منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 09-30-2014 12:45 AM

تابع....والان العناصر التي صنعت الروعة في رواية 60- دعاء الكروان طه حسين مصر

- كاد أن يرتبط اسم الكروان ودعاؤه باسم عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ارتباطا أبديا.
- وهي رواية تتكون من خمسة وعشرين فصلاتظهر فصولها مرقمة بدون عناوين وهو ما كان سائدا في تلك المرحلة حيث لم تكنكتابة الرواية تعتمد على ((العتبات النصية )) أو ((عناوين الفصول)).
_ يعتمدالدكتور طه حسين على المكان أكثر من الزمان في تحريك شخصياته..وهي دلالة رمزية على الشلل في الحراك الزمني في تلك الحقبة الزمنية وهو مما يعطي شيئا من النقد المبطن للأوضاع السياسية في تلك المرحلة من التاريخ المصري....في الثلاثينات على الأقل كما يشير إلى ذلك التاريخ الذي ذيلت به الرواية في الفصل الأخير...
- لم تظهر الخلفية السياسية واضحة في الرواية ولكن الكاتب اعتمد على إشارة عكسية في الرواية وهو الاشارة الى التفكك الاجتماعي في الطبقات الفقيرة والأقل حظا من التعليم والحياة الرغيدة....
- ونقدا مبطناأيضا لطبقة كبار القوم في مرحلة الثلاثينات حيث كان المجتمع المصري يمر بمرحلةأفول نجم الباشوية وازدياد النقمة على الضغط النفسي والاقتصادي على عموم الناس بسبب ازدياد الطموح السياسي والاقتصادي لأفراد تلك الطبقةالبرجوازية...
- تتحرك الشخصيات في نطاق جغرافي ضيق.. وهي محاولةللاشارة الى تشابه المأساة وان بأساليب أخرى في انحاء مصر بل والعالم العربي....فورد قرى ومدن بدون اسماء...
- لم يكن يعتمد الدكتور طه في روايته على الوصف الدقيق للمكان ولا حتى للايحاء بكثرة بتفاصيل المكان...بل كان معظم طوافه هو في نفسيات الشخصيات في الرواية ووصف علائق بعضها ببعض ...

-وكأنه كان يوفر على القارىء جهد البحث في العلاقات الداخلية..

- وبطبيعة الحال فهذامن سمة الروايات ذات الطابع الكلاسيكي .
- تبدو الرواية مبتعدة عن التركيب والايحاء اللغوي المكثف والترميز .
- .وان كان فيها شيء غير قليل من التأمل لذلك تكون الرواية بداية جيدة لكل من يريد ولولج عالما لرواية..

ايوب صابر 10-01-2014 11:19 PM

تابع....والان العناصر التي صنعت الروعة في رواية 60- دعاء الكروان طه حسين مصر

من دراسة أية احمد حول الرواية

- ملخص الرواية:*تحكي الرواية عن (آمنة) التي انتقلت مع أختها و أمها الى المدينة عقب وفاة أبيها، و عملن كخادمات. لكن اختها (هنادي) وقعت ضحية للمهندس الذي كانت تعمل لديه،حيث اعتدى عليها و حطم حياتها. ثم قتلت (هنادي) أمام أعين أختها على يد خالهما. فقررت (آمنة) الانتقام لأختها، فعملت لدى المهندس، الا أنها لم تقوى على ذاك الانتقام، حيث أغرم كل منهما بالاخر. و لكن طيف (هنادي) كان يقف حائلا بينهما. فصارحته (آمنة) بكل شىء، ولكن رغم هذا لم تتغير مشاعر أي منهما تجاه الاخر، و عجزا عن الفراق.*

- الشخصيات:الرئيسية: الأم (زهرة) - آمنة - هنادي – المهندس.ا
- الثانوية: المأمور- زوجته - ابنته (خديجة) – العمدة - النسوة في دار العمدة ( زنوبة – خضرة – نفيسة ) – الخال- سكينة - البستاني.*
- الكروان: الكروان بمثابة بطل غير منظور من أبطال الرواية، حيث يتكرر دعاؤه و تتكرر مناجاة (آمنة) له.*
- شخصية الأم:هي شخصية نمطية لأم من أهل البادية، تعيش حياة متواضعة مع زوجها وابنتيها. يسهل فهم ضعفها و قلة حيلتها *خلال حديث امنة عنها:"و انها لفي ما هي فيه من اشفاق وغيرة وفزع، إذ جاءها النبأ بأن زوجها قد صرع...فإذا الرجل قد ذهب ضحية شهوة من شهواته الاثمة...و إنما هو العار كل العار قد ألم بهذه المرأة البائسة".و يتوالى ظهور ضعفها مع تطور الأحداث، فبعد هذا العار تترك القرية مع ابنتيها و تذهب الى المدينة و يعملن كخادمات. ثم بعد تعرض هنادي للخداع من قبل المهندس تترك المدينة بغير هدف محدد و تستعين بأخيها، الذي ظنت أنه سيساعدها، الا أنه يقتل ابنتها و تظل هي فيما هي فيه من ضعف الحيلة لا تتحرك ولا تفعل شيئا.*
- شخصية آمنة: هي شخصية واضحة يسهل فهمها من خلال حديثها عن نفسها حيث تقول: "كنت صبية بائسة يائسة قد شوه البؤس و اليأس شكلها" ، كما تقول: "و كنت أتكلم لغة فجة خشنة غليظة هي لغة أهل الريف" ، وأيضا: "و إذا أنا أختلف مع الصبية الى الكتاب فأتعلم كما تتعلم". فهي ليست تلك الشخصية الثابتة وانما هي شخصية تتطور و تتغير مع توالي الأحداث، حيث كانت في البداية فتاة ريفية ساذجة ، و لكنها شغفت بالعلم و حرصت عليه و نالت منه ما تريد. كما أنها عرفت حياة الترف و الرخاء بعد كل ما لقيته من البؤس و الشقاء، فأصبحت سيدة منزل ولديها العديد من الخدم ،بعد أن كانت هي التي تخدم الآخرين.كما أننا لا نستطيع تجاهل الجانب العاطفي ، فبعد أن كانت تود الانتقام من المهندس و تراه آثما شغفت به و أحبته ولم تحتمل فراقه.وهي لا تعد شخصية نمطية فهي في الواقع حالة فردية. فليست كل فتاة ريفية تذهب الى المدينة تستطيع مواكبة نمط الحياة هناك و تستطيع أن تثقف نفسها رغم عملها كخادمة و تستطيع أن تصل الى ما وصلت اليه آمنة.أما فيما يتعلق بعلاقتها مع الآخرين فقد كانت تحنو على أمها و أختها و تحبهن و تشفق عليهن. و لم يتعرف عليها أحد الا و أحبها ابتداءا من خديجة، التي كانت آمنة تعمل لديها ثم أصبحتا صديقتين و انتهاءا بالمهندس ، الذي أحبها و تغير من أجلها.*

- شخصية هنادي:هي شخصية نمطية لفتاة ريفية ساذجة ، تأتي الى المدينة فتنبهر بما ترى، ولكنها لا تغير من نفسها لتساير تلك الحياة الجديدة، حيث تقول عنها آمنة: "و لكنها ظلت كما أقبلت..ريفية بدوية لا تقرأ و لا تكتب* كما كنت أقرأ و أكتب، ولا تحسن من أمور الترف شيئا". الا أنها تتعرض للخداع من قبل فتى المدينة -المهندس- الذي استغل برائتها و سذاجتها و أدى الى موتها على يد خالها.

- شخصية المهندس:*تتضح تلك الشخصية من خلال حديث آمنة عنها، حيث تقول عنه في البداية: "ذلك الشاب الرشيق الأنيق ذو الوجه الوسيم" ، ثم تقول بعد حادثة هنادي: "إنما هو صائد يحتبل الفتيات احتبالا و يختلبهن اختلابا....إذن فقد خان هنادي ولم يحفظ لها عهدا....و هو يضيف اثم الخيانة الى اثم الغواية". إذن فهو ذلك الشاب العازب الذي يتقرب الى الفتيات، يسحرهن بحديثه، يقوم بغوايتهن حتى ينال مبتغاه. ولكن هذه الشخصية لم تظل كذلك ، فقد تغير تغييرا جذريا بعد أن عرف آمنة وأحبها. فبعد أن كان يراها صيدا ثمينا يود افتراسه،أصبح يحترمها و يقدر تلك اللحظات القليلة التي يتحدث فيها معها، وحتى بعد معرفته حقيقة الأمر لم يقو على فراقها.و تعتبر شخصية المهندس حالة فردية ، فليس كل شاب يعيش في المدينة يتربص بالفتيات و يعمد الى إيذائهن.*

- *الراوى:تتم رواية الأحداث هنا على لسان المتكلم. فتتولى (آمنة) مهمة سرد الوقائع و التعليق عليها. وقد انتقد البعض الكاتب لاختياره فتاة ريفية لم تنل قسطا كافيا من التعليم-امنة- لكي تقوم بدور الراوي.و البعض الاخر رأى أن الكاتب قد جعل هذا منطقيا، حينما تحدث عن ملازمة (آمنة) لـ (خديجة) و مشاركتها لها في القراءة و الدرس. و في رأيي أن ما يجعل الأمر منطقيا أكثر هو أن (آمنة) تحكي القصة بعد مرور أكثر من عشرين عاما على حدوثها. فهي تحكي بشخصية جديدة و اسم جديد، فقد أصبح اسمها(سعاد) و أصبحت تعيش في رغد من العيش، يؤهلها للحصول على القسط الذي تريد من العلم و الثقافة. و هذا الأسلوب في الحكي هو ما يعرف بالاسترجاع أو (الفلاش باك)، أي أن تبدأ البطلة القصة من النقطة التي انتهى اليها مصيرها.*

- المكان:يعكس المكان في بداية الرواية المستوى الاجتماعي الذي انتهت اليه حياة آمنة. فالكاتب يصف بيتها وصفا تفصيليا يجعلنا ندرك مدى الرخاء الذي وصلت اليه، ويتضح ذلك في قولها: "و أنا أمد عيني الى المرآة أمامي و أثبتها في أديمها الصافي الصقيل"، ثم تقول: "و أقف عند ما يملأ هذه الغرفة من أدوات الترف و النعمة فأطيل النظر اليه". ثم يوضح الكاتب من خلال وصفه للمكان التباين بين حياة الريف و حياة المدينة ، كما يوضح المستوى الاجتماعي الجديد الذي انتقلت اليه أسرة آمنة. فبعد أن أن وصف القرية الصغيرة التي عاشت فيها آمنة مع أسرتها، انتقل بنا الى وصف المدينة: "حتى ينتهين الى هذه المدينة الواسعة ذات الأطراف البعيدة و السكان الكثيرين، و التي تشقها الطريق الحديدية نصفين..."، ثم يوظف الكاتب المكان بعد ذلك لتصوير الحياة الشاقة التي عاشتها تلك الأسرة في المدينة ، فبالرغم من اتساع المدينة و جمالها ، الا أن آمنة كانت تعيش مع أسرتها في حجرة ضيقة قذرة، كما وصفتها، و كانت تضيق بهذه الحجرة و تكرهها. ثم يصور بعد ذلك دار الضيافة في بيت العمدة و اتساعها و حجراتها الكبيرة وكثرة من يسكنون بها ، كي ينقل لنا مدى اغتراب تلك الأسرة داخل ذلك المكان الكبير الذي لا يعرفون به أحد.**

- الفترة الزمنية التي تغطيها أحداث الرواية:تبدأ الرواية من اللحظة التي انتهى اليها مصير البطلة ، فيما يعرف باسم الفلاش باك. وتتحدث البطلة عن فترة شبابها منذ انتقالها من الريف الى المدينة، وما واجهته مع أسرتها وصولا الى حياتها المترفة. ولم يكن طه حسين يقفز بالأحداث أو يختصر بأي شكل من الأشكال ، فلم يقل مثلا: و بعد مرور عدة شهور أو حتى عدة أيام . الا أنه لم يكن أيضا يعطي الحدث أكثر من الوقت الذي استغرقه، فقد كان هناك توازن الى حد ما بين فترة استمرار الحدث و الفترة التي استغرقها الكاتب في الحديث عنه.**

- الأسلوب:اعتمد د/ طه حسين على الوصف التفصيلي الدقيق للشخصيات و الأماكن و الأحداث، حتى أن القاريء يكاد يشعر أنه يرى كل ذلك و يعايشه. فهو يصف دار الضيافة في بيت العمدة، و لحظة اقبال النسوة على الطعام و طريقتهن في الأكل. كما أسهب في وصف شخصيات مثل (زنوبة) و (خضرة) و (نفيسة) و غيرهن. ويلاحظ القاريء أيضا قلة الحوار، و أحيانا يفضل الكاتب العدول عن الحوار تماما و الاكتفاء بسرد مضمونه مثل حديث (آمنة) مع أختها: "فأنبأتها بمقدم خالنا، و بأننا مرتحلات في أكبر الظن، إذا أسفر الصبح، و جعلت أزين لها الرحيل". وأحيانا أخري يمنح طه حسين القاريء استراحة من توالي الأحداث فيقف معلقا عليها مثل قوله : "و أي قلب لا يخاف على فتاة غرة لم تتجاوز الصبا تسعى وحدها في الطريق العامة إلى غير غاية.....لك الله أيتها الفتاة الناشئة! إلى أين تذهبين؟". أما الأسلوب اللغوي فلا يخلو من وضوح و جلال وفخامة هذا الى جانب الحرص على سلامة التركيب ، فرغم استخدامه لهذه اللغة الرصينة، الا أن القارىء لا يكاد يشعر بأي صعوبة في فهم الكلمات . كما يتميز الأسلوب أيضا بخصائص الاستحضار والتأكيد وكلاهما ينبع من حرصه على التأثير في القارئ واقناعه بما يقول.

- تحليل المضمون:تقوم الرواية على ثلاثية (الخطيئة والثأر والحب) ، ومن ثم فهي رواية عاطفية ، مع ذلك تمثل الرواية *صورة من كفاح الطبقة الفقيرة الكادحة في محاولة للتغلب على تعاستها. حيث وظف الكاتب الشخصيات القادمة من الريف الى المدينة لينقل تصور هؤلاء عن المدينة و كيفية الحياة بها وما وجدوه من واقع تلك الحياة. ومن المنطلق العاطفي نرى أن العاطفة هي لب هذه الرواية ، بداية من الفزع و التمرد على مصرع هنادي، ثم الكراهية و الاصرار على الثأر من المهندس ، وصولا الى الحب الذي يصبح قدرا لا مفر منه. و من المنطلق الأخلاقي نجد الكاتب يشجب المأساة و يدينها ، لأنها جريمة فقط لا غير ، لأنها قبل كل شيء عدوان أثيم على روح آدمية و اراقة لدم بريء.

ايوب صابر 10-02-2014 06:07 AM

تابع....والان العناصر التي صنعت الروعة في رواية 60- دعاء الكروان طه حسين مصر

من دراسة يسري عبد الغني عبد الله
باحث ومحاضر في الدراسات العربية والإسلامية

- دعاء الكروان عمل روائي ، يجمع بين التركيب والبساطة ، ففيه من الرواية : هيكلها العام ، ونسيج الأحداث ، وصور الشخصيات .
- وفيه من النثر الفني تلك المباشرة في تحديد الهدف الأخلاقي أو الاجتماعي ، والقصد إليه دون مواربة أو غموض .
- وفيه منه كذلك : أسلوب أنيق رقيق ، يمزج الفخامة بالوضوح ،
- وفيه من الشعر : روحه ، ونبرته الذاتية ، واسترسالاته الغنائية .
- وفيه إلى جانب ذلك كله طعم المأساة حين يعصف الثأر بزهرة غضة لم تكد تستقبل إشراقة الصبح ، وإطلالة الندى .
- أما البساطة فتتجلى في المضمون الروائي ، وفي قلة الأحداث ، والميل إلى التجريد ، والتجافي عن الانفعالات المبالغ فيها ، والمشاهد الميلو درامية الصارخة التي لا جدوى منها .
- إن دعامة المأساة في رواية دعاء الكروان ، تنهض على دعامتين أساسيتين : الأولى : الثأر الثانية : الحب .
- وتسهم العادات والتقاليد والأعراف والبيئة ، أي : ثقافة المجتمع بكل مفرداتها ، تسهم بوجه عام في التمهيد لهذه المأساة ، وتخطيط مسارها .
- والبيئة هنا هي صعيد مصر بكل موروثه في الحفاظ على العرض ، وتطهيره بالدم إذا شابته أقل شائبة .
- وأما الضحية فهي (هنادي) التي هاجرت مع أختها (آمنة) ، وأمها (زُهرة) من قريتهم (بني وركان) إثر مصرع رب العائلة في حادثة أخلاقية ، وفي مهجرهن بإحدى مدن الأقليم يقدر لهنادي أن تعمل في خدمة مهندس شاب يعيش بمفرده ، بينما تخدم آمنة في بيت مأمور المركز ، وتستقر الأم في بيت موظف من موظفي الدائرة السنية .
-فجيعة أخرى تتسرب في أعماق آمنة لتزيدها إصراراً على الثأر لأختها من ذلك المهندس الشاب الذي أغواها ثم غدر بها .
- موضوع هذه الرواية إذن هو: (الخطيئة والثأر والحب) ، ومن ثم فهي رواية عاطفية / تحليلية بالدرجة الأولى .
- ولقد تمثل رواية دعاء الكروان لعميد الأدب العربي الدكتور / طه حسين مع ذلك صورة من كفاح الطبقة الفقيرة الكادحة في محاولة للتغلب على تعاستها .
- ولنا أن نميز بين جزئين ، الجزء الأول من الرواية نرى فيه فتاة تسعى إلى التحرر بلا وعي ولا تفكير مرسوم ، وإنما هو مجرد صدام عريان غير متكافئ مع قوى الظلم ، ينتهي إلى النتيجة المنتظرة أو المتوقعة ، وهي موت هنادي بيد خالها .
- والجزء الثاني نرى فيه فتاة أخرى (آمنة) قد تسلحت بنور المعرفة وقوة العقل ، وعملت على تفادي الصراع الدموي مع المجتمع ، وتحويل هذا الصراع نفسه إلى صراع نفسي وفكري .
- غير أن لب الرواية ومحركها الأول يظل ـ قبل ذلك وبعده ـ محكوماً بمنطق تحليل العاطفة ، ويعقبها فزعاً وتمرداً على مصرع هنادي الضحية البريئة .ثم نقمة وكراهية وإصرار على الثأر من المهندس الجاني ، ثم حباً ينمو على استحياء متأرجحاً بين ذكرى الأخت (هنادي) وكبرياء الأنثى (آمنة) ، ولكنه لا يلبث أن يصبح قدراً لا مفر منه ، وإذعاناً لا ثورة بعده ، واستسلاماً لا رجوع فيه .

- إلى جانب هذا المنهج في التحليل العاطفي ، تبدو في الرواية نزعة كلاسيكية أو فلنقل : ملامح ومظاهر كلاسيكية ، تتمثل في اختيار موقف روائي أثير لدى أقطاب الكلاسيكية الأوربية ألا وهو : موضوع حب الأعداء .
- كما تتمثل في حضور سلطة العقل (تحكم العقل وانتصاره ) في وعي البطلة (آمنة) بذاتها حتى في أحرج اللحظات وأكثرها صعوبة ، وهل ثمة ما هو أوضح في الدلالة على هذا من مسلكها ساعة يعرض عليها المهندس فكرة الزواج .
- في رائعة الدكتور / طه حسين (دعاء الكروان ) ، أناك جانب نقدي يشجب المأساة ويدينها ، وهو يدينها لأنها جريمة فقط لا غير ، ولا لأنها نتاج التقاليد البالية فحسب ، بل لأنها أولاً وقبل كل شيء عدوان أثيم على روح آدمية ، وإراقة لدم بريء . أي أن المنطلق النقدي في التحليل الأخير هو منطلق أخلاقي صرف ، وإنساني بحت بالدرجة الأولى .
- وهنا أيضاً لا تخون الكاتب نزعته الكلاسيكية في التصوير ، حتى في تلك المشاهد العنيفة بطبيعتها ، مثل مشهد مصرع هنادي على يد خالها ، نرى الدكتور / طه حسين يلجأ إلى ماكان يلجأ إليه أعلام المدرسة الكلاسيكية في فترة ازدهارها ، من رفق في التناول ، وقصد في إثارة الانفعالات والمشاعر ، وحرص عام على ذكر ما يليق دون أدنى توتر ، أو أقل تصعيد لا مبرر له ، إلى حد أن مجرد عرض منديل (ديدمونة) على خشبة المسرح كان كافياً لأزعاج الهدوء الكلاسيكي عند مشاهدي مسرحية (عطيل ) للشاعر والمسرحي الإنجليزي / وليم شكسبير .

- نلمس في الرواية عزوفاً عن إثارة القارئ المتلقي بالتفاصيل الفاجعة واللقطات الدرامية الصارخة أو فلنقل اللقطات المليودرامية ، حتى أن مصرع هنادي يتم إبلاغه لنا في جملة إخبارية واحدة وهي : "وإذا أختي قد صرعت ، وإذا خالنا هو الذي صرعها " .
- كما نلمس عنصر النقد في الرواية من منطلق أخلاقي وإنساني بحت ، وهذا العنصر يتجلى في صورة حكم قاطع بالإدانة ، فالحدث جريمة منكرة ، والخال مجرم أثيم ، والقتيلة هنادي ضحية بريئة .
- ربما لا حظنا مع ذلك أهمية الدور الذي يلعبه طائر الكروان لا في ذلك المشهد الذي عرضنا له آنفاً وحده ، بل وفي كل فصل من فصول الرواية .
- فالكروان بمثابة بطل غير منظور من أبطال الرواية ، ويتكرر دعاؤه ، وتتردد مناجاة البطلة آمنة له في صدر كل حدث ، وفي خاتمته .
- حتى لك أنه اللازمة اللحنية التي تتردد بين فواصل النغم فتزيد عناصره وحدة ، أو لكأنه الاستجابة النفسية يفيض بها صدر البطلة فتعقب على كل ذكرى وصدى وجدانياً لكل واقعة تحدث لها ، أو تعايشها .
- وبذا يمكن القول بأن رواية دعاء الكروان يتم على مستويين : 1 ـ المستوى الأول : مستوى النسيج الخارجي للأحداث أو الإطار الخارجي لها .2 ـ المستوى الثاني : المستوى الداخلي ، المتمثل في علاقة آمنة بطلة الرواية بطائر الكروان ، باعتبار هذا الأخير رمزاً لغناء التأثر من ناحية ، ولذكرى هنادي الأخت الصريعة من ناحية أخرى - إذا كان الكاتب الروسي الشهير / تشيخوف قد سمي أحد مسرحياته الشهيرة (طائر النورس ) .، كما أطلق الأستاذ / توفيق الحكيم (عصفور من الشرق ) عنواناً لواحد من أهم كتبه ، والذي صدر سنة 1938 م ، وأقام الأستاذ / عباس محمود العقاد للكروان ديواناً في الشعر العربي الحديث ، إلا أنه سوف يظل للدكتور / طه حسين أنه أول من جعل الكروان بطلاً من أبطال الرواية المصرية والعربية الحديثة .
- تتم رواية الأحداث في رواية (دعاء الكروان) على لسان المتكلم ، والمتكلم هنا هو آمنة الشخصية المحورية أو الرئيسية في الرواية .
- وآمنة تتولى سرد الوقائع ، والتعليق عليها ، وتقدم لنا زاوية الرؤية الأساسية في الرواية ، بطريقة تشعرنا بأنها تحمل وجهة نظر المؤلف (الدكتور / طه حسين) ذاته .
- وقد كانت هذه الطريقة في إدارة الرواية أو القالب الروائي ، على لسان بطلة لم تنل حظاً وافراً من التعليم ، مبعث نقد عنيف من قبل بعض الباحثين ، الذين لا حظوا اتساع الهوة بين شخصية الرواية ، ومستوى الأفكار التي تعبر عنها ، والأسلوب الذي تترجم به عن هذه الأفكار .
- تقوم الرواية على ما يعرف في النقد القصصي باسم الاسترجاع أو الفلاش باك ، أي أنها تبدأ من تلك النقطة التي انتهى إليها مصير البطلة بعد أن تزوجت من المهندس الشاب الثري ، وأصبحت آمنة سيدة تحيطها آيات الترف والنعمة ، وترمقها العيون بمزيد من الحسد والإعجاب .ثم لا تلبث آمنة أن تشعر بشيء من الكبرياء الغريب ، حين تتذكر صورتها منذ أكثر من عشرين عاماً ، وهي ما تزال صبية بائسة يائسة ، وتسير المقارنة في وجدانها ذكرى هنادي أختها التي قتلت على يد خالها ، فلا يلبث الحزن العميق أن يغمر جوانحها ، ولا تلبث خيوط المأساة أن تتجمع في خواطرها من جديد ، فتعقب على الأثر بقولها : "إن في أحداث الحياة وخطوبها لعظات وعبراً " .ثم تسرع آمنة في حكاية قصتها من أولها ، وبمعنى آخر تبدأ في حكاية الماضي منذ البداية .
- كل حدث فرعي يسهم في رسم بيئة الرواية أو يلقي الضوء الكاشف على ملامح أبطالها .
- وكل شخصية رئيسية كانتأو فرعية في الرواية تشترك في دفع حركة الرواية إلى الأمام قدماً ، وتقوم بدورها ، مهما قل حجمه في تطور الأحداث خلال الرواية ، وهذا رأي الدكتور / علي الراعي .
- فإذا التمسنا معاً سبباً لما عساه أن يلاحظ أحياناً من فضفضة في قالب رواية (دعاء الكروان ) ، فسوف لا نعثر عليه في الأحداث الروائية ، أو الشخصيات ، بل سنجده في تلك الاسترسالات ، التي يمكن أن نطلق عليها : استرسالات غنائية ، التي تقطع ديناميكية أو استمرارية الفعل الروائي ، وتفسد تدفقه ، دون أن يكون لها مع ذلك كبير صلة بالموقف الذي تساق .
- يلاحظ براعة الدكتور / طه حسين في رسم شخصياته الثانوية ، واستخدامه لهذا الغرض التفصيلات الواقعية الدالة والمعبرة ، وكذلك الأوصاف الدقيقة التي تعبر لنا بخلاء ووضوح عن هذه الشخصيات الثانوية .
- على الرغم من صغر دور الشخصيات الثانوية لكننا نجد بان طه حسين رسمها بدقة متناهية ، جاعلاً إياها تنبض بالحياة والحركة ، وتسهم في رسم البيئة العامة المحيطة بها ، والتي يجري فيها الحدث الروائي .
- على حين يستخدم المؤلف التفصيلات الواقعية في رسم الشخصيات الثانوية خلال الرواية ، نراه يلجأ إلى الوصف الشاعري ، واللمسات التقريرية في تحديد الشخصيات الرئيسية في العمل الروائي .
- كثيراًما يلجأ طه حسين في روايته إلى التحليل النفسي ، واستبار الشعور ، أي اختبار المشاعر بغية إضاءة الجانب الشعوري والعاطفي في الشخصيات ، وتخطيط ملامحها النفسية .
- بل أنه قد يعمق هذا التحليل النفسي أحياناً ، وتنهار فيه حواجز المنطق والتفكير العاقل المرتب حتى ليتحول إلى ما يعرف في النقد الأدبي بوجه عام ، والقصصي بوجه خاص باسم : تيار الوعي أو التداعي الحر .
- يلاحظ مدى انعكاس اللحظة النفسية على درجة شاعرية الأسلوب ، وغناه بالمشاعر والانفعالات الفياضة المعبرة .
-ربما كانت هذه الروح الشاعرة التي تظلل الأسلوب في الرواية ، بالإضافة إلى قلة الأحداث ، وغلبة لحظات الاستبطان النفسي ، والاسترسالات الغنائية ، ربما كان هذا جميعه وراء تركيز المؤلف الدكتور / طه حسين ، على السرد القصصي ، وقلة الاحتفاء أو الاهتمام بالحوار . فالحوار في دعاء الكروان قليل ، وهو مع قلته لا ينسجم تماماً مع طبيعة الشخصية التي تشترك في الحوار ، لعلو نبرته ، وكثافة محتواه الفكري .
وقد تطول الجملة الحوارية أحياناً طولاً غير مألوف ، حتى يفقد الموقف الذي نتابعه حيويته وحرارته .
- وأحياناً يفضل أستاذنا العميد / طه حسين العدول عن الحوار تماماً ، والاكتفاء بسرد مضمونه .
- أما أسلوب الرواية وطريقتها اللغوية فلا يختلفان كثيراً عما تعودناه من طه حسين من فخامة ، ووضوح ، وجلال ، وهو أسلوب نحس فيه دائماً إنعكاس الموروث الأصيل الجميل ، وأصالة المعاصرة .
- وأسلوب العميد يعتمد اعتماداً كلياً على : استقصاء المعنى ، وإشباع الفكرة ، وتشقيق التعبير بشتى الطرق والوسائل .
- كما يتميز أسلوبه المتفرد بخصائص الاستحضار أو الحيوية ، والتأكيد ، وكلاهما نابعاً من حرص العميد على التأثير في القارئ أو المتلقي ، وإقناعه بما يقوله .
.

ايوب صابر 10-02-2014 06:08 AM

تابع....والان العناصر التي صنعت الروعة في رواية 60- دعاء الكروان طه حسين مصر

- ومن وسائل الأستاذ العميد / طه حسين في استقصاء المعنى ، وإشباع محتوى الجملة ، تركيزه على كل من التشبيه و الكناية بمختلف أنواعهما ، وكذلك استخدام أسلوب العطف ، وتعاقب النعوت والأوصاف ، حتى لا يكاد يخلو تركيب من إحدى الخصائص المذكورة .

- فالنتأمل معاً ـ على سبيل المثال ـ كيف تقترب آمنة بطلة القصة من أختها هنادي الذاهلة ، مواسية ومصبرة لها ، ولنتأمل رحلة الأسلوب الطويلة من أجل تغذية هذه اللقطة السريعة .

- يمكن ملاحظة ام لديه تلك الركائز الأسلوبية المتفردة التي عرف بها عميد الأدب العربي الدكتور / طه حسين ومنها عنايته البالغة بتصفية لغة الرواية وصقلها ، هذا إلى جانب الحرص على سلامة التركيب ، وأناقة في اختيار المعجم الروائي دون أدنى معاظلة أو ابتذال .

- فالرجل يدرك تماماً أن المضمون العظيم يستتبع بالضرورة شكل عظيم ، بعيداً عن التقريرية المباشرة أو الدعائية الممجوجة التي لا تنتج أدباً جميلاً عظيماً ، أدباً يعبر عن واقعنا ، في نفس الوقت الذي لا يهمل فيه مقاييس الفن الجميل الذي يثري الوجدان ، ويرتقي بالمشاعر والأحاسيس .

ايوب صابر 10-09-2014 11:56 AM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 61- فساد الامكنة صبري موسي مصر

- «فساد الأمكنة» رواية مصرية تنفرد في أجوائها الغريبة

- ينطبق على رواية «فساد الأمكنة» القول تماماً بأنها علامة فارقة في الرواية العربية.

- فهي لا تُحيلنا الى عمل سابق او لاحق من أعمال مؤلفها صبري موسى، ولا الى الرواية العربية عموماً.
- ومقارنة هذه الرواية، مع «حادث النصف متر»، الرواية الأولى والسابقة للمؤلف، تشي بأن موسى شاء ان يسلك سبيلاً في القصة مختلفاً عما اختطه في عمله الأول.

- اما مقارنتها بما سبقها من أعمال روائية مصرية وعربية عموماً، فأنه ليدل على سعي الى إنشاء سرد جديد ومناطق خيال غير مطروقة من قبل.

- بيد ان ما أتى به الكاتب وغيره من كتّاب القصة والرواية يدل على ان «فساد الأمكنة»، وعلى رغم أثرها في نفس القارئ، لم تُرس نمطاً من الرواية مختلفاً-

- الرواية كانت قد كُتبت عام 1970 متسلسلة اولاً في مجلة «صباح الخير»، ثم أعيد إصدارها في كتاب بعد اربعة اعوام على ذلك.
- وما هذا في الحقيقة الاّ لأن الرواية تبدو ثمرة لقاء نادر او اجتماع عناصر لا يمكن لها ان تجتمع أكثر من مرة واحدة.

- بل ان هذه الفكرة بالتحديد، اي اللقاء النادر او اجتماع ما لا يمكن اجتماعه غير مرة واحدة، تكاد تلازم كل بُعد من أبعاد هذه الرواية.

- وعلى ما يخبرنا الكاتب في المقدمة فإن فكرة الرواية تعود الى ليلة قضاها في «جبل الدرهيب» بالصحراء الشرقية قرب حدود السودان، اي انها ثمرة لقاء غير مدبر بالجبل الذي سيكون مسرح حوادث القصة بل وأحد شخوصها الأساسيين.

- فإذا ما جئنا الى بطل الرواية نفسه، اي نيكولا، ألفيناه مزدوج الندرة من حيث حضوره في مثل هذا المكان وفي السرد العربي عموماً.

- فهو المهاجر من مدينة روسية صغيرة، مقيماً في تركيا تارة وفي إيطاليا تارة أخرى، لا يُقرّ بوطن أصلي وبما يجعله أبعد ما يكون عن الشخصية الاوروبية (الخواجة) في القصص العربي.
- وحضور نيكولا شأن حضور ماريو المهندس الايطالي والباشا المصري والخواجة انطون وإيليا، ابنة نيكولا، ولاحقاً حضور صاحب العرش وحاشيته الباحثون عن ضرب من اللهو واللذة مختلف يستجيب الى شهواتهم الجامحة، لهو حضور إنساني دخيل، غير محتمل، ولا يؤدي في النهاية الى ولادة ما هو جديد، وانما الى صراع قدري ومأساة.

- لعل في مثل هذه النهاية دلالة غنية ليس على طبيعة هذا الاجتماع الدخيل ولكن ايضاً على طبيعة السرد الروائي الذي بقي يتيماً في القصة العربية.

- والصراع الذي يقع ليس ذلك الصراع الأزلي ما بين الطبيعة والانسان، وإنما بين الأهواء والنوازع والمعاني المنسوبة الى كل من يلعب دوراً في هذه الحكاية ـ ما بين الاتحاد والانفصال والتفكك، ما بين البراءة والفساد، وما بين العطاء المنظم والجشع.

- بيد ان تضارب هذه المعاني والقيم لا يتولد عن حكاية رمزية او أمثولة ساذجة، حيث يكون هناك من الشخصيات ما يمثل البراءة من جهة وما يمثل الفساد، من جهة ثانية.

- فالصراع المعني قدرياً ومأسوي النهاية على وجه ما يكون في المأساة الإغريقية، ليس بين قوى الخير والشر وإنما بين قوى متكافئة، إن في الصلاح او الإثم، وهو ما يجعله مأسوياً اصلاً.
- فنيكولا وإيليا وكيرشاب وإيسا ضحايا المأساة، يظهرون من جانب البراءة والاتحاد والعطاء، وفي الوقت نفسه هم ليسوا ابرياء تماماً من المشاركة في الفساد والجشع، من الشهوات المحرمة والكبرياء المسرفة والادعاء.

- نيكولا، مثلاً، يحاول الاخلاص لتلك الوحدة الطبيعية التي يمثلها الجبل والمقيمون بجواره منذ البدء. وهو يحاول الذوبان فيها واتخاذها موطناً وأصلاً، غير ان وجوده هناك انما هو تواطؤ في عملية انتهاك هذه الوحدة وافشاء اسرارها واستنزاف ثرواتها.

- وتواطؤ نيكولا هذا لا يقتصر على قيادة حفر أنفاق في الجبل واستخراج ما في جوفه من معادن، في اطار عملية لا غرض لها سوى الكسب الخالص، ولكن ايضاً في الشهوة المحرمة التي تراوده تجاه ايليا.

- فهو وان لم يثر او يُشبع شهوته، فإنه لا يختلف كثيراً عن الخواجة انطون او حاشية السلطان ممن يتخذون الطبيعة وسيلة للثراء المجرد من اية قيمة او معنى، او موضوع اشباع رغباتهم المحرمة والشاذة.

- ولئن وقع فريسة إحساس مطبق بالخطيئة، وهو ما يدفعه في النهاية الى الفتك بإبنته ووليدها، بإعتبارهما مظهريّ الخطيئة، فليس نتيجة الالتباس العقلي الذي يُلمّ به.

- على العكس من ذلك، فإن الالتباس العقلي لهو نتيجة إحساس دفين بالخطيئة يتعاظم ويظهر على سطح وعيه بما يؤدي الى الالتباس المذكور. ففي دخيلة نفسه يدرك انه قد أخل بالعلاقة الطبيعية التي تربطه بإبنته وبالمكان نفسه.

- فالشهوة التي تراوده تجاه ايليا لهي خيانة للعلاقة الطبيعية التي تربط الأب بالابنة.

- وهو من خلال تواطئه مع أمثال الخواجة انطون قد انتهك العلاقة الطبيعية القائمة ما بين الجبل واولئك الذين يأتون طالبين ما يحتاجونه من خيرات، ومن ثم فإنه يخون المكان الذي شاء ان يتخذه موطناً.

- وإذا ما كان هذا الاجتماع غير المألوف لشخصيات وعوامل مختلفة الأصل والطبيعة قد كشف عن منطقة خيال جديدة في القصة العربية، فلقد أملى لغة سرد مفارقة للغات السردية السابقة، سواء تلك التي أرسى كاتب شأن نجيب محفوظ أسسها، ام تلك التي اشتغل عليها وابتكرها كتّاب شأن يوسف ادريس، ومن بعده يحيى الطاهر عبد الله ومحمد البساطي وابراهيم أصلان وجمال الغيطاني وغيرهم من كتّاب جيل الستينات الذي ينتمي صبري موسى اليهم أصلاً.


- فليست مرجعية المخيلة القائمة خلف «فساد الأمكنة» مألوفة او مشتركة مع أعمال سابقة بما يجعل الإحالة واضحة والدلالات والمعاني الواردة محددة.

- ومن هنا كان لا بد من سرد ذي طاقة مجازية عالية يفي غرض وصف وجود غير مألوف واخبار حوادث تاريخية وراهنة نادراً ما ترد الاحالة اليها في اللغات السردية والمتداولة، فضلاً عن غرض الإحاطة بمعانٍ شأن البدء والبراءة والاتحاد والفساد والخطيئة والجشع بوصفها معانٍ كبرى ومطلقة.

- يحاول المؤلف الاستعانة بأساطير ادبية عريقة وخرافات شعبية ومحلية، شأن حكاية عروس البحر، بيد ان الجهد الأكبر في استيفاء اغراض السرد انما يقع على عاتق اللغة المجازية نفسها.

- فعلى هذا النحو يسوق لنا الراوي صورة المكان: «لو أتيح للملمح ان يكون مرئياً لطائر يحلق عالياً، محاذراً في دورانه المغرور ان تصطدم رأسه المريشة بقمم الصخور ونتوءاتها، لرأى جبل الدرهيب هلالاً عظيم الحجم، لا بد انه هوى من مكانه بالسماء في زمن ما، وجثم على الارض منهاراً متحجراً، يحتضن بذراعيه الضخمتين الهلاليتين شبه وادٍ غير ذي زرع، أشجاره نتوءات صخرية وتجاويف، احدثتها الرياح وعوامل التعرية خلال آلاف السنين».

- فالرائي المفترض (الطائر) ومنطلق الرؤية (من أعلى) واللغة المجازية المستخدمة في وصف ما يمكن رؤيته، تتضافر جميعاً لتضعنا ازاء عالم ناء، بل أسطوري الطبيعة بحيث يستحيل عقلنة ما يجري فيه من خلال الاستناد الى معاني حياة الاجتماع الانساني المتداولة.

- ولا غرابة اذا ما بدا السرد في بعض الأحيان «توراتي» الصدى وتجريدي الطابع.

- فحيال صورة البدء الاسطورية وما تنطوي عليه من بُعد وفراغ، يواجه المخيلة، لا مناص في النهاية من لغة استعارية تنبري لملئ المسافة الفاصلة ما بين المتلقي والصورة: «أيليا شهوة جامحة.. كما ان الجبل شهوة جامحة، كما ان تلك الصحراء من حوله، بسكونها الصوفي، شهوة كبرى جامحة».

- مثل هذا التعويل على المجاز يدل على ان لغات السرد السابقة على ظهور هذه الرواية ما كانت لتستوفي شروط ولادة القصة.

- بيد ان هذا التعويل بالذات يدل على ان هذه اللغة ما كانت لتصلح لأي عمل آخر ما عدا هذه الرواية الفريدة اليتيمة.

ايوب صابر 10-10-2014 08:42 PM

تابع ...
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 61- فساد الامكنة صبري موسي مصر

- إننا، مع «فساد الأمكنة»، إزاء نص نادر، رغم سهولة البحث له عن أصول ووشائج تصله بمرحلة الستينات، في الرواية المصرية.

- ويبدو أن إيقاع «الموال» هو الأنسب للتعامل مع رواية تجمع بين الأغراض الإنسانية الكبرى، وبناء «النشيد» الذي يبقى حكرا على كتابات الشرق القديم، وما تناسل منها من مدونات تحاورها أو تتعامل معها،

- لهذا، ولسواه، من السهل جدا أن نقع في هوى هذه الشخصيات التي تتحرك وسط ديكور بدائي، يحيل على العالم قبل ظهور الخليقة، وصور شخصيات مستعارة من الواقع والأسطورة في آن واحد، ويتناول أحداثا يعسر تخيلها خارج هذا الإطار.

- والرواية تبطن أشتاتا من العجائبية السحرية النابعة من تراث عشائر الجنوب.

- فالبناء الداخلي ينسجم مع المرجع الخارجي واللغة، ليصهرهما ضمن رؤية واحدة تولد واقعا جديدا مختلفا: إنه عالم الرواية، حيث يعيد المبدع تنظيم الكائنات وتصنيفها، حيث يشوش الوجود ليبتدعه من جديد!

- لهذا يبدو أن الصحراء تستحضر البداية والنهاية، تستدعى المدينة والبيداء،

- يقول صبري موسى: في الصحراء حياة كاملة تجمع بين البدو والمناجم ومشروعات التعدين. لأنها منطقة ثرية للغاية. كان يخيل إليّ أنني أول من يضع قدمه على ترابها..!

- النص يصور المرحلة الأخيرة من نفوذ الأسرة المالكة في مصر، قبيل الثورة الناصرية، حيث كان من السهل أن ينقض الخواجات الأجانب على أحد المناجم المتناثرة في الجنوب المصري، يشتغلون ويساومون ويداورون ويبتزون!

- ومن الواضح أن منطق السرد في هذه الرواية يعتمد الحذف والاستبدال والتكثيف والإشارة والتضمين، لكنه يستعمل فنيات «الإرجاء» بلا منازع، لذلك يبدو مبدأ التصريح والإعلان ضامرا إذا ما قورن بمبدأ الإهمال والتغاضي!

- تستهل الرواية بفصل افتتاحي موسوم بعنوان «الدرهيب، ملمح شبه نهائي» يوحي بالبداية والنهاية، بالفتح والإغلاق، في وقت واحد.

- تتوالى المقاطع في شكل تبرير تدريجي للمشهد الافتتاحي، حتى ندرك الفصل الأخير الموسوم بـ«فصل ختامي» فنجد أنفسنا، عودا على بدء، إزاء الملمح نفسه: ثلج وخراب.. و«نيكولا يتأمل البيوت الخشبية حيث كانوا يروحون ويجيئون، يعملون ويأكلون ويلعبون». ونحن لا نشك في أن الأسطورة والحلم يدعمان هذه البنية القائمة على التفكك والعود الأبدي.

- والملاحظ أن «فساد الأمكنة» رواية توغل في اعتماد لغة شعرية صافية.

- ومما يسمح بمثل هذا التكثيف الشعري ذي السمات الأسطورية استخدام الكاتب عدة فنيات وصياغتها ضمن قوالب تجعل من الجبال والصحارى، والإنسان والمعادن، عناصر تتفاعل في فضاء غير نهائي، في أرض «لا يحكمها أهلها.. وينزح إليها كل راغب فينقب ويستخرج ترخيصا بالحفر، فيصبح مالكا لواحد من هذه الجبال التي لا يملكها أحد حتى الآن..!»

- إننا إزاء مشاهد خارقة ترى فيها المسموعات وتسمع المحسوسات والملموسات. فقد ولدت اللقيا بين البحر والجبل والمدينة والصحراء والسماء والأرض وأعماق المناجم فضاء جديدا خارج الحدود والأطوار، هو فضاء الرواية، الذي تقام فيه الطقوس والشعائر البدائية وتنذر القرابين. ويبدو أن رحلة الصيد التي يصحب فيها الملك الصغيرة «إيليا»، يلوثها وينتهك براءتها ويدفع بوالدها نحو الجنون، تمثل أوج هذا النص الفاجع.

- فالدرهيب تملأه كائنات تهيمن على الجبال والوهاد والبحر، وعبد الله كريشاب يضاجع عروس البحر تحت أنظار ملك مصر وحاشيته، وجسم الملك نفسه يمسخ في نظر إيليا ليكون كائنا بدائيا مثل السمكة المتوحشة! أما إيسا فيصبح شبيها بإبراهيم يدخل النار دون أن يمسه سوء! لقد كان إيسا- سارق السبيكة- يدرك أنه قد أخذ حقه، وأنه لم يغتصب شيئا من أحد! «بل لعله وقتها كان ينظر بغريزته الصافية في أغوار الزمن القديم، فيرى النمرود يدفع إبراهيم إلى اللهب فيخرج منه سليما معافى، أو يرى معجزة بابل القديم، حين ألقى «نبوخذ نصر» بثلاثة من رعاياه في النار موثقين فخرجوا منها محلولي الوثاق، ثم لم تمس النار حتى ثيابهم».

-إنها تركيبة تبتعد عن المعتاد لتجعلنا إزاء «غذاء جبلي لا يعرفه حقا سكان المدينة!»

-إزاء رواية تقول في لغتها الراقية ما يعسر أن تقوله رواية أخرى!

- هنا يتحول الإنسان إلى كائن ملحمي، وتصبو الحياة إلى منطق الفن، فنتجاوز قوانين العقل والوضوح لمجابهة الحضارة الحديثة بكامل عدتها وعتادها!

- ينبغي أن نقر بأننا إزاء نص تحدث فيه الأفعال وتوجد الأشياء لحظة تسميتها، فتتحد حقيقة المبدع المرجع للإقرار بأن الرواية تتوسل بالشعر لتقول اختلافها، واختلاف صاحبها.. وبحثه عن نص مغاير نابع من رؤية مغايرة!

من مقال *د. صلاح الدين بوجاه*
كاتب وناقد تونسي.

ايوب صابر 10-11-2014 01:45 PM

تابع ... والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 61- فساد الامكنة صبري موسي مصر

- من لم يقرأ صبري موسى ويستمتع بتلك الأنشودة العذبة من أناشيد الإبداع العربي ، فقد فاته الكثير، وعليه أن يعوض هذا الذي غاب عنه بأن يطالع ما خطه قلم هذا الكاتب الرقيق والمثقف صاحب الرؤية العميقة دون صخب، والذي قدم للمكتبة العربية عدداً من الأعمال الأدبية ذات النفس المتفرد،

- تأتي فى ذروتها واحدة من أجمل الروايات العربية وهى" فساد الأمكنة "

- التي اقتحمت مبكراً مسارين جديدين على مستوى الشكل والمضمون، وكانت دون أدنى شك وبالإجماع بللورة فنية لا تزال تشع بهاءها على أفق يتجاوز الخريطة الإبداعية العربية،

- فعلى مستوى الشكل ارتادت " فساد الأمكنة " عالم الواقعية السحرية قبل أن تبلغنا إبداعات أدباء أمريكا اللاتينية،

- ووضعت تحت أعين القارئ عالما غريباً ومدهشا ، لم يتم البناء عليه واستثماره بأقلام أخرى إلا فى النادر.

- وعلى مستوى الموضوع أنقذت الرواية نفسها - إذا جاز التعبير - من الوقوع فى أسر المعتاد والسائد، سواء بالكتابة عن المدينة أو القرية، ورحلت إلى الصحراء، وبالذات المنطقة المجهولة جنوب الصحراء الشرقية لتقدم لنا عملا فاتنا بكل معنى الكلمة.

- تمتاز اعماله بتلك الطبقات السردية التي تمضى فى سلاسة مع تنوع أساليب الطرح .

- معتمدا لغة بسيطة وعميقة ودالة خالية من البلاغة الاستعراضية والتقليدية ،

- كتابات صبري مثله ، هادئة فى السطح، موارة في الأعماق ، وتحمل الكثير من الخصوبة والتجديد دون ضجة ، إذ ليس من بين سماته الشخصية محاولة لفت الأنظار على أى نحو ، ويمكن القول انه من الفريق الذي يقول كلمته ويمضي.

- ولا تعد كتابته للسيناريو والحوار للأفلام التي ظهرت على مدى عشرين عاما من قبيل "السبوبة" وأكل العيش، ولكنها أولا تنطلق من الاختيار الحر والإعجاب السابق بنصوصها وثانيا لأن ما قدمه فيها من تقطيع سينمائي وبناء درامي وأحداث وحوار ينبثق من رؤية مثقف كبير وإنسان مصري يحس بإحساس المجتمع والناس حسب الفترة التاريخية لكل عمل،

- كان صبري ولا يزال فى كل الأحوال ذلك الفنان المرهف الذي تربى فى فيض من مشاعر الحب والإحساس بالجمال إبان فترة الطفولة والصبا فى دمياط حيث ولد فى 19 مارس عام 1932، واكتملت التربية نحو الوجدان الراقي فى كلية الفنون التطبيقية ، وتأكد ذلك مع عمله مدرسا للرسم، إلى أن اكتشف فى نفسه حب الكتابة كنتيجة طبيعية لميله الدائم للقراءة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مقال فؤاد قنديل
* روائي مصري

ايوب صابر 10-12-2014 01:23 PM

تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 61- فساد الامكنةصبري موسيمصر


- تتسم كتابات الروائى صبرى موسى بالعمق والتغلغل فى النسيج الاجتماعى والقيمى والأخلاقي، نتيجة لرحلاته المختلفة فى كافة أنحاء مصر،

- فأصبح متسلحاً بمعرفة ميدانية واشتباك حقيقى مع الأشياء فى الكون.

- وقد كتب بقوة الأدب وروح الأديب المغامر وحرفية الصحافي،

- مما أضفى على كتاباته عذوبة وجاذبية خاصة،

- ولم ينفصل فى أعماله الأدبية عن تطورات عصره، فقد عبرت رواية "السيد من حقل السبانخ" عن موضوع التغيير الأخلاقى المطرد على المستوى الإنساني، وهو ما دفعه إلى كتابتها فى إطار مسرحى مرة أخري،

- وتمنى أن يكون رساماً، فأصبحت الصورة تحتل جزءاً كبيراً من تركيبته، الذهينة والنفسية، واعتمدها كركن أساسى فى نسيج تعبيره الأدبي.

- يقول عن اهتمامه بالصورة في كتاباته " هذا أسلوب، وهذه طريقة، يختص بهما كل كاتب على حدة، فكل روائى صاحب طريقة، ومصدره الأساسي، هو الحياة، والحياة عمادها الأساسى هو الإنسان، بتصرفاته، وإبداعاته التى تشكل هذه الحياة ومن بينها إبداع الصورة، وربما تجد الصورة أكثر حضورا عندي، لأنها تشكل جزءا كبيرا من تركيبتى الذهنية، بل والنفسية، لأننى كنت أتمنى أن أكون رساما، ولذلك فإنك تجدنى اعتمد الصورة جزءا أساسيا فى نسيج التعبير، حتى أن الموقف عندى يتحول إلى صورة، لها اطارها وعناصرها الداخلية.

- مجموعة حكايات صبرى موسى تحمل عناوين ذات ضمير أحادي، وبتعدد الضمائر والشخصيات داخل العمل الأدبي.

- تجد فى حكايات صبرى موسى توغلا أكثر فى النسيج الاجتماعى والقيمى والأخلاقى من خلال رحلات عفوية وعشوائية كان يقوم بها فى أنحاء مصر المختلفة

- كما أنك تجد أن أساليب السرد متعددة داخل هذا العمل

- بل أنك تجد استثمارا لفنون أخرى مثل المسرح والسينما والغناء والموال

- يتخلى تماما عن التقاليد الشكلية لفن القصة القصيرة

- فهذه المجموعة مغايرة فى أسلوب الحكى وقد كان اختيارى لهذا الأسلوب الذى يدل عليه العنوان هروبا من التهالك النقدى بالهجوم عليها كحيلة فنية مراوغة.

- يلمس المتلقي في نصوصه حس ومناخ اسطورى وقد تفردت بهذا الحس والمناخ روايته "فساد الأمكنة"

- استفاد من جولاته الصحفية في خلق نوع من الحميمية مع المكان،

- تمتاز ايضا كتاباته بروح الأديب ومغامرة وحرفية الصحافي،مما يجعل نصوصه عذبة وجاذبة للقراءة، بل وقادرة على إثارة انتباه المسؤولين


من مقابلة : سمير الفيل
كاتب مصري
Samir_feel@yahoo.com

ايوب صابر 10-13-2014 12:52 AM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 61- فساد الامكنة صبري موسي مصر

- كان ومازال أديبا فريدا

- ينقلنا من زمن التردد إلي زمن الحسم،

- ويخرجنا من ضباب الحداثة إلي صدق الواقعية..

- يعري الحجارة بحكمة جراح متقن،

- ويمسح غبار البداوة عن صورتنا في فضاء العالم..

- يصنع من الكلمات صورا تتداخل لتعيد صياغة أحاسيسنا وأشواقنا..

- يترجمنا إلي محبة وحنان وكلام جميل يدل أننا دولة لها حضارة..

- أمتعنا وأمتع الملايين بسيناريوهات أفلام عظيمة مثل قنديل أم هاشم، الشيماء، والبوسطجي،

- وقادنا في رحلات خيالية جميلة برواياته فساد الأمكنة، والسيد من حقل السبانخ، وحادث نصف المتر.

- لقد رفض صبري موسي الجنسية الأمريكية عندما منحوه أعظم جائزة أدبية هناك وهي جائزة »بيجاسوس« لأن قلبه لم يتقبل أن يصبح لوطنه شريك حتي لو كان أمريكا.
من مقال بقلم ـ مصطفي عبيد

ايوب صابر 10-13-2014 09:09 AM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 61- فساد الامكنة صبري موسي مصر


- رائد الروايه المصريه لانه استحدث اللغه العصريه لكتابه القصه بعد ان كانت هذه الكلمات يسيطر عليها البلاغه الشكليه،

- ربطته لغته بالكاتب الكبير يحي حقى واستطاع ان يحول اعماله لسيناريوهات

- خرج عن الجو المألوف فى روايته فساد الامكنه ومثل المساحه الاكبر فى مصر،

- هو رائد اقتحم عالم الخيال واستطاع ان يعبر عن الرساله الحقيقيه للادب كمسعى للحق والخير والجمال .

- فى احتفاء بحثى اكد الدكتور رؤؤف وصفى ان الخيال العلمى فى روايه "السيد الحقل سبانخ "لابد ان يدرس فى الجامعات لانها مثال مميز للادب فى الخيال العلمى

- فالكاتب تمكن ان يجعل القارئ مقتنع بان مايقراؤه هو الواقع فى القرن ال24

- واضاف انها روايه تستحق الاشاده لان موسى تمكن من شرح الحياه كما لو كانت فى كوكب اخر فى قالب قصصى وتنبأ باشياء هامه فى روايته كان اهمها اطفال الانابيب والاستنساخ

- لذلك كانت نهايه الروايه صرخه قويه تنادى بالتوقف عن التقدم التكنولوجى لما سيحدثه من تدمير للانسانيه

- وهذا الامر ايضا تنبأ به صبرى موسى فى روايته فكتاباته تدعو دائما لتقدم الانسان بجانب التقدم التكنولوجى .

- تحدثت الكاتبه اقبال بركتا وقالت انه يتميز بعمق افكاره فهو لايحب الكتابه لكنه يدخل معركه شرسه مع الفكره وعندما تفرض نفسها عليه يضطر لكتابتها وحتى الان هناك العديد من الافكار التى بدأها ولم يكتبها منها على سبيل المثال فنجان قهوه قبل النوم "التى بدأ فيها منذ سبع سنوات ولم يكملها.

- وصفت اقبال موسى بالدبور الذى ينتقل فى بستان الكتابه بحثا عن الفكره المميزه فكتب القصه والروايه وحولها الى سيناريو نافس فى كتاباته احسان عبد القدوس وكانت روزاليوسف وقتها تنفرد بمدارس ادبيه وموسى واحدا من مؤسسيها .

- تحدثت صديق عمره عن نشاته فى مدينه دمياط التى اثرت على مغامراته الصحفيه فكانت اولى موضوعاته رحله الى الصحراء واثبت خلالها ان مصر لديها كنوز وكتب عن جبال الذهب بمرسى علم وكانت هذه الكتابات سببا فى اطلاق الوادى الجديد حتى انه سجل رحلته على شرائط فيديو بكاميرا 8 مللى وقدم افلام تسجيليه حتى كتب مؤلفه "فساد الامكنه "

- كما ذهب الى جميع بحيرات مصر ورصد اهميتها للبيئه وبدء قصصه القصيره وكتب روايته "حادث النصف متر "واعيد نشرها عام 74 وحصل عنها على جائزة الدوله التشجيعيه فكان اول كاتب مصرى يحصل على جائزتى السيناريو والحوار فى ادب الخيال عن فيلم البوسطجى وهو اول سيناريو يصدر فى كتاب وتوالت اعماله بقنديل ام هاشم لذلك فهو تجربه لابد ان تدرس فى الصحافه .

- وتحدث الكاتب حسين حموده عن قراه فى روايته فساد الامكنه معبرا ان هذه الروايه احتفظت بصفتين وهما الجمال المذهل والسعى لاقتناص ما لا يقتنص واكتشاف العالم الفنى .

- اما الكاتب الصحفى رامى عبد الرازق يقول ان الكاتب صبرى موسى حاله منفرده ووصفه ب"المؤلف الشاب"وهو لقب مازال يطلق عليه حتى الان لان اعماله باقيه بالاضافه الى انها تتسم بروح الشبابيه الصالحه لكل زمان ومكان ولذلك طالب رامى بمنهجت وتعليم اسلوبه فى مدارس السيناريو لانه افضل من حول الروايه الى سيناريو وقال نحن نحتاج فى عصرنا الى كتاب قادرين على هذا التحويل .

ايوب صابر 10-14-2014 10:47 AM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر

- صدرت لاول مرة سنة 1952 م عن دار النشر للجامعيين.

- يعتبرها الكثير من النقاد أهم رواية كتبها يوسف السباعي

- تدور أحداثها في حارة مصرية في العشرينيات.

- تدور الفكرة الرئيسية في الرواية حول فلسفة الموت ومحاولة الشخصية الرئيسية " المعلم شوشة السقا " للهروب من ذكرى وفاة زوجته الشابة.


- المفارقة تحدث عندما ينقذ المعلم شوشة شخص ما من الضرب في أحد المطاعم ثم تتوثق علاقته به ويدعوه للإقامه معه في بيته مع حماته وابنه سيد، وهو لا يعلم ان هذا الشخص يعمل في مجال متعلق بدفن الموتى.


- ينفر المعلم شوشة من ضيفه في البداية إلا إن الضيف سرعان ما يتمكن من إقناع المعلم شوشة بمواصلة حياتة ونبذ الخوف من الموت،

- إلا أن أكبر مفارقة تحدث عندما يموت الضيف نفسه فجأة في بيت شوشة فينهار المعلم بسبب ذلك.


- بعد فترة يستعيد المعلم شوشة عافيته ويأتيه خبر سار بتعيينه شيخاً للساقيين في المنطقة،

- إلا أن البيت ينهار فوق رأس المعلم وتنتهي حياته في مشهد قوي ومؤثر.
تحويل الرواية إلى فيلم


- حاول المخرج الراحل صلاح أبوسيف تحويل الرواية إلى عمل سينمائي في السبيعينيات إلا إن جميع المنتجين رفضوا المغامرة بإنتاج فيلم يتحدث عن الموت.
تمكن صلاح أبو سيف في النهاية من الحصول على موافقة المنتج والمخرج يوسف شاهين على إنتاج الفيلم بالاشتراك مع شركة ساتبيك التونسية سنة 1977، حيث قام بكتابة السيناريو محسن زايد بالاشتراك مع صلاح أبو سيف. وقام بالتمثيل فيه : عزت العلايلي، فريد شوقي، أمينة رزق، ناهد جبر، حسن حسين، شويكار، بلقيس وتحية كاريوكا.
- إلا إن نهاية الفيلم مختلفة عن نهاية الرواية، حيث تعمد كاتبي السيناريو أن تكون النهاية فيها قدر من التفاؤل.

ايوب صابر 10-14-2014 12:04 PM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر



- وسط كل أعمال يوسف السباعي الرومانسية والوطنية تبقى رواية "السقا مات" بمثابة درته الفريدة ..

-ليس فقط بسبب تكوينها المتقن

- وشخصياتها الساحرة

- ولكن لأنه أضمر فيها معضلة الموت المكتوب على كل الكائنات..

- تدور أحداث الرواية في عشرينيات القرن الماضي وسط أحياء شعبية تفوح بتقاليد مصر العتيقة ..بالتحديد في حي الحسينية حيث يقع صنبور المياه الحكومي القائم في زوايا درب السماكين ..يقف أمامه صف طويل عريض من النسوة ذات الصفائح والرجال ذوي القرب ..أحدهم هو المعلم شوشه بطل هذه الرواية الذي يجمع أفضل خصائص ابن البلد بشهامته ورجولته وكريم عنصره رغم ضيق الرزق وكدح المهنة ..صلب العود رغم نحوله ..متدين لا يضيع صلاة ، رزين طويل الصمت ، يغلب عليه الحزن والتفكر ..ويولي اهتماما خاصا بشجرة تمرحنة في السراي المجاور لسبب سوف يتضح فيما بعد .

- أما ابنه سيد فهو مجرد صبي في التاسعة من عمره ..شديد الحيوية إلى حد آسر ..مفردات عالمه الطفولي الساحر هي مشاكسة الشيخ كفتة صاحب الكتاب الذي ذاق الويل من شقاوته ..وتسلق أشجار السراي المثمرة لجمع البلح الأحمر والجوافة وزعامة مجموعة من الصبية " حرشه وزكي الحدق " يلعبون الكرة الشراب والبلي الذي يحصده دائما ..أما مشاكله المستعصية فمحاولة الفرار من غسيل الوجه بالصابون الذي يؤلم عينيه رغم إصرار جدته الكفيفة التي ترعاه بعد وفاة أمه ( يعني يتيم؟!) .


- كانت سعادته لا توصف حينما قرر أبوه المعلم شوشه إخراجه من الكتاب لتلقينه مبادئ مهنة السقا ..كان فخورا برجولته الوليدة ويحاول تقليد الكبار بلهجة رجولية خشنة مثيرا عاصفة من الضحك حيثما ذهب ..وفي مسمط الحاجة زمزم بدرب عجور كان تعرفهما على الشيخ شحاته ..ذلك الكهل لطيف الملامح بشوش الوجه الذي يرتدي جلبابا من الدمور وجاكتة قديمة ..وفي قدميه حذاء بال مربوط بالدوبارة ..وفوق رأسه طربوش أسود منهار الجوانب مائل على حاجبه الأيسر في عياقة لا تتناسب مع مظهره المثير للرثاء ..وكان ذلك الرجل الذي لا يملك من مظاهر الأفندية غير الطربوش والجاكتة لا يكف عن مغازلة الحاجة زمزم بتلعيب حواجبه بطريقة آلية منتظمة هازا رأسه في شبه أسف وطرب : يا ميت ندامة على اللي حب ولا طالشي !.

- تأثير تلك المغازلة على المعلمة الضخمة الجثة كان ظاهرا بتمايلها طربا وضحكتها الناعمة نسبيا وهزة رأسها المعصوب بعلامة الرضا ..لكن ذلك لم يشفع له وقت الجد حينما حان تبين إفلاسه عند دفع الحساب..ولم ينقذه من براثن المعلمة المخيفة غير شهامة المعلم شوشه الذي دفع له حسابه لتنشأ علاقة صداقة متينة بينهما تصل إلى حد استضافته في الدار .

- وهناك نتعرف على مهنته العجيبة ..مطيباتي جنازات ..يرتدي بذلته السوداء ويلبس الفوطة الحمراء على وسطه – طباعة العرقسوس – ويمسك في يده القمقم ويمشي أمام الجنازات من باب الافتخار حتى يزف الميت لمدفنه ..بعدها ينال نصف ريال من متعهد الجنازات ..وقع ذلك كان ثقيلا على المعلم شوشه الذي بدأ يشعر بالرهبة من صديقه المخيف الذي حاول أن يشرح له فلسفته الخاصة عن الموت والحياة .

- " إن وجه الأرض متغير وكل الكائنات محدود أجلها ببداية ونهاية ..هذا المقعد ، تلك اللبلابة ، هذه القطة ..هذا الجلباب ..لكن الإنسان يتملكه الغرور فلا يريد أن يذهب في هدوء ويأبى أن يقارن نفسه بالقطة والمقعد والجلباب ..يكره الموت ويأبى قبوله ويرفض تعوده وترويض نفسه عليه ..في بداية عمله بمهنته كان بكاؤه يشتد عند رؤية الميت رغم سخرية الزملاء القدامى ..بالتدريج صار أقل تأثرا ثم لم يعد يبالى قط حتى ليسير في الجنازة وكأنه في نزهة مستغرقا في أفكاره الخاصة .

- بعدها بدأ التعود على النزول لداخل المقبرة عازما أن يهزم في نفسه مخافة الموت ..في المرة الأولى تملكته الرجفة حينما لامس لحم الميت البارد وجسده اليابس ولكن بعد لحظات هزم الخوف واقنع نفسه أنه يحمل فخذة خروف أو دجاجة مذبوحة ..أليس كلاهما جسد ميت من لحم وعظم ؟..وحتى المقبرة لم تعد تمثل له سوى مجرد قبو تحت الأرض مليء بالعظام والجيف ..في تلك اللحظة التي أعلن فيها انتصاره على رهبة الموت صار يعتبر نفسه أشجع إنسان في العالم ..لقد احتقر الموت فاحتقر – تبعا لذلك – الحياة ."

- حينما انتهى الشيخ شحاته من محاضرته الحارة على صديقه الجديد المعلم شوشه فوجئ بالدموع تنساب على وجنتي الرجل الجلد الصموت في أخاديد وجهه المغضن ..لطالما عذبه تفكيره المتواصل في الموت الذي حصد زوجته الحبيبة منذ تسع سنوات وهي تلد ابنه الوحيد سيد ..ولطالما سهر الليالي يسأل نفسه ، ويسأل السماء والنجوم أيضا : لماذا ماتت ؟..بل لماذا نولد إذا كنا سنموت حتما ؟

- من كان يصدق أنها ستموت ؟ بجسدها القوي ووجهها النضير وثغرها الباسم وعينيها الضاحكتين المتلألئتين وشجرة التمر حنة التي زرعتها بيدها الرقيقة في حديقة السراي وكانت سبب تعارفهما ..من يصدق أنها تقبع في حفرة رطبة مظلمة بباطن الأرض مسلوبة الحركة فاقدة الحياة لتصبح بعد حين هيكلا أكله البلى وعظاما نخرها السوس ؟..كان يسأل نفسه في يأس فيستعصى الجواب حتى دخل شحاته أفندي في حياته بمهنته المخيفة وفلسفته العجيبة .

- وتمر الأيام بالجميع بتفاصيلها الكثيرة التي تصنع الحياة ..وأصبح شحاته أفندي ضيفا دائما ومصدر سرور لا ينقطع للأسرة التي يغلب عليها الصمت والوجوم في غيابه..

- لقد أحبه الكل لشخصيته البشوشة وحبه الواضح للحياة ..سيد وجده صديقا كبيرا يقوم بتعليمه العزف على الناي ويصنع له الطائرات الورقية والكرة الشراب ويبتاع له - من وقت لآخر - أطايب الطعام حينما ينفحه متعهد الجنازات بمنحة سخية ..الجدة الضريرة أحبته من صميم قلبها الطيب المتسامح ..والمعلم شوشه وجد فيه صديقا مخلصا مقبلا على الحياة رغم حرجه من غزله للنساء ..وفي كل مرة يعتذر بأنه لا يملك نفسه حينما يرى صنف الحريم ..على الفور يقوم بتلعيب حواجبه ويبدأ فورا في الغزل " أموت في الملبن أبو قشطة ، هز يا وز "..وعبارات من هذا القبيل ..

- الرجل الذي يمتهن الموت كان شديد العشق للحياة ( هذا ما نقوله دائما ان الحياة تولد من رحم الموت) ..يعشق الكيف والنساء والطعام الجيد ، ويعيش اليوم بيومه دون أن يحمل هم الغد ..ويتعجب جدا من قهر المعلم شوشة لرغباته متسائلا : ما جدوى الحياة بدونها ؟.


- وبرغم إفلاسه المزمن فقد كان مستعدا لدفع خمسين قرشا كاملا ( وهو مبلغ باهظ بأسعار هذه الأيام ) من أجل سهرة حمراء مع عزيزة نوفل صاحبة الجسد الممتلئ الملتف في ملاءة تنحسر عن ثوب أحمر بدت منه ذراعان بيضاوان ناصعتا البياض وكشفت فتحة الصدر عن ملتقى الثديين المكتنزين فإذا ولت وجهها بدا ظهرها أشد تفصيلا وتفسيرا وإقناعا وإغراء واستدعاء ..

- من أجلها تفاوض مع القواد صاحب الشارب المفتول ، وذهب للعطار ليشتري جوزة الطيب وعود قرح وساوم الجزار على رطل كلاوي بتلو و(توضيبة ) من المخاصي والمواسير ، واقترض قطعة حشيش من زميله الشيخ سيد مخزن المخدرات المتنقل الذي يجلس ويتحرك ويتكلم وكأنه في غيبوبة دائمة ..و( خبط ) عدة جنازات مهلكة من مصر القديمة للمجاورين حتى هده التعب فنام قليلا ليستريح استعدادا لسهرته ..ذلك النوم الذي طال حتى أقتحم عليه المعلم شوشة غرفته فوجده ميتا .

- أجل ..مات مشيع الجنازات والساخر من الأموات دون أن يظفر بعزيزته !!!..

- كان وقع ذلك مروعا على الأسرة الصغيرة التي احبته .. في بادئ الأمر شعر المعلم شوشه بالخوف من دخول غرفة الميت ومن لمس الجثة لكنه تذكر قول صاحبه عن الأموات واحتقاره للموت واستخفافه بالجثث . وكمجاملة أخيرة قام بارتداء البذلة السوداء والفوطة الحمراء والطربوش إكراما لمشيع الجنازات في رحلته الأخيرة .. وعزم في نفسه على النزول للمقبرة محاولا أن يهزم رهبة الموت كما فعل صاحبه ..وبالفعل أمسك بالجثة رغم تلك الرجفة - التي هزته - من برودتها ولكنه همس لنفسه : لا تخش شيئا ..إنها لحمة ميت ..مثل فخذة الخروف أو الدجاجة المذبوحة . كانت معركة بينه وبين رهبة الموت ولكنه صمم على الانتصار قائلا لنفسه إنها أنقاض لم تعد لنا بها صلة ..مواد فانية متحللة لا فارق بينها وِبين أنقاض الدور وبقايا الأثاثات القديمة ، فعلام الرهبة ؟

- ولم يكد المعلم شوشة يسير أول خطواته داخل القبر حتى صدمت قدمه جمجمة ميت راحت تتدحرج على الأرض بصوت مكتوم فكانت قرعته للجمجمة هي دقة الهزيمة ..لقد أنهار الرجل تماما وجثا بالميت على الأرض ودفن رأسه بين كفيه واندفع في نحيب حاد .

- كلا ، ليست هذه العظام أنقاضا كأنقاض الدمن ..إنها آثار عزيز غاب ودلائل حبيب فقد ..فما أعز البقايا وأكرم الأنقاض !!!. وأسرع الرجال بوضع الجثة في مكانها وإخراج المعلم شوشة من المقبرة بعد أن انهارت مقاومته وتحطمت أعصابه .

- لكن الأيام منحته فرصة أخرى ..لقد جاء زميل لشحاته أفندي يعلنه بجنازة موشكة ..وحينما أخبره بموته وتجاوز الرجل صدمة النبأ طلب منه أن يحل محل شحاتة أفندي كمطيباتي جنازات ..وبسرعة وافق المعلم وارتدى البذلة السوداء والفوطة والطربوش لا لكسب مادي بل لدخول معركة ..لقد خسر الجولة الأولى وها هي تسنح له الفرصة لجولة ثانية وثالثة ورابعة .

- في البدء لم تكد عيناه تقع على النعش الملفوف في حرير أبيض حتى اندفع في نوبة بكاء عنيفة رغم نوبة الضحك التي أصابت بقية ( الزملاء ) الذين كانوا ينظرون إليه نظرة كل محترف متمكن في مهنته إلى مستجد غشيم يبدأ المهنة لأول مرة ..وحتى منطق الشيخ سيد ( مخزن المخدرات المتنقل ) بأن الميت مستريح أربع وعشرين قيراط بينما الأحياء في كد ونصب لم يقنعه ..

- وتوالت عليه جولات الصراع سريعة متتالية فقوت من مقاومته وزادت من صلابته ..في كل جولة كان يجد نفسه أهدأ أعصابا وأقل حساسية حتى أيقن أنه يسير في طريق النصر غير مبال بهمسات جيرانه الذين قالوا أنه يهوى الأحزان أو أصابته لوثة .
ومرت الأيام وأعتاد الكل ذلك فيما عدا ابنه سيد الذي تشاءم من تلك المسألة البغيضة التي يشتم منها رائحة الموت الكريه الذي أختطف صديقه الكهل شحاته أفندي فيما مضى بلا رجعة ..ولم تقنعه حجج أبيه الذي صارحه بأن هدفه الوحيد هو الاعتياد على وحشة الطريق التي سيقطعها يوما ما .. إنها مسألة ترويض لا أقل ولا أكثر ..كل جامد في الأرض أبقى من الحي فما أضعف مادة الحياة .!! . يموت الكل ويبقى الحي الواحد ..الباقي القوي.

- كل هذا لم يكن مقنعا لابن التاسعة الذي لا يتصور فقد أبيه بعد رحيل أمه ..وفي النهاية رضخ المعلم شوشة لدموع ابنه واعدا بالامتناع عن تشييع الجنازات ..ذلك الوعد الذي لم يعصمه من الموت بعد أيام قليلة حينما أصابته وعكة صحية ألزمته الفراش فتصادف انهيار المنزل عليه نتيجة لشق كبير في جدار البيت أهمل علاجه ليموت الرجل الكريم النفس تحت الأنقاض .

- كان مشهد الجنازة مؤثرا جدا ..لقد ارتدى الصبي الصغير عدة الشغل التي لطالما ارتداها أبوه ..دس ساقيه في البنطلون الطويل المهرول وأدخل ذراعيه في الجاكتة الواسعة الفضفاضة ووضع الطربوش على رأسه فهبط حتى استقر على أذنيه ليرى الناس قزما يهرول في بذلة سوداء فضفاضة وقد اندفع حاملا القمقم متخذا مكانه أمام النعش فغلبهم التأثر وتفجرت الدموع في عيون الرجال الشداد الغلاظ الذي يحملون الجثة في المحفة .

- وبدأت الجنازة سيرها والصبي على رأسها وقد بدا عليه التجلد لولا دمعتان تجريان في صمت على خديه وهو يسترجع قول أبيه منذ بضعة أيام :
" إنها مسألة ترويض لا أقل ولا أكثر ..كل جامد في الأرض أبقى من الحي فما أضعف مادة الحياة !!..يموت الكل ويبقى الحي الواحد ..الباقي القوي ".

من مقال : د امين الجندي
المصدر : القصة العربية

ايوب صابر 10-14-2014 12:16 PM

تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر

- والده "محمد السباعي" الذي كان متعمقا في الآداب العربية شرعها ونثرها ومتعمقا في الفلسفات الأوروبية الحديثة يساعدها إتقانه اللغة الإنجليزية.

- السباعي الأب ترجم كتاب (الأبطال وعبادة البطولة) لتوماس كارلايل.

- وكتب في مجلة (البيان) للشيخ عبد الرحمن البرقوقي. كان "محمد السباعي" الكاتب والمترجم يرسل إبنه الصبي "يوسف" بأصول المقالات إلى المطابع ليتم جمعها، أو صفها، ثم يذهب الصبي يوسف ليعود بها ليتم تصحيحها وبعدها الطباعة لتصدر للناس.

- حفظ "يوسف" أشعار عمر الخيام التي ترجمها والده من الإنجليزية وفي أخريات حياته كتب قصة (الفيلسوف). ولكن الموت لم يمهله فتوفى وترك القصة لم تكتمل. وأكمل القصة "يوسف السباعي" وطبعت عام 1957 بتقديم للدكتور "طه حسين" وعاش في أجوائها "يوسف".

- القصة جرت في حي السيدة زينب، وأحداثها في العقود الأولى من القرن العشرين. وحسن أفندي مدرس اللغة الإنجليزية في مدرسة أهلية هو (الفيلسوف) وصور محمد السباعي أزمة حسن أفندي العاطفية تصويرا حيا.

- كان "يوسف" أكبر إخوته في الرابعة عشرة من عمره عندما ، إختطف الموت أباه الذي إمتلأت نفسه بحبه وفاخر أقرانه به وعاش على إسمه الذي ملأ الدنيا ، ولم يصدق أن أباه قد مات. وتخيل أن والده غائب وسوف يعود إليه ليكمل الطريق معه ، وظل عاما كاملا في حالة نفسية مضطربة يتوقع أن يعود أبوه بين لحظة وأخرى. ولهذا كان "يوسف" محبا للحياة يريد أن يعيش بسبب واحد هو ألا يقع إبنه "إسماعيل" في تجربة موت الوالد.

- ولد في 10 يونيو عام 1917م. وكان أبوه "محمد السباعي" محبا لأولاده يوسف ومحمود وأحمد. ويقول يوسف بكل الود عن أمه .. (كانت أمي تراني طفلا مهما كبرت ، تسأل دائما عن معدتي .. مليانة واللا فاضية .. كانت مهمتها أن تعلفني وكانت دموعها أقرب الأشياء إليها .. كان يوسف يرى في أبيه مثقفا وفنانا بوهيميا ..

-ولكن عانى من تنقلات السكن الكثيرة فتنقل يوسف تبعا لها إلى مدراس كثيرة .. وادي النيل، مدرسة الكمال، مدرسة محمد علي، مدرسة الخديوي إسماعيل. حتى حصل يوسف على البكالوريا القسم العلمي من مدرسة شبرا الثانوية عام 1935م.

- وكانت الحالة مستورة وعلى (قد الحال) مما يضطره إلى أن يمشي من أقاصي شبرا إلى العتبة على قدميه.

- وكان قريبا من عمه "طه السباعي" الوزير في فترة من حياته. وتزوج يوسف إبنة عمه "طه" ورزق منها بإبنته "بيسه" وإبنه إسماعيل" والطريف أن "يوسف السباعي" لم يلتحق في مرحلة (التوجيهية) بالقسم الأدبي ، وإنما إلتحق بالقسم العلمي ، وكان أقرب المدرسين إليه الأستاذ "شعث" مدرس اللغة العربية و"الأستاذ" فؤاد عبد العزيز" مدرس الرسم الذي يعاون في إخراج (مجلة شبرا الثانوية) ، وكان يلحتق بالفنون الجميلة قبل أني قدم أوراقه للإلتحاق بالكلية الحربية.

- وإلتحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1937م وعام 1940م بدأ بالتدريس لطلبة الكلية الحربية – سلاح الفرسان. وأصبح مدرسا للتاريخ العسكري بالكلية الحربية عام 1943. وأختير مديرا للمتحف الحربي عام 1949.

- وعام 1956 عين سكرتيرا عاما للمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية. وعام 1957 سكرتيرا عاما لمنظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية. عام 1960 عين عضوا بمجلس إدارة روزاليوسف. ورئيسا لمجلس إدارة دار الهلال ورئيسا للتحرير عام 1971. وأختير عام 1973 وزيرا للثقافة. وعام 1976 رئيسا لإتحاد الإذاعة التليفزيون. ورئيسا لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام ورئيسا للتحرير. وفي 18 فبراير من عام 1978م أسند رأسه على صدر مصر ومات على أثر رصاصات غادرة أطلقت عليه في قبرص.

- في مدرسة شبرا الثانوية كان يجيد الرسم وبدأ يعد مجلة يكتبها ويرسمها وتحولت المجلة إلى مجلة للمدرسة بعد أن أعجبت إدارة المدرسة بمجلة التلميذ يوسف محمد السباعي وأصبحت تصدر بإسم (مجلة مدرسة شبرا الثانوية)

-ونشر بها أول قصة يكتبها بعنوان (فوق الأنواء) عام 1934 وكان عمره 17 عاما ولإعجابه بها أعاد نشرها فيما بعد في مجموعته القصصية (أطياف) 1946م.

-وأما قصته الثانية بعنوان (تبت يدا أبي لهب وتب) نشرها له "أحمد الصاوي محمد" في المجلة التي كان يصدرها بإسم (مجلتي) عام 1935 إلى جانب أسماء الدكتور طه حسين وغيره من الأسماء الكبيرة وعام 1945 كانت تصدر في مصر كل يوم سبت (مجلة مسامرات الجيب) صاحـبها "عمـر عبد العـزيز أمين" صـاحب (دار الجيب) التي كانت تصدر أيضا روايات الجيب. ويرأس تحرير (مسامرات الجيب) "الأستاذ أبو الخير نجيب" الذي عرف بمقالاته الساخنة ، وكان يوسف السباعي ضابطا صغيرا في الجيش يكتب قصة كل أسبوع. وكانت المجلة إنتشر لوحة فنية كل أسبوع ويكتب لها يوسف السباعي قصة هذه اللوحة الرائعة التي كانت تدفعنا إلى الإحتفاظ بها. ومن الطريف أنني – وكنت وقت ذاك طالبا بالتوجيهية بأسيوط كتبت للمجلة مقالا بعنوان (مصطفى النحاس المفترى عليه) وأرسلته بالبريد وفوجئت بالمجلة تنشر المقال. ثم مضت السنوات وعملنا مع "عمر عبد العزيز أمين" عندما عملت منذ عام 1962 بالدار القومية للطباعة والنشر وكان هو مستشارا لهذه الدار. أما أبو الخير نجيب فقد قابلته في يناير عام 1948 ، وكان رئيسا لتحرير جريدة (النداء) التي أصدرها "الأستاذ يس سراج الدين" وكان مقرها أعلى عمارة في شارع قصر النيل. وبالمناسبة كنت متهما في قضية المظاهرات بالجامعة وأودعونا سجن الأجانب - بجوار الهلال الأحمر بشارع رمسيس الآن ، وكان هناك أحد المعتقلين العرب من المعتقلين وحملني رسالة على ورق البافرة لتسليمها لأبي الخير نجيب. كان ذلك ونحن نتخذ إجراءات الإفراج وذهبت إليه وأهتم بالرسالة الوافدة من السجن ونشرها وأحدثت ضجة في حينها. وعلى صفحات مسامرات الجيب قرأت ليوسف السباعي قصة (إني راحلة) في يحنها عام 1945م أيضا. وكتب فيما بعد "يوسف السباعي" أنه كان يمشي من مسكنه في روض الفرج إلى مقر مسامرات الجيب بشارع فاروق (الجيش فيما بعد) قرب العتبة على الأقدام. وأصدر (الرسالة الجدية) عن دار التحرير وعمل معه "أحمد حمروش" مديرا للتحرير وعمل معه محمد عبد الحليم عبد الله وفوزي العنتيل ، وعباس خضر ، ثم ماتت الرسالة مثملا ماتت رسالة الزيات القديمة. حصل يوسف السباعي على دبلوم معهد الصحافة – جامعة فؤاد الأول بالقاهرة ورأس مجلس إدارة مؤسسة (روزاليوسف) عام 1961. ورأس تحرير مجلة آخر ساعة عام 1967م ، ورئيسا لمجلس إدارة دار الهلال عام 1971م ، ورئيسا للمجلس الأعلى لإتحاد الإذاعة والتليفزيون. وعام 1977 أختير نقيبا للصحفيين وكان رئيسا لتحرير الأهرام ورئيسا لمجلس الإدارة رحلة طويلة من مجلة مدرسة شبرا الثانوية إلى نقيب الصحفيين.

- تخرج السباعي من الكلية الحربية في عام 1937. منذ ذلك الحين تولي العديد من المناصب منها التدريس في الكلية الحربية. تم تعيينة في عام 1952 مديرا للمتحف الحربي و تدرج في المناصب حتى وصل إلى رتبة عميد.
المناصب الأدبية والصحفية

- أطلق "توفيق الحكيم" لقب "رائد الأمن الثقافي" على يوسف السباعي وذلك بسبب الدور الذي قام به في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية ، ونادي القصة ، وجمعية الأدباء. وهذه المجالس وغيرها لها قصة كتبناها من قبل أمانة للتاريخ الأدبي وغير الأدبي.

- كان صاحب إقتراح إنشاء المجلس هو "إحسان عبد القدوس" الذي طلب من "يوسف" أن يحصل على موافقة "جمال عبد الناصر" خشية إعتراض عبد الناصر إذا تقدم إحسان بالإقتراح وذلك بسبب بعض الحساسيات بينهما.

-وبالفعل وضع "يوسف السباعي" قصة إقتراح أمام عبد الناصر الذي وافق على أن يكون "السباعي" السكرتير العام ولا مانع أن يكون إحسان عضوا في مجلس الإدارة وهذا ما حدث. صدر قرار جمهوري بإنشاء المجلس عام 1956 وأن يعين "توفيق الحكيم" عضوا متفرغا للمجلس – بمثابة الرئيس – وأن يكون يوسف السباعي سكرتيرا عاما – في يده كل الأمور. وتكرر الوضع نفسه عند إنشاء (نادي القصة) ورأس يوسف السباعي تحرير (الكتاب الذهبي) الذي تم ضمه فيما بعد إلى دار روزاليوسف. وقد سجل يوسف السباعي واقعة إنشاء نادي القصة. جاءه إحسان عبد القدوس وأبدى إقتراحا بشأن تكوين ناد للقصة والقصاصين. وعند إنشاء (جمعية الأدباء) تولى يسوف السباعي رئاستها.

- أثناء مسئولياته المختلفة الثقافية والتنفيذية والأدبية والصحفية عمل على إنشاء عدد من مجلات الأدباء العرب والرسالة الجدية وزهور والثقافة والقصة ولوتس ومختارات القصة الآسيوية الإفريقية ، ومختارات الشعر الآسيوي الإفريقي. وأصدر مجلة لكتاب آسيا وإفريقيا.

- وقد شغل يوسف السباعي منصب وزير الثقافة عام 1973،و رئيس مؤسسة الأهرام ونقيب الصحفيين. قدم 22 مجموعة قصصية واصدر 16 رواية اخرها العمر لحظة عام 1972، نال جائزة الدولة التقديرية عام 1973 وعددا كبيرا من الاوسمة. لم يكن اديبا عاديا بل كان من طراز خاص وسياسيا على درجة عالية من الحنكة والذكاء. ورأس السباعي تحرير عدد من المجلات منها (الرسالة الجديدة) و(اخر ساعة) و(المصور) وصحـــيفة (الاهرام) وعيّنه الرئيس المصري السابق أنور السادات وزيرا للثقافة وظل يشغل منصبه إلى ان اغــتيل في قبرص في فبراير عام 1978 بسبب تأييده لمبادرة السادات بعقد سلام مع اسرائيل منذ سافر إلى القدس عام 1977.

- في حين ظل نجيب محفوظ الحائز على نوبل في الآداب عام 1988 ينشر رواياته بغزارة في وجه صمت نقدي واعلامي حتى منتصف الخمسينيات كانت أعمال الكاتب المصري يوسف السباعي الأعلى توزيعا فضلا عن تحويلها مباشرة إلى أفلام يصفها نقاد بأنها أكثر أهمية من الروايات نفسها‚

- وبعد أن فرضت أعمال محفوظ نفسها على النقاد تراجع الاهتمام بروايات السباعي الذي ظل في بؤرة الاهتمام الاعلامي والسينمائي وان أخذ كثير من النقاد تجنب الاشارة إلى أعماله باعتبارها نهاية لمرحلة الرومانسية في الادب وانها تداعب احتياجات مرحلة عمرية لفئة من القراء صغار السن

- الا ان كاتبا مصريا وصف أعمال السباعي بأنها «واقعية ورمزية»

- وقال مرسي سعد الدين في مقدمة كتاب «يوسف السباعي فارس الرومانسية» ان السباعي لم يكن مجرد كاتب رومانسي بل كانت له رؤية سياسية واجتماعية في رصده لاحداث مصر‚

- وقالت لوتس عبد الكريم مؤلفة الكتاب الذي صدر مؤخرا بالقاهرة إن دور السباعي في الثقافة المصرية لا يقل عن دوره ككاتب‚ وأشارت إلى وصف الناقد المصري الراحل الدكتور محمد مندور للسباعي بأنه «لا يقبع في برج عاجي بل ينزل إلى السوق ويضرب في الازقة والدروب»

- ويعد السباعي ظاهرة في الحياة الثقافية المصرية رغم تجنب النقاد التعرض لاعماله فيما عدا مؤرخي الادب‚ ويكاد ذكره الان يقتصر على أفلام أخذت عن أعماله ومن بينها (اني راحلة) و(رد قلبي) و(بين الاطلال) و(نحن لا نزرع الشوك) و(أرض النفاق) و(السقا مات)‚ كما أنتج التليفزيون المصري مسلسلا عن حياته عنوانه (فارس الرومانسية)

- وشددت المؤلفة على أن السباعي «كتب عن فلسطين مثلما لم يكتب أي كاتب أو أديب عربي‚ وفي كل المقالات التي كتبها بعد المـبادرة التاريخية بزيارة القدس (عام 1977) كان السباعي يركز في كل مقالاته على حقوق الشعب الفلسطيني ولم تخل مقالة واحدة من مقالاته من الدفاع عن حق الذين اغتالوه غدرا» في اشارة إلى أحد الفصائل التي خططت للحادث ونفذته.

- كان يوسف مؤمناً بأن للأدب دور كبير للتمهيد للسلام في مختلف العصور ، ولم يكتب من خلال نظرية فنية أو سياسية ولو خير من بين مناصبه التي تولاها وبين الإبداع الأدبي لأختار الكتابة كما فعل طوال حياته.

- جمع بين النشاط العسكري والنشاط الأدبي.

- وكان على حد تعبير – الدكتور محمد مندور – لم يقبع في برج عاجي وإنما نزل إلى السوق. لم تكن له (شلة) ثنائية أو ثلاثية كما كان عليه الحال على أيام والده ، كانت هناك ثلاثية (محمد السباعي وعباس حافظ وحسين شفيق المصري). وهذه إستمرت لأنها لم تتعرض لصراعات فيما بينهم. وثلاثية (عبد الرحمن شكري ، وإبراهيم عبد القادر المازني ، وعباس محمود العقاد) ، وهذه تمزقت بفعل الخلافات. وثلاثية (طه حسين وأحمد ضيف وزكي مبارك) وهذه تمزقت وبقي منها طه حسين.

- ومن الصعب أن نقول أن يوسف السباعي كانت له معارك. قال "يوسف إدريس" منافسه في إنتخابات نقابة الصحفيين أن "يوسف" كان يلقاه مرحبا فاتحا ذراعيه. المعارك فرضت عليه من مخالفيه السياسيين والمذهبيين. قال "عبد الرحمن الشرقاوي" فبعد هزيمة 5 يونيو عام 1967 ، في أحد إجتماعات إتحاد الكتاب العرب وقف مندوب أحد الوفود يطلب عزل يوسف السباعي. وعلى الفور أعلن يوسف إستقالته وإنسحب إلى حجرته وجاء مندوبو الوفود جميعا في مقدمتهم ممثل الحزب الشيوعي وقال .. هذا العضو الذي طالب بعزل يوسف السباعي مفصول من الحزب ، وقد سلم وثائق الحزب للمخابرات المركزية الأمريكية. وعاد يوسف وعادت الوفود إلى الإجتماع لتطرد هذا العضو الذي أثار الزوبعة. وفي إجتماع الكتاب الآسيويين الإفريقيين في سبتمبر عام 1973. كان الإجتماع في (ألما آتا) في الإتحاد السوفيتي وحوالوا عزله فطرح الثقة بنفسه وفاز بأغلبية ساحقة. لم يكن يفرض المعارك على الآخرين. كان يسيبح في الحياة كما يسبح (سبع البحر) على حد تعبير طاهر الطناحي في عالم البحر الواسع المئ بالقصص والأساطير وعجائب الحيوان وصراع الطبيعة للإنسان.

- كيف لا تكون رواية رائع بل قمة في الروعة وقد كتبها يتيم عن بطل يتيم وكان الموت محورها. وشخوصها واحد كان ميتا في الحياة لشدة خوفه من الموت وآخر كان يعمل في دفن الموتى ولكنه كان يعيش حياته بعمق.

ايوب صابر 10-14-2014 12:53 PM

تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر

- تعتبر رواية «السقا مات» للكاتب يوسف السباعي والتي صدرت لاول مرة عام 1952 من أهم اعماله الادبية، ومن روائع الادب المصري المعاصر لما تتميز به من عمق في التفكير، واصالة في التعبير.

- ويرى العديد من النقاد ان اهمية هذه الرواية في «واقعيتها» وانها بهذه «الواقعية» تختلف عن اغلب روايات يوسف السباعي الاخرى التي يعتبرونها «رومانسية» وفي تقديري ان «السقا مات» رواية «رومانسية» هي الاخرى، وهذا لا يقلل من قيمتها، بل يساعدنا على اكتشاف مصادر الجمال فيها على نحو أكمل وادق.

- وقد وجد أبو سيف في رواية «السقا مات» الحارة الرومانسية التي طالما قدمها من قبل في افلامه، والتي يسكنها مجموعة من الملائكة، ولكنه حاول ان يتجاوز رومانسية الرواية الى تلك الواقعية التي تميز بها، وخاصة في النهاية عندما جعل السقا يعيش ويصبح شيخ السقايين بدلا من دنجل، وهذه النهاية تعبر عن صلاح ابو سيف بقدر ما تعبر نهاية الرواية عن يوسف السباعي ولا معنى للمفاصلة بين النهايتين لان كلا منهما تتسق تماما مع فكر صاحبها.

- والواقع ان الفيلم «السقا مات» الذي يعتبر احسن فيلم مصري طويل عرض في مصر عام 1977 لا يستمد قيمته من تصوير هذه الحارة الرومانسية، ولا من محاولة مخرجه تجاوز رومانسية الرواية الى الواقعية كما يعبر عنها، وانما من كونه اكثر افلامه «شخصية» واعني بالشخصية هنا الاصالة في التعبير عن عالم الفنان الداخلي، وعلاقته بالحياة والمجتمع.

- وتبدو موهبة الكاتب في ادراكه الناضج للعلاقة بين الأدب والسينما، وهو الامر الذي يتضح من خلال الاختلافات بين الرواية والفيلم، فالرواية كلها تدور في الماضي من وجهة نظر الابن سيد، ولكن طالما ان الأب لا يموت في الفيلم، فقد جعل محسن زايد الاحداث كلها تدور في الحاضر.

- وبنفس المفهوم الدراسي الذي لا يتقيد بالواقعية، ولا يبالغ في التعبيرية صور محمود سابو الفيلم بالألوان. واستطاع ان يفرق بين الحاضر والماضي، وبين الواقع والأحلام بالاضاءة والألوان، ببساطة واتقان. فنرى الماضي في صورة ضبابية تغلب عليها الألوان المتشابهة «درجات الابيض للتعبير عن الحب ودرجات البني للتعبير عن الموت»، ونرى أحلام شحاتة الجنسية في صورة يغلب عليها درجات اللون الاحمر والالوان الحسية.

ايوب صابر 10-14-2014 01:02 PM

تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم 62- السقا مات يوسف السباعي مصر

- هي رواية مختلفة ... تعجبت كثيراً أثناء قراءتها من عدم وجود عقدة واضحة ... هل كان عدم التربع على عرش المياه هو العقدة؟ أم أنه موت "شحاتة أفندي"؟

- أن سرد الرواية و السير مع الأشخاص في أفكارهم المختلفة و أزمة "الصبر" التي يتشبث بها "شوشة" هي أروع ما فعل يوسف السباعي كي تخرج عملاً مؤثراً بهذا الحد.

- يقول يوسف السباعي في مقدمة الرواي " أن هدف الكاتب , اوالفنان بصفة عامة, هو الوصول إلى أغوار النفوس و نقل مشاعره إليها .. والفنان الناجح هو موقظ الأحاسيس..محرك المشاعر.. مهما كانت وسيلته , وأيا كان أسلوبه"..ويبدوا انه نجح في فعل ذلك في هذه الرواية.

- من اكترالروايات اللى عجبتنى واثرت فيا وحبتها لدرجة انى كنت بتعمد ابقى بطيئة في قرايتها عشان افضل عايشة مع الرواية مدة اطول.

- الرواية دى في نظرى ما كانتش مجرد حدوتة بيحكيها يوسف السباعى ...لأ دة حط خلاصة الدنيا في الرواية دى بكل ما فيها ، فرحها والمها وصدماتها......وعلمنى اتعامل مع فك بترعبنى. ..علمنى اتعامل مع فكرة الموت.

- عمل تدور أحداثه في أحياء القاهرة القديمة إبان فترة العشرينات وبطلها امتهن مهنة قديمة هي مهنة (السقا) ليقدم لنا السباعى تصوير ممتع لما كانت عليه الأحوال فى تلك الفترة , ويكون (السقا) راضى بحاله وحياته (كالماء الراكد ) يعيش متجرعا ذكريات حزينة مرّت فى حياته , إلى أن يقابل (أفندى جنازات ) أو المذكر من لفظ (المعدّدة ) (اللى بيحيي الجنازات زى مطربى الأفراح ) لكن هو فى الجنازة بيتولى الحزن والبكاء بأجر . ليكون فى الظاهر مجرد تاجر موت بيتلقى مقابل لمشاعره من إظهار الحزن.

- ولكن يكمن تحت هذا المظهر إحساس من أعمق ما يكون ويظهر جليا فى الحوارات التى دارت بين شخصيتي الرواية (السقا والأفندى ) ليظهر الأفندى للسقا وجهه الحقيقى .

- العمل له رسالة قوية برع الكاتب فى تقديمها ,
- (قفلات) السباعى كانت مؤلمة :مثلا: طريقة موت (الأفندى) فى منتهى البساطة , الرجل يستعد لليلة حمراء فيموت. نقطة.

- نهاية الرواية : موجعة بحق , قد لا تتمالك دموعك عندها .

- فى ثنايا الرواية : حس دعابة وخفة ظل واضحة جدا من قِبل السباعى. وخاصة عندما يتحدث فيما يخص الطفل (سيد) وأصحابه.

- الرواية مكتوبة بحس سينمائى جداً ,

- هى رواية حيّة ,

- التفاصيل متحركة جليّة أمام ناظريك ,

- اللغة : جميلة , ورغم حواراتها العامية إلا أنها فى المجمل لغة ممتعة وظريفة.

- وصف السباعى فيها كان متطور جداً وناضج للغاية , وصفه للأماكن وشرحه للطرق وأسلوب المعيشة كان متمكن جدا .

- شخصيات العمل : تعيش معها وتتعامل معها كأنك جزء من الرواية

- فى المجمل : عمل جيد وموجع ومؤثر

- هذه الرواية حقا تثير الـتأملات .. و تدفعك الى اعادة الحسابات مع نفسك و تغير من نظرتك للحياةالدنيا الفانية ..

- رواية من أروع الروايات التي قرأتها .. و من أكثرهم تأثيرا على نفسي ..

-كم من الأفكار دارت في ذهني بعد ان انتهيت منها ..

- رغم استمتاعي بالأحداث .. الا اني كنت تائهة في الفصول الأولى عن البحث عن المغزى من القصة .. لكنني في النهاية ادركت ان الكاتب الكبير اراد أن يجعلنا نتعايش مع الأبطال و مع أسلوب حياتهم و طرق معيشتهم حتى يهيأنا لما سيحل من أحداث في الفصل الأخير فنستشعر النهاية و كأننا فردا من افراد الرواية ..

- غير يوسف السباعي .. في روايته هذه من نظرتنا للكثير من الأمور .. و غير من استشعارنا بالأية الكريمة .. بفضل روايته العظيمة ..

- هيا مش روايه هيا حقيقة .. وصف للحياة

- هذا هو الموت يا صاحبي وهؤلاء هم البشر نهاية طبيعية .. لمخلوقات غير طبيعية

- يخلص المتلقي الى استنتاج ان كل شئ في هذه الحياة لا قيمة له في حد ذاته..ان قيمته في وجهة النظر إليه .. هو من احدي الوجهات نعمة ومن الاخري نقمة.. هو من ناحية مأساه ومن الاخري فكاهة ، وعندما تهون علي الإنسان النهاية.. تهون الحياة.

- عجبني اسلوب السباعي بانه راوي مش مجرد مؤلف و حديثه شيق جداً مفيش اى نوع من الملل بالرغم من اطالة الوصف و السرد .

- بس انا حبيت طريقته ف الوصف جداً حسسني اني عايشة جو الرواية بمعنى الكلمة يعني كان وصف لازم و ضروري لانه بيوصف حقبة زمنية كتير منا معشهاش او حتى محدش عاش ف الحارة دي و الافندية و الاطفال و المعلم شوشة و الصبي " سيد" و ست " ام آمنة " و الكتّاب و طريقة اللعب و الحلويات و البيوت و الناس و الحاجة " زمزم " ... كل ده كان في قمة المتعة لانه بيوصف مصر زمان .

- طول الرواية عجبني جداً طيبة الناس زمان و شهامتهم و وقفتهم جمب بعض الاطفال و الكبار بس اتصدمت من تصرف الحاجة "زمزم " في نهاية الرواية و لكن عندي يقين ان الله سبحانه و تعالى يجازي كل انسان بعمله و ان لم يكن الكاتب اوضح الفكرة دي في الرواية .

- فكرة الصراع اللي دار في نفس الصبي "سيد" بعد اهانة الحاجة " زمزم " له ... و انقلاب الدعاء على منزله و على والده !!

- من اكتر النقط اللي عجبتني بردو اسلوب تربية المعلم "شوشة " لابنه "سيد" رائعة جداً اسلوب متحضر و طول البال معه و صداقة ابنه .

- كثيراً ما اضحكني "سيد" لحد القهقهة في بداية الرواية من فرط شقاوته و ابكاني لحد النحيب فى نهاية الرواية !

- تعجبت من شخصية " شحاتة افندي " كيف يملك تلك الافكار عن الموت و حقارة الاحياء و الحياة بما في لذاتها بينما هو يجري وراء اللذات .. حتى انتهى قتيل الهوى!!

- تفسير الموت من وجهة نظر " شحاتة افندي " متقاربة جداً مع فكرتي عن الموت و ان الخوف منه هو خوف من الحساب مش من الموت نفسه ... الموت عالم تاني كل منا هيكتشفه في معاده

- اعجبت بشخصية " المعلم شوشة " جداً في كبح جماح النفس و دعاؤه بان الله يقيه من شر الرغبات اي كانت و صراعه مع تقبل فكرة الموت و الهزيمة المتكررة في البداية حتى انتصر على تلك الرهبة من الموت

- اللغة العامية اجمل ما في الرواية

- اسلوب السباعي المبسط الذي يحوي الكثير من الافكار العميقة اضفى على الرواية جو ساحر

- الفرق بين هذة الرواية وبين أرض النفاق .. أن أرض النفاق ليست رواية بالمعنى المتداول والمستقر عليه حاليًا افتراضًا.. شخصيات محددة ، أزمنة محددة ، أحداث محددة
في حين أن أرض النفاق هي فلسفات والشخصيات بالنسبة لها لزوم ما يلزم .. لسهولة توصيل الفكرة ليس إلا .. فكانت أشبه بمقال ذاتي . أو خاطرة .. أو لا أدري ..اما السقا مات ..فمتمايزة إلى شخصيات وأحداث ومكان محدد

- بسهولة وببساطة شديدة وبأسلوب رائع جذاب يحكي يوسف السباعي حكاية السقا ، الذي مات..

- استخدام العامية في الحوار كان عظيمًا .. والتنقل من الفصحى إلى العامية كان شديد العظمة ..

- وإنني لأستغرب كيف بيوسف السباعي صاحب النشأة الارستقراطية ان يكتب شيئًا كهذا؟ ملم فيه بتفاصيل لعب البلي ، والتي تتطلب طفلاً عاش أول 10 سنوات من حياته في الشوارع والطرقات ..؟

- أنا أكن كل الإعجاب للروائيين اللي بيسبروا أعماق النفس البشرية و هنا يوسف السباعي ركز على أكثر ما يرهب الإنسان في الحياة (و بيرهبي جدا أنا شخصيا) ألا و هو الموت، الموت و ماهيته و ازاي البني آدم يتعامل معاه سواء كان بيواجه عزيز أو بيواجهه هوا شخصيا.

-و الحاجة التانية اللي ركز عليها هيا الإيمان بالقضاء و القدر و قد إيه ده صعب فعلا مع كل اللي بنشوفه من ظلم لكن هيا دي الحياة، مافيهاش حد واضح بين الأبيض و الأسود و إلا كان الامتحان يبقى سهل قوي.

- أكتر حاجة أثرت فيا هيا قصة الحب اللي في الرواية، رغم انها لم تتجاوز الفصل الواحد لكنها عبرت عن مشاعر سنين، قصة حب رجل لامرأة واحدة لم يرض عنها بدلا حتى بعد مماتها و ظل يترقب لقائها يوم بعد يوم بدون ملل.

- الرواية قد تبدو في البداية قصة كل يوم لكنها تركت أعمق التأثير بداخلي، خللتني أعيش مع كل الأبطال و حتى غير الأبطال كل لحظة من حياتهم و أحس نفس أحاسيسهم، خللتني أنبهر بكم الطيبة و الإنسانية اللي فـ مجتمع البسطاء و اللي لولاه ماكنتش شرور الدنيا تُحتمل.

- مبدئيا الحاجه الوحيده الممله ف اسلوب يوسف ادريس هو الاسهاب ف وصف الاماكن والشخصيات بزياده وبتفاصيل ممله لا يقارعه مللا فيها الا دان براون مع الاختلاف طبعا
يوسف السباعى روائى و فيلسوف وفلسفته بتبان جليه فى كل اعماله اللى قريتهاله لحد دلوقتى
الروايه نفسها بقى بتتكلم عن اكتر من خط درامى.

- اولا سيد..ودا من امتع اجزاء القصه..بيصور فيه مرحله الصِبا واللى بتتشكل فى ضوء البيئه والزمن وقتها واسلوب لعب العيال والبلى و الكوره الشراب والكُتاب ونكتهم و هزارهم ..الخ

-ثانيا السقا..الجانب المتعقل فى الروايه..المعلم شوشه..حمال الاسيه بالبلدى..اجاد يوسف السباعى رسم شخصيته والصراع النفسى اللى بيحصل بينه وبين شحاته افندى لحقا وبينه وبين نفسه على معتقداته وافكاره

-ثالثا شحاته افندى..محور القصه كلها كما سيتضح..الرجل الذى بنى على اساسه يوسف ادريس فلسفته كلها وهو من الناس اللى بيبنوا فلسفتهم وبيظهروها على لسان احد الشخصيات الفرعيه او الغير بطوليه فى الروايه

مش عايز اتوسع ف الوصف عشان محرقش الروايه لحد بس مجملا ك جو عام الروايه تحفه تحس انك عايش بينهم ف كل صوت ف كل كلمه ف كل تفصيله ف الحدث بدايه من المكان والدكاكين والكُتّاب مرورا ب الشخصيات و لغه الحوار المعبره جدا وهى على فكره معظمها عاميه ماعدا الجزء الخاص اللى بيتفلسف فيه شحاته او شوشه ف بيقلب ب انسيابيه ل فصحى رقيقه
الفكره العامه عن فلسفه الموت وجدليه عدل الخالق فى المصائر والصبر..الصبر.

ايوب صابر 10-15-2014 12:48 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 63- تغريبه بني حتحوت مجيد طوبيا مصر

- هذا الكتاب صدر عن دار الشروق حيث الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
وخوض الأهوال وانقلاب الأحوال وتسلط الفأر على القط وركوع الأسد للقرد.

- رواية غاية فى الإمتاع, رحلت معها فى رحلة سحرية إلي تاريخ ما قبل وأثناء الحملة الفرنسية.

- تغربت فيها مع بني حتحوت فى ربوع مصر المحروسة من المنيا إلي مدينة مصر - القاهرة- والفيوم وأسوان والأسكندرية , عاصرت أحداث لا تكفي ملايين الجنيهات أن تجسدها أمام عيني فى فيلم كما جسدتها كلمات مجيد طوبيا.

- شهدت معيشة أهل بر مصر فى هذة الحقبة ورأيت ظلم وتجبر الغز الأخساء -المماليك- وبطش الروم -الأتراك- ومناوشات الإنجليز وعاصرت هجوم الفرنسيس واحتلالهم المحروسة وهروب المماليك الى الصعيد, رأيت شجاعة الفلاحين الفقراء فى ثورة المنيا وتجولت وسط أهالي القاهرة البواسل فى ثورة القاهرة التى ضرب فيها نابليون الجامع الأزهر بالمدافع, تحصنت معهم فى الحارات بالمتاريس وتسلحت بالشوم وأخيراً انكسرت فى أسى لقلة علمي وتنظيمي , بكيت يوم قتل محمد كريم , وفرحت يوم قتل سليمان الحلبي كليبر ويوم خرج الفرنسيس , وثرت مع المشايخ على الوالى العثماني وأخيراً تعيين محمد علي الثعلب المكير

- من أجمل الروايات التاريخية التي قرأت على الإطلاق - هي وسمرقند وليون الأفريقي لأمين معلوف- قدمتني لتفاصيل الحملة الفرنسية وآخر أيام المماليك بمصر بشكل مدهش وآخاذ.

- تغريبة بني حتحوت إلى بلاد الشمال، حيث الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة وخوض الأهوال وانقلاب الأحوال وتسلط الفأر على القط وركوع الأسد للقرد"

- تحمل الرواية السمات العامة لتغريبة بني هلال، فقد قسمها الكاتب إلى تسعة عشر جزءاً، يشكل مجموعها رحلة بني حتحوت إلى شمال مصر، خلال أواخر عصر المماليك، أيام سيطرة الدولة العثمانية اسما على مصر، وتعرض خلالها أبطال الرواية لما تعرض له بنو هلال في رحلتهم الطويلة إلى تونس، من مصاعب كثيرة، وأهوال عظيمة.‏

المصدر : منتدى الأدباء والكتاب العرب.

ايوب صابر 10-15-2014 10:55 PM

[right]
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 63- تغريبه بني حتحوت مجيد طوبيا مصر
[
- رواية غاية فى الإمتاع, رحلت معها فى رحلة سحرية إلي تاريخ ما قبل وأثناء الحملة الفرنسية.
تغربت فيها مع بني حتحوت فى ربوع مصر المحروسة من المنيا إلي مدينة مصر - القاهرة- والفيوم وأسوان والأسكندرية , عاصرت أحداث لا تكفي ملايين الجنيهات أن تجسدها أمام عيني فى فيلم كما جسدتها كلمات مجيد طوبيا.

- شهدت معيشة أهل بر مصر فى هذة الحقبة ورأيت ظلم وتجبر الغز الأخساء -المماليك- وبطش الروم -الأتراك- ومناوشات الإنجليز و عاصرت هجوم الفرنسيس واحتلالهم المحروسة وهروب المماليك الى الصعيد, رأيت شجاعة الفلاحين الفقراء...

- مجيد طوبيا رائع حابك للاحداث بشكل جميل ممتاز من اول فصل حكاية الغلمان مع الغزلان في بدايات صيف 1802 ونتعرف علي الشاطر و حتحوت و ادريس و رحلتهم الغريبة الطائشة المرهقة عبر البلدان و التاريخ و الفصل الثاني مباغتة الفرسان للغلمان ووصف دقيق لبعض دويلات السودان في تلك الفترة و الفصل الثالث قصة هادي مع أخيه زيادى ثم انتقالهم في الفصل الرابع ركوب الجمال في بحر الرمال ومزيد من الوصف وحبك الاحداث و العلاقات و الفصل الخامس ما فعله ثعلب الالبان - يقصد محمد على- في ذلك الزم..

- واحدة من الروايات التاريخية القليلة التي استمعت بها ، ملحمة حقيقة تتضافر فيها الأحداث والشخوص لترسم صورة للمجتمع المصري آنذاك .. مرة أخرى يثبت التاريخ أن الشعب المصري " حمال أسية " ، تعاقب عليه الطغاة واحدا بعد الأخر ينهبونه ويمتصون دمه وهو على حاله لا يرجو سوى لقمة العيش !

- وجبة تاريخية دسمة دون مط أو تطويل أو معلومات تحيد عن خط الرواية الأساسي .

- من أجمل الروايات التاريخية على الإطلاق - هي وسمرقند وليون الأفريقي لأمين معلوف- تقدم المتلقي لتفاصيل الحملة الفرنسية وآخر أيام المماليك بمصر بشكل مدهش وآخاذ.

-الكتاب ، رائع ، يروي حقائق كتير عن الحملة الفرنسية والفترة التي تسبقها ،

- بيحكي التاريخ بطريقة ممتعه عن طريق تغريبة حتحوت الذي تغرب شمالا للقاهرة (مدينة مصر) و شاهد الكثير من الاحداث عن الحملة الفرنسية .

- اكتر ما عجبني في الكتاب انه بيحكي التاريخ بصورة ممتعه ، ده غير انه يجعل القارئ يعيش هذه الفترة من الزمن ، حتى الاسماء التي كان يطقلها المصريين على نابليون وديزيه ، وطريقة تفكيرهم ، جعلني اشعر كأن هذه التغريبة قصه حقيقية ، وخصوصا الهوامش التي تشرح اجزاء غير مفهومة ، او تضع تواريخ..

- دائماً ما أرى أن كتابة القصص التاريخية هى أشبه بلعبة السير على الحبل المشدود,فكما لا يميل اللاعب لجهة دون جهة ويبقى متوازناً,هكذا يكون الكاتب دوماً;يوازن بين الجرعة التاريخية المقدمة وبين الخط الدرامي فلا يجنح أحدهما على الآخر. بيد أن (مجيد طوبيا) فى روايته تلك قد جنح للأسف بجانب على الآخر.

- رواية تغريبة بني حتحوت هي إلى (كتاب التاريخ) أقرب;أمدتنى بمعلومات هائلة ودسمة بالفعل,لكن افتقرت للدراما المطلوبة,وبالضبط بعد ثلثها الأول حيث اختفت الأحداث الدرامية لأبطالها تماماً وصار السرد تاريخي بحت.

- عرفني بحقبة تاريخية مهمة في مصر قبل الحملة الفرنسية و بعدها و لحد تولي محمد علي الحكم لكن ساعات كنت بحس إني بقرأ تاريخ فقط.

- الرواية جسدتلي خضوع المصريين و بؤسهم رغم أن تحت إيدهم كنز .

- تغريبة بنى حتحوت والنبوءة المشوقة فيها ..وعرض لفترة تاريخية مهمة جدا من تاريخ مصر ..والفترة الفاصلة بين المماليك ونهايتهمم المؤكدة وبين تولى محمد على ولاية مصر ..

- تستلهم الرواية السنوات التي سبقت الحملة الفرنسية و سنوات الحملة الفرنسية، لترسم حياة أبطالها و مصائرهم.

- اهتمت التغريبة أكثر ما اهتمت بالتاريخ و حكي قصص و حكايات هذا الزمن. هناك فصول كاملة تخللت العمل كانت مشغولة بتأريخ زمن الرواية. و الحق أن هذه الفصول كانت ممتعة و مستوفاه.

- هي سرد لتاريخ مهم جدا في مصر أثناء و بعد جلاء الحملة الفرنسية و بداية حكم محمد على، و ايضا تأريخ ممالك السودان و كل هذا خلال رحلة ثلاثة أصدقاء حتحوت و الشاطر و ادريس، و كيف كان تأثير الفترة الحساسة في تاريخ مصر على ثلاث شباب لا يتجاوزوا العشرين.

- كنت محتار بين 3 و 4 نجوم، لكن بسبب غزارة المعلومات و اسلوب السرد الرائع لمجيد طوبار، وجدت انها تستحق 4 عن استحقاق.

- عجبتني جدا نهاية القصة.

- قدمت لي الرواية القدر الكبير من الإفادة والمعلومات التاريخية القيمة عن مصر وأحوال أهلها المساكين في كل العصور.

- إستمتعت بالقصة و طريقة سرد التفاصيل التاريخية بسلاسة و دون تعقيد .. حقاً لم أتمكن من معرفة هل الأمر مجرد مزج بين شخوص خيالية و احداث تاريخية .. أم انها تغريبة حقيقية لأشخاص مروا على هذه الأرض .. لو كنها ممتعة على كل الأحوال

- جاءت النهاية على العكس من بقية الرواية مخيبة للآمال، حيث جاءت مبتسرة و متسرعة .. كنت أود لو أطال في سدر تفاصيل التغريبة جنوباً و رحلة العودة للديار

- الكتاب ممتع ويصور ببساطة شديدة معلومات محققة عن تاريخ مصر في اواخر عصر المماليك وخلال الحملة الفرنسية من خلال حكاية تسرة حتحوت. الاسلوب الروائي يختلف عن اسلوب مجيد طوبيا في ريم تصبغ شعرها مثلا ولكن طبيعة السرد التاريخي فرضت عليه اسلوب اكثر قربا لجورجي زيدان وان كان اكثر امتاعا للقارئ

- تغريبة بنى حتحوت حيث الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة , وخوض الأهوال وإنقلاب الأحوال, وتسلط الفأر على القط وركع الأسد للقرد. تتفجر ينابيع التاريخ , لنستقى منها العبر , ونرى عادات الحكام يستعبدوا محكوميهم ويفروا من مجالديهم , ولنتيقن ان الشعب اذا قام كله فلا راد لطلبه

- بجد تغريبة أكثر من رائع بيحكي عن حقبة هامة في تاريخ مصر .. حقائق تاريخية عن افعال مماليك والفرنسين وبتتعلم اوي قد اية ان اي احتلال في الدنيا مهما كان هدفة فهو التدمير ..

ايوب صابر 10-16-2014 01:23 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 64- بعد الغروب محمد عبد الحليم عبد الله مصر

- تعتبر رواية بعد الغروب واحدة من أهم ما كتب محمد عبد الحليم عبد الله

- تدور قصتها حول شاب من الأرياف يتخرج من كلية الزراعة ليرجع كي يجد والده قد خسر معظم أمواله فيضطر إلى البحث عن وظيفة وبالفعل يعمل في عدة أعمال بسيطة حتى ينتهى به الحال ناظرا لأحدى العزب التي يمتلكها رجلا طيب القلب لديه ابنة تدعى "أميرة" يقع في حبها من أول لقاء.. لكنه يظل يكابر حتى يعترف لنفسه ولها بالحقيقة.

ايوب صابر 10-16-2014 01:29 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 64- بعد الغروب محمد عبد الحليم عبد الله مصر

- تعتبر رواية بعد الغروب واحدة من أهم ما كتب محمد عبد الحليم عبد الله

- تدور قصتها حول شاب من الأرياف يتخرج من كلية الزراعة ليرجع كي يجد والده قد خسر معظم أمواله فيضطر إلى البحث عن وظيفة وبالفعل يعمل في عدة أعمال بسيطة حتى ينتهى به الحال ناظرا لأحدى العزب التي يمتلكها رجلا طيب القلب لديه ابنة تدعى "أميرة" يقع في حبها من أول لقاء.. لكنه يظل يكابر حتى يعترف لنفسه ولها بالحقيقة.

- رومانسية بريئة مفتقدة نلمحها في قصة محمد عبد الحليم عبد الله.

- "بعد الغروب" حكاية تروي آمالاً وأحلاماً تبعد وتختفي عند لحظة إنسانية مضمخة بعطر الغيرية.

- وموسومة بسمة التضحية المبذولة في سبيل والدٍ كانت له أمنية وهو على مشارف طريق الرحيل.

- لن نكون مغالين ان قلنا بأن القصة على الرغم من بعد المسافة بين يومنا، وأمسها، إلا أن الكثيرين يتوقون إلى قراءتها للاستمتاع بهذا النوع من العواطف، وبهذا النوع من الارتباطات الإنسانية العاطفية الشفافة التي تجمع بين فتاة وشاب يحملان أحلاماً وردية وأماني بريئة تسوق أحداثاً ممزوجة بالكثير من الوصفيات الرائعة التي تميز بها الكاتب والتي كما تعيد القارئ إلى الطبيعة، تعيد إلى ذاكرته علاقات الحب البريئة والقصص العاطفية المشبعة بالصور الحالمة وبالمشاعر الصادقة وبالعبارات المعبرة النقية الصافية .

- يعتبر أهم نقاد الأدب الروائي في الوطن العربي أن محمد عبد الحليم عبدالله من كبار جيل الروّاد في الأدب العربي الحديث وعلى الأخص في فن الروايةالرومانسية ومن أهم كُتاب القصة القصيرة العربية المجددين،

- وقد عدّه الناقدالأدبي المصري المعروف محمد جبريل من جملة أدباء جيل الوسط، جيل نجيب محفوظ ومن سارمعه على درب تحديث أدب الرواية من كبار الروائيين المصريين المجايلين له وفق موهبةكل منهم.‏

- تحول العديد من أعماله الروائية إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية بسبب ما تتميز به من ثراء وتشابك في الأحداث

- وتنوع وتغير في الشخصيات

- وعناية مركزة بتصوير البيئة

- إضافة إلى جمال أسلوبه وصياغاته اللغوية

- وسيطرة نزعة الألم والكآبة والدموع العاطفية على أبطال قصصه الغرامية وخاصة في مشاهد الموت ومواقف الفراق،

- ولعل هذه السمات هي ما ميزته عن معظم الروائيين الواقعيين من جيله.‏

- تصوّر رواية (بعد الغروب) لكاتبها الأديب محمد عبد الحليم عبد الله أزمة عاطفية شديدة الوقع في حياة شاب تخرّج في كلية الزراعة، فمضى يبحث عن عمل، وانتهى به المطاف إلى أن يشتغل ناظر زراعة في مزرعة يملكها أديب كبير، وكان المالك وابنته (أميرة) يزوران القرية لماماً في قضيان بها أياماً أو أسابيع يطلعان خلالها على أحوال المزرعة وشؤونها، ثم يعودان بعدئذ إلى القاهرة، وقد أحب الشاب الناظر (أميرة) حباً صامتاً لم يشأ أنه يفصح عنه لأنه كان يرى نفسه أفقر من أن يتطلع إلى من كانت في مثل ثراء أسرة (أميرة) وحياتها المرفهة ولكن خادمتها (زينب) – وكانت أيضاً تحبه حباً صامتاً – تقرب بين الحبيبين حتى يتصارحا، ويعرف – عبد العزيز وهذا هو اسم الشاب – أن والد (أميرة) يريد أن يزوجها لابن عمها «سامي» فيستبدّ به الحزن ويساوره القلق ويحاول أن يعرف شعور أميرة نحو هذا الخطيب، ويتكفل صديقه (صالح) الذي كان في القاهرة بذلك فيراقبهاويتتبعها وينتهي إلى أنها لا تحمل لابن عمها شيئاً من الحب؟! (وتَعدُ) أميرة أن تحدث أباها في الأمر ولكنها تتريث وتتردد ولا تجد لديها الشجاعة لفعل ذلك إلى أن ترى والدها على فراش الموت يبارك بنظراته المعبّرة زواجها لابن عمها وهكذا تجد أميرة نفسها مضطرةً إلى اصطناع الانصراف عن عبد العزيز لأنه فقير ويفترق الحبيبان.‏

- لا شك أننانستطيع ببساطة توصيف هذه الرواية بقولنا إنها رواية رومانسية مضموناً ومحتوى وشكلاًومعالجةّ، فهي تصور سلسلة من التضحيات، فالأب يضحي بمستقبل ابنته في سبيل الوفاءلأولاد أخيه، والبنت تضحي بحبها في سبيل الوفاء لذكرى أبيها وتحقيقاً لرغبته وهويلفظ أنفاسه الأخيرة وزينب الخادمة تضحي بحبها لعبد العزيز لتسعد سيدتها فتجعل نفسها رسولاً بين العاشقين، وثمة شيء من التشابه بين رواية عبد الحليم هذه ورواية (زينب) لمحمد حسين هيكل المنشورة عام 1911.
المصدر :
m.alskaf@msn.com




ايوب صابر 10-17-2014 02:19 PM

تابع
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 64- بعد الغروب محمد عبد الحليم عبد الله مصر

- أصبح أحد رموز الرواية في الأدب العربي الحديث، ومن أكثر الذين تحولت أعمالهم الأدبية إلى أفلام سينمائية

- بسبب ما تميز به من ثراء في الأحداث والشخصيات والبيئة المحيطة بها..

- وهي الخصائص التي ميزت أعماله عن سائر الروائيين من جيله. مثل مسلسل لقيطة عن روايته بنفس الاسم وكذلك مسلسل شجرة اللبلاب عن روايته بالاسم نفسه وكذلك مسلسل للزمن بقية، وفيلم الليلة الموعودة وفيلم غصن الزيتون.

- بدأت موهبته الأدبية في الظهور أولاً من خلال كتابته للشعر إلا انه مالبث أن تحول لكتابة القصة والرواية، وكانت أولى رواياته صدوراً هي "اللقيطة".

-شهدت الفترة ما بين 1947 – 1970 مجموعة من الأعمال القيمة التي قدمها الأديب الراحل كإرث أدبي قيم للمكتبة العربية تمثلت في سبع وعشرين رواية، تحول أغلبها إلى أفلام سينمائية مثل ليلة غرام عن رواية "اللقيطة"، وعاشت للحب عن روايته "شجرة اللبلاب"، وغيرها من الأعمال الأخرى التي حملت الاسم الأصلي للرواية مثل غصن الزيتون، سكون العاصفة، الليلة الموعودة.

- روايته "حلم أخر الليل" هي مجموعة قصصية نشر معظمها في الفترة ما بين أواخر الأربعينات وأوائل الستينات، بعدد من الصحف والمجلات أبرزها المصور، روز اليوسف، التحرير والثورة وغيرها من الصحف والمجلات التي تهافتت على نشر إنتاجه الأدبي،

- يقول الأستاذ الجامعي والأديب حلمي محمد القاعود في مقدمة كتاب "حلم أخر الليل" أن هذه المجموعة تعيدنا إلى ذلك الفن الجميل الذي نفتقده كثيراً في الإنتاج القصصي المعاصر،

- وأنها تقودنا بيد حانية إلى ذلك العالم الرحب الذي نرى فيه المشاعر الإنسانية متدفقة بالحياة والأمل، وتتحرك فيه الشخصيات من زاوية الرغبة في بناء المستقبل، وليس من زاوية كراهية العالم ومن فيه.

- كما يقول القاعود أن عبدالحليم عبدالله ينطلق في هذه المجموعة – كما في كل أدبه تقريباً – من رغبة قوية في معانقة الإنسان الذي يتميز بالعاطفة الصادقة والوجدان الصافي، والإحساس المرهف وهي رغبة يغذيها حسه الإسلامي الذي ينحاز للإنسانية ويتعاطف معها في حالات قوتها وضعفها،

- وقد قام القاعود بتأليف كتاب عن السيرة الذاتية لمحمد عبد الحليم عبدالله بعنوان "الغروب المستحيل".

- تدور أحداث روايته "اللقيطة" حول "ليلى" التي ولدت لتجد نفسها طفلة لقيطة سقطت في بحر الحياة وبين أمواجها المتلاطمة، ومع حملها لذنب لا يد لها فيه أنها ولدت بلا هوية فهل يمنحها المجتمع هوية، أم سوف يصر على إبعادها، وخلال أحداث الرواية تبحث ليلى لنفسها عن مكان في هذه الحياة وعن أهل لتكون واحدة من أشخاص المجتمع الشرعيين.

- وفي "غصن الزيتون" يصور المؤلف طبيعة النفس البشرية والتي تتفاعل فيها نوازع شتى ملائكية أحياناً، وشيطانية أحيان أخرى، من خلال بطل الرواية المدرس الشاب الذي يمرّ بتجربة عاطفية تتعرّى من خلالها نفسه المتنازعة الأهواء والرغبات، والذي كان يلتقي بزملائه وتدور بينهم الأحاديث عن الحب في فسحة الظهر بعد الغداء، أو عندما يلتقوا في المساء على القهوة القريبة، وكان يشارك في أحاديث الهوى بنقاش بارد، لا يتناسب مع حرارته الحقيقية.

ايوب صابر 10-17-2014 02:56 PM

تابع .....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 64- بعد الغروب محمد عبد الحليم عبد الله مصر


- محمد عبد الحليم عبد الله واحد من أندر الأدباء الذين تشعر بالأمان والرقي وأنت تقرأ لهم.

- عرفته حالما متساميا مترفعا شاعرا لم يكتب بيت شعر واحد فيما أعلم

- وهو إلى جانب هذا عف اللسان ومحلل نفسي كأحسن ما يكون وناقد أدبي وقاريء نهم ومصري حتى النخاع.

- في كتابه "الوجه الآخر" أبدأ لك بأول فصل بعنوان:"أنا" حيث يشرح فيه عبد الله كيف أنه كثيرا ما حاول جاهداً أن يستبطن حقيقة ذاته ويغوص في أعماقها يريد أن يقف على عيوب نفسه وذاك وإن كان يبعث على الأسى لكن الأسى كما يقول خير من الغرور. والذي يريد أن يعرف نفسه كمن يلاعب نفسه الشطرنج فلن يرضى غالباً ولا مغلوباً.

- يرى في كل الناس مزايا ولذا فهو يحب كل الناس. يذوب عبد الله رقة فيقول إن أكثر ما يستوقفه في هذه الحياة ويثير في نفسه الإحساس بالجمال بعد الإنسان هو الشجرة التي يبعث شموخها وثباتها في مكانها بجذورها حالة لا مثيل لها من السكون والطمأنينة التي نحتاجها بشدة.

- يقول إن الطعام القليل والفكر الكثير هو أعظم متعة في الدنيا ويؤكد قيمة الأدب ويصفه بأنه منجم ماس.

- أنتقل بك لما كتبه يوسف الشاروني واصفاً عبد الله حيث يقول إن عبد الله اختار وجها ماسيا في الأدب وهو الجانب القصصي متنقلا بين الرواية حينا والقصة القصيرة حيناً.

-ومن روايات عبد الله يؤكد الشاروني أن عبد الله رجل يحترم العلاقات العائلية والرحم ويقدسها وهو دائم العرفان بالفضل لأمه التي ورثته رهافة الحس وحب الدين وكانت تستحث رغبته نحو التعليم والقراءة ويذكر عبد الله جيدا كيف كانت تصر على أن يرتدي الطربوش لأنه كان رمزا للأفندية المتعلمين، وكيف أنها كانت أما جميلة طيبة حنونا رقيقة شديدة الإيحاء ذكية ألهمته الحب والخوف والعبادة طاهرة في كل شيء تنتقي أجمل الثياب لها وله ولأبيه وكل أسرته.

- يبلغ الوفاء بعبد الله أن يعترف بفضل عم محمد الجندي عليه وهو فراش المجمع اللغوي حيث كان يعمل عبد الله.

- يحكي عبد الله بتأثر إعجابه بتولستوي - وهو نفس الإعجاب الذي نراه عند محمود تيمور - وكيف أن الأخير قد أنشأ في ضيعته مدرسة على حسابه الخاص لتعليم أطفال الفقراء من الفلاحين وكان يعلمهم ويطعمهم بنفسه بينما كان الناس والمعلمون أنفسهم يسخرون من أريحيته وكرمه وهذا ما جسدته شخصية صلاح النجومي بطل رواية عبد الله "للزمن بقية" الذي فعل مثل ما فعل تولستوي وتلقى نفس ردة الفعل من الناس.

- ينحاز عبد الله إلى الرواية على حساب القصة القصيرة لكن المهم يا قارئي هو أنه يؤكد على ما أطلق عليه اسم "الخواص" التي يعتمد عليها كاتب القصة القصيرة وهي اللمسة الإنسانية ذات المغزى الاجتماعي الصامت، والأقصوصة التي تبنى على هذه الخاصة تتطلب كما يقول عبد الله مزاجا شاعرياً وقلباً يحس آهة الحَزَانى.

- يقول عبد الله:" إننا نصنع من الورق والطين والقش أشياء جميلة فلماذا إذن نصنع من لغتنا أشياء تافهة أو قبيحة. ويضيف عبد الله:" لكي تكون أعمالنا صادقة ينبغي أن نكون صادقين مع ذاتنا أولاً قبل أن نكون صادقين مع غيرنا."

- يفرق عبد الله في الحب بين الحب العفيف والحب الجنسي وهو أكثر ما أعجبني في عبد الله أنه لا يبتذل في أعماله أبدا

- ويؤكد على قيمة التسامح التي يمكن أن تنتشر من خلال أدب عف يقوم على التسامي والترفع عن الفحش والابتذال.

- يتخذ عبد الله تولستوي مثالا فيقول كم حصل تولستوي الروائي الكبير من الحب الجنسي مثلا؟ ويجيب: صفر لأنه كان دميما حتى كانت الخادمات تأنف منه في شبابه وزوجته كانت كارهة له لكن يركز عبد الله على أن تولستوي كان مملوءا بعبير الحب الاجتماعي والتحنن على الفقراء والضعفاء من الفلاحين حوله. لقد رثى تولستوي للمخطئة وجعل الناس يعطفون على ضعفها في "أنّا كارنينا"....وعذب الذي سلب الفقيرة شرفها...عذبه بضميره وتوبته ثم بإعراضها هي عنه، عن ذلك الغني الذي جاء يطلب عفوها في قصة "البعث".

- يقول عبد الله:"أنا شخصيا أحس أن الكلمات المفردة لها ملامح، وألوان وطول وعرض، وظل مثل ظل الروح على وجه الإنسان.

- وإخال كل أديب يحس نفس الإحساس."

-لقد قال عبد الله ذلك لأنه عاش عشرين عاما وسط المفردات العربية في المجمع اللغوي حيث كان يعمل وهو هنا يؤكد على قيمة الكلمة وخطورتها والفرق الشاسع بين الكلمة والأخرى ولو كانتا مترادفتين وأبرز دليل على ذلك هو الفرق بين المترجم والكاتب.

- بقي أن أختم بقولي إن نجيب محفوظ - وهو هو في الرواية العربية - قد شهد بأن عبد الحليم عبد الله أفضل منه موهبة وأدباً ولغة

- وقد كان عبد الله أول من فاز في مسابقة القصة التي نظمها يوسف السباعي وتفوق على محفوظ الذي اشترك في فيها هو أيضاً

- عبر بصدق عن مجتمعه وأخرج لنا أدبا اجتماعيا هادفا هو أشد ما نحتاجه اليوم من أنواع الأدب.


من مقال بقلم : محمود الفقى

ايوب صابر 10-18-2014 06:12 PM

تابع .....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 64- بعد الغروب محمد عبد الحليم عبد الله مصر

- قيل عنه "تحول العديد من أعماله الروائية إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية

- بسبب ما تتميز به من ثراء وتشابك في الأحداث

- وتنوع وتغير في الشخصيات

- وعناية مركزة بتصوير البيئة

- إضافة إلى جمال أسلوبه

- وصياغاته اللغوية

- وسيطرة نزعة الألم والكآبة والدموع العاطفية على أبطال قصصه الغرامية وخاصة في مشاهد الموت ومواقف الفراق،

- ولعل هذه السمات هي ما ميزته عن معظم الروائيين الواقعيين من جيله.‏

ايوب صابر 10-18-2014 06:26 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا

- تدور الرواية عن الحب، الشاغل الأكبر للكبار والصغار..

- بطل الرواية يتحدث عن علاقته بأربع نساء عرفهن في دمشق.. واحدة قادته للحب على طريقتها، والثانية قدمت له قلبها في تفتحه الأول فهرب منها، والثالثة كانت شخصيتها أقوى منه وحاول أن يستهويها لكنها فضلت عمه الثري عليه! والرابعة أحبها ولم يجرؤ على البوح بحبه لها..

- ورواية عبد السلام العجيلي هذه ليست مجرد غراميات شاب فقط وإنما هي أيضاً قصة سنين مضطربة عصفت بالبلاد في مهب تيارات اجتماعية وسياسية فاصلة.

- وغني عن القول أن الروائي الطبيب يمتاز بأسلوب جميل سهل وأجاد التحليق به في هذه الرواية التي احتلت مكاناً مرموقاً في عالم الأدب.

*

ايوب صابر 10-19-2014 12:48 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا

- كتب عبد السلام العجيلي القصة والرواية والشعر والمقالة.

- بلغ عدد أعماله أربعة وأربعين كتاباً حتى 2005 من أهمها الليالي والنجوم (شعر 1951)، باسمة بين الدموع (رواية 1958)، الحب والنفس (قصص 1959)، فارس مدينة القنطرة (قصص 1971)، أزاهير تشرين المدماة (قصص 1974)، في كل واد عصا (مقالات 1984). أحاديث الطبيب (قصص 1997)، ومجهولة على الطريق (قصص 1997).

- تعتبر كتابات الكاتب الكبير العجيلي في المجال الادبي من ضمن أغنى وأهم الروايات الأدبية العربية في تاريخ الأدب العربي وقد ترجمت معظم أعماله إلى اللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والأسبانية والروسية، وتدرس العديد من أعماله في الجامعات والمدارس ويعد مرجع من مراجع الادب العربي.

- يصف العجيلي طبيعة نشأته في الرقة بطريقة لا يمكن أن تختصر أو تحاكى ولا تحتاج إلى تفسير أو تعليق ولا يجوز إلا أن تـُقرأ بالحرف الواحد:
" ولدتُ في الرقة. بلدة صغيرة، أو قرية كبيرة على شاطئ الفرات بين حلب ودير الزور. من الناحية الاقتصادية كان أغلب أهل الرقة، وأسرة العجيلي منهم، يعيشون حياة نصف حضرية بأنهم كانوا في الشتاء يقيمون في البلدة فإذا جاء الربيع خرجوا إلى البادية يرعون فيها أغنامهم ويتنقلون بين مراعي الكلأ حتى أوائل الخريف. وقد عشت هذه الحياة في صباي فأثّرت فيّ كثيراً وقبستُ منها كثيراً في ما كتبت…لم يكن في الرقة في تلك الأيام سجلات ثابتة للمواليد. ويبدو أني ولدت في أواخر تموز في سنة 1918 أو 1919 . وأنا أصرّ دوماً على التاريخ الأول رغم أن الأغلب هو صحّة التاريخ الثاني

- التزم عبدالسلام بالرقة، على الرغم من تعدد وجوه حياته وإغواءات المدينة والسلطة و تجوال العالم، وظلت عيادته مفتوحة في الرقة وظل مرضاه دائماً ينتظرونه إلى أن يؤوب من مهمة جديدة، أو رحلة عتيدة، أو انقلاب في العاصمة دمشق ( وما أكثر ما كانت الانقلابات متتابعة في الخمسينات والستينات)

- ولم يستطع الزواج من بنت المدينة أن يجرّه نهائياً إلى وجاهة العيش في العاصمة والتمتع بإغواءات السلطة، على الرغم من اعترافه بأن الزواج كان أهم حدث في حياته، وكلماته بهذا الشأن واضحة تماماً:
" يبدو لي أن أهم حدث في حياتي هو زواجي. فقد غيّر من سلوكي في كثير من نواحي الحياة وساقني في مناهج ما كنت أنتهجها لولاه، سواء في مسلكي اليومي أو في طريقة نظرتي للمجتمع أو المستقبل. وبالزواج علمت أني رجل من غمار الناس، أعني أني فرد من جماعة، يسري عليّ ما يسري عليهم مهما تصورت أن لي فرديّتي واستقلالي. وهذه هي إحدى حقائق الحياة التي قد تكون مرّة، والتي نظلّ غافلين أو متغافلين عنها حتى نرتبط بالمجتمع بروابط الأسرة".

- إن الزواج من بنت المدينة ( الذي انتابته هزات قويّة) غيـَّر من سلوكه ونهج حياته. إلا أن أخلاقه ظلت أخلاق صفاء البادية وأصالتها وجسارتها في مواجهة الخطأ والباطل وانفتاحها على البشر، وصدمتها سواء في التعبير عن الذات أو في التعامل مع الآخر.

- وقد ظلت البادية ملهمة عبد السلام،

- وكانت كتاباته دائماً تترجّح بين رياح البادية وأسلاك المدينة،

- إلا أنه ظل في صميمه بدوياً وكان اندماجه في حياة الحاضرة اندماجاً غير رافضٍ لتطورات العصر، ولكنه اندماج مراقب منغمس إلا أنه غير مستسلم،

-ولذلك كانت سلوكياته اليومية وتصاويره القصصية قادرة على النفاذ إلى صميم التجارب التي يخوضها،

-وهذا ما يفسر قوة تأثيره الحيوي وتنوعه في الحياة المهنية والسياسية والأدبية في سورية وما جاورها من البلاد العربية، على امتداد ثلاثة أرباع القرن العشرين، طبعاً مع تفاوت شديد متصل بتقلبات المراحل المتعاقبة.

- قلنا في مطلع هذه العجالة إن عبد السلام كان رجالاً وليس رجلاً واحداً إلا أنه لم يكن أمةً في رجل،

- فبسبب تعدديته إلى جانب بروز حضوره الشخصي وذاتيته الأدبية وتمسكه بممارسة مهنة الطب، ظل دائماً عدة رجال في رجل متميز ومتمتع بحرية الحركة ورحابة المزاج.

- هؤلاء الرجال هم: عبد السلام البدوي، عبد السلام القروي، عبد السلام المدني، عبد السلام الطبيب، عبد السلام القومي، عبد السلام العالمي ( رحلاته المستمرة واتصالاته بالمشاهير من الشرق والغرب ).

- ولكن عبد السلام السياسي كان أيضاً متعدداً فقد كان نائباً في البرلمان السوري عن منطقته ( أي ممثلاً للشعب) ثم كان وزيراً ( أي ممثلاً للسلطة الانقلابية غالباً) للإعلام، والخارجية، والثقافة.

- وكان عربياً أصيلاً،

- ولكنه رضي لنفسه أن يتعامل مع الحركة الانفصالية عام 1961 التي فسخت الوحدة مع مصر وقوّضت أهم تجرية وحدوية في هذا العصر العربي وهي تجربة الجمهورية العربية المتحدة بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

- وفيما بعد فسّر العجيلي هذه الممارسة بتأكيده أنه كان مع الوحدة قلباً وقالباً، وكان يأمل من وراء الانفصال التوصل إلى صيغة للوحدة أكثر إيجابية وأكثر قدرة على الصمود.

- وقد كرّر ذلك قبل وفاته بمدة قصيرة من خلال مقابلة فائقة الأهمية في برنامج زيارة خاصة الذي أعادت الجزيرة بثـّه في (7/4/2006) أي بعد يومين من إعلان وفاته ( الأربعاء 5/4/2006).

ايوب صابر 10-19-2014 12:53 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا

- طبيب ... أديب ... رحالة ... سياسي ... رسام ... إعلامي ... سوري ...
- برز اسمه كأحد أعلامالأدب الواقعي الحديث في سوريا خاصة وفي العالم العربي بعامة،
- ألف ما يزيد عن 45كتاباً بين رواية وشعر ومقالة ومقامات وقصص قصيرة وغيرها،
-وقد ترجمت معظم أعمالهإلى اللغات الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والأسبانية والروسية.
- تتميز أعماله بالبساطة والسلاسة ونكهة الحكاية والجاذبية، ولا غرابة أن أطلق عليه لقب حكواتي الفرات.

[/font][/color][/size]

ايوب صابر 10-19-2014 09:52 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا


-الرواية تدور أحداثها في دمشق سنة 1961 قبل فك الوحدة بين مصر وسوريا هي خواطر شاب شاعر يأتي من الريف إلى دمشق للعمل مع عمه رجل الأعمال الكبير, بيحكي عن حياته, أفكاره, علاقاته وعمله
- بيبين الكاتب قوة التشابك بين السياسة والمال والمصالح, وتأثير السياسة على الاقتصاد والحياة العامة والعلاقات بين الناس

- رواية عبد السلام العجيلي هذه ليست مجرد غراميات شاب فقط وإنما هي أيضاً قصة سنين مضطربة عصفت بالبلاد في مهب تيارات اجتماعية وسياسية فاصلة.

- غني عن القول أن الروائي الطبيب يمتاز بأسلوب جميل سهل وأجاد التحليق به في هذه الرواية التي احتلت مكاناً مرموقاً في عالم الأدب.

- هي واحدة من رواياته المتعددة حملت عنوان قلوب على الأسلاك صدرتْ عام 1990 امتدتْ على مدى 429 صفحة من القطع الوسط قسمها العجيلي إلى جزئين تحدثت عن حياة واقعية أي نستطيع وصفها أنها رواية اجتماعية تحلل الواقع وتستقرئ مفرداته .

- كما برع العجيلي في أدب الرواية والقص برع في أدب الرحلات وكذلك المقامات نذكر من هذه المؤلفات أيضاً : حكايات من الرحلات ، المقامات ، أشياء شخصية ، عيادة في الريف ، سبعون دقيقة حكايات .‏

- ويعدْ العجيلي حقيقة أحد أعلام وادي الفرات ومحافظة الرقة وماتزال هذه المحافظة تُعنى بأدبه وتفرد لهُ مساحة في وسطها الثقافي وهناك مهرجان العجيلي التي تحرص على إقامته في ربوعها وبين أحضان مركزها الثقافي كل عام .‏

- نشهد في شخص العجيلي ثلاثة محاور: الطب والسياسة والأدب. إنها عوالم حلقت فيها روحه الفتية التي امتلأت نوراً من عوالم نجهلها، ولا يعيها العجيلي نفسه، إلا أن روحه كانت تعيها جيداً، وهذا الوعي ما برح يتجلى خلقاً ينساب رؤى، وعوالم متداخلة ومتباينة، نلمحها في أعماله خصوصاً.

- إلا أن خصوصية العجيلي ليست في كونه جامعاً لثلاث شخصيات، الطبيب والسياسي والأديب، بل أيضاً في تنوع أدبه بين القصة والحكاية والمقامة والرواية والشعر والمسرح والمقالة.

- إن أطباء دمشق القدامى يذكرون العجيلي ومساهماته الإنسانية لوطنه، وكذلك مواقفه السياسية التي انطبعت عميقاً في ذاكرة الوطن.

- أما أعماله الأدبية، فهي تبدو كالبرعم الذي وُلِدَ في الرقة، وتفتَّح على امتداد الوطن، أو كالبذرة الصغيرة التي زُرِعَت في أديم هذا الوطن، وكَبُرَت وأصبحت شجرة أغصانها تخيِّم فوق سمائه، حتى أن الطيور تأتي، وتضع أعشاشها عليها..!!

- يذكر نبيل سليمان: «من تلك التجربة حمل الرجل خيبة مريرة ودائمة. ومنها أعطى جملة من أفضل ما كتب من القصة القصيرة، على رأسها قصة "كفن حمود" من مجموعته القصصية "الحب والنفس، 1959" التي جاءت في مقاطع صغيرة تنساب بعفوية على إيقاع خفقات/حسرات وآهات أم حمود وهي تهيئ كفن ابنها الذي استُشهِدَ في فلسطين في حرب 1948، وهو (حمود العجيلي) ابن عم الكاتب. وقبل ذلك، ومن الحرب نفسها، جاءت في مجموعة "قناديل إشبيلية" قصة "بنادق في لواء الجليل" التي ترسم المتاجرة بسلاح المجاهدين في السوق السوداء، وقصة "بريد معاد" التي وصلت بين معركة قلعة جدين (20/1/1948) في فلسطين، وبين مآل المجاهد عبد الحليم الذي كان طالباً في كلية الحقوق في جامعة دمشق، وبات بعد حين من الهزيمة رجل أعمال مرموق ديدنه المال».

- يشير بعض الدارسين إلى أن المدرسة الواقعية ظهرت في الكثير من أعماله، إلا أن هذا لا يعني أنه اللون الوحيد الذي تكلم فيه العجيلي، فالمصادفة والغرائبية كثيراً ما تلوح في أعماله القصصية وهي تذكرنا باللامعقول الذي نلمحه خصوصاً في أعمال غادة السمان، إلا أن اللامعقول عند العجيلي أخذ منحى يعبِّر عن حكمة عميقة من جهة، وعن وعي رؤيوي من جهة أخرى، فالمصادفة على سبيل المثال عند العجيلي تأخذ بُعْداً عميقاً يعبِّر عنه علم النفس اليونغي بمصطلح «التزامن» وهو حدث خارجي على توافق مع حدث داخلي، وبالتالي فهو يعبر عن حكمة عميقة (راجع قصة «انتقام محلول الكينا» في نهاية الدراسة).

- وقد برع العجيلي في الرواية أسلوباً وتعبيراً، واستخدم عدة تقنيات، منها تقنية «الخطف خلفاً» كما في رواية «باسمة بين الدموع» وما يسميه الألمان «رواية البناء» كما في «قلوب على الأسلاك»

- وعنها كتب جان غولميه يقول: «هذه هي حبكة الرواية البسيطة التي تشد القارئ. أما الذي يجعلها بالنسبة لي مثيرة للاهتمام فكونها تقدم، وربما لأول مرة في الأدب العربي المعاصر، ما يسميه الألمان "رواية البناء" أي القصة التي يتتبع فيها القارئ "تشكل السجايا" أي ذلك الذي وُفِّقَ غوته إليه، مثلاً في روايته "سنوات تدريب ويلهلم ميسر" وستاندال في "الأحمر والأسود"، وفلوبير في "التربية العاطفية".

- إن القصة في كل واحدة من هذه الروايات الشهيرة تتركز حول الشخصية الرئيسة، التي تمضي، بالتجربة بعد التجربة، للوصول إلى العقل، العقل الذي لا يتفق دائماً مع السعادة، إنما مع الانقياد للوجود والقدر».

- وبدوره، يعتبر البروفسور جاك بيرك أن رواية «قلوب على الأسلاك» جديرة بأن تُصَنَّف بين أقوى ما ظهر من نوعه في الأدب العربي المعاصر. ومع اختلافه الكبير، كما هو منتظر، عما أنتجه في نفس الجيل أمثال نجيب محفوظ، وجبرا ابراهيم جبرا، فهو يمثل مع ذلك النتاج أول قفزة للإبداع الروائي بعد أن أنضج المتقدمون الكبار، الذين هم الرواد في هذا الإبداع.

- ويذكر جان غولميه رأيه في الأدب الروائي عند العجيلي فيقول: «غوته وستاندال وفلوبير أسماء أعلام في الأدب مشهورة، وعبد السلام العجيلي يستحق أن يشبه بأساتذة فن الرواية الكلاسيكي هؤلاء».

- اما أسلوبه فقد كان واحداً على تنوع المجالات التي كتب فيها، هذا الأسلوب في التعبير بلغة عربية وصفها النقاد بـ«الفخمة»، وكان العجيلي حريصاً على هذه اللغة كتابة ومحاضرات.

- في دراسة جميلة للشاعر شوقي بغدادي يشير إلى أن انصراف العجيلي إلى القصة تاركاً الشعر، ليس إلا انصرافاً عن تعرية نفسه للآخرين من خلال الشعر الذي كتبه في مجموعته الوحيدة «الليالي والنجوم» عام 1951 إلى تعرية الآخرين، وذلك ضمن إطار جنس أدبي آخر هو القصة.

- كما يذكر الشاعر شوقي بغدادي: «أسلوب التناول الغالب على القصائد هو أسلوب المناجاة أو المونولوج الداخلي، فمعظم القصائد تبدأ بنداء مثل: يا بدر.. يا غيمة.. أذني تملّي.. أو مونولوج "الخميلة العطشى" وهو إرهاصها بالتحول الذي سوف يقوى ويتأصل أكثر فأكثر فيما بعد من خلال ظاهرة الغوص على العوالم الداخلية للشاعر بدلاً من الوصف الخارجي أو الخطابي المباشر».

- تألق العجيلي أكثر ما تألق في القصة والرواية، واُعْتُبِر أحد أعلامهما في سورية والعالم العربي، إلا أنه من الصعوبة بمكان حصره في دائرة القومية، لأن العجيلي تعدَّى هذه الدائرة نحو دائرة العالمية ليصبح ندّاً لأدباء عالميين آخرين عرفهم الغرب، ولعل عالمية أدبه تظهر من خلال الترجمات للعديد من أعماله للغات مختلفة، وعامل الرؤيا أو الوعي الرؤيوي في الكثير من أعماله، وكذلك رحلاته التي قام بها فتواصل مع العالم الغربي وأبدع في أدب الرحلات، هذا الأخير الذي عكس عالمية العجيلي.

ايوب صابر 10-19-2014 09:58 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا


- نرى كاتبنا قد اختار المرأة كمنسِّبة لبطلنا طارق عمران في عالم الرجولة، وهنا أيضاً نعود إلى «نموذج المرأة» في حياة طارق عمران، وسوف ندرسه على نحوٍ متواضع،

- وبقي أن نشير إلى أن العجيلي استطاع أن يصوِّر من خلال طارق حالة وجدانية، ومعاناة حقيقية.

-ولاشك في أن عودته إلى مدينته البعيدة التي تحمل طابع الريف في ذلك الوقت، يحمل ألف معنى ومعنى، نعم إن طارق عمران يترك إدارة مؤسسة عمه، ويترك دمشق، ويعود إلى بلدته، وهنا المفاجأة التي تركها لنا العجيلي ليكشف لنا عن شخص طارق الذي كان صادقاً مع أحاسيسه، وحالة تنبض بالحياة، وبعبارة أخرى، لم تكن النهاية، بل البداية‍‍‍‍!!.

- يطالعنا العجيلي، في روايته هذه بأربعة نماذج، ويتدرج بطلنا من خلال علاقته مع كل من هذه النماذج في تطور تصاعدي باحثاً عن نفسه، إلا أن ثمة نموذجاً خفياً كما لو أنه كان على الهامش، ينتظر الفرصة لدخوله وانسحابه كالجنيات، سوف نأتي على ذكره.
سوف نبدأ بالنموذج الأول «الفتاة المراهقة»، هذا النموذج يفصح عن علاقة من أجل المسرَّة، وعندما تكون هذه العلاقة (أي المسرَّة) هي أساس الزواج على سبيل المثال، فسوف تنتهي العلاقة عندما يصبح الشخص الآخر لا يجلب المسرَّة، وهنا فإن هذا النموذج يلعب دوراً معيناً في القصة، فنرى مثلاً، «الزوج أو الأب سوف يقع في غرام مراهقة صغيرة، ويتنحَّى جانباً، والأم سوف تُهجَر بقلب وبيت فارغين. ويكون عليها أن تكافح من جديد كي تخلق لحياتها معنى بالطريقة التي تراها».

- إلا أن العجيلي يختار سياقاً آخر لهذا النموذج، كونه انعكاس لتطور بطلنا في علاقته مع الآخر، وربما اختار له هذا النموذج كبداية في تفتحه وتطوره الصاعد. ومما نعثر عليه في هذا السياق، حين تشرح «ماجدة» -التي تمثل نموذج «الفتاة المراهقة»– مفهوم الحب المرتبط بالجنس، فإننا نرى حنق طارق الذي يدفعه لكي يؤدبها بالعصا‍‍!!.

- إنها ولاشك العقلية الشرقية المشحونة في اللاوعي بالعدائية تجاه أي تمظهر بريء للجنس، وهذه العدائية إن نمَّت عن شيء فهي تنمّ عن الجهل والخوف من أشد طاقاتنا حيوية، وأهمها في سعادتنا، ورُقيِّنا في سُلَّم الحضارة الإنسانية!!.

- إلا أن تجربته مع «ماجدة» حين يقول: «وها هي الآن، ماجدة، تكسر القمقم أمامي في حركة واحدة، وتلصق صدرها الناهد بصدري لتبرهن لي أنها امرأة وتقول لي أنها تحبني» إلا أن طارقاً هنا أيضاً تماسك وتراجع بعد أن ندَّت عنه على رغمه تنهيدة خفيفة.

- ثم تأتي تجربته مع «نهاد» وهي نموذج آخر سوف نأتي على ذكره، لكن شيئاً ما ينبغي الإشارة إليه، وهي بوادر حالة عصابية قد تلمّ ببطلنا، فكما ذكرنا أنه يمثل متناقضات عالمنا الحديث، فهو شاعر من جهة، وعمه رجل أعمال ثري يرى الحياة بمنظور مختلف، وهو ريفي أي طاهر السريرة من جهة، وهو في المدينة التي تحكمها الشهوة والسلطة من جهة أخرى، تجربته مع ماجدة ورغبته في الإشباع من جهة، ورغبة أخرى في الكف من جهة أخرى.

-إنها سلسلة من المتناقضات تهيئ الجو المناسب لنشوء العصاب النفسي، فالعصاب النفسي هو حالة تشل فيها الإنسان قوى متعارضة في اللاشعور. إلا أن كاتبنا شاء قدراً آخر لبطله، فأظهر صراعه إلى دائرة النور والوعي، مما أتاح له فرصة أكبر لكي يتبلور وينضج في سياق تطوري لم يخلُ من إرهاصات عصابية.

-هذا السياق التطوري يقوده إلى نموذج آخر على الساحة، هو النموذج الذي يمتثل للبعد الاجتماعي في العلاقة الجنسية، والذي يشكِّل الثراء أحد عوامله ويفعِّله، فالثراء أو الطبقة الاجتماعية، وبعبارة أخرى الامتياز الذي تتمتع به، يتيح لها حرية ممارسة العلاقة، وهذا النموذج نراه في «نهاد» المرأة الأرستقراطية، وهكذا نسمع بطلنا يقول في هذا الصدد: «أليس بديعاً أن يتسامى الإنسان عن دعوات نهاد إلى السقوط في شبكة الارتباطات نصف العاطفية، نصف الجنسية التي أصبحت مكرسة رسمياً عند طبقة معينة من طبقات المجتمع فيجدها سخيفة».

- وعلى الرغم من رأيه هذا نجد وصفاً شاعرياً لعلاقته مع نهاد تدخلنا في عوالم السحر والجمال. حيث أن بطلنا لم يستطع مقاومة فتنة وجمال نهاد، إلا أنه أثناء انجذابه وعناقه لها كانت تلوح أمامه شخصية أخرى، امرأة أخرى، «نموذج آخر»، وفي صراعه بين نموذجين: «أنيما النفس» الذي تمثله «صفية» ونموذج «المرأة الأرستقراطية المتزوجة» وتمثله «نهاد». فإن صورة صفية تقفز إلى ذهنه حيناً حتى تغيب وتختفي أمام صهيل الجسد، وجموحه لدى رؤية نهاد الفاتنة وجسدها الملتهب، فهاهوذا يصف تجربته حين دعته للوصال: «كان بصوتها بعض البحّة.

- فأسرعت إليها حتى دانيتها. رأيت أن شحوباً خفيفاً كسا وجنتيها في تلك اللحظة، أما جسدها فقد خُيِّلَ إلي، من مرآه مهصوراً بذلك الرداء القاني، إنه كان ينفث اللهب. ضممتها إلي، وسرنا معاً متخطين المنطقة الظليلة من البهو إلى ما وراءها، أصابع يدينا متشابكة ورأسها ملقى على كتفي، كأننا كنا نخطو بجسد واحد إلى عالم رائع كان يهتف بنا مرحباً، فاتحاً لنا ذراعيه ليضمّنا في أمواجه الهانئة».

- ونهاد التي أقامت علاقة مع بطلنا نراها فيما بعد، وقد «تركت زوجها حليم بك رمزي، وتزوجت زكي بيه الذي أصبح بعد الانفصال محافظاً أو وكيل وزارة فيما تبقى من الجمهورية العربية المتحدة».

- أما النموذج الآخر الذي كان يتراءى له أثناء عناقه لنهاد، وهو إن حق لنا القول، أنيما النفس، الذي يتمثل في شخص صفية، «صفية» هذه التي قال عنها بطلنا: «هذه هي ملهمتي الحقيقية، صفية! إنها الجديرة بأن أنظم فيها الشعر القديم الذي لم يوحَ إليّ بعد في هذه المدينة الشاعرية. صفية، وليست زوزو (أي الراقصة) التي يريدني ممدوح أن أنظم فيها ما يريد من قصيد!».

- ولكن، من هي زوزو هذه؟! لقد ذكرنا في بداية المبحث عن نموذج أبقاه العجيلي على الهامش، وأدخله الرواية، وانسحب كالجنيات. والآن قد أتى وقت الحديث عنه، لاغرو أنها حركة خفة، وعمل يُظْهِر مقدرة الكاتب الإبداعية في إظهار الشخصيات والتعبير عن ماهياتها!!.

- لقد ذكرنا أولاً نموذج «الفتاة المراهقة»، إلا أن نموذجاً أكثر منه صميمية يفعل على نحو لاشعوري تاركاً بصماته في جسد شبقي منذ سني الطفولة الأولى، ومع المراهقة تدب في هذا الجسد الحياة ويصبح صارخاً، وهو يعبِّر عن ارتباط اللاشعور أول بأول بمصدر الإثارة، هذا المصدر الذي يلوح في عوالم المراهقة من خلال نموذج «المرأة الفاسقة» أو «البغي»، واللاشعور المرتبط بهذا النموذج كالرجل المرتبط بامرأة فاسقة يقيم معها تحت سقف واحد، وهي تزور مريديها في مخادعهم، في مخيّلتهم، وفي بيوتهم، وفي قلوبهم بأشكال شتّى. وتمنح اللذة أولاً، والإشباع ثانياً. وهكذا تشيد مملكتها، وتعتلي عرشها، حتى أنها تستطيع أن تجعل من الزواج ماخوراً لها!!.

- هذا النموذج فاعل بشدة على مستوى اللاوعي عند الأفراد، وثمة ارتباط لاشعوري بها. ولعل تجربة مثل هذه نراها حتى عند بعض القديسين مثل أوغسطين في كتابه اعترافات، أما في الوقت الحاضر فنرى هذا النموذج متمثلاً بفتاة الستربتيز، أو بطلة البورنو، هذا النموذج الذي يصرخ في الغرائز ويستثيرها، يلوح في الرواية من خلال «الراقصة زوزو» التي يستسلم لها طارق بعد أن شعر أن الأرض تختفي من تحت قدميه، وذلك بمغادرة عمه للبلاد، وإيقاف المشروع، بزواج هدى من عمه، وزواج صفية بعد أن فكت حزنها على زوجها الأول. وبالتالي يعيش ما يسميه البعض «القلق السري» أو «قلق الذات»، هذا الشعور الغامض الذي امتزج مع شعور من اليأس، يقوده أخيراً إلى أحضان الراقصة زوزو، وتجربته هذه تفضي به إلى ما نسميه بـ«آلام اللذة»، ذلك أن «اللذة» حين تكون لاواعية فإنها تستعبد المرء وتنحدر به إلى الجحيم، أما حين تكون واعية فهي تحرِّره وترتقي به إلى السماء!!.

ايوب صابر 10-19-2014 10:04 PM

تابع...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا


- لقد شكّلَت السياسة عَصَباً رئيسياً في تشكّل كيان العجيلي وتفتحه، إذ كان أصغر النواب سناً، وحاولوا تغيير تاريخ ولادته لكي يتوافق انتخابه مع السن التي يحددها الدستور، ثم أتت مشاركته في جيش الإنقاذ، حيث استطاع أن يغرف من معين هذه التجربة دروساً ومعانيَ مختلفة أنضجت رؤيته للأمور، ثم أخيراً مشاركته في ثلاث وزارات أهمها كان ربما الخارجية.

- كانت السياسة بالنسبة للعجيلي تعني تكريساً لخدمة الوطن والآخر، لا مصلحة شخصية وحباً للسلطة. من هنا كان تفرغه فيما بعد لعمله الإنساني في الطب أساساً يتحرك من خلاله وفضاءً يمارس فيه عملاً آخر هو الأدب، هذا المنبر الذي كان يضوع منه عطر السياسة العجيليّ.

- وهكذا يكاد لا يخلو عمل من أعماله، من خطابٍ سياسي يعكس تجربته ورؤيته، وسوف نركز في هذا المبحث على جانب هام اتسم به العجيلي، وهو عنصر «الرؤيا»، ذلك أننا لن نستطيع فهم خطابه السياسي، دون تسليط الضوء على هذا العنصر لدى العجيلي، وسوف نركز على جانبين اثنين من جملة الجوانب التي تتناولها «الرؤيا» عند العجيلي، وهذان الجانبان هما ما نسميه «نظرية الأدوار» أولاً، و«الحرية» ثانياً.

- نشير إلى «نظرية الأدوار» من خلال قصة «نبوءات الشيخ سلمان» من مجموعة «فارس مدينة القنطرة» أما جانب «الحرية» فمن خلال رواية «قلوب على الأسلاك».

- لاشك أن القصة تلخصها كلمة «رؤيا» إنها تحوي «رؤيا» أو أن «الرؤيا» تحويها، وهنا براعة أو الأصح عظمة العجيلي، التي لا تقلّ عن عظمة كتّاب شهدهم الاتحاد السوفياتي السابق في ثورته مثل مكسيم غوركي أو غيره من كتّاب عالميين!!.

ايوب صابر 10-19-2014 10:07 PM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا


- يقول «كتبت القصة أمداً طويلاً دون أن أحسب أن لي في كتابتها مذهباً أو طريقة خاصة.

- أعتقد أن الفنان الحق يعطي بعفوية حين يكتب، وإن كثرة تدقيقه في كيفية العطاء والإنتاج إذا لم تضر قليلاً بهذه العفوية فهي لا تفيدها كثيراً.

- أريد أن أقول أن قصصي التي كتبتها هي التي حددت مذهبي وأعطته الشكل الذي تميز به بين مذاهب كتاب القصة، وإني لست الذي اتخذت مذهباً معيناً من المذاهب القصصية المعروفة فاخترت أن أكتب قصصي ضمن حدوده.
- يقول " إذن فمذهبي مذهب أصيل لم يأت عن تقليد ولا اتباع، وهذا ما يرضيني عنه ويصل بي إلى حد الفخر به.

- ولقد آبى على نفسي أحياناً تقليد نفسي فأحاول أن آتي دوماً بالجديد والمبتكر فيما أكتبه.

- فالزمن عندي عامل من عوامل القصة قد أقفز به أو أتراجع فيه، وأروح به جيئة وذهاباً حتى أستطيع أن أعطي للحادثة التي أكتب عنها وقعاً معيناً في نفس القارئ.

- بل يحدث أن أكتب قصة لا وزن للزمن فيها مذكوراً.

- فلي قصة اسمها «حمّى» مكتوبة بشكل مذكرات لا تؤرخ باليوم الخامس والعاشر والسابع عشر من أيام الشهر مثلاً بل بدرجة حرارة البطل: سبع وثلاثين وثلاث شرطات، أربعين وست شرطات، وهلم جرا.. كلما تبدلت حمى البطل تبدلت أفكاره والأحداث التي تحيط به.

-ولي قصص غير هذه لا يدرك القارئ فكرتها إلا بقراءة حوادث متعددة لا رابط زمنياً بينها مثل قصتي "القفاز".

- إلا أني على اهتمامي بحادثة القصة أو حوادثها لا أجعل منها دوماً الشيء الرئيسي. بل إني كثيراً ما أحمّلها غايتي من القصة التي أكتبها سواء كانت هذه الغاية فكرية علمية أو عاطفية إنسانية أو إحساساً شعرياً.

- أضرب لذلك مثلاً قصة "الليل في كل مكان". فهذه قصة ترد في بضع صفحات ولكن مسرحها العالم بكامله، من فرنسا إلى فلسطين إلى الحبشة إلى جنوب إفريقيا. لو كانت رواية الحادثة هي الغاية في القصة لشتّتُ ذهن القارئ في ركضي به بين آفاق العالم المتسع في تلك الصفحات القليلة.

- ولكن غايتي كانت أن يشعر القارئ بشعور البطلة مارليت وهي تسعى بين أرجاء الدنيا بطفليها باحثة عن مكان لا أثر فيه للحقد والبغض والتهديد بالحرب، فلا تجد ذلك المكان، لأن الليل في كل مكان.

- ثمة صفتان أخريتان من صفات الشكل في مذهبي للقصة، هما فصاحة اللغة ثم اللغة العلمية.
إني أجد أن استعمال الألفاظ العلمية يزيد اللغة العربية المتداولة ثروة في المفردات وغنى في التعبير، وتلك خدمة لا أتردد عن المساهمة في إسدائها إلى لغة وطني وقومي.

- تلك هي بعض صفات الشكل في مذهبي القصصي.

- أما صفات المضمون، فالتنويع الذي أشرت إليه في مستهل كلامي، من أبرزها. والتنويع فيما أكتبه ليس مفتعلاً، فأنا أغرف من منابع كثيرة في الحياة كان من نعمة الله عليّ أن يسرَّ لي ورودها. فقد نشأت في جو البادية الغنية في أحاسيسها والغريبة في تقاليدها. وعشت في أجواء المدينة المعقدة الحياة المزدحمة المرافق. ودرست العلم وهويت الأدب. كما أني مارست السياسة سلماً وحرباً، وتنقلت في أرجاء العالم الواسعة. فتوفر لي من كل ذلك ذخيرة من التجارب والذكريات والأفكار وتفتح به من آفاق الخيال ما أعانني على كتابة قصص متباعدة المرامي والأمكنة والمواضيع.

- وأنا أحرص في هذا التنويع على صفة الغرابة والتشويق فيما أكتبه، غرابة الحادثة أو غرابة النتيجة التي تنتهي إليها الحادثة، أو غرابة الفكرة التي تستنتج من الحادثة. على أن الغرابة ليست في الواقع إلا عنصراً واحداً من عناصر مذهبي في القصة.

- كتبت قصصاً كثيرة تدور حوادثها في جو طبي وتصف الصراع بين الطبيب، بين الإنسان المسلح بسلاح العلم الحديث، وبين المرض بملايين عوامله المعروفة والمجهولة. وعلى رغم إيماني بالعلم وبمعطياته الخيّرة وبضرورته اللازمة لمجتمع كمجتمعنا العربي في أيامنا الحاضرة.

- كنت أجعل الغلبة في قصصي للمجهول على المعلوم وأضع الطبيب أو العالِم موضع القلق الحائر أو المغلوب الضائع. وكتبت قصصاً إنسانية، الناس فيها خيّرون يبذلون كل مجهودهم لبلوغ طمأنينة النفس، ولكن العالم المحيط بهم يتغلب عليهم وينتهي بمجهودهم إلى العدم. وكتبت قصصاً قومية يحارب شخوصها من أجل مثلهم العليا، وهي مثلي أنا الشخصية، بكل قواهم، ولكنهم لا يبلغون غاياتهم. فأبطال تلك القصص منكوبون دوماً، أو مقتولون، على حبي لهم وتمجيدي إياهم.

- يكاد التشاؤم أن يكون هو الفكرة المهيمنة على قصصي لولا أن صفة مشتركة بين أبطالها ترفعهم إلى مرتبة أعلى من مرتبة التفاؤل، هذه الصفة هي لا مبالاتهم بما يصيبهم ما داموا جادين في كفاحهم، هي كبرياؤهم التي لا يؤثر فيها الفشل ولا الموت. إنهم يعرفون أن الظروف المحيطة بهم والطبيعة التي يعيشون في حضنها والوجود الذي هم منه، أقوى منهم، ولكن ذلك لا يخيفهم، فهم يتحدون كل تلك العوامل بالجهاد في سبيل غاياتهم المثلى.

- هذه هي الفكرة الشاملة التي ينبعث منها موقفي كأديب في الحياة.

- فأنا كإنسان مؤمن بإنسانيتي من ناحية وبعقلي ومعطياته العلمية من ناحية ثانية. حائر بين أمرين أو على الأصح مدرك لأمرين:
- الأول هو ضآلة شأني كمخلوق بشري في الوجود. فالمخلوق البشري ليس إلا ذرة على كوكب هو تابع لشمس تابعة لمجموعة سديمية، نعلم بعقلنا القاصر أن الكون المدرَك من قبلنا يحتوي الملايين من أمثالها.

- والأمر الثاني هو كبريائي كإنسان، وهي كبرياء تدفعني إلى الكفاح وبذل كل جهد في سبيل غايات سامية معينة. فإذا غلبتني القوى المتألبة عليّ فإنها لا تكون قد غلبت جباناً مستسلماً بل مكافحاً مناضلاً. من تصارع هاتين الحقيقتين، ضآلة شأن الإنسان وكبريائه المكافحة، يتألف موقف أبطال قصصي المتميز، وبه تتوضح أرسخ معالم مذهبي في كتابة القصة.

- كتبت القصة الساخرة والقصة الضاحكة، وكتبت القصة الحزينة ولكن حزناً هادئاً فيه الأسى وليس فيه الصخب أو العويل. فكأن الوجود عندي، على غلبته للإنسان، مدرك لضعفه ونبله فهو مكبر له ورفيق فيه. أو كأن الإنسان على وثوقه بنفسه وإيمانه بسلامة موقفه مدرك لدوافع غريمه فهو لا يحمل له في قلبه ضغينة ولا حقداً.

ايوب صابر 10-19-2014 10:24 PM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا




- هذا الطبيب المولود في البادية السورية (1918)، سعى منذ بداياته إلى اضاءة عوالم حكائية مستمدة من بيئة بكر، تتمازج في أطيافها، الميثولوجيا البدوية، بالتطلعات الحضرية.

- ووجد صاحب «المغمورون» في هذه المناخات فضاء سردياً مثيراً، يقوم على كشف حيوات بشر غارقين في متاهة القدرية والغيبيات.

- وهو منذ مجموعته القصصية الأولى»بنت الساحرة» (1948)، أكد على خصوصية عربية في السرد الحكائي، تستمد شرعيتها من خزّان معرفي وحياتي لا ينضب، يمتد من سحر «ألف ليلة وليلة» إلى بلاغة الجاحظ، والمقامات، الأمر الذي قاد يوسف ادريس إلى أن يقول مرة أن «العجيلي رائد القصة العربية بلا منازع».

- في «مهرجان العجيلي الأول للرواية العربية» الذي استضافته مدينة الرقة، مسقط رأس الكاتب، استعاد روائيون ونقاد عرب وسوريون، سيرة عبد السلام العجيلي، بما يشبه الاعتراف المتأخر بريادته وجمالية تجربته السردية،

- هكذا تناول علي زيتون (لبنان)، خصوصية المشهد القصصي لدى عبد السلام العجيلي خلال مجموعته القصصية «قناديل اشبيلية» (1956)، هذه المجموعة التي التفتت باكراً إلى ثنائية الشرق والغرب، بأبعادها الرومنسية والإنسانية والحسية.

- وأوضح ياسين رفاعية في دراسته «الفن الروائي عند العجيلي» إلى أنه لم يرق إلى المستوى القصصي الذي بلغه «فكل قصة تترك أثراً لا يمحى في الذاكرة، كما لو أنها سلسلة أو سبحة ، إذا فقدت حبة منها انفرطت كلها».

- ورأى محمد عبيد الله (الأردن)، أن اللافت في تجربة العجيلي هو «فرادة المناخ وخصوصية التجربة، إذ طوّع الفنون السردية للتعبير عن تجارب دقيقة وصعبة، مستمدة من محيطه وبيئته الفريدة، ومن رؤيته التي تجمع بين الإيمان بالعلم، والثقة بالأدب وأخيلته ورؤاه».

- أما وليد اخلاصي فقال: «خرج العجيلي من عمق الصحراء السورية، نقياً كذرات الرمل فيها، وقد تحولت إلى تربة أزهر العلم في طياتها ليصبح طبيباً يداوي الجراح والألم. وما لبثت روحه أن تفتقت عن حكواتي قدره أن يشهد على عصره».

- وتناول صلاح فضل (مصر) الرواية الأخيرة للعجيلي «أجملهن»، ورأى فيها مثالاً على الجمال الكلاسيكي الذي «يعيد بهجة القص وحلاوة العالم، ودقة الوصف للمشاعر والحوادث بإحكام بالغ وتعبير مقتصد وعمق جوهري نادر، كأنه يفيض من أفق آخر».

- وأكد محمد جدوع في دراسته «العجيلي وسوسيولوجيا التناسل الأدبي»، أن صاحب «باسمة بين الدموع» يستدرج قارئه و «يغريه بغوايتيّ الغرابة والتشويق، ليلج به جوف عالمه الغرائبي المتنوع الذي صاغه خياله المفتوح، ووفرته له بيئاته المتنوعة»، مستشهداً بقول للعجيلي ذاته»: أحاول تقريب الخيالي والمثالي أو اللامعقول بمعالجتي الفنية حتى أجعله واقعياً، وأعالج الواقعي حتى أجعله خيالياً».

- الروائي السوري ممدوح عزام، استعاد في شهادته «العجيلي وأنا»، علاقته مع قصة قديمة للعجيلي بعنوان «الشبّاك»، ووصف الاضطراب الذي أصابه من جراء أحداثها وغرائبيتها، ليكتشف لاحقاً، الأثر العميق لهذا الكاتب، بعيداً من النظرة النقدية السائدة لمنجزه الابداعي بصفته حسب هذا التيار الايديولوجي «يمثّل القيم الاقطاعية في القصة السورية»، وأضاف: «إن قصصه عصية على التلخيص، مثل أي عمل جيد، إذ أن هذا الاجراء يسلب النص قوة الحضور، ولا حضور إلا بالاكتمال، واكثر قصصه مكتملة».


من مقال بقلم: خليـــــــــل صويلح
عن صحيفة " الحياة " ـ - 21/12/2005م

ايوب صابر 10-19-2014 10:27 PM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا

- يستعيد منجز عبد السلام العجيلي مجمل سمات الحكاية الشهرزادية، ولاسيّما كفاءته العالية في أسر قارئه حتى نقطة النهاية من كلّ نصّ من النصوص المكوّنة له، أو حتى يدرك العجيلي نفسه الصباح ويتوقف عن الكلام المباح

- وإلى حدّ يمكن عدّ العجيلي معه، عبر إبداعه عامة وليس الروائي وحده، آخر "الحكواتية" العرب في العصر الحديث، بالمعنى الفنّي/الجمالي للكلمة وليس بمعناها المستقرّ في الوعي الجمعيّ العربيّ.

- ولئن كان من أبرز ما يميز ذلك المنجز فيض المتفاعلات النصية فيه على المستوى الحكائي، بأنواعها وأشكالها كافّة، ولاسيّما التفاعل النصّي الذاتي، أي: تفاعل نصوص الكاتب الواحد بعضها مع بعض، فإنّ من أبرز ما يميزه أيضاً فيض تلك المتفاعلات نفسها على المستوى البنائي، وعلى نحو دالّ على أنَّ ثمَّة معماراً سردياً أثيراً لدى العجيلي ما ينفكّ يتردّد بين نصّ روائي وآخر، ويمثّل جذراً مركزياً في مجمل فعاليات صوغه لمواده الحكائية الخام.

- وقد عنيت نصوص العجيلي جميعاً برصد أكثر مفاصل التاريخ العربي الحديث حرارة على المستويين القومي والقطري، فرواية العجيلي الأولى:

-تصدّت "قلوب على الأسلاك" للحديث عن تجربة الوحدة بين سورية ومصر(1958-1961)، وعاودت "ألوان الحب الثلاثة" الحديث عن تلك التجربة ولكن من موقع آخر، ومجّدت "أزاهير تشرين المدماة" ما أبداه المقاتل السوري من استبسال في حرب تشرين (1973)، وتبنّت "المغمورون" قضية الفلاحين الذين تمّ تهجيرهم إلى مناطق بعيدة عن قراهم وأراضيهم إبان بناء سد الفرات في سورية، وتابعت "أرض السيّاد" مشكلات منطقة الغمر وقضاياها بعد بناء السدّ، وعالجت "أجملهن" علاقة الشرق بالغرب.

- والسمة المشار إليها آنفاً، أي التفاعل النصي الذاتي على المستوى البنائي في عالم العجيلي الروائي، لا تتحدّد بمكوّن وحده، بل تمتدّ لتشمل مجمل مكوّنات ذلك العالم، ولاسيّما: آليات السرد وتقنياته، ووسائل بناء الشخصيات، وفعاليات الوصف، والتضمين، والمنظور السردي أو "التبئير" بتعبير "السرديات"، التي تمثّل جميعاً حوامل أساسية لتجلّيات الخطاب في الأغلب الأعمّ من نصوص العجيلي الروائية، أو للتغيرات التي يحدثها الروائي في الموادّ قبل اللفظية لمحكيّاته، والتي تتضمّن في داخلها بآن ما يؤكّد أنَّ ثمة نسقاً جمالياً مهيمناً يضبط حركة تلك التغييرات.

- ولعلّ أهم ملامح المكوّن الأول، أي: آليات السرد وتقنياته، ما يبديه العجيلي من إلحاح واضح على تجزيء محكيّ نصّه الروائي إلى وحدات سردية يتصدّر بعضها العلامة الشائعة في الأغلب الأعمّ من السرد الفنّي العربيّ الحديث، أي: "فصول"، كما في "باسمة بين الدموع"، و"أرض السيّاد"، و"أجملهن"، أو "أجزاء" كما في: "قلوب على الأسلاك"، ويتصدّر بعضها الآخر أرقام، كما في: "ألوان الحبّ الثلاثة"، و"أزاهير تشرين المدمّاة"، و"المغمورون".

- وغالباً ما يلحق الروائي بالفصول المكوّنة لنصوصه التي تنتمي إلى المجال الأول علامة فرعية تختزل، أو تكاد، جوهر المحكيّ في كلّ فصل، ومن أمثلة ذلك العلامات الفرعية التالية الملحقة بالفصول الستة المكوّنة لرواية "باسمة بين الدموع"، الطريق الزلقة، عينان واسعتان وجديلة، وفي الحيّ القديم، وآراء الدكتور إلياس، ورسائل من دمشق، ودموع باسمة، وبقية الدموع، ومن أمثلته أيضاً مثيلاتها الملحقة بالفصول الثلاثة المكوّنة لرواية "أجملهن": أجملهن، وساليزبورغ، ورسالتان، وعامّة، فإنّ فعالية التقسيم والتجزيء تلك تترجح بين سمتين رئيستين: فنيّة /جماليّة تنهض بأداء وظيفة أو وظائف في بناء النص الروائي أحياناً، كما في: "باسمة بين الدموع"، و"قلوب على الأسلاك"، وزخرفية/تزينية لا تنهض بأداء أية وظيفة أحياناً ثانية، كما في: "أرض السيّاد"، و"أجملهنّ".

- ولا يكتفي العجيلي بتجزيء محكيّه إلى وحدات، بل يتجاوز ذلك أحياناً إلى تجزيء تلك الوحدات إلى وحدات أصغر، يتّسم معظمها بخلوّه من العلامات، كما في تجزئته لكلّ وحدة من الوحدات الثلاث والعشرين المكوّنة لمحكيّ "ألوان الحبّ الثلاثة" إلى وحدات صغرى، ويتخذ بعضها الآخر لنفسه صيغة الترقيم، كما في تجزئته لكلّ فصل من الفصول الستة المكوّنة لمحكيّ: "باسمة بين الدموع"، ولكلّ جزء من الجزئين المكوّنين لمحكيّ: "قلوب على الأسلاك"

- . وبهذا المعنى، فإنّ الروائي لا يقدّم محكيّات نصوصه على نحو متتابع زمنياً، ولذلك فإنّ تلك النصوص غالباً ما تمتلئ بمفارقات سردية على مستوى البنية الزمنية، وغالباً أيضاً ما تمتلئ تلك المفارقات نفسها بمختلف تقنيات بناء الزمن، كالاسترجاع والاستباق، والخلاصة، والحذف، والاستراحة أو الوقف، والاستغراق، وسوى ذلك ممّا يشير، كلاً أو أجزاء إلى أنّ العجيلي كما يبدي حرصاً على بناء نصّ حكائي بالمعنى التقليدي يبدي، بآن، حرصاً واضحاً على تحرير ذلك النصّ من أسر الحكائية بمعناها المتواتر ليصير النصّ معه فناً كما هو حكاية معاً. ومن أمثلة ذلك، وفيما يخصّ تقنية بعينها هي "الاستباق" ما يقوله سعيد، في: "أجملهن"، لسوزان قاصداً ندى: "فارقت الحياة، كما سنفارقها جميعاً". الذي يؤذن بما ستنتهي ندى إليه قبل أن يكمل سعيد حكايتها.

- وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى ولع العجيلي اللافت للنظر بتعيين الحدود الزمنية للأغلب الأعمّ من الأحداث المكوّنة لكلّ نصّ من نصوصه الروائية، وممّا يمكن عدّه قرائن دالّة على ذلك إشارة الراوي، في "باسمة بين الدموع"، إلى مرور "ثلاثة أعوام أو ما يقاربها"، على أوّل إيقاع لصوت باسمة في أذني سليمان، وإلى عقد قرانها على مطلّقها قبل ثلاثة عشر عاماً، وحين كانت في الرابعة عشرة من عمرها، وتحديد الروائيين لقطيعة نديم مع سميحة، في: "ألوان الحبّ الثلاثة"، بعام واحد، وقول سوزان لسعيد، في: "أجملهن"، على نحو مباشر يجهر بالزمن الذي تجري فيه أحداث الرواية: "نحن الآن في مطلع النصف الثاني من هذا القرن، القرن العشرين"، الذي وسوى ذلك ممّا يتجاوز كونه سمة مميزة لفعاليات البناء الزمني في عالم العجيلي الروائي إلى كونه كناية عن الإحساس الفادح لمعظم شخصيات ذلك العالم بوطأة الزمن حولها من جهة، وعن حال الثبات والعطالة في مواجهة تحوّلاته المثيرة من جهة ثانية.

- كما تجدر الإشارة أيضاً، إلى ما يتردّد بين تضاعيف السرد في مجمل عالم العجيلي الروائي من مناظرات فكرية، وحوارات ثقافية، وسجالات معرفيّة ثنائية أحياناً كثيرة ومتعددة الأطراف أحياناً أقلّ، كما في حوار باسمة وسليمان حول الشعر في: "باسمة بين الدموع"، وحوار سليمان والدكتور إلياس في الرواية نفسها، وبمشاركة باسمة أحياناً، حول القوى الجسدية للإنسان، وتجهر تلك السمة بنفسها فيما يفرد له الروائي فصلاً خاصاً في ""باسمة بين الدموع" أيضاً بعنوان: "آراء الدكتور إلياس"، الذي يبدو أشبه ما يكون بمعرض للأفكار أكثر منه جزءاً من نصّ روائي، ويمكن تبيّن السمة نفسها في رواية "ألوان الحب الثلاثة"، كحديث نازك لنديم عن كتاب لأندريه مالرو، وكتاب "ماندارين" لسيمون دوبوفوار، وكحديث سعيد لسوزان، في: "أجملهن"، عن الدين وآرائه فيه ومواقفه من حدوده وتعاليمه.

- وكما لا يكتفي العجيلي بتجزيء محكيّه إلى وحدات، بل يتجاوز ذلك أحياناً إلى تجزيء تلك الوحدات إلى وحدات أصغر، فإنّ كلّ نصّ من نصوصه الروائيّة يتضمّن، بالإضافة إلى ما يمثّل حكاية مركزية فيه، وحدات حكائية أصغر يبدو بعضها لصيقاً بالحكاية المركزية أحياناً ويبدو بعضها الآخر حوافز حرّة أحياناً ثانية. وتتجلّى هذه السمة في رواية "أجملهن" خاصة، فبالإضافة إلى حكاية سعيد مع سوزان التي تمثّل الحكاية المركزية في الرواية، ثمّة حكايات عدّة تنتمي إلى المجالين المشار إليهما آنفاً. كحكاية سعيد مع ندى والطبيب عبد العزيز، المبعثرة بين أكثر من موقع من حركة السرد الروائي، عبر استرجاعات واستباقات عدّة، والتي ينهض سعيد بروايتها لسوزان، وحكاية ولي عهد النمسا وحبيبته، التي ترويها سوزان لسعيد، وحكاية الرهبان والراهبات السيستريين، التي ترويها سوزان لسعيد أيضاً، وحكاية ابن نبهان وطيره، التي يرسلها عبد العزيز إلى صديق دراسته في الجامعة الدكتور سليمان، الطبيب الجرّاح المشهور في العاصمة، وحكاية عبد العزيز مع من يسميهم: "الجماعة اللئيمة" من أبناء بلدته.

- وباستثناءات قليلة، فإنَّ العجيلي غالباً ما ينوّع في وسائل بنائه لشخصياته الروائية، وغالباً أيضاً ما تتوزع تلك الوسائل لديه بين ثلاث فعاليات مركزية: ما تقدّمه الشخصيات عن نفسها، وما تقدّمه عن سواها، وما يقدّمه الراوي عنها. وممّا ينتمي إلى الفعالية الأولى في رواية:"باسمة بين الدموع" ما تقوله باسمة/ناتاشا في إحدى رسائلها لسليمان مفصحة عن جانب من شخصيتها وعلاقتها بالمجتمع حولها: "أنا لستُ ضعيفة... فلقد أحببتُ وتحدّيت الجميع بحبّي، فلا التقاليد رغم قسوتها على أمثالي قيّدتني، ولا المجتمع وأقاويله وضجتها أثَّرت بي... إني بطلة لأني طبقت فكرة ترويّت فيها عمري، فكرة فناء الأنثى في حبّ الرجل"، وممّا ينتمي إليها في: "قلوب على الأسلاك" ما يقوله أحمد بك لعبد المجيد عمران وما يتضمّن في داخله جهراً بمنظومة الوعي لديه، ولاسيّما موقفه من الجيل الشاب: "علينا أن نترك لهؤلاء الناس الذين نسميهم الشباب دنياهم. إنها لهم فليفعلوا بها ما شاؤوا. إذا طلبوا منا النصح نصحنا لهم، وإن أرادوا أن يقوّضوا ما يسكنون حتى يتهدّم السقف على رؤوسهم فليفعلوا ما يريدون"، ثمّ ما يقوله سعيد عن نفسه لسوزان، في: "أجملهن" مشيراً إلى واحدة من القيم المكوّنة لشخصيته: "في أعماقي رواسب من التربية.. تقول لي إنَّ كلّ جنس دون شرعية هو محرّم".

- وممّا ينتمي إلى الفعاليات الثانية، في: "ألوان الحب الثلاثة" قول الطبيب لنديم: "إنك شخص مرهف الإحساس، حادّ البصيرة والبصر، كثير التجارب، كثير التنقّل، شاهدتَ مئات الوجوه الجميلة والملامح النبيلة، فأنت إنسان عاهق للجمال، وركضك وراء اللذاذات لم يدمّر صفاء نظرتك للجمال"، ويمكن القول إنّ رواية: "أجملهن" هي أكثر منجَز العجيلي الروائي صلة بتلك الفعالية، فالأغلب الأعمّ ممّا يفصح عن السمات المميزة للشخصيات فيها لا يتمّ عبر الشخصيات نفسها بل عبر سواها من الشخصيات الأخرى، كما في هذه المقبوسات التي تتدافع على لسان سعيد أحياناً وندى أحياناً ثانية على شخصية الدكتور عبد العزيز: "كثير المعارف، وواسع الثقافة"، ويرى: "أنَّ المجهولات في هذا الكون لاتزال أكثر من المعلومات"، و"يستشهد بحكايات قديمة هو كثير الحفظ لها"، و"مسافر كبير، غير أنَّ أسفاره كلّها بين الكتب"، وأنَّه "طراز خاص من الرجال"، و"شاعر"، وسوى ذلك ممّا يشي بشخصية العجيلي نفسه.

- ومما ينتمي إلى الفعالية الثالثة، أي ما ينهض الراوي بأدائه في رواية: "باسمة بين الدموع" التي يتكفّل الراوي المفارق لمرويّه بتقديم مجمل الصفات المادية والنفسية لشخصيات الرواية، قول الراوي عن سليمان عطا الله بأنه: "يعرف من نفسه أنَّ كلّ صدمة تصيبه تبلّد أعصابه إلى أمد، ثمّ لا تلبث بعد ذلك الأمد أن تنفجر فيها فتترك آثاراً مضاعفة". ومنها في: "ألوان الحب الثلاثة" قول الراوي معرّفاً بجدّة سميحة: "لقد عاشت حياتها في هدوء ودعة وراحة، وهي تنتمي لعائلة من تلك العائلة التي بدأت بالانقراض.."، ومنها، في "المغمورون"، وممّا يبدو استباقاً ويضمر في داخله بآن إشارة إلى سمة التمرّد التي طبعت شخصية ندى في بداية شبابها، ما يصدّر به الروائي الوحدة السردية الثانية من الجزء الأول في الرواية، أي قول الراوي: "عرف أهل ندى.. في ابنتهم.. منذ طفولتها عنادها الذي تحوّل عندما شبّت إلى ميل إلى التفرد"، ثمّ قوله: "وعندما كبرت.. أصبح جمالها الفنيّ المقرون بذكاء.. خير شفيع لها في النزوات التي كانت تُخرج تصرّفاتها، بين الحين والحين، عن مألوف تصرفات مثيلاتها في السنّ والثقافة والطبقة الاجتماعية". ومن أمثلة ما يدور في فلك الفعالية نفسها في: "أرض السيّاد"، ما يفتتح به الروائي الوحدة السردية التاسعة من الفصل الأول، وممّا يكشف عن وجه من وجوه النظام العقلي الصارم في شخصية أنور، أي قول الراوي عن الأخير، بأنه: "يتلقّى الأمر الذي يعرض له، أو الفكرة التي تُطرح عليه بخاطر هادئ وعقل متأنٍ، فلا يحكم على الأمر أو الفكرة إلا بعد مراجعة وتردّد".

- ولعلّ أبرز ما يميز صنيع العجيلي فيما يتصل بمكوّن الشخصيات في مجمل نصوصه الروائية، وما يبدو قانوناً أو أشبه ما يكون بالقانون في فعاليات بنائه لتلك الشخصيات، الرئيسية خاصة، حرصه الواضح على التعريف بالصفات الخارجية للأغلب الأعمّ منها.

- ومن اللافت للنظر ترجّح أعمار الشخصيات الذكورية الرئيسية في عالم العجيلي الروائي بين عقدين، العشرينيات والثلاثينيات، فسليمان "باسمة بين الدموع" بلغ "الثانية والثلاثين من عمره أو أنه في سبيل بلوغها"، ونديم "ألوان الحب الثلاثة" كان "شاباً فتياً كأنضر ما يكون عليه الشباب"، وطارق عمران "قلوب على الأسلاك" في "الرابعة والعشرين"، وعثمان"المغمورون" فتى يمور بحيوية الشباب، وأنور "أرض السيّاد" متخرّج لتوّه في الجامعة، وعُمْر سعيد "أجملهن" ثمانية وعشرون عاماً. وتتجلّى هذه السمة نفسها في شخصيات الروائي النسوية الرئيسية أيضاً، فباسمة في السابعة والعشرين من عمرها تقريباً، وصفية في نهاية العشرينيات، وسميحة في الرابعة والعشرين، وسوزان في التاسعة والعشرين، وسوزان في الثالثة والعشرين.

- ومن اللافت للنظر أيضاً، وفي هذا المجال نفسه، أنَّ مجمل الشخصيات النسوية في عالم العجيلي الروائي شخصيات خالبة على مستوى الشكل، فلباسمة، في "باسمة بين الدموع" عينان واسعتان "يبدو اتساعهما غريباً في امتدادهما عرضاً كأنَّ ملتقى أجفانهما كائن في الصدغين لا في الوجه، طويلتي الأهداب، يزيدهما غرابة وسحراً حاجباهما اللذان يبدوان في كثافتهما كأنهما حاجباً رجل لولا دقّة خطيهما وانتظام استدارتهما". وقامتها: "متوسطة الطول.. ولكن كتفيها المستويتين وما يتبين من التفاف قدّها توحي بتناسق بديع في الجسم"، ولها: "عنق مستقيم يملأ نقرته زغب خفيف الشقرة. أمّا شعرها.. فقد كان أميل إلى السواد مرفوعاً على رأسها بطريقة غير مألوفة"، وسميحة، في: "ألوان الحبّ الثلاثة"، مستقيمة "القدّ، مستقيمة الملامح"، وسوزانا "بيضاء البشرة فيما عدا وجهها المورّد، ذات عينين عسليتين واسعتين وشعر قليل الميل إلى الشقرة"، وهدى، في "قلوب على الأسلاك" سكرتيرة عبد المجيد عمران: "فتاة طويلة القامة، سوداء الشعر، دقيقة تقاطيع الوجه"، ولسوزان، في رواية "أجملهن"، عينان واسعتان، عسليتان، في محيّا أزهر أميل إلى الشقرة، شعر كستنائي طويل يضرب إلى كتفيها وتنفرج خصلاته عن عنقها الأغيد الطويل"، وسوى ذلك ممّا يعزّز القول إنَّ ثمة نظاماً محكماً وواحداً يضبط الإيقاع العام لتقنيات السرد في عالم العجيلي الروائي.

- ويتجاوز النفوذ الذي تمارسه تقنية الوصف في ذلك العالم الشخصيات إلى مكوّناته الأخرى أيضاً، ولاسيّما الأمكنة التي تتحرّك فيها الأحداث والشخصيات، وغالباً ما تتسم تلك التقنية بانبثاقها من السرد نفسه، وبوصفها استكمالاً له وليست فائضاً فيه أو معوّقاً لتدفّق الزمن. كما في وصف الروائي في: "قلوب على الأسلاك" لوادي بردى بقوله على لسان عبد المجيد عمران: "إنه الجنّة، مياه تنحدر في شلالات متراكبة بعضها فوق بعض، وغابات من الحور والصفصاف وبساتين من الأشجار المثمرة، وهواء عليل وسماء صافية شفافة"، وكما في وصفه، في "المغمورون"، لمنزل جابر المبروك: "بـ"المنعزل، القائم على مرتفع من الأرض، والمبنية جدرانه باللبن النيئ والمسقوف بصفائح خشبية تسندها أعمدة من جذوع الغرب الملتوية"، والذي يقوم على كتف مرتفع على سطح النهر، بعيداً بعض الشيء عن بيوت قرية المزيونة الأخرى، وبأنه منزل نظيف على تواضع بنائه وبساطة محتوياته من الآنية والأثاث، وكما في وصفه، في رواية "أجملهن" لبحيرة "سالتزي"، الأعجوبة بتعبير بطله، بأنها: "سطح مائي واسع لايبلغ البصر نهايته لاتساعه ولضآلة النور الذي يصل إليه من مصابيح متباعدة وشاحبة الضياء. تباعدت عن هذا السطح صخور الجبل حواليه وفوقه مسافات، بما يتناقض مع ما كانت تخلقه تلك الصخور في أنفاق الجبل وسراديبه من ضيق وثقل وحسّ بالاختناق. وفوق هذه البحيرة كان الجبل منحوتاً بشكل قبة تبدو ملساء السطح، سامقة العلوّ، ليس لها مرتكز في وسطها أو على حواشيها".

- وتمثّل تقنية الرسائل مكوّناً يكاد يكون مركزياً من مكوّنات السرد في معظم روايات العجيلي، كما في روايته الأولى: "باسمة بين الدموع" التي تشغل رسائل سليمان وباسمة فيها فصلاً بأكمله، وفي: "ألوان الحب الثلاثة" التي تتضمن الوحدة السردية الثالثة عشرة منها مجموعة من الرسائل المتبادلة بين "جارنجا كامانجي"، و"هينداما كاماشاني ياهي"، وفي: "أرض السيّاد" التي تتوزّع تلك التقنية فيها على أكثر من فصل، بين أنور وسميرة في الفصلين الأول والثالث، وبين المحامي شكيب مجد الدين وأنور وبين صبحي زيدان وأنور أيضاً في الفصل الرابع، وقد خصّ العجيلي الفصل الثاني من رواية: "أجملهن" بتلك التقنية، فقدّم فيها رسالتين: الأولى كتبها الدكتور عبد العزيز لسعيد بعد أن غادره الثاني في زيارة لبلدة الأول، كتبتها سوزان لسعيد رداً على رسالة كان قد أرسلها إليه يعزّيها بفقدها أمّها، ويطلب يدها للزواج.

- ويهيمن في الأغلب الأعمّ من عالم العجيلي الروائي راوٍ عالم بكلّ شيء، وعلى الرغم من بروز تلك السمة في مجمل فعاليات صوغ المحكي لمجمل ذلك العالم، فإنه أبرز مايكون في روايتي: "باسمة بين الدموع"، و"ألوان الحب الثلاثة" اللتين يبدي الراوي العالم بكلّ شيء فيهما كفاءة خارقة في النفاذ إلى أعماق الشخصيات، ثمّ في رواية "المغمورون" التي يبسط فيها الراوي نفسه نفوذا‌ً واضحاً على مجمل حركة السرد، ويستبد بها ويحدد مآل الشخصيات والأحداث بآن، ويفصح عن حضوره على نحو جهير في أكثر من موقع، كما في قوله: "أعني أن الأفكار والأحاسيس، والأقوال والمشاهد، هي التي سببت الأرق لندى وأطارت من عينيها النعاس"، حين انتابت ندى هواجس مؤرّقة ممّا قاله عثمان عن لا معقولية ارتباطها بفلاّح، وغالباً ما يبدو هذا الراوي أكبر من الشخصية الحكائية في الرواية، "الرؤية من خلف"، حسب تصنيف "تودوروف" لأنواع الرواة أو زوايا رؤية الراوي، أو ما يسميه الشكلاني الروسي: "توماتشفسكي"، "السرد الموضوعي".

ويغصّ عالم العجيلي بمتفاعلات نصيّة عدّة تشغل، في عدد من الروايات، مكانة لافتة للنظر من حركة السرد، وهي لا تكتفي بالتعبير عن سعة المخزون المعرفيّ لدى الروائي فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى استعادة أساليب السرد القديمة أيضاً. ولعلّ رواية العجيلي الأخيرة: "أجملهن"، أكثر نصوصه الروائية جهراً بتلك السمة، فبالإضافة إلى حكاية ولي عهد النمسا وحبيبته، وحكاية ابن نبهان والطير، وحكاية الرهبان والراهبات السيستريين، تتردّد بين تضاعيف السرد متفاعلات نصيّة كثيرة: من الشعر العربيّ القديم، ومن الأمثلة الشائعة، ومن آراء عدد من الفلاسفة والمفكرين و الفنانين، أمثال: باسكال، وشوبان، وبيتهوفن، وشتراوس، وموزارات، وآخرين...
....................................
من مقال بقلم: نضال الصالح
عن صحيفة "الأسبوع الأدبي" ـ العدد 991 تاريخ 28/1/2006م

ايوب صابر 10-19-2014 10:28 PM

تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في الرواية رقم65- قلوب علي الاسلاك عبد السلام العجيلي سوريا


- ثم أهم مافي الرواية مطلعها الأول، وحده يجذب القارئ إلى المتابعة. أي أن كتابة الرواية فن رفيع حقاً، فن يتفوق على كل الفنون من هنا للبداية قيمتها، وحدها تشد القارئ إلى الاندماج فيها وقال لي عبد السلام العجيلي مرة إن نصف نجاح الرواية جاذبيتها في اللحظات الأولى ثم يأتي الشكل والمضمون.‏

- في الحديث عن عبد السلام العجيلي قبل كل شيء إنه إنسان بكل ما تعني هذه الكلمة، وحضاري أيضاً، وعندما كان نائباً في المجلس النيابي عام 48، ترك النيابة والتحق بجيش الإنقاذ الذي كان يقوده. فوزي القاوقجي، على أمل تحرير فلسطين منه، حسب العصابات الصهيونية وطبعاً كان ذلك بالنسبة للشاب المتحمس عبد السلام العجيلي مغامرة غير محسوبة أيضاً، أي إنه كان يمكن له أن لا يعود، لكن دللت على عمق وطنيته، ونحن –كما نعرف- أنه كالأمير، إذا لم يكن بالفعل أميراً وعائلة العجيلي تكاد تكون مقدسة في هذه المنطقة، أي أنه كان ممسكاً بالمجد من كل أطرافه، ومع ذلك ذهب إلى تلك المغامرة التي كان يمكن له فيها أن يستشهد بالطبع، كما نعرف جميعاً عاد خائباً عندما قررت الدولة العربية إبعاد جيش الإنقاذ عن المعركة التي لو استمر بها لكنا الآن لم نسمع بشيء اسمه "إسرائيل". دخلت الجيوش العربية، وللأسف لم تكن جيوشاً صالحة للقتال، وكان دخولها مؤامرة على طريقة(ماكو أوامر) وجاءت وراء ذلك الهزائم تلو الهزائم.‏

- كان عبد السلام العجيلي مناضلاً بكل المقاييس، ودوداً متواضعاً وإنساناً رامياً، فلم يشمخ بأنفه على أحد وهو في السلطة أذكر أنه لمجرد استلامه وزارة الخارجية في عهد من العهود السابقة أصدر أول قرار بإنقاذ الشاعر الراحل نزار قباني من الموت البطيء، في الصيف عندما كان مستشاراً ثقافياً لسفارتنا في بكين، أبرق له نزار، أنقذني، فلم يتأخر العجيلي، ونقله إلى القاهرة على ما أذكر.‏

- قبل ثلاث سنوات تقريباً استضافه اتحاد الطلبة السوريين في الجامعة الأميركية في بيروت، وقدمته بكلمة مختصرة بأنه كان وما زال أمير القصة القصيرة، وبهذه المناسبة أريد أن أقول إنني أحببت قصص العجيلي القصيرة، قبل رواياته، هذا الرجل خُلق كاتب قصة من طراز رفيع، وإنني أؤكد ليس هناك كاتب عربي بمستوى قصص العجيلي القصيرة، فهو رائع فيها إلى حد كبير، وكل قصة تترك في النفس أبلغ الأثر متماسكة شكلاً ومضموناً ولغة، وأهم مافي قصص العجيلي لغته العربية ليست في فصاحتها وحسب، بل في إنزالها الموقع الذي لا يمكن أبداً تغييره، إنها المعنى حفراً وتنزيلاً في المكان المطلوب في قصص عبد السلام العجيلي لا يمكن أن تحذف منها كلمة أو سطراً. إنها مشدودة وملزوزة بعضها ببعض كما لو أنها سلسلة أو سبحة إذا فقدت حبة منها انفرطت كلها.‏

- وإذا كان لي أن أتذكر من بين قصصه الرائعة قصة قرأتها قبل أربعين عاماً. أؤكد قبل أربعين عاماً ما زالت ماثلة في ذاكرتي إلى اليوم، هي بعنوان: "مصرع أحمد بن محمد حنطي" قصة من عشر صفحات أو أكثر أمسكت بي حتى اللهاث والرعب أيضاً، إنسان أصيب برصاصة أو عدة رصاصات في منطقة نائية في الصحراء، ولم يجدوا وسيلة لإنقاذه إلا حمله على شاحنة تحمل أكياساً من الطحين، أظن إلى دير الزور أو ما أشبه –لم أعد أتذكر القصة كلها- إنه يتداعى بأفكاره كمنولوج حيث يموت أو لا يموت، ينقدونه أو لا ينقدونه، وكيف تسقط حباته كلها في لحظة واحدة كتبت بأسلوب فلاش باك، بتوتر عال كما هو توتر الكهرباء العالي. بحيث يجد القارئ نفسه كأنه هو القتيل، وبالفعل كنت أتحسس جسدي كأنني كنت أنا القتيل.‏

- معظم قصص العجيلي على هذه الشاكلة، إنها حياة زاخرة بحياة الناس ومستوحاة بعمق من أعماق وجودهم وتفاصيل عيشهم اليومي، وإن أردت الاختصار أقول إن العجيلي نفسه هو قصة كبيرة، إنه يتلبس الحالة إلى حد الانعجان بها بل الالتحام بتفاصيلها. هكذا تخرج القصة من يديه بناءً محكماً إلى آخر الحدود شكلاً ومضموناً.‏

- إنه عالم ساحر بامتياز. لا يمكن لغير العجيلي أن يقدمه لنا، وكنت أعتبر دائماً أن القصة القصيرة هي تمرين على الرواية. فالقصة تعلم الكاتب الاختزال. بحيث كل كلمة في مكانها. كما تعلمه ضبط الزمن. هذه قضية مهمة جداً كما ذكرت. وأكثر كتابنا لا ينتبهون إلى هذه الناحية. لكن العجيلي كان منتبهاً لها تماماً، فإذا ألقينا نظرة عجلى على إنتاجه القصصي نجد أنه كان يطوّر القصة من القصيرة إلى الأطول قليلاً إلى القصة الطويلة، ثم أخيراً إلى الرواية. هذا واضح في مجموعته "رصيف العذراء السوداء" التي ضمّت فقط ثلاث قصص طويلة. أو كما عبر عنها على الغلاف الأخير "ثلاث قصص قصيرة طويلة"، والقصص هي إلى جانب رصيف العذراء السوداء قصتا: كوكب الغيرة، والأحجية، قصة العذراء وسمعناها منه في دمشق، قبل أن نقرأها منشورة عام 1960. بينما نشر القصتين الأخريين وقرأهما قبلاً عام 1983. فرق كبير بين تاريخ كل قصة. وأنا صنفت "رصيف العذراء السوداء" رواية قصيرة، وليست قصة طويلة، لأنها محبوكة جيداً، وبالنسبة لي الأحب، بل لا أتعاطف مع الرواية التي تلبس ثوباً فضفاضاً ومسترخية على كيفها، وأتمناها ممسوكة جيداً، لأن الرواية في الثرثرة التي لا طائل منها تترهل وتتفلت بحيث تضيع الفكرة التي يريد الكاتب التعبير عنها، وباختصار فإنني من هواة قراءة الرواية ذات الحجم المعتدل. وهذا أدركه الكاتب العجيلي. فلم تتجاوز أطول رواية عنده الـ250 صفحة من القطع الوسط، العذراء السوداء، لنأخذ منها هذا المشهد الذي تبدو اللغة فيه عادية بسيطة، ولكن من يمعن النظر ينتبه إلى العمق الذي يعبر عنه العجيلي بتلك البساطة:‏

حيث يمرر أفكاره والأشياء التي يؤمن بها ضمن السياق، تقول تلك العذراء: هذه كتابة عربية.. فهل باستطاعتك أن تعرفني بما تعنيه؟ وكانت بذلك تشير إلى جملة.. لا شيء أجمل من الحب" فقرأ لها عباس الجملة بالعربية وترجمها لها ثم قال ضاحكاً: "كل ينادي على ما عنده. ترى كم يكون عدد رواد هذا المكان لو أنهم كتبوا في هذه المستطيلات الشعار الذي كان يحتلها جدران الحمراء (يقصد قصر الحمراء في الأندلس): لا غالب إلا الله؛ لقد استبدلوه بشعار أكثر جلباً للربح وأقرب إلى قلوب من يجيء وصديقته إليهم في آخر الليل. لا غالب إلا الله.. لا شيء أجمل من الحب، ما أبعد مابين الشعارين؟ فالتفتت ماريا لينا إلى عباس وقالت، وكل ملامح الجد على وجهها: ما أبعد. أنا لا أدري بعداً يا صديقي.. فالله محبة. فابتسم عباس لحرارة لهجة ماريا لينا ولم يقل شيئاً، فعادت هي تقول: الله محبة.. أليس هذا صحيحاً يا عباس، أنا مؤمنة بهذا.. ويجدر بك وأنت في زهرة عمرك أن تؤمن مثلي. فالتفت عباس الصدر الملهى حيث كان أحد أفراد التخت يعلن عن راقصة جديدة ستبرز مغدقاً عليها كل نعوت الفتنة والرشاقة والإبداع الفني وقال: أنت يا عزيزتي حرة في أن تؤمني بما تشائين: الله عندك محبة. أما أنا فالله عندي معرفة... نعم.. الله معرفة. وهنا بيت القصيد، ففي هذا الحوار الممتع يصل إلى الفلاش باك بشعار مخالف لـ"الله محبة" إلى الله معرفة. وهكذا انتقل العجيلي إلى كتابة الرواية بتلك الحرفية المتقنة التي علمته إياها القصة القصيرة.‏

- كتب العجيلي حوالي عشر روايات أو تسع: باسمة بين الدموع، قلوب على الأسلاك، أرض السياد، حب أول وحب أخير، أجملهن، مجهولة على الطريق، قلوب على الأسلاك، أزاهير تشرين المدماة، المغمورون، وتجربة جديدة في الرواية العربية، وهي كتابة رواية مشتركة مع كاتب آخر عنوانها: "ألوان الحب الثلاثة" مع كاتب لم نر اسمه فيما بعد في أي عمل، وهو أنور قصيباتي. قلت تجربة جديدة بالنسبة للعجيلي وليست جديدة بالنسبة للآداب الأخرى، فهناك رواية مشتركة كتبتها كل من الشاعرة الراحلة هيام نويلاتي وصديقتها التي توفيت بعدها بأكثر من ثلاثين عاماً هي الراحلة خديجة الجراح النشواتي التي كانت توقع إنتاجها باسم: أم عصام، وفي الأدب الغربي ثمة تجارب من هذا النوع، بل حتى في الشعر في شاعرين يشتركان في كتابة قصيدة واحدة.‏

- الحب هو الترسانة المسلحة في كل قصص وروايات عبد السلام العجيلي وعليه بنى معظم أعماله، ولكن ليس هذا معناه أنه لم يكتب في أمور أخرى، فهناك قصص وطنية أيضاً وروايته: أزاهير تشرين المدماة وطنية بامتياز حيث استلهمها من حرب تشرين التحريرية التي انحرف عن أهدافها –وياللأسف- الرئيس المصري أنور السادات.‏

- إن الحياة عند عبد السلام العجيلي بكل تداعياتها سجلها العجيلي بقلم رهيف وصادق وأصيل، إنه كاتب مقروء من مختلف طبقات الشعب وهنا تتجلى أهميته، يقرأه الخاصة فيظنون أن الكاتب يتوجه إليهم فقط، ويقرأها العامة فيظنون نفس الظن، لا غموض، سلاسة باهرة، حوار جذاب، وحوار بالفصحى المفهومة جيداً للجميع. لم يكتب العجيلي حوار بالعامية أبداً، إنه كاتب يعتز بلغته العربية الفخمة المبسطة في آن، ويمكن لأي امرئ أن يقرأ نصاله من دون اسمه يعرفه على الفور، وبالطبع فإن العجيلي كان منتبهاً على الدوام في أعماله القصصية أو الروائية بالزمن، بالإيقاع التاريخي والجغرافي، ليس من خطأ واحد في هذا المجال، إنه يعي عمله الفني جيداً. لم يكن يكتب للتسلية، وإن كان البعض ظن ذلك، وقد أفادته رحلاته في أصقاع الأرض كثيراً، فلم يكتب الرواية المحلية بل كتب الرواية المحلية العربية العالمية في وقت واحد.

- فأي قارئ في أي بلد يندمج بأعماله ويُعجب بها ويشعر أنه يعرف هذه البيئة أو تتعرف عليه، المستشرقون أدركوا هذه الخاصية في أدب العجيلي وتحدثوا مطولاً عنها. ومن قرأ أدبه المترجم إلى الغرب من سكان الغرب أشاروا إليه بإعجاب. لقد عبر عن بيئته العربية بامتياز. فإذا كان بعض كتابنا تناولوا من هذه البيئة الصورة القبيحة وجسدّوها في كتاباتهم، فإن العجيلي لم يفعل ذلك أبداً، لأنه كان يعتز بأهله. يعتز بعشيرته، بمدينته الرقة التي ظل فيها حتى هذا اليوم –أطال الله عمره-بوطنه. بل بكرامة الإنسان العربي سواء كان صغيراً أم كبيراً.‏

- أتذكر ذات يوم في أواخر الثمانينات وكنت أعمل في مجلة تصدر في لندن أن اتصل بي مسؤول كبير في العراق وقال: ما رأيك أن نعلن جائزة صدام حسين هذا العام للعجيلي. قلت: إياكم أن تفعلوا... وإلا سيرفضها. فطلب مني أن أسأله. فهتفت للدكتور العجيلي اقترح عليه ذلك. فقال لي: مالي والجوائز يا أخي ياسين، قل لهم لست بحاجة لها. وجميعكم كان يعرف ماذا صنع الحداد في ذلك الوقت بين سورياوالعراق. وأذكر أن الجائزة منحت في ذلك الوقت بديلاً عن العجيلي للشاعر السوداني محمد الفيتوري.‏

......................................
من مقال بقلم: ياسين رفاعية
*جريدة الاسبوع الادبي العدد 999 تاريخ 25/3/2006م.

ايوب صابر 10-23-2014 08:46 AM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 66- عائشة- العابرون البشير بن سلامة تونس

- رباعية «العابرون» واحدة من أهم روايات الأدب التونسي المعاصر.

- تدور أحداثها في القرن الذي يسبق استقلال تونس. وتتناول في ذلك تاريخ عائلتين تونسيتين اختار الكاتب من بين أفرادهما أربع شخصيات، وضع علي كل رواية من الرباعية اسم إحداها. وجاء ترتيب صدورها كالتالي: «عائشة» 1982، «عادل» 1991، «علي» 1996، «الناصر» 1998. «العابرون» بأبطالها وشخوصها العديدة هي نوع من التاريخ الروائي للمجتمع التونسي في تلك الفترة المهمة من تاريخ البلاد.

-ولدت «عائشة» لأب كان قد انتقل حديثًا من الفقر والضعف إلي الغني والسُّلطة بعد ارتباطه بالحكّام التونسيين. لكن تلك الحياة الناعمة الهادئة لم تلبث أن انقلبت رأسًا علي عقب حينما هاجم الاحتلال الفرنسي تونس فغيّر - أول ما غيّر - في نفسيات البشر وعلاقاتهم. «عائشة» نفسها وقعت في حب سالم فأفقدها عذريتها لتظل رهينة ذلك الخوف - الذي يقدم وجهًا آخر لمجتمعاتنا - حتي جاءت لحظة الزواج من خالد.

-في رواية «عائشة» نقرأ عن الأنثي صانعة الأحداث وراوية الحكايات التي عادة ما تتخفي وراء الرجال.

-هنا نري وجه الأب وهو يكبر فتعلوه الشيخوخة بضعفها من ناحية وجبروتها من ناحية أخري. وفي الخلفية هناك «عائشة» وإخوتها الذين يكبرون بين أيدينا مع الوقت ومع الحكي.

- عاش «الناصر» طفولته في ألم واضطهاد، وشبابه في سجن وانحراف، وظل يبحث عن هويته التي سلبها منه تعليمه الفرنسيحتى وجدها في قلب النضال ضد المحتل، فانخرط في صفوف المدافعين عن استقلال الوطن.

- أضافت رواية «الناصر» إلى هذه الرباعية تنويعة عميقة على سؤال الهوية التي قد تختفي ثم تظهر

- في مرحلة أولى يجتمع الابطال الاربعة في رواية "عائشة" ربما لعديد نقاط الارتباط والتواصل فيما بينها ثم تنفرد فيما بعد كل شخصية بخصوصيتها في عمل روائي منفرد دون ان تتفكك الاحداث والوقائع لكل من اجزاء الرباعية.

- عائشة ولدت لاب انتقل حديثا من الفقر والضعف الى الغنى والسلطة بعد ارتباطه بالحكام التونسيين لكن تلك الحياة الناعمة الهادئة لم تلبث ان انقلبت رأسا على عقب حينما هاجم الاحتلال الفرنسي تونس فغير - فيما غير - في نفسيات البشر وعلاقاتهم.

- عادل ظهر أولا في رواية "عائشة" شخصا ينزع الى العزلة والتأمل. وبعد انضمامه في مرحلة أولى للحزب الدستوري لاعتقاده بان الحبيب بورقيبة ورفاقه يمثلون مستقبل الامة عاد في مرحلة لاحقة الى الهامش حتى جاء يوم 9 افريل 1938 فيتم القبض عليه في احدى صالات القمار في حين ان تهمته الحقيقية انه شوهد في احدى المظاهرات التي عمت البلاد يومها مطالبة ببرلمان تونسي فكان ما حدث ايذانا بالتغيير في تاريخ البلد كما كان تغييرا في حياة البطل.

- علي كان على موعد مع الاحداث الكبرى حتى يوم وفاته في احداث جانفي 1978 يوم قامت أكبر تحركات الطبقة العاملة التونسية وواجهتها السلطة بالقمع. تصلنا مسيرته ومجرياتها من خلال مذكراته التي يعثر عليها حفيده عبد اللطيف ليعيد صياغتها في شكلها الروائي وينقل للقارئ شهادة على قرن مشحون بالاحداث والصراعات .

- أما الناصر فقد عاش طفولته في ألم واضطهاد وشبابه في سجن وانحراف وظل يبحث عن هويته التي سلبها منه تعليمه الفرنسي حتى وجدها في قلب النضال ضد المحتل فانخرط في صفوف المدافعين عن استقلال الوطن.

- “كان الأحرى بالدمع أن يتناثر مفجرا معه هذا الألم ليتلاشى، ولكن الألم عندما يدفن في القلب بهذه الصورة هو كالميت يوضع في القبر فتتآكله الديدان، وتذهب بكيانه، فيصير هباء. الألم الساكن بالحي كالدودة الآكلة للميت كلاهما متلف لصاحبه”

- “غريب أمر هذه الدنيا كلما اشتدت بالانسان، وأذاقته مرارة العيش، وسقته من الذلة والمهانة ألوانا و ألوانا، وصبر على ذلك، وقدر على الصمود إلا وانتشلته في آخر الأمر، وبدلت عسره يسرا. الشرط الوحيد هو الصمود، والدوام والوقوف في وجه الكوارث من دون التردي في هوتها والاستسلام لها كذه الحنايا الماثلة على مر الدهر”

― البشير بن سلامة, عائشة .. رباعية العابرون

ايوب صابر 10-25-2014 01:58 PM

تابع ..... العناصر التي صنعت الروعة في رواية 66- عائشة- العابرون البشير بن سلامة تونس


- عائشة رواية تحكي قصة فتاة عاشت في خضم من الاحداث القاهرة تتقاذفها أمواج مجتمع متقلب مهزوم، أضاع فيه افراده وراحوا يعبرن هذه الحياة تجرفهم عواصف لا طاقة لهم بها و توحركم نوازع لا قدرة لهم على السيطرة عليها.

- الأسلوب مختلف و جديد كما ان التفاصيل نفسها للحياة في تونس في ذلك الوقت جديدة جدا ..

- شعرت اني كاجنبية تقرأ لمحفوظ مثلا!

- تفاصيل الحياة و البيوت و الناس .. حتى الألفاظ المستخدمة في الرواية و المفردات كانت جديدة و شيقة بالنسبة لي

- و اسلوب الكاتب في السرد و الطريقة التي أنهى بها الرواية لكي يدفعك دفعا لشراء باقي اجزاء الرباعية لكي تتضح لك الصورة الكلية لتلك العائلة "الغريبة" ان جاز لي القول.

- فحقا هناك الكثير من التصرفات التي صدرت من كثير من الشخصيات لم يكن لها مبررا و لا دافعا اللهم إلا ان كان يقصد التأكيد على مبدأ الإزدواجية في نفوس البشر كما في الحياة و كما في السياسة و كما في كل شيء تمسه يد الانسان

- و ان كانت هذه حقيقة في كثير من الأحوال مع كثير من الناس إلا اني لم اقتنع بالطريقة التي عرضت من خلال الرواية للتأكيد على حقيقة الإزدواجية تلك .. بل تكاد تكون أشعرتني بالنفور من الشخصيات و لم أجد أي تعاطف داخلي تجاه اي منهم مهما كانت مأساته.

- و لكني أظن اني ساستكمل اجزاء الرباعية فقط لأكون رأيا شاملا منصفا و لاني اعجبت بالجو الذي وُضعت فيه من خلال اول الأجزاء .

- تحكي رواية "عائشة" حكاية عائشة التي ولدت لأب انتقل حديثاً من الفقر والضعف إلي الغني والسلطة عقب ارتباطه بالحكام التونسيين. لكن الحياة الناعمة لم تدم وانقلبت رأساً علي عقب مع هجوم الاحتلال الفرنسي، فغيّر نفسيات البشر وعلاقاتهم.

-ويقترب الراوي في هذا العمل من شخصية عائشة، فيسرد قصة حبها لسالم وفقدها عذريتها لتظل رهينة الخوف، الذي يقدم وجهاً آخر للمجتمع، حتي تأتي لحظة الزواج من خالد في هذا العمل، يمكن أن نقرأ عن الأنثي صانعة الأحداث وراوية الحكايات التي تتخفي عادة وراء الرجال.

- كذلك نقرأ صورة الأب الذي يكبر وتعتليه الشيخوخة بضعفها وجبروتها من ناحية أخري. وفي الخلفية، نجد عائشة وإخوتها حيث يكبرون مع تطور الحكي.

- تعد رباعية "العابرون" كما قدمت لها دار الشروق المصرية واحدة من أهم روايات الادب التونسي المعاصر.

- تدور أحداثها في القرن الذي يسبق استقلال تونس وتتناول في ذلك تاريخ عائلتين تونسيتين اختار الكاتب من بين افرادهما اربع شخصيات وضع على كل رواية من الرباعية اسم احداها. وجاء ترتيب صدورها كالتالي : "عائشة" سنة 1982 - "عادل" سنة 1991 - "علي" سنة 1996 - "الناصر" سنة 1998.

- في مرحلة أولى يجتمع الابطال الاربعة في رواية "عائشة" ربما لعديد نقاط الارتباط والتواصل فيما بينها ثم تنفرد فيما بعد كل شخصية بخصوصيتها في عمل روائي منفرد دون ان تتفكك الاحداث والوقائع لكل من اجزاء الرباعية.

- عائشة ولدت لاب انتقل حديثا من الفقر والضعف الى الغنى والسلطة بعد ارتباطه بالحكام التونسيين لكن تلك الحياة الناعمة الهادئة لم تلبث ان انقلبت رأسا على عقب حينما هاجم الاحتلال الفرنسي تونس فغير - فيما غير - في نفسيات البشر وعلاقاتهم.

- عادل ظهر أولا في رواية "عائشة" شخصا ينزع الى العزلة والتأمل. وبعد انضمامه في مرحلة أولى للحزب الدستوري لاعتقاده بان الحبيب بورقيبة ورفاقه يمثلون مستقبل الامة عاد في مرحلة لاحقة الى الهامش حتى جاء يوم 9 افريل 1938 فيتم القبض عليه في احدى صالات القمار في حين ان تهمته الحقيقية انه شوهد في احدى المظاهرات التي عمت البلاد يومها مطالبة ببرلمان تونسي فكان ما حدث ايذانا بالتغيير في تاريخ البلد كما كان تغييرا في حياة البطل.

- علي كان على موعد مع الاحداث الكبرى حتى يوم وفاته في احداث جانفي 1978 يوم قامت أكبر تحركات الطبقة العاملة التونسية وواجهتها السلطة بالقمع. تصلنا مسيرته ومجرياتها من خلال مذكراته التي يعثر عليها حفيده عبد اللطيف ليعيد صياغتها في شكلها الروائي وينقل للقارئ شهادة على قرن مشحون بالاحداث والصراعات .

- أما الناصر فقد عاش طفولته في ألم واضطهاد وشبابه في سجن وانحراف وظل يبحث عن هويته التي سلبها منه تعليمه الفرنسي حتى وجدها في قلب النضال ضد المحتل فانخرط في صفوف المدافعين عن استقلال الوطن.

ايوب صابر 10-25-2014 10:20 PM

تابع.....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 66- عائشة- العابرون البشير بن سلامة تونس


- تحكي رواية "عائشة" حكاية عائشة التي ولدت لأب انتقل حديثاً من الفقر والضعف إلي الغني والسلطة عقب ارتباطه بالحكام التونسيين. لكن الحياة الناعمة لم تدم وانقلبت رأساً علي عقب مع هجوم الاحتلال الفرنسي، فغيّر نفسيات البشر وعلاقاتهم.

-ويقترب الراوي في هذا العمل من شخصية عائشة، فيسرد قصة حبها لسالم وفقدها عذريتها لتظل رهينة الخوف، الذي يقدم وجهاً آخر للمجتمع، حتي تأتي لحظة الزواج من خالد في هذا العمل، يمكن أن نقرأ عن الأنثي صانعة الأحداث وراوية الحكايات التي تتخفي عادة وراء الرجال.

- كذلك نقرأ صورة الأب الذي يكبر وتعتليه الشيخوخة بضعفها وجبروتها من ناحية أخري. وفي الخلفية، نجد عائشة وإخوتها حيث يكبرون مع تطور الحكي.

- تعد رباعية "العابرون" كما قدمت لها دار الشروق المصرية واحدة من أهم روايات الادب التونسي المعاصر. تدور أحداثها في القرن الذي يسبق استقلال تونس وتتناول في ذلك تاريخ عائلتين تونسيتين اختار الكاتب من بين افرادهما اربع شخصيات وضع على كل رواية من الرباعية اسم احداها. وجاء ترتيب صدورها كالتالي : "عائشة" سنة 1982 - "عادل" سنة 1991 - "علي" سنة 1996 - "الناصر" سنة 1998.

- في مرحلة أولى يجتمع الابطال الاربعة في رواية "عائشة" ربما لعديد نقاط الارتباط والتواصل فيما بينها ثم تنفرد فيما بعد كل شخصية بخصوصيتها في عمل روائي منفرد دون ان تتفكك الاحداث والوقائع لكل من اجزاء الرباعية.

- عائشة ولدت لاب انتقل حديثا من الفقر والضعف الى الغنى والسلطة بعد ارتباطه بالحكام التونسيين لكن تلك الحياة الناعمة الهادئة لم تلبث ان انقلبت رأسا على عقب حينما هاجم الاحتلال الفرنسي تونس فغير - فيما غير - في نفسيات البشر وعلاقاتهم.

- عادل ظهر أولا في رواية "عائشة" شخصا ينزع الى العزلة والتأمل. وبعد انضمامه في مرحلة أولى للحزب الدستوري لاعتقاده بان الحبيب بورقيبة ورفاقه يمثلون مستقبل الامة عاد في مرحلة لاحقة الى الهامش حتى جاء يوم 9 افريل 1938 فيتم القبض عليه في احدى صالات القمار في حين ان تهمته الحقيقية انه شوهد في احدى المظاهرات التي عمت البلاد يومها مطالبة ببرلمان تونسي فكان ما حدث ايذانا بالتغيير في تاريخ البلد كما كان تغييرا في حياة البطل.

- علي كان على موعد مع الاحداث الكبرى حتى يوم وفاته في احداث جانفي 1978 يوم قامت أكبر تحركات الطبقة العاملة التونسية وواجهتها السلطة بالقمع. تصلنا مسيرته ومجرياتها من خلال مذكراته التي يعثر عليها حفيده عبد اللطيف ليعيد صياغتها في شكلها الروائي وينقل للقارئ شهادة على قرن مشحون بالاحداث والصراعات .

- أما الناصر فقد عاش طفولته في ألم واضطهاد وشبابه في سجن وانحراف وظل يبحث عن هويته التي سلبها منه تعليمه الفرنسي حتى وجدها في قلب النضال ضد المحتل فانخرط في صفوف المدافعين عن استقلال الوطن.

ايوب صابر 10-26-2014 01:09 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 67- الظل والصدي يوسف حبشي الأشقر لبنان

- هذه الرواية هي آخر ما كتب الروائي اللبناني الكبير قبل رحيله، وهي ثالثة ثلاثيته التي تضم

- "أربعة افراس حمر"
- و"لا تنبت جذور في السماء".

- وهي شهادة على الحرب اللبنانية وغوص في أعماقها عبر شخصيات متوترة، قلقة ومضطربة.

- إنها من أبرز الاعمال الروائية اللبنانية التي تطرقت الى الحرب.

- أما الموقف الروائي اللبناني من الحرب التي توقعتها رواية عواد وعشنا مآسيها خلال خمس عشرة سنة، فإني أكتفي بالإشارة الى رواية «الظل والصدى (1989) ليوسف حبشي الأشقر الذي شارك معظم الروائيين اللبنانيين، الذين كتبوا عن هذه الحرب، رفضهم لها.

- لكنه كان الأقرب الى عواد، في تحذيره من الانقسام الطائفي وعواقبه المأساوية على اللبنانيين جميعا.

- يرفض اسكندر، بطل رواية «الظل والصدى»،الحرب.

- يرفض أن يكون مع المسلمين الذين يحاربون المسيحيين، أو يقضون، في هذه الحرب الأهلية، ضدهم ـ

- والمسلمون في الرواية هم أهل رأس بيروت حيث يسكن اسكندر ـ وكذلك يرفض اسكندر ان يقف مع أهل قرية «كفر ملات» ـ قريته ـ المسيحيين.

- يرفض الـ هنا والـهناك. لأن: «كلاهما يقتل، كلاهما يسرق، كلاهما يكذب، كلاهما بتعصّب» (ص190).

- يقف اسكندر ضد هذه الحرب ـ الأهلية ـ وخارجها. لأن الطرفين يتساويان فيها: المسلم والمسيحي.

- يتساويان في القتل والسرقة... وبهذا يلتقي الأشقر مع معظم كتّاب روايةالحرب في لبنان حول معنى هذه الحرب الأهلية والموقف منها.

- إلا ان اسكندر وإن رفض هذه الحرب، شأن الشخصية، في معظم روايات الحرب اللبنانية، فإنه يبقى مختلفا عنها، كونه ليس مثلها، مجرد شخصية، بل هو بطل يتفرّد بدعوته الى ثورة في الكيان.. كيف؟

- يشير خليل، احدى شخصيات الرواية، الى حوادث 1860 التي قُتِل فيها خاله،ويرى ان المسيحيين كانوا هم الضحية، وان المسألة هي مسألتهم في هذا الشرق المسلم،انهم «مجموعة خائفين».

- لكن، لئن كان هذا واقعا تاريخيا، أحد أسبابه الواقع الديمغرافي القائم، بهويته، على الانتماء الديني والذي يشكل فيه المسيحيون أقلية،فإن يوسف حبشي الأشقر، وكما يعبّر منظور روايته، يرفض ان تتحول الضحية إلى جلاد،

- لذا نجده يدعو الى هذه الثورة في الكيان والتي هي في معناها الأعمق ارتقاء بالذات البشرية الى الذات الالهية في الانسان.

- انها ثورة ترتكز الى اللوغس الديني المسيحي لتكشف، حسب المعنى العميق للرواية، بأن المشكلة، مشكلة المسيحية في لبنان، ليست كما يظن المقاتل صراعا بين المسيحي والمسلم، بل هي مشكلة الظل والصدى، أي هذا الفهم الخاطئ للمسيحية كدين وكتاريخ عريق في هذا المشرق.

- هكذا ينفتح سرد الرواية على ذاك التاريخ، وعلى المسيحيين فيه، لتحكي عن الأصول، أصول الأجداد الوافدين الى لبنان من حوران، وربما من أكثر من مكان.

- تبرز الرواية الجذر المشترك الذي يجمع بيناللبنانيين، وتشير ضمنا، الى انتماء متعدد، وهوية لا تفرق، الى تاريخ علينا ان لاننساه. الى ظل وصدى علينا ان نعي معناهما وتدرك دلالة العلاقة بينهما.

- فهلقرأنا، وهل تعلمنا؟ وهل علمتنا الحرب الأهلية التي عشنا درسا، أم اننا ما زلنا نسبح في دوامة العودة على بدء، دوامة الحروب التي تتكرر وتتركنا نحيا مآسيها!!

ايوب صابر 10-27-2014 12:04 PM

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 67- الظل والصدي يوسف حبشي الأشقر لبنان



- عاش يوسف حبشي الأشقر في الظل، موزعاً بين الميراث الريفي، ونداء المدينة.


- عاش مسكوناً بهاجس الموت، ورحل بصمت بعدما نقل الرواية اللبنانيّة من زمن إلى آخر.

- كيف يمكن للمرء أن يبقى خارج الحرب؟ أن يعيش ويموت بمعزل عن هذا الخطب الجلل الذي غيّر أفقه ومشاعره، وخلخل عالمه الداخلي ومشروع وجوده؟ ذلك أنّ الكاتب الراحل الذي تحتفي الأوساط الثقافيّة العربيّة اليوم بالذكرى الخامسة عشرة لرحيله، لم يكن فقط «ضدّ» الحرب، كما يردد الجميع استناداً إلى روايته -الوصيّة «الظل والصدى» (1989)، ومجموعته القصصيّة «المظلّة والملك وهاجس الموت» (1980). لقد حاول أن يبقى «خارج» تلك الحرب، أي على الحياد.

- «المحاولة» بحدّ ذاتها، إشكاليّة أدبيّة (وسياسيّة)، بل دراميّة أساساً، مقلقة، ومثيرة للإعجاب، وحافلة بالعلامات.

- هل كان إسكندر الحمّاني فعلاً على الحياد؟ بغض النظر عن نهايته الافتراضيّة، كما قرية كفرملاّت نفسها (نحن القرّاء مَن يقرّر فعل القتل). أليس فيه شيء من «الآخر»، كما يشي موقفه من أهل القرية المقتنعين بشرعيّة الحرب؟ وهو بذلك امتداد لشخصيّة المنشق في الوعي (المسيحي) اللبناني، وحفيد سلالة طويلة تبدأ من خليل الكافر ويوحنّا المجنون (جبران)؟ وفي المقابل، ألا يتماهى بطلنا مع «ربعه» في النظرة إلى «الفريق الآخر»، معبّراً عن خوف أقلّوي، متجذّر في اللاوعي الجماعي لأهله وبيئته، مهما كانت المسافة النقديّة، العقلانيّة، التي وضعها فعلاً بينه وبين تلك الجماعة؟

- هذه من التناقضات الخصبة في أدب الأشقر الذي سجّل انتصاراً للذاتيّة على الواقعيّة والبلاغة اللفظيّة.

- يمكن أن نبحث عن خلفياتها الفكريّة والوجوديّة في ذلك الصراع الأبدي بين الفرد والجماعة. وهو صراع له أهميّة خاصة لدى جيل واكب تفتّح مشروع الحداثة العربيّة، وشهد صعود المدينة كنواة وأرضيّة وفضاء وأفق لذلك المشروع الذي سرعان ما سيجهض، إذ أعادت الحرب بيروت إلى نقيضها الكامن فيها: مجموعة قرى ومناطق نفوذ تؤوي جماعات متناحرة.

- كيف كان سيموت إسكندر لو لم تنشب الحرب؟ (كان سيموت حتماً. ليس هناك مخرج آخر، سوى القطيعة النهائيّة مع عالم الريف، ومع الهويّة (الخطيئة) الأصليّة... وهذه الخطوة لم يكن الكاتب بطبيعته وتكوينه مهيئاً لها)؟

- ماذا يبقى من نصّ هذا القاصّ والروائي البارز، المحوري في الحركة الأدبيّة اللبنانيّة، إذا أخرج من سياقه التاريخي؟ إنه الفاصل (الرابط؟) الزمني بين مرحلتين وعالمين. يعبّر عن كثير من التناقضات التي تدخل في صلب الهويّة اللبنانيّة. ألهذا أيضاً يعتبر حبشي الأشقر أبا الرواية اللبنانيّة الحديثة؟ هو الذي انتقل من القصّة إلى الرواية، كمن ينزح من الريف إلى المدينة؟

- «لماذا نزحوا من كفرملّات إلى بيروت؟ لأن الناس كلّهم نزحوا، نزحوا ليشتغلوا الشغل الجديد، ليأكلوا الأكل الجديد، ليلبسوا اللبس الجديد، وليعيشوا العيشة الجديدة»... هذا التمزّق، تلك الثنائيّة الخصبة، حركة الذهاب والإياب الدائمين بين كفرملاّت (القريّة الافتراضيّة، النموذجيّة) ورأس بيروت (تحديد المدينة مباشر، لا يحتاج إلى عمليّة إعادة إنتاج مجازي)، يختصر جزءاً أساسياً من الوعي اللبناني، في الأدب والسياسة والحياة.

- المدينة ستنقله من زمن إلى آخر، وكان لا بدّ من الحرب، كي تبلغ تجربته الروائيّة ذروتها... وتعلن «نهاية مرحلة في الرواية العربيّة، رواية ما بعد طبيعيّة محفوظ وواقعيّته» بتعبير إلياس خوري. الحرب تدفع بالتناقضات إلى أقصاها.

- والحرب موت عالم وبروز آخر. هاجس الموت طالما خيّم على عالم يوسف حبشي الأشقر وكتاباته... إنّه تأثير الأدب الوجودي ربّما، لكنّه قبل ذلك نابع من تلك العلاقة الحميمة مع البيئة الريفيّة التي أخرجها من الحنين والرومانسيّة والفولكلور، وسلّط إليها نظرة نقديّة، تاركاً للشرّ والعنف والقسوة أن تحتل مكانها في هذا الإطار العذب والخلّاب والمطمئن.

- الطمأنينة المفقودة، هي إشكاليّة من إشكاليات هذا الأدب القريب من الوجوديّة (هل كفرملّات ما زالت ملجأً ممكناً؟). والبراءة المفقودة، هي حجر الأساس في عمارة أدبيّة خارجة من معطف مارون عبّود، من دون أن تصل إلى جرأة فؤاد كنعان وسلاطة قلمه! عمارة هي مفترق طرق بين جيلين وعصرين في تاريخ الأدب اللبناني.

- النثر الريفي لدى الأشقر هو بقايا تركة عريقة، اقتحمتها مشاغل فكريّة جديدة، فانعكست على السرد والبنية تحولاً واضحاً. لقد طرد التنميق الإنشائي نهائياً لصالح حساسيّة دراميّة، قوامها الحوار المسترسل، والجمل المبريّة برشاقة لتجسّد حالة نفسيّة، إيقاعاً سرديّاً، أو موقفاً دراميّاً.

- ومع ذلك ما زلنا مع يوسف حبشي الأشقر الذي اجتاز مسافة طويلة بين مجموعتيه القصصيّتين «طعم الرماد» (1952)، و«آخر القدماء» (1985)، أبعد ما نكون عن المغامرات الأسلوبيّة التي سيأتي بها جيل لاحق، لم يعد على الحياد، لا في الكتابة ولا في السياسة. بالنسبة إليه ستبقى القرية هي حدود العالم، هذا النموذج الجغرافي الذي يرى عبّاس بيضون أنّه لم يعد مكاناً «بقدر ما هو نوع من أولمب مصغّر»، حلبة صراع بين أفكار وهواجس.

- هناك شيء ما يعاند داخل النصّ، في صلب الرؤية الأدبيّة لدى الأشقر. شيء من العالم «القديم» الذي يعتبر وريثه، وقد أخذه إلى اشتباك مع حداثة الستينات في بيروت، منذ صدور الرواية الأولى في ثلاثيّته «أربعة أفراس حمر» (١٩٦٢).

- هكذا عاش ومات يوسف حبشي الأشقر، قدم في القرية وأخرى في المدينة. جذور في الريف وعين على الحداثة. مثل بطله إسكندر في «لا تنبت جذور في السماء» يقرأ موتزيل ويعاين صخب المدينة، علماً بأنّ جزءاً اساسياً منه ما زال مرتبطاً بالرحم، هو الباحث عن «الجذور».

- قل لي مما تهرب، أقل لك من أنت. إلى القرية سيعود ليموت، بعد رواية و١٧ سنة من الحروب. اندلاع الحرب يضع الزمن بين هلالين، ويغطي بالخيش الأبيض أثاث البيت إياه الذي شهد صولات الزمن السعيد وجولاته، وجوهه الأليفة «رفقة التيه في التفتيش عن الطريق». أيام الصراعات العاطفيّة والوجوديّة والحزبيّة، أيّام الشباب والكيف في فورة السبعينات، على حافة البركان... مع الحرب، صار «المطرح الحلمي، مطرح حزن وانحلال». لقد شاخ بطلنا ودخل في قطيعة مع العالم الخارجي، في عزلة صارمة هي الإدانة الوحيدة الممكنة لما يجري. إنّه أقرب إلى الأستاذ الجامعي، بطل رشيد الضعيف الذي بقي على هامش الحرب، حتى ابتلعته («المستبدّ» ١٩٨٣، أو بالأحرى «فسحة مستهدفة بين النعاس والنوم»/ ١٩٨٦)، منه إلى بطل إلياس خوري في «الجبل الصغير» (١٩٧٧) الذي التحق بصفوف اليسار والمقاومة الفلسطينيّة، وهرب من الأشرفيّة...

- الحرب التي يدينها الأشقر مأساة ولعنةً. ترى يمنى العيد أنّ شخصيّة اسكندر المسيحي، تقوم على قاعدة مساءلة الذات، لا الآخر... ومحاكمة جماعته التي «تخلّت عن القيم الروح، وتركت الأرض، وقيم الآباء والأجداد، ساعية خلف المال والقشور». لكن إلى أيّ مدى تفلت «الظلّ والصدى» من النظرة التعميميّة إلى الحرب؟ فيما تبدو لدى توفيق يوسف عوّاد الذي تنبأ باندلاع الحريق («طواحين بيروت» /١٩٧٣) ثمرة فشل مشروع سياسي اجتماعي بديل، يحمله أبناء الجيل الشاب (جيل اسكندر أيام «لا تنبت جذور...») الذي انصهر في بوتقة الجامعة الوطنيّة، وراح يحلم بالتغيير.

- لا نعرف الكثير عن حياة يوسف حبشي الأشقر. نعرف أنّه ولد ودفن في بيت شباب التي أعارت الكثير من ملامحها لكفرملّات. درس الحقوق والفلسفة، وعاش حياة الموظّف الرتيبة في الضمان. نعرف أنّه كان يكتب في المقاهي، ويقرأ كثيراً في الليل. وأنّه عانى في سنواته الأخيرة من مرض الكلى، باختصار عاش في الظلّ، في ظلّ أدبه، منزوياً عن ضجيج الحياة العامة. نعرف غليونه الأبدي، وقصص بسيطة أخرى. نعرف أنّه من رموز ذلك العصر الذهبي لبيروت، شاهد عيّان على صعود المدينة وانهيارها، أحد روّاد الحداثة المستحيلة...

- عُرف الكاتب الراحل بابتعاده عن الإعلام، وبقلّة أحاديثه الصحافيّة. ونادراً ما تناول بالشرح والتعليق تجربته الأدبيّة. ومع ذلك فقد قبل ذات يوم أن يحصر الأسباب التي دفعته إلى كتابة القصة ثم الرواية. قال يوسف حبشي الأشقر: «هناك على الأرجح عوامل لاواعية جعلتني أبدأ من القصة للوصول إلى الرواية.

- أرجّح أن الأمر يعود إلى كوني تعودت في البيت على الفنّ القصصي. كان هناك ألفة بيني وبين هذا الشكل الأدبي. والدي إميل الأشقر كتب أربع عشرة قصة تاريخية... وهذه القصص كانت أول ما قرأت. يجوز أنّ هذا الأمر ترك أثره في نفسي. إذ رأيت أنّ القصّ يسمح لي أن أصنع ما أريد وكما أريد. القصة تتناسب مع كسلي... كما وجدت أنّ لديّ سهولة تعبيرية في القصة. أما حلمي الأساسي والقديم فكان كتابة رواية. وعندما وجدت في نفسي القدرة أقدمت على ذلك بلا تردّد».

من مقال بقلم : بيار أبي صعب

ايوب صابر 10-28-2014 09:50 AM

تابع والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 67- الظل والصدي يوسف حبشي الأشقر لبنان


- رغم أهميته اللبنانية، لم يحظ يوسف حبشي الأشقر بقراءة عربية مماثلة. ظلّ في أدبه نوع من المحلية، ما يذكّر بمجموعة من كتّاب الرواية العربية الذين يُتغنّى بدورهم في محيطهم، من دون أن يمتد تأثيرهم إلى المحيط العربي الأوسع.


- لا بد أنّ للمسألة أسباباً موضوعية تتعلق بأسلوب الكاتب ومواضيعه... وبسوق النشر التي لها أهمية لا يستهان بها.

- فمقروئية حبشي الأشقر عربياً تكاد تكون دون مقروئية أبناء جيلين من الروائيين اللبنانيين ممن جاؤوا بعده.

- وهو معروف بسبب تردّد اسمه في الدراسات الأدبية كمفصل في الرواية اللبنانية، أكثر من أي شيء آخر.

- ولعل جدل «المحلية» خصوصاً مقابل طوطم «العالمية»، غدا هوساً، خاصة في القسم الثاني من الثمانينيات، بعد فوز نجيب محفوظ بـ«نوبل».

- «كل ما هو عالمي خادع، الناس محليون أولاً»، يقول ريجيس دوبريه، ويضيف أنّ تجربته الشخصية في أميركا اللاتينية علّمته «أنّ على المرء أن يلتصق بأرض، بذاكرة أرض».

- ما يحدث في لبنان من تجديد الفرز الطائفي ـ-الذي تجاوزه إلى العراق وربما فلسطين بدرجة أقل ـ-يجدّد الاهتمام بأعمال كاتب مثل الأشقر، وخصوصاً أعماله الأخيرة التي ترصد الحرب الأهلية وتدينها.

- وعلينا فقط أن ننتظر «حبشيين شقر» ليكتبوا فظاعة الحرب الأهلية المتداخلة مع الاحتلال في العراق الآن، أو «حبشي أشقر» يطل من «غزة المنفصلة» ليسجّل وقائع الكارثة/ المهزلة، حيث يُدار نوع جديد من الحروب الأهلية بإشراف مباشر من المحتل.

- الحروب ليست جديدة على العراقيين والفلسطينيين. لكنّ رواية الحرب الأهلية اللبنانية التي كتبها الأشقر ومجايلوه، ومن جاؤوا بعده وصولاً إلى ربيع جابر، تعلّمنا أنّ فظاعة حرب الإخوة تتعدى «فطرة الحرب» وقوانينها.

- إنّها أساساً فساد اللغة، حين يقتلك ابن لغتك ويتحول اختلاف اللهجات إلى اختلاف في الهوية يستدعي القتل. بقراءة أدب الحرب الأهلية اللبنانية، ترى عبثية الحرب وانعكاساتها على لغة الرواية. في حين أنّ الحروب الاستعمارية والتصدي للعدوان كما يظهران في الأدب الفلسطيني تتحول فيهما اللغة إلى مصدّ يحمي من الانهيار. نذكر في هذا الإطار، روايات جبرا إبراهيم جبرا، وخصوصاً باكورته «صراخ في ليل طويل» ( 1946)، التي قد تكون أكثر رواياته «ريفية». في الحروب الاستعمارية، يحتمي المستعمَرون من فساد اللغة بالغنائيات، ويتم اختراع البطولة أو تسجيلها. بينما حرب الإخوة حرب فاضحة.

- لكن... أليست كل حرب هي حرب إخوة بالمعنى الإنساني؟ وبمَ تختلف رواية الحرب الأهلية عن رواية الحرب عموماً؟ السر في اللغة ربما، حيث الاختلافات اللغوية والثقافية تعمل كمسوّغات في الحروب عامة. وفي الحروب الأهلية، تُشتقّ مبررات وتُخلق اختلافات لغوية (لهجوية) وثقافية مزعومة. يظهر هذا في روايات الأشقر، وسيظهر في روايات العراقيين في السنوات المقبلة، والفلسطينيين أيضاً... ومَن أيضاً؟

- عمارة فنيّة مدهشة اشتغل عليها أربعين عاماً

- مدهش هذا القاص والروائي الكبير يوسف حبشي الأشقر!

- فهو ـ-في إبداعه القصصي الروائي ـ-يشتغل بشغف وتأنٍّ، في إشادة البنى الداخلية والظاهرة لكل عمل فني له.

- يمازج، في شغله الفني، بين ما يشبه العفوية والتدفق، وما يشبه الوعي التركيبي الصارم.

- وفيما نرى أنّ لكل عمل فني عنده، بنيته الخاصة، فإننا إذ نشمل بنظرنا سياق اعماله كلها، ننتبه ـ-بدهشة ـ-أنّه كان، في الوقت نفسه، يشتغل على تشييد بنية عامة تشمل أعماله هذه كلّها: فإذا نحن ننتقل بين ثلاثية أولى ـ-عفوية! ـ-تندرج فيها أقاصيص: «طعم الرماد» (1952)، و«ليل الشتاء» (1955) و«شقّ الفجر» (1956)... يغلب عليها المناخ الريفي، وهاجس البحث الايماني عن رعاية الله للانسان...

- بعدها، يدخلنا الأشقر في العوالم الشاسعة المعقدة المتشابكة لثلاثيته الروائية الكبرى: «أربعة أفراس حمر» (1964) ثم «لا تنبت جذور في السماء» (1971) و«الظل والصدى» (1989)... في هذه الثلاثية، ندخل في حومة العوالم المدينية: احتدام القضايا الفكرية/ الفلسفية، والأزمات الروحية والنفسية...، وصراع التيارات الفكرية/ الاجتماعية/ السياسية، والنزعات الوجودية، والتمزّقات الداخلية للفرد، وتصادمات الفرد مع التراكيب والمواصفات الاجتماعية
والطبقية...

- الشخصيات الرئيسية، هنا، هي من المثقفين ـ-كتّاباً وغير كتّاب ـ-المتفاعلين أو المنفعلين بشكل أو بآخر، بالقضايا الفكرية الفلسفية والنفسية الكبرى للعصر، وتياراتها المتصارعة: الوجودية، القومية، الماركسية، الايمانيّة المعاصرة (التي تؤرّق الأشقر، تحلّ فيه، تصارعه ويصارعها). ثم: الفوضوية، وحركات الشباب التي هي خليط حيوي مندفع ومتحمّس من هذه التيارات والأفكار كلّها.

- ولا بد من التأكيد هنا ـ-من الوجهة الروائية الفنية ـ-أنّ هذه القضايا الفكرية والنزعات تدخل في النسيج الداخلي للبناء الروائي ولحركة الأحداث، وفي خلايا التكوين الفردي، والمتناقض، للشخصيات، وتدخل حتى في جموحات الحب والجنس والتنابذ والموت، مع مَيلٍ ـ-في العمق ـ-الى ذلك اللون من الإيمانية المعاصرة التي تعود الى نزوعات الأشقر نفسه، وإلى نزوعات شخصياته الروائية.

- مدهش هذا الروائي والقاص الكبير. يكتب في مجموعته القصصية «الأرض القديمة»، عام 1963، عوالم الريف والشخصيات الريفية، والصراعات ذات الطابع الفردي البسيط والمبسَّط... ثم يعود ـ-بعد عشرين عاماً ـ-إلى تلك « الأرض القديمة»، ليرى هو ونرى معه، ماذا بقي منها، وما الجديد الذي دخل حياتها، وأمعن في تغيير النسيج الداخلي لحياتها القديمة، وجلب اليها نزوعات جديدة، تراها شخصياته القديمة غريبة عنها وغريبة عليها... فأصدر في عام 1983، «وجوه من الارض القديمة»، وأتبعها، في عام 1984، بمجموعة «آخر القدماء»...

- مدهش هذا الفنان الكبير: فقد تبيّن لنا أنّ هذه المجموعات القصصية الثلاث هي أيضاً مشادة في شكل ثلاثية قصصية، تكتسب كل قصة منها فرادتها و«استقلاليتها»، لكنّها تشترك مع أقاصيص آخرين في المجموعات الثلاث، بتداخل شخصيات من الأقاصيص في المجموعة الأولى، في النسيج الداخلي لأقاصيص في المجموعة الثانية أو الثالثة... وأنّ هذه المجموعات القصصية الثلاث تشكّل، معاً، وهو ما يشبه الرواية الواحدة: في الفضاء العام، والمناخ الريفي، ووحدة المكان ـ-وهو قرية «كفر ملاّت» ـ-حيث تتشابك الأحداث وتتصارع الشخصيات...

- ثم يتبين لنا أنّ المجموعتين الأخيرتين («وجوه من الأرض القديمة» و«آخر القدماء») تتميّزان بدخول أطراف من التيارات المدينيّة فيهما، من صراعات الأحزاب الحديثة الى مفاعيل الحرب الأهلية المدمّرة للعلاقات والمخلخلة لأيّ رؤى مستقبلية.

- وقبل أن يدعك يوسف حبشي الأشقر تظن أنّ هذه «الثلاثيّات الثلاث» هي لثلاثة كتّاب مختلفين، يصدر مجموعته «المظلة والملك وهاجس الموت» (1981) التي تتضمن أقاصيص عدة ولوحات قصصية وتأملات، تمازج بين المدينة والريف، ويصوّر فيها التأثيرات المدمرة للحرب الاهلية والتعصّبات الطائفية والنزوعات الوحشية في بنى البلد والعمران والناس والعلات وتكسّرات الروح.

- وتتجسّد مأساة الحرب الاهلية (التي مضت ـ-وقد تأتي؟!) في رواية «الظل والصدى» حيث تقتل الحرب، ووحوشها البشرية، ذلك المثقّف المتوحّد، المبدع الكاره للحرب والتقتيل، الحالم بعالم آخر، نوراني إيماني ينهض في هذه الأرض نفسها!...

- ... هذا البنيان الفنّي «الأشقري» السامق والمتشابك، المبنيّ بعناية وبمزيج من العفوية الإبداعية والوعي البنياني، قد يحتاج أيضاً وأيضاً وأيضاً، من النقد الى إعادة تأمّل فنّي فكري إنساني في هذه العمارة الفنّية المدهشة التي اشتغل عليها يوسف حبشي الأشقر طوال أربعين عاماً، فجاءت مكثفةً، وغنية، ومثمرة.

- أيقونة وأب تاريخي انتشر اسمه أكثر من أدبه

---
- لا بدّ من أن نصّ يوسف حبشي الأشقر هو أحد النصوص التأسيسية سواء في الرواية اللبنانية التي يراه كثيرون أباً حقيقياً لها، أو في الرواية العربية التي يبدو أنّه لم يحتلّ مكانه اللائق فيها بالنسبة إلى القراء والنقاد معاً.

- وهذا عائد إلى اعتبار يوسف حبشي الأشقر أيقونةً أو علامةً روائية استثنائية من دون الخوض في تفاصيل ممارسته الروائية التي جعلته كذلك. لهذا نشعر بأنّ اسمه منتشر ومعروف أكثر من أدبه.

- لعل الرجل قُرئ في زمنه وعرف مجايلوه دوره وقيمته وفرادته، لكن ذلك توقف تقريباً. الأجيال اللاحقة سرعان ما عاملته بوصفه ماضياً بعيداً. الروائيون الذين بدأت تجاربهم مع الحرب الأهلية وبعدها ابتعدوا بمسافات سردية وخيارات أسلوبية واضحة عن النبرة التي سادت في رواياته وقصصه. بالنسبة إلى هؤلاء، بدا أنه أب تاريخي أكثر من كونه أباً يمكن أن يستمر نسله السردي في أعمالهم.

- بقي يوسف حبشي الأشقر، أو أُبقي في زمنه هو. قلّما خضع أدبه لتجديد نقدي أو إعادة نظر، سلباً أو إيجاباً. إنه أثر روائي وكفى. إنه كاتب مهم وكفى. نقرأ اسمه هنا وهناك، لكنه غالباً ما يرد بالصورة عينها. صورته كأب للرواية اللبنانية الحديثة واسم شائع أكثر من أدب صاحبه.

- لعل نظرتنا هذه تسري على أسماء لبنانية أخرى أيضاً. ماذا نعرف عن الياس أبي شبكة سوى جحيميته وغلوّه الرمزي والسيكولوجي؟ ماذا أضفنا إلى «قرف» فؤاد كنعان؟ وماذا عن غطرسة سعيد عقل الشعرية؟... يبدو أنّ لدينا أمثلة أكثر مما يلزم للدلالة على أنّ يوسف حبشي الأشقر لا يمثل حالة فريدة في المعاملة التي لقيها.

- الواقع أنّ ما يحدث ليس كله عقوقاً وإهمالاً من الأبناء. ثمة سمات في كتابة يوسف حبشي الأشقر تجعل معاملة أدبه على هذا النحو ممكنةً ومبررةً أحياناً. فالحرب ومرحلة السبعينيات عموماً آذنت بالشروع في كتابة مختلفة عن الخصوصية الأزلية (والفولكلورية) للمدرسة اللبنانية. لم يحدث ذلك في الرواية فقط، بل لعل التغيّر الأكبر طاول الشعر الذي كُتب في تلك الفترة. الرواية والشعر الجديدان ولدا في وحل الحرب والأحلام الخاسرة مقارنة بغبطة الخمسينيات ووعودها الكبيرة.

- الأرجح أن صورة «لبنان الشاعر»، بحسب عنوان كتاب لصلاح لبكي، تحطمت في السبعينيات. حداثة الخمسينيات كانت حداثة بيانات وفتوحات. الحداثة الثانية كانت عملاً على ابتكار ترجمات أخرى لتلك البيانات وتذليل وعورة مسالكها وصولاً إلى شقّ دروب وشعاب خاصة.
يوسف حبشي الأشقر ينتمي إلى الصورة الأولى. إنه إحدى «المعجزات» اللبنانية العديدة. كتب الرواية كأنه يخترعها. استخدم سرداً معقداً، وأكثرَ من الحوارات. أدخل نكهة وجودية قوية في أعماله. لجأ إلى الأمثولات والترميز.

- عرض قدراته في تطعيم الكتابة بمقاطع ذات مزاج شعري. فعل الأشقر كل ذلك وأكثر. قد تكون كل هذه الممارسات منطقية ومبررة في لحظات التأسيس. لكن دوام ذلك يجعلها أقل قيمة وإغراءً بالتأكيد. هناك فرق بين أن تُرى هذه الممارسات في زمنها وبين أن تُرى راهناً.

- إذا تتبعنا أثر يوسف حبشي الأشقر لدى الجيل اللاحق، فإننا لن نجد هذا الأثر كاملاً. سنجده لكن مفتتاً وذائباً في نبرات هؤلاء. لقد دخل الأشقر في تحتانيات رواياتهم. صار مصدراً روائياً وإرثاً عاماً، واختلط بقراءات عربية وأجنبية أثّرت بمن جاؤوا بعده. بعضهم أخذ منه وبعضهم لم يفعل.
قراءة يوسف حبشي الأشقر ليست سهلة اليوم. نبرته السردية التي منحته الجزء الأكبر من خصوصية تجربته يمكنها أن تكون سبباً للعزوف عن قراءته أو إعاقة هذه القراءة على الأقل. رواياته وقصصه تطرد القارئ المسترخي الذي ينتظر من الرواية أن تقوده هي. لن يجد هذا القارئ حكاية تتدفق بسهولة وتشويق.

- وإذا حصرنا الكلام في القصة التي بلغ فيها ذروة فنّه في مجموعته «المظلة والملك وهاجس الموت»، نجد أن معظم قصصها لا تبدأ من بداية طبيعة أو تقليدية. المؤلف لا يقص حكاية عادية، والسرد لا يُبدي عناية كافية بالحدث ـ-هذا إذا كان ثمة حدث بالمعنى الحرفي للكلمة. ما أن يتقدم السرد قليلاً حتى يُخترق بأهواء فكرية ومونولوغات منفردة وخلاصات رمزية وتفلسف شخصي.

- لكن مهلاً، هل قلنا إن السرد يُخترق بكل هذا؟ الواقع أن السرد يكاد يكون مؤلفاً من هذه الاختراقات وحدها. إنه محمول عليها ومكتوب بموادها وخاماتها. السرد، بهذا المعنى، يعطّل نفسه. ولا بدّ من أن القارئ تنتظره مهمة صعبة. إذ عليه أن يتخلى عن فكرة التسلية والترفيه وأن يتلذذ، في الوقت نفسه، بما يقرأه.

- إذا كان لهذه الإشارات والملاحظات نصيب من الدقة، فإن يوسف حبشي الأشقر مرشح لتراكم أيقوني مضطرد. وهذا يعني أن يواصل حياته بيننا كاسم... لا ككاتب تُعاد قراءته من حين إلى آخر.



من مقال بقلم : نجوان درويش

ايوب صابر 10-28-2014 02:18 PM

تابع...
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 67- الظل والصدي يوسف حبشي الأشقر لبنان



- يلفت في تاريخ الرواية اللبنانية المتعلّقة بالحرب الأهلية أنّ محمد عيتاني أنهى روايته «حبيبتي تنام على سرير من ذهب» بفصل عنوانه «نحو العاصفة»، إذ إنّ المجتمع اللبناني -كما تمثّل في الرواية -كان يتجه نحو عاصفة الشرّ (الموت).

- ما استشرفه عيتاني حدث، وقامت الحرب التي تدور أحداث رواية يوسف حبشي الأشقر «الظل والصدى» في فضائها ومناخها. وهو الفضاء/المناخ الذي أفضى إليه المسار الروائي لثلاثية الأشقر الممتدّ من «أربعة أفراس حمر» فـ«لا تنبت جذور في السماء» إلى مقدّمة «الظل والصدى».


- في هذه الرواية الأخيرة، يعاين القارئ الحرب (الشرّ)، بوصفها قوة قاهرة تتحكم بمصائر العباد والبلاد كأنها قدر لا يقاوم، وقد صُوّرت أدوات هذا القدر (أمراء الحرب) في الرواية في صور جعلت غير قارئ يسأل الروائي «كيف تجرؤ، وأنت تعيش بينهم؟». أجاب يومها: «من حسن الحظ...» ثم صمت لحظة، وأضاف بعدما هزّ رأسه وابتسم ابتسامة ساخرة: «... أو من سوئه أنهم لا يقرأون!».

- تعيد هذه الإجابة إلى الذهن صورة سياسي كان يقلّب ورقة بين يديه، على شاشة التلفاز، ويقرأ «مُستطيَر» وهي وصف لـ«شرّ» الحرب المستشرَف من سياسيّ آخر.

- فسواء كان هذا السياسي لا يجيد القراءة فعلاً أو كان يسخر، فإن الحرب/الشرّ التي عشنا ويلاتها وقرأناها، لم تعلّم، كما يبدو، أمراء الحرب القراءة التي تجعلهم يمضون في خط آخر، أراد إسكندر، الشخصية الرئيسية في «الظل والصدى»، أن يمضي الوطن فيه.

- فقد بقي من أبطال الثلاثية، في الجزء الأخير منها، إسكندر المثقف الثري الليبرالي المنفصل عن عالمه، وأنسي المثقف اليساري.

- قاتل أنسي ثم هاجر بعدما عرف حقيقة الحرب، ورفض مواصلة دور الأداة.

- وصعد إسكندر إلى كفرملات، موطن الميليشيات، ليحقّق هدفين: أولهما المشاركة في دفن أمه وثانيهما وهو الهدف الأساس، الاحتجاج على الحرب بفعل يدفع المشاركين فيها، أو بعضهم، إلى الإحساس بالإثم والندم...

- قديماً، في «أربعة أفراس حمر»، أقدم يوسف الخروبي وهو يحتج على عالمه، على إنقاذ غريق. كان يعرف أنه لا يجيد السباحة، فغرق... وها هو إسكندر يعيد ما قام به صديقه القديم، فيقدم على فعل يحتج به على عالمه، فيعود إلى عالم معادٍ، عالم الميليشيا، وهو يعرف أنه لا يجيد السباحة فيه ويعرف أنه سيغرق (يقتل). لكنه يمضي لأنه يُريد أن يحدث غرقه (قتله) إحساساً بالإثم/الندم يحرّك سعياً إلى الخلاص من الحرب/الشرّ.

- وهذا ما يحدث، إذ يعي يوسف خليل (الميليشياوي) الحقائق، فيترك الميليشيا، لكنه لا يهاجر كما فعل أنسي بل يسلّم نفسه للمخفر، ويكتب تجربته لمن يريد أن يقرأ في دفتر الحرب. وهكذا تحقق لإسكندر ما أراده، إذ إنه سعى إلى موت في خطّ أوّل يحرّك العالم الذي يتوجه إليه في خط ثان.

- فهل نجيد اليوم، ونحن نمضي «نحو العاصفة» من جديد، القراءة في دفتر الحرب الذي كتب يوسف خليل تجربته فيه، ونتحرّك في خط آخر سعى الروائي الكبير يوسف حبشي الأشقر، الذي لم يأخذ حقه من العناية بعد، إلى بيان معالمه في نص روائي ممتع وكاشف وراءٍ في آن؟



من مقال بعنوان: قراءة في دفتر الحرب- عبد المجيد زراقط






الاخبار
الخميس ٤ تشرين الأول 2007


===
- لا نعرف الكثير عن حياة يوسف حبشي الأشقر. نعرف أنّه ولد ودفن في بيت شباب التي أعارت الكثير من ملامحها لكفرملّات. درس الحقوق والفلسفة، وعاش حياة الموظّف الرتيبة في الضمان. نعرف أنّه كان يكتب في المقاهي، ويقرأ كثيراً في الليل. وأنّه عانى في سنواته الأخيرة من مرض الكلى، باختصار عاش في الظلّ، في ظلّ أدبه، منزوياً عن ضجيج الحياة العامة. نعرف غليونه الأبدي، وقصص بسيطة أخرى.

- نعرف أنّه من رموز ذلك العصر الذهبي لبيروت، شاهد عيّان على صعود المدينة وانهيارها، أحد روّاد الحداثة المستحيلة..

- لقد ظل يوسف حبشي الأشقر ابن القرية والجبل متأبطاً المدينة بركامها وأضوائها ودهاليزها لا يأبه لذلك إلاّ عندما يخترق بنظرته اللافتة وريشته المبلولة بالدمع والدم في رسم صورة لبنان يومذاك، متوارياً في رسالة لزوجة هجرتْ، أو لأبناء تمرّدوا أو لأم وأب ظلاّ مُحصَّنَين ضد الرصاص بالبراءة والحب، حتى الموت.


- عاش يوسف حبشي الأشقر في الظل، موزعاً بين الميراث الريفي، ونداء المدينة.

-عاش مسكوناً بهاجس الموت، ورحل بصمت بعدما نقل الرواية اللبنانيّة من زمن إلى آخر.

- رغم انه كان مسكونا بالموت وعاش في الظل ...وذلك يقول الكثير عن طفولته وحياته وشخصيته .

ايوب صابر 10-28-2014 02:25 PM


تابع ...

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 67- الظل والصدي يوسف حبشي الأشقر لبنان

- بالأمس وصلت "مظلّة الملك" ليوسف حبشي الأشقر، هذا الروائي العربي الرائد إلى ملايين القارئين تحت مظلة "كتاب في جريدة".

- وهو حدث روائي عربي بامتياز قبل أن يكون تحيةً وتكريماً لهذا المبدع الذي كان بعيداً عن الأضواء إلا ما تثيره الطلقات النارية والانفجارات من ضوء يخترق عزلته في "كفرملات" في جبل لبنان، أثناء الحرب الأهلية في أواخر القرن المنصرم والتي كان في كل حرف يكتبه يرفع يد إدانة وصمتَ صرخة بوجهها..

- لقد ظل يوسف حبشي الأشقر ابن القرية والجبل متأبطاً المدينة بركامها وأضوائها ودهاليزها لا يأبه لذلك إلاّ عندما يخترق بنظرته اللافتة وريشته المبلولة بالدمع والدم في رسم صورة لبنان يومذاك، متوارياً في رسالة لزوجة هجرتْ، أو لأبناء تمرّدوا أو لأم وأب ظلاّ مُحصَّنَين ضد الرصاص بالبراءة والحب، حتى الموت.

- إنها المرّة الأولى التي أكتب فيها عن كتاب أو كاتب صدر في "كتاب في جريدة" وتلك حيادية أحرص عليها وطبّقتها منذ الإصدار الأول ونحن اليوم بعد عشرة سنوات في الإصدار الـ105,.
ترى هل أن نص يوسف حبشي الأشقر وحده هو الذي حرّضني أم تقف وراء ذلك أسباب أخرى؟

- في الواقع أنني نادراً ما قرأت قصصاً بحساسية شعرية ولغة تكاد تتماهى مع الأحداث والأشخاص بهذه الشفافية والتلقائية وهو ما يمنح لهذا الروائي خصوصيّة أولى.

- ما زال حبشي الأشقر يتربع على قمة جبل عالٍ ناءٍ ليس في لبنان وحسب إنما في الرواية العربيّة،

- إنه المفاجئ الذي يستجوبك منذ الصفحات الأولى لتكتشف أنك متأخر جداً في علاقتك مع الفن الذي يقدمه والبلد الذي ينتمي إليه في حين لا تحس أن ما يحدث لك يعنيه في شيء ما..

- ثم تجد نفسك أنت الآخر تتماهى بسحر لغته ولقطاته في حيثيات قصصه وبانكفاءات أبطاله وانفعالات شخوصه.. يقودك بقوة إليه دون أن يشعرك ولا بأدنى حاجة لذلك.

- لم أرَه، وسمعت عنه الكثير، وقد لامني ـ أقولها الآن على حق ـ العديد من الأصدقاء اللبنانيين بالأخص الذين يعرفونه عن تأخر صدور عدد له في "كتاب في جريدة" ولا أريد الآن الدخول في هذا الشأن، ولكنني أريد أن أؤكد بهذه المناسبة بأن يوسف حبشي الأشقر كان يجب أن يكون الروائي الأول الذي يصدر عن لبنان في "كتاب في جريدة".. ليس في ذلك إساءة لأحد ولكن تصحيح لمسار.

- أستطيع أيضاً أن أضيف وهذه معلومة لا يمكن أن يقدمها أحد سواي في "كتاب في جريدة" وهي ردود الأفعال الخاصة بكل إصدار وفيما يخص هذا الإصدار فإنني تلقيت عربيّاً أصداءً وحماساً يرقى إلى فرادة وأهمية هذا النص.

- هذا من ناحية كما أنني أردت لهذا الإصدار أن يأخذ أهميّة مزدوجة لا تنبع فقط من مكانته الروائيّة كما هو معترف بها من كل من قرأ هذا النص ولكن هذه المرّة أردتها باسم "كتاب في جريدة" رسالة إلى كل لبناني يعيش اليوم هاجس ورعب الانزلاق نحو هاوية لم يخرج البلد بعد كليّاً من كوابيسها ومآسيها وهي الحرب الأهلية مع موكبها من المآسي والكوارث..

- وقد وجدت في قصص يوسف حبشي الأشقر أعلى نموذج لصرخة إنسانية من لبنان إدانةً للحرب وويلاتها ومن ثم لتعبر حدود لبنان إلى العالم العربي وكل إنسان..

-إنه نص اليوم في حاضرتنا التي تتشدق بالدم والدمع تحت شعارات وأقنعة لم تعد تخفي عمق الهول والمأساة التي تتخبّأُ وراءها.

- جاء نص حبشي الأشقر تواكبه رسوم رائعة لـ جنان مكي باشو الفنانة اللبنانية التي هي الأخرى عرفت كيف بشظايا القنابل أن ترسم صرختها ضد الحرب وكيف تصور خريطة بيروت مشطورةً كجسد يدمى لتقف مع نص الأشقر في عناق خلاّق من أجل لبنان.

- إن يد يوسف حبشي الأشقر التي ترتفع فوق ركام تراجيديا الحرب اللبنانية السابقة تواكبها شظايا" جنان مكي باشو يحملها "كتاب في جريدة" هذا اليوم لكي تكون الصوت اللبناني المتعدد الأعمق الذي يعلمنا أن لا ننسى وأن نمضي معاً

==
من مقال بقلم : شوقي عبدالأمير


الساعة الآن 09:55 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team