينتهي به الأمر إلى تدمير صاحبه "ثم: ان العقد السادس، في حياة الانسان هو المرحلة الأكثر خطراً، والموت لص ماهر يعرف متى يسرق الحياة".

- ويستعرض الكاتب الملتبس بالراوي حياته الملأى بالأحداث: أربعون عاماً من النشاط الحزبي والوطني والقومي قولاً وكتابة وسجناً وحرماناً، انتهت بدمار الوطن، وتدهور العالم العربي، وانهيار الأمل الاشتراكي، وسيطرة الفكر الظلامي الأسود على العقول والنفوس جميعاً، عدا عن التشتت العائلي، والضيق المادي، وجحود الأحبة وتنكر الأهل".

- ليس من شيء يعزّيه في هذه العزلة القاتلة بين جدران البيت متنقلاً بين الصالون وغرفة النوم والمكتبة وكتبها، فسخر من نفسه كمثقف، إذ يجد كل ما يحيط في هذا البيت سجنه وأسره: هل يكفي أن تغطي هذه الكتب جدران البيت كي يعتبر نفسه مثقفاً وكاتباً؟ ويتساءل: أهو كاتب حقاً؟ إن الكتابة بمعناها الكبير، انتقام من الذات وانتقام من العالم في آن معاً. انتقام من الذات في جنوحها نحو الدعة والتسليم. ورضوخها للنواميس المفروضة والحدود المرسومة. وانتقام من العالم، كما وصفه الفيلسوف الفرنسي موريس نادو "في قلبي العاري احساس دائم بالغربة عن العالم وطقوسه".

- وتتآكل الحياة بين يدي نديم الصافي، يحاول أن يتناسى ما ألم به من وحشة ومن فقدان الصديق، ومن إرخاء الموت رداء النهاية على حياته، فيتلصص من الشرفة على البنت الصبية الملأى بالأنوثة بصدرها العارم وساقيها المكشوفتين، والتي تتعمد أن تبرز له مفاتنها كلما رأته في الشرفة، فيتحسر على حاله، ويترك البيت مشياً إلى الكورنيش، كما لو أنه يودع العالم وهو يتذكر ويرى البحر الأزرق الشامخ في هدير موجه الصاخب، تبقى الأمكنة فيما هو ذاهب لا محالة آجلاً أم عاجلاً، فعبارة: صرنا على الليستة تظل متمسكة بأفكاره لا تريم، وكلما حاول نسيانها أو تناسيها تهبط على أفكاره وروحه بقوة لتذكره أن الآتي أعظم وأن الأيام الباقية معدودات.

- وأخيراً يستسلم نديم الصافي لقدره، مهما كانت الأحداث المقبلة فرحاً أو شؤماً، فالحياة ولادة وموت، وهي سنة الحياة وقدرها.

- رواية سردية، هي، كما لو أن كاتبها يرويها لأصدقائه، وهذا سر عفويتها، ومع أن الكاتب وقع في التكرار، خصوصاً الاستشهادات، والإقحام في مواقع أخرى، لكن هذا لم يمنع أن نقرأ في "صرنا على الليستة" نصاً متماسكاً يثبت دراية الكاتب في الكتابة، خصوصاً وأن له في السابق نحو ست روايات ومجموعات قصص ودراسات، تؤكد على احترافه، ولعلني لا أُحرج أو أحرج الكاتب إذا قلت انها قصة حياته بحذافيرها، ومشاعره وأحاسيسه تكاد تكون طبق الأصل عن مشاعر وأحاسيس الذين في عمره.


من مقال بقلم: ياسين رفاعية

ايوب صابر 02-13-2015 12:19 PM

تابع ... اجنحة التيه .....جواد صيداوي

من مقال بقلم : كامل جابر
- ابن النبطيّة يواصل رحلته على «أجنحة التيه» كامل جابر اهتدى جواد صيداوي إلى الشعر وذاب في تفعيلاته، لكنّه لم ينشر ديواناً واحداً، بل احترف الكتابة الروائية التي تجلّت غزيرةً في أكثر من 12 عملاً.

- هكذا، راح وجاء ونهل من دور المعلمين والجامعات وتجارب الاغتراب، حتى وصفه صديقه حبيب جابر بأنّه «رحالة لا يستقر».

- خلال اتّصالنا به لتحديد مكان للقاء، خيّرناه بين مسقط رأسه النبطية أو شقّته/ صومعته في منطقة مار الياس، فاذا به يختار بيته في بيروت حيث يعيش بين الكتب والروايات متماهياً مع أبي نواس ونزار قباني... هرباً من برد الشتاء في النبطية! بعدما ارتاح إلى مستقبل ابنه وبناته الثلاث، هجر باريس إلى الوطن لأنّ «الحضارة الغربية حضارة مفترسة».

- من تجربته في النبطية حيث ولد عام 1932 وترعرع في أجواء أسرة شبه بورجوازية، خرج صيداوي بلون يساري أحمر بدأ يتغلغل في فكره قبل الشهادة المتوسطة. تنقّل بين دار المعلّمين الابتدائي ودار المعلّمين العليا، وعلّم في مختلف المراحل الدراسيّة. وحين التقى في بيروت بعدد من تلامذته كانوا يشكون عدم توافر ثانويّة في منطقتهم، قادهم إلى الوزير كمال جنبلاط الذي وعدهم بإنشاء الثانوية الأولى في منطقة جبل عامل، بعد ثانوية صيدا الرسمية الوحيدة في الجنوب. هكذا، نجح صيداوي في إقامة تلك المدرسة رغم تمنّع الوزارة. وتبعاً لنصيحة الراحل حسين مروة، لم ينتقل صيداوي إلى بيروت، بل بقي في منطقته مديراً للثانويّة «التي أنشأتها بجهدي الخاص، لأن باب النضال هنا أجدى». بدأ مديراً لنحو أربعين تلميذاً، وحين ترك الثانويّة، كانت تضمّ ألف تلميذ تبلغ نسبة نجاحهم في الامتحانات الرسمية 90 في المئة. في الثالثة والعشرين من عمره، كان «الأستاذ» جواد أول مُجاز في الأدب العربي في بلدته.

- وفي ذروة استعداده كي يصبح أستاذاً جامعيّاً، راح يلتهم الروايات الفرنسية بشغف «وأهيم بأشعار رامبو وفيرلين وبودلير، حتى حفظت بعضها غيباً».

- يقول في «أجنحة التيه، الإقلاع»: «لقصيدة بودلير «الدعوة إلى السفر»، فعل السحر في نفسي. هذه الهنيهات من المتعة الروحية التي يتيحها الشعر لي، تنسيني، إلى حين، ما في الواقع من رتابة وتفاهة، وتجعلني أتساءل عن القيمة الحقيقية لما أنظم من قصائد؟». يعترف صيداوي بأنّه لم يبنِ ثقافته على الكتب الحزبية «بل على قراءتي المبكرة للأدب الفرنسي، خصوصاً آراغون الذي لعب دوراً كبيراً في توجيهي الفكري السليم الهادئ؛ بعيداً عن حماسة الشباب».

- وهو لا يُخفي شغفه الخاص بروّاد الأدب الروسي قبل الشيوعيّة كدستويفسكي وتشيخوف، إضافةً إلى معلّمي اللغة والأدب في مصر، ورواية «البؤساء» لهوغو التي قرأها بالفرنسية... «على ضوء القنديل». بين 1955 و1958، نال صيداوي دبلوماً في التربية وآخر في التخطيط التربوي وصولاً إلى الدراسات العليا في السوربون، لكنّه لم يتمكّن من مناقشة رسالة الدكتوراه عن «العقلانية في النصف الأول من القرن العشرين في العالم العربي» بسبب خلاف مع الأستاذ المشرف، الذي رفض مرجعاً روسياً في الدراسة يتحدث عن القضاء على الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي، «فعدلت عن الرسالة». لم يسعَ صيداوي إلى مراكز قياديّة في الحزب الشيوعي، وكان شديد التأثّر بأستاذه رئيف خوري، وتلقى الصدمة الأولى حين طرد هذا الأخير ورفاقه من الحزب. إذ يقول في «أجنحة التيه» إنّ «لرئيف خوري في نفسي مكانةً رفيعةً تنامت منذ الفترة التي بدأت أقرأ له فيها، على صفحات مجلة «الطريق»، ولم تنل الهجمات الظالمة التي تعرض لها، من رفاق الأمس، من هذه المكانة». في 1970، انتقل «أبو حيان» إلى إدارة ثانوية برج البراجنة، وتحت سطوة التهديد الذي ساد خلال الحرب الأهلية اختار باريس قبلةً للسفر. التحق هناك بالسفارة السعودية مسؤولاً عن قسم الصحافة والإعلام، «ومن حسن حظي أن السفير كان أستاذاً للغة العربية، فبقيت في منصبي تسع سنوات».

- في عام 1988، التقى صيداوي بالروائي إلياس خوري في باريس. فقال له خوري إنّه عائد إلى البيت. سأله: وهل لك بيت هنا في باريس؟ ردّ خوري: «لا أنا عائد إلى البيت في بيروت». ويواصل الصيداوي: «فما كان مني إلا أن حزمت أمتعتي وعدت إلى بيروت، لأتقاعد وأتفرغ للكتابة والثقافة والبرامج الإذاعية». كانت بدايات جواد صيداوي الشعرية في دار المعلّمين الابتدائيّة «بدايات متواضعة، ثم نشرت في عدد من الصحف حتى دار المعلمين العليا؛ وهنا بدأت كتابة القصص القصيرة، من دون أن أتوقف عن نظم الشعر الحر مع احتفاظي بالتفعيلة. للأسف لم أجمع قصائدي في ديوان، ربما بسبب بعدي في الستينيات عن بيروت وانشغالي بالتربية». بعد عودته من باريس، أعاد طباعة مجموعته القصصية الأولى «البحث عن بداية»، ونشر الثانية «سقف المدينة»، ثمّ «الطغاة في التاريخ» وهي دراسات تاريخية، و«ليل المعنى» وهي حوار مع الشاعر صلاح ستيتية. وفي 1992، نشر روايته الأولى «العودة على متن الرحيل» ونشر بعدها سيرته الذاتية «أجنحة التيه» وهي ثلاثيّة تضمّنت «الوكر» و«الإقلاع» و«تونس». وبين 1989 و2003، قدّم على «صوت الشعب» برامج لغوية وأدبية، فخرج من التجربة بالكثير من العتب و«ضياع الأتعاب». لكنّ حكايته مع البرامج الإذاعية كانت بدأت عام 1949 عندما اختاره معلّمه فؤاد أفرام البستاني مع زميل له لمحاورته في إذاعة «الشرق الأدنى». ثم كانت له برامج أواخر الخمسينيات في إذاعة تونس حين زارها ضمن البعثة لتعريب التعليم هناك. حينها كان الشاذلي القليبي مدير الإذاعة. وعام 1960 قدم برنامجاً أسبوعياً في «إذاعة لبنان» عنوانه «ذكريات مدرسية». لا ينفي صيداوي أنّ البيئة الجنوبية التي ترعرع فيها حتى السابعة عشرة من عمره «كان لها تأثير كبير على ميلي الأدبي، خصوصاً تأثّري ببعض رجال الدين ومنهم أصحاب مكتبات غنية كنا نتردد عليهم أمثال الشيخ أحمد رضا صاحب «متن اللغة» والشيخ علي الزين وغيرهما». ويترحّم على الحركة الثقافية في ذلك الوقت، «فهامش الحرية كان كبيراً. لكن نتائج الحرب كانت أشد خطراً من الحرب بعينها؛ إذ فرضت قوى الأمر الواقع أجواء ثقافية ملتزمة باتجاهات معينة». أما همّه السياسي القومي فتمحور منذ البداية حول القضيّة الفلسطينيّة: «الجنوب اللبناني كان على علاقة متينة مع الأرض الفلسطينية. إذ كان العمّال اللبنانيون يعملون هناك فيما كانت المنتجات الفلسطينية، وخصوصاً البرتقال، تتدفق على أسواق الجنوب. عندما بدأت الصهيونية تكشف عن نياتها وأنيابها، بدأنا نستعشر الخطر، لكن على قاعدة رومانسية وعاطفية لا على أسس علمية. اتّسع الجرح بعد قيام إسرائيل، إذ تابعنا مراحل الاحتلال بكثير من المرارة، لكن أبشع أنواع المرارة التي ذقناها هي الهزائم التي حلّت بعدما شحن الإعلام العربي نفوسنا بالأمل». 5 تواريخ 1932 الولادة في النبطية (جنوب لبنان) 1984 نشر مجموعته القصصية الأولى «البحث عن بداية» 1989 قدم برنامج «لغة الحياة» على «صوت الشعب» أكثر من عشر سنوات 2008 ترجمت روايته «أجنحة التيه» (دار الآداب) إلى الفرنسية والإنكليزية 2009 ينكبّ على كتابة رواية «أروقة الذاكرة» ثلاث سنوات بعد صدور «ثمالة حب»

ايوب صابر 02-16-2015 12:20 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم ( 86- ايام الرماد محمد عز الدين التازي المغرب

- ايام الرماد منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1992.

- يقول عنها الباحث حسن سرحان: "يتحقق "تقعير الشفرة" في رواية "أيام الرماد" من خلال مجموعة من الملفوظات الميطاسردية المنتشرة في طولية النص.

- وتتحدد الوظيفة المركزية لهذه الملفوظات في تلك القراءة الخاصة والنوعية التي تقدمها الشخصية- المؤلف (حامد العسلي) للرواية.

- فحامد العسلي يضطلع بعدة أدوار في هذا النص.

- فهو شخصية وسارد ومؤلف وقارئ في الوقت نفسه: هو شخصية باعتباره مشاركة في أحداث الحكاية، وسارد باعتباره يؤدي الوظيفة السردية والتنظيمية للمحكي، ومؤلف لأنه يحكي "سيرة" روايته، وقارئ لأنه يمارس الوظيفة التأويلية التي تتمثل في تعليقاته وتنظيراته لسيرة الرواية: روايته.

- تتكون رواية "أيام الرماد" من ثلاثة أجزاء موزعة في الشكل التالي: الجزء الأول (من ص:9 إلى ص : 64). غير معنون. الجزء الثاني (من ص:65 إلى ص: 105). يحمل عنوان: (أغوتني الرواية، الرواية غواية). الجزء الثالث (من ص: 107 إلى ص: 304). يحمل عنوان: نوار الدفلى في العينين العوسج البنفسج.

- ويضم كل جزء مقطعا أو مقاطع ميطاسردية بصوت الشخصية- المؤلف (حامد العسلي) أو إحدى الشخصيات، تعكس طرائق اشتغال العناصر التركيبية المكونة للنص الروائي.

- وتخضع هذه المقاطع الميطاسردية لتوزيع خاص يتحقق في أربعة أشكال: - الأول يرد فيه المقطع موضوعا ين قوسين، ويملأ حيزا خاصا، أي يكون عبارة عن مقطع كامل يفصله عن باقي المقاطع بياض. - والثاني يرد فيه هذا المقطع موضوعا بين قوسين، لكنه لا يشغل حيزا خاصا بل يدمج في سياق المقاطع السردية التي تضطلع بدور نقل أحداث العالم السردي. - والثالث يتلخص فيه من القوسين ويشغل حيزا خاصا. - والرابع يتلخص فيه من القوسين ويدمج في سياق المقاطع السردية الأخرى. انطلاقا من التوزيع السابق، تصبح هذه المقاطع الميطا سردية مرايا داخلية تعكس إستراتيجية الكتابة الروائية كما يتصورها مؤلفها التخييلي (حامد العسلي).

- أي تعكس شفرة النص الروائي.

- ودون تحديد وضبط هذه الشفرة، لا يمكن تقديم قراءة ملائمة ومنسجمة للنص.

- فحامد العسلي يكتب الرواية وينظر لها في الوقت نفسه.

- ويتحقق هذا بطريقة لا تفصل بين النظرية والتطبيق.

- فهو ينظر لرواية يكتبها هنا والآن.

- وهذا الشكل في الكتابة الروائية يتجاوز فنيا ونظريا ما يسمى "الرواية داخل الرواية"، لأن الأمر لا يتعلق برواية- إطار تضم روايات تخييلية، بل برواية يكتبها "مؤلفها" ويحدد لها إطارها النظري الذي "يجب" أن تقرأ في ضوئه.".

ايوب صابر 02-16-2015 01:48 PM

تابع....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم ( 86- ايام الرماد محمد عز الدين التازي المغرب


- يقول محمد عز الدين التازي أكتب.. كما يحفر النهر مجراه

- تحدث عبد الفتاح الحجمريعن (روايات التازي : كتابة منذورة للبقاء ) حيث تحدث بتفصبل عن حياة محمد عز الدين التازي الثقافية ومسيرته الابداعية متوقفا عند أهم المحطات الابداعية بدءا من أول رواية "أبراج المدينة" إلى "أبنية الفراغ" وقد عمل وهو يرصد نصوص التجربة إلى توصيفها جماليا ودلاليا وأيديولوجيا. مع تركيزه على خصوصياتها الموضوعاتية والفنية قياسا إلى تجارب مغربية مناظرة..

- وفي مداخلة بعنوان ( الواقعي والتخييلي في رواية أبراج المدينة ) تدخل محمد بطل متحدثاعن القوة الإنجازية للرواية وهي تُحرض خيال المتلقي. وقد أطر الباحث ورقته بتناول محاور منها شبق الكتابة وتمفصل الحكي عن الخطاب ، لينتقل إلى مقاربة تمفصل الدلالة الرمزية للمدينة وأبراجها ،التماهي السخري من الواقع ، وصولا إلى البحث في الاوضاع الخطابية من ترهينات ولغات، خاتما تحليله بالتوقف عند التخيييلية باعتبارها بُعدا جماليا في رواية أبراج المدينة.

- أما مداخلة عبد الرحيم جيران فكانت بعنوان"البلاغي الأسطوري في (زهرة الآس) أو تقابل العوالم" وقد انصبت على معالجة العلاقة بين الأسطوري والكتابة الروائية. وقد تطرق الباحث في البداية إلى العلاقة الماثلة بين الأسطورة والبلاغة، وضبط اشتراكهما معا تجسيم العالم انطلاقا من التنافر بوصفه مظهرا دالا على بنية تستقطب عبر التوسط أشكال الكتابة في رواية زهرة الأس.

- ثم انتقل بعد ذلك فحص هذا التوسط في الرواية، حيث بين الحدود التي يتحرك ضمنها. وهكذا عمل الباحث على مقاربة توسط الأسطوري الكتابة الروائية والتاريخ في علاقتهما بالموضوع الروائي "فاس"، بما يعنيه ذلك من ضبط المبدإ الكلي الذي يتخفى بوصفه منطلقا وتوقا وراء الصياغة السردية للرواية، هذا فضلا عن ضبط الانبثاق السردي في ارتباطه بأسلوب الورطة، وتجسيمه الأسطوري في بناء التقابل البلاغي، مع ما يقتضيه ذلك من ضرورة خلق تجسير بين هذا التقابل متطلبات الرواية بوصفها جنسا أدبيا له شروطه الخاصة، الشيء الذي أفضى إلى ضرورة تبين تدخل العجيب في بناء التعالق بين الأسطورى وممكن الرواية.

- رشيد الإدريسي في ورقة نقدية بعنوان ( انعدام الحقيقة وهشاشة الكائن: مفاتيح لفهم المنطق الحكائي لدى عز الدين التازي) اعتبر المدونة السردية للكاتب من أكثر المدونات ارتيادا للتجريب، ونتيجة لهذه الخاصية التي تطبع أغلب إبداعاته، يجد القارئ نفسه إزاء عوالم حكائية غير مألوفة لديه. وهذا ما ينطبق على رواياتي "مهاوي الحلم" و"ضحكة زرقاء"، ففيهما معا تتجلى كل خصائص تصور الكاتب للإبداع وطريقة صوغ الأفكار والعوالم التي يريد تبليغها للقارئ.

- ويعتبر المحور النصي المتمثل في انعدام الحقيقة وهشاشة الكائن، من أكثر المفاتيح قدرة على سبر أغوار هذين الروايتين، والتي يعتبر الغموض أحد مكوناتها وثوابتها الأساسية، مما يستدعي الرفع من درجة مشاركة القارئ التأويلية، وعدم الاكتفاء بالتفسير الحرفي التاريخي الذي يجب البناء عليه لإنجاز تأويلات عميقة تتوافق مع طبيعة هذا النوع من الإبداع.

- أما مداخلة عبد الإله رابحي الموسومة ب" التخييل الليلي في رواية الخفافيش " فقد انطلق فيها من توصيف ثنائية الظلمة والنور في الرواية بكل ملحقاتها أو سيماتها التي يعجز منطق الترادف على الإحاطة بها ، وذلك عبر اقتران الكتابة الإبداعية بالحلم كسياق ليلي تتجلى من خلاله الثنائية الأصل :الواقعي والمحتمل التي تجعل من الكتابة سؤالا مؤرقا،

- ثم انتقل إلى توضيح كيف أن الكتابة تتأرجح بين العالمين:عالم الظلمة -الحلم- وعالم النور- الواقع- ،عالم "الحاجة لالة زهور "كعالم يعج بالأشباح ،كتخييل ليلي يعجز حرفيو الكتابة إدراك أسراره ، وعالم "كنزة" الغارق في تفاصيل اليومي العابر.

- ومؤكدا أن حيرة الكتابة بين العالمين تفسح المجال للقارئ لكي يرتق خيوط الحكاية الليلية المتناثرة، ويكمل سيرة الحاجة وسيرة الكتابة بما تراكم لديه من متخيل ليلي، وهو المتخيل الذي ينقل الوقائع من التاريخي إلى الروحي، موضحا أن هذا الانتقال مناظر لما عبر عنه ريكور بالانتقال من العبودية إلى الحرية أي إلى حالة الخلاص.
وحول ( لعبة الحكي وتراجيديا التحول في رواية مغارات) قارب عبد الغاني عارف النص الروائي من خلال أربعة محاور وهي أولا : المكان باعتباره موضوعة في الرواية وبؤرة تستقطب إلى مركزها مجموع وقائع الرواية.ثانيا: لعبة الحكي ضمن اختيار سردي ينزع نحو التجريب وعبر لعبة حكي تتعالى عن الواقع بالإيهام الفني .ثالثا : شخصيات الرواية المحكومة بمواجهة أقدار عابثة رغم وعيها الحاد المشرئب إلى واقع خارج الانهيار.رابعا اللغة وماهية الكتابة ، والأبعاد الترميزية التي تفتح للتأويل منافذ جديدة وتفصح مرآويا عن عنف التحول المتحقق في طنجة المدينة وفي الشخصيات .

- في الجلسة الزوالية التي نسق أشغالها عبد اللطيف محفوظ ، تدخل بوشعيب الساوري في موضوع ( ترميم الذات والمكان في رواية امرأة الماء ) من خلال محورين اثنين .الأول بخصوص السفر في الذات والمكان حيث تتأسس روائية الرواية بغية القبض على العطب ، وكذلك الكشف عن التحولات انطلاقا من الحوار بين الماضي والحاضر . المحور الثاني حول التنويع السردي انطلاقا من سرد تفقد المكان والتذكر والاسترجاع ، ثم الرسائل وشطحات الحلم .

-أما مداخلة سلمى براهمة فقد كانت بعنوان "من تصدع البناء إلى تصدق الأسطورة"، حيث حاولت أن تكشف من خلالها أن تصدع البناء وتشظيه كان له دور دلالي قوي تمثل في إسقاط الأسطورة اليهودية. لذلك وقفت الباحثة عند الحكاية الأساسية في الرواية، والتي تتصل بالهيلولة (احتفال ديني سنوي لليهود المغاربة) حيث توقفت عند كشف الخطاب الروائي لكل الأقنعة عن الخطاب الديني..

- وقد انتهت الباحثة إلى تأكيد أن رواية " فوق القبور تحت القمر" ذات بعد أطروحي وبعد جمالي أيضا. الشيء الذي جعلها تكتسب تميزا وتفردا على مستوى المحتوى وطرائق السرد.

- ثم تدخل جمال بندحمان بموضوع( مدارج اللغة وحكي القيامة الدنيوية: دراسة في رواية " خفق أجنحة" )وانطلق من التساؤل عما يميز لغة الحكي عن غيرها؟ وهل يتحكم مضمون الخطاب الحكائي في نوع لغته؟ و ما الذي يفعله القارئ أمام خطاب متشعب اللغة ؟ أي علاقة بين مقاصد الخطاب والمبدع والمتلقي؟ وهل تتمرد اللغة على مستعملها؟ وما مسوغ الجمع بين لغات داخل اللغة وبين حكايات داخل الحكاية؟ وهل يكفي رصد المعجم لتعليل أنماط الحكي وتموجاته؟ أي دور تلعبه التراكيب في بلورة الموقف المفترض للقوى الفاعلة؟ وما الدلالات التي تقدمها لنا اختيارات الأسماء والأماكن؟ وإلى أي حد تتراجع اعتباطيتها لتصبح اختيارات مقصودة؟ كيف نبلور خطابا عن الحكي من خلال اعتماد الأفعال الكلامية وصيغ السؤال المفتوح؟
انطلاقا من هذه الأسئلة، وغيرها، قارب الباحث رواية خفق أجنحة استنادا إلى مقاربة تعتبر أن للغة سلطتها في بعض المقامات الحكائية التي تتوسل بها لتبليغ مضامين ذات التباس دلالي كبير، يقود إلى جعل تشاكلاتها الدلالية أكثر إيغالا في جعل التعايش ممكنا بين المتناقضات، وفق تصور يعيد صياغة الإشكالات الفكرية والمجتمعية والتاريخية، ويضعها في مأزق يكسر ثوابتها،ويجعل اليقينيات أكثر عرضة للتشكي..

- أما محمد خفيفي فقد كانت مداخلته بعنوان "تعدد الأصوات وانهيار القيم في رواية حكاية غراب" وقد استهل المداخلة بالكشف عن النصوص الغائبة التي قد تفرض ذاتها على المتلقين تبعا لقدراتهم الإدراكية، لينتقل إلى وصف خصوصيات الغراب في الرواية، حيث لاحظ أنه ملتبس مختلف عما تقدمه المعاجم عن هذا الطائر العجيب والغريب الذي يتبدى جراء ذلك ممتلكا لصفات تجعله متعدد الهوية.. وهو متعدد بتعدد المواقف والوضعيات التي تتأرجح بين حضور واقعي وآخر رمزي يؤشر على شيء آخر تراهن الرواية على فطنة القارئ لتوصيفه وفك طلاسيمه. كما لاحظ أن الرواية تتجاوز البناء التركيبي التقليدي، وتعتمد تقنية تعدد الأصوات التي تساعد على تشخيص أنواع الوعي الإيديولوجي..

- وانتهى الباحث إلى أن الرواية تحقق التناغم بين الذات وأفعالها، فهي انطوائية منعزلة تفكر كثيرا في الموت لكن عزاءها الكبير في توهج الحكاية وقدرتها على هزمه.
في الجلسة الرابعة والختامية خلال هذه الندوة والتي نسق أشغالها شعيب حليفي تدخل شريشي لمعاشي بورقة نقدية حول رواية المباءة (الرواية واللايقين ..يقين الجنون ) معتبرا أن هذه الرواية هي سرد يولد من متاهة اللايقين وتتشكل من مفصلين كبيرين ، الأول تخييلي والثاني شبه واقعي ، وعبرهما سيتوقف الباحث عند عدد من القضايا المحركة للنص ، منها أبعاد الرموز ، لغة التصوف ، الجنون ، التفاوت بين عمق الوعي وعمق الإحساس .

- أما إبراهيم أزوغ فقد قارب موضوع (صوغ المتناقضات والأوهام والمواقف في رواية بطن الحوت ) باحثا عن تيمة غياب اليقين المفضي إلى العجائبي باعتباره وسيلة تعبيرية لتصريف المواقف والرؤى حول المجتمع الصغير والكبير .كما توقف الباحث عند مستوى توظيف الرواية لتقنية السؤال في بناء النص ، أو صيغة البحث دون جواب.

-وتدحل بعد ذلك المصطفى مويقن بموضوع "دم الوعول: بين المسخ والبوح" حيث عمل على مقاربة الرواية من خلال دلالة المسخ، وقد طال الشخصية المحورية "عبد الرحيم" الذي مسخ في هيئة قزم. موضحا أن هذا التحويل استدعى بوح كل الشخصيات ذات العلاقة بالذات موضوع المسخ، ومن ثمة تحول المسخ إلى ذريعة للبوح وتعرية الكائن، تبدى معه أن كل شخصيات الرواية تعاني المسخ..
وانتهى إلى تأكيد أن الرواية تعكس من خلال لغة متشظية انكسار الشخصيات المحطمة، كما تشخص المسخ الذي أصاب الواقع نفسه.

- وكانت آخر مداخلة لعبد اللطيف محفوظ، تحت عنوان "بناء المعنى في رواية أبنية الفراغ" حيث عالج المعنى انطلاقا أولا من شكل توظيف اللغة الموسوم بالبساطة والشفافية في التعبير عن الموضوعات، وثانيا من خلال سجلات الكلام التي تتركب من ثلاثة مستويات، مستوى عام ومجرد يتصل بالموقف من العالم والقيم والأنساق المنظمة للسلوك الرمزي المتحكم في أشكال الفعل والتفكير فيه وتقييمه، ومستوى ثقافي اجتماعي يمس العلاقات الإنسانية، ومستوى ثالث يتصل بالفردي والخاص، ملاحظا أن بناء المعنى يقتضي أخد المستويات وعلاقاتها بعين الاعتبار، وثالثا من خلال مضمرات السرد والكتابة والتي حددها في مجموعة من الأدلة وصفها بالأيقونية، وهي العلاقة الفضائية بين الفصول والمحكيات الصغرى، والتي تعوض وتنوب عن العلاقات السببية، وعلاقة المسارات السردية بدلالات أسماء المتكلمين في الرواية، وعلاقة الحريقين الذين تنفتح الرواية على أحدهما بالبيضاء وتنتهي بثانيهما بطنجة بالدلالات الرمزية للحريق في الأنساق الرمزية

- في نهاية اللقاء تحدث عز الدين التازي عن تجربته الروائية الممتدة في مساحات التخييل الروائي من خلال الورقة التالية : ما الذي يتغير في الإنسان وهو يغير جلدته كما تفعل الثعابين ، أو وهو يغير لسانه ليتكلم بلغة الوقت وبأصوات الآخرين ،أو وهو يغير ما كان يقوله لنفسه في سرائه وضرائه بقول آخر يتكيف فيه مع الآخرين ؟ من غير شك فإن الجوهري في ذات الإنسان يتغير بفعل تلك التغيرات، وحيث تتعرض الذات للتهتيك وفقدان مقوماتها كذات .

-وإذا كان الإنسان روائيا ، فإنه يحتمي بالكتابة من فراغ المعنى ومن المسخ والتشيئ، ومن ابتذال القيم ، لأن ثمة ما يكمن أصيلا في ذات الكاتب ، يحميها من التزلف والزيف والنفاق .

-الأسرار التي تحفل بها الحياة لا يحاول الكشف عنها شيء سوى الكتابة .
في الكتابة الروائية تتجدد علاقة الكائن بذاته وبمحيطة الاجتماعي ، وبنظرته للناس وللوقائع والتحولات .

-هكذا يمكن أن يعلل الكاتب الروائي شرط وجوده بالكتابة الروائية قبل أن يعلله بأي تعليل آخر. وقد لا يفهم كثير من الناس معنى أن يربط إنسان ما حياته اليومية ولسنوات طويلة، تمتد إلى عقود من الزمن.. لعل المسألة في غاية البساطة ،فذلك الارتباط لم يتحقق طوعا أو قسرا ، وإنما جاء كما يحفر النهر مجراه .

-في خصوبة عوالم الكتابة ، وتجددها واستمراريتها، ما يهيئ لجرأة خاصة على اقتحام الموضوعات التي تبدو محرمة ، أو تبدو وكأنها من قبيل المسكوت عنه ،وتلك الجرأة لا تتحقق إلا من خلال دخول الكتابة في عوالمها التي تنهض على محكيات الشخصيات التي تختلف عن بعضها في التجربة والمسار في دروب الحياة.

-الوجود في الكتابة الروائية يضاعف الوجود ، ذلك أن ما تحياه الشخصيات من أحداث ومواقف ، على تعددها هو السبيل الوحيد لمضاعفة الوجود ، وتعدد أوجهه وملابساته ومستويات صعوده وانحداره.

- هكذا لا توجد في الكتابة الروائية يقينيات ، لأن كل يقين تحمله شخصية روائية هو معرض لزلزلة الشك والحيرة والبحث عن السراب .معنى ذلك أن قلق الشخصيات الروائية هو قلق إنساني ، يتمازج فيه تاريخ الأسطورة بتاريخ العلم ، كما يتمازج فيه تاريخ الذات وتواريخ أخرى مشوشة ولا تصل إلى الحقيقة . بهذا المعنى تصبح الكتابة الروائية سؤالا عن الوجود ، في تضعيفاته وتحييناته في الأزمنة ، في توسيع للزمن الروائي الذي يستوعب كل الأزمنة.

- وبهذا المعنى أيضا لا تغدو الرواية وثيقة ، لأنها تخون البحث عن حقيقة الإنسان ، تلك الحقيقة التي جاءت الأساطير وبعدها الأديان ، لمحاولة توضيحها ، ثم جاء العلم أيضا لمحاولة توضيحها، وهي ما تزال مستعصية عن أن تتجلى بكامل الوضوح .
في هذا الغموض الذي يكتنف الوجود الإنساني ، يكون لا بد للرواية من أن تشتغل على الغموض، فإذا كان عالم الرواية غير مكتمل ، ولا نهائي ، فانه يكون مضطرا إلى التنويع في مقترباته من لحظات إنسانية دالة على الزمن والفضاء في أوضاع مجتمعية قابلة للتبدل والتحول حتى وان كان يثوي في صلبها ما هو ثابت وجوهري .
- بهذا المعنى كذلك ، تخوض الكتابة الروائية مغامرة تشخيص الأفكار والمبادئ والأسئلة في التشخيص الروائي ، وهو ما يحول الأفكار والمبادئ والأسئلة إلى وقائع وتوقعات، أي إلى سرد روائي يعتمد الحكاية ، وما التاريخ الإنساني ، وتواريخ الشعوب ، سوى حكاية تتردد على الألسنة بروايات شديدة الاختلاف .

- ربما ، ومن هنا تكتسب الكتابة الروائية مشروعيتها من إنتاج خطابات متعددة ومتنوعة ، ولا تكون تلك الخطابات منتمية إلى غير الخطاب الروائي نفسه ، الذي ينظم العوالم ويبني الأشكال.

- أما الروائي فهو في أوقات الكتابة يتحرر من أفكاره وتجاربه في الحياة ونظرته للعالم ،لأنه يجعل من ذاته مرصدا لصيرورة وتحول العالم ، دون ان يعني ذلك أن الذات التي تتحول الى مرصد ، تنكر ذاتها .

- كيف يمكن إذن ، للواقع السياسي والاجتماعي ، وللأساطير المعاصرة ، أن تتسلل إلى جسد الرواية ، وكيف يمكن للذوات المتشظية أن تصبح" أبطالا "روائيين ، وكيف يمكن للفضاءات بتاريخها المنسي أن تستعيد ذاكرتها في الرواية ؟
هي كتابة روائية تشتغل على تعدد هذه المستويات ، لتصهرها في صوغ أدبي تخييلي.
أليس هذا هو المهم في الكتابة الروائية ، وهي تلتقط تفاصيل الواقع ، وتجعل منه أسطورة واقع ؟ لعل هذا هو المهم .

- أما تقنيات الكتابة فهي تنتمي إلى التصنيع الروائي الذي يحفل ببناء إستراتيجية للأشكال ، ويعني ذلك كل ما يجعل من الكتابة الروائية لعبا على مساحة الفراغ التي هي الصفحة البيضاء .
حتما ، إن هذا الغليل لا يُشفِي غليلا أكثر غلة ، لتأمل كتابة روائية لها متسعها الذي لا يحد بحدود .

- وعودة إلى الكاتب الروائي ، فهو ليس ناطقا باسمه ، ولا يأكل الثوم بأفواه الآخرين ، إنه لايغير جدلته كما تفعل الثعابين، كما هو لا يغير لغته ليتكلم بلغة الآخرين ، كما أنه لا يكيف لغته لكي تتكيف مع لغة الآخرين . إنه هو من يشتغل على السرد وأصواته السردية ، وهو من يجعل من ذاته مرصدا ترصد الكلية المجتمعية . وهو ليس هنا وهناك .

- إنه لا يوجد إلا ككاتب روائي ، وبهذه الصفة يجب أن يُعَرَّف.

ايوب صابر 02-16-2015 10:20 PM

تابع....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم ( 86- ايام الرماد محمد عز الدين التازي المغرب


- ولد محمد عز الدين التازي بفاس سنة 1948. حصل على الدكتوراه في الأدب الحديث. يعمل أستاذا للتعليم العالي بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان.

- صاحب أكبر كم روائي وقصصي نشره مغربي لحد الآن، فهو يواظب على الكتابة والنشر منذ أربعين عاما.

- نشر أول نص قصصي له سنة 1966 بالملحق الثقافي لجريدة الأنباء المغربية، بعنوان مربك هو: "تموء كالقطط"، ليواصل نشر قصصه القصيرة في جريدة "العلم"، ولينشر قصصه في المجلات العربية كالأقلام العراقية، والآداب البيروتية، وفي منابر عربية أخرى.

- كتب الرواية والقصة القصيرة والمسرحية وقصص الأطفال وسيناريوهات بعض الأفلام والنقد الأدبي.

- نشر ثمانية عشر رواية لدى دور النشر في المغرب والجزائر وسورية ومصر لبنان، قبل أن تَضُمَّ أغلبَها ثلاثُ مجلدات صادرة عن وزارة الثقافة المغربية، تقع في 1785 صفحة، إضافة إلى روايته الثلاثية: "زهرة الآس" التي صدرت في ثلاثة أجزاء، والتي لم تُتَضمن في أعماله الكاملة، وإلى رواياته الصادرة بعد صدور أعماله الكاملة، ما ينتظر الصدور من أعمال.

-في مجال القصة القصيرة كان قد نشر أضمومته القصصية الأولى سنة 1975، بعنوان: "أوصال الشجر المقطوعة"، وكان أن قَدَّمَ لها الناقد محمد برادة، ثم توالى صدور مجاميعه القصصية، فصارت تسع مجموعات، صدرت في مجلدين من753 صفحة، يحتويان على 134 قصة قصيرة .

- صدرت له أزيد من عشرين قصة للأطفال، وتفوق كتبه المنشورة، الخمسين كتابا. تحولت روايته "رحيل البحر" إلى شريط أنجزته التلفزة المغربية. قررت وزارة التربية الوطنية روايته "المَبَاءَة" على تلاميذ الجذع المشترك ثانوي.

- كرمته عدة كليات وجمعيات ثقافية، وعقدت عدة ندوات حول أعماله. كرس حياته للكتابة، وهو يقضي ليله ونهاره يكتب ويمحو ما كتب، باحثا عن اقتناص لحظة إبداعية من خلالها يبني عالما أو قيم معنى أو يشذب حديقة نص، أو يخاتل ما يسميه إستراتيجية الأشكال.

-ترجمت بعض قصصه القصيرة إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية والسلوفانية، كما ترجمت روايته "مغارات" إلى الفرنسية. اختيرت روايته "أيام الرماد" من بين أفضل 105 رواية عربية نشرت في القرن الماضي، ضمن استقراء نشرته جريدة الأهرام القاهرية.

- حاصل على عدة جوائز من أهمها جائزة فاس للثقافة والإعلام لسنة 1976، وجائزة المغرب للكتاب لسنة 1977. و 2009 عن روايته الأخيرة "أبنية الفراغ". كما حائز على وسام العرش من درجة فارس .

- عضو اتحاد كتاب المغرب واتحاد الكتاب العرب، وجمعيات ثقافية منحته عضويتها الشرفية، وأخرى منحته شهادات تقديرية.

ايوب صابر 02-17-2015 10:32 AM

تابع....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم ( 86- ايام الرماد محمد عز الدين التازي المغرب



- الكتابة مختبر للإشغال، تتخلق فيه المواد الحكائية وتتنظم، وبهذا المعنى فهي ليست مجالا تعويضيا عن خسارات الكاتب، أو موردا يطفئ فيه غلة العطش. هي ممارسة شاقة تسعى إلى خلق العالم وبناء الشخصيات بما فيها من مواقف وأمزجة وطبائع. والشخصيات هي التي تحيا حالات القلق والفرح والاكتئاب والاغتباط. الكاتب هو الآخر يحيا معها هذه اللحظات الانفعالية وغيرها. لكن قلق الكتابة السردية يكمن فيها قبل الكتابة وخلالها، كتأمل لإضفاء طابع التنظيم والبناء على مكونات العمل، وملاعبته باستمرار، ملاعبة لذيذة وقاسية في نفس الآن.

- ليست كتابة الرواية ككتابة القصيدة الشعرية، يمكن أن تستثمر لحظة الانفعال بمشهد أو بلحظة معاناة عابرة، للقبض عليها. بل إنها تحتاج إلى حياد الكاتب، فهو يترك للسارد أن يروي الأحداث ويصور المواقف ويخلق لحظات المفارقة والصراع. لذلك لا أكتب وأنا في حالة انفعال، وغالبا ما تدعوني الكتابة إلى كبح انفعالاتي الخاصة، حتى أتمكن من إكساب انفعالات الشخصيات معنى محددا من خلال المواقف التي تحياها.

- الكتابة شهادة على زوال اللحظات التاريخية وموت الأمكنة. شهادة على ربيع قادم قد نحيا فيه كل فصول الربيع التي مضت. ومأساوية الإنسان التي تعبر عنها الكتابة لا تلغي فرحه بالحياة. الكتابة شهادة على تحول الإنسان والمجتمع والتاريخ، وبهذا المعنى فهي شهادة تخييلية ، غير تاريخية، على التاريخ.

- ليست الكتابة مشروعا تجاريا ولا تبشيريا بأفكار أو إيديولوجيات. ولا هي نزوة، لأن النزوات غالبا ما تنتهي بلحظة الندم. الكاتب الذي يرهن حياته من أجل الكتابة، لا ينبغي عليه أن يندم على خسرانها. وهي ليست منذورة للخلود، بل إنها تمارس سطوتها وإغراءها في زمن / أزمنة القراءة الممكنة على قراء منتظرين هم الذين يبعثونها من النسيان.

- يجد المرء نفسه كاتبا، من غير أن يكون قد تدبر أمره أو اختار، إلا من حيث يكون الاختيار موقفا عقلانيا لتوجهات الحياة. هي صيرورة تعرفها حياة الكاتب، منذ تَشَكُّلِ لحظاتها الأولى. فهناك من يكتب من أجل أن يكتب، وهناك من يكتب من أجل أن يجعل الكتابة مطية لبلوغ منصب أو موقع للوجاهة في مجتمعه، وهناك من يكتب تحت الطلب، أو طمعا في ارتزاق. في الحالة الأولى تصبح الكتابة غاية في حد ذاتها، وهي بالمعنى الصوفي غاية الغايات.

- في الكتابة الروائية يمكن أن نتحدث عن زمن رابع، هو الذي تحضر فيه الأزمنة الثلاثة، ولا أحتاج هنا لأن أتحدث عن الزمن الذي يقع داخل الكتابة، والزمن الذي يقع خارجها. قوة الأشياء هي التي تجعل الكتابة داخل زمنها تتمثل الأزمنة وتستحضرها، وتعيد تنظيم العلاقة بينها عبر تشظيات الزمن وتمزقاته، بفعل الذاكرة أو بفعل الاستشراف، أو بفعل تحيين الماضي، أو بفعل سديمية زمن ما أو صيرورته. ذلك أن زمن الكتابة هو زمن لكل الأزمنة، له إيقاعاته الداخلية التي تنظمها أزمنة الحكي وتزميناته. أما الكاتب فهو يكتب بإيقاعه الخاص وبالطاقة التي يمتلكها.

- بالرغم من التلقائية التي تتميز بها لحظة الإبداع فإن إستراتيجية الاشتغال هي التي توجه العمل وتضبط مقاطعه وتمفصلاته وبناءه العام. وعلى مستوى التأمل المصاحب للكتابة، في تشكلاتها وتكويناتها، فإن بعض الصدف قد تغير من مجرى النص أو اتجاهه، وقد تمنحه حبكة معينة أو بناء ممهورا بشكل من الأشكال.

- تتحقق خطط الكتابة على مستويين: مستوى النص المفرد، بحيث تبحث له عن خصوصية ونكهة وتميز عن الأعمال السابقة عليه، ومستوى التجربة في عموميتها، حيث يتم الاحتفاء بأشكال التنويع في مواد المحكي، أو في بعض المقتربات من توظيف التاريخ والتراث والثقافة الشعبية والمسموع والمرئي. ولعل هذه الخطط هي التي تعمل على توفير الغنائية والهندسية باصطلاح الفن التشكيلي.

- كل الموضوعات صالحة لأن نكتب فيها، فهي لا تكتسب إغراءها وسحرها الخاص إلا من فعل الكتابة نفسه. لأن فعل الكتابة هو الذي يضفي على القبح جمالية، ويخلق التوازن بين العناصر المتنافرة والمفارقة لبعضها. ليس ثمة من موضوع جاهز، بل الكتابة هي التي تراود الموضوع وتستدرجه إلى مختبرها السري.


إعداد عزيز الحاكم


ايوب صابر 02-17-2015 10:39 AM

تابع....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم ( 86- ايام الرماد محمد عز الدين التازي المغرب


- قالت عنه الباحثة والشاعرة لبنى الفقيهي الروائي انه علامة مضيئة في مسار الرواية العربية الحديثة ..علامة فرضت نفسها منذ أن فوجئ القارئ بروايته الأولى فأدهشتهم لما تنطوي عليه من تقنيات جديدة و خصائص روائية مميِّزة غير معهودةٍ و لا مسبوقة،

- وقالت مؤكدة على أن هذه الدهشة سرعان ما تحولت إلى إعجاب وفتنة صار المتخيل معهما يرتاد آفاق الحلم و الصورة بما يفضيان إليه من إعادة وصف العلاقة بالعالم وتجديدها.

- وعندما اطلع القارئ على أعماله اللاحقة شعر بأن فتحا لأفق جديد على مستويات السرد القصصي قد دشن أمام الرواية المغربية والعربية

- بل إن هذا الفتح جعل من الرواية العربية تبني أسئلتها الجمالية في ضوء المنجز الروائي الجديد.

- وقال عنه الروائي محمد عز الدين التازي فتساءل عن معنى أن تستغرق تلك التجربة أكثر من أربعين عاما، أنجز خلالها كتابات متنوعة في الرواية والقصة القصيرة والمسرحية وقصص الأطفال ودراسات في النقد الأدبي. تساؤل قاد الروائي أن يقدم تأنله الخاص، لمعنى كتابته في أجناس متعددة، ومعنى الكم الروائي الذي أنجزه (ثمانية عشر رواية، والكم القصصي (تسع مجموعات قصصية، معبرا عن أنه عندما كتب في عدة أجناس، كان يبحث للموضوعات عن الجنس الذي يستوعبها، وأنه عندما كتب كل ذلك الكم الروائي، لم يكن يراهن على الكم، بل إن ذلك الكم جاء نتيجة اشتغال يومي على الكتابة من جهة، ومن جهة أخرى كبحث مُضْنٍ، عن نص روائي لا يكرر ما سبق أن كتبه روائيون آخرون، أو حتى ما كتبه الروائي نفسه.

- عَرَّفَ كتابة الرواية بأنها اشتغال على بناء التفاصيل، واللغة، وممكنات التخييل.

أَ- كَّدَ على أن رؤية الشخصيات الروائية للعالم، بما فيها من تعدد، ومغايرة، تجعل الرواية في قلب المجتمع، ودافع عن أن هذه النظرة، بتعددها، تمارس نوعا من النقد للذات وللمجتمع، وللسلطة والأحزاب، ومن ثمة فالرواية تتحرر من الروائي، لأنها بتعدد مواقف شخصياتها ورؤيتها للعالم، تنظر إلى العالم بعدة عيون، لا بعين واحدة.

- كما أن خطاب الرواية، التخييلي، هو خطاب يختلف عن خطاب السياسي والسوسيولوجي والمحلل الاقتصادي، من حيث احتواؤه لعالم أوسع، تقيم فيه الذات الفردية والجماعية بهواجسها وأحلامها وتطلعاتها وإحباطاتها، وهو عالم يشمل زخم اليومي، كما يشمل التاريخي والأسطوري والحلمي.

- تحدث عن رواياته الثمانية عشر المنشورة، محاولا القبض على مختبراتها السردية، ومحكياتها الذاتية، والتالريخية، والحلمية، والأسطورية، وتحدث عن محكي الذاكرة وأهميته حضوره في كتاباته، موضحا أن الذاكرة في كتاباته فردية وجماعية، وهي في الحالتين معا، مثخنة بالكثير من الجراح.

- اعتبر أن الكتابة الروائية قلق مضاعف، فمن جهة هو قلق أفراد تمثلهم الشخصيات، ومجتمع يتحول، ومن جهة ثانية فهو قلق الرواية وهي تسعى إلى التعبير عن مجتمعها، من خلال الاشتغال على الكتابة، والشكل، واللغة، والرمز، والدلالة.

- وقف عند فضاءات المدن التي حضرت في رواياته، وخاصة منها فاس وطنجة، واصفا تجربته مع كتابة الفضاء بأنها لم تقف عند مجرد إدارة أحداث الرواية في خرائط الأمكنة، كما أن المكان ليس مجرد خشبة للمسرح تدور فيها الأحداث، بل إن تجربته تعيد تشكيل الأمكنة بعمقها التاريخي وحياتها الخاصة وما تزخر به من حياة وما تعيشه من موت في الحياة.

- رأى أن الرواية لا تنتج خطابا أخلاقيا ولا تتجه نحو كتابة "الأدب الرفيع" و"الأدب الخالص" ولا تسعى نحو توجيه رسالة دينية أو أخلاقية أو سياسية، فرسالتها تكمن في شهادتها على المجتمع الذي تُصَوِّرُه، بكل تناقضاته وتعدد خطاباته. كما أن الروائي لا يوجد كصوت في الرواية، لأن الأصوات المتعددة فيها هي أصوات الشخصيات.

- ونفى أن يكون قد كتب سيرته في رواياته، معتبرا أنه لو كان قد استمد عوالم رواياته من حياته الخاصة، لكان قد استنفد ما لديه من تجارب في الحياة، وصفها بأنها عادية، ومحدودة، ولا شيء فيها خاص واستثنائي، بينما تستمد رواياتها وجود أحداثها وشخصياتها من قليل من المعايشة، وكثير من التخييل.

- وذكر أنه يتعجب لشخصيات هو من خلقها من الخيال، وكيف أصبحت مقنعة بواقعيتها.

- قال إنه قد ترك العمل السياسي منذ منتصف السبعينات، بعد أن انتبه إلى أن الكتابة الروائية يمكنها أن تمارس نقد الذات ونقد المجتمع ونقد السلطة والأحزاب.

- قال أيضا، إنه لا يحب العيش في الزحام. لا يطمح إلى منصب ولا يتاجر بما يكتب، وهاجسه الأساس في حياته هو الحياة التي تحياها الشخصيات في متخيل الكتابة.

- تحدث بشفافية عن علاقته بالنشر، وبالمال القليل جدا، الذي جناه مما كتب من أعمال، وبقرائه وأصدقائه الروائيين، واعتبر أن علاقته اليومية بالكتابة، على ما فيها مغامرة شاقة، تملأ حياته اليومية، وتُخْرِجُهُ من العزلة والصمت، ليتحدث مع كائنات رواياته، المحتملة.

- وقال: ثمة أمل لكلكامش، ليتصالح مع أنديكو، ليقفا معا ضد الآلهة، ولكن، ليس ثمة أمل لقابيل، وهو يُجَدِّدُ يوميا، من قتله لهابيل.


ايوب صابر 02-17-2015 07:26 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 87- رأس بيروت ياسين رفاعية سوريا

- يقول ياسين رفاعية "في روايتي "رأس بيروت" أخذت أتتبَّع بشكل شامل مصائر الناس في رأس بيروت، وما الذي حصل لهم. لم يكن في رأس بيروت مقاتلون، ولكن الحرب حوَّلت حياتهم إلى جحيم بسبب انقطاع الماء والكهرباء. كانت أياماً صعبة جداً. ما هو رأس بيروت الذي سيصبح عنواناً لرواية من روايات الحرب الأهلية. إنه مساحة ضيقة تمثِّل الخليط الاجتماعي الذي أراد المتحاربون أن تمتدَّ الحرب إليه..."

- ويقول رشاد ابو شاور عنه : - صبي الفرّان، بائع الكعك، المولود في حارة (العقيبة) الشعبيّة الدمشقيّة العريقة - لن أذكر تاريخ ميلاده، فهو لن يغادر الطفولة، وإن تكلل رأسه بالشيب - من أين تسرّب كّل هذا الحزن إلى روحه، ولماذا رأى الحزن في كّل مكان، وهاله مبكّرا أنّ العالم يغرق؟!

- لم تكن الشام، شام الياسمين، والمشربيات، والبيوت التي يستظّل أهلها تحت أشجار النارنج، ويستأنسون في العصاري حول النوافير، والبحرات في البيوت الأليفة، ويخرجون جماعات في السيرانات ليبتهجوا بالغوطتين، بلاد حزن في طفولة ياسين، فمن أين طفحت نفس الفتى الدمشقي بكّل هذا الحزن، وهيمنت الرؤية المتشائمة بغرق هذا العالم؟!

- في قصصه الأولى التي يعترف بأنه كتبها ببراءة، وعفوية، وبقليل من الخبرات الفنيّة، لا ينغلق ياسين على نفسه، وكأنه هو الفرد الأحد، الذي يرى الدنيا من خلال ذات منغلقة متشرنقة منطوية على هواجس شخصيّة.

- المطر، القصّة الأولى في مجموعته (الحزن في كّل مكان)، يكتبها (صعلوك) حبّيب، تمتحن حبيبته إخلاصه للحّب بأن تطلب منه الدعاء بهطول المطر على الأرض المجدبة، فيكون أن يستجاب دعاء القلب المحّب الطاهر، فتتيقن الحبيبة من صدق حب حبيبها لها، يركض الحبيب الشاب مبتهجاً، مشاركاً الناس فرحهم بانتهاء زمن القحط.

- ياسين كأنما يردد مع الشاعر الصعلوك:
فلا نزلت عليّ ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا

- إنه غيري كبطل قصّته، ولأنه كذلك فقد حمل حزن الآخرين وهمومهم مبكّراً، هو الذي شارك الفقراء من أترابه، ومّمن هم أكبر منه، شقاء العمل في الفرن، وبيع الكعك، والجوع، وانتظار مطر ينتظم البلاد جميعها، والعباد جميعهم..

- ياسين رفاعيّة كاتب أخلاقي، منذ قصصه الأولى، ولذا فهو حزين لانعدام العدل، وافتقاد روح المشاركة.

- القاص الذي لفت الانتباه بمجموعتيه القصصيتين الأوليين، قفز بعد سنوات، من كاتب دمشقي، سوري محلّي، ليحقق مكانةً مرموقةً كقاص على مستوى عربي، بمجموعته القصصية الباهرة ( العصافير)، التي حلق فيها بأجنحة الشعر، وبالشفافيّة الإنسانيّة العميقة، وبقوّة الخيال، واستبصار يغوص في عمق النفس الإنسانيّة.

- بعد العصافير، أضاف (الرجال الخطرون) وهاجسه امتهان كرامة الإنسان العربي، والقمع الذي يسحق آدميته ويشوّه روحه، ويقهره، ويستبيح حياته ويحولها إلى جحيم.

- ولأن ياسين رفاعية نبع حكايا لا ينضب، وخبرات إنسانيّة وتجارب معيشة، ولأنه طوّر ثقافته ومعرفته بأسرار الفّن القصصي، وتلافى نقص التعليم في المدارس الثانوية والجامعة، فقد فجّر طاقاته في أعمال روائيّة رياديّة، أولها روية (الممر)، رواية الحرب الأهليّة المجنونة التي مزّقت لبنان واللبنانيين، ودمّرت المدينة التي أحّب: بيروت.
بروحه المتسامحة، كتب روايته (الممر)، بروح الإنسان المحّب الذي يرفض أن يقسّم المواطنون إلى مسلم ومسيحي، وأن يقتتلوا على الهويّة.
بطل الرواية المحّب المتسامح، وضعت على صدره الفتاة المسيحيّة التي أنقذها صليبا، هو الذي ضحّى بحياته، ماشياً على طريق المسيح، مصلوباً افتداءً للناس..
بعد (الممّر) يقدّم ياسين رفاعيّة رائعته، نعم رائعته: (مصرع الماس)، رواية الكبرياء، والشرف، و(الزقرتيّة)، رواية موت البطل الذي بموته يعلي من شأن البطولة، ويبقيها معلماً يرنو إليه الناس، ليكون قدوة..
رواية مكثّفة، متقنة، غزيرة الشاعريّة، هي رواية (الحارة) وناسها، بل هي رواية الإنسان في كّل مكان، لأنها رواية قيم، والمحلّية هنا ليس انغلاقاً، ولكنها تواصل بين البشر، فالخصائص الإنسانيّة موجودة في نفوس البشر أجمعين وإن اختلفوا لغةً، وجغرافيا، وظروف حياة..
ياسين رفاعية، في بعض أعماله الروائيّة، والقصصية، متح من تجربته الحياتيّة، كما في رواياته (وميض البرق) التي نتعرّف فيها على أشخاص التقيناهم في الحياة، وعرفناهم بالأسماء والملامح، ولكنهم في الرواية يعيشون حياةً مختلفةً، تتميّز بانكشاف أعماق لا تراها العين في سلوكها اليومي.
هي ليست مذكرات، ولا سير، ولكنها روايات التجربة الشخصيّة فيها توظّف لقول فنّي بديع يستمتع به القرّاء، ويقبلون عليه، هم الذين لم يتعرفوا على بعض ملامح عبد الله الشيتي مثلاً، أو غيره من رفاق ياسين..
شخصيّاً لم أقرأ في السنوات الأخيرة رواية فيها كّل هذا الموت، والحب، ولوعة الفراق، كما في رواية (الحياة عندما تصبح وهماً).
بطل الرواية يغسّل زوجته، يقلّب جسدها، يتأملها، يحوّل لحظة الفراق إلى حالة تأمّل محموم في سؤال الموت ولغزه.
هذه الرواية امتداد معاصر لـ(حي ابن يقظان)، وأكثر حميميّة، لأن الروائي هنا يقدّم (الحياة)، والعلاقات الإنسانيّة لبشر من لحم ودم، في زمن ومكان معروفين، وليس أسئلة فلسفيّة مجرّدة.
رغم هيمنة الموت،وثقله،ورهبته،فإن ياسين وأمل - زوجته ورفيقته الشاعرة والإنسانة، وهما بطلا الرواية، ومبدعاها معاً - عاشقا الحياة، يلقنانا أسرار الأشياء البسيطة، التي لا تلفت الانتباه، ويدعواننا لعدم المرور عليها مروراً عابراً، يلحان علينا أن نعرفها، نتأملها، نحبها، نستمتع بها قبل فوات الأوان.
أمل في الرواية، التي هي زوجة الكاتب، أقصد أمل جرّاح، التي بدأت معاناتها مع مرض القلب منذ مطلع الصبا، ومفتتح رحلة الحياة الزوجيّة - فكأنما الحياة تغرق ياسين بالحزن محققةً له نبوءته كما في قصصه الأولى،وتلاحقه في كّل آن ومكان من دمشق إلى بيروت إلى لندن - أمل عند الخروج من المستشفى،والعودة إلى البيت، تقبّل خشب الباب، تربت على الهاتف كأنه طفلها، الهاتف الذي ياما سمعت أصوات الأحبّة عبره، تتلمّس أصابعها الطاولة بوّد وشوق.. وهل علاقتنا بالطاولة بسيطة؟ أليست تجمعنا حولها، تتحاضن أيدينا عبر فضائها؟! تتشمم أمل الصحون، تريح رأسها على الثلاّجة.. أيها الناس التفتوا للأشياء البسيطة ففيها بعض أرواحكم، وأنفاسكم، وذكرياتكم، لا تسرعوا في عيش الحياة، اشربوها على مهل بتلذذ لتهنأوا باللحظات، جرعةً جرعة، قطرة قطرة..
ياسين ابن الحياة، المتعطّر دائماً، النظيف الأنيق دائماً، الذي يمشي وئيداً على رؤوس أصابعه، هذا الياسين رفاعية داعية لحّب الحياة، مترهّب في حبّها، رغم كل بلاويها، ومصائبها التي صبّتها على رأسه، أثقلت بها منكبيه..
صبي الفران، بائع الكعك، التارك للمدرسة اضطراراً وهو في الإعدادي ينجز كّل هذا الفن! هذه أعجوبة..
الحضور الكرام
مررت على ذكر بعض أعمال صديقي الكبير ياسين رفاعيّة، وقفزت على كثير مّما أبدع في القصّة القصيرة، والرواية.. وهل أنسى (رأس بيروت) و(امرأة ناعمة) والرواية الشجاعة الجريئة (أسرار النرجس) الرواية الكاشفة، النابشة في عمق العلاقات،التي كتبها ياسين بمبضع الجرّاح الذي يفقأ العفن المتكيّس في عمق الجسد والروح، بجسارة، وخبرة،ونقد فاضح للشذوذ المغطّى بأكاذيب وتواطآت اجتماعيّة منافقة.
التوقّف عند كّل عمل يحتاج وقتاً طويلاً، وما يخفف شعوري بالتقصير أنني كتبت الكثير عن روائع ياسين القصصية والروائية.
أنا لا أتذكّر مهما بذلت من جهد متى بدأت صداقتنا، ياسين وأنا، ولكنني متيقن جدّاً أنها بدأت كالحب من طرف واحد، منذ قرأت مجموعتيه الأوليين، وعندما صدرت (العصافير) كانت بيننا صداقة، وهكذا كبرت صداقتنا مع دفق رواياته، ومجموعاته القصصية، وكتاباته للأطفال، وبالمناسبة هو طفل كبير ولذا لا عجب أن يقّص على الأطفال أحسن القصص.
ياسين رفاعية إنسان من ياسمين، وعطر، أنيق دائماً، في أوج حزنه تراه أنيقاً، معطرّاً، حليقاً، بطلّة مهيبة، فكأنما أمل تحرسه وتعنى بأناقته، وهي في العالم الآخر، هي ابنة الشام، زارعة الورد على شرفة (عشّهما) في راس بيروت، أمل سيّدة الياسمين..
هو راوية، وممثّل بارع مدهش، يستحوذ على الانتباه، ويدخل إلى القلب بحكاياته التي يعيد روايتها في كل مرّة بأسلوب جديد، وأداء جديد، وغايته أن يسعد من حوله، هو خفيف الدّم.
مرّات أقول: خسره المسرح وربحه الأدب..
ياسين عاشق للمرأة، جذاب، ساحر يصيبني وغيري بالغيرة، وأنا والله لا أحسده، وإن عتبت عليه دائماً لأنه لم يلقن قلبي أسرار العشق.
حتّى سيارته يدللها، يؤنثها، يعطّرها،فإذا بك في عالم من العطر، تريح رأسك لا على الكرسي ولكن كأنما على صدر أنثوي.
كنت أخجل عندما يصعد إلى سيّارتي، وأرتبك أمام نظراته الزاجرة، التي تتهمني بأنني أعذّب السيّارة، أهملها.
لا تنظروا إلى شيبه الناصع الذي يكلل رأسه إن رأيتموه مع فتاة عشرينيّة، باستغراب، فهو ما زال فتى دمشقيّاً، بقلب من ياسمين، لا يكّف عن الحّب، يواصل نشيده في الأيّام لتصير أجمل وأحلى، وقابلةً للعيش.
بعد أن عرفّته بصديقي حنّا مقبل، وبصديقتي وأختي ريموندا فرّان، عمل في (القدس برّس) فقلب نمط الحياة في المكتب الفسيح، جعله أصص ورد، وفّل، وقرنفل و..مع كل صباح يرّش الأوراق، والأزهار، ثمّ يعطّر الجو ويأخذ مكانه على كرسيه ليشرع في الكتابة بكامل أناقته، وعطره..
ياسين رفاعيّة، وهب نفسه وحياته، للكتابة، حتى صار اسمه علمًا من أعلام الإبداع الروائي والقصصي في بلاد في كل بلاد العرب.
صبي الفرّان الذي حقق هذا كّل هذا المجد،ألا يستحق أن نحتفي به،ونكرّمه،ونأتيه من كّل بلاد العرب، لا من سوريّة وحدها؟!
أنا شخصيّاً فخور بصداقتي لك يا أخي ياسين، وأرى اليوم روحي أمل ولينا ترفرفان هنا في هذا المكان: الأم، والابنة، معنا، الشعر والبراءة والشباب، لتباركاك وتحفّا بك. وها حضور الابن بسّام، والأخوة والأخوات والجيران، وحارة العقيبة، حارة الناس الطيبين الشجعان الذين كان لهم شأن في (الثورة) على الفرنسيين.
أخي وصديقي المبدع الكبير ياسين رفاعيّة: ها هي فلسطين تحتفي بك اليوم رغم ألمها وفجيعتها، ممثلة ببعض خيرة مبدعيها: أنت الذي كتب لها، وحملت همّها..
معاً في بيروت كتبنا يا ياسين، وتنقلنا تحت الطائرات المغيرة.. لم تختبئ، ولا هربت، ولا انزويت في بيتك، بقيت في بيروت ولم تغادرها، فاعلاً بالكلمة الشجاعة، مع زملائك الكتّاب، والصحفيين، والمقاومين، تنقّلت معرّضاً نفسك لخطر حقيقي، وفي بيتك المضياف قاسمتنا خبز أسرتك رغم ضنك الظروف.
أعرف يا ياسين أن كلماتي اليوم فقيرة، متواضعة، متقشّفة، فاغفر لي تقصيري..
يا ياسين :عرفتك وفيّاً، ولا أدلّ على وفائك من عنايتك بالفنّان الكبير نهاد قلعي، وعونك له ماديّاً ومعنويا، وإخراجك له من حالة العزلة والنسيان.
أمّا بيتك الكريم فيكفي أنه البيت الدمشقي، بكرم وأخلاقيات الحارة، حارة العقيّبة المضيافة، بيت ياسين وأمل، بيت الحب، واللقمة الطيبة، والحفاوة، والصداقة..
ختاماً أقول لك: ياسين رفاعيّة أنا أعتّز بأنني صديقك، وأنني قرأت لك، وأنني كتبت عنك قبل ثلاثة عقود، وأنك رقيق كالياسمين، ورهيف ولامع كنصل خنجورة (ألماس)، وأنك رقيق، طيّب، حنون كمشربيات حارات الشام العتيقة.
أتمنّى لك عمراً من العطاء، لتتغلّب على الحزن، ولوعة فراق الأحبّة، وكمد الحياة، وأحزانها..
* شهادة الكاتب في احتفالية تكريم الروائي والقاص السوري الكبير ياسين رفاعيّة، والتي أقيمت بدعوة من وزارة الثقافة السورية يومي 26 و27 حزيران في المركز الثقافي العربي في حّي (العدوي)، وبمشاركة عدد من الكتّاب والأدباء العرب الذين دعوا للمشاركة في التكريم بشهادات ودراسات نقديّة.

ايوب صابر 02-20-2015 02:46 PM

تابع والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 87- رأس بيروت ياسين رفاعية سوريا



- أبداً يعتبر ياسين رفاعية واحداً من كبار كتّاب القصة والرواية عربياً. أديب وشاعر بالفطرة، ولد في دمشق في ( حي العقيبة ) عام 1934 م، اختار لبنان مبكراً مكاناً للعمل والإقامة، وعلى الرغم من انشغاله في ( كتابات العيش ) فإنه كان يجد الوقت لإنجاز عمل روائي بين فترة وأخرى، وكان أول كتاب نشر له صدر في العام ( 1960 ) بعنوان «الحزن في كل مكان» عبَّر فيه عن قسوة الحياة التي عاشها منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره حين ترك الدراسة، والتحق بالعمل الشاق في ( فرن والده ).

- وهناك لم يشوِ ياسين رفاعية الخبز والكعك فقط، وإنما شوى قصصه على نار هادئة، كُتب عليها أن تُنضج كل ما هو جميل ومميز.

- ياسين رفاعية الذي لم يكمل دراسته في المدرسة أكملها في مكانين اثنين شديدي الخصوصية والطقسية، الأول: فرن أبيه، حيث كان يستمع لقصص عمال الفرن، ينصت بشغف لقصص عشقهم، ويتألم لألمهم، ويحزن لحزنهم، كانت معايشته لهم إبداع من نوع خاص، عرف من خلاله أبرز مقومات القص، وهما: الحياة والناس. أما المكان الثاني: فهو المقبرة، فقد كان يتردد عليها باستمرار، ويلتقي فيها بالقاص زكريا تامر، والروائي الفلسطيني يوسف شرورو، يتحاورون في الأدب، ويستمعون لقصة كتبها أحدهم.

- كان ياسين رفاعية يفرغ ضجيج الفرن في المقبرة حيث الهدوء والإنصات والوحدة المطبقة. ومنها تعلّم فن الصفاء والإصغاء.

- بدأ حياته الأدبية بقراءة القصص البوليسية فقرأ( شارلوك هولمز وأرسين لوبين )، وقرأ من الأدب الأمريكي ( همنغواي وجون شتاينبك ) كما قرأ كل ما كان يقع تحت يديه من الروايات المترجمة إلى العربية في تلك، الفترة، لذلك نرى أن إبداعه قد تأسس على قراءة الأدب الغربي.

- وحول قصته الأولى ( ماسح الأحذية ) التي حصل فيها على الجائزة الأولى من مجلة ( أهل النفط )، و كان يرأس تحريرها الناقد جبرا إبراهيم جبرا يقول ياسين رفاعية: كان هناك شاب صغير يتجول في حيّنا القديم ( حي العقيبة ) حاملاً صندوق البويا ( ماسح أحذية )، كان شاباً لطيفاً، وعلى وجهه مسحة من الحزن العميق، اقترب هذا الشاب من قلبي كثيراً، وأصبحنا مع مرور الوقت، وفي كل يوم كان يروي لي قصصاً من حياته وحياة أبيه المتوفى، ووالدته العجوز التي ليس لها سواه، وحالة البؤس والفقر المدقع التي كان يعيشها مع والدته.. تلك القصص شكََّلت عندي فكرة قصة فكتبتها وكان عنوانها: ( ماسح الأحذية )، وأرسلتها إلى المسابقة التي أعلنت عنها المجلة، وفوجئت أنها نالت الجائزة الأولى، وكانت قيمة الجائزة عبارة عن ثلاثمئة ليرة تقاسمتها مع ماسح الأحذية.

- لم يكن عمل ياسين رفاعية بالفرن هو المهنة الوحيدة التي عمل بها، بل تنقّل في مهن كثيرة، فعمل عند صانع أحذية ( كندرجي )، ثم أخذ يبيع الكعك الذي يصنعه والده في سينما ( غازي )، في هذه الأثناء أصرّ والده على إعادته إلى المدرسة، لكن أديبنا كان قد تعوّد على حياة أخرى غير حياة المدرسة متنقلاً بين العمل والكتابة، وبدأ بنشر قصصه في الصحف السورية ( الشعب، دمشق المساء، النصر، الأيام، الأخبار ) مجاناً.

- وعندما قامت الوحدة بين مصر وسورية كتب مقالاً في صحيفة( دمشق المساء ) عبر فيه عن سعادته بقيام الوحدة،وعن أحلامه وأحلام أبناء جيله بإحساس صادق ومشاعر جياشة، وعلى أثر هذا المقال تمّ تعيينه في المكتب الإعلامي التابع للقصر الجمهوري.

- وعن هذه المرحلة يقول رفاعية: أصبحت صاحب نفوذ في القصر، فبعد أن كنت أذهب إلى الفرن بالقبقاب! ! صارت تأتي سيارة القصر وتأخذني من مدخل الحي الذي أسكن فيه مع عائلتي، و كنت في الفرن ألبس ( الأفرول )، والآن أصبحت ألبس البدلة، وأنتعل الحذاء بدل القبقاب، وقد أصدرت في ذلك الحين مجموعة ( الحزن في كل مكان ) عام 1960 م.

- بعد ذلك عمل ياسين رفاعية موظفاً في وزارة الثقافة فأسس مع الأديب فؤاد الشايب مجلة ( المعرفة)، وعين سكرتيراً للتحريرفيها ( 1961- 1965 ).

- سافر بعدها إلى بيروت وعمل في جريدة ( الأحد)، وأسس مكتب صحيفة ( الرأي العام ) الكويتية.

- وبعد توقف عن الكتابة دام أحد عشر عاماً أصدر مجموعته القصصية ( العصافير ) التي أحدثت نقلة نوعية في كتابة القصة العربية، وقد طُبعت هذه المجموعة أربع طبعات متقاربة زمنياً.

- عاش ياسين رفاعية زمن الحرب الأهلية اللبنانية بظروف صعبة، تعرض فيها للخطف، وبعد الغزو الإسرائيلي للبنان غادر إلى لندن، حيث عمل مسؤولاً ثقافياً في مجلة ( الدستور )، ثم انتقل إلى جريدة ( الشرق الأوسط ) حتى عام 1996، عاد بعد ذلك إلى بيروت مستقراً و متفرغاً للكتابة.

- وبالإضافة إلى الترحال الدائم، وشظف العيش الذي عانى منه، مرت بحياة رفاعية أربع فواجع متتالية وهي: وفاة والدته، ووفاة والده، ووفاة زوجته، ووفاة ابنته.

- الحرب اللبنانية أثرت الحرب اللبنانية التي استمرت سنوات طوالاً في تكوين ياسين رفاعية الأدبي فكانت مادة خصبة للكتابة، ويعتبررفاعية الكاتب الوحيد الذي كتب عن الحرب اللبنانية الأهلية أربع روايات، وكل رواية تناولها من زاوية مختلفة عن الأخرى، وإن كانت في الحقيقة تكمل بعضها بعضاً. من «رأس بيروت» إلى «الممر» و «امرأة غامضة» وصولاً إلى «دماء بالألوان».

- وقد أثارت لغته في رواية «امرأة غامضة» الكثير من النقاد الذين كتبوا عنها بأنها رواية شعرية بامتياز، هذه اللغة التي اكتسبها من خلال كتاباته الشعرية، التي تمحورت حول موضوع واحد وهو «الحب، و لاشيء سوى الحب».

- الحارة الشامية- غادر ياسين رفاعية دمشق وحاراتها العتيقة، إلا أنها ظلت تسكن بداخله يستعيد في كتاباته عنها طفولته ووقع شبابه، فكتب «مصرع الماس» التي تناول فيها مرحلة من طفولته المبكرة، حيث اكتنزت ذاكرته بالأحداث المتشابكة في دمشق الأربعينيات، تحدث فيها عن ( قبضايات الشام ) أبو عبدو الطويل، وأبو علي الماس. هؤلاء الرجال بلباسهم العربي الشعبي الكامل، وأخلاق أولاد البلد الذين يؤمنون بالشرف، شرف الوطن الذي لا يكون إلا بتطهيره من الاستعمار، لكنهم كانوا بنظر السلطة الاستعمارية مجرمين وقطاع طرق، هؤلاء هم أبطال روايته. «فالماس» كان مجرماً بنظر السلطة، لأنه قتل يهودياً يتجسس على رجالات الثورة، وأبو عبدو الطويل قتل ابنته لأنها أقامت علاقة مع ضابط فرنسي، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات.

- أما في روايته ( أسرار النرجس ) نراه يجوب عالم «المحرم المكرّس» في دمشق، مخترقاً فيها الثوابت المتحجرة، واصفاً أزقتها وبيوتها المتلاصقة، وما تخفيه من أسرار خلف جدرانها العالية، من علاقات اجتماعية بين أفراد الأسرة الممتدة، بأسلوب شفاف لا يخلو من القساوة، قساوة المدينة ومناعتها في دمشق الستينيات.

- الحبيب العاشق أحب ياسين رفاعية نساء كثيرات، إلا أن حبه الكبير هو الشاعرة أمل جراح زوجته التي فقدها باكراً، وبرحيلها يعترف أنه فقد الإحساس بالوجود، الإحساس بأي طعم للحياة، لأنه فقد الحبيبة، والزوجة، والأم. وهو يرى حياته بعدها وقد تحولت إلى فوضى وعزلة وخوف مستمر، ورعب من كل شيء

- وفي روايته «الحياة عندما تصبح وهماً» يصور علاقته بزوجته راصداً لحظات الفرح والحزن والألم التي جمعتهما، مسترجعاً ذكرياته بدءاً من اللحظات الأولى لعشقه لها إلى أن ارتبط بها، ليروي تفاصيل فرحها، وعلاجها، وعطرها المفضل، وثيابها، وحتى اللقاء الجسدي بينهما. إنها ذكريات رجل عن امرأته التي غادرته بتفاصيل تفاصيلها، والتي لا يمكن نسيانها حتى بعد أن رحلت وتحولت حياته بعدها إلى جمود ورماد.

- الجسد وميض برق وفي روايته «وميض برق» يقدم بطل روايته في شيخوخته، وهو أرمل وحيد، لا أحد معه، حتى ابنه وابنته تزوجا وغادرا بعيداً، فيشعر وكأن شيخوخته ( عاهة ) لذا نراه يحتجب عن الناس، ولا يغادر شقته، يدور داخلها مسترجعاً ذكرياته بكل ما فيها، لديه وقت طويل ليتذكر، وهذا ما يستطيع فعله. يتمنى الموت ويراه قريباً وبعيداً في الوقت نفسه، وكأنه يمارس معه عمليات شد وجذب. إن الفرح نادر في هذه الرواية، كأنها منسوجة من الحزن وله.

- ورغم التنوع الإشكالي الذي نلمحه في أعماله الأدبية إلا أنه يعترف بأن مشروعه الروائي لم يكتمل بعد، فبذاكرته رواية لم تكتمل موجهة للمجتمع الإنساني الذي أصابه الجشع وتضارب المصالح والمال الذي يسود على كل شيء. والعالم برأيه عالمان، عالم الأغنياء الذين يموتون من التخمة، وعالم الفقراء الذين يموتون من الجوع.
المصدر- شرفات الشام

ايوب صابر 02-22-2015 11:09 AM

تابع والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 87- رأس بيروت ياسين رفاعية سوريا
- يقول" ما إن تصدمنا فاجعة حتّى يتحوّل كل شيء إلى نقيضه، وتصبح العاطفة غامضة ومبهمة، ويصبح الحزن جامحاً ملتهباً بالألم، يأخذ كل شيء في طريقه كالعاصفة التي تأخذ كل شيء في طريقها: البشر والحجر والرمال والغابات...

- إننا نتسلّق في الحزن درجات من الحدّة والعذاب، فتتغيّر الصورة، إنها تتحوّل جذرياً حتّى ليتغيّر نوعها، وتبدو الحياة في رمادها الأسود كما لو أنها كيانٌ آخر.


- وعندما يبلغ الحزن حدّه الأقصى نقترب من الجنون، أو في أبسط الأحوال من الهلوسة وضباب الرؤية. والحزن على عكس الفرح، هو إرغام جميع حواسنا وأحاسيسنا على الانحناء والقبول بما أراده الله لنا، لا نستطيع أن نناقش العدالة السماوية، وعقلنا أعجز من أن يحيط بستر الأقدار ومفارقات الحياة التي رسمها الله للبشر.

- يقول عنه رشاد ابو شاور : شخصيّاً لم أقرأ في السنوات الأخيرة رواية فيها كّل هذا الموت، والحب، ولوعة الفراق، كما في رواية (الحياة عندما تصبح وهماً). بطل الرواية يغسّل زوجته، يقلّب جسدها، يتأملها، يحوّل لحظة الفراق إلى حالة تأمّل محموم في سؤال الموت ولغزه.
- كان أول كتاب نشر له صدر في العام ( 1960 ) بعنوان «الحزن في كل مكان» عبَّر فيه عن قسوة الحياة التي عاشها منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره حين ترك الدراسة، والتحق بالعمل الشاق في ( فرن والده ).

- ياسين رفاعية الذي لم يكمل دراسته في المدرسة أكملها في مكانين اثنين شديدي الخصوصية والطقسية، * الأول: فرن أبيه، حيث كان يستمع لقصص عمال الفرن، ينصت بشغف لقصص عشقهم، ويتألم لألمهم، ويحزن لحزنهم، كانت معايشته لهم إبداع من نوع خاص، عرف من خلاله أبرز مقومات القص، وهما: الحياة والناس.
* أما المكان الثاني: فهو المقبرة، فقد كان يتردد عليها باستمرار، ويلتقي فيها بالقاص زكريا تامر، والروائي الفلسطيني يوسف شرورو، يتحاورون في الأدب، ويستمعون لقصة كتبها أحدهم. كان ياسين رفاعية يفرغ ضجيج الفرن في المقبرة حيث الهدوء والإنصات والوحدة المطبقة. ومنها تعلّم فن الصفاء والإصغاء.

- عاش ياسين رفاعية زمن الحرب الأهلية اللبنانية بظروف صعبة، تعرض فيها للخطف.

- بالإضافة إلى الترحال الدائم، وشظف العيش الذي عانى منه، مرت بحياة رفاعية أربع فواجع متتالية وهي: وفاة والدته، ووفاة والده، ووفاة زوجته، ووفاة ابنته.

- الحرب اللبنانية أثرت الحرب اللبنانية التي استمرت سنوات طوالاً في تكوين ياسين رفاعية الأدبي فكانت مادة خصبة للكتابة، ويعتبررفاعية الكاتب الوحيد الذي كتب عن الحرب اللبنانية الأهلية أربع روايات، وكل رواية تناولها من زاوية مختلفة عن الأخرى، وإن كانت في الحقيقة تكمل بعضها بعضاً. من «رأس بيروت» إلى «الممر» و «امرأة غامضة» وصولاً إلى «دماء بالألوان».

- الحارة الشامية غادر ياسين رفاعية دمشق وحاراتها العتيقة، إلا أنها ظلت تسكن بداخله يستعيد في كتاباته عنها طفولته ووقع شبابه، فكتب «مصرع الماس» التي تناول فيها مرحلة من طفولته المبكرة، حيث اكتنزت ذاكرته بالأحداث المتشابكة في دمشق الأربعينيات، تحدث فيها عن ( قبضايات الشام ) أبو عبدو الطويل، وأبو علي الماس. هؤلاء الرجال بلباسهم العربي الشعبي الكامل، وأخلاق أولاد البلد الذين يؤمنون بالشرف، شرف الوطن الذي لا يكون إلا بتطهيره من الاستعمار، لكنهم كانوا بنظر السلطة الاستعمارية مجرمين وقطاع طرق، هؤلاء هم أبطال روايته. «فالماس» كان مجرماً بنظر السلطة، لأنه قتل يهودياً يتجسس على رجالات الثورة، وأبو عبدو الطويل قتل ابنته لأنها أقامت علاقة مع ضابط فرنسي، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات.

- أما في روايته ( أسرار النرجس ) نراه يجوب عالم «المحرم المكرّس» في دمشق، مخترقاً فيها الثوابت المتحجرة، واصفاً أزقتها وبيوتها المتلاصقة، وما تخفيه من أسرار خلف جدرانها العالية، من علاقات اجتماعية بين أفراد الأسرة الممتدة، بأسلوب شفاف لا يخلو من القساوة، قساوة المدينة ومناعتها في دمشق الستينيات.

- الحبيب العاشق أحب ياسين رفاعية نساء كثيرات، إلا أن حبه الكبير هو الشاعرة أمل جراح زوجته التي فقدها باكراً، وبرحيلها يعترف أنه فقد الإحساس بالوجود، الإحساس بأي طعم للحياة، لأنه فقد الحبيبة، والزوجة، والأم. وهو يرى حياته بعدها وقد تحولت إلى فوضى وعزلة وخوف مستمر، ورعب من كل شيء.

- وفي روايته «الحياة عندما تصبح وهماً» يصور علاقته بزوجته راصداً لحظات الفرح والحزن والألم التي جمعتهما، مسترجعاً ذكرياته بدءاً من اللحظات الأولى لعشقه لها إلى أن ارتبط بها، ليروي تفاصيل فرحها، وعلاجها، وعطرها المفضل، وثيابها، وحتى اللقاء الجسدي بينهما. إنها ذكريات رجل عن امرأته التي غادرته بتفاصيل تفاصيلها، والتي لا يمكن نسيانها حتى بعد أن رحلت وتحولت حياته بعدها إلى جمود ورماد.

- الجسد وميض برق وفي روايته «وميض برق» يقدم بطل روايته في شيخوخته، وهو أرمل وحيد، لا أحد معه، حتى ابنه وابنته تزوجا وغادرا بعيداً، فيشعر وكأن شيخوخته ( عاهة ) لذا نراه يحتجب عن الناس، ولا يغادر شقته، يدور داخلها مسترجعاً ذكرياته بكل ما فيها، لديه وقت طويل ليتذكر، وهذا ما يستطيع فعله.

- يتمنى الموت ويراه قريباً وبعيداً في الوقت نفسه، وكأنه يمارس معه عمليات شد وجذب. إن الفرح نادر في هذه الرواية، كأنها منسوجة من الحزن وله. ورغم التنوع الإشكالي الذي نلمحه في أعماله الأدبية إلا أنه يعترف بأن مشروعه الروائي لم يكتمل بعد، فبذاكرته رواية لم تكتمل موجهة للمجتمع الإنساني الذي أصابه الجشع وتضارب المصالح والمال الذي يسود على كل شيء.

-العالم برأيه عالمان، عالم الأغنياء الذين يموتون من التخمة، وعالم الفقراء الذين يموتون من الجوع.

- البعض يعتبر ان قصصه مغرقة في تراجيديا الموت.

ايوب صابر 02-22-2015 11:12 AM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 88- عين الشمس خليفة حسين مصطفي ليبيا


- سيمضى وقت طويل ، ان كان في العمر بقية ، لتقع عيناي على كاتب له شفافية واخلاص وأمانة ونزاهة وصدق كاتب مثل خليفة حسين مصطفي ،

- ولا أبالغ إذا قلت انه مثال نادر الوجود في عصر التكالب على ماديات الحياة وضغوط الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشها أدباء الوطن العربي ، حيث لا إمكانية لان يعيش الكاتب مما يدره عليه إنتاجه الأدبي ، حتى لو كان هذا الكاتب هو العربي الأول الحائز على جائزة نوبل مثل الراحل نجيب محفوظ ، الذي أمضى في الوظيفة عمره كاملا حتى حان موعد إحالته على المعاش ،


- فما بالك من شاء حظه ان يولد ويتربي في أرياف الوطن العربي الأدبية ، حيث لا اعتراف من المجتمع حتى بوجود مهنة الكاتب أصلا ، ولكن خليفة حسين مصطفى اختار الطريق الوعر الذي لا يقدر على المشي فيه إلا رجال أشبه بالقديسين وأولياء الله الصالحين ،


- اختار ان يعيش ناسكا في محراب الأدب، يصرف جهده له، معطيا ظهره لكل ما تضج به الحياة العصرية من الضغوط والالتزامات والمطالب،

- يعيش على الكفاف، زاهدا متقشفا فقيرا، لا يداهن ولا يصانع ولا يبتذل نفسه ولا يرضى أن يَخْدِش شرف مهنة القلم التي اختارها واختارته ليكون مُتعبّدا في معبدها ، وراهبا من رهبانها ، وسادنا من سدنتها لا يغمض له جفن وهو يحرس موقع القداسة لديه كي لا تتسلل إليه قيمة هجينة ،

- يغزل من خيوط أنوار الصباح المتسلل عبر النوافذ والشرفات أثواب كائناته الشفافة ، ويزرع في أُصص الورد والزهور أجمل زهرات الإبداع لتكون هذه الحلل البهية وهذه الكائنات الشفافة وهذه الزهور العابقة بأزكى عبير ، هي العطاء السمح الكريم الجميل الذي يقدمه لأبناء وطنه وأبناء ثقافته من قُرّاء اللغة العربية .

- لقد جاء للحركة الأدبية العربية في ليبيا ليجد العطاء شحيحا والرصيد قليلا ، بل هناك أركان في حديقة الأدب أهملها من جاء قبله ، فلم يكن قبل ما أبدعه خليفة حسين مصطفى عطاء يذكر في مجال الرواية ،

- فكان هو الرائد الذي جاء إلى هذه الأرض العذراء، فعزق بريشة الإبداع أرضها وسمّد بحبر دواته تربتها , وروى بعرق جبينه الخلاّق الشتلات التي غرسها بيدي موهبته والتزامه وصبره وقوة عزيمته لتصبح أشجارا سامقة تعانق الأفق وهي مجموعة الرويات التي كانت أعمالا رائدة وضعت بلاده على خريطة هذا اللون الإبداعي ، ليجد من يأتي بعده ، الأرض قد تمهدت وارتوت وتسمّدت فيغرس ويجني ثمار الجهد والعرق الذي بذله المرحوم خليفة حسين مصطفي .

- رحيل خليفة حسين مصطفى بالنسبة لي رحيل لا مجال لتعويضه، فهو واحد من رفاق العمر، تعرفت عليه منذ مطلع حياته الأدبية عندما جاء إلى مجلة الرواد في الستينيات لينشر أولى قصصه القصيرة ،

- وفي مطلع السبعينيات ترك مهنة التدريس وانتقل لنعمل معا في صحيفة الأسبوع الثقافي التي أنشأتها وعملت رئيس تحرير لها مع فريق من الأدباء على رأسهم خليفة حسين الذي تفرّغ تفرغا كاملا للعمل في هذه الصحيفة الثقافية ،

- يحمل قلمه النزيه ، وأسلوبه الجميل ، ونفسه العامرة بالصدق والمحبة ، ليواكب إبداع المبدعين بالنقد والتعليق ، ويتابع المشهد الثقافي الليبي والعربي بمثابرة واجتهاد وإخلاص في سبيل أداء هذه الأمانة ، دون أن يتخلّى بطبيعة الحال عن مجاله الإبداعي ، حيث بدأ ، كما بدأنا جميعا بكتابة القصة القصيرة ،

- وكان خليفة حسين مصطفى فارسا من فرسان هذا اللون الأدبي ، يكاد يضاهي أعظم مبدعيه في العالم ، ولعلني لم انتبه لقوة وروعة وإبداع هذا الكاتب المتميز ، وأخذته في البداية على محمل انه كاتب جديد واعد ، إلا بعد ان قرأت قصة مذهلة له ، جعلها فيما بعد عنوان مجموعة قصصية هي توقيعات على اللحم ،

- الحقيقة أذهلتني هذه القصة ، التي كانت نسيج وحده فيما قرأته من قصص ،

- الأسلوب المتدفق العامر بالشعر وروح الخيال والفانتازيا ،

- المثقل بالرموز والإيحاءات والعوالم السحرية ، التي تتعامل مع واقع فج ، ركيك ، وربما مبتذل لا سحر فيه

- ولكن قوة الإبداع رفعت ذلك الواقع البائس التعيس إلى مستوى الأسطورة وحلقت به في عوالم سحرية، وجسدته حلما وأسطورة وواقعا ومأساة ومهزلة في ذات الوقت،

- لا أدري كيف ولكن خليفة حسين بأسلوب مذهل ، جديد ، طازج فعلها ، ومع عجائيبية عوالم القصة وغرائبيتها ولحم المومس التي تتوسط عالمها، والرجل يأتي للتوقيع على لحمها تجد نفسك مرغما تتوحد وتتماهي مع ذلك العبود من الطين البائس الذي يتجول فوق صفحات القصة ، ترى فيه نفسك، بل لا تري فيه نفسك فقط ، ولكن ترى فيه ذلك الجزء العميق ، الساكن في الأغوار البعيدة ملتحفا بالظلام مختبئا تحت طحالب البحيرات والمستنقعات الموجودة في عوالم العقل الباطن ،

- قصة مذهلة لا يكتبها إلا قلم نابغة من نوابغ الكتابة القصصية ، وكانت تلك ربما أول قصة أسعى لترجمتها لأني كرهت ألا يقرأها العالم كله وكان لا بد فيما بعد أن أسعى لترجمة قصص أخرى لأكمل بها مجموعة نشرتها ملحقا لمجلة أدبية ثم كتابا،

- وكل ذلك كان بدافع حبي لتك الجوهرة القصصية التي أظهرت لي منذ تلك السنوات المبكرة في مطلع السبعينيات أنّ خليفة حسين مصطفى موهبة خارج إطار المواهب والكتاب الذين تحفل بهم الحياة الأدبية في كل أركان العالم، وهم الذين يصنعون الضجيج ، ويشغلون المطابع ويُزاحمون بإنتاجهم الأسواق ويملأون بكتبهم أرفف المكتبات ،

- أما هذا القليل النادر من النابغين والعباقرة ، فهم من يبقى بعد أن يتراجع هذا الضجيج وينتهي هذا الزحام ونظرة إلى تاريخ الأدب في العالم تستطيع أن تؤكد لنا هذه الحقيقة، ولنترك الأدب العربي جانبا، ولنضرب مثلا بأدب مثل الأدب الايطالي، فكم كاتب تستوعبه ذاكرة القارئ الأجنبي من أمثالنا ، من جاليليو إلى مورافيا ، حتى بالنسبة لمتابع لمثل هذا الأدب من أمثال الأستاذ التليسي ، لا اعتقد انه سيذكر أكثر من عشرة أسماء على مدى عشرين قرنا سيكون من بينهم مثلا دانتي وبيرانديللو و اونغاريتي ، وإذا أدخلنا مورافيا وداريو فو وأمبرتو ايكو فبسبب المعاصرة ، وهذا ما يمكن ان نقوله عن أسماء نعرفها في الأدب الروسي أو الانجليزي أو الفرنسي أو الاسباني ،

- أذن فالنبوغ في الأدب شيء آخر غير التواجد في المشهد الثقافي كاتبا تنتج القصص أو الأشعار أو المسرحيات أو كتب النقد ، اعتقد جازما أن خليفة حسين واحد من هؤلاء النوابغ ، وعملا بما يقوله الشاعر الذي بقى مسافرا في الزمن العربي بعد أن سقط كثيرون آخرون وهو أبو الطيب المتنبي في بيت من أبياته عن النهايات التي تصل إليها الأشياء وهو وللسيوف كما للناس آجال

- فقد انتهت المدة التي كتبها الله لصحيفتنا الثقافية الأسبوع الثقافي ، وذهبنا نبحث عن فضاءات أخرى تستوعب مواهبنا وأفكارنا ونهرب إليها بأعمارنا ، فكان موسم الرحيل إلى واحدة من عواصم الشمال ، التي ذهبت اليها موفدا من الإعلام مستشارا إعلاميا ، وكانت سعادتي كبيرة عندما وجدت الصديق خليفة حسين بجرأة وشجاعة يلحق بي إلى ذلك الوطن ، لأنه رأي وهو يتحرر من التزامات العمل في الأسبوع الثقافي ، فرصة لاستكمال جانب في ثقافته هو معرفته باللغة الانجليزية ، التي لم يكن يعرف غير مبادئها ، وهي مبادئ لا تسعفه بالقراءة والحوارات الأدبية فجاء بأمل ان يتعلم هذه اللغة باحثا عن عمل لتمويل إقامته في العاصمة البريطانية ،

- وحيث انه كان صاحب خبرة في التعليم ، فلم يمض طويل وقت حتى وجد عملا في مدرسة أنشأها الليبيون وأسموها مدرسة عمر المختار ، تحت إشراف السفارة ، وتجاورنا في الإقامة في حي واحد ، والعمل في مكانين كلاهما في ظل السفارة في ذلك الوقت ، ولست بحاجة لان أقول ان وجود زميل مثله معي ، في تلك المدينة الباردة ، كان نسمة دفء تجعل البقاء هناك اقل ضجرا وأكثر بهاء ،

- وكان عوني وأنا أقيم جمعية خيرية للأدب كان هو واحدا من الأمناء فيها ومجلة لتقديم مختارات أدبية كان هو من يدعمني بالمشورة والنصيحة ، وكان أكثر من هذا وذاك قلبا عطوفا حنينا رحيما ، وشخصا له خفة الأطياف ، مهما صعبت ظروفه أو تراكمت العراقيل أمامه ، لا تسمع منه نامة تشي بذلك ولا تبدر منه حركة ولا تصدر اهة يمكن ان تسبب لك كدرا ، أو يرى فيها عبئا عليك ،

- واعتقد انه أثناء إقامته في لندن الذي ربما طالت لما يقرب من أربعة أعوام ، إن صدقت الذاكرة ، رأى ان الرواية هي مستقبل الأدب، ورغم اننا كنا نقدم أنفسنا باعتبارنا كتاب قصة قصيرة ، فلم نجد أو نسمع بين من رأيناهم من مبدعين ، بريطانيين أو غير بريطانيين ، من يسمي نفسه كاتب قصة قصيرة ، السائد لديهم والمتعارف عليه هو الروائي فلان ، هذا هو اللقب الذي يسبق كتاب الإبداع الأدبي حتى لو كان عطاؤهم الأكثر في القصة القصيرة فالاعتداد كان بالرواية ،

- واعتقد ان هذا هو ما جعله ومنذ الأشهر الأولى لرجوعه إلى ليبيا يعكف على كتابة الرواية بادئا بالمطر وخيول الطين ،ثم عين الشمس و جرح الوردة ، وتوالى بعد ذلك إنتاجه الذي رآه بعض النقاد متأثرا تأثرا كبيرا بالشكل الذي قضى دهرا يكتبه وهو القصة القصيرة ،

- ولكنه سرعان ما تخلص من آثار تلك المرحلة في كتاباته الروائية ، وانطلق في رحاب الرواية ذات النفس الملحمي فكتب رواياته ذات الإحجام الكبيرة والعوالم الزاخرة بالأحداث والشخصيات مثل الجريمة و ليالي نجمة وروايته الأخيرة الأرامل والولى الأخير

- ودون ان يتخلى عن كتابة نوعين من الأدب الإبداعي أولهما القصة القصيرة التي واصل فتوحاته فيها وتقديم انجازاته المتميزة من خلالها ،

- ثم مسرحياته التي وصل بعضها إلى تقديمه على خشبة المسرح المسرحيات التي تحمل طابع المفارقة والمعالجة الدرامية الساخرة ، ليصنع رصيدا في هذه المجالات ويحقق إضافات متميزة لا يضاهيه فيها أحد آخر ،

- ويصبح رمزا من رموز النهضة الأدبية الحديثة في بلادنا وصوتا من أصواتها القوية

- ولا أرى موته الذي جاء بعد معاناة مع المرض الخبيث ، إلا ولادة جديدة لهذا المبدع الكبير الذي يصدق فيه قول الصوفي الزروق الذي أورده الدكتور على خشيم في كتابه الزروق والزروقية اوما معناه، نحن قوم لا يفوح مسكنا إلا بعد ان تذوب في التراب عظامنا.

- نعم هو ميلاد جديد لكاتب اكتمل مشروعه ، وانتهت صلته بأرض المعارك والأحقاد والتنافس المريض أحيانا ، وصار الآن اسما مرسوما في سجل الخلود الذي يضم أسلافه الأدباء الذين التحق بهم في الدار الآخرة ،

- سيبقى أدبه يسجل شيئا من تاريخ هذه الأرض وأهلها مانحا صوتا لنضالاتهم ومكابداتهم ، مسلطا الضوء على واقع تاريخي صارت تغمره الآن مياه الزمان ، لكنه أنقذ في أعماله القصصية والمسرحية والرواية هذه العوالم من الغرق وأبقاها محفوظة لأجيال ستأتي في قادم العصور وتقرا عبر سطوره هـذا الواقـع وتتعــرف على هـذا التــاريخ .

- الآن ونحن نقول وداعا لصديقنا وعزيزنا وزميلنا المبدع الكبير خليفة حسين مصطفى، لابد ، ان ننتبه أيضا إلى درس تركه لنا ، وحياة تصلح ان تكون نبراسا للجيل الصاعد ، في غياب المثل والقدوة ، وسط واقع سادت فيه القيم الهجينة ، وصارت فيه الفهلوة والشطارة والأكاذيب هي سيدة الوقف ، انه في النهاية لا يصح إلا الصحيح ، وان الإنسان الذي يغادر هذه الدنيا لا يستطيع أن يأخذ معه إلى هناك شيئا من الأموال التي اكتنزها أو الوظائف التي استولى عليها أو الجاه الكاذب الذي حققه بالتزوير والتزييف ، لن يأخذ إلا ما منحه للحياة من خير وما قدمه للناس من عطاء وإبداع سيكافئه عليه خالق الكون جل جلاله مصداقا لقوله تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} .

- نعم يترك خليفة حسين مصطفي بجوار أعماله الأدبية المثل والقدوة وقيم الحق والخير والنزاهة والأمانة، والتعفف عن الصغائر، ورفض التكالب على مطابع الحياة ومكاسبها الزائلة ،

- ليهب حياته للإبداع

- فللإبداع عاش وفيه أفنى عمره

- وحقق من خلاله فتوحات أدبية لم يسبقها إليه احد في التاريخ الأدبي لهذا القطر العربي .

- وإذا كان لابد أن نقول شيئا في ختام هذه الكلمة الحزينة فهي ان هذا الكاتب الذي عاش يكتب في صمت ودأب لا بد أن يلحقه شيء من الإنصاف بإعادة نشر أعماله، والعناية بأسرته الصغيرة التي بقيت دون عائل، وتكريمه بتسمية أحد الشوارع باسمه وإقامة مؤتمر يسلط الأضواء على مشروعه الأدبي بعد أن وصل هذا المشروع إلى تمام نضجه واكتمل بوفاة صاحبه.

من مقال بقم : د. أحمد إبراهيم الفقيه

ايوب صابر 02-22-2015 02:55 PM

تابع....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 88- عين الشمس خليفة حسين مصطفي ليبيا


- خليفة حسين مصطفى ولد وعاش في مدينة طرابلس ، الشارع الغربي ، عمل مدرساً في مدارس ثانوية للبنات تارة وللبنين أخرى ، سافر للدراسة إلى لندن وعاد بحصيلة لغوية مكنته من قراءة الكثير من الأدب الإنجليزي والغربي عموماً بلغته الأصلية ، ما يعطي للقراءة ميزة الوقوف على المعنى والمضمون ، دون انتظار الترجمة التي تجيء أحيانا تجارية وأخرى غير متطابقة مع المراد والمطلوب .

- جلس أخيراً مترئساً القسم الثقافي بيومية الشمس ومجلة الأمل للطفل رئيساً لتحريرها عضواً برابطة الأدباء والكتّاب ، وشارك في العديد من لجان التقييم في المسابقات الأدبية الشبابية والعامة .

- أصدر المجموعة القصصية حكايات الشارع الغربي فقدم العائلة الليبية التي تقيم في طرابلس، وتشترك في بيت واحد مع أكثر من عائلة أخرى ، وكيف هو التواد والتراحم بين الأسر .
- ولأنه كاتب يشاكس كثيراً في نصوصه ، فقد أثارت حكايات الشارع الغربي الكثير من الأقلام التي تناولتها ، وبرغم الفقر الواضح في الإمكانات النقدية ، نشرت عنها الصحف المحلية عديد الآراء من كتّاب لهم حضورهم النقدي مثل : الأستاذ رضوان أبوشوشة والأستاذ الأمين مازن ، والمرحوم نجم الدين الكيب .

- ثم حفّزنا لاستقبال جرح الوردة

- وعاجلنا بعدها بعمله المميز ليالي نجمة التي تحدث عنها الدكتور علي فهي خشيم باعتبارها عملاً يستحق أن يشاد به ، وتخصص له الإمكانيات لتحويله إلى مسلسلات اجتماعية وسياسية ، ترصد الوضع الذي عايشه الناس في بلادنا خلال فترات الاحتلال الإيطالي وما بعدها .
- إن ليالي نجمة تقدم تأريخاً اجتماعياً شبه دقيق لفترة من الحياة ، شهدت تقلبات هامة كان لا بد من رصدها وتوثيقها .
- وكان التناول لدى هذا الروائي بلغة سهلة ممتعة ، بسيطة ودقيقة في جملها ومعانيها ، شاملة للعديد من الصور والتحولات .
- من هنا يجوز لي اعتبار هذا الكاتب خليفة حسين مصطفى واحداً من تلك الأسماء التي قدمت نفسها للقارئ العربي في حضرة إنتاج روائي قصصي متفرد وله خصوصيته .
- ولذلك فلا عجب إذا لوحظ أن هذا الاسم يحظى بكثير من الجدل ذلك أنه ينجز مشروعه الروائي ويقول بلغة واضحة ما يريد قوله، وهذا ما دفعنا للجلوس معه في حوار قصير، لكنه حوار يعنى بالوقوف على فهم ما لم يقله بعد، وترصّد ما يمكن أن يكون ، ففتح السجال طويلاً حول الرواية الليبية والمناخ الثقافي والأصوات القادمة من رهط قادم يعلن عن حضوره بشيء من الثقة ، ودون استعجال نراه في أسماء جديدة صارت تطرح حضورها .
- يقول عن نفسه " لقد انصب كل اهتمامي على كتابة الرواية فصدر لي على التوالي رواية ليالي نجمة التي تقع في تسعمائة وخمسين صفحة ومن بعدها رواية الأرامـل والولـي الأخيــر ولديّ رواية تحت الطبع بعنوان متاهة الجسد . * وجدت مشقة في الكتابة الروائية ؟
- إن كتابة الرواية تحتاج إلى التفرغ بحيث يستطيع الكاتب تنظيم وقته وتكريس كل دقيقة فيه للكتابة ، وإذا ما تركت المسألة للصدفة أو للظروف أو أن تكون كتابة في الزمن الضائع فإن حصل ذلك فإن الكاتب لا يمكنه كتابة سوى عمل واحد قد يستغرق منه كل سنوات عمره،فالرواية هي فن الإرادة والنظام والمثابرة والسيطرة على الوقت ، بحيث لا يكون هناك أي تشويش خارجي أو أي التزامات فيما عدا ما تتطلبه العملية الإبداعية.

*- لقد توقفت عن كتابة القصة القصيرة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن ، لأنني لم أعد أجد الوقت الكافي للانشغال بالقصة القصيرة إلى جانب الرواية .

- ومع ذلك فإنه لا يوجد ما يمنع الجمع بينهما ولا أظن أن الكتابة القصصية تؤثر في كتابة الرواية أو العكس ، فالإبداع في الاتجاهين واحد ، وكمثال على ذلك فإن الكاتب الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز يكتب الرواية والقصة القصيرة وكذلك الأمر بالنسبة إلى نجيب محفوظ وحنّا مينا وغيرهما من الكتّاب والأدباء .

- بالتأكيد الصورة ليست واحدة فهناك تغير وتطور . ولكنه ليس التغير أو التطور الإيجابي . فأنا ألاحظ أن الحالة الإبداعية في مرحلتها الراهنة تزخر بالشعر لدى الأصوات الجديدة أكثر من أي شيء آخر ، وكأن الأمر مسألة استسهال لهذا الفن بالتحديد . فالقصيدة النثرية أصبحت ساحة مفتوحة لكل وافد ، سواء كان موهوباً أم لا ، ففي مقابل كاتب قصة قصيرة نجد عشرة شعراء ، وفي مقابل كاتب روائي واحد نجد نفس العدد من الشعراء .

- وبما أن الإبداع حالة فردية وذاتية نجد أن هناك تراكماً في النصوص الإبداعية سواء هذه التي تنشر في الصحافة أو التي تصدر في كتب ، ولكن الرداءة هي الغالبة على هذه النصوص . وهذا يعود كما قلت إلى الفوضى الأدبية وعدم وجود تقاليد وعدم وجود حركة نقدية مؤثرة .

- منذ ما يقرب من ستة أشهر بدأت كتابة رواية جديدة موضوعها الرحالة الأوروبيون الذين توافدوا على ليبيا من دول أوروبية مختلفة ، وبالتحديد من بريطانيا وألمانيا في القرن التاسع عشر . وكان هذا الموضوع يشغل ذهني منذ فترة طويلة ، وكان يجب التحضير له بشكل جيّد بالعودة إلى قراءة كل ما كتب عن هذه المرحلة من تاريخنا الحديث ، وكل ما يتعلّق بها من أحداث وتطورات على المستويين الداخلي والخارجي وما لاحظته أثناء قراءتي لما كتبوه من مذكرات وأبحاث عن رحلاتهم في الصحراء الليبية ، هو أنهم جاءوا تحت ستار البحث والدراسة العلمية والكشف الجغرافي والتعرف على شعوب وأقوام أخرى . ولكن الواقع الآخر لم يكن كذلك ، فقد كانت مهماتهم استعمارية من الألف إلى الياء ، فما كتبه الرحالة لم يستفد منه أحد سوى حكوماتهم التي أرسلتهم وقامت بتغطية نفقات سفرهم والمعلومات التي كانوا يجمعونها والخرائط التي يرسمونها تصب في هذا الاتجاه .

- ويقول " الكتابة الإبداعية لا علاقة لها بالأحلام أو الأمنيات، وإنما تتوقف على الجهد والمثابرة لإنجاز عمل روائي جيّد يصنف على أنه إضافة نوعية للرواية الليبية ، وليس مجرد تسجيل رقم جديد في سلسلة الأعمال المطبوعة .
- هنا بهذه الجمل المختصرة ينتهي حديث الأستاذ خليفة ونكتشف أننا سجلنا له حواراً لم يسبق أن صرّح به حول الشعر الحديث وقصيدة النثر ورأي صريح في كتّاب القصة ممن ظهروا في المدة الأخيرة .
من مقال بقلم : سعيد المزوغي


ايوب صابر 02-22-2015 03:00 PM

تابع...تابع....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 88- عين الشمس خليفة حسين مصطفي ليبيا


- لا أذكر أول مرة قابلت فيها الأستاذ المبدع خليفة حسين مصطفى وهي بالتأكيد في إحدى الفعاليات الثقافية حيث أن هذا الروائي يحرص على المشاركة والحضور إلى كل نشاط ثقافي أو فني ينظم بغض النظر عن الجهة التي تنظمه نظراً لأنه لا ينتمي إلا لشلة الأدب والفن حيث السطور البليغة والألوان التي تمنح الروح فضاءات أكثر سكوناً وعمقاً.

- ولم يكن حضور الأستاذ الروائي خليفة حسين مصطفى لأي منشط ثقافي حضوراً شكلياً أو من أجل المجاملة بل كان حضوره دائماً فاعلاً ومشاركاً في المناقشات ومستمعاً للأوراق والمواد الإبداعية من قبل المشاركين على الرغم من ركاكتها أحياناً وبعد أن يمنح مدير الفاعلية الاستراحة للمشاركين يخرج هذا الأستاذ بهدوء ليقف قرب أول نافذة ويشعل سيجارته وبعد أن ينقض الزحام حول البوفيه والشاي والقهوة يتناول كوباً ويملؤه بالشاي يحتسيه على مهل.

- التقيته أكثر من مرة في أنشطة رابطة الأدباء والكتاب في مقرها المزال الآن بحي الاندلس وأكثر من مرة في المكتبة المركزية وفي المركز الثقافي التونسي وفي مجلة المؤتمر وفي أمانة الثقافة وكلما التقيه أحرص على مصافحته وإن كان لديه وقتاً نتحدث قليلاً لكن تحدثنا كثيراً أكثر من مرة في مكتبه بمؤسسة الصحافة بمجلة الأمل وتناقشنا في فن كتابة الرواية.

- فكان لا يوافق ما يكتب حديثاً وينحاز دائماً للانضباط والنظام والجدية في كتابة الراوية..

- ويقول أن الرواية تحتاج إلى وقت وتفرغ ومواصلة الكتابة من دون توقف.. وأبدى آراء متباينة في ما يكتبه الشباب الآن.. وكان يشعر بالسعادة كلما قرأ إصداراً جديداً ووجده جيداً سرعان ما يمسك قلمه ويكتب ما تجود به أحاسيسه من محبة عن ذلك الإصدار.

- ذات يوم استدعاني الأستاذ محمود البوسيفي إلى مكتبه ووجدت بجانبه الأستاذ خليفة حسين مصطفى الذي يبدو خجولاً وهادئاً ومبتسماً ومدّ لي مخطوط تقودني نجمة " رواية " ولم يعرف كيف يكلمني لكنه نصحني أن أغير الكلمات البذئية الخادشة للحياء والذوق العام بكلمات عربية تؤدي المعنى نفسه ولا تسبب خدشاً ولقد كانت نصائحه محل تقدير في نفسي وشعرت بأن الكتابة فن ومع الفن لابد من استخدام القليل من الذكاء والمكر.

- تناقشت معه في موضوع دخول أعماله إلى العالمية أو الانتشار على الأقل خارج ليبيا في الوطن العربي بصورة مرضية والحقيقة أنه لم يتذمر وكان كل همه ليس المال أو الشهرة إنما استكمال مشروعه الروائي كما ينبغي وكما يريده..

- منذ مدّة أخبرني أنه يكتب رواية موضوعها الرحالة الأوروبيين في أفريقيا والصحراء الكبرى وليبيا واقتنى الكثير من الكتب الباهظة الثمن وأذكر أنني قلت له حينها إن هذا الموضوع يا أستاذ خليفة سيدخل بقية رواياتك إلى العالمية لأن موضوع الرحالة مقبول من قبل الغرب وإن اشتهرت هذه الرواية فستمد الحبل إلى كل أعمالك الأخرى لتنقذها من التجاهل وقلة الاهتمام وفرحت كثيراً لصواب اختيار الموضوع والتقيته بعدها بشهور وسألته عن هذه الرواية بالذات فقال لقد توقفت وسألته لماذا؟ فقال الإلهام.. عندما أشعر بالإلهام أكتب وعندما يذهب الإلهام في إجازة امنحه إياها وانتظره..

- هذا يعني أنه مبدع حقيقي وليس صانع روايات أو قصائد ككثيرين..

- وإنصافاً لهذا الأديب صاحب القلب الطيب والابتسامة الهادئة أنه قد قادني من دون أن أشعر كي أكتب عن ليبيا أي أكتب عن المكان الذي أعيش فيه

- وروايته ليالي نجمة.. قادت الكثيرين لتناول المدينة القديمة سواء في بنغازي أو درنة أو طرابلس في كتاباتهم.. وعندما نقرأ بعض آراء النقاد خاصة الأستاذ يوسف الشريف نجد أن رأيه لا توجد رواية ليبية إلا عند خليفة حسين مصطفى وتوجد روايات تتحدث عن أمكنة أخرى تجد فيها كل شيء إلا ليبيا

- لقد استفدت من الروائي خليفة حسين مصطفى حسن اختيار المكان وهو جعلني لا ابتعد وأكتب عن هنا عن ليبيا واعتقد أن الروائي إبراهيم الكوني والروائي أحمد إبراهيم الفقيه قد وعيا هذا الموضوع وهذا الأمر وركضا سريعاً بسردهم إلى هذا المضمار الليبي الثري فولجاه من باب التاريخ الذي يمكنك ضبط ساعته على الوقت والتاريخ الذي يمكنك أن تتوقف عنده وترى ذلك جلياً في روايات الكوني الأخيرة" نداء ما كان بعيداً " وفي الاثنى عشرية خرائط الروح لأحمد إبراهيم الفقيه.

-موقع السلفيوم

- اختار ان يعيش ناسكا في محراب الأدب ، يصرف جهده له ، معطيا ظهره لكل ما تضج به الحياة العصرية من الضغوط والالتزامات والمطالب، يعيش على الكفاف ، زاهدا متقشفا فقيرا
- أنّ خليفة حسين مصطفى موهبة خارج إطار المواهب والكتاب الذين تحفل بهم الحياة الأدبية في كل أركان العالم ، وهم الذين يصنعون الضجيج ، ويشغلون المطابع ويُزاحمون بإنتاجهم الأسواق ويملأون بكتبهم أرفف المكتبات ، أما هذا القليل النادر من النابغين والعباقرة ، فهم من يبقى بعد أن يتراجع هذا الضجيج وينتهي هذا الزحام ونظرة إلى تاريخ الأدب في العالم تستطيع أن تؤكد لنا هذه الحقيقة،

- أذن فالنبوغ في الأدب شيء آخر غير التواجد في المشهد الثقافي كاتبا تنتج القصص أو الأشعار أو المسرحيات أو كتب النقد ، اعتقد جازما أن خليفة حسين واحد من هؤلاء النوابغ ، وعملا بما يقوله الشاعر الذي بقى مسافرا في الزمن العربي بعد أن سقط كثيرون آخرون وهو أبو الطيب المتنبي في بيت من أبياته عن النهايات التي تصل إليها الأشياء وهو وللسيوف كما للناس آجال

-واضح ان سر عبقريته يكمن في الموت والا لماذا كان اول مؤلف له بعنوان "صخب الموتى" لكننا لا نعرف على وجه التحديد سر علاقته مع الموت. وللاسف لا يوجد تفاصيل عن طفولته كما هو الحال عند كل المبدعين العرب، لكن يمكننا ان ندعي انه عاش مأزوما وسر ازمته الموت اين كان شكله واثره .

من مقال بقلم : محمد الاصفر


الساعة الآن 02:10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team