![]() |
-تعمل رواية (( حكاية زهرة )) لحنان الشيخ على تفجير قوة داخلية هائلة، داخل الجسد/ المرأة ، ناشئة من اصطدامها بالوعي / الأنثى ، الوعي الذي يكتسب من الجسد/ المرأة ، وجوداً مغايراً ،يمتلك حريته خارجه، ليشكل ملامحه ورؤيته تجاه الآخرين والعالم ، بعين طفلة – امرأة، مع تحويل الجسد إلى شفرات مؤسطرة، دون الوقوع في دائرته، ولكن باتحادهما تكتمل الصورة لـ الجسد – الأنثى، ويتسم الجسد عند حنان الشيخ بالقمع، والكبت، والاضطهاد، والتدنيس بشكل بارز وحاد، لان النص عند الروائية جسد امرأة متشظ، بل نص منسوج من رؤية ثنائية للبطلة والكاتبة ، نص يتألف من جسد زهرة ووعي حنان، وهذا الجسد لا تتحقق هويته إلا بالتحامه وتداخله مع الجسد/ الآخر، فعندئذ تتحقق هوية جسد/ الذكر ايضا، وعند غياب أحدهما تغيب الهوية، لان أحد الجسدين لا يشكل (كينونة مكتفية بذاتها، انه يحتاج الآخر وتمييزه وتعرفه وفاعليته القادرة على التشكيل)(1) (باختين)، فهما يخضعان لمبدأ العثور على الذات في الآخر ، مع بقاء خصوصية كل منهما مستقلة، متفردة، متميزة، ولكنهما يعيشان نمطين من الحياة (واحدة كانت رسمية وجدية، وأخرى : سوقية بطريقة كرنفالية، حرة ومليئة بالضحك المكافئ بين الأضداد وبالتجديف، وبتدنيس كل ما هو مقدس)(2)، والنص الروائي هو موضوع مفتوح على تذوق جمالي لا نهائي، ولحظة جمالية مفتوحة، تتصف (بانثنة) الوعي وتوعية الجسد. تقسم الرواية إلى قسمين، الأول يحتوي على خمسة فصول، ثلاثة بصوت زهرة، والرابع بصوت هاشم (خالها) والخامس بصوت ماجد (زوجها)، وتقع أحداث الفصول في بيروت باستثناء الأول في أفريقيا، المنفى الذي تُهرّب اليه جسدها خوفاً من الفضيحة، وليكون حربها الداخلية(ان الحرب قد اندلعت في داخلي) ص36، ولتكون فيها سجينة جسدها،المتقززة منه، ولا تستطيع السيطرة عليه(آه اني لا أقوى على جسمي) ص122 في آن واحد. والقسم الثاني، يحتوي على فصلين، بصوت زهرة، يكونان حربها الخارجية، (أريد ان أكون لنفسي، ان يكون جسدي لي) ص99، حربها مع العالم لرسم خرائط جسدها فوق قارة نون النسوة، وتكون فيها متحررة من جسدها، مسيطرة عليه، ولتكتشف أسراره وخباياه. يمثل القسم الأول: الأنثى خارج الجسد، ويمثل القسم الثاني: الأنثى داخل الجسد، تحكمها علاقة جدلية – حوارية، لان الرواية(ذلك النوع الملحمي الكبير، ذلك التصوير الحكائي للكلية الاجتماعية)(3)، الكلية التي تكون الحكاية فيها استرجاعا لواقع المرأة العربية وكشف الرؤية الذكورية لها في المجتمع العربي. ورغم تعددية الأصوات في الرواية، وعدم اندماج أشكال الوعي ببعضها، ورغم حواريتها القوية، الا ان صوت زهرة يطغي على الآخرين، ولكنه صوت يمتلك تأثيرا متبادلا تأما معهم ضمن المستويين الدلالي والتكويني، وفي تناصية الأشخاص، وعليه يتأسس متن جديد يقع وراء المتن المقروء، يعمل على سحب كبسولات المتن الملغوم- المقروء. بالإضافة إلى ذلك توجد قراءة بصرية لسرديات الصور الفوتوغرافية الموجودة على الغلاف الأمامي للرواية، وهذه الصور تعطي إيحاءات متنوعة للقارئ في إيجاد المعاني، وإيجاد القيمة الدلالية للشخصيات التي تقص، وتُخبر في النص- الروائي، وهذه القراءة المزدوجة، تشكل المدخل للتغلغل إلى الآخر، لا بوصفه موضوعا بل بوصفه ذاتا فاعلة، وميزة القراءة البصرية اذ تعطي معاني مشتركة فورية بين الروائية والقارئ، بعكس القراءة – النصية التي تمنح القارئ حرية في تعددية التأويل في القراءة. ويكون الخوف المحور الأساسي في الرواية، ويتمركز فيها بكثافة، ويسود في النص ويظهر ذلك جلياً على زهرة ( فمنذ وعيت وأنا في حالة اضطراب دائمة حالة خوف)ص125، بحيث يصبح الخوف ظلها الذي لا يفارقها حتى النهاية( أنا وحدي فقط مع الخوف)ص159، ففي البداية يستعبدها بالخضوع للحياة، وفي النهاية تتحرر منه بالانتماء للموت/ الظلام، بمعنى ان موت الجسد(هو وحده القادر على تحريره: ((بعد موتك، تصير الهاً)). ادونيس – الصوفية والسوريالية) ، (العتمة قد تحولت إلى خوف وجسمي قد تحول إلى خوف)ص227، وما بينهما يتناسل الخوف بشتى الأشكال، مخترقاً لغة النص، ويأتي الخوف في القسم الثاني بشكل مضاعف، لتداخل خوف الحرب الأهلية مع خوف زهرة الدائم، ولان الحرب لا تجري في الواقع فقط، بل تجري وتنتشر في الذاكرة ايضا، لذا ففي هذا القسم يمتزج التاريخ الفردي مع التاريخ الجماعي، وتعبر لفظة الخوف هنا برمزها عن ابعاد عديدة تكاد تكون مفتاح الرؤية النقدية للرواية، فيصبح الخوف/ رمز – دلالة- وعي- أسطورة، وأحيانا يتخذ صيغة مواجهة في النص، فعند زهرة يكون مواجهة مع الذات المستلبة، المقهورة، ومع الجسد/ المرأة، وعند هاشم علوش مواجهة مع السلطة القمعية، وعند ماجد مواجهة مع المجتمع الذي نبذه، احتقره، أدانه لانحداره الطبقي العمالي، ولقد وضعتهم الشيخ في مواجهة اخرى، مواجهة الكبت والعنف، والعمل على إنضاج العلاقة غير المتكافئة بينهم لكي تعري(النفوس البشرية المرعبة، وكأنها في الجحيم)(4). وتتلبس بالخوف منذ البداية وهي طفلة، (وقفنا خلف الباب نرتجف) ص9، وتتصاعد استراتيجية الخوف كلما توغلنا في الرواية، وكلما توغلنا في الحلول في جسد زهرة، إلى حين تساقط قطرات المطر في النهاية (إني خائفة) ص125، ليغرقه المطر في الموت، موت زهرة، عند ذلك يغادرها وهي غارقة ما بين الماء والدم، ما بين الحياة والموت، ما بين العبودية والتحرر، ما بين الانطفاء والانبعاث، وعودتها إلى حالة التوازن بعدما كانت قد فقدته، في حروبها المتعبة، وعودة الخارج / الوعي إلى الداخل/ الجسد، (انها تمطر، وقلبي يمطر، وعقلي يمطر) ص113. ونقطة الانطلاق في الرواية، هي الكراهية، والاشمئزاز من الواقع الذي ترصده في عناية فائقة بكافة أشكاله الإنسانية والسايكلوجية، وبالأخص رصد المشكلة الخطيرة للمجتمع الا وهي تهميش وتغييب المرأة، ورصد الرؤية الذكورية التسلطية في العلاقة معها، ورصد النظرة المتخلفة عنها، وتناولت ذلك عن طريق توظيف البنية الجنسية المقترنة بالأبعاد الاجتماعية – الاقتصادية- النفسية- الثقافية، ومن خلال هذه البنية نتطلع إلى الأبعاد لاكتشافها، ومعرفة مدى ارتباطها بالحركة التاريخية- السوسيولوجية، وتثمين قيمة المرأة/ الأنثى في كلية المجتمع الشمولية، وفي اللحظة ذاتها تبين حنان الشيخ حدة التناقض بين المرأة والرجل، وبين المرأة والمجتمع، وعملت بإعطاء زهرة خصوصية إنسانية/ جسدية – أنثوية، غير اعتيادية، غير طبيعية، مع تعميدها من قبل أمها منذ الصغر بالخوف والخيانة(أدخلتني مغطس الحيرة والتساؤلات والسحر وأنا ما زلت صغيرة) ص12، فالأم خانت زوجها لتوكيد ذاتها، أما زهرة فخانت جسدها لانفصاله عنها، مما أنشأ تقاطعا بين الجسد والأنوثة، واختلال توازنهما، ليؤدي بها إلى حالة فقدان التوازن مع العالم، وليتحد الخوف مع الجسد في سلبية مخيفة، اذ تفقد هويته حتى مع الآخر، وتكون واقعة ضمن مغامرة التابع والمتبوع، فلا الجسد تابع للأنثى، ولا أنثى مالكة لجسدها، لذا قام الخوف بقذف زهرة خارجه كشاهدة تجاه الجسد(كنت شاهدة منذ البداية حتى النهاية، حتى الآن انا متفرجة، ثم شاهدة على خرق عذريتي فوق السرير القذر، وعندما حملت كنت شاهدة على هذا جسمي وعلى طاولة الدكتور العجوز، وممرضته) ص118. وتتحدد علاقة زهرة الجسدية في ثلاثة محاور/ رجال، ومن خلالهم تتشكل صورة زهرة السايكلوجية وتكون العلاقة بينهم علاقة حوار لغة الجسد، لا صوت ينبعث منهم، كل واحد يخاطب ذاته، والتحاور يكون معها بلغة الجسد فقط، لأنها هي أصلاً لا تجادل الآخر ولا تتفق معه ( ربما ظن أني لا اقرأ ولا اكتب، وإلا ما كنت هنا اتعاطى لغة الجسد) ص178، حتى وجهة نظر الشخصيات الرجالية الثلاث لا يتم الكشف عنها من قبل المؤلفة ولا من قبلهم، فقط عرفتنا بهم من خلال علاقتهم الجسدية مع زهرة، فمالك استغل طيبتها ليغرر بها ويفض عذريتها، أما ماجد فأراد إخفاء نقصه الداخلي ، وعقده بها، فتزوج منها، واخيراً القناص الذي تمتع بجسدها، وعندما اخصّب قتله( هل قتلني لأني حبلى ام لأني سألته اذا كان قناصاً) ص226. فالاقتناص هنا دلالة رمزية لمسخ إنسانية الإنسان، وإدخاله دائرة الحيوان. ومما يزيد تعقيد إضاءة هذه العلاقة او الولوج فيها لاكتشافها، ان زهرة لا تقوم ببيع جسدها مقابل المال، ولا تعرضه لشبقية به، ( ومرة سحب من جيبه مئة ليرة وحاول ان يضعها داخل حمالتي، ارتجفت ذقني وأجهشت بالبكاء، وددت يدي ابحث عنها حتى أعيدها) ص162، حتى لا تربطها بهم علاقة حب او عشق (لا. لم أحبه. لم أطقه)ص118، ولو تعمقنا أكثر في دراسة مثل هذه الفقرات، ستجعلنا نكون في الموضع الصحيح والقراءة الصحيحة وستضيء مفاصل النص الرئيسية التي بدورها ستضيء المساحات المظلمة للنص لاستبطان أسراره الدفينة. والقارئ الذي لا يرى في لقاء زهرة بالآخر/ الرجل، الا بنية سردية جنسية مفضوحة لا يمكن ان يدرك القيمة الدلالية- الجمالية في النص، ويخلق إشكالاً تفسيرياً، ولا يمكن ان يستخرج المضامين الإنسانية والتناقضات الذاتية والطبقية والطائفية( فأحمد ورفاقه يقولون انهم يحاربون الاستغلالية، ويريدون لفت النظر إلى مطالب الشيعة المغبونة)ص153، ولا يمكن ان يحيط باستراتيجية النص الشاملة، فالجنس لم يتخذ بعداً شهوانياً عند حنان الشيخ، إنما وظف كبعد إنساني، لأجل الإدانة والتغيير، فالحس الجنسي- الإنساني( يندمج بالمحتوى اندماجاً عضوياً حياً، وبالطريقة التي يتخذ بواسطتها هذا المحتوى شكله، وهو يحمل إلى الأثر الفني الحياة التي ما كان يبلغها ابداً إلا إذا خاطب الكائن البشري بكامله)(5)، بمعنى عدم تجريد الجنس او الفعل الجسدي من محتواه الإنساني، وجعله مجرد متعة رخيصة ورغبة محمومة، لان هذه النظرة تنجح في تشويه العمل بكامله وتكريس الاستلاب للمرأة. وتوجد في الرواية أربع وظائف مختلفة ترتبط بأربعة مستويات، وتكون مهمة الربط المتواجدة في النص، تثبيت الوظائف الملتحمة بالمستويات التي تكون متوازية ومتداخلة ببعضها، وتؤدي ذلك إلى انفتاح المعاني المغلقة، والعمل سوية في اتجاهين متعاكسين مع النص وما وراء النص وهي : 1- وظيفة كرنفالية على المستوى الواقعي. 2- وظيفة تدميرية على المستوى السايكولوجي. 3- وظيفة خيانة على المستوى الأخلاقي. 4- وظيفة مغامرة على المستوى الشخصي. والمعنى العام يظهر في الرواية، من الفعل الجسدي المتعدي على الفعل الرمزي، الاجتماعي، النفسي، فهكذا يلتقي الفعل الجسدي مع الفعل التدميري لمدينة بيروت، ومع الفعل الكرنفالي بالالتقاء بالآخر، ومع الفعل الخياني في تدنيس الجسد، والفعل المغامري في تفجير الجسد، وهنا يتميز الفعل الجسدي بكونه بنائياً من الداخل، ومتشظياً من الخارج، مع بقاء العلاقة الجدلية بينهما، لان بدون هذه العلاقة تتيه المعاني، ولا نمسك بأسباب التمزق الداخلي لزهرة، وغرائبية الحرب الأهلية اللبنانية. ان جوهر الرواية يكمن في تجربة زهرة في الطفولة، تجربة اغترابية تفتتح بها الرواية، تجربة مزدوجة ما بين الأم والبنت ومختلفة، فبالنسبة للأم احتفالية، أما لزهرة فتكون متسمة بالغرابة والخوف، في غرفة مزيفة ودكتور مزيف. يقول هيدجر: البداية هي الأكثر غرابة والأشد قوة، فعندما تشاهد الطفلة- زهرة أمها تقفز عارية من بين شراشف الرجل الغريب، فما هو رد الفعل الذي سيتركه هذا المشهد؟! وما هو الانطباع الذي سينحفر في الذاكرة ويوشمها به ؟ وما هي الآثار السايكلوجية التي ستخلفها هذه التجربة وراءها مستقبلاً ؟ ومن ثم تنقلنا حنان الشيخ من عالم الطفولة- زهرة إلى عالم المرأة – زهرة فوراً بلا أي تمهيد وبأسلوب التداعي في بداية الفصل الثاني، من خلال جملة اخبارية تخبرنا فيها زهرة بانها فقدت عذريتها، ، واجهضت مرتين، وما بين المشهد الاول والجملة الاخبارية تقع مئات الصور الغائبة او المفقودة عن ذهن القارئ، بحيث تجعله في حالة ارتباك للوهلة الاولى، ولكن بعدئذ تستقر الصورة وتتوضح، ولكي يعيد بناء المشاهد في مخيلته، وليسد الفراغ الموجود بينهما، نلاحظ مع اوبير بانه (اذا ما أريد لقراءتنا ان تكون قراءة متماسكة وشمولية فلا بد لها من العمل في اتجاهين اثنين، متحركة مع تيار الكلمات وعكسها، وتكون النتيجة واضحة)(6)، عليه تتشكل الصور الممتلئة بالمعاني. وابتداءاً من شخصية زهرة وبقية الشخصيات الروائية: الأم – الأب – احمد – مالك – الخال – الزوج – القناص، كل واحدة من هذه الشخصيات انما هي مركز رؤيتها لان كل منها يطل على عالم غير عالم الاخرين، ونحن على اطلاع تام على هذا العالم، انها مراكز مستقلة متفاعلة في اللحظة ذاتها ، وهذا ما حصل لزهرة بطلة رواية " ميرأمار" لنجيب محفوظ، فهي المركز الرئيسي للمراكز الأخرى، وهذا جعل بعض النقاد يسبغون عليها رمز مصر، ولكن وجهة نظر زهرة "ميرأمار" لا توجد، لان نجيب محفوظ لم يفرد لها فصلاً خاصاً بها، بينما " حكاية زهرة " كانت الراوية في جميع الرواية باستثناء فصلين. وتعبر حنان الشيخ عن تجربة شخصياتها، وتكشف عن صعوبتها وثقلها على حياة الإنسان، وتعمل على ان تشاركهم خصوصيتهم بعين مراقب، وبالذات زهرة( حين كان بلزاك يتكلم عن قصته سارازين عن مخصيّ بزي امرأة كتب هذه الجملة " كان المرأة بكل مخاوفها المفاجئة، كل نزواتها الطائشة، واضطراباتها الغريزية، واجتراحاتها من غير سبب، وتبجحاتها، ورقة مشاعرها" )(7)، ولكن حنان الشيخ عملت على إضفاء بعد دلالي – رمزي لبطلتها، في تأويل البنية الواقعية لجسد زهرة، وهذا يدفعنا إلى الغوص عميقاً على لا نهائية المعنى الرمزي، لان العمق هو الجوهري، ولأن التأويل يعطي المتلقي حرية المشاركة بفعالية في البحث والتنقيب في النص، لاستخراج المعنى الرمزي/ الاشاري من الواقعي الأيديولوجي، مما جعل الجسد يأتي منحرفاً في النص، وهو ما سعت اليه الروائية، ومن خلاله إحالتنا إلى الرمز الاجتماعي- السياسي، وإلى الحرب الأهلية اللبنانية، رغم ان سلطة الجسد مفقودة، ولكن رمزيته موجودة بكثافة، وهذه الإحالة تضعنا أمام رواية مخيفة تحكي عن تمزق الجسد: الإنسان والمدينة، وتمزق ألحكي، وكأنها بذلك (تلملم أجزاء الجسد الاجتماعي- النفسي: جسد البشر والمكان، جسد الروح والعيش)(8)، وهنا يشكل التمزق والخوف عنصرا توحيدياً بين الجسد/ زهرة وبين المدينة/ بيروت للشروع في عملية للعثور على الذات خارج نفسها( فكما يتكون الجسد ابتداءً في رحم الأم ( جسدها) كذلك يتفتح الوعي الإنساني ويستيقظ محاطاً بوعي الآخرين) باختين. وقد كتب الباحث احمد الصمد عن الرواية اللبنانية المتأثرة بالتقنية الفرنسية الحديثة، وكيفية الاستفادة منها في تصوير الحرب الأهلية وانعكاساتها على تفكك البيئة الاجتماعية- الاجتماعية- الفكرية، وتفكك بنية النص الروائي وانعكاس ذلك على الشخصيات الروائية، بما فيها الشخصية الرئيسية التي جاء فعلها غرائبياً وموتها طبيعياً في " حكاية زهرة " : موجة تفتت فيها الشخصيات والنصوص وانتقل السرد من التردد والقلق إلى التداعي والإبهام والتهافت، لكأنما تقنيات الرواية الفرنسية الجديدة، قد وجدت في رعب الحرب اللبنانية وتخبط المثقفين في دوامته وضياعهم في متاهاتها واحتراقهم في اتونها، الأرض الخصبة التي نبتت وتنضج، حنان الشيخ في " حكاية زهرة "(9). ولكن حنان الشيخ تميزت عن بقية الكتاب اللبنانيين بان أضافت عنصراً مهما إلى هذه الموجة، بتناولها مشكلة المرأة المحاصرة بالشوفينية الذكورية، والرؤية الاجتماعية المتخلفة باعتبار ان جسدها لعنة عليها، وعورة لها، ومدنسة به، من خلال مزاوجتها بهذه التقنية والحرب الأهلية الوحشية، التي عملت على إعطائنا معطيات خطيرة لوقوع المرأة في دائرة الاستلاب والقمع والخوف، لذلك جاءت الرؤية عميقة مكثفة لسيادة الأيديولوجية الرجالية في الأوضاع العائلية، والبنية السياسية، والتركيبية الطبقية- الطائفية. والإيقاع الجمالي للجيد يشبه إلى حد كبير إيقاع الرقص بالجسد، فكلاهما لديه طريقة لاختراق دائرة الفهم، للوصول إلى تفهم الآخر والعالم موضوعيا بمعنى اكتشافه ومن ثم اعادة بنائه بطريقة إنسانية جمالية فنية، حيث يتحول الفعل/ حركة الجسد إلى لغة عالمية تفعل فعلها، كالموسيقى، والرقص، هنا الجسد ليس محتاجا إلى كلام، لان كل الكلمات تتساقط، تتعرى، تضمحل، يبقى فعله، فالجسد يفصح عن نفسه، عن نزعته، عن ثورته، عن انبعاثه المطلق، مع كونه وسيلة للإبحار إلى دواخل الآخر والعالم والذات، وهذا ما أدركه اغلب الروائيين العرب، فهذا الروائي الياس فركوح في رواية " قأمات الزبد " يبين مدى فاعلية الجسد في الوجود الإنساني، ومدى حضوره في تلك اللحظة(10): جاء صوت خطواته اولاً . فتح الباب فدخلت. تلاشى الانتظار وحضر الجسد. سألته، وما كان جسداهما قد تعارفا بعد: ومن أنت؟ وأحيانا يتوازى الجسد مع الفكر، او يلتقي في علاقة جدلي الفعل- الوعي، ويكون في مستوى واحد في تحمل المسؤولية السوسيولوجية، وهذا ما نشاهده عند الروائية المغربية خناثة بنونة في رواية " الغد والغضب "(11). - من المسؤولة الآن، رأسي أو نفسي؟ - وأجبت : - لعله الآن جسدي ووظف جسد المرأة في الأساطير القديمة لأهميته الكبيرة فيها، ولكونه يمتلك قوة عظيمة في تغيير الإنسان وجذبه إلى المدينة، وتركه الصحراء، كما فعلت البغي- الجسد السومرية في انكيدو، البطل- المتوحش: هذا هو أنها البغي " شمخة " فاكشفي عن نهديك. اكشفي عن عورتك لينال من مفاتن جسمك. لا تحجمي ، بل راوديه وابعثي فيه الهيام. فانه متى ما رآك انجذب إليك. انضي عنك ثيابك ليقع عليك علمي الوحش الغرّ فنّ (وظيفة) المرأة (12). يبين لنا هذا النص السومري، عمق سحر الجسد وسلطته على الآخر وقوته الأسطورية عليه، والكشف عنه بكونه مساوياً للمعرفة، بحيث تتحقق فيه معادلة غائبة هي ان الكشف= المعرفة، انه تجربة السفر في الحلم والخيال، واكتشاف عشبة الخلود التي فقدها كلكامش، لبناء رؤية شمولية للعالم، ضمن حوارية الجسد، التي اعتمدت الروائية عليها في بناء الرواية، وعلى سردية اللقطة السينمائية المتداخلة مع بعضها، بالاشتغال على تقنية السرد المتوازي / المتزامن لتصوير عدة حالات في آن واحد، وهذا مما شحذ النص الروائي بحوارية جدلية متكاملة في مقطع واحد، يقع تحت تسمية ذاكرة وذكريات: ماجد الزوج الغريب عني، ماذا يفعل إلى جانبي في السرير؟ ماذا أفعل أنا إلى جانبه؟ ماذا يفعل فوق جسمي؟ يا أبن خالتي قاسم . ابعد يديك عن أسفل بطني، لا أريد ان أعكر نوم جدي، يا خالي كيف تنبض عند فخذي. هربت من لبنان إليك. لماذا أعدتني إلى تلك الغرفة الحقيرة حيث كنت أرتجف كلما سمعت عجلة سيارة فوق الأرض، في الغرفة التي رأتني عارية؟ ووالدي وخياله فوقي، وأمي في فراش واحد مع الرجل الذي كان يعطني الدمى، وفخذ الدجاج، يا مالك هل لا زالت تحاضر، هل لا زالت تأخذ الفتيات إلى المقهى، مقهى الهاربين ؟ ص103. وفي حكايات " ألف ليلة وليلة " ، كلما تتوغل شهرزاد في القص، كلما تبتعد عن الموت وتقترب من الحياة، فعند انتهاء القص تبدأ حكاية شهرزاد خارج القص لتصبح حكاية غير مقروءة، أما في " حكاية زهرة " كلما تتوغل زهرة في ألحكي، كلما تقترب من الموت وتبتعد عن الحياة، لذا فعندما يبقى ألحكي مفتوحاً، تكون حكاية زهرة منتهية ولتصبح حكاية مقروءة ذات دلالات رمزية. في نهاية الرواية يتساقط المطر على زهرة / الراوي ( نقاط مطر خفيفة أخذت تتساقط وكلما لامست وجهي وقدمي. ازداد الألم) ص255. مما يدفعنا للتساؤل ما الدلالة – الرمزية للمطر الذي يغسل زهرة كما غسل الدكتور خليل في رواية " باب الشمس " للروائي الياس خوري. عندما وقف مخاطباً يونس ألأسدي الذي مات في نهاية الرواية: أقف هنا والليل يغطني، ومطر آذار يغسلني، وأقول لك لا يا سيدي، الحكايات لا تنتهي هكذا، لا (13). المطر يعمل على التطهير، مع العمل على تعميدها بالماء والضوء والدم للوصول إلى بوابات الشمس، بوابات جسد بيروت المشرع على قارات الانسان السبع، بكل لغاتها وأجناسها وأشكالها وألوانها. كونت الروائية حنان الشيخ تشكيلة نهلستية، باتحاد جسد / المرأة مع جسد / اللغة الذي أعطى نتائجه في جمالية النص- الروائي " حكاية زهرة " والذي جعلنا نلاحظ (ثمة انتصار كبيرة لهوية المرأة بإعطائها الهوية الصوتية – الفكرية، بدلا من الهوية الجسدية)(14). |
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 53 - ريح الجنوبعبد الحميد بن هدوقة الجزائر - نشرت هذه الرواية سنة 1971 وتُعدُّ أول رواية جزائرية ناضجة فنيا وهي تصوّر المجتمع الريفي الجزائري بعاداته وتقاليده وخرافاته. - وبطلته الطالبة الجامعية نفيسة التي تعود إلى قريتها في العطلة الصيفية بعد انتهاء الجامعة وهي تحلم بالعودة إلى العاصمة لإنهاء دراستها، لكن أباها كان يدبر لها شيئا آخر، حيث تحقيقا لمصالحه الإقطاعية أراد تزويجها من شيخ البلدية الذي يفوقها في السن مرتين. - وحينما لم تستطع أن توقف تحضيرات أبيها لتزويجها قررت الفرار؟ - رواية رائعة جدا صوّرت بحق المجتمع الريفي الجزائري في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي. - لقد شهد الأدب الجزائري محاولات قصصية مطولة تنحو منحى روائيا ، وأول عمل من هذا النوع كتبه صاحبه سنة 1849 وهو "حكايةالعشاق في الحب والاشتياق" لمحمد بن إبراهيم المدعو الأمير مصطفى ، ثم تبعته محاولات أخرى مثل "غادة أم القرى" لأحمد رضا حوحو، "الطالب المنكوب" لعبد المجيد الشافعي ، " الحريق" لنور الدين بوجدرة . - إلا أن النشأة الجادة لرواية فنية ناضجة ارتبطت برواية "ريح الجنوب" ، وقد كتبها عبدالحميد بن هدوقـة في فترة كان فيها الحديث جديا عن الثورة الزراعية فأنجزها في 5/11/1970 ، - ثم كان التطبيق الفعلي لهذا المشروع في 8/11/1971 ،فدشن الرئيس هواري بومدين أول تعاونية للثورة الزراعية في قرية خميس الخشنة في 17/06/1972 ، ثم دشنت بعد ذلك أول قرية اشتراكية في عين نحالةبتاريخ 17/06/1975 . - تنطلق الرواية في صباح يوم الجمعة ، - وهو يوم سوق – أين يستعدعابـد بن القاضي للذهاب إلى السوق مع ابنه عبد القادر ، فيقف قرب الدار متأمل اأراضيه وقطيع الغنم الذي يقوده الراعي رابح ، وعلى صدره هم ينغص راحة باله ، ذلك أن هناك إشاعات بدأت تروج منذ صدور القرارات المتعلقة بالتسيير الذاتي حول الإصلاح الزراعي ، - ثم خطرت بباله فكـرة بعثت في نفسه السرور حين نظر من الخارج إلى غرفةابنته نفيسة ، يتلخص مضمونها في تزويج ابنته إلى مالك شيخ البلدية والذي يقوم بتأميم الأراضي ، - في ذلك الوقت كانت نفيسـة داخل غرفتها تعاني الضيق و الشعور بالضجر تقول أكاد أتفجر، أكاد أتفجر في هذه الصحراء. - ثم تضيـف " كل الطلبة يفرحون بعطلهم ، أما أنا فعطلتي أقضيها في منفى . - و فجأة تهدأ نفيسة من حالة الاضطراب ، عندما تسمع صوت أنغام حزينة كان يعزفها الراعي رابح ، فتطرب ولا يخرجها من ذلك إلا صوت العجوز رحمة منادية على أخيها عبد القادر من بعيد ، معلنة عن قدومها ، كي تذهب مع خيرة – والدة نفيسة- إلى المقبرة ، فترغب هذه الأخيرة في الذهاب معهما " أرغب في ذلك يا خالة ! أود أن أرى الدنيا ، إنني اختنقت في هذا السجن" . - بعد أيام تحتفل القرية بتدشين مقبرة لأبناء الشهداء الذين سقطوا أيام حرب التحرير، فيستقبل عابد بن القاضي أهل القرية في بيتـه رغبة منه في التأثير في مالك و إعادة ربط مابينهما من صلات قديمـة فمالك كان خطيب زليخـة – ابنة عابد بن القاضي- والتي استشهدتأيام الثورة ، حين أعد مالك ورفاقـه من المجاهدين لغما كان من المفترض أن يستهدف قطارا عسكريا ، لكنه خطأ استهدف قطارا مدنيا كانت زليخة من ركابه ، مما أثار غيظ ابن القاضي فوشى بالمجموعة لقوات الاحتلال ، فأثر ذلك في نفس مالك و أصبح يتهرب منه، وفي هذا اليوم يوم الاحتفال يدعو عابد بن القاضي مالكا لرؤية زوجته خيرة ، لأنهاترجو ذلك منه ، فيقبل دعوتها، وعندما يدخل الغرفة ما إن يقع نظره على نفيسة حتى يبهت لما رأى ، فهي شديدة الشبـه بأختها وخطيبته السابقة زليخة . - ويسعى عابدبن القاضي لإشاعة خبر خطوبة مالك لابنته نفيسة على الرغم من تحفظ مالك ، فتعلن خيرةهذا الخبر لابنتها فترفض بشدة لأنها لا ترغب بالبقاء في القرية ، كما انه لا تريدالزواج بشخص يكبرها سنا ولا تعرفه جيدا وحين يصر الأب على قراره وتفشل في صده ،تستنجد بخالتها التي تسكن في الجزائر فتكتب لها رسالة ، تطلب من رابح أن يحملها إلى القرية المركزية ويضعها في البريد ، فيعجب بها رابح لأنها تكلمت معه بلطف ، وظنهامعجبة به ، فقرر زيارتها ليلا، وبالفعل يقوم بذلك، وعندما تجده فجأة أمام سريرهاتدفعه وتشتمه: " أخرج من هناأيها المجرم ! ، أيها القذر أيها الراعي القذر " (6) ، فخرج مطأطأ رأسه حزينا، وبقيت تلك الكلمة المؤلمة تدوي في سمعه " أيها الراعي القذر " ، ومن يومها يقررترك الرعي ويشتغل حطابا. - تمر الأيام ولا يزال الأب مصمما على تزويج ابنتـه لمالك ، فتفكر طويلا في حل لمشكلتـها ، فتفكـر في إدعاء الجنون ثم الانتحار، وأخيرا يقـع اختيـارها على حل نهائي وهو " الفرار" ، فتضع خطة محكمة للهروب ،وتقرر تنفيذ خطتها يوم الجمعة لأن الرجال يتوجهون إلى السوق بينما النساء يتوجهن إلى المقبرة ، فتخرج متنكرة مرتدية برنس والدها حتى لا يعرفها أحد ، فتتجه إلى المحطة عبر طريق ذا طابع غابي فتظل ويلدغها ثعبان ، فيغمى عليها، ويصادف أن يجدهارابح – الذي أصبح حطابا- فيتعرف عليها ، و يعود بها إلى بيته أين يعيش مع أمه البكماء ، ولا يطلع والدها لأنها لا تريد العودة " دار أبي لن أعود إليها أبدا " ، - لكن الخبر يشيع في القرية فيعلم والـدها ، ويعزم على ذبح رابح ، فينطلق إلى بيته ، ويهجم عليـه بقوة شاهرا " موسه البوسعادي " فتنهار قوى رابح ، فتسرع أمه إلى فأس ضاربة عابد بن القاضي على رأسه فتنفجر الدماء من رأسه ومن عنق رابح ،فتنصرف الأم مسعفـة ابنها و البنت مسعفة أباهـا ، ثم قامت الأم ودفعت نفيسة إلى خارج البيت وبدأت تصرخ ، فأقبل الناس فزعين ، واتجهت نفيسة راجعة إلى بيت أبيها،بعد أن فشلت محاولتها في الهرب. |
تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية 53 - ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر - ابن هدوقة.. كان -يبدو- خجولاً.. منطوياً.. متواضعاً.. أنيقاً، هادئاً، وإذا تكلم أقنع، - يمتاز في كتاباته بأسلوب جميل، أخاذ، رصين.. وبفكر عميق ثاقب.. ولغة قوية مطواعة كان لامعاً..! - أجمع النقّاد على أن "النشأة الجادّة للرواية الفنية الناضجة ارتبطت برواية ريح الجنوب". لأن قبلها, قبل جيل السبعين تحديدًا ثمّة محاولات كثيرة ظهرت, لكنها فقيرة لغويًا وضعيفة فنيًا. - هذه المحاولات تظل محاولات قصصية قصيرة, أطلقوا عليها الباحثين: إرهاصات الرواية العربية في الجزائر. أمّا البداية الحقيقية فكانت سنة 71, تاريخ صدور "ريح الجنوب". - الرواية التي تحوّلت فيما بعد إلى فيلم سينمائي - جاءت بحبكة مضبوطة جدًا,مفتوحة قليلًا لكنها مضبوطة - ان هذه الرواية كانت بالفعل تحكي الواقع و تصور جزءمن مأساة الجزائيين إبان الثورة - لكنها تركت في نفسي تأثيرا لا يمحى و وجدت في نهايتها الحزينة بذورا لافكار أخرى نمت في ذهني لست اجد لها مسميات حتى الآن و كانت نهاية الراعي رابح جدا مؤسفة بعد كل ما فعله لاجل نفيسة التي جرحته في يوم ما. - رواية جزائرية جد رائعة و مليئة بالاحداث التي تؤرخ لحقبة ما بعد الاستقلال كما توثق عادات و تقاليد المجتمع الريفي الجزائري |
تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية 53 - ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر - ظهور »ريح الْجَنوب« في الْحِقبة السبعينية، كان بداية حقيقية للرواية الْجزائرية، التي ترتكز على أسس فنية وجَمالية، وشَراراً ألْهَب الأقلامَ التاليةَ لَها لتُحَقق تراكما كبيرا من النصوص الروائية، ولبروز عدد من الروائيين الذين ساروا على دربه، وإنِ تَمَيَّز (عَمِّي الطاهر) عنه باتِّجاه الواقعية الْمَقرونة بالصوفية، والْمُضَمّخة بالسوريالية، كما لاحظتُ على كتاباته، ولَمْ يعترض، عندما زرته في (الْجاحظية) سنة 1990..وربّما يشاطرنِي هذا الرأيَ، العديدُ من النقاد والباحثين الذين درسوا أعْمالَه، وأكدّوا عليه في قراءاتِهم، وكتاباتِهم. - ولعل البعض مِمَّن لَمْ يقرأ لعبد الْحَميد أويَسمعْ عنه، سيسأل عن الرؤية الفكرية والفنية العامة، التي يتبناها في كتاباته الْمُتنوعة، سواء النثرية منها أوالشعرية. ولن نَجِد خيرا مِمَّا قاله عنها في هذه الشهادة: »حاولتُ في ما كتبته على تواضعه، أن أعالِج نقاطَ التأزم الرئيسية في الوضع الْجزائري بصفة تُدْخِل أكبرَ قدر من الْمستقبل في الْحاضر، وتبتعد عن الْمضامين الْجاهزة والأشكال النابعة من مراكز خارجية، اعتقاداً مني بأن الانطلاق من الْمعطيات التاريـخية الْمحلية لكل قطر عربي، لو روعِيَتْ في أعمالنا الأدبية لأرْجَعتْ لنا شيئاً من الكرامة، وجَنَّبَتْنا كثيرا من مزالق الاستلاب. فالثقافة العربية التي عاش العالَمُ على كرمها الروحي مايقرُب من الألف سنة،لاتستحق هذا الواقعَ الذي وضعها فيه تَخلُّفنا الْمادي والسياسي.إن هذه الاهتمامات هي التي جعلتني في كل أعمالي الأدبية أعمل على معالَجة الواقع الْمتأزم، والْجوانب الْمظلمة في حياتنا الاجتماعية، مبتعداً بقدر الإمكان عن الاغْتباط بِما حققناه من إيـجابيات«..فكيف عكستْ رواية »ريح الْجَنوب« هذه الرؤية؟ - يظهر الفجر، فتهْمُد »ريحُ الْجَنوب« في قرية أمضتْ ليلتها بين الغبار واللَّهب.لكن، إذا كانت ستشهد صبيحة الْجُمعة، ميلادا جديدا مع الفجر (رمز الانبعاثوالتطهير) فإن (نُفيسة) نَجْلةُ (عابدٍ بْنِ القاضي) ستنطلق فـي رحلة نفسية غامضة، وتُحَلّق في عالَم غيرِ مَحْدودٍ من الْمَتاهات والسَّرابات..!نرى من هذا الْمدخل العامِّ، الذي تلتحم فيه الْحقيقة الْخارجية بالْحقيقة الداخلية ـ كما يقول استروفسكي ـ يعبُر بنا عبد الْحميد بن هَدّوقة، سبعةَ فصول، لينْسُج فضاءً فسيحا من مِحْورين مركزيين:(الأرض - الْمَرأة) العنصرين اللذين يُمثِّلان، منذ الأزل، العلاقةَ الْحميمية، والرمزَ الْحيَّ للوجود، والْهوية، والكينونة فكلاهُما يُجَسِّدان الْخصوبة والدّيْمومة، كلاهُما يرفُدان الكونَ بالْحياة، وبالصيرورة؛ فلولا الأرض والْمَرأة، لَما كانتْ هناك حياة في هذا الكون!إذن، في بداية هذا النص الروائي، نعي أن الكاتب يبسُط موضوعة (الأرض - الْمرأة) بل مايَخلقه هذان الْمِحوران من صراعات مُحْتدَمة بين شرائح اجتماعية مُختلفة، في عملية سردية، تسلسلية زمنية، تُلحِم الْموضوعة الروائية بالواقع الْجزائري في سنواته الأولى، من سنة 1962 إلى 5 نوفمبر 1970 التي يَحصُر فيها عبد الْحميد الكتابةَ! - غير أن هذا التحديد الزمني، أوالْحَصْر التاريـخي، لايعني بتاتا أن الرواية بنسيجها الفكري مقطوعةُ الْجذور عن الْمرحلة القبلية. إنَّ هناك خلفيات كامنة في نفسيات وسلوكيات الشخوص الرئيسية والثانوية على السواء، نستشِفُّها من ثنايا النص،تؤثر في الْحاضر وتُحرِّكه. وبالتالي، تُسَير أحداثه نَحْوَ نِهاية ما!..فعابد يُحاول، عبثا، أن يستميل إليه (مالِكا) شيخَ البلدية ((هذا الرجل العدو الصديق، الصامت الساخط، اللين العنيف)) كان كلاهُما داهيةً، عسيرَ الْمِراس، قوِيَّ الْعَريكة. بيد أن عابد بن القاضي، بعد الاستقلال، لَمْ يَجِد بُداّ من أن يصيرَ ليِّنا مراوغا، ذا أُسلوب ملتوٍ في معاملاته،متخلِّيا عن الْمِزاج والسلوك الْحادّين، وأكثر تودُّدا إلى مالكٍ، وتقرُّبا منه، لأنه مسؤول عن تأميم الأراضي، وعابد يَمْلك قِطَعا منها، وقُطعانا من الغنم. وأن عداوة مالك لابن القاضي لَمْ تكن (ذاتية شخصية) بقدر ما كانت (مذهبية). فهو بِحُكم حياته الثورية الطويلة، لا يطمئن لذوي النعمة والرفاهية والْجاهِ، مهما بلغتِ الأحاسيس التي تغمر وجدانَهم. بينما عداوة ابن القاضي لِمالِك، كانت شخصية، حافزها الْخوف ((الْخوف من الْماضي والْمستقبل، بالنسبة للماضي هناك نقطة سوداء في حياته، لا يعرفها إلاّ مالك...)) فتعبير (بعد الاستقلال) و(الْخوف من الْماضي...) يوحي بأن هناك شيئا ما قبل هذه الْمرحلة، ولفظة (الْخوف) ترمز إلى (نقطة سوداء) تُحرِّك الْحاضر، وتؤثِّر في أحداثه الْمُتعاقبة! - يتجسد هذا الْماضي، في أن ابنته الأولى (زوليخة) كانت مَخْطوبة لِمالك ـ في حِقْبة الاستعمارـ لكنها تستشهد في قطار نسفه الفدائيون ـ خطأً ـ بزعامة مالك نفسه، إذ كان يَظن أن جنودا فرنسيين يَستقلّونه. وفي عهد الاستقلال، يُحاول ابن القاضي أن يُجدِّد العلاقة مع مالك شيخ البلدية، بتزويـجه أختَها الصغرى (نفيسة)!..وأن يُظْهر حُبَّه لوطنه وغيرته عليه، فيستقبل في بيته أهلَ القرية، وينظم لَهُمْ حفلا، بِمُناسبة تدشين مقبرةٍ لأبنائهم الشهداء! - والسؤال الذي يُمكننا أن نطرحه من خلال قراءتنا: ما هي القسمات العامة للشخصيات الروائية؟...بِمَعنى آخر: هل هي توفيقية أم متعارضة، أم مشخصة لنزعة فردية، جَماعية، أم لنزعة ثنائية؟ يأتِـي ابن القاضي ـ في هذا الأفُق ـ نَموذجا لفئة مستغِلة، لاتفكر إلاّ في مصالِحها الفردية، وتطلعاتِها الشخصية الأنانية، فتسعى إلى تَحقيقها بكافة الوسائل والقنوات الْمَشروعة وغير الْمَشروعة. وهذه الفئة التي ظهرتْ كالْفِطَر والطَّحالب، عَقِبَ الاستقلال، تستغل الظروف الطّارئة، لِتُعَوِّض الْمُستَعْمِرين، وبالتالي، تستحوذ على كل الثروات، حتى البشريةَ. فهي بِمثابة مستعمِر جديد في صورة الْمُواطن، ورُبّما تُبرِم مع الْمُستعمِر السابق اتِّفاقياتٍ للتعاون فيما بينهما، ولِحِماية مصالِحِهِ؛ أي أنّ الْمُحتل طُرِد من الباب، وعاد من النافذة، ليفرض ثقافتهولغته واقتصاده...! فنفيسة ـ كمثال ـ لاتُجسِّد ذلك الْهَمَّ الإنسانِيَّ في حياته، بصفتها بنتَه، بل يعتبرها سِلعة، بِضاعةً يَمْتلكها كسائر سِلَعه وبضائعه، وكباقي أراضيه الفسيحة وبقراته الْحَلوب. لايُمَيز بين الإنسان كذاتٍ، تثْوي أحاسيس وأفكار ورغباتٍ، وبين الشيءِ الْجامد!..لكن العقبة الكَأداء التي تَحول دون طموحه، ليست نفيسة، فهذه لاتَهمه ولايُعَبِّرها، ولاتشكل عائقا في تنفيذ خطته، لأن الْمرأة، في نظر هذه الفئة، هي هي، سواء كانت جاهلة أومثقفة!..والزوجة ـ أيضا ـ ليست إلا أثاثا بيتيا، يَملأ جَنباتِ الْمنزل، لايعي من القضايا شيئا، ويُمْكنه الاستغناء عنه، متى شاء!..إذن، العقبة هي (مالك) إذا ما أدرك هذه الرغبة: ((إن شيخ البلدية يُمَثِّل أكبرَ خطر بالنسبة إلى مصالِحنا، هل تستطيع أن تفهم امرأة لاتعرف من الْحياة الْمنزلية، ما تعجز عن فهمه أشد العقول دهاءً؟!))..غير أن نفيسة، تبعا للتطور الْمُجْتمعي، والصيرورة التاريـخية، تأتي صوتا لوعي جديد، يتخطى الواقع الردئ، يبدِّد حَلَكة الْماضي، صوتا لِعَهْدِ الاستقلال، يُمَثِّل صراعا بين الأجيال، ليضع حدا فاصلا بين نَموذجين للمرأة: ((الذل الذي عشتِ فيه أنت لن أعيشه!..كوني أمًّا لغيري إنشئتِ. وليكن أبا لِمَنْ أراد، أما أنا فلن أدَعَ هذه اللعبةَ تبلغ مني ما بلغت من غيري، لست امرأة، أفهمت؟.. لست امرأة !))..إنّها تدَّمِّر الرؤية الأبوية القديـمة للمرأة: ((إذا كنت لاأستطيع التصرف حتى في ابنتي فلماذا أحيا بين الناس إذن؟!))..ولاتَجِد نفيسة بديلا لِمُشكلتها غير الفرار إلى العاصمة، فهي مَلاذُها الآمن من استغلال الأب!..وهنا، سيشعر الأبوان بأن الأيام، لَمْ تعدْ كما كانتْ من قبلُ، وأن الزمان دار دورته، لأن استغلال الإنسان، ولو كان فِلْذَةً من كبدك، لابد أن ينتهي يوماً ما، وأن وعيه ينضج مع تطور الْمُجتمع، الذي يشهد رياح التغيير بفعل عملية التعليم، وحركة الثقافة، والأفكار التي تنتقل عبر وسائل الإعلام..! -أما العجوز (رحْمة) فتعكس، من خلال النص، الذاكرةَ الشعبية الْجزائرية، التي تَخْتزن العاداتِ، التقاليدَ، تَحشُد التاريخَ النضالي للجزائر، تُحْرق الْمَراحل بين الأجيال الثلاثة، الْماضية، الآنية، الآتية. ووسيلتُها لتسجيل هذا التاريخ (إبداعاتُها الطينية) الْمؤثثة لعقول الصغار والكبار، تَنقش في ذاكرتِهم تاريـخَهم الْحافل بالبطولات والنضالات الْمُستميتة. كأنّها تقول لَهُمْ: هكذا كان أجدادكم وآباؤكم، فأكملوا أنتم الرسالة! - رحْمة العجوز، بذلك، تاريخ مُستعاد، يُجسِّد الوعي الشعبي، فيما يُجسِّد الراعي (رابح) الوعي الوليدَ عن الواقع الاجتماعي الْجَديد، برغم أنه لَمْ يلتحق بالْمَدرسة، ولاعلاقة له بالْحركة السياسية والثقافية التي ينغل بِها الْمُجتمع الْحالي، إذ لَمْ يشعر بِهذا الواقع الْمَرير، الذي عانَى منه سنواتٍ طويلةً، إلاحينما دخل الغرفة خُلسة، فأبصر نفيسة عارية على السرير، فذهَلَه جسدُها النابض: »اِذهب أيها الراعي القذر«!. منذ تلك اللحظة، قرر أن يغير الواقع البئيس!..لقد كانت هذه الْجملة اللاذعة، اللاسعة، عاملا قويا في خلخلة الوعي لديه، فانعزل عن الآخرين، ليدرك منزلته بين أفراد مُجْتمعه! - نَخلُص من هذه القسمات العامة إلى أن الرواية تتنازعها ذاتان متعارضتان: -الذات الفردية، الْمُنكفئة على نفسها، ذات الرؤية الْماضوية الأحادية: عابد بن القاضي. - الذات الْجَمْعية الْمنفتحة على الواقع الْجَديد، الْمُتطلعة إلى الغد: مالك شيخ القبيلة ـ نفيسة ـ رابح. وهي تتشكل، كما ذكرنا آنِفا، من شخوص رئيسية وثانوية، تبدو كأن غايتها هي تَحْليل نَماذجَ بشرية، أكثر من تسجيل صراعات، تُذكي البنية الْحكائية للعمل الروائي. فتأتي هذه الشخصيات مستقلة بذاتِها، إذ نَجد حديثا مُسهَبا عن الراعي، العجوز رحْمة، الْمُعلم، وغيرها من الشخوص.. - كما نلحظ تفاصيل وجزئيات لِمَوضوعات اجتماعية، فلسفية، دينية، نضالية...!إن هذا الْحَشوَ من الشخوص والْموضوعات، لايُسهم في النمو الطبيعي للنص الروائي، أي يفَكِّك ذلك التماسكَ الداخلي بين الأحداث والأجواء من جهة، ويعَطِّل ـ في نظر الناقد برناردي فوتو ـ عمليةَ التخيل. - وما يبرر هذا الزخم في البناء الروائي، يعود إلى سيولة الْحكي، أو بتعبير آخر إلى لَمْلَمة جُملة من الأحداث والْمواقف الْمُتشعبة، والأحاسيس الوطنية الْمُتضاربة، الناتِجة عن تَحَولات الْمُجتمع الْجَزائري، وهو يُصارع ليبني ذاته، ويقطع مع الْماضي الْحَزين، وإن كان، فيمابعد، خلق له واقعا أمَرَّ. - وربّما إلى أن الروائي كان يُحِس بالرغبة في أن يقول كلَّ شيء، كسائر الروائيين الرواد، ليس في الْجزائر فقط، وإنَّما في كل دول العالَمْ. لأن هؤلاء الروائيين يدّخرون كثيرا من القضايا والأحداث والْمَواقف، التي عاشوها في حقبة الاستعمار، والفرصة، الآن، يرونَها مواتيةً للجَهْر بِها جُمْلةً وتفصيلا، ليفرغوها فيتخلّصوا مِنْها، وينتقلوا إلى حقبة أخرى. فالعملية، هي بِمثابة، تطهير الذات من الْماضي الْمؤلِمِ، وقطْع العلاقة به. - كما أن هذه الرواية تعتبر من أوائل الأعمال الْمُؤسِّسة للفن الروائي بالْجزائر، وككل بداية تأسيسية تشهد تَلَكُّؤات وتعثراتٍ في الْمِعمار الفني. وبالنسبة لـ»ريح الجنوب« تطمح إلى تسجيل ما كانتْ تنغَل به الساحة الْجزائرية في 1962 غير أن الْحَشدَ أتى على فنية النص الروائي! |
تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية 53 - ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر - يعد عبد الحميد بن هدوقة 1925ـ1996 أحد أبرز الكتاب في الجزائر، ورائداً حقيقياً للرواية المكتوبة بالعربية في هذا البلد الذي عانى من سؤال الهوية الثقافية والحضارية، وكانت معضلة (اللغة) أبرزت ملامح ذلك السؤال ولا تزال. - وإذ ينشر العدد 115 «كتاب في جريدة» لشهر آذار 2008 روايته الأشهر (ريح الجنوب فلأن هذه الرواية تحتل مكاناً مهماً في تاريخ الرواية الجزائرية في القرن العشرين، والتي تجسد أبرز الملامح التي أنشئت على أساسها الأسئلة التأسيسية المتعلقة بفن الرواية العربية في الجزائر، وربما في المغرب العربي عموماً، - وتمثل في جانبها الفني أيقونة واضحة في المدرسة الواقعية في فن السرد العربي. - تنمو دراما هذه الرواية في تخوم إحدى القرى الجزائرية بعد الاستقلال، وتتداول أسئلة جريئة ومبكرة، تتصل بمفاصل أساسية في تاريخ الثورة الجزائرية. - وعلى الرغم من تعدد نماذج الشخصيات في هذا العمل إلا أن نموذج المرأة بمختلف نماذجها يمثل العصب الأساسي الذي يتحكم بإيقاع هذه الرواية وتفاعلاتها. - وبينما تجمع هذه الرواية بين طرفي المحلية المتجذرة في طبيعة المعالجات ونمط الشخصيات من جهة، وبين المشترك الإنساني العام في المطامح والهواجس من جهة مقابلة، فإنها تنتمي إلى مستوى من الوعي الثقافي هيمن خطابه على مجمل الأدب العربي خلال النصف الثاني من القرن الماضي. - يذكر أن رواية (ريح الجنوب) المكتوبة في بداية السبعينيات نالت اهتماماً مضاعفاًِ عندما ترجمت إلى عشر لغات عالمية، - كما تحولت إلى فيلم سينمائي بالاسم نفسه. |
تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية 53 - ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر - والواقع أن ابن هدوقة قد جعل المرأة نصاً مفتوحاً على عدة قراءات، يحتمل تأويلاً بحسب مستوى القراءة الذي تنطلق منه، وتمارس-بوساطته- فعل القراءة. والذي يعتمد على مرجعية نصوص هذا الأدب وسياقاتها المتنوعة؛ إذ كان حريصاً على تسجيل موقف مما يحدث في الجزائر في مسيرتها التنموية "فالنص بنية دلالية تنتجها ذات (فردية أو جماعية) ضمن بنية نصية منتجة، وفي إطار بنيات ثقافية واجتماعية محددة". -أما رواية "ريح الجنوب" فقد قدمت صورة عن المرأة أكثر نضجاً من خلال تلك الأبعاد الجمالية التي وظفها الروائي لصالح المرأة ليرصد توجهها ضمن علاقات اجتماعية تحكمها قوانين قاهرة تخيّب المرأة، إذ لا يمكن أن نقف على صورة نفيسة إلا بالرجوع إلى أمها كما رسمها الروائي، فهي امرأة خاضعة تلبي رغبات زوجها دون تململ وضجر أو إحساس بالإهمال، وقد نقل الروائي على لسانها الكثير من العبارات التي تعكس هذا الانصياع من مثل القدر والمكتوب. ولما تهرب نفيسة من البيت يعاقب الزوج الأم بالضرب، لأنها في نظره لم تقم بواجبها أحسن قيام، ولم تراقب ابنتها مراقبة جيدة.فكان دورها في الحياة هو تنفيذ الأوامر من دون تعديل أو تحوير مع تغييب كلي لشخصها "أبوك يعتزم تزويجك". |
تابع ....العناصر التي صنعت الروعة في رواية 53 - ريح الجنوب عبد الحميد بن هدوقة الجزائر - " عبد الحميد بن هدوقة" أحد عمالقة الرواية الجزائرية يمثل بحق النموذج الأمثل للكاتب الملتزم بالموضوعية في وصف واقعه - و المتمسك بالحد الأدنى من الخجل الصحي في وصف حركات وسكنات أبطاله، - ففي كل من " بان الصبح" " غدا يوم جديد" " نهاية الأمس " يذهب الكاتب بعيدا في وصف أعماق المجتمع الجزائري بعدد من القصص التي قد تكون واقعية تبين علاقة الإنسان بأخيه الإنسان أو علاقته بالطبيعة وكذلك علاقته بالدولة، - فالعلاقات الإنسانية في كتابات "عبد الحميد بن هدوقة" قوية جدا - وتتحلى بعواطف متداخلة تجعل من محيط الأبطال مسرحا لتناطح عدة أفكار وعدة نماذج من الحياة - مما يكسبه نوعا خاصا من الإثارة بالإضافة إلى غوصه في مختلف جوانب الحياة خاصة تلك السائدة في الريف الجزائري أين تجري معظم أحداث رواياته ، - فعلاقات الأفراد في العائلة متماسكة وعلاقات الأفراد ف " الدشرة " " البلدة " قوية وسمة هؤلاء التعاون والتكاتف وهو تجسيد واضح للأفكار الاشتراكية المنتشرة بقوة في فترة السبعينيات من القرن الماضي، - وقد ركز الكاتب على العلاقات التي تنشأ بين القرى دون أن يهمل لتلك التي تنموا بين الأفراد و التي تكون عادة في تبادل للأحداث من حيث السبب والطبيعة بمعنى أن علاقة امرأة من قبيلة معينة برجل من قبيلة أخرى هي علاقة حتمية بين القبيلتين قد تؤدي إلى تحالفهما كما قد تؤدي إلى تقاتلهما، ثم وفي متابعيه لهذه العلاقة التي عادة ما تكون علاقة حب أسطوري تبلغ فيها التضحية مداها الأكبر. - ولم يسمح الكاتب لنفسه بابتذال الكلمات البذيئة ويكثر من المواقف المخجلة حيث يكتفي بالإشارة إليها إذا كان لا بد من ذلك، - هنا يجد القارئ المتذوق شيئا من ذلك الإحساس الرائع الذي يرافقه وهو يقرأ رواية الفضيلة - ثم إن الراحل عبد الحميد بن هدوقة في رواية " ريح الجنوب" ـ التي حولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي ـ يصور قصة حب رائعة بين ذلك الفتى الذي يمتهن الرعي وفتاة قروية لها حظ من التعليم وتدرس في عاصمة البلاد، ورغم الفارق الاجتماعي بينهما فقد لعبت الشهامة والعفة والطهر دورها في تسيير تلك العلاقة المحرمة مبدئيا في أوساط مجتمع محافظ حد التخمة -وهكذا يكون الكاتب قد سما بأبطال روايته إلى درجة متقدمة من الفضيلة تحاكي تلك التي ذكرناها عن كل من "بول" و " فرجيني" في رواية الفضيلة. |
والان مع العناصر التي شكلت الروعة في رواية 54- فردوس الجنون احمد يوسف داوود سوريا - رواية ((فردوسُ الجنون)) لأحمد يوسف داود - عينُ الواقع السحرية - رواية (فردوس الجنون) لمؤلفها الشاعر والروائي أحمد يوسف داود، وقد صدرت هذه الرواية عام 1996 عن اتحاد الكتّاب العرب.. - والرواية المشار إليها ذات حجمٍ كبيرٍ في عددِ صفحاتها وفي تعدُّدِ موضوعاتها التي تتشعّبُ وتتسلسل بطريقةِ التأسيس على أفعالِ شخصيّاتٍ محوريّةٍ واضحة المعالم ثمَّ السير مع هذهِ الشخصيّات عبر فواصلَ فنيةٍ تجعلً من الحكايات المتقطّعةِ المنبثقةِ من تحوّلاتِ الشخصيات أسلوباً في العمل الروائي الذي لا يبدو تقليديّاً في إطاره العام.. - وعليهِ نقولُ إن رواية (فردوس الجنون) لم تستسلمْ للأداءِ الفني التقليدي بل تجاوزت هذا التحديد بإفادتها من فنِّ الروايةِ وواقعها المتحقّقِ من خلال الإنجاز الروائي السابق لتجربةِ هذهِ الرواية -التي خرجت إلى فضاءاتٍ أكثر حرية وأشمل إبداع عن طريقِ الإمكانات غير المحدّدة للّغةِ وعوالمها - والأحداث التي تحتوي الواقعَ فكرةً وتجسيداً لتنطلقَ بهِ إلى قناعات سرديّةٍ تمسكُ ـ في الغالب ـ بالمتلقّي وتقوده معها مصطحباً أسئلتهُ وتأويلاتِهِ - ومشاركاً الشخصيّات في الكثيرِ من التفاصيل - عن طريق استنطاق الرموز التي يؤديها المؤلف عبر جملهِ ومقاطعَ أحداثِهِ - التي غالباً ما تُفضي إلى الغرائبية رغم انطلاقها من أرضٍ على درجةٍ كبيرةٍ من التماس مع الواقع الحي. - تبدأُ رواية (فردوس الجنون) من لعبة خارج النص توضّح الفطنةَ والذكاء الحاد الذي يتمتعُ بهِ المؤلف وهو يعطي شخصيّاتِهِ أدواراً وأقنعةً بمثابة مقدّمة فنيّة أو مدخلٍ إشاريّ مهم حمل عنوان "بيان الأبطال" وقد ذُيِّلَ بتوقيع (سرحان) - تلكَ الشخصيّة المموَّهة الغريبة التي تهيمنُ بشكلٍ واضحٍ وأخّاذ في إيحائِهِ على الشخصيات الأُخرى في الرواية بعد أن يفاجئنا المؤلف بتغييب هذهِ الشخصيّة ـ بالتقدير إلى الشخصية الثانية ـ (بليغ) التي يتفوّقُ حضورها على شخصيّة (سرحان) التي تعدُّ الشخصيّة الأولى في العمل الروائي، - وهذهِ المعادلة تذكِّرنا أسلوبياً بالعمل الروائي المعروف (ليلة لشبونة) للروائي الألماني (ريمارك)، أذكرُ ذلكَ مقارناً بين أسلوبيّ الروايتين إذ أنَّ ريمارك في (ليلة لشبونة) يبدأُ مع القارئ بشخصيّةِ راوٍ مهيمنٍ على أجواءِ الدخولِ إلى أعماقِ الرواية ثم ينسحبُ هذا الراوي بشكلٍ مفاجئٍ عن المشهد المرصود لتحلّ الشخصيّةُ الثانيةُ التي يلتقيها الراوي مصادفةً في الميناء مكانَ الشخصيّة الأولى في السياقِ الفني وتقودُ مسارَ الأحداث وتدخلُ في صلب نسيجها إذ أنَّ الراوي الجديد (المقاتل) في (ليلة لشبونة) هو الذي يسحبُ مسارَ الأحداثِ إلى (أناه) - هذا التقاربُ الأسلوبيُّ ـ إذا صحَّ التعبير ـ لا يعني أن مؤلف رواية (فردوس الجنون) قد استفادَ بشكلٍ ما من عمل ريمارك في إبحاره الخاص في روايته والذي ينمُّ عن تولّيه لعبة روائية مهمّة تنطوي على مقدرةٍ خلاّقةٍ في فهم فنِّ الرواية ومحاولته الجادّة في الانفلات من الإصغاء الصارم لتقليديّات بناءِ الرواية وتقديم الأشخاص وعرض ملامحهم...الخ... - يبرّرُ الروائي (أحمد يوسف داود) اتّساع عوالم روايتِهِ باغتراب بطلِهِ (بليغ) والتحوّلات الهامّة التي تتعرَّضُ لها شخصيته وهو الهاربُ من السجن (بمعونةِ أحد رجال الشرطة) والداخل إلى سجنٍ أوسع من التصوّرات المتشظيّة والتيه والغربة، حيث ينتهي إلى عوالمَ لا تستقرُّ على ملامحَ بشريّةٍ مباشرةٍ إذ يلتقي في هروبِهِ (سرحاناً) بمحض المصادفة ـ - والتي يكشفُ القارئ لاحقاً بأنّها لم تكنْ كذلك بل إنهُ لقاءٌ مدبرٌ بدقّة ـ ويقودُ سرحانُ بليغاً إلى شجرتِهِ الغريبة التي هي بمثابةِ بيتِهِ أو عالمه، ذلك العالمُ الصغيرُ في مساحتِهِ الكبيرُ بإيحاءاتِهِ، ذلك أنَّ العديد من المنطلقات الحسّاسة في الرواية تبدأُ منهُ وتنتهي إليه.. - هذا المكان يتعرَّف فيهِ (بليغ) على مجموعةٍ غريبةٍ ومثيرةٍ من الأصدقاء لينشئَ معهم أغرب العلاقات الإنسانية التي تحملُهُ إلى أمكنةٍ وأحداثٍ وشخصياتٍ ومواقفَ لا يصدِّقُها القارئُ بسهولةٍ وهي بمجملها تغيِّرُ نمطَ شخصيتِهِ وتقودُهُ إلى ممارساتٍ في أجواءٍ مختلفةٍ عنهُ - ليظهر لنا ـ المؤلف ـ بالنتيجة أن بطلَهُ يعاني من أزمةِ (سيزيف) وصخرتِهِ الأسطورية المعروفة التي تتشكَّلُ عند (بليغ) في حياتِهِ المليئةِ بالمفاجآت الصعبة التي تبقيه أسيراً لهذهِ الصخرة، - هذا فضلاً عن الأبعاد المزدوجة لدلالات بعض الشخوص (ليلى والطفلة التي تفارقُ الحياة، الدكتور والضابط الذي هو أخٌ لبليغ كذلك الأمّ المزورة..الخ) - وحتى حياة (بليغ) في (بيروت) وممارستِهِ لأكثر الأعمال تناقضاً فيما بينها.. فما العلاقة بين العمل السياسي الثوري المحموم والعمل المهين في ملهىً ليلي؟! - هذا إضافة إلى الانطباعات الشخصيّة الملغّزة التي تمر بهِ وهو يختلفُ نفسياً مع الزمن الذي يحيا فيه وعبرَ أكثر من دلالةٍ فكريّةٍ وفنية... - إن أهمَّ ميزات رواية (فردوس الجنون) هي نجاحها في خلقِ جوٍّ متضاربٍ - ينطلقُ من آلامٍ إنسانية بسيطةٍ - عبرَ الكثير من الأحداث والتعبيرات - التي تُبثُُّ عن طريق السخريةِ المريرةِ أو الكوميديا السوداء - إلى أعقدِ العلاقات الغرائبيةِ التي تمتدُّ في الكثيرِ من تصوّراتها إلى الوهم بأعمقِ دلالاتِهِ وتصوّراته، - كما أن في الروايةِ أفكاراً كثيرةً لا تُطْلَقُ بشكلٍ مباشرٍ إلى متلقّيها ولا تخاطبُ قارئاً فيه ركودٌ ثقافيٌّ أو عسرٌ تأمليٌّ، بل تسعى بالقارئ إلى منطقةِ المتعة المشوّشة بالأسئلة، وإلى إحساسه ـ القارئ ـ بضرورةِ التدخل بأي شكلٍ من الأشكال لفكِّ الاشتباك بين علاقات الرواية المختلفة. - كما لا ننسى بأن رواية (فردوس الجنون) استفادت من اللغةِ الشعرية لإنجاحِ فكرة التحليق بالإيحاء والانطلاق به إلى موسيقى الدلالة بشقّيها الجمالي المحلّق والموضوعي المحض، - وأن الرواية لا تستسلم كلياً لإيقاع الحدث الزمني ولا تفسِّرُ إشاراتها بسهولةٍ بل تذهبُ بهذهِ الإشارات إلى أقصى حالات التأمُّلِ لتعودَ بها إلى عين الواقع السحرية التي لا تلبّي نداءَ الإحساس المباشر بها وبشكل بليد.. - إن رواية (فردوس الجنون) روايةٌ جديرةٌ بالتحليقِ معها وقراءتها باستــــــمتاعٍ قراءةً فاحصةً متأنية. منذر عبد الحر |
تابع ....العناصر التي شكلت الروعة في رواية 54- فردوس الجنون احمد يوسف داوود سوريا - في رواية الأستاذ » أحمد يوسف داود « الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بعنوان : » فردوس الجنون « صبوة مجنونة للحاق بحلم سوريالي يستطيع رسم الواقع بغير أدوات هذا الواقع .. -وأظن أن الكاتب أراد أن يخط ملحمة غنائية تشاكل رواية حيدر حيدر في : » وليمة لأعشاب البحر « الرواية التي هي سرد ومكابدة لبطل وشخصية صراعها موجود في كل صفحة وفي كل حركة .. - واللغة نفسهاعند حيدر حيدر تتحول في رأيي إلى » بطل « ! إن اللغة عند » حيدر « تتحول إلى كابوس يقضّ مضجع الذين حولوا الشخصيات المنفية إلى أرقام .. ! - لكنّ هذه اللعبة خطيرة ولا يمكن تقليدها بسهولة .. - ثم , إن الروح الشاعرية عند » حيدر « تغطي و » تجمّل « فنياً الخروقات في كل صراع وشخصية لم يصل إلى ذروة هذا التناقض الذي على الرواية أن تسطّره , وعلى الراوي أنْ يجيد حبكه واللعب عليه من خلال الكلمات .. ! - النشيد هنا عند الروائي » أحمد يوسف داود « مع أن البطل الوحيد - الراوي - يكاد يكون واحداً في الروايتين ! - بطل أحمد يوسف داود منفي في لبنان وفي ميليشيات التهريب .. - في رواية » فرودس الجنون « هناك شخصية مركزية واحدة تتفرع عنها الشخصيات الأخرى , أو هي تخلق نقيضها لتكون كاملة كرواية , لكن أبطالها يتحدثون بالنيابة عن الراوي - المؤلف الذي يتقمص دور الجنون ليبرز عورات هذا العالم .. -ولأن الروائي الكاتب يدرك سلفاً أنه لا يستطيع تقديم كل هذه الكمية من الجنون في رواية حتى لو بلغت صفحاتها الألف , فإنه يعترف » لحظتها , تبين لي مدى سذاجة روايتنا هذه قياساً إلى الجنون الفعلي الذي احتل العالم « . ص12 .. ! - وفي الصفحة التي تلي نقرأ : » كنا نجد هذا العالم أمامنا كلمااخترعنا وهماً روائياً كي ننساه .. وجدنا أنفسنا واقعين في مطبّات من الجنون البارد « ص13 ..! - والمؤلف يجد أنه من الصعب تغيير قواعد اللعبة هذه عندما يجد أنه لا يستطيع أن يخترع جنوناً يليق بسفالة هذا العالم .. - وهنا علينا أنْ ندقق قليلاًبالشخصيات في الرواية وفي صراعها .. - مع منْ تتصارع هذه الشخصيات إذا كان خالقهاالروائي يقرّ بعجزه عن تغيير اللعبة , الأمر الذي لا ينبغي أن يؤيده النص الجديدالذي يسرد طرفاً من الجنون : » ممنوعٌ عليك أن تضع ولو لمسة صغيرة جديدة في قواعدالجنون « ص 17 .. - وهذا الهمّ يكاد يصبح كابوساً يؤرّق المؤلف الذي يعود إليه بعدعشر صفحات قائلاً : » إنّ إحدى سقطات روايتنا هذه أيها السادة , هي أنّ الجنون فيهايبدو لنا - نحن أبطالها - سخيفاً إلى درجة محزنة .. إننا نُبدي أسفنا أمامكم , على أننا لم نستطع أنْ نكون فيها مجانين حقيقيين بالقدر الذي ترغبونه ..! « ص27 ..! - في رواية » فردوس الجنون « يوجد حدّ أدنى من السوريالية , وهذه في رأس قفزة ملائمة في العصر الفاوستي الجديد , لكي نبرهن أننا لم نعدْ بحاجة إلى الروح , وكل ما يصبوإليه الأبطال في الروايات وخارج الروايات هو تحقيق الجزء الأسفل من فلسفة أبيقور ..! - تبقى اللغة في » فرودس الجنون « شخصية حاضرة لتذكر بالشاعر المؤلف , واللغة هناتستر ولا تعري .. ونحن تنقصنا المعايير النقدية لنفرق في الألفية الثالثة ما بين شخصية » واقعية « وأخرى يرسمها خيال » الشاعر « , الأمر الذي يجعل الصراع أقلّ توتراً , والجنون أقلّ فائدة , والصراع على الوصول إلى النهايات القصوى في » الحدث « وفي » التشويق « أكثر عقلانية , في الوقت الذي يجب فيه على اللغة أن تسقط من دورها كورقة توت , - وهذا أمر لم يقصّر فيه الراوي - المؤلف .. - لكن الجنون يحتاج إلى سوريالية , وهذه تحتاج إلى جنون اعترف الكاتب بأنه جاء ساذجاً وبسيطاً .. - لكنها رواية تسرد جزءاً من التاريخ المعاصر لشرقيّ بلدان المتوسط .. -فردوس الجنون للشاعر والروائي أحمد يوسف داود , هي رواية شيقة , وجذابة , وشاعرية , وكثير من التخيل الذي يعكس الواقع بلغة الحالم , - وهناك لوحات مسرحية كاملة يمكن تطويرها في المستقبل لكي يكتمل الجنون الأصلي في شرق المتوسط .. في شرق لم تمرّ عليه لمسات » فاوست « , ولا يريد أنْ يصدّق بأن » العقل « مصيبة حتى في رواية ..! |
تابع ....العناصر التي شكلت الروعة في رواية 54- فردوس الجنون احمد يوسف داوود سوريا - إذا كانت الرواية – أي رواية – وهي تحكي مقاطع من حياة الناس والمجتمع والعالم،في فترة معينة، قد تطول وقد تقصر،بأحداثها وسيرورة مصائرها، فيتوجب بداية إخضاعها كبناء حكائي أو قصصي إبداعي، لقوانين العالم الموضوعية......قوانين الزمان والمكان والحياة، إلا أن روايتنا هنا يبدو أن لها قوانينها الخاصة، أو لنقل إنها تبتدع قوانينها التي تحقق متطلبات الحداثة والتحديث، والتجريب الذي يتقصد البحث عن أشكال جديدة للبناء الروائي، تلك التي اشتغل عليها الكاتب والأديب أحمد يوسف داؤود ، كهم إبداعي مستمر ومتواصل، يسم جميع أعماله بلا استثناء، في محاولة للوصول إلى حالة إبداعية تحيل إلى المتغيّر دوماً، والمستجد والمستحدث، وعدم اعتبار اللحظة زمناً منفصلاً...كينونة ، بل معطى متوالد ، يتعلق بالقبل والبعد... وما بينهما، وما تحتهما... وفوقهما، وأيضاً بما ليس بهما كمتعلق غير ثابت، لا يحيل إلى ذاته ، ولا يحمل بالتالي شروط بقائه وفنائه في طبيعته، انطلاقاً من القطع مع مبدأ الانفصال والتوحد، أو مع نسبية اللحظة . - والأديب أحمد يوسف داؤود ، كهم إبداعي مستمر ومتواصل، يسم جميع أعماله بلا استثناء، في محاولة للوصول إلى حالة إبداعية تحيل إلى المتغيّر دوماً، والمستجد والمستحدث، وعدم اعتبار اللحظة زمناً منفصلاً...كينونة ، بل معطى متوالد ، يتعلق بالقبل والبعد... وما بينهما، وما تحتهما... وفوقهما، وأيضاً بما ليس بهما كمتعلق غير ثابت، لا يحيل إلى ذاته ، ولا يحمل بالتالي شروط بقائه وفنائه في طبيعته، انطلاقاً من القطع مع مبدأ الانفصال والتوحد، أو مع نسبية اللحظة بما هي بداية ونهاية، فافتراض الفصل والانفصال، يجبّ مبدأ الحداثة ، ويحيل إلى ما يستلزم إعادته، بدلاً من عودته بطبيعته بتجلّ مختلف أو منزاح ، أو بتشكيل يعكس المعنى في إحالاته وتحولاته... لا في غائيته. - فردوس الجنون لها زمنها الروائي الخاص، الذي يفيض عن الزمن التاريخي ، ويفارق منطقه المنطقي، لمواكبة الأبعاد غير النهائية لتحولات الحدث الروائي، وهو أيضاً ليس انتقائياً ، بل متحرك... متقافز، أو متوهم ، أو غائب أو مفترض، مما يجعل منه عنصراً أداتياً من جملة العناصر التي يتحكم الكاتب بإيقاعها وسيرورتها ، من خلال تركيزه على فرضية استحالات الزمن وتغيراته، ويكون فلسفة إبداعية حداثية، تلائم وتوافق المحمول الفكري، فيتلونان بلون بعضهما، ويحيل كل منها إلى الآخر. - الكاتب كمبدع للتوقيت يشي بمقولاته عبر تحكمه بمواقع خطى الزمن الروائي،ومتابعته لها، كزمن مفترض أو مسترجع، أو قادم، ويصبح هذا الفهم للتوقيت ذو علاقة واجبة الوجود بالرواية، من أجل الصورة البنائية التي تتسع للخلق والتخليق، المختلفان عند الكاتب عن العالم الحكمي، ولهذا وجب خلق عالم زمني روائي متخيل وفق الرؤية التي تبرر وتفسر العالم المخلوق، أو واجب الخلق. - من الواضح أننا لسنا هنا أمام فلسفة للفكر فقط، بل فلسفة للطبيعة والتاريخ واللغة، فالشعوري واللاشعوري عبر اضطراب اللحظة الزمنية وتقلقلها ، يعبران عن نفسيهما معاً ، وتحتفظ الذاكرة الانتقائية ، والرغبة ببناء ذاكرة جديدة منتقاة بمركز أساسي مما يسمح بالتحرر من الذاكرة كتاريخ، أو كمعطى، ويقيم بينهما فاصلاً ، هو علامة الاستقلال أو الفراق الذي تولدت عنه الصورة داخل الكلي المستمد من محايثة اللحظة لمبدأ الاستيلاد المستمر لذاتها، والتي تحيل إلى حداثة الفكر، - الفرشة الروائية تجمع كورال الشخصيات المتخيلة، وتستحضرهم في بداية القص، كاستهلال يحيل إلى التواصل الحي، ويؤكد استغراق الواقع للمتخيل أو توثيق الواقع بالتخييل، فبيان الأبطال يشعر بالتزام الواقع من حيث الوجود المعاين، ها نحن نتكلم ( نحن أبطال هذه الرواية) ...وتأتي جملة اسألونا لماذا... لتؤكد واقعية الحال بافتراض واقعية المساجلة، وهو اختبار لا يمكن أن يرقى إليه الشك في يقينية الوجود ، إذن فالوجود هو الافتراض الأساسي ، أما ما ينسحب عليه من توصيف فهو أمر آخر، والانشغال بمقاومة الجنون هو تأكيد لحالة الواقعية ، وليست نفياً للواقع، ويكون تمييز حالة الجنون ، هو المعادل لوجود العقل بالفرض، ومسألة الخطأ والصواب، هي من متعلقات الواقع أيضاً، ويتبادل الخاص والعام أمكنتهما، فتصبح القاعدة هي الاستثناء، والاستثناء قاعدة يمكن تعميمها فيما يتعلق بالأحكام القيمية للحياة والكون والبشر، ويصبح من يمكنه تمييز الجنون من العقل، يمثل القلة النادرة، التي لا تنال أحكامها- وللأسف - حظها من الاعتبار، والمسألة موضوعية بالأصل، فمن يوجد في مدينة العوران يجب أن يستر عينه ، وإلا كان هو الاستثناء، -وطالما أن ذوي الجهالة ينعمون في فراديسهم، فالأمر محلول بالنسبة لهم، ويبقى أولئك التعساء بعقولهم وحكمتهم، غرباء في مملكة المجانين، فهل يجب أن يشربوا من نهر الجنون، كيلا يستمر التمايز والتمييز؟ أو أن رؤوسنا الفاخرة لا يليق بمساحاتها الرحيبة، وهي على الهيكل، سوى هذا النوع من الشواغل؟ وأين بالأصل تكمن مسألة الخطأ والصواب؟ وهل الخطأ والصواب هما من متعلقات العقل؟ وأي عقل نعني؟ أم أن المسألة لا تمثل برمتها سوى اصطلاحاً ومعطى بشرياً، يخضع لنسبية الزمان والمكان والكون؟. - تشرع الرواية السؤال والتساؤل عن الموقف من فرضية خطأ العالم، وهل من اللازم تنصيب الشخص لنفسه شاهد بينة شخصية على خطأ العالم ؟، هذا السؤال ينبني على مشروعية تخطئة العالم أساساً ، ومجرى الأشياء ، لكن هذا العالم هو بالتأكيد أكبر من أحكامنا وأفكارنا، والصعوبة تكمن في قابلية الفكر كمعطى، للتحديد خارج العالم،لكن افتراض أن هناك موتى أحياء يحل المسألة مباشرة -...إن كلمة قد تحيل إلى إمكانية التحقيق والتحقق ، أي تشير إلى توفر عناصر الواقع، وإن بحدودها الدنيا، وهنا يكون الأمل بالحياة مشروعاً، الحياة المفارقة لليوتوبيا التي تحمل بذور فنائها في ذاتها عموماً، بتقديمها الفكر على الواقع والقول بأسبقية النظرية، ومن الطبيعي أن لا مكان للأمل في ظلها، بل فقط الحلم في غياب العقل، أما في حالة الأمل، فالأمر مختلف، إذ يكون الأمل أيضاً حلماً، إنما بحضور العقل الذي يحايث الواقع ، ويستمد منه عناصره، ولو صعب الوضع واستدق، ويبدو أننا لا نملك أكثر من ذلك الآن، لكننا نطمح ونأمل، والأمر يتعلق بالآن والإمكان تحديداً لا نفياً... - فهل تكون الكتابة ذاتها وليدة الصعوبات التي تسببها متطلبات التحديد هذه، أو أنها احتفالية متعمدة باكتشاف المفارقات التي يمكن أن تظهر في كل مكان بين متطلبات الروح الحالمة، وبين نوازع الفكر المعقلن، المتصل بمسائل الكشف، وما يمكن أن ينتج عنها من مظاهر السلب والاستلاب، أو الفراق، أو الاغتراب الروحي. - من الواضح أن الكاتب يحاول تسريب الصدمة التي تجتاحه إزاء كل هذا إلى قرائه، الصدمة التي تسببت بانثقاب روحه، وبالتالي الحاجة للترقيع - نعم... فليس ثمة متسع من الوقت للهدم وإعادة البناء، ومن الضروري التعرف على القاتل والمقتول في غمرة الصدمة الهائلة للحدث، صدمة السوق... الأخلاق السياسة... الأحزاب، وهذا ما يبرر اللجوء إلى التمايز والتمييز وربما البعثرة وإعادة التوليف في صورة الشاهد المشهود، فالشاهد لوحده ليس بوسعه إلا اللغط والإزعاج، والمشهود يمثل التحدي الدائم، من الطبيعي إذن أن تنتج الفوضى والخراب، خراب الروح، ولن يكون بوسع الكاتب إلا اللجوء للسخرية المعبرة عن الرفض الكلي لما هو كائن خارج نطاق الرغبة والإرادة . - مفارقة الواقع بشروطه المكانية والزمانية، ليس هدفاً بحد ذاته، أو وسيلة للهرب، فهذا ليس من شأنه، ولا يكفي بدون شك لتحويل العالم أو تبديل الحياة، لكن ربما بفضل محايثة الواقع غير المحدد، والذي تقودنا إليه الأسباب المختلفة التي تسمح لنا بشعور كانت تمنعه عنا معطيات الواقع المنطقي ومقولاته، تبرز الحاجة لعملية الانتخاب العقلي، التي تظهر ميولنا في تناقضاتها، وعمليات التوافق والإخضاع اللازمة للوصول إلى وحدة المقول الأخلاقي أو العاطفي أو الوجداني ، المتمثل بضمير الرواية الحقيقي ، كذات منفصلة، والتعرف على قدراته في توحده، ورغباته، - إن مجموع الذوات المتناثرة في أطر وشخوص مختلفة تتكلم وفق القولبة التي تحكمها، والتي يتم ضبطها دائماً ومتابعة حركتها من قبل الكاتب انطلاقاً من إمساكه الدائم بخيوط القص، وسيطرته على أدواته، وفق ما يجب أن يكون، ولو عبر الحلم والتداعي، وتقطيع الزمن، و بفضل ضمير المتكلم الذي يشرع الحق بالتقول، وعلى مسؤوليته كشاهد معاين،. - .تاء المتكلم هنا تبتدئ القص بضمير الأنا الرائي، المتسلح بحواسه ، مع الاعتماد أحياناً على ضمير الغائب المنفصل عن الزمان والمكان، المتعالي على الحدث، الذي يرد في سياق الحوارات، الأمر الذي مكنه من استنطاق الذوات المتناقضة والمتنافرة، بما يفيد الحكم الذي يتطلب تكييف الواقع، وإعادة تشكيله، أو تغييبه إذا اقتضى الأمر، وعبر فانتازية المصادفات والمفارقات، وانفلاتها من قيود المحاكمة العقلية أو التاريخية، أو حتى التقانية، فالحياة ربما كانت فراغاً تعكر صفوها الصور الغامضة والمتدفقة التي تجتاحها،لكنها تحركها ...وتعطيها قيمتها، ولو كانت على غير ما نشتهي، فلا يتحرج بليغ من إيراد صيغ الشتم والتهديد التي يتلقاها ثم على لسان بليغ ذاته - المكان الأكثر ملاءمة لتوصيف حالة الجنون هو بيروت، بيروت الحرب، وتعميم مناخات الحرب، وإسقاطها على مساحات الذاكرة والتذكر، لإنتاج ذاكرة المأساة، التي ستسم الروح - وقرار الدخول في حمأة الحرب ليس خاضعاً لحسابات العقل ولا حتى المصالح ، فالمزاج له دوره في هذا العالم غير المعقول - بيروت هي الكذبة التي يريد الكل تأسيسها على إيقاع لعبته وتلاعبه، مما يشعر بالانمحاق، وأن الخلاص بعيد، وأن كل عرس لقيامتنا مستحيل، مما يبرر الهلوسة... الهلوسة التي تستحضر الكاتب كضمير لا يستطيع الابتعاد عن الموكب، وعبر الصور ، ومماحكة الذاكرة التي قد لا يستطيع - وربما لا يريد – التحكم بتداعياتها ، وانتخابها ، والتركيز على علاقة الصورة بالمعنى...فشهرزاد هي الورقة الصورية –ورقة الضد – التي يسخر بها من طقوس الوضع، ويخاطب بها العقل البدئي، وبها يراهن على صمود الروح ... - أما أسباب صعوبة القيامة فكثيرة ومتنوعة ، أهمها حالة الخصاء التي ربما تنتج المصادفات ، لكنها لا تعد بأي شيء من ناحيتها ، مما يسمح بتعميم الحالة كأصل وليس استثناء، وتؤكد أن عقم الرجال أساسه عقم الرجولة - حالة الخصاء هذه تبقي وللأسف على الحياة بحدودها الدنيا، فالعقم محلاً وموضوعاً موجود على كل حال، وهو وجود حال وآني ، ولما كان التسليم بالأمر مسألة تتعلق بالوجود والعدم، فليس هناك أنسب من البرزخ مقاماً للروح والعقل ، البرزخ الذي ينتصب علامة الكمون، وهو أقصى ما يمكن إدراكه في ظل رحمة الخالق. |
تابع ....العناصر التي شكلت الروعة في رواية 54- فردوس الجنون احمد يوسف داوود سوريا - إذا كانت الرواية تبتدئ العلاقة مع المتلقي ببيان مباشر ، يشكل استهلالاً ومدخلاً، يتيح فهم المنهجية الأسلوبية، ويقدم مفاتيح أولية للدخول في متن النص، فإن هذا الاستهلال يصبح جزءاً لا يتجزأ من النص، ويبنى عليه ما بعده، وتصبح العناوين الفرعية التالية مدخلاً لفهم التنويعات على مستوى التشكيل الخارجي، لكنها تتعلق بالداخل، من حيث أن هذه العناوين تبدو مدروسة على مستوى الإيحاء، - وعنوان (بليغ ينزلق على قشرة موز)، يوحي بضمير الغائب، بينما نجد أن بليغ نفسه هو المتكلم، ويقدم رؤيته في هذه المسألة (بليغ الحمود ؟ يا إلهي كم يثير قرفي هذا الاسم .....وها أنذا أتأمل فيه كما لو أنه ليس اسمي....قال بليغ الحمود قال )...ويكرر الكاتب الطريقة ذاتها في الفصل التالي ( بليغ في لعبة المطاردة ) - ليؤكد بقاء النص تحت نظره، لا خوفاً من انفلاته، بل ربما لاستمرار لعبة التواصل مع المتلقي، وتذكيره بأن الأمر لا يعدو كونه حكاية، بتقديمه للراوي بنفسه،ثم يتركه يتوجه بالخطاب على طريقته، وبلسانه، - وتأتي العناوين ( زواريب إمبراطورية الظلال) و(احتفال في شبكة مثقوبة) ثم ( بليغ يبيع الشيطان) ليبين رأي الكاتب بما يحدث، لا كشاهد فقط، بل كصاحب موقف، وليؤكد انفصال النص عن منشئه، وبقاءه على الحياد فيما يتعلق بالسيرورة الروائية، - فهو يوصّف فقط، وقد يعطي رأيه من الخارج، ساخراً أو ممتعضا،أو مستنكراً ، - وحتى عناوين ( نفق للدخول إلى متاهة القاتل والمقتول).. و( الفصول والغايات في إعمار العواصم بالقبضايات ) و(أقصر المسالك بين حطام الشرف الهالك)...فإنها تحيل إلى تبعيض الوتيرة الحكائية، وتقديم الفصل بطريقته-أي الكاتب- - ويحمل العنوان أيضاً إحالة تراثية في ما يتعلق بالسجع، على طريقة واضعي السير في العصور السابقة، - أما عنوان (طوق الحمامة ) الذي يستعيره من عنوان كتاب تراثي له وجود فعلي، فالغاية منه على الأرجح ، تقديم روح ذلك الكتاب المشهور، بالتماهي مع مجريات الحدث الروائي، وربما البعد الدرامي للعشق في ماهيته، وفي الرواية، وليبين فهمه الخاص للتراث بإسقاط العناوين ذاتها على المستجد من الحوادث الحكائية، - ويندرج عنوان ( سورة العنكبوت) في ذات الإطار من الفهم ( أن يختطف زمنك منك أو أن يسرق بعضه وأنت ترى وتعجز عن أن تفعل شيئاً فهذا أمر مغيظ إن لم يكن أمراً مذلاً ومع ذلك فأنا الذي مررت في مثل تلك التجربة تقبلتها أخيراًراضياً أو مكرهاً، لكن أن يدخلوك في لعبة تذكر لماضيك الذي لا تتمنى شيئاً قدر ما تتمنى أن تنجح في استمرار الهرب منه...فهذا استخفاف مهين بكرامة الحياة الإنسانية كلها مهما تكن تبريرات ذلك الاستخفاف...) - ويأتي عنوان ( الزوابع والتوابع في بدء استراحة اليوم السابع) ليعلن من جانبه –أي الكاتب- أن المسائل المشكو منها أساساً ، منذ اليوم الأول لخلق الحكاية، حكاية التاريخ على طريقته، أو حكاية الخلق، وهي على كل حال من التاريخ، مستمرة، ولن تنتهي في اليوم السابع ، يوم الانتهاء من خلق الكون، ويوم راحة الخالق، فهنا ... ستستمر الزوابع والعواصف، كما في الأيام التي ستأتي، ولن ننعم بالراحة على طريقة الإله، أو من كتب ذلك عنه على مسؤوليته، - أما عنوان ( رسالة الغفران)...المأخوذ بصيغته من التاريخ الأدبي والفكري، فهو تقديم ساخر، لكن ممن ؟ إنه من النفس، فهل هناك أبلغ من طلب الغفران لتاريخ صنعناه بأيدينا؟، وطلب الغفران في حد ذاته، هو إعلان صريح عن العجز، واعتراف بالخطايا، وأيضاً بعدم القدرة على استمرار تحملها، لعل المغفرة تخفف شيئاً من ثقل الأوزار، وربما كان يحمل الاحتمال المقابل، وهو مشروعية...أو ضرورة المساجلة في طبيعة عملية التصفية والحساب الأخير، وهل من المؤكد نزول العقاب بمستحقه في وقت من الأوقات؟، أو وصول الثواب إلى مستأهله؟ وحتى طريقة تناول الحسنات والسيئات في الموازين والمكاييل، وأشكال العقاب والثواب...كما تمت الإشارة إليها في رسالة المعري الخالدة، والتي يحيل إليها الكاتب بالقطع، - ثم ينهي الكاتب فصوله بعنونة الفصل الأخير ب (بقايا من سيماء الجنون)...ليقرر أن الجنون لم تنته فصوله، وإن مجمل التحولات الدرامية في النص ،لم يكن لها أن تنتهي بحالة مختلفة عما بدأت به، وأن الحكاية ليس من شأنها أن توصل القارئ، أو حتى الكاتب، إلى ما يرغب به، فهذا هو الواقع، ولا نستطيع من جهتنا التدخل لتغيير الصيرورة، من حيث هي نتائج لمقدمات ربما . - فردوس الجنون للروائي الأستاذ أحمد يوسف داؤود ، علامة متميزة في مسيرته الإبداعية ، خصوصاً على مستوى التكنيك الذي أسس له في ما سبق من أعمال روائية ، واستكمل بناءه في هذه الرواية ، - فابتعد عن السرد الملازم لإيقاع الزمن، واعتمد التقطيع، والانتقال من الراهن المضارع ، إلى الزمن المفترض أو المضمر، في حركة توحي بعدم التحديد ، وتشي بتقلقل الحياة، وعدم يقينيتها، وتبرر قراءة الداخل بواسطة الخارج،بدلاً من العكس، بافتراض الحلول في الذوات المختلفة ، - وتقويل الشخصيات ما يجول في فكره هو بأسلوب مزج السرد بالمونولوج، مع الاعتماد على الضمير المنفصل عنه، والمشتق من الأنا الداخلية للذوات، فلا ينكرها ولا يؤكدها، ويكتفي بمساواتها مع الضمائر المخاطبة، مما يحيل إلى الحيادية التي تشي بمصداقية المقول المفترض... - لا الحدث بحد ذاته، بل كإمكانية حدوث، في محاولة لتعميم الرؤية الجمعية ( أنا الذي أتفرج عليّ من فوق ) وأيضاً ( ضحك أنا الذي يمشي ) و ( رأى أنا المقيد المتفرج ) ...فهل هناك أكثر حيادية في تناول الأنا ؟ - إنها حالة من حالات التشخصن التام، لأن استقراء الجنون ، هو بحد ذاته عقلانية تحيل إلى الواقع، وإن كان تعميم حالة الجنون يوحي بالسلب، إلا أنه يفيد الإيجاب من حيث الإحالة، وهو وإن كان يحمل على الاعتقاد بعدمية الواقع أو عبثيته، إلا أنه يعمق الشعور بأهمية الواقع المعقلن الذي يستمد منه الفكر عقلانيته. - فردوس الجنون، هي في الواقع أكثر من رواية، ولعلها الشكل الذي يمثل إرهاصاً بمستويات فنية وإبداعية مستقبلية، - أسس لها الكاتب على مستوى الشكل والموضوع...الداخل والخارج، وروايتنا هي اختزال للعالم في فكر كاتبها، وموقف منه أيضاً، - ويتضايف كل من التاريخ والجغرافيا والفلسفة وعلم النفس واللغةواللاهوت... بالإضافة لحضور السياسي والاجتماعي والثقافي بشكل لافت ، في تشكيل جديد ومستحدث، - والكاتب إذ يقدم كل ذلك في عمله ، فإنما يقدم نفسه...أو بعضاً منها. وربما كانت هذه هي فلسفة الكاتب الحياتية التي يريد منا التعرف إليها، أو ما يريد الكاتب أن يوصله، وبهذا تظهر الرواية كخط دفاع عن الوجود ...وجود الكاتب في نفسه وفي الآخرين الذين يحيا بهم ومعهم . اللوحة من أعمال : غيث العبد لله |
تابع ....العناصر التي شكلت الروعة في رواية 54- فردوس الجنون احمد يوسف داوود سوريا - فردوس الجنون ، هي رواية للكاتب السوري أحمد يوسف داوود نشرت أول مرة عام 1996. وهي ضمن أفضل مائة رواية عربية. - تبدأُ رواية (فردوس الجنون) من لعبة خارج النص توضّح الفطنةَ والذكاء الحاد الذي يتمتعُ بهِ المؤلف وهو يعطي شخصيّاتِهِ أدواراً وأقنعةً بمثابة مقدّمة فنيّة أو مدخلٍ إشاريّ مهم حمل عنوان "بيان الأبطال" وقد ذُيِّلَ بتوقيع (سرحان) تلكَ الشخصيّة المموَّهة الغريبة التي تهيمنُ بشكلٍ واضحٍ وأخّاذ في إيحائِهِ على الشخصيات الأُخرى في الرواية بعد أن يفاجئنا المؤلف بتغييب هذهِ الشخصيّة ـ - بالتقدير إلى الشخصية الثانية ـ (بليغ) التي يتفوّقُ حضورها على شخصيّة (سرحان) التي تعدُّ الشخصيّة الأولى في العمل الروائي، وهذهِ المعادلة تذكِّرنا أسلوبياً بالعمل الروائي المعروف (ليلة لشبونة) للروائي الألماني (ريمارك)، أذكرُ ذلكَ مقارناً بين أسلوبيّ الروايتين إذ أنَّ ريمارك في (ليلة لشبونة) يبدأُ مع القارئ بشخصيّةِ راوٍ مهيمنٍ على أجواءِ الدخولِ إلى أعماقِ الرواية ثم ينسحبُ هذا الراوي بشكلٍ مفاجئٍ عن المشهد المرصود لتحلّ الشخصيّةُ الثانيةُ التي يلتقيها الراوي مصادفةً في الميناء مكانَ الشخصيّة الأولى في السياقِ الفني وتقودُ مسارَ الأحداث وتدخلُ في صلب نسيجها إذ أنَّ الراوي الجديد (المقاتل) في (ليلة لشبونة) هو الذي يسحبُ مسارَ الأحداثِ إلى (أناه) - هذا التقاربُ الأسلوبيُّ ـ إذا صحَّ التعبير ـ لا يعني أن مؤلف رواية (فردوس الجنون) قد استفادَ بشكلٍ ما من عمل ريمارك في إبحاره الخاص في روايته والذي ينمُّ عن تولّيه لعبة روائية مهمّة تنطوي على مقدرةٍ خلاّقةٍ في فهم فنِّ الرواية ومحاولته الجادّة في الانفلات من الإصغاء الصارم لتقليديّات بناءِ الرواية وتقديم الأشخاص وعرض ملامحهم...الخ... - يبرّرُ الروائي (أحمد يوسف داود) اتّساع عوالم روايتِهِ باغتراب بطلِهِ (بليغ) والتحوّلات الهامّة التي تتعرَّضُ لها شخصيته وهو الهاربُ من السجن (بمعونةِ أحد رجال الشرطة) والداخل إلى سجنٍ أوسع من التصوّرات المتشظيّة والتيه والغربة، حيث ينتهي إلى عوالمَ لا تستقرُّ على ملامحَ بشريّةٍ مباشرةٍ إذ يلتقي في هروبِهِ (سرحاناً) بمحض المصادفة ـ والتي يكشفُ القارئ لاحقاً بأنّها لم تكنْ كذلك بل إنهُ لقاءٌ مدبرٌ بدقّة ـ ويقودُ سرحانُ بليغاً إلى شجرتِهِ الغريبة التي هي بمثابةِ بيتِهِ أو عالمه، ذلك العالمُ الصغيرُ في مساحتِهِ الكبيرُ بإيحاءاتِهِ، ذلك أنَّ العديد من المنطلقات الحسّاسة في الرواية تبدأُ منهُ وتنتهي إليه.. هذا المكان يتعرَّف فيهِ (بليغ) على مجموعةٍ غريبةٍ ومثيرةٍ من الأصدقاء لينشئَ معهم أغرب العلاقات الإنسانية التي تحملُهُ إلى أمكنةٍ وأحداثٍ وشخصياتٍ ومواقفَ لا يصدِّقُها القارئُ بسهولةٍ وهي بمجملها تغيِّرُ نمطَ شخصيتِهِ وتقودُهُ إلى ممارساتٍ في أجواءٍ مختلفةٍ عنهُ - ليظهر لنا ـ المؤلف ـ بالنتيجة أن بطلَهُ يعاني من أزمةِ (سيزيف) وصخرتِهِ الأسطورية المعروفة التي تتشكَّلُ عند (بليغ) في حياتِهِ المليئةِ بالمفاجآت الصعبة التي تبقيه أسيراً لهذهِ الصخرة، - هذا فضلاً عن الأبعاد المزدوجة لدلالات بعض الشخوص (ليلى والطفلة التي تفارقُ الحياة، الدكتور والضابط الذي هو أخٌ لبليغ كذلك الأمّ المزورة..الخ) وحتى حياة (بليغ) في (بيروت) وممارستِهِ لأكثر الأعمال تناقضاً فيما بينها.. فما العلاقة بين العمل السياسي الثوري المحموم والعمل المهين في ملهىً ليلي؟! هذا إضافة إلى الانطباعات الشخصيّة الملغّزة التي تمر بهِ وهو يختلفُ نفسياً مع الزمن الذي يحيا فيه وعبرَ أكثر من دلالةٍ فكريّةٍ وفنية. - يتناول الكاتب ملف لبنان وقضايا هذا العصر في رواية ذات أبعاد إنسانية واجتماعية وفلسفية، بأدوات معرفية يملكها فهو الباحث ذو الرؤية النقدية الدقيقة للتاريخ السياسي والحضاري أما أدوات الكاتب الفنية فهي متنوعة ومتناغمة، سئل الكاتب في مقابلة صحفية: إنك تكتب الشعر الحديث والمسرحية والرواية، النقد، التاريخ، في أي جنس أدبي تجد نفسك؟ وأياً كان جواب الكاتب إلا أنني رأيتُ في رواية "فردوس الجنون"، أن الشعر والقصة والمسرح تمتزج في ريشة الكاتب وقلمه، وإن كانت الشخصية الرئيسة في الرواية تبحث عن البرزخ لتجتازه وتصل إلى لؤلؤة التوازن النفسي، فإننا سنجد في الرواية الكثير من اللآلئ الفكرية والإنسانية والعاطفية والاجتماعية بين صفحات الرواية |
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية -55 - وسمية تخرج من البحر ليلى العثمان الكويت- وسمية تخرج من البحر هي رواية للأديبة ليلى العثمان تم تحويلها إلى فيلم تلفزيوني قام ببطولته الفنانة الكبيرة سعاد عبد الله والفنان خالد أمين. - قصة الحب هذه، مشبعة برائحة البحر أيام البحر، تدور في أزقة الكويت القديمة، وعاداتها، ثم تعود إلى البحر. منه تبدأ، وإليه تنتهي، حين تخرج وسمية، كعروس البحر فوق موجة لا حدود لها لما تستطيع أن تفعل. - وحصد الفيلم التلفزيوني على العديد من الجوائز الفنية وأبرزها في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون بجائزة للفنانة سعاد عبد الله. - "كيف لهذه... أن تفهم أنها بسؤالها المتكرر عن حبه للبحر إنما تفجر سكون العاصفة، تهز شجرة الماضي البعيد فتتساقط الذكريات، متسابقة، توقظ كل شيء نام. آه لو تعلم أنها بسؤالها المستمر، إنما توقظ في قلبه وجهها، فتعود عيناها إليه، توجدان من جديد في كل مرة، جمرتين حارقتين، لؤلؤتين صافيتين، ثمرتين صافيتين، ثمرتين ناضجتين، تهتزان أمامه، فيشرق كل شيء فيها حتى اسمها... وسميّة... كان اسمها وسميّة، يا ذاك الوجه الأسمر النابض بلون الصحراء، يا نجمة الليالي المتلألئة بالسهر..." وعبد الله ذاك المتيم تحكيه ليلى عثمان وتحكي حكاياته المرسومة بدم القلب، وكأنها هي عبد الله أو هي وسمية لأنها حكايا لا يعرف مكانها إلا من كتبها، ومن كتبت له... وحكايتها دمعتان انحدرتا... مع الألم.. رغم الزمن شيء عميق شق الصدر فانفجر الوجع أغنية طال رقادها... مزقت أكفان ألم... فارتعشت جثث الفرح التي ندثرت تحت رطوبته وانطلقت في حنجرة عبد الله أغاني مخنوقة... كم تاق إلى انطلاقها... أخذوا وسمية إلى البحر... آه يا زينة البنات يا وسمية يا حسرة قلب أمك من بعدك... أخذها البحر وأخذها الزمان وطواها في ثناياه ولكنه لم يستطع طيها من ذاكرة عبد الله... تسطع حلماً كلما خبت الآمال... وتنسج أملاً كلما تثاقلت الآلام... - تحكيها ليلى عثمان حكاية نسيجها العبارة الوجدانية والمعنى المفعم بالرقة والأثيرية التي تحرك مكامن المشاعر بلمسة بعيدة عن الإباحية التي غاصت بها معالم الروائية الحديثة. [/right] |
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية -55 - وسمية تخرج من البحر ليلى العثمان الكويت
- الروائية ليلى العثمان تعدّ من أبرز الكتّاب على الساحة العربية عامة والخليجية خاصة، حيث أصدرت منذُ وقت مُبِكر العديد من الإصدارات القيّمة مُنعت بعضاً منها من التداول بدعوى أن الروائيّة وجهت بها إساءة إلى بعض قيّم المجتمع الكويتي المحافظ . - تقع الرواية في 157 صفحة ولقد تُرجمت إلى الإيطالية وتعد من أفضل 150 رواية عربية ضمن تقييم عام 1996م حيثُ حصلت على المركز 55 ، كما حصلت على المركز الثالث على المستوى الخليجي وذلك ضمن قائمة أصدرها إتحاد الكتّاب العرب بدمشق لأفضل أعمال القرن العشرين . - تم تحويل الرواية إلى سهرة تلفزيونية للمخرج: عبد العزيز الحداد من بطولة الفنانة : سعاد عبدالله والفنان: خالد أمين عام 1996م وحصل هذا العمل على جائزة أفضل ممثل عن دور الفنانة : سعاد عبدالله من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون ، كما كان للمسرح كذلك نصيب من الرواية حيث قدم المسرح مسرحية تحمل ذات الاسم وسمية تخرج من البحر من إعداد وإخراج : نصّار النصّار عام 2007م ، كما أشار المخرج التونسي رضا الباهي على استئناف تعاونه مع الروائية ليلى العثمان لتحويل أحد أعمالها إلى فيلم روائي . - عندما أصبحت الرواية بين يديّ سكنني هاجس أن وسمية حورية ستخرج من البحر ، لكنَّ الأمر تبين لي في نهاية الرواية حيثُ وسمية كانت الحورية التي سيحتفظُ بها البحر للأبد. - وسمية تخرج من البحر تحكي قصة حُب عذريّ جمع بين وسمية بنت الحسب والنسب وعبدالله ابن مريوم الدلالة في إحدى القرى الساحلية للمجتمع الكويتي و البحر كان شاهد عيان على بداية القصة البريئة ونهايتها البائسة . - عبدالله ... لا يحب شيئاً في حياته مثل حبه للبحر ، رغم أن زوجته تحول كل لحضة يعود فيها من البحر برائحته التي يحب وتكره إلى جحيم إلا إنه كان وما زال يجد في البحر متسعاً لهدهدت الذاكرة/ الألم / الوجع الذي ما برحَ يراودُ أمسهُ بصورة وسمية . - كان عبدالله اليتيم الذي تصطحبه أمه مريوم الدلالة في رحلتها اليومية إلى منازلِ القرية ، تبيعُ ما تجودُ به صرتها الصغيرة ، تساعد نساء العائلات الغنية من أجل أن تجمع المال الذي تربي به عبدلله ليغدو رجلاً تُسند على قامتهِ أوجاعها التي بدأت مُبِكراً ، مُبكِراً جداً ، منذُ أن غادرها والد عبدالله تاركاً لها حمل تربية عبدالله و أن تكون الأم والأب لهذا الطفل . - كنّا صغاراً ولا ندري بَعدُّ ما الهوى؟ * ولا ما يردُ عليه القلب بالخفقان - تبدو أبيات ابن زيدون لولادّة موائمة كذلك لقصة عبدالله و وسمية ، لقد كانت أوقات جميلة تلك التي يقضيها عبدالله بصحبة وسمية بينما والدته تقوم بمساعدة أم وسمية في أعمال المنزل ، لم تكن وسمية تعامل عبدالله بفوقية كما يفعل السواد الأعظم من الأطفال الذين يملكون ما لا يملكهُ عبدالله ولكنَّ وسمية تشبههم حيثُ تملكُ ما يتيحُ لها فرصة معاملتهِ بفوقية إن أرادت . - مع الأيام كبرت وسمية وضعت الحجاب و( البوشيّه) وتوارت خلف جدران المنزل وبات من المحرم أن تلتقي بعبد الله ، لم تعد الصغيرة التي من الممكن أن تلعب مع عبدالله أو تجري خلفه لتقذفهُ برغوة الصابون . - هل شكا عبدالله كثيراً للبحر ؟ لم يصبحُ بإمكانهِ رؤية وسمية عند شاطئ البحر ، يجلسان تداعب الموجات المتمردة على الزرقة أقدامهم ، كانت وسمية تستمعُ إلى حكاياته وأغانيه الأثيرة إلى روحها . - ربما هدايا القدر أرادت ذلك وربما الشيطان هو من زرع فكرته الأفعى في رأس عبدالله ، لذا قرر عبدالله ووسمية - بعد أن طرد حبها الشديد للبحر الخوف من السلطة الذكورية- أن يلتقيا لمرة واحدة عند البحر ليعودا طفلين صغيرين لا شئ قادرُ على سلب سعادتهما وهما قبالة البحر ، تصلي أرواحهم صلاة حُبْ عذري لا يُرضي ذائقة المجتمع الذي لا يؤمن بشئ كإيمانهِ العميق بالطبقية وكل ما يعرفه المجتمع هو أن وسمية بنت الحسب والنسب بينما عبدالله ابن مريوم الدلالة ليس إلا . - التقيا بعد صلاة العشاء ، حسبهما أن سواد الليل سيكون ستاراً على الجرم الذي لم يقترفاه بعد ، لكن كل عيون المجتمع ستشهد على إنهم اقترفاه فيما لو أن أحداّ لمحهما وحيدين على شاطئ البحر ! - في وقت قصير استعادا نشوة دغدغة رائحة البحر لذكرياتهم المندسة بين الأوجاع والأمنيات عديمة الأجنحة ، لكنَّ الرياح جرت بغير ما يشتهي القلبان ، مرَّ رجل من الشرطة على الشاطئ ، وكان على وسمية أن تسرع بالاختباء لحماية الجوهرة الثمينة التي سيدنسها فعلها هذا ، الشرف . - سواد السماء في الأعلى ، لون البحر المبهم في الليل ورمل مسترسل لا شئ آخر ، إذن أين تخبئ وسمية جسدها؟ كم تمنت في لحضتها لو كانت نسياً منسيا ! - البحر ... جاءت من أجله ، توسلت إليه الآن كذلك ليحفظ عفتها من تدنيس العيون والعقول الواهمة بالخطأ باسم العيب والحرام والذي لا يصح . - دست جسدها النحيل بين أمواجه الباردة ، كتمت أنفاسها ، رجت بأن تكتم رئتيها لوقت قصير شهية التنفس ، وصمتت ، تحدث عبدالله مع الشرطي وأوهمه بأنه وحيداً إلا من الوجع لا ثالث لهما. -انصرف الشرطي ، وأسرع عبدالله يبحثُ عن حبيبته بين يدي من ضنه الحارس الأمين ، البحر . لكنهُ لم يجد سوى عباءة طافية على السطح ! - في الصباح سار الخبر كالنار في الهشيم ، فجراً كانت أم وسمية وأم عبدالله يغسلان شعر وسمية بعد أن خضباه بالحناء ، لكنَّ البحر كعادته غادر ، أختطف جسد وسمية على حين غفلة ! - من قراءة مريم العدوي |
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية -55 - وسمية تخرج من البحر ليلى العثمان الكويت - ليلى العثمان بالقطع هى أديبة مثيرة للجدل، - والذى يقرأ للأديبة الكويتية ليلى العثمان يشعر على الفور أنه أمام كاتبة موهوبة - لديها القدرة على الحكى بأسلوب رشيق، وصياغة فنية جيدة، - ومضامين هذه القصص الإنسانية التى تصيغها تعطى صوراً حية لما يجرى فى واقع دنيانا من أحداث، - ومن خلال رصد الكاتبة لها تخرج لنا لوحات فنية قادرة على إمتاعنا، - وقادرة على أن تجعلنا نفكر فى مغزى هذه الأحداث - أنها تعطينا لقطات ومن خلال هذه اللقطات تتضح المعانى التى تريد ليلى العثمان إيصالها للناس بلا مباشرة أو مواعظ، - ولأنها كاتبة جريئة ومشاكسة وتعتبر الكتابة سلاحها فقد تعرضت بعض أعمالها للمصادرة والمحاكمة التى صنعت شهرتها الكبيرة على مستوى العالم العربي، - تؤكد الكاتبة أنها اضطرت لاختراق مجتمعها المحافظ بسبب ما تعرضت له من عنف فى الطفولة سواء من جانب والدها أو المجتمع الذى تعيش فيه .. |
تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية -55 - وسمية تخرج من البحر ليلى العثمان الكويت - الكاتبة ليلى العثمان استطاعت التعبير عن نفسها من خلال إرث سردي متنامٍ، لا يأخذ معناه من خلال التنوع والامتداد وابتكار لغة خاصة مختلفة فحسب، بل من خلال بث رؤى خاصة، لعل مبتدأها هموم المرأة الكويتية ومن ثم المرأة الخليجية والعربية، - تستنطق التاريخ والذاكرة، وتبحث عن الصوت الإنساني، - وهي لا تذهب إلى الماضي لأنه ماض، بل تنبش في بنيته، تحفر عميقاً في آثاره لتناهضه بمعنى مناهضة أسلبته، من أجل صلة بالحاضر تقارب المسكوت عنه في الاجتماع والسياسة والثقافة، - وتزحزح السائد وتتصدى لإشكاليات ومعوقات لا تخص امرأة بعينها في الأغلب الأعم، من مثل: «استمرار النمط الأبوي كشكل أساسي للعلاقات الاجتماعية، ومحاولات الإقصاء المستمر لدور المرأة في الحياة الثقافية، وأن المعوقات ما زالت وربما تزداد يوماً بعد آخر، إذا ما تنامت التيارات المعادية لتحرر المرأة ولإبداعها ولإنسانيتها». - ًتلك هي رؤية ليلى العثمان التي ستجد حواملها الأدبية في متون سردياتها الزاخرة بشعرية التمرد والرفض، ومنظومة الرموز المحفزة لتأويلات جمة، لعل في مقدمتها التماهي بين الكلمة والكاتبة، - حيث تقف روايتها القصيرة «المرأة والقطة» مثلاً على حقيقة نزوع المثقف للرفض – رفض لا معقولية الواقع، والتحرر من الخوف وإدانته. - تتوغل- العثمان- عميقاً في دقائق النفس البشرية، فتقف على مأساة الفتاة الشرقية، فمعاناة المرأة الخليجية، تلتقط بخبرة ودراية دلالات الحرية الإنسانية، وترى في المرأة مركباً سيكولوجياً متعدداً، فتسقط عليها اتجاهاتها الواقعية المفتوحة على الحلم والأسطورة والزمان المتخيل والواقعي، وسواها من اتجاهات «رومانسية» لا تغفل عن إيقاظ المتخيل السردي، على إيقاع الحب والموت، حيث تتنكب أقدار شخصياتها التي تلوذ بأحلامها- حريتها الفردية- إزاء عالم يعوق التطلع، متسلط كابح لصوت المرأة ووجودها، لا يريد منها سوى الوقوع في أسر جاذبية استلابها. - وصف أدبها بأنه أشبه بالماس، نقي وجارح، هذا الوصف الذي قاله نقاد حصيفون من أمثال عبد اللطيف الأرناؤوط، قارئ أعمالها غير الكاملة، يختزن صدقها وجرأتها وخصوصية تجربتها في الفضاء الثقافي الكويتي، وما أثارته من ردود أفعال متباينة إثر صدور رواياتها «العصعص، المحاكمة، صمت الفراشات»، حيث هجاء القهر العائلي، ورصد التجربة الذاتية، واستدعاء زمن الطفولة، والجهر بمحنة المرأة العربية الصامتة والمحكومة بالخوف، وأهمية الماضي في تشكيل الحاضر. - تلك الجرأة حملت روائياً سورياً معروفاً على القول: ليلى لا تصالح الواقع، لا تراه قدراً، لا تتعبده صنماً، لا تنوء تحت وطأته، لا تهرب منه إلى الأمام، بل تواجهه، ترفضه، تقاومه». - هكذا دأبت ليلى العثمان على الكتابة، مثيرة أسئلتها الكبرى عن الوجود والإنسان والمكان والهوية، أسئلة «ميتافيزيقية» اتسعت لها الرواية بحساسية جارحة، وقول روائي لا يكتب الواقع، بقدر ما يفارقه، ولعل الثمن الموضوعي للاختلاف سيتجاوز تكريمها وانتزاع جائزة الأدب التي منحها لها «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عن مجموعتها القصصية «يحدث كل ليلة»، أو وقوفها أمام المحكمة بتهمة كتابة أدب يتضمن «عبارات تخدش الحياء العام» إلى عالمها الذي يشبهها، وكيف تصوغه وتمتلك كثافته ليقول بأن القهر متساوٍ. - قهر الرجل والمرأة على حد سواء، لتكتب عن بلاغة انتهاك الجسد أو الروح تعالج رصيدهما في متخيلها اليقظ، ولتستدعي مشروع حريتها، وإنسانية الخوف، وفي كل أشكال معالجتها، ثمة توتر درامي يحيل على اللغة والحدث ولا يكتفي بهما فالرواية كمغامرة محسوبة شأنها شأن الكتابة، فإلى جانب ما تتوهج به، تبث قلقها وإلى جانب ما تهدمه من متعاليات الواقع، تبني بالرؤية ما يوازي عالماً مفقوداً كالحب الذي تقوم عليه روايتها «وسمية تخرج من البحر» في اختزاله بالبحر كمهاد لإسقاطات دلالية لعلاقة تقليدية تجمع قطبين متنافرين في حياة واحدة لابد من وضع نهاية لها، ما يشي باستبطان التوحد، والذهاب بعيداً في المرجعيات النفسية للإبداع. - على نحو يثير الجدل تمضي ليلى العثمان في مشروعها الإبداعي، بشغف الحكاية وغوايتها وانفتاحها على آفاق طليقة، خارج تعييناتها- غالباً- - فهي كما يقول عنها الروائي حنا مينة في تقديمه لمجموعة «في الليل تأتي العيون»: «ليلى العثمان امرأة من الكويت تكتب لكل رجل وامرأة في العالم العربي، عسى الإنسان أن يلتزم بإنسانيته» ومن اللافت أن الإنسانية محور نتاجاتها، ليست إلا إنسانية مثلومة.أو ملتبسة بفعل ما يواجهها من قسر وخوف وإحباط وانكسار أحلام، فالإنسان كما تقول ليلى العثمان: «ليس ملاكاً ولا إنساناً، الإنسان هو ما سوف يكون، ونحن نساعد في تكوين هذا الإنسان، أن نرفعه إلى أعلى أو نهبط به إلى أسفل» الإنسان في مواجهة الموروثات، وسلطة التقاليد، وعبث المدينة. - إن عالم المرأة في الخليج هو عالم ليلى العثمان، بما يتضمنه من دورة الصراع بين قيم الماضي، والانفتاح على العالم الجديد، لكنه يختزن تفعيل دورها بوصفها متفوقة في الثقافة والعمل، - تنهض الرواية لدى –العثمان- إذاً بتيمات رئيسية هي «الحلم والواقع والتخيل» مؤسسة على ثقافة ستتضح خطاباتها في فضاءات السرد، لتصبح معادلاً موضوعياً للمعيش المفقود أيضاً، لردم فجواته، وما يضع وعياً مضاداً في مواجهة أسلبة الذات وتحررّها، بما يستطيعه الفن لأن يتخطى، ويعيد تشكيل الوعي بين الحياة والكلام، بين السرد والرمز بكل متطلّباته، كذلك تأتي الرواية من العثرات، من الطرق المسدودة... تأتي بأسئلتها وبنواقصها، كي «لا تأكل المبدعة ثورتها»!. |
تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية -55 - وسمية تخرج من البحر ليلى العثمان الكويت - رواية «وسمية تخرج من البحر قصة الحب هذه، مشبعة برائحة البحر أيام البحر، تدور في أزقة الكويت القديمة، وعاداتها، ثم تعود إلى البحر. منه تبدأ، وإليه تنتهي، حين تخرج وسمية، كعروس البحر فوق موجة لا حدود لها لما تستطيع أن تفعل. - تتحدث الرواية عن المجتمع السائد وهو مجتمع (بطركي) يصادر حرية المرأة ويمنعها من الظهور. - شخصيات الرواية الرئيسة ثلاث، هي: عبدالله- الابن اليتيم الفقير والذي تعمل أمه 'دلالة' وخادمة لبيةتات الكويت الغنية. فيما وسمية- أبنة اسرة غنية تعمل عندها أم عبدالله، ووسمية تقضي غرقا لعدم معرفتها بالسباحة، فالتقاليد تمنع سباحة الفتاة. وزوجة عبدالله، وهي إمرأة قاسية تكره البحر، تتقزز من رائحة البحر على جسد زوجها عبدالله الذي يتعلق بالبحر حد المرض. - في الراوية 'ساردان عالمان، سارد عالم بكل شيء، وعبدالله الذي يروي'، وفي الرواية نزوع نسوي يتبنى قضايا المرأة، - الروائية –ليلى العثمان- منحازة، لكن الرواي مذكر، بمعنى انسجام فعل التهميش الاجتماعي والفني معا، فالمرأة على الهامش في الواقع وفي السرد معا، فالمرأة في الرواية مادة للفعل السردي وليست ساردة. - سيطر السارد الغائب على 3 مشاهد في الرواية، وسرد عبدالله –بضمير الأنا- 6 مشاهد، وتبدلا الأدوار في مشهدين –الرواية تقدم 11 مشهدا سردي'. الحدث قدم على لسان عبدالله، بمعنى مصادرة المرأة، فنيا وواقعيا، مع بروز الانحياز للرجل واقعيا وسرديا معا.. - وضعت العثمان وضعت أمامنا تجربة قاسية تؤشر على قسوة القيم الاجتماعية وسطوتها ومن تتمرد على مؤسسة الرجال سيكون مصيرها الموت، - أن المرأة تواجه التهميش في السرد إذ توكل الروائية مهمة السرد لصوتين ذكوريين فيلتقي التهميش الاجتماعي السائد في الحياة مع التهميش الفني. - والرواية الصادرة عن دار الآداب في بيروت حكاية رومانسية وحالمة عبر تقديم حكاية الجار الفقير “عبد الله” الذي يحب ابنة جاره الثري “وسمية” حبا بريئا وصادقا وحقيقيا وترصد نزعة فتاة مراهقة للتحرر من القيود الاجتماعية الصارمة في فترة الخمسينيات وعليها أن تتقيد بقائمة من الممنوعات التي صنعها المجتمع وقدّسها. - وتكشف العثمان الزيف الاجتماعي في المجتمع الكويتي وترصد برؤية واضحة ومباشرة الحدود الفاصلة بين طبقات المجتمع -تستوقف القارئ ملاحظتان، الأولى التوظيف الجميل للمفردة الشعبية الكويتية وبخاصة المفردات المتعلقة بالبحر مثل “العوعو” نجم البحر و”الكرب الأحمر” وهي كرات إسفنجية تدل على موقع الشبكة والمهارة العالية في تأكيد العلاقة الحميمة بين فقراء الكويت والبحر. - أما الثانية فمن الطبيعي أن تموت “وسمية” غرقا في البحر لأن تقاليد وعادات المجتمع الكويتي تمنعها من تعلم السباحة فإذا اكتشفها الحارس قرب البحر يكون أشد حتى من الموت - ولكي تكتمل المؤامرة فإن والدتي العاشقين تحكمان خيوطهما ليصبح هو الغادر الذي سرق “وسمية “ من يدي أمها الدلالة وأم “عبدالله” الثرية حيث أخذتاها في العتمة لمنع الاقتراب من البحر نهارا وبالتالي إخفاء قصة خروجها ليلا مع عشيقها في نزهة رومانسية شاطئية. - الرواية بأنها تمثل منحى مهما يسعى لعدالة الدور وديمقراطية السرد ويكرّس أدوارا متوازية لعدد من شخصياتها نفورا من مرحلة تاريخية طغت على مستوى الواقع استحوذ فيها أشخاص على احتكار الحقيقة. - بالرغم من أن تعدد الأصوات الروائية يعبر عن نزعة ديمقراطية إلا أنها منحازة لصالح الرجل فهو الجدير أن يسرد ويمتلك الحقيقة لافتا إلى أننا أمام عدالة سردية تصدق على الرجل وتنحاز ضد الأنثى. - الرواية أقرب إلى رواية النوفيلا التي تراوح بين مستوى الرواية والقصة ويمكن تقسيم شخصياتها لنمطين انطلاقا من دورهما في تشكيل منظومة القيم الاجتماعية التي حكمت على “وسمية” بأن تلقي نفسها في الماء هربا من حكم السلطة الاجتماعية الطاغية. - الرواية تمزج بين الحب العذري بكل براءته وطقوسه وجمالياته وبين البحر وصخبه وجماله، بطلها “عبدالله” الذي عمل صيادا يعيش بجسمه في الزمن الحاضر على اليابسة وبعقله وخياله مع الماضي ويطوف البحر على أطلال حكاية حب انتهت بمأساة. - الرواية بأنها تفضح التقاليد السائدة بالكويت في الخمسينيات حول المرأة وتظهر أن الموت أفضل من الحياة لصبية مع قصة حب انكشفت وتبين مدى قهر المرأة “الأم” وتنصيبها حارسة للتقاليد في الوقت الذي يكون الرجل صانعا لها. - ليلى العثمان امرأة متمردة أرادت أن تعطي صورة صارخة لما كان يجري في المجتمع الكويتي فخروج “وسمية” من البحر في نهاية الرواية حتى على شكل طيف يشير لتمرد المرأة وخروجها من قمقم القيود. |
تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية -55 - وسمية تخرج من البحر ليلى العثمان الكويت - في (وسمية تخرج من البحر) يواجه القارئ إحساس الفقد المكثف نفسه, - عبدالله بن مريومة الدلالة يحب وسمية ابنة الحسب والنسب وذلك منذ طفولتهما.عندما يكبر يستمر الحب وينجحان في ترتيب لقاء على شاطئ البحر, ولكن دورية البوليس تدفع وسمية إلى الاختباء في البحر, فتغرق ولا يبقى لعبدالله سوى عباءتها. - يبقى عبدالله مع أحزانه التي لا تخففها عنه إلا أمه, ولكن بعد موت أمه يبدأ عبدالله في مناجاة وسمية على شاطئ البحر ومن ثم يلحق بها. - تتكثف في العلاقة بين وسمية وعبدالله معاني الحب (الذي يليه الفقد) وتحريك الطبقة مرة أخرى, - فالحب الذي يجمع بين الاثنين يتجاوز كل القيود الطبقية والجدران الاجتماعية, ورغم أن وسمية أقوى من عبدالله من ناحية انتمائها لطبقة أعلى فإنها أضعف منه اجتماعيا من ناحية انتمائها لجنس النساء. لا يمكن إذن النظر إلى الجنس أو الطبقة بشكل منفصل. - عالم ليلى العثمان هو عالم منسوج من أعصابها ومشاعرها, عالم ممزوج بكل قطرة دم تجري في عروقها, عالم تحدثت عنه كثيرا في (المحاكمة) حيث دفعت الثمن غاليا لكل كلمة كتبتها... - كتبت عن الحب الحقيقي والمشاعر الزائفة, كتبت عن الوطن وعن فلسطين, كتبت عن الفقد والاستعادة, كتبت عن قهر المرأة وقهر الرجل, كتبت عن القسوة وانتهاك الجسد, كتبت الخوف الإنساني المشروع, كتبت عن الرغبة في التحرر من الذات ومن الآخر, كتبت عن كل ما يحاول المجتمع - ونحن جزء منه - أن يخفيه, أو في أحسن الأحوال, يتظاهر بعدم وجوده. كتبت عن الكويت الظاهرة والكويت المختبئة في الأزقة والنفوس. - ليلى العثمان في أنسنتها للعالم كله, في تبنيها رؤية نسوية إنسانية, في رغبتها في هدم القهر ومسبباته, (طالعة من بحر أزرق أزرق) كما يقول عنها حنا مينه في مقدمته لمجموعة (في الليل تأتي العيون). - ليلى العثمان امرأة من الكويت تكتب لكل رجل وامرأة في العالم العربي... عسى الإنسان يلتزم بإنسانيته |
تابع ...والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية -55 - وسمية تخرج من البحر ليلى العثمان الكويت - في الفصل الثالث توقفت الدراسة عند التقنيات الفنيّة في إبداع ليلى العثمان، وتعددية الخطاب الأدبي وتَدرّجها فيه منَ الرومانسي الذي وسَمَ مُعظمَ إبداعات الكاتبة وظلّت تُؤْثِرُهُ وبَرزَ بوضوح كبير في رواية "وسمية تخرج من البحر" وكذلك في رواية "المرأة والقطة"، * - إلى الخطاب الواقعي الذي يُسَيطرُ بشكل كبير على قصص مجموعة "الحواجز السوداء" بشكل خاص، - وصولا إلى الرمزي الذي تستخدمُه في قصصها التي تَتناولُ قضايا سياسية ، وطنية، قوميّة، أو عندما ترصدُ ظواهرَ اجتماعيّةً سلبيّةً، ومثل هذه نجدُها في قصص مجموعة "الرّحيل" و "في الليل تأتي العيون" و "فتحية تختار موتها" و "يحدث كل ليلة". * - ويرى الباحثُ أنّ ليلى العثمان تتخذُ الخطابَ الرمزي وسيلةً لها عندما تغوصُ في أعماق النفس البشرية ليُساعدَها في سَبْْر أغوار شخصيّة أبطالها، واكتشافِ عوالمها الداخلية. كما أنّ الكاتبةَ تهتمُّ بتَزاوج الخطابات المختلفة في الكثير من إبداعاتها كما في رواية "المرأة والقطة" حيث تداخل الخطابات الرومنسي - يلاحظ تعددية مظاهر التعبير عند ليلى العثماني ويرى البعض أنها تعتمد على مَظاهرَ تَعبير مُتعدّدة أكثرها حضور الحوار، المونولوج، السّرد، والوصف. وأن هذه العناصر لا تغيبُ عن كلّ قصّة تقريبا. - كما ويرى البعض انّ آليّات أخرى تُرافقُ هذه الأشكال التعبيريّة مثل الاسترجاع الفني (الفلاش باك) وأسلوب التّداعي، - كما أنها تلجأ في الكثير من القصص إلى استخدام طريقة البَوْح والإعتراف مُضَمّنة إيّاها بعض الأسئلة الإستنكاريّة، - وأنها حين تغوصُ في أعماق النفس البشريّة تَستعين بتَقنيات تَيّارِ الوَعي وأحاديث النفس الداخلية، - وتُوَظّف الخيالَ والفنتازيا ، - كما أنها تُعنى بالحلم على طريقة الرومانسيين أو الرمزيين. - أسلوب السرد عن الكاتبة يَتحدّدُ بنوعيّة الموضوع المطروح، فحين تُعالج قضايا واقعيّةً في جوّ أحداث حقيقية يأتي السّردُ مُباشرا أو مَكشوفا بصورة حكائيّة تقريرية . - وأنها تَعْمَدُ إلى كسْر حِدّة تَقريريّة السّرد عن طريق بعض المشاهد الحواريّة والألفاظ الشاعرية والتشبيهات المُسْتَلّة من بيئة القصة. وأنّ السّردَ يتحوّلُ إلى شكل انسيابي حين تجمعُ إليه المونولوج والحوار وبعض التّداعيات التي تُسْهم في كَشف جَوانبَ من ماضي الشخصية المتناوَلَة. - السّردَ قد يتجاوزُ عالمَ الواقع في بعض قصصها التي تتناولُ قضايا فلسفيّةً رمزيّةً حيث تستعينُ بالحوار الفَنتازي - تمتاز ليلى العثمان برَوعة صياغتها وعُذوبة ألفاظها وسَلاستها، وأنّها تُعْنى بالأوصاف المُستَقاة من الطبيعة كونها بدأت حياتَها الأولى في نَظم الشعر. - وقد كانت الطبيعةُ مادّتها التي لا تَنضبُ في الوصف. وبشكل خاص البحر وما له من إيثار شديد عندها. - يلاحظُ أيضاً أنّ ليلى العثمان تُفرطُ في استخدام الأوصاف الجنسيّة التي نَلتقيها وهي تُعالجُ قضيّة جنسيّة كما في قصص تتناولُ مَواضيع لا عَلاقة لها بالجنس ، ويعتقد أن الجنس صار هاجسا يغزو فكرَها ويسكنُها حتى أنّها لا تتمكنُ أو لا تُريدُ الخلاصَ منه. - اما بخصوص البنية القصصية والرواية عند ليلى العثمان فهي تلجأ إلى نَمَطَيْن شائِعَين هما: المَبْنى التّعاقبي الذي تسير فيه الأحداثُ بصورة مُتسلسلة ومُتعاقبة منذ البداية وحتى النهاية، - والمَبْنى المقلوب حيث تبدأ فيه القصة مع التوتر ثم تسردُ تفاصيلَ الحدَث التي أدّت لمثل هذا التوتر، - وفي حالات أخرى يري أنّ المَبْنى المقلوب لا يبدأ من نهاية القصة والتوتر إنما يبدأ من نقطة ما بين البداية والنهاية، غالبا ما تكون قريبة من الحل، ثم يعود القاص إلى سرد تفاصيل الحَدَث حتى يصل إلى النقطة التي بدأ منها ويُتابع تفاصيل القصة حتى النهاية. - الموضوع هو الذي يُحدّد الاختيار البنيوي عند ليلى العثمان فكلما كانت القصة واقعيّة كانت أقرب إلى المبنى التعاقبي، وفي قصص الحب والقصص النفسيّة كثيرا ما تلجأ إلى المبنى المقلوب. - كما تعمل ليلى العثمان على استهلال بعض قصصها بافتتاحيات هي عبارة عن أقوال وتصريحات لبعض الشخصيات قد يكون بقَصْد التدليل على اطّلاعها الواسع. - اما بخصوص الحَبك القصصي عند ليلى العثمان فهو يتوزّع إلى نوعين يُسيطر الأول وهو الحدَث المفرَد والحَبْكةُ الواحدة البسيطة غير المعقدة على عدد كبير من قصصها. - أما النوع الثاني فيتميّز بحبكة مزدوجَة أكثر تَعقيدا وفنيّة. - كما أن الكاتبة تعتمدُ في معظم إبداعها على استخدام ضمير المتكلم الذي يترك انطباعه على المتلقي وكأنه يُعايشُ بطلَ القصة بتفاصيل حياته. كما وهناك القصص التي استخدمت فيها ضمير المخاطب أو التي تداخل فيها الضميرين معا. - أمّا بداياتُ قصص ليلى العثمان فتغلبُ عليها الإثارةَ حيث تبدأ بالعقدة لتشدَّ القارئ لمواصلة القراءة ولملمة خيوط الحبكة لتتضحَ له الأمورُ فيما بعد.* - وأحيانا تكون البدايةُ عندها وصفيّةً تهدفُ إلى تحديد مَشهد القصة أو حالة الطقس، أو وصف الوضع الإجتماعي والإقتصادي للعائلة، وأحيانا تكون وصفا للبحر أو حالة البطل. - وهناك حالات تبدأ فيها الكاتبة قصتها بالنهاية ثم تعود لتسردَ تفاصيلَ الأحداث. - ومنها بدايات تقليديّة تستهلُ قصتَها بالعَرض والتمهيد مُتتبعة تَسلسلَ وتطوّرَ الأحداث حتى تصلَ إلى التأزّم فالتّراخي فالحلّ. - وفي بعض قصصها تكون البدايةُ على طريقة الحلم. - وقد يكون عنوانُ القصة هو بدايتها. - أمّا نهاياتُ قصص ليلى العثمان في مُعظمها نهايات مُغلقة لا تترك مكانا لأسئلة إضافيّة، خاصة في القصص التاريخية والسياسية وبعض القصص الإجتماعية أيضا. . - لكنها في قصص الحبّ والتي تُعالج قضايا اجتماعية تترك نهاية قصصها مفتوحة، - وكذلك تترك النهايةَ مفتوحة في القصص الرمزية. - كما وتُوَظّفُ ليلى العثمان في نهايات بعض قصصها عنصرَ المفاجأة والدّهشة. |
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن - مؤنس الرزاز ينطق شخصياته يحركها، يدخلها السجن ويضع آخرين منها في الإقامة الجبرية، يطوف بشخصياته في غير قطر عربي، ويسلط الضوء على أكثر من قضية ومرحلة. - وهو ينطق شخصياته بدون صوت وذلك من خلال تنكيرهم الذي يأخذ شكل المولوج الداخلي المسموع. - يخلق من اليأس تفاؤلاً وتحدياً، فأحد شخصياته، الختيار، يكتب ويحبّر وعندما ينتهي من الكتابة تصادر الكلمات... لكن الرسالة تصل إلى أصحابها... من قلب الإقامة الجبرية والوحدة القاتلة تنفلت الإرادة ويشع الأمل بالمستقبل لرؤية القرن الحادي والعشرين. - وبطريقته يدخل الكاتب في نهاية الرواية بما يشبه الحوار مع القراء وكأنه أراد أن يجعلهم من شخصيات الرواية فيصل بهذا إلى مبتغاه ويستريح بتواضع ويختتم الكلام: "لكنه في أعماقه الخفية كان يكركر فرحاً (بخبث ومكر) لأنه وجد أخيراً عشرة قراء يقرأون روايته". - رواية “مؤنس الرزاز” رواية تمرد على حاكم وصديق خائن. - تعتبر من أكثر الروايات جاذبية بأسلوب كاتبها وروعة ما يحمله من خيال قاتل بين سطور روايته. - حبكة الرواية عبارة عن قصة قاتل مأجور كانت مهمته التالية صعبة نوعا ما ولكنه قام بها على اكمل وجه كانت المهم والهدف صديقه احمد ، الصديق ابن رجل مشهور قاموا بتصفية عائلته وبقي هو بين احضان صديقه وبنفس الوقت قاتله!! عندما علم أن ساعته أتت أخبر صديقه انه يريد ان يقتله وهو مستيقظ ولكنه قتله على حين غرة باعتقاد منه انه سوف ينسى ذلك المشهد بسهولة ولكن كانت الايام والنسيان الد اعداء القاتل، فلم يجد سبيلاً إلا الاعتراف بجرائمه لكي ينام ليلة هانئة فقرر الاعتراف الى غانية استمعت لاعترافاته لفترة طويلة شاهدت الندم وشاهدت الدموع وأحست الخوف والضعف والخيانة، ولكنها لم تسمع كلمة واحدة من اعترافات ذلك القاتل لأنها صماء!! لم يعلم القاتل ذلك وبالرغم من اعترافه لها كان هنالك خوفا ينمو داخله كون تلك الغانية دليل جرائمه !! ولكنه كان أكثر جزعاً وضعفا عند معرفته بعجزها عن السمع ….. - للرواية تفاصيل شيقة تغرق قارئها بحياة القاتل. |
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن -أفي رواية "اعترافات كاتم صوت سنجد أن مؤنس الرزاز يستخدم تقنية مألوفة في الرواية المعاصرة، أي تلك التقنية التي يوزع فيها المؤلف الكلام على المتكلمين بطريقة غير منظمة دون أن يعمد على إدارة الحوار بينهم. - فعندما يتكلم الأب في الرواية يكتفي بالحوار مع نفسه، وكذلك تفعل الأم والابنة الصغيرة في الإقامة الجبرية حيث تعيد الشخصيات أنتاج إحساسها بالعزلة والصمت. - ومن هنا يأخذ عنوان القسم الأول من الرواية "مدارات الصدى" دلالته المحورية، إذ أن الصدى يحل محل الصوت في غياب أي تبادل حواري بين الشخصيات. - من جهة أخرى يمكن القول إن هذا القسم من الرواية مبني استنادا إلى أسلوب زوايا النظر، ولكنها هنا زوايا نظر تخص أحداثا متعددة لا حدثا أو موقفا روائيا بعينه. - وهو أسلوب يفيد في تقليب معنى الفعل أو الحدث على وجوه متعددة بتمريرها في منشور تكون وجوهه شخصيات عديدة. - وهكذا يتحلل الفعل إلى زوايا نظر تمثل الأب والأم والابنة الصغيرة والملازم والراوي. - تقوم الابنة بتدشين النص إذ تصف مشهد العزلة. - إن الأبطال التراجيديين الثلاثة (الأب والأم والابنة) يغرقون في العزلة والصمت رغم وجودهم معا في بيت الاقامة الجبرية. - ولا تتواصل العائلة المسجونة مع العالم الخارجي إلا عندما يتصل الابن من الخارج في يوم محدد من أيام الأسبوع. - ويشكل التواصل المتقطع مع العالم الخارجي تمهيدا لانتقال الرواية من الحديث عن شخصيات الاقامة الجبرية إلى الحديث عن اعترافات يوسف/ كاتم الصوت. - وما كان ممكنا لولا حركة الانتقال الذكية (من بيت العزلة إلى العالم الخارجي) تشريح أعماق القاتل/ كاتم الصوت الذي يحتل بؤرة العمل الروائي. - تبدأ "اعترافات كاتم صوت" بمونولوج الابن، ويلخص هذا المونولوج ظروف الاقامة الجبرية، ثم يقوم الأب والأم بجلاء شروط هذه الاقامة ويوضحان قسمات المكان المستباح بأعين الحرس. - كما نتبين من سياق الحوارات الداخلية للشخصيات أن الأب كان مسؤولا كبيرا في السلطة التي اعتقلته. - وتتوضح في هذه الحوارات بعض خيوط حياة هذه الشخصيات حيث يتعرف القارئ على تاريخ الأب المناضل الذي وصل حزبه إلى السلطة ثم اختلف معه فزج به في الاقامة الجبرية، وعلى تاريخ الأم التي أحبت الأب وتزوجته إعجابا به وبأفكاره السياسية. - القسم الخاص بـ"اعترافات كاتم الصوت" يشكل المادة الأساسية في العمل، وليست الأقسام الأخرى سوى وسائل لايضاح الظروف المحيطة والانتقال إلى لحظة الاعتراف. - ومن هنا يستخدم الكاتب في هذا القسم ضمير المتكلم موحيا بالبعد الحميم من أبعاد الاعتراف والبوح الداخلي. - إن الصفحات (51-70) هي جملة اعتراف متصلة يقوم يوسف من خلالها بتحليل وظيفته ككاتم للأصوات شارحا لنا الأسباب التي جعلته يمتهن هذه الوظيفة. - ويبدو المؤلف وكأنه يفرد الفضاء السردي لاعتراف كاتم الصوت عبر مونولوج طويل يتحدث فيه يوسف لسيلفيا التي استأجرها ليسرد لها اعترافاته. لكن سيلفيا لا تسمع بل تقرأ حركات الشفاه، وبما أن شارب يوسف عريض يغطي شفتيه فإنها لا تعرف عم يتحدث! - نقبض في لحظة الاعتراف إذا على المفارقة الساخرة التي تغلف فضاء النص. - ونحن في البداية نظن أن كاتم الصوت وحده هو الذي يجهر بصوته، وعندما نتقدم في النص نكتشف أن الطرف الذي يفترض أن يسمع الاعتراف يعاني من الصمم. - لكن المفارقة الكبرى تتمثل في كون كاتم الصوت نفسه لا يدرك أن سيلفيا لا تسمعه. - بهذا المعنى تطابق اللعبة السردية، التي يتوسلها الكاتب، بين صوت يوسف ومسدسه الكاتم للصوت. - وهكذا فان الإيهام السردي، من خلال الإيحاء بالحميمية وتحقق لحظة الاعتراف وتحويل ما نسميه بالسامع الضمني إلى صورته المادية الملموسة في النص الروائي، هو وسيلة لتقليص الفعالية التي يحققها بروز ضمير المتكلم في النص لأن يوسف/ كاتم الصوت، مثله مثل العائلة المقيمة في الإقامة الجبرية، محكوم بالعزلة والصمت. - ولعل اصطناع شخصية كاتم الصوت ووضعية الاعتراف كذلك تكشف عن نية الكاتب الاختفاء وراء الشخصية للتشديد على منظوره للعالم بأن يجعل كاتم الصوت يمارس اعترافا كاريكاتوريا أمام فتاة صماء دون أن يكتشف للحظة واحدة أنه يعري ذاته لذاته لا تسمعه الفتاة التي استأجرها لتحقيق فعل الاعتراف والتطهر من أدران ما فعله. - إذا كانت "اعترافات كاتم صوت" تمثل في عمل الرزاز رواية الأصوات وزوايا النظر التي تجلو في حكاياتها وتأملاتها الشخصية فكرة التحلل وسقوط القيم والمشاريع القومية الكبرى عبر تآكل الحزب والفكرة التي يقوم عليها، فإن "متاهة الأعراف في ناطحات السراب"(3) هي رواية الطبقات المتراكبة واللاوعي الجمعي الغائر حيث يستخدم الكاتب نظرية كارل يونغ عن طبقات اللاوعي وأسلوب ألف ليلة وليلة السردي ليقيم معماره الروائي. - إن الليل الذي تحكي فيه شهرزاد يقابل النهار الذي تتحقق فيه حكايات الليل حيث يدرك القارئ من سياق السرد أن الحاضر يكرر الماضي كما يكرر النهار الليل. - إن بناء العمل شديد التركيب لكن ما يهمنا في هذا السياق هو أطروحة العمل الأساسية، أي كيف يصبح التراث وسيلة لتفسير ما يعرضه العمل الروائي، وكيف يصبح حكي شهرزاد رمزا للعلاقة بين الحاضر والماضي، بين الوعي الفردي والوعي الجمعي، الشعور واللاشعور، وبين طبقات اللاوعي المتراكمة الغائرة داخل الإنسان العربي المعاصر. - ويعمل الرزاز في هذا الإطار على تقديم تصور مركب للواقع العربي المعاصر ملمحا إلى كون الراهن يتشكل من طبقات متراكمة من وعي العصور الماضية تؤثر لا شعوريا في استجابات الإنسان العربي المعاصر وتكبله وتكبح أفعاله ورغباته، ومن ثم يكون التراث لا قناعا يؤدي وظيفة شكلية في العمل بل جزءا من تكوين الوعي. إن استعارة صوت شهرزاد الحكي عن الماضي، والحديث عن طبقات اللاوعي الراسخة في وجدان الشخصية العربية، ما يجعلها تتصرف دون أن تعلم بوحي من رواسب هذا اللاوعي، -كل ذلك يكشف اطروحة العمل وتفسيره اليونغي (نسبة إلى كارل يونغ) للعلاقة بين الفرد وتراثه الجمعي |
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن - عن مجلة أفكار الأردنية : " إن مشهد اعتقال الأب البعثي سيبقى ماثلاً لسنوات طويلة في ذاكرة الطفل ذي الحساسيةالمفرطة كما أن نهاية الأب في أقامته الجبرية ثم موته الدراماتيكي سيشكل ناظما أساسياً لوجدان الكتابة وضميرها عند مؤنس الرزاز . - ولهذا كانت كتاباته تتأرجح بين ماهو مأساوي وفانتازي وبين ماهو خارجي وداخلي وسياسي ووجودي وبين الكآبة الشخصية والهجاء السياسي حتى بدا انه يعاني العالم كقضية شخصية . - فنجد مثلاً أن روايته (اعترفات كاتم صوت ) كأنها قصيدة عن سجن ابية ووثيقة للعذاب الشخصي - ذلك انه جعل من جرحه الخاص موضوعاً عاماً وفناً روائياً - وفي رواياته الأخرى اللاحقة ينشطر البناء الروائي موضوعياً ونفسياً كشكل آخر من أشكال إعادة بناء النفس أو محاولة التخفيف من تمزقها وكوابيسها , - ربما لم تكن شخصياته الروائية نسخاً عنه وبالتأكيد هي ليست كذلك لكنها على الأقل عاشت الإيقاع ذاته والانشطارات ذاتها , - من هنا تصدعت البنيةالروائية كمحيط حاضن لها تماماً كما تصدعت الأحلام والأحوال العامة فتركها تنحو منحنى غرائبياً هذيانياً ." - يمثل الروائي الأردني مؤنس الرزاز صوتًا متميزًا في الرواية العربية الحديثة منذ الثمانينيات. - وينبع هذا التميز من التكوين المركّب للكاتب, الذي جمع بين ثقافة دارس الفلسفة والكاتب الصحفي والمترجم, وبين خبرات المسافر وراء الحلم القومي في عواصمه الكبرى, وتجربة المقاتل. - يضاف إلى هذا كله ممارسة مرّةللعمل السياسي والحزبي. . - مثّلت رواية الرزّاز الأولى (أحياء في البحر الميت) انتقالاً في رؤية الواقع العربي, ونضجًا في التشكيل الروائي. وشكّل الرزاز الضلعالثالث للمثلث الذي دخل بالرواية الأردنية فضاء الرواية العربية الجديدة والحداثية. - تناولت رواية الرزاز الثانية (اعترافات كاتم صوت) (1986) موضوع القمع. - بينما كانت ثالثته (متاهة الأعراب في ناطحات السحاب) (1986) بناءً فنيًّا يبعث على الدهشة, ويوغل في عالم اللاشعوروالثنائيات المتضادة, ويحكي عن المدن العربية وعن فلسطين, وعن الرمال والبداوة والعمل الحزبي. - وجرّب الكاتب - في تلك الرواية - إمكانات اللغة المتصلة بالتراث والمنفتحة على العصر. واستعاد الماضي, وقرأ الحاضر, في محاولة للتحرر من سلطة السائد. . - واصل مؤنس عطاءه, وعكست رواياته في التسعينيات تحولاً جديدًا في الشكل, وتركيزًا على واقع بلاده: (جمعة القفاري), (قبعتان لرأس واحد), (الذاكرةالمستباحة), (الشظايا والفسيفساء), (عصابة الوردة الدامية), وقد رسّخت هذه الأعمال موقع الرزاز بين الروائيين العرب, وأظهرته كاتبًا ماضيًا في التجريب والبحث, ومحيطًا بفن المعمار الروائي, ومناضلاً في الدفاع عن الحرية والعدل وكرامة الإنسان. ." - من يقارب عالم مؤنس الرزّاز الروائي، يخيّل إليه للوهلة الأولى، أنّه يحاذي بعض "أشراك" الأدب المُسيّس. لكنّه سرعان ما يكتشف، أنّ السياسة هُنا، ليست غاية بذاتها أو هدفاً بذاته، بل هي وسيلة من وسائل المعرفة،وطريقة من طرق الوعي والتحليل. - وعلى الرغم من انغماس مؤنس الرزّاز، في الحياةالسياسيّة، بل والنضال السياسيّ، فهو استطاع أن يفصل بين النضال والأدب، موظِّفاً السياسة في سبيل الأدب، لا العكس. - ورواياته الكثيرة، تشهد على هذه الخصيصة. - فالسياسة تحاذي الفنّ الروائيّ، ولكنّها لا تلقي بظلّها عليه، بل هو الذي يلقي بظلّه عليها. - وقد تمكّن الرزّاز، أن يبتعد أيضاً، عن مزلق الآيديولوجيا والإلتزام المباشر، منصرفاً إلى الفنّ الروائي، في كلّ ما يعني، من بناء عالم وشخصيّات، ومن تخطٍّ للمعايير الثابتة، وترسيخ للحداثة، ومن سخريّة وهجائيّة." |
·تابع .تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن. - مؤنس كان يخاف أن يدهمه شبح الموت قبل أن يكمل مشروعه الذي زاوج فيه بين حرفة الكاتب المتملك لناصية النوع الروائي وحرارة التجربة الشخصية التي وزعها الكاتب على أعماله كلها. - أدرك مؤنس أن عليه أن يبدأ كتابته مما انتهت إليه الكتابة الروائية العربية في السبعينات وما حققه جيل الستينات من تطوير للكتابة الروائية المحفوظية. - ولعل «أحياء في البحر الميت» ترجّع صدى «أنت منذ اليوم» لتيسير سبول و «المتشائل» لإميل حبيبي، إذ يقيم الكاتب تناصاً مع هذين العملين ويخبر القارئ أن روايته تطمح إلى كتابة الواقع بطريقة قريبة من شكل تمثيل الواقع العربي المعاصر في هذين العملين الروائيين الأثيرين إلى نفسه. - وتقيم رواية مؤنس الأولى، في الوقت نفسه، جسور نسب مع الرواية الحديثة في العالم ممثلة في «البحث عن الزمن الضائع» لمارسيل بروست و «عوليس» لجيمس جويس وغيرهما من كلاسيكيات الرواية الحداثية في العالم. - في تلك الرواية، التي تحكي عن انهيار القيم والمؤسسات القومية، وتشير بصورة غير مباشرة إلى تجربة مؤنس ووالده منيف الرزاز السياسية المرة، يؤسس مؤنس لشكل من الكتابة الروائية تعبر فيه التقنيات والشكل وزوايا النظر وأنواع الرواة عن أطروحة الانهيار التي تسكن أعماله الروائية التالية حيث يعمد إلى العناية بالشكل الروائي والمعمار المعقد للسرد، وتصبح تقنية تعدد الرواة وزوايا النظر حجر الأساس في أسلوب كتابته الروائية. - في «أحياء في البحر الميت» ينسحب الكاتب من عمله مختفياً وراء إحدى شخصياته مضاعفاً فعل الاختفاء بجعله شخصية مثقال طحيمر الزعل تختفي وراء عناد الشاهد. - وتكمن فرادة «أحياء في البحر الميت» في هذه اللعبة السردية، حيث يصبح البناء الروائي شديد التركيب، وتصبح الشخصيات الروائية شبحية، وتنسب فعل الكتابة الروائية إلى بعضها بعضاً، فيكتب عناد الشاهد ويعيد مثقال تنظيم أوراقه. - ويبدو هذا المدخل الذي تتوسله الرواية تبريراً للعبة الشكل الروائي الجديد وإيهاماً للقارئ (في لعبة تغريب بريختية معكوسة) أن العمل ليس سوى هلوسات غائب عن الوعي والعالم، ويتوسل الروائي هذا الشكل للفت انتباه القارئ إلى بؤرة التجربة وأعماقها الغائرة، أي إلى التجربة السياسية الفاشلة التي خاضها عناد الشاهد. - ليسـت «أحـياء في البحر الميت» مجرد باكورة روائية بل هي عمل تأسيسي نـجـد فـيه بــذور أعـمـال الرزاز التـالـيـة التي وسعت من أفق أطروحة الانـهيار وأقـامت من الشخصيات والأحداث والأفكار والـتأمـلات برهاناً على صحتها في الرواية والواقع. - كان مؤنـس مـسكوناً بهذه الأطروحة يحاول تجسيدها في عمله الـروائي والتعبير عنها في مقالاته الصـحافية حتى تمكنت منه وأصبحت هاجسه وديدنه في الحياة والكتابة. - في روايته «اعترافات كاتم صوت» يعيد مؤنس الرزاز تركيب أطروحة الانهيار من خلال تحليل واقع المؤسسة الحزبية القومية التي تحولت إلى مؤسسة توتاليتارية مرعبة تأكل أبناءها، وتستبدل الحزب القائد بالقائد الأوحد، مؤدية إلى تبخر فكرة الثورة وعلاقتها بالجماهير التي ادعت أنها قامت من أجلها. - وقد استعمل مؤنس، للتعرف الى تحولات السلطة وتوالد القمع وازدياد سطوته، تقنية الأصوات وزوايا النظر المتعددة من خلال إعطاء الكلام للقامع والمقموع والشخصيات المراقبة في الآن نفسه. - وتجلو هذه الشخصيات في حكاياتها وتأملاتها فكرة التحلل وسقوط القيم والمشاريع القومية الكبرى عبر تآكل الحزب والفكرة التي يقوم عليها. - وعلى رغم تخلل سيرة مؤنس الشخصية لـ «اعترافات كاتم صوت»، إذ إن أسرته حاضرة بوضوح في هذا العمل كما هي حاضرة في «أحياء في البحر الميت» وفي أعماله التالية، فإن تقنية زوايا النظر تتيح المجال للكاتب لكي يخفي، ما أمكنه، بعد السيرة الذاتية في العمل، معمقاً هذا البعد الأساسي في أعمال مؤنس الروائية كلها. - ينبغي أن نتنبه في هذا السياق الى أن روايات مؤنس تستند إلى نتف من حياته الشخصية، والأمكنة التي عايشها، والأشخاص الذين التقاهم أو أقام معهم صداقات عميقة طوال حياته. لكن هذا البعد الشخصي في تجربته الروائية يجري تغريبه، وتذويبه في مادة الرواية التجريبية التي تقوم لديه على اختبار السرد وقدرته على تصوير الواقع في رواية تشكك بمادتها على الدوام، ما يجعل القارئ في «اعترافات كاتم صوت» (التي تستند في مادتها الروائية إلى حكاية إقامة منيف الرزاز الجبرية في ظل حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين ووفاته وهو رهن تلك الإقامة وعودته إلى الأردن في تابوت) يحار في طبيعة العلاقة بين شخصية كاتم الصوت والرجل الذي يفكر في قتله. - إن غاية هذا العمل الروائي هي سبر غور الشخصيات، والتعرف إلى آليات تفكير مثل هذه الشخصيات العصابية التي يستخدمها الحاكم المستبد للقتل والتخلص من مناوئيه في السلطة. - في «متاهة الأعراب في ناطحات السراب» يبني مؤنس الرزاز رواية الطبقات المتراكبة واللاوعي الجمعي الغائر، حيث يستخدم الكاتب نظرية عالم النفس السويسري كارل غوستاف يونغ عن طبقات اللاوعي الجمعي، المتراصفة طبقة وراء طبقة والتي تكرر نفسها في لاوعي الأفراد، لبحث كيفية تفكير العرب المعاصرين، والتمثيل روائياً (من خلال توالد الشخصيات من بعضها بعضاً، وحلول الواحدة منها محل الأخرى، والاعتماد في ذلك على عقيدة التناسخ) على شدة تأثير الماضي وأزماته في حياة العرب في الزمان الحاضر. - ولكي يستطيع الروائي إقامة بنائه السردي الذي يستند إلى فكرة مستلة من علم نفس الجماعات، ويجعل في الإمكان تمثيل هذه الفكرة روائياً، من دون أن تتحول الشخصيات إلى مشاجب للأفكار وترجمة للقراءة النظرية للتاريخ، فإن الرزاز يستخدم أسلوب «ألف ليلة وليلة» السردي، حيث تتوالد الحكايات من الحكايات، ويتشابك السرد، وينشق وعي الشخصيات الآتية من الماضي السحيق والمقيمة في الحاضر في الآن نفسه، مؤسساً بذلك معماراً روائياً مركباً يسبر أغوار النفسية العربية في اصطدامها بزمان التكنولوجيا المعاصرة والهيمنة الغربية. - نعثر على هذه العلاقة التناقضية بين مادة الحكاية الواقعية والحكاية نفسها في «جمعة القفاري» و «مذكرات ديناصور» حيث تتميز الشخصيتان الرئيستان في هذين العملين بانفصالهما عن الواقع المحيط بهما، واغترابهما عن البيئة الاجتماعية وعدم قدرتهما على معايشة الواقع من حولهما. - ومن هنا تنشأ المفارقة والباروديا (المحاكاة الساخرة) والسخرية المرة الجارحة في النص الروائي. ويكتشف القارئ أنه بإزاء عالم انكشف خواؤه الداخلي. - كما تذكرنا الشخصيات التي يقوم الرزاز بتخليقها (جمعة القفاري في رواية «جمعة القفاري»، والديناصور في رواية «مذكرات ديناصور»، وبئر الأسرار في روايتي «سلطان النوم وزرقاء اليمامة» و «حين تستيقظ الأحلام») بـ «متشائل» إميل حبيبي و «الجندي الطيب شفايك» للكاتب التشيكي ياروسلاف هاشيك، وبالطبيعة المعقدة لهذه الشخصيات التي يكشف هؤلاء الروائيون من خلالها عن المستور والمحجوب من مادة الواقع اليومي، مبرزين بذلك التناقض الحاد بين المثال والواقع. - أن الأعمال الأخيرة، بدءاً من «جمعة القفاري: يوميات نكرة» (1990) وانتهاء بـ «ليلة عسل» (2000)، قد كتبت تحت ضغط التعبير عن موضوعة جديدة تطورت في كتابات مؤنس، وهي تدور حول فكرة الإنسان الهامشي، أو أبله العائلة (بتعبير جان بول سارتر في كتابه عن الروائي الفرنسي غوستاف فلوبير) أو ما يقع في دائرة الظل تطحنه الحياة اليومية الحديثة اللاهثة. - سيطرت الرغبة في فهم التحولات الاجتماعية والتكوينية التي ضربت قرية كبيرة كالعاصمة الأردنية عمان في ثمانينات القرن الماضي، إلى درجة حولتها إلى مدينة استهلاكية تشوهت فـيها الـقيم، على روايات مؤنس الأخيرة. |
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 56- اعترافات كاتم صوت مؤنس الرزاز الأردن - جمع في شخصيته ميزات استثنائيه جعلته بحق شخصيه تحوز الاجماع الوطني العام بشقية الرسمي والشعبي مثلما كان في حياتة يحوز على رضاء الجميع. - لعل تجربة مؤنس الرزاز الابداعية تعتبر واحدة من أشد تجارب المتابه وضوحاً في انحيازها وطواعيتها لسياقات المحطات الحياتيه والتاريخيه وانعكاساً وتأثيراً , حتى بدا ان المعمار الروائي الذي شاده الراحل مؤنس انما استمد مادته الأساسية من هول الأيام وهواجس الذات وتجاربها المرة , ليس رصيداً عيانياً بقدر ماهو تفاعل مع مشهدياتها وأبجدياتها سواء بالتعبير عنها أو بمحاولات الخلاص وطئ قسوتها وشدتها . - فذلك الطفل الذي سيولد لأب مناضل سيقضي طفولة مختلفه عن أقرانه فوالده الطبيب منيف الرزاز كان سياسياً معروفاً في فتره حفلت بكل عناصر الاندفاع حيث سيشهد الأبن مع ابية دورات متناقضة من التردد بين علو السلطة وإمتيازاتها وبين فداحة السجون والمعتقلات مقابل أحلام الأمه . - ان مشهد أعتقال الأب البعثي سيبقى ماثلاً لسنوات طويله في ذاكرة الطفل ذي الحساسيه المفرطه كما أن نهاية الأب في أقامته الجبرية ثم موته الدراماتيكي سيشكل ناظما أساسياً لوجان الكتابة وضميرها عند مؤنس الرزاز . - ولهذا كانت كتاباته تتأرجح بين ما هو مأساوي وفانتازي وبين ماهو خارجي وداخلي وسياسي ووجودي وبين الكآبة الشخصية والهجاء السياسي حتى بدا انه يعاني العالم كقضية شخصية . - فنجد مثلاً أن روايته (أعترفات كاتم صوت ) كأنها قصيدة عن سجن ابية ووثيقة للعذاب الشخصي ذلك انه جعل من جرحه الخاص موضوعاً عاماً وفناً روائياً - وفي رواياته الاخرى اللاحقه ينشطر البناء الروائي موضوعياً ونفسياً كشكل آخر من اشكال إعادة بناء النفس أو محاولة التخفيف من تمزقها وكوابيسها , - ربما لم تكن شخصياته الروائيه نسخاً عنه وبالتأكيد هي ليست كذلك لكنها على الأقل عاشت الإيقاع ذاته والانشطارات ذاتها , من هنا تصدعت البنيه الروائيه كمحيط حاضن لها تماماً كما تصدعت الأحلام والأحوال العامه فتركها تنحو منحنى غرائبياً هذيانياً. . عن أعترافات كاتم صوت يقول الاستاذ حسين جلعاد " تجلى طموحي في أن أموت موتاً طبيعياً مبكراً لا منتحراً "...لعل هذه المقوله واحدة من أفجع مشاهد الاعترافات التي أنكب الراحل مؤنس الرزاز على كتابتها قبل رحيله , حين كان يؤشر على سيرة جوانبه لم ننتبه الى فداحتها إلا حين فاجأنا برحيله . |
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 57- رباعية بحري محمد جبريل مصر - من واقع الدراسات النقدية التي قام بها مجموعة من النقاد. - يقول الأستاذ صلاح فضل عن هذا الكتاب: هاهو محمد جبريل يمعن مرة أخرى_على طريقته التي تزاوج بين عوالم الغيب والشهادة_ في كتابة الحياة البحرية من داخلها، وهي تعبق برائحة البحر حين تفوح منها رائحة الإنسان المطحون المستلب، بكل أشواقه الروحية وانتفاضاته البشرية.. - على أن ما تمتاز به هذه الرواية لا يتمثل في كمية المعلومات التي تقدمها عن البحر والبشر، وإنما بطريقة انقداحها في أعماق الروح، لتشكل وعي الإنسان ومذاق الحياة في فمه. عندئذ نختبر توهج التجربة وهي تصنع حساسية الإنسان، وتصهر شخصيته، في لحظات الوجود المحتدمة. - يرى البعض ان روايات محمد جبريل تظل ـ بعد الانتهاء من قراءتها ـ مفتوحة للتأويل؟ ولا تكون نهاياتها حاسمة ومحددة . -يرى جبريل إن إنهاء العمل الإبداعي عند نقطة معينة محددة ينطوي على تعسف مطلق في التعامل مع حيوات كان يجب أن تظل مستمرة، وهي تلك التي كانت لشخصيات الرواية قبل أن تختفي بالنهاية المغلقة. - ويرى إن القصة قد تنتهي عند نقطة ما تختارها، لكنها ليست النقطة التي تنتهي عندها حياة الشخصية ـ أو الشخصيات ـ في الرواية. - ويقول جبريل - إذا كان تشيكوف يرفض أن يكون الكاتب قاضيا يحكم على شخصيات عمله الإبداعي ويُطالب بأن يكون شاهدا غير متحيز فإني أجد أن انحياز الكاتب لقضية ما ـ أو وجهة نظر معينة لموقف أو مجموع ـ مسألة مهمة ومطلوبة، بل إني أتصورها بالنسبة للمبدع الحقيقي مسألة بديهية. - لجأ في كتاباتة إلى التراث في بعض أعماله في الرواية والقصة القصيرة ، وذلك لانه يرى بأنه جِماع خبرة الشعب في توالي عصوره وأجياله بكل ما تحمله من قيم وعادات وثقافات وسلوكيات. - ويقول جبريل "من الصعب أن نُعيد الماضي بكامله، ومن الصعب كذلك أن نبني نهضة حقيقية، أن نضيف ونطور ونثري ما لم يكن ذلك كله مستنداً إلى تراث يأخذ منه، ويتصل به. - ويقول "من الخطأ أن نرتمي في حضن التراث، كما أنه من الخطأ أن نرتمي في حضن الثقافة الغربية. نحن نفيد من التراث في تحقيق التواصل، ونفيد من الثقافة الغربية في تحقيق المعاصرة. الصواب أن نفيد من التراث ومن الثقافة الغربية المعاصرة في تحقيق شخصيتنا المنفردة، في صياغة ملامح متميزة لإبداعنا وفكرنا وثقافتنا الخاصة. -ويقول جبريل في فن الكتابة الابداعية : " نصيحتي للأدباء الشبان ـ دائما ـ أن يحذفوا كل ما لا يحتاجه العمل الإبداعي، لا يشفقوا على عبارة جميلة، فيبقون عليها، حتى لو كانت نابية عن السياق. أذكرهم بما فعله تولستوي في "الحرب والسلام"، لقد بلغت أصولها ـ عقب الكتابة الأولى ـ أكثر من أربعين ألف صفحة فحذف الفنان تسعة أعشارها. |
تابع... والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية - 57- رباعية بحري محمد جبريل مصر - ملخص من واقع الدراسات النقدية التي قام بها مجموعة من النقاد. - الولوج الي عالم محمد جبريل الانساني نوعا من الإبحار الممتع. - يقول جبريل "اذا كان لبيئة البحر وما يتصل بها، انعكاسها في العديد من اعمالي الابداعية، فان البيئة الروحية لها انعكاسها كذلك في تلك الاعمال، مثل جوامع ابو العباس وياقوت العرش والبوصيري ونصر الدين وعبد الرحمن بن هرمز وعلي تمراز وثمة أضرحة كظمان والسيدة رقية وكشك وعشرات غيرها من جوامع اولياء الله الصالحين ومساجدهم وزواياهم واضرحتهم. - في »رباعية بحري« يشعر الكاتب الكبير محمد جبريل أنه كتب كل ما في مخزونه الروحي ووصف طفولته وصباه متنقلا بين الجوامع الاربعة - ويقول : رباعية بحري عملي روائي من اربعة اجزاء: أبو العباس، ياقوت العرش البوصيري، علي تمراز، تعرض للحياة في حي بحري منذ اواخر الحرب العالمية الثانية الي مطالع ثورة يوليو 1952 - وتتكون من : - لوحات منفصلة - تكامل اللحظة القصصيةز - متصلة من حيث اتصال الاحداث - تناغم المواقف - تكرار الشخصيات ف (انسية) التي طالعتنا في بداية الجزء الاول من الرباعية، هي انسية التي انتهت بها احداث الجزء الرابع والاخير. - وما بين البداية والنهاية نتعرف الي دورة الحياة من ميلاد وطفولة وختان وخطبة وزواج وانجاب وشيخوخة ووفاة، فضلاً عن الحياة في المعهد الديني بالمسافر خانة، وحلقة السمك وحياة الفتوات والعوالم وما يتسم به ذلك كله من اختلاف وتميز، بقدر اختلاف البيئة وتميزها. - علي سبيل المثال فإن الحياة في البحر وصلة البحر واليابسة، والمؤمنين بطهارة الماء وقدرة البحر علي اعمال السحر، والحكايات والمعتقدات عن عرائس البحر والعوالم الغريبة وكنوز الاعماق، والخرافة، والاسطورة والزي التقليدي، والمواويل، والاغنيات، والامثال، والحكايات، وخاتم سليمان، والمهن المتصلة بمهنة الصيد كالصيد بالسنارة والطراحة والجرافة، واسرار الغوص في اعماق البحر، وغزل الشباك وصناعة البلانسات والفلايك والدناجل وغيره وركوب البحر، وبيع الجملة في حلقة السمك وبائعي الشروات.. - ذلك كله يتضح في الشخصيات التي كانت الحياة في البحر مورد الرزق الاهم - او الوحيد - لها. - ويقول جبريل" في قصصي القصار تتناثر لمحات من الموروث الشعبي، متمثلة في العديد من سلوكيات الحياة والمفردات والتعبيرات، وغيرها مما يعبر عن التميز الذي تتسم به منطقة بحري في حدودها الجغرافية المحددة والمحدودة: الزي الوطني، الطب الشعبي، العاب الاطفال وأغنياتهم، نداءات الباعة، الكناية، التكية المعايره، القسم، الطرفة، المثل، الحلم، وغيرها.. - ويقول " الحق انني حين اراجع ابداعاتي التي وظفت - او استلهمت الموروث الشعبي اجد انها وليدة العفوية - ومحاولة التعبير عن الواقع، هذا هو ما افرزته تجربة الحياة والمشاهدة والقراءة والتعرف الي الخبرات، لم أتعمد الافادة من الموروث الشعبي بل هو الذي فرض معطياته في مجموع ما كتبت مثل روايتي القصيرة: »الصهبة« وروايتي: »بوح الاسرار«، و»زهرة الصباح« وغيرها. - علي الرغم من نشأة الكاتب محمد جبريل يتيم الام - لقد ماتت والدته وهو دون العاشرة من عمره - الا انه يتحدث عن اثرها البالغ في تكوينه الابداعي قائلا: وعدت القارئ في سيرتي الذاتية » حكايات عن جزيرة فاروس« بأن يقتصر ما اذكره من الاعوام القليلة التي أمضتها امي في حياتنا علي بعض الصور او الومضات السريعة، رحلت امي قبل ان أبلغ العاشرة فتصورت ان ما اذكره لن يجاوز تلك الفترة الباكرة من حياتي فضلاً عن غياب الوعي بصورة كاملة او جزئية في الاعوام الاولي منها، لكن الذكريات التي كانت مطمورة ما لبثت ان استردتها الكتابة وهو ما سجلته في »مد الموج« و»الحياة ثانية« و»اغنيات« في العديد من اعمالي الروائية والقصصية. - ولعل رصيد امي هو اول ما اذكره من أيامها بيننا، أشرت اليه في العديد من لوحات السيرة الذاتية، والقصص القصيرة وفي فصول سيرتي الذاتية، قالت الجدة في شقة الطابق الرابع انها كانت تجلس بجوار امي تعودها لما انتفضت امي - فجأة - واشارت الي ما لم تتبينه العجوز وهتفت: ابعدوه من هنا! ثم سكت صوتها وجسدها امرني ابي بالنزول الي الطبيب الارمني في الطابق الاول، صعد الطبيب السلم بخطوات متباطئة وكان يقف في كل طابق، امام النافذة المطلة علي الشارع الخلفي، ربما ليأخذ انفاسه وكنت ادعوه - بيني وبين نفسي - الي الاسراع في الصعود كي ينقذ امي، أطال الطبيب تأمل الجسد الساكن، كانت العينان جاحظتين، والبطن منتفخا بصورة ملحوظة والجسد بكامله متصلبا، كأنه وضع في قالب، مال الرجل علي صدر امي وباعد بأصبعيه بين الجفنين، وضغط بقبضة يده علي البطن المنتفخة ثم هز رأسه في اسي: ماتت! كانت امي مثلاً للحنان والقسوة في آن تثيب للفعل الطيب وتعاقب للخطأ التافه او الذي اتصوره تافها - كانت كما رويت في »مد الموج« تصر علي ان نذاكر حتي موعد النوم وترفض نزولنا للعب في الشارع الخلفي، لكنها كانت تحرص علي ان نجلس بحوار الراديو لسماع بابا صادق ثم بابا شارو في موعد برنامج الاطفال، ووافقت علي اقتراح اخي الاكبر بأن نشتري قطعة جاتوه بنقود العيدية التي اعطاها لنا خالي ووضعتها امي في درج الكومودينو وقالت امي: هل اذنت لكم قال اخي انها فلوسنا، ألقت علي الارض ما كانت تحمله، وسحبت من فوق الدولاب حبلا كانت تخصصه لعقابنا، لفته حول اقدامنا وتوالت ضرباتها بالشماعة حتي اجهدها التعب. ماتت امي وكبرت انا وتزوجت وانجبت وكان من الطبيعي ان تعود الذكريات وتنشأ المقارنة وتتوضح معان كانت غائبة، من بينها اشفاق الابوين علي مستقبل ابنائهما والفارق بين التدليل والافساد والتعويد علي الحياة السهلة او تلك التي تحرص علي القيم كان الاشفاق والحنان والخشية من الانحراف هو الباعث وراء الايذاء المتواصل من امي.. ادركت ذلك متأخرا وبعد فوات الاوان. - يقول الكاتب الكبير محمد جبريل محدثا نفسه: قد تهبني هامشية من الخبرات اضعاف ما احصل عليه من شخصية اختزنت المعرفة فظلت ساكنة في داخل الذهن والوجدان دون تأثير حقيقي عليها، وعلي من يخالطونها - ويقول " فإن التأثير والتأثير، لا صلة لهما بمعرفة ولا ثقافة ولا مرحلة سنية. - ويزعم كما يقول "انني افدت من رحلة امي القصيرة في حياتي ومن رفعة زوجتي زينب العسال الناصحة المشفقة المتدبرة ومن تمازج الطفولة والوعي في ابنتي امل لما لم تبدله الاعوام، ولعلني اذكر زواج خادمتنا »دهب« واستقلالها بحياتها لكنها ظلت علي صلتها الاسرية بنا، تزورنا وتسأل عن احوالنا - بالذات بعد ان رحلت امي - واضطر ابي - بتأثير المرض - الي لزوم البيت والاعتذار عن غالبية الاعمال التي عرضت عليه وكان مترجما! وعانينا ظروفا بالغة القسوة وصارحنا ابي - ذات يوم - ان »دهب« عرضت عليه مبلعا نجاوز به ظروفنا، وارفق ابي شكره باعتذار مؤدب فقد كان - كما قال لنا - يعرف ظروف دهب جيداً. اذكر ايضا زوجة عم احمد الفكهاني في الشارع الخلفي الواصل بين بيتنا وجامع سيدي علي تمراز كانت اشد منا حرصا علي »الغديوه« التي نقيمها كل بضعة ايام، ابنها فتحي واخي وانا، نفسح لها اسفل عربة الفاكهة الصندوقية الشكل، تضيف الي ما نأتي به ثمار الفكاهة وطبق سلطة خضراء وخبز ساخن من الفرن القريب، تظل طيلة جلوسنا في ظل العربة توصينا بأنفسنا، وبالمذاكرة، وتدعو الله ان يفتح لنا ابواب المستقبل بشخصية الام المصرية في مثالها المكتمل! |
تابع .. العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم -57- رباعية بحري ل محمد جبريل من عرض كتاب بقلم أحمد شبلول -اذا كانت ثلاثية نجيب محفوظ -بين القصرين، قصر الشوق، السكرية- قد كتب لها الخلود في أدبنا العربي المعاصر، فإن رباعية محمد جبريل ـ التي اتخذ من أولياء الإسكندرية في منطقة بحري عناوين لأجزائها الأربعة –أبو العباس، ياقوت العرش، البوصيري، علي تمراز ـ ستخلِّدُ بلا شك كاتبها. - فهذه الرباعية الروائية، أو هذا العمل الملحمي الكبير الذي يربو ـ في أجزائه الأربعة ـ على ألف صفحة، سيكون مثارا للحديث الطويل على مائدة النقد الأدبي الروائي لعقود طويلة قادمة. - وربما تعقد مقارنات طويلة بينه وبين أعمال أخرى مهمة كتبت عن مدينة الإسكندرية مثل: رباعية الإسكندرية للورانس داريل من الأجانب، وأعمال مصطفى نصر وسعيد بكر ومحمد الصاوي وعبد الفتاح رزق وإبراهيم عبد المجيد وإدوار الخراط، وعبد الفتاح مرسي ومجدي عبد النبي، وغيرهم من أدبائنا المصريين الذين اتخذوا من الإسكندرية مكانا ومناخا وشخصيات تؤدي دورها في حقب مختلفة من عمر المدينة الذي تجاوز الألفين وثلاثمائة عام. - رباعية محمد جبريل عمل ليس سهلا، ولم يكتب للتسلية والمزاح، ولكنه عمل صعب، يحتاج إلى أكثر من قراءة، - فهو يجمع بين خبرات طويلة ومتعددة في الحياة وفي الأدب وفي الفن وفي الفكر، وأيضا في التصوف وفي الجنس - وأعتقد أنهما ـ أي التصوف والجنس ـ في هذه الرباعية وجهان لعملة واحدة، هي الحياة البشرية في سموها وانجذابها نحو فك الأسر ومحاولة الانطلاق خارج حدود الزمان والمكان، وهذه الحياة في انحطاطها ودناوتها وسعيها إلى إشباع الغرائز السفلية بشتى الطرق - وأحيانا يجنح الخيال بالكاتب في عالم التصوف فيقدم لنا العالم السري لشخصيات تسعى إلى الدخول في عالم المجاذيب مثل شخصية علي الراكشي، - وأحيانا يسوق الكاتب قلمه لتصوير أحط أنواع الغرائز من خلال شخصية مثل شخصية أنسية، - وأحيانا يقوده هذا القلم إلى التعرض لأنواع من الشذوذ الجنسي المتمثل في شخصية حمادة بك. - وعندما يتعرض الكاتب لهذين الوجهين فإنه ينقدهما أو يرفضهما، ومن أجل هذا فهو يغوص في هذين العالمين المتناقضين بطريقة إما تدعو إلى الإعجاب والدهشة، أو بطريقة تدعو إلى اللوم والمؤاخذة. - وفي كلتا الحالتين يُجيد الكاتب تصويرهما وتقديمهما متوسلا بذاكرة حديدية،ومَلَكَةٍ تصويرية يحسد عليها. ولعلي أكون من أصحاب الاتجاه الأول-الإعجاب والدهشة- فقد كنت أثناء قراءة هذه الرباعية شديد الانبهار بالعالم الذي يقدمه لنا محمد جبريل بشقيه ـ فضلا عن الجانب الأسطوري ـ لأنه في الواقع أضاف إلى خبراتي وثقافتي ـ وبالذات في عالم التصوف الذي تحول في هذه الرواية إلى عالم فني شديد الخصوبة والجمال ـ الكثير في هذا المجال. - وبين شخصيتي الراكشي، وأنسية أبدع محمد جبريل في نسج مئات الشخصيات في رباعيته -التي قد تحتاج إلى معجم لرصدها بدقة- بعضها شخصيات رئيسية أو فاعلة مثل الجد السخاوي صاحب الخبرة الطويلة في عالم البحر والصيد-والذي حزنتُ كثيرا عندما مات قرب نهاية الرباعية، وكانت جنازته جنازة أسطورية أجاد الكاتب تصويرها بما يشعر القارئ بحزن المدينة كلها على وفاة هذا الجد الذي عمَّرَ في البحر طويلا- -ولعل شخصية الجد السخاوي تقترب في بعض ملامحها من عجوز بحر أرنست هيمنجواي، - وهناك أيضا سيد الفران الذي تزوج من أنسية رغم معرفته بأنها كانت تمارس البغاء قبل الزواج، ولكنه القلب وما يهوى. -أيضا هناك عبد الله الكاشف الذي يبدأ ظهوره في الجزء الثالث من الرباعية –البوصيري- وهو ذلك الموظف الذي كان يعمل بسراي الحقانية ثم أحيل على المعاش القانوني لبلوغه سن الستين دون أن يتزوج، واكتفى بأن زوَّج أختيه، وظل يعاني الوحدة والقلق، ومن ثم يبدأ في خوض التجربة الروحية، - لكنه لا يرقى إلى مرتبة علي الراكشي الذي اعتقد البعض أنه ولي من أولياء الله الصالحين، غير أنه غير ذلك في نظر أولاده وخاصة ابنه محمد الذي اتـهم أباه بأنه كان يتركهم نـهب الجوع والقلق، ويمضي في خزعبلاته، وتجاربه الروحية، ويتوهم أنه يستطيع أن يمد يده ويأتي لهم بالطعام من الهواء. -وموقف محمد الراكشي هذا هو موقف الإدانة لعالم التصوف الذي أراد المؤلف أن يبثه من خلال إحدى الشخصيات غير الأساسية في الرباعية. -وهناك الشيخ عبد الحفيظ، وأمين عزب، وغيرهما من أصحاب النظرة الإسلامية المعتدلة في الدين وفي الحياة. - عشرات الشخصيات الحية والفاعلة على امتداد الرباعية، ومئات الشخصيات التي تظهر وتختفي، وتطفو على السطح مرة ثم تنمحي من الذاكرة، سواء من ذاكرة الكاتب أو ذاكرةالقارئ. - ولعل الأسطى مواهب العالمة، وزوجها القواد، ومهجة وهشام من هذه الشخصيات التي ظهرت ثم اختفت، ولكنَّ ظهورَها أثار الحيوية في بعض أجزاء الرباعية، -ولعل الكاتب قد توسَّل باسم مهجة ابنة سلطان الإسكندرية المرسي أبي العباس، وزوجة ياقوت العرش، لتكون امتدادا روحيا للأولياء والأقطاب السكندريين، ولكننا نفاجأ بأنه يقدم لنا مهجة أخرى تذهب إلى المدرسة، ثم تتزوج وتطلق في الليلة نفسها، ويحكم عليها أبوها بعدم الخروج من البيت، ثم تصل إلى مرحلة من مراحل اللامبالاة وعدم الاهتمام بالآخرين، ثم تغشى الشقق للحصول على المتعة، وترفض هشام الذي أحبها، والذي يموت ميتة بائسة بسببها. - من ناحية أخرى نستطيع القول إن محمد جبريل خبر الحياة في حي بحري خبرة العارف بدقائقها وأسرارها وعوالمها السرية أو التحتية وأيضا أساطيرها -كرامات أولياء الله الصالحين بالمنطقة، شرب دم الترسة وما ينتج عنه، عروسة البحر وخطفها لرجال البحر أو الصيادين، مصارعة الكائنات البحرية العملاقة في عرض البحر والتغلب عليها .. الخ- ويمكن الرجوع للمزيد من هذه الناحية إلى سيرته الذاتية "حكايات عن جزيرة فاروس" - تجول بنا الكاتب في عشرات الشوارع والأزقة والحواري، من أول سراي رأس التين وحتىالمنشية واللبان وكوم بكير (مركز الدعارة في الإسكندريةفي ذلك الوقت) وأجلسنا على عشرات المقاهي في الكثير من الأحياء، وأدخلنا في البيوت والشقق فعرفنا الكثير من أسرار العائلات السكندرية التي تقطن هذه الأحياء المجاورة لبعضها البعض، في تلك الحقبة التي كتبت فيها هذه الرباعية، وهي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى يوم 26 يوليو 1952، يوم خروج الملك فاروق من الإسكندرية. - وبالمناسبة فإن التركيز لم يكن في هذه الرباعية على أحوال السياسة المصرية في تلك الحقبة، ولكن الحديث عن السياسة كان حديثا عارضا تَفرضه التجمعات أو جلسات الأصدقاء في المقاهي، أو التفكير في ترشيح حمادة بك لنفسه في انتخابات البرلمان. لذا فإنه عندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 لم يكن هناك فهم دقيق للأمور من جانب بعض تلك الشخصيات البسيطة، بل مجرد عبارات متناثرة هنا وهناك، كأي مصري بسيط يلتقط خبرا من هنا وخبرا من هناك. - وقد جاءت فكرة عدم التعمق في الأمور السياسية مواكبة تماما لتركيب معظم شخصيات هذه الرباعية التي أغلبها من الصيادين وصانعي القوارب وناسجي الشباك، وأصحاب الحرف البسيطة والمجاذيب والعاملين في الميناء وفي المساجد وغيرها. وعلى الرغم من ذلك قد الاحظ بعض التعليقات البسيطة التي يطلقها أحدهم فتعبر عن نظرة صائبة ودقيقة للأمور - اعتمدت الرباعية في هيكلها البنائي على الفصول القصيرة، والقريبة في عدد صفحاتها من بعضها البعض ـ في معظم الأحيان ـ، واتخذ كل فصل عنوانا مستقلا، واقترب عدد الفصول من 150 فصلا روائيا. -واقترب بعض هذه الفصول من تكنيك القصة القصيرة، التي تصلح لأن تنزع من السياق الروائي لتشكل عالما قصصيا قائما بذاته، ولكنه متى وضع مرة أخرى في هذا السياق فإنه يأخذ مساره الطبيعي ضمن العمل ككل. -وأعتقد أن السبب من وراء ذلك ربما يعود إلى كتابة هذه الرباعية على فترات متقطعة ينشغل فيها الكاتب بأعمال أخرى، ثم يعود إلى الكتابة، ثم ينفصل، ثم يعود إلى الرباعية، وهكذا يشكل كل فصل عملا مستقلا، لكنه يقع ضمن الإطار العام للرباعية. - وأحسب أن هذه ميزةٌ كبرى لهذا العمل الضخم فلا يشعر القارئ معه بالملل أو الإطالة غير المستحبة، أو التكرار والإعادة دون مبرر فني، - ولكني على الرغم من هذا شعرت أحيانا أن الكاتب يكرر بعض المواقف وخاصة عند حديثه عن أهل الجذبة الصوفية. - أيضا من الأشكال البنائية للرباعية لجوء الكاتب ـ في افتتاحية بعض الفصول ـ إلى الاستشهاد ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وكلماتٍ وأورادٍ لأقطاب التصوف: أبو الحسن الشاذلي وابن عطاء الله السكندري والمرسي أبو العباس والبوصيري وغيرهم، وهو بذلك يؤكد على الجو الصوفي الذي تدور في فلكه أجزاء كثيرة من العمل، ويعطي إشارات للأحوال التي يمر بها - ولا تخلو الرباعية بالإضافة إلى ذلك، من أزجال وأغاني الصيادين وأغاني الأفراح الشعبية والموالد والطهور في مدينة الإسكندرية خلال تلك الحقبة التي تتحدث عنها الرباعية، فضلا عن الأناشيد الدينية وما يُتلى من أذكار وأوراد في حلقات الذكر والخلوة، وغيرها من طقوس الصوفية وأحوالهم، - وأعتقد أن المؤلف بذل جهدا مضنيا في سبيل جمع أو تذكر هذه الأزجال والأغاني، وأعتقد أننا لو عكفنا على استخراج هذه الأغاني والأزجال والأذكار والأوراد .. الخ من الرباعية، لتوافرت لنا مادة فنية غنية، تصلح للدرس الأدبي فيما بعد. -وعن بناء الجملة عند محمد جبريل في هذه الرواية، فقد اعتمد على الجملة القصيرة التلغرافية في أغلب الأحوال، ذات الإيحاء الدال، - وفي كثير من الأحيان يكون التقديم والتأخير للاسم والفعل، وإدخال جملة قصيرة في سياق جملة أخرى دون أن ينتهي من الجملة الأساسية، من أهم سمات تركيب الجملة، مثل قوله: "حين انتقلت علية إلى بيت زوجها، أغمض عينيه، وتنهد"، ونحن في الأحوال العادية نقول: "أغمض عينيه، وتنهد، حين انتقلت علية إلى بيت زوجها"البوصيري، ص 177أو قوله: "ألفت توقفه ـ لا تناقشه ـ أمام باعة الصنف" (علي تمراز، ص 10) فهو يضع جملة إضافية، وهي هنا "لا تناقشه" بين شرطتين أمام جملة لم ينته من قولها بعد. - ولعل من أهم ما يحسب للكاتب في هذا المقام استخدامه لعلامات الترقيم (مثل النقطة والفاصلة وعلامات التنصيص، والاقتباس وبداية القول ونهايته .. الخ) في مكانها المناسب تماما، ولعل السبب في ذلك يعود إلى تمرس الكاتب بالكتابة الصحفية والأدبية لعقود طويلة، واستخدامه جهاز الحاسوب (الكمبيوتر) لكتابة أعماله وتنضيدها وتنسيقها بمعرفته، ليس عن طريق المطبعةأو الناشر، إذ أنه من الملاحظ أن معظم الناشرين ـ في هذه الأيام ـ لم يهتموا بقواعد الكتابة، وبخاصة علامات الترقيم. وقد لوحظ بعض الأخطاء النحوية القليلة في بعض الصفحات، ولكنها لا تذكر بالقياس إلى حجم هذه الرباعية، وربما جاءت هذه الأخطاء نتيجة عدم المراجعة الدقيقة لبعض صفحات الرواية. - هناك مقولة شاعت في حياتنا الأدبية والثقافية في الفترة الأخيرة، وهي "الروايةُ أصبحت الآن ديوان العرب"، وأتفق مع هذه المقولة تماما، إذا كانت الرواية التي تصلح لإطلاق هذه المقولة عليها مثل رواية "رباعية بحري" لمحمد جبريل. - ونعني بأن الرواية هي ديوان العرب ـ في هذه الحالة ـ أن الرواية هي ديوان الحياة العربية المعاصرة بكل ما فيها من عبق الحياة المعاصرة بتياراتها واتجاهاتها وآراء من يعيشون فيها، إنها تحمل الإنسان والمجتمع والسياسة والاقتصاد والطب والفلسفة والعلوم، إنها تحمل الشعر، والقصة، واللغة المكثفة والمركزة والمقطرة والمتفجرة والشفافة، وتحمل أيضا الوصف فضلا عن السرد والحوار. |
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 58- صنعاء مدينة مفتوحة محمد عبد الولي اليمن - أشعلت هذه الرواية حرائق كبيرة في فضاء الساحة الثقافية اليمنية لا لتميزها وإبداعها عندالنزر اليسير من المعترضين, وإنما لوجود بعض الفلتات اللفظية على لسان بطل الرواية (نعمان), والذي أدى إلى تلاسنات لفظية ومنازلات فكرية وعراكات مريرة امتدت إلى إشهار سيوف الحسبة والتكفير والدخول إلى دهاليز المحاكم. - الرواية لوحة فنية وأدبية لمجتمع ما قبل الثورة اليمنية, فالظلم هو الظلم في الشمال (الإمامة), والجنوب (الاستعمار). - فالرواية تعبير عن الإرهاصات الأولى لقيام الثورة اليمنية (26 سبتمبرفي الشمال, 14 أكتوبر في الجنوب). - فالميزة الرئيسية لأبطال الرواية الغربة, تتقاط عأنفاسهم وأرواحهم مع الواقع, وتدخل في تناقضات رهيبة للخلاص من الواقع الكئيب. فشخوص الرواية (أبطالها), (نعمان - محمد مقبل - الصنعاني - البحار (علي الصغير..), قد احترقت أناملهم بالواقع, واكتووا بنيران الظلم والعذاب, ولم يبق أمامهم من مفر سوى مواجهة الواقع بموضوعية وحذر, وإحداث انقلاب حياتي في المجتمع, لأن الظلم واحد في اليمن وأن تعددت أطيافه, ولابد من لحظة خلاص منه. - إن بطل الرواية (نعمان), عاش في غربة ومكابدات نفسية وروحية وضياع افتقد فيها الهدف لحياته وفي أحايين كثيرة كسرالواقع أجنحة أحلامه, وظل أسيرا لحياة الغربة والانهزام حينا من الزمن حاول نسيان الواقع ومداواة جراح الغربة الروحية والنفسية, ولكن دون جدوى, فالضبابية والضياع صارت عنوانا لحياته السقيمة. -وفي نهاية المطاف تستيقظ روح التمرد في نفوس أبطال الرواية, ويقتنعون من أن لا سبيل لإصلاح المجتمع إلا بمواجهة الذات, والابتعاد عن حياة الزيف ومواجهة الفساد والظلم وتغيير الواقع إلى الأفضل. |
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 58- صنعاء مدينة مفتوحة محمد عبد الولي اليمن - عمل واقعي ، مكتمل النضج ، وقطعة أدبية زاخرة بالمشاعر ، جسدت بعمق ونفاد طابع الصراع الاجتماعي والسياسي في المجتمع اليمني في الحقبة الأولى من حقب النضال السياسي المنظم ضد الامامة ، كما جسدت بامتلاء شخصياتها وتنوع مصائرها ، توق الشعب اليمني عامة إلى كسر سجن الطغاة وبناء عالم أفضل .... - وقد تفنن عبد الولي في تصوير غشم السلطة الامامية وعدائها للمجتمع وعبر عن سخطه لشخص الحاكم من خلال شخصية البحار الذي يدخل قلاع الامامة الظالمة ـ بيت عامل زبيد – وقد كان البحار في السادسة عشرة انذاك ونجح في معاشرة بعض حريم البيت في انتقام اخلاقي.. قصورهم تفضح نفسها بانحلال نسائها ، لقد اخذ البحار في النهاية ما أراد ثم ولي هاربا عبر البحر منتصرا برجولته على تسلط الامامة .. - ونجد أن إحدى شخصيات رواية محمد أحمد عبد الولي "صنعاء مدينة مفتوحة" التي هاجرت في عمر الشباب إلى شرق أفريقيا تقدم تجربتها للأجيال التالية من أبناء وطنها، وتنصحهم من خلال الكلام الموجه إلى نعمان بطل الرواية بأن يواجهوا مصير بلدهم. - وتعبر الرواية عن التطلع إلى حياة المدينة عن طريق وصفها لحياة القرية القاسية واللهفة لترك تلك الحياة والعودة إلى عدن. من قراءة علي السقاف جده |
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 58- صنعاء مدينة مفتوحة محمد عبد الولي اليمن - لقد عاش القاص اليمني محمد عبدالولي في القسط الأكبر من حياته تعيسا , كان يجد متعته في الكتابة, فالكتابة على حدتعبير كاترين أن بوتر:- ليست قضاء وقت فراغ جميل, هي ليست شيئا يحدث بلاألم, إنها مهنة مرهقة وجادة. - إن القاص محمد عبد الولي قاص وروائي على قدر كبير من الموهبة, وصاحب قدرة عالية في عكس الواقع بلغة شعرية شفافة. - ولقد تأثركثيرا باللغة والتكنيك القصصي للقاص الروسي تشيكوف, وبحنا مينا, ويوسف ادريس. - فلم يكن مترعا بالرومانتيكية, بل كان واقعيا ينتمي إلى المدرسة الواقعية, وهو ليس كمن:- (يمسك ورقة وقلما ويرسم إلها وبرتقالة). - فهويمسك ورقة وقلما ليرسم واقعا حيا بتفاعلاته, وديناميكيته وبتقاطعاته وبألوانه الطيفية الحياتية> - إنه كاتب متمرد على الواقع, واقع الفساد والرذيلة, والسكون والجمود, يمسك القلم لتصوير الواقع بفن وإبداع, - ويشير بسبابته إلى موطن الضعف والجبن في المجتمع, يكره العادات الرتيبة والتقوقع, - وتمرده ليس موضة, أو عبارة عن عنفوان شباب, وإنما هو التمرد الواقعي والسليم, ليخلق مجتمعا أكثر إنسانية واستقامة. - لقد أدرك عبد الولي ضرورة تغيير الواقع, والخروج عن الجمود والرتابة, فبطل الرواية نعمان يقول:"أنا.. شاب مندفع لا يحب مطلقا أن تعيش بلا عجل.. بلا حركة.. بلا خفة.. وشعرت بالسأم بعد أيام من وجودي فيها (القرية)...". - محمد عبد الولي في رواياته وقصصه, لا يريد من الجمهور أني تعاطفوا مع أبطاله, ولا يقصد إلى إثارة المشاعر والأحاسيس العاطفية الشكلية, يريد منهم أن يشاركوا في الحدث, أن يتحولوا إلى عمليين, يدفعهم إلى التغيير والثورة على الظلم والأوضاع البائسة. - لم يقع كغيره من الناشئين في شبكة التقليد والمحاكاة. -وظل يكتب على سجيته, دون التفات إلى حصيلته الثقافية.. فلقد كانت مرارة التجربة التي عاشها والصبا هي المسيطر الأول على إنتاجه... - شهدت القصة اليمنية في حياة محمد عبد الولي ازدهارا لم يسبق له مثيل. ويعود في ذلك إلىتنوع تجربته الثقافية وموهبته الفنية التي صقلها بدراسته فن القصة. - شخصية القصة والرواية عند محمد عبد الولي, اتسعت رؤيتها وانتقلت من الحالة الفردية إلى ؛النموذج« أي اليمن وأيا ما كان إزاء ظروف لا تشبه المأساة الكونية التي يتعرض لها البطل القديم, بل هي ظروف إنسانية وفي متناول يدنا, وفي مقدورنا تغييرها, أو ينبغي ذلك, -من هنا لم تعد القصة تثير العطف أو الإشفاق أوالإعجاب, بقدر ما تثير روح التغيير للظروف الخارجية وإنقاذ الضحايا, ولم يعد المجهود الفردي كافيا , فلن يغير من الأمر شيئا. - لقد حبك الكاتب خيوط نصه بمهارة الصانع الملم بأسرار صناعة السرد, - وترك للقارئ مناسبة ملاحقة بناء النص وتتبع عوامله, وهودائم التساؤل عن سر الحكي الذي ضبط مساره, ويحدد وجهته, إذ لا يمكن تكوين فكرة عامة عن هذا النص إلا بعد الانتهاء منه.. - إن كل ذلك يجعلنا أمام نص متكامل العناصروالبناء, فهو كتلة واحدة, متراصة العناصر والأجزاء, وأي إهمال لأي منها لا يمكن إلا أن يسهم في تشويش الرؤية, كما أن أي إغفال لأبسط علاقة فيه لا يتولد عنه إلا اختزال النص, عدم النفاذ إلى جوهره, أو الكشف عن باطنه, والوقوف عند أهم ملامحه وخصائصه . - الرواية لوحة فنية وأدبية لمجتمع ما قبل الثورة اليمنية, فالظلم هو الظلم في الشمال (الإمامة), والجنوب (الاستعمار). - الرواية تعبير عن الإرهاصات الأولى لقيام الثورة اليمنية. - فالميزة الرئيسية لأبطال الرواية الغربة, تتقاطع أنفاسهم وأرواحهم مع الواقع, وتدخل في تناقضات رهيبة للخلاص من الواقع الكئيب. - فشخوص الرواية (أبطالها), (نعمان - محمد مقبل - الصنعاني - البحار (علي الصغير..), قد احترقت أناملهم بالواقع, واكتووا بنيران الظلم والعذاب, ولم يبق أمامهم من مفر سوى مواجهة الواقع بموضوعية وحذر, وإحداث انقلاب حياتي في المجتمع, لأن الظلم واحد في اليمن وأن تعددت أطيافه, ولابد من لحظة خلاص منه. - إن بطل الرواية (نعمان), عاش في غ ربة ومكابدات نفسية وروحية وضياع افتقد فيها الهدف لحياته وفي أحايين كثيرة كسر الواقع أجنحة أحلامه, وظل أسيرا لحياة الغربة والانهزام حينا من الزمن حاول نسيان الواقع ومداواة جراح الغ ربة الروحية والنفسية, ولكن دون جدوى, فالضبابية والضياع صارت عنوانا لحياته السقيمة:- - وفي نهاية المطاف تستيقظ روح التمرد في نفوس أبطال الرواية, ويقتنعون من أن لا سبيل لإصلاح المجتمع إلا بمواجهة الذات, والابتعاد عن حياة الزيفومواجهة الفساد والظلم وتغيير الواقع إلى الأفضل, وقبل قليل من تكشف الحقيقة ومعرفة الهدف, تموت زوجة نعمان (هند) وطفلها لعسر في الولادة. - فبموت ؛هند« تتملك بطل الرواية (نعمان), كآبة وهوس وتشنجات لا حدود لها, فيقع فريسة للمرض والهذيان, ويكاد لا يصدق أنها ماتت, ولماذا ماتت?!! وكيف ماتت?!! لقد شعر بالذنب والمأساة, لأنه أحبها دون اكتراث وبعبثية. -أما في لحظة الصاعقة, الموت أنبجست مشاعر الحب الحقيقية من كل مسامات جسمه, وتحول قلبه إلى كتلة من اللهب والتشوق لهند... وتقوده الكآبة والاضطرابات والتشنجات إلى حالة من الهيستيريا والانفعالات اللاشعورية, وتتساقط من لسانه بعصبية غير مألوفة كلمات ليست مستساغة, لقد فقد توازنه وغابت أحاسيسه الحية إلى حالة من الهذيا. - رواية »صنعاء مدينة مفتوحة« صدرت قبل ما يربو على عشرين سنة ومن الصعب على القارئ أن يجد اليوم نسخة في المكتبة أو الأسواق, ودرست في الجامعات, ومثلت في مسلسل إذاعي, وقراء الرواية نزر يسير من المثقفين, لم تلفت انتباههم الفلتات اللفظية, بل كانوا يركزون على مضمون العمل الروائي. - إن الرواية تبدو نقدا اجتماعيا للواقع, من خلال تصوير مأساته, وتبدو محاولة لإعادة ترتيب الماضي, ومحاكمته, وتبدو تبريرا للحاضر معا . - إنها تبدو كل الأشياء, وتبدو ضباب الأشياء من خلال الدموع والمآسي, وتبدو لا شيء غيرغيبوبة واهية تحملنا إلى أول الطريق كي نموت مرتين. أو نزهر من خلال الموت ورداء حمراء هي الحياة. لذا كان الموت ليس دلالة اجتماعية وسياسية فحسب, ولكن قضية وجودية ونفسية أيضا, هذا ما يختاره المؤلف منذ لحظة الولادة . == سمير عبدالرحمن الشميري كاتب واكاديمي من اليمن المصدر : مجلة نزوى |
تابع .. تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 58- صنعاء مدينة مفتوحة محمد عبد الولي اليمن من قراءة سامي الشاطبي - محمد عبد الولي ..سيرة موجعة وكتابة مغلفة بالحنين. - سيرة هذا المبدع موجعة وكتاباته مغلفة بالالم. ---- - الأستاذ محمد عبد الله في كتابه (الشعر القصة المسرح) يقول عن عبد الولي (أوضح ..ان محمد عبد الولي يصل في اختياره لهذه القصة إلى مرتبة جوركي فكلاهما يعالج نفس القصة وان كنت اعتقد ان قصة وكانت جميلة لا يمكن ان يكتبها الا من كان قد عاش حياة عبد الولي ومعروف ان جوركي اديب عالمي والربط بينهما لا يدعونا لاغفال الفوارق الموضوعية بين فنيهما واحب ان انوه ان قصة جوركي في واقعها وقضاياها تختلف كل الاختلاف عن قصة وكانت جميلة والتي تصور واقعا يعرفه كل الناس في اليمن ..كل ما هنالك ان محمد عبد الولي بفكره الثاقب استطاع ان ينقل الينا اكبر قضية شغلت اليمن في تاريخه الحديث مع الاختلاف الواضح بين اسلوب وطابع ومضمون القصتين) - الاستاذ محمد صالح حيدرة علل هذه النقطة من زاوية اخرى :- بدا محمد عبد الولي متأثراً بأدب جوركي وتشيخوف اللذان يمثلان المذهب الواقعي فقد كرَّس أدبه على أساس هذا المبدأ الإنساني عبر النظرة الواقعية للحياة ، وللواقع للضرورة.. - غير أن منهج محمد عبد الولي اقتصر على تصوير الأشياء بما يعني التحريض ضدها.. وهو نقده للواقع ، وتعريته وافتقاده للميزة الأخرى وهي التبشير بالمستقبل لا يعني أنه لا يفقه ما يريده ، لأنَّ نقد شيء تعني ضمناً أن هذا الرفض ينطلق من رؤيا للبديل) - في روايته صنعاء مدينة مفتوحة تفنن عبد الولي في تصوير غشم السلطة الامامية وعدائها للمجتمع وعبر عن سخطه لشخص الحاكم من خلال شخصية البحار الذي يدخل قلاع الامامة الظالمة ـ بيت عامل زبيد – وقد كان البحار في السادسة عشرة انذاك ونجح في معاشرة بعض حريم البيت في انتقام اخلاقي.. قصورهم تفضح نفسها بانحلال نسائها ، لقد اخذ البحار في النهاية ما اراد ثم ولي هاربا عبر البحر منتصرا برجولته على تسلط الامامة - يقول احد النقاد "حسبنا أن نقول ان صنعاء مدينة مفتوحة عمل واقعي ، مكتمل النضج ، وقطعة أدبية زاخرة بالمشاعر ، جسدت بعمق ونفاد طابع الصراع الاجتماعي والسياسي في المجتمع اليمني في الحقبة الأولى من حقب النضال السياسي المنظم ضد الامامة ، كما جسدت بامتلاء شخصياتها وتنوع مصائرها ، توق الشعب اليمني عامة إلى كسر سجن الطغاة وبناء عالم افضل. - محمد عبد الولي هو رائد القصة الحديثة في اليمن ولم تكن صفة الرائد التي تلحق باسمه دائما اعتباطية أو من باب إضفاء الألقاب على من لا يستحقها وانما كانت تقريرا عن حقيقة يعترف بها الجميع فقد كان محمد عبد الولي القاص الأول ورائد هذا الفن دون منازع فهو الذي وضع الأسس الحديثة في هذه البلاد لكتابة قصة ذات افق جديد في اسلوب القص وفي التقاط معطيات الواقع من خلال رؤية فنية ولغوية توحي أكثر مما تخبر وتتعامل مع الرمز من أرقى مستوياته. - تحولات تقنية ، وفنية بدأت تأخذ طريقها فيما بعد إلى هذه الكتابات ، وكأنها تبشر بالحداثة الجديدة ، بدخول تقنيات سردية حديثة إليها نحو : الاستفادة من البصريات السينمائية كما في قصة طفي لصي لمحمد عبد الولي . -،لقد كشف الناقد والاديب الألماني جونتر الكثير من الرموز الغائبة في نتاج عبد الولي السردي ما اكسب كتابه حضورا لجمهور اكتشف من خلال سطور الكتاب نصوصا ابداعية كتبها معلم في فترة تعتبر من اشد وافقر واجهل فترات اليمن -لا يخفى على المهتمين تأثر الأديب عبد الولي بالاتجاه الواقعي ونلمس ذلك من خلال نتاجه الأدبي، يكشف لنا الكثير وذلك بفضحه للواقع البائس للشعب اليمني سواءً في المدينة أو القرية الأكثر بؤساً. -كما انه قدم أيضاً في الكثير من أعماله الأدبية صورة المرأة اليمنية والتركيز على معاناتها في المجتمع اليمني والتي يعتبرها بمختلف منازلها امرأة فاضلة. * |
تابع...... تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 58- صنعاء مدينة مفتوحة محمد عبد الولي اليمن -لعل القاسم المشترك لكل ه اعمال عب الولي دون استثناء معاناة الشعب اليمني حيث يرسم من خلالها صورة بالغة القتامة ، إلا أنها شديدة الواقعية عن مجتمعه. - محور قصصه هي الغربة عن الوطن والاغتراب داخله. - في (صنعاء مدينة مفتوحة) نتعرف على نعمان، محمد مقبل، الصنعاني، هند، فتاة الجبل، فاطمة، وهي شخصيات رسمها بعناية ومهارة شديدتين وكأنها تتحرك أمامك، بل إنك تشعر أنك تعرفها وربما صادفتها من قبل، تشترك كل هذه الشخصيات معاً في بناء هذا النسيج الذي يخلق الرواية. - فنعمان مثلاً وهو الشخصية المحورية في العمل لا تستطيع الحكم عليها من الوهلة الأولى، فالانطباع الأول غير كاف، وبالتالي فإن الحكم على الشخصية لا يأتي من خلال هذا الانطباع وإنما من خلال سلوك الشخصية وكلامها وثقافتها وآراء الآخرين فيها فماذا نجد في نعمان؟ - نعمان شاب في الخامسة والعشرين من العمر – كما يصفه الكاتب وهو قريب من عمره – لا ندري من خلال الرواية ماذا يعمل في عدن ولا في قريته إلا مزارعاً أحياناً مع ذويه، فهو ابن عائلة فلاحية، جرب الحياة في المدينة (عدن) وعاد إلى الريف ثم عاد إلى عدن، نجده يشعر باغتراب عن أهل قريته، وهو غير راض لا عن أخيه سيف الذي سلبه فاطمة ولا عن أهل بلده. - هذا الاغتراب الذي يعيشه نعمان يفسر تنافر الحالة النفسية للفرد مع العرف الاجتماعي الذي أصبح جزءاً خالصاً للمفهوم الجديد للإنسان الذي تحدد على يد “روسو” و”غوتة” كما يرى د. أحمد الهواري في كتابه “البطل المعاصر في الرواية العربية”. - ونعمان هذا يبدو غامضاً، في ماضيه سر، يعيش بمعزل عن المجتمع ، وعندما وجده الناس هكذا حاولوا استدراجه إلى حياتهم بأن جلبوا القات ليمضوا الوقت معه إلا أنه بدل أن يشاركهم تركهم وصعد إلى الجبل. نراه يتحدث بين وقت وآخر عن أن هؤلاء الناس بلا زعيم بلا تنظيم لكن أفقه الأيديولوجي لم يتحدد بالضبط. - إن شخصية نعمان شخصية نامية تلتصق بالأحداث تؤثر وتتأثر بها، وإذا كان نعمان بطلاً للرواية، فذلك لأنه يحمل على كتفيه فكر الرواية، فالبطل لا يظهر إلا متى اهتزت القيم والبطل هنا ليس المنتصر، فالمهم ليس تحقيق ما يهدف إليه وإنما المهم شرف المحاولة. - وإذا كانت المسرحية في جوهرها حوار، فإن الرواية في جوهرها السرد الذي يشكل مع الوصف والحوار واللغة النسيج الروائي. وقد يختلط علينا الوصف مع الرواية، ولكن يمكن القول إن السرد حركة، أما الوصف فهو سكون، والسرد حيلة يلجا إليها الروائي لإيهام القارئ كي يجعله يقع تحت تأثير ما يريد قوله. ففي رواية (صنعاء مدينة مفتوحة) بدأ محمد عبد الولي روايته (تساءلت كثيراً قبل أن أكتب إليك) وتنتهي الرواية ولا ندري لمن بعث رسائله هذه، إذن هي حيلة لجأ إليها ليقص علينا روايته وليجعلنا نصغي إلى سرده. - إن الروائي الذي يحمل أفكاراً يحاول إيصالها إلى القارئ إلا أنه لا يقولها بشكل خطاب، أو تعاليم، بل يختار لها هندسة معينة محببة ولا بد له أن يوازن بين البناء الفكري والفني والشكلي، يحدثنا نعمان في بداية الرواية عن حياته في الريف يستخدم بعض أساليب السرد، فاستخدام أسلوب الرسائل التي تشبه اليوميات وهي تقنية سردية نشأت في وقت مبكر مع نشأة الرواية. - فاليوميات أو الرسائل تعبر عن طبقة متعلمة تمتلك وقت فراغ تمارس فيه هوايتها وهي الكتابة عن أحداث مرت، وهكذا بدأ محمد عبد الولي روايته بكتابة رسالة غير أننا نجدها ليست رسالة تقليدية، بل هي متحررة من قيود الرسائل التقليدية وتتحرر أكثر فأكثر لتتحول إلى رواية. - كما استخدم أيضاً التذكر والذي يتم عادة من خلال المفجر ويقصد به الموقف الذي يفجر ذكرى تعيد الشخصية إلى أجواء تلك الحادثة، ففي مشهد جنازة بنت الجبل السمراء يتذكر لقاءاته المتعددة بها والأوقات الجميلة التي قضياها معاً، - كذلك استخدم محمد عبد الولي الحلم وهو وسيلة يلجأ إليها الروائي هروباً من السلطة أو الأعراف الاجتماعية حيث يلتمس عذره في أنه في حلم وليس في واقع تختلط أحياناً مع أحلام اليقظة، ولعل الرؤيا التي مر بها نعمان في آخر العمل ورؤيته لهند وزينب وفتاة الجبل السمراء كانت نوعاً من هذا الحلم. - وإذا كان الحوار مهما في المسرحية، فهو لا يقل أهمية في الرواية حيث يقوم بدور المفسر والممهد لأحداث وقعت أو ستقع فضلاً عن أن القارئ يكتشف من خلاله ثقافته الشخصية وعمقها أو سطحيتها فبين نعمان وفتاة الجبل السمراء يدور الحوار التالي: نعمان: لا بد إذن أن حياتك صعبة نوعاً ما؟ الفتاة: إن حياتي ليست صعبة فأنا أعمل في الأرض والبيت وأجد لقمة العيش دائماً، كذلك أجد ملابس من أخي أو من والدي، أما زوجي فأنا لم أعد أهتم به لأنه لا يهتم بي (ص 23) هذا الحوار يرسم لنا أبعاد الشخصية المحدثة، ظروف* حياتها، معيشتها، سلوكها مع زوجها، وهذه هي وظيفة الحوار في الرواية. - أما الوصف فإن الروائي يعمد إليه ليشرك القارئ إشراكاً غير قسري بالعمل والوصف، كما قلنا غير السرد، ففي هذا المقطع على لسان نعمان صورة وصفية “وانطلقت بي السيارة تاركة خلفها محمد مقبل يرفع يده مودعاً ورأيت الوادي أمامي من جديد بأشجار النخيل وأراض زراعية مكسرة وجثث حيوانات على ضفتي الوادي” (ص 36). - أما المكان فإن لا بد أن يلقي بظلاله على الشخصية والحدث معاً، فقد تجول عبد الولي في ربوع اليمن وتحدث عن الريف والمدينة، الريف والعلاقات بين أهله والمدينة وحياتها وساحلها الذهبي وليالي الصيف الجميلة وغيرها، وانتقل إلى زبيد وعلمائها الذين تبخروا، وعن صفائها ومآسيها غير أنه لا يرى في بلده إلا “زريبة للحمير” (ص 37). -إنه يتألم لحال وطنه فيصفه بهذا الوصف ويتمنى أن يرتقي مثل باقي البلدان التي زارها وعاش فيها، -كما صور المقهى بأسلوب جميل ورسم صوراً رائعة لروادها وكذلك الميدان والسوق. -لقد أغنى الرواية بأسلوبه الجميل بصور كانت قاتمة إلا أنها رسمت بفنية عالية. -أما الزمن عند عبد الولي فإنه باستخدامه أسلوب الرسائل جعل الأحداث تروى في الزمن الماضي، إلا أن ذلك لا يمنع من تداخل الأزمنة مع بعضها البعض، فالرسائل تذكر الصنعاني وتذكر البحار وهي قص من الزمن الماضي إلا أنه يتداخل مع الزمن الحاضر، فتذكر البحار حين يقول “كانت زبيد منارة للعلم منذ عرف اليمنيون العلم (ص 56)، ثم يقول “داخل الأسوار ينام الناس ويأكلون ويذهبون للصلاة ليؤدونها دون حماس، ثم يعودون ليناموا” (ص 57). -والمرأة عند محمد عبد الولي كانت على الدوام الملجأ والواحة التي يحط الرجال عندها وينشدون الراحة، هذه الراحة التي تثمر بعد الوصال، فينتشي الرجل ويكبر زهوه بنفسه، وهو ما يتساوى فيه الفقير والغني على حد قول أحد أبطال العمل، فنساء الرواية وإن كن مختلفات في التفاصيل غير أنهن كن الملاذ دائماً، فهند زوجة نعمان لم يعرها اهتمامه غير أنه كان يشعر بالاطمئنان معها، وحزن أشد الحزن لفقدها، فتاة الجبل السمراء امرأة محرومة من زوجها لأربع سنوات وجدت سعادتها مع نعمان ووجد نعمان سروره معها، زينب امرأة صغيرة تبذل المستحيل لإرضاء نزوات نعمان يصفها فيقول “جسد تتمدد فوقه كل طبقات بلادنا وها أنا ذا آخذ دوري” (ص 77)، فهل زينب هي الوطن أم هند التي يقول عنها “كانت تعمل في صمت وتنام في صمت وتبتسم في صمت كانت مثل أرضنا شابة وخطها الشيب سريعاً” (ص 74). -لقد كان في نعمان الكثير من محمد عبد الولي الذي أفاده تنقله بين العديد من الدول زائراً ومقيماً مما منحه هذا التنقل حرية أكبر في التعبير بعد أن استوعب من تلك المجتمعات ما يفيده في عمله الروائي، إلا أنه ظل مخلصاً لبيئته ومجتمعه وعبر عنهما اصدق تعبير وما زالت كتاباته إلى الآن تثير حفيظة الآخرين. -إن أدب محمد عبد الولي يستفز في القارئ مكامن سباته مثل إلقاء حجر في بركة ماء ساكن لتفضح عما في داخله، - مات عبد الولي وظل أدبه يذكرنا بقيمة الإبداع التي تخلد صانعيها. |
تابع ....والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم - 58- صنعاء مدينة مفتوحة محمد عبد الولي اليمن - في رواية "صنعاء ... مدينة مفتوحة" المحظورة بعد ثلاثين عاماً على صدورها . محمد عبدالولي يكشف مراحل كئيبة من تاريخ اليمن السعيد* - ما برحت قضية "الوليمة" اليمنية كما سمّيت قضية رواية "صنعاء... مدينة مفتوحة"، تثير سجالاً سياسياً ودينياً وخصوصاً بعيد الشروع في محاكمة الصحافي سمير رشاد اليوسفي الذي أعاد نشر الرواية في الملحق الثقافي الذي تصدره جريدة "الجمهورية" ويشرف هو على تحريره. - والرواية المحظورة هي من عيون الأعمال الروائية في اليمن وكان أصدرها الروائي اليمني الراحل محمد عبدالولي في مطلع السبعينات. - ولعل ما كتب عن قضية الرواية من مقالات وشهادات وبيانات كاد يطغى على الرواية نفسها وعلى الروائي الراحل. - صنعاء حلم الحالمين، وهاجس الأدباء، صنعاء هي التاريخ... هي الحضارة، صنعاء هي الحياة والدفء: هكذا يراها الكثيرون، فهل كانت هذه صنعاء محمد عبدالولي؟ أم كانت له صنعاؤه؟ - كلمات ثلاث عنوان روايته "صنعاء... مدينة مفتوحة" كلمات عميقة دلالات أعمق، كلمات تفتح أمام الباحث آفاقاً واسعة في البحث... منفتحة على ماذا؟ مفتوحة أمام كل من يدخلها؟ مرحبة بالجميع، لا تغلق أبوابها في وجه أحد؟ مفتوحة على العالم حضارياً... اقتصادياً؟. ترى هل نجد هذا المعنى عند الولوج الى عالم الرواية؟ أم نجد شيئاً آخر؟ أم أن ثمة معاني أخرى يكتشفها القارئ كلما تمعن في قراءة الرواية؟ - تبدأ الرواية في القرية لا في صنعاء، و"نعمان" - أحد أبطال الرواية - يكتب أول رسالة لصديقه، ذلك الصديق الذي تعلم منه معنى الصداقة، تعلم من كتبه التي تركها له أشياء كثيرة كان يجهلها. - فالقرية بالنسبة الى نعمان غير صالحة للحياة، فهي "مقبرة الأحياء" ومكان تعشش فيه الخرافة "حكاية نزول المطر". ولكنها - أي القرية - رمز الحب الصادق النقي "فتاة الجبل السمراء". والقرية مكان جميل للتأمل والهدوء والبعد عن كل الناس، هي تلك العلاقات المتشابكة والتي لا يستطيع أي شخص أياً كان، الهروب منها. يظهر ذلك في عملية إنقاذ الناس من تحت الأنقاض بعد كارثة المطر التي أصابت القرية. القرية هي الأصل، ففيها أبوه وأمه، وفيها زينب حبه الأول، وكان أصر على الزواج منها على رغم معارضة الجميع. -لكن "نعمان" يتوق الى العودة الى عدن، على رغم شعوره بالغربة داخل قريته لاختلافه عن أهلها، لكنه على رغم كل هذا يشعر بحبه وارتباطه العميق بهذه الأرض / القرية: "وداعاً يا قريتي... وداعاً يا زوجتي... وداعاً يا كل أحبائي. لن أنساكم مهما كان بيننا... لأن المأساة الكبيرة تجمع بيننا". - غادر نعمان القرية الى عدن، الى مقهى "الحاج علي". فهل كانت عدن أحسن حالاً من قريته؟ كلا: "الحياة في عدن فقدت جمالها وفقدت سحرها. لقد أصبحت ميتة". أصبحت عدن في نظر نعمان ميتة مثلها مثل قريته التي سبق أن وصفها بهذا الوصف. - عاد نعمان الى عمله متحمساً أكثر من قبل، لأنه أصبح على عكس ما سبق يعي مسؤوليته أمام عائلته وكذلك أمام قريته التي تركها تغوص في الأوحال خالية من الزرع شبه خالية من الحياة بعد أن جرفت زرعها ومدرجاتها وبعض مواشيها السيول وهي كانت مصدر شقاء للقرية لا مصدر خير. - كان مقهى "الحاج علي" يضم الكثير من الناس، كل له مأساته وأسراره. والى جانب نعمان كان الصنعاني الغامض الحاقد بحسب وصف الرواية له. وكان البحار ذو البشرة السمراء، وكان هناك آخرون، كان الصنعاني لغزاً محيراً لنعمان لكنه في احدى الليالي وأمام الحاح نعمان ينفتح ويعرف نعمان حكايته، حكاية "صنعاء... مدينة مفتوحة". - كان الصنعاني يحلم - شأنه شأن كل يمني - يحلم في امتلاك دكان ومنزل وأن تصبح ابنته الوحيدة دكتورة، أو أي شيء آخر، لكن المحنة تلف صنعاء فجأة ويبيحها الإمام للقبائل بعد فشل ثورة 1942. أباح كل شيء وأصبحت صنعاء ملكاً للآخرين الذين أتوا لنصرة الإمام، فأحرقوها ونهبوا كل ما تقع عليه أيديهم وقتلوا ما استطاعوا. كانت دكان الصنعاني من ضمن الدكاكين المنهوبة وكذلك كان بيته، والأبشع كان قتل زوجته وابنته الوحيدة، الأمل الوحيد للصنعاني بعد أن فعلوا بزوجته ما فعلوه..... - هنا يتبدد الحلم، ويفقد الصنعاني صوابه ويخرج. يأخذ بندقية أحدهم، ويقتل كل من تقع عليه عيناه، غير مبال، يقتل لمجرد القتل، ثم يترك المدينة ويرحل، لا يعرف الى أين؟ أو ماذا يريد؟ - حلم الصنعاني لا يختلف عن حلم عبده سعيد في رواية "يموتون غرباء" لكن الفارق أن الأول يحلم ولا يحقق شيئاً، بل يقضي الإمام على كل أحلامه البسيطة، والثاني يحقق على صعيد الواقع للآخرين كل ما أراده لنفسه، لكنه لم يعش هذا الحلم ولم يتمتع به بل زوجته وابنه هما مَن تمتعا به، والكاتب ربما يريد القول انهما اللذان يحلمان وهما اللذان يجنيان ثمرة أو ثمار هذا الحلم. - والكاتب وفي كل أعماله يدين الهجرة على أنواعها ويعتبرها خيانة للأرض وللوطن وهي - أي الهجرة - عدم فهم للواقع، هروب يعمق المأساة... وهذا ما شعر به الصنعاني أخيراً. - فبطل الرواية "نعمان" وعلى رغم ما يظهر عليه أحياناً من شطحات فردية، يقيم علاقات حميمة بينه وبين القرية وبين زوجته وفتاة الجبل السمراء. وهو يربط بين جمال هذه الفتاة وجمال قريته "سمراء بلون الأرض". إنها علاقة حميمة بالمكان، بالناس. فهو شديد الارتباط بأصله وشديد الاعتزاز به: "... إن هذه الأرض لن تنفصل عنكم مهما هربتم منها. إنها جزء منكم تطاردكم ولا تستطيعون منها فكاكاً، أنتم يمنيون في كل أرض وتحت كل سماء". - يشفق على المرأة ويرثي حالها التي لا تختلف بؤساً وشقاء عن حال اليمن، وكأن واقع اليمن يجسده واقع المرأة، فهي تكبر فجأة وتشيخ قبل أوانها كزينب زوجته التي أحبها "أصبحت الآن عوداً يابساً... على رغم انها لم تتجاوز الخامسة والعشرين... عجوزاً كأنها على أبواب قبرها، إنها منهكة مريضة". - وغالباً ما يربط الكاتب بين الأرض والمرأة: "كانت الأرض تبدو كعجوز... تحطم كل شيء فيها وبانت الأخاديد على وجهها... كانت مثل أرضنا شابة وخطها الشيب سريعاً... حتى الأشجار التي كانت تزين مدخل القرية قد تحطمت بفعل الرياح". هذه هي حال القرية بعد أن حولتها السيول والرياح الى قرية محطمة مهددة بالمجاعة وبعد أن جرف السيل الزرع والثمار وبعض الماشية. وعلى رغم هذا فحكام الإمام لا يرحمون ولا يبالون بمأساة القرية وما آلت اليه الحال، فهم يرسلون عساكرهم لجمع الضرائب وفرض الزكاة. - وعندما ينتقل الكاتب ببطل روايته الى عدن فهي ليست أحسن حالاً من صنعاء المدمرة التي استباحها الإمام، لقد أصبحت شبه ميتة، ومعظم العمال أصبحوا من دون عمل والبؤس يظهر على وجوههم وملابسهم، بعد أن فصلوا من أعمالهم نتيجة تظاهرهم ضد المستعمر الذي كان يتحكم في كل شيء. واذا كانت صنعاء وكل قرى الشمال تعاني ظلم حكم الإمام، فإن عدن كانت تعاني من المستعمر الانكليزي، فكلاهما يعيش مأساة ويعيش واقعاً مراً. - لا يقف الكاتب عند واقع صنعاء وعدن والقرية، بل ينتقل الى مدينة أخرى، الى مدينة كانت احدى القلاع العلمية في اليمن، تلك هي مدينة "زبيد". لكن زبيد لم تعد زبيد وأهلها أصبحوا خارج العصر لما أصابهم من جمود وتخلف بعد أن كانت "زبيد منارة للعلم منذ عرف اليمنيون العلم وظلت قروناً شعلتها... مآذنها القديمة وبيوتها ذات البناء التاريخي.... هناك خارج أسوار المدينة... تلك الأسوار التي صدت عن زبيد غارات المتوحشين وحفظت لها شعلة العلم هي الأسوار التي صدت عن المدينة تدفق شعاع العلم الحديث". فالأسوار هنا رمز للجمود والإحاطة التي أصابت اليمن أثناء حكم الإمامة. ويمضي الكاتب في وصف حال الناس، وكيف اصبحوا يعيشون على ما تجود به المقابر، يصلّون ويأكلون مما ينفقه الأغنياء على موتاهم وخصوصاً في الأعياد والمناسبات. والمحنة التي أصابت مدن العلم في اليمن، أصابت أيضاً المتعلمين والمثقفين، وأصبح التعليم نقمة على صاحبه، وقادهم "علمهم ذلك الى غياهب السجون". اصابت المحنة زبيد وطلاب العلم وجعلتهم يعيشون في فقر مدقع بعد أن كانت زبيد تستقبل طالبي العلم من كل أنحاء البلاد: "أين الأرض يا بني... أين الأوقاف... التي أخذتها الحكومة... بدعوى أنها ستتكفل بكل شيء فذهبت الأرض. وذهب العلم.". هنا تكمن المأساة: استولى آل حميد الدين على البلاد واستأثروا بكل شيء لأنفسهم وقضوا على أماكن العلم وحولوا طالبي العلم وسكان المدينة الى شحاذين. والكاتب وهو يمضي في وصفه محنة زبيد وما آلت اليه، لا ينسى المرأة، فهي "تشارك الرجل في كل شيء. حتى تشرده". وهنا عرف البحار حال المدينة والعلم، وأدرك من كلام الفقيه الذي أحبه، أنه اذا أراد البقاء في المدينة وأراد أن يتعلم فما عليه إلا أن "يعمي بصره... حتى لا يكشف حقيقتهم لكي يستطيع أن يعيش". لكنه رفض هذه الحياة وهذه العبودية بعدما أصبح له مكان في بيت الحاكم ومكان آخر في بيت عامل الإمام. رفض حياة العبودية بعد أن رأى نفسه يحقق للآخرين ما يريدون في مقابل أن يعيش ويتعلم بعد أن رفض "من قبل عبودية العمل في دكان ليقع الآن في عبودية... المرأة". وحال مدينة "الحديدة" أكثر بؤساً من زبيد، ما إن يطل عليها البحار وتقع عليها عيناه حتى يراها تحترق والناس يصيحون ويهرولون، ولا يستطيعون فعل شيء: "لا أمل. ولكن أتحترق المدينة كلها؟... فتعود الرؤوس تهتز مرة أخرى... من قال ذلك؟". هذه هي حال مدن اليمن كما وصفها الكاتب وهذا هو التقسيم الاجتماعي السائد: أغنياء وفقراء، والفقراء لا حياة لهم فهم شبه أموات، لا يحس بهم ولا يهتم لوجودهم أو مأساتهم أحد. يعود بنا الكاتب وعلى لسان "نعمان" الى عدن وقد زادت الأوضاع سوءاً وزادت أحوال الناس تعقيداً، خصوصاً بعد إغلاق الكثير من الشركات بحجة إفلاسها، وطرد العمال، وتحول الناس الى أكوام تتكدس في الحانات والمقاهي والشوارع، لا عمل لهم سوى الفراغ والتأمل في المجهول، ومن هؤلاء العمال الذين طردوا من أعمالهم الصنعاني ونعمان: "عدنا الى الضياع من جديد". تغير نعمان بعد أن عاد من قريته وأدرك للمرة الأولى مدى ارتباطه بالقرية، فالقرية له هي الحلم الذي سيولد، والأمل - الحقيقة الذي ينتظره كل اليمنيين. أما عدن "فلا شيء سوى جسد ميت بلا قلب، مجرد آلة كبيرة تلتهم الناس والجبال والمعادن". هكذا أصبحت عدن بعد أن استباحها المستعمر، واستباح كل خيراتها وثرواتها، واستباح معها التحكم بأرزاق الناس وأعمالهم. طالت يده كل شيء، ووضع يده على كل شيء، أمام هذا الفقر والضياع وهذه الحال التي وصل اليها جميع من في المقهى من عمال. فكر نعمان بالعودة الى قريته التي تركها، وترك فيها زوجته وهي تضع أول مولود لها وماتت فيها. هي تلد طفلها الأول، أول مولود لها، وفيها أيضاً ماتت محبوبته فتاة الجبل السمراء، تلك الفتاة الجميلة التي سحرته بجمالها. ويعود الصنعاني مع نعمان الى الشمال وكان نعمان وهو فوق السيارة يتذكر تلك الأغنية الصنعانية الحزينة. يقول الصنعاني: "ماه يا نعمان شانعود الى صنعاء...؟" نعم يا عزيزي سنعود الى صنعاء... - "ماه شايقولوا علينا مزفرين؟". فالعودة من عدن الى صنعاء تعني أنك مزفر، وكلمة مزفر باللهجة الصنعانية تعني "مطرود". وعندما يصلون الراهدة يعكر صفوهم وفرحهم بالعودة ذلك العسكري الذي يلتقيهم عند باب الجمرك "ماه أنتم مزفرين؟... نحن عمال كنا ضد الاستعمار... وقهقه البغي... عتعملوا إضراب ضد مولانا الإمام عيوديكم حجة". هذا هو استقبال صنعاء لهم: عسكري يسخر منهم ويهددهم بالسجن إذا حاولوا أن يثوروا ضد الإمام مولاه. يسمعون هذا الكلام وهم عند أول جمرك بين الشمال والجنوب في ذلك الوقت. كان الصنعاني وهو في الطريق يفكر بعودة البحار ومحمد مقبل، لكن نعمان كان على العكس: "ليس هناك فرق". عند نعمان لا فرق بين بقاء البحار ومحمد مقبل في عدن أو عودتهما الى صنعاء. كلها أرض اليمن. وإذا استطاع أي شخص أن يفعل شيئاً ضد الاستعمار في الجنوب أو الإمامة في الشمال فذلك هو المطلوب من كل يمني. محمد عبدالولي لم يكن يرى اليمن مجزأً أو منفصلاً. فصنعاء هي عدن وعدن هي صنعاء. إذاً فصنعاء محمد عبدالولي هي كل اليمن، هي ذلك الهم الكبير الذي كان يشغل نعمان والصنعاني والبحار... فصنعاء هي مدينة المدن، مدن العلم كزبيد، والمدن الساحلية عدن، الحديدة وهي كل قرية يمنية تعيش جهلها وصمتها وفقرها وكابوس عساكر الإمام. وهي صنعاء المدينة الحزينة، مدينة الحلم والجمال وكلها مستباحة من عساكر الإمام وحكامه. ومحمد عبدالولي يعتبر من أكثر المثقفين اليمنيين إيماناً بوحدة اليمن، فهو لا يعترف بشمال وجنوب، واليمني هو اليمني في كل أرض وتحت كل سماء. وهو لذلك يجسد الوحدة في تنقل الناس بين مدن اليمن وتعايشهم مع بعض من دون أي مشكلات، بل يقيم بين الجميع على مختلف مشاربهم ومناطقهم علاقات حميمة وودودة. لم تظهر في صنعاء... مدينة مفتوحة أي نعرة أو خلاف تنفي ما أراده الكاتب في تعميق أو ترسيخ مفهوم وحدة اليمن. ولا جدال في أن محمد عبدالولي استفاد بدقة من المرجعية التاريخية والاجتماعية لتصوير مرحلة هي من أشد المراحل ظلماً وتخلفاً في حياة اليمنيين، وانعكاساتها على مختلف مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية. هذه هي صنعاء محمد عبدالولي وهذه هي اليمن كما رسمها وصوّرها الكاتب في تلك الفترة. ترى لو عاش كاتبنا المبدع الى الآن، ماذا كان سيكتب عن صنعاء؟ وماذا كان سيقول؟ وكيف كان سيراها؟... |
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 59- غرناطة رضوي عاشور مصر - هذا الكتاب يتحدث عن معاناة هذا الشعب الأندلسي المسلم "الموريسكيين" إبتداء من سقوط غرناطة عام 1492م وحتى طرد بقايا هذا الشعب المنكوب من إسبانيا عام 1608م - الكتاب بمجملة يتحدث عن فترة ما بعد سقوط غرناطه ..وهويجعلك تتعايش بسلاسة مع أحداث مابعد السقوط .. لأن سقوط غرناطه عادة كان يكتب عن حياة الملوك والأمراء هناك حين سقطت .. - لكن هذا الكتاب يتحدث عن الناس كيف أستقبلوا الخبر وعاشوه ..وكيف عاشوا السنين وهم يقاسون الظلم والترهيب .. وكيف أن ملوك الإفرنجه منعوااللغة العربيه ومنعوا الأسماء العربيه ومنعوا جميع العبادات والتقاليد الإسلاميه .. وكيف أنهم في رمضان وقت المغرب يمنع عليهم إغلاق أبوابهم بل تبقى مفتوحه حتى يتأكدوا الحرس أن الشعب العربي لا يصوم رمضان .. - كتاب رائع وقليل فيه كلمة رائع ..في مجمله رائع ويحرك المشاعربعنف نحو تلك البلاد .. - بل وأيضاً يجعلنا نتأمل حالنا الآن .. فمثلاً .. في بدايه السقوط .. وكيف أنهم يكرهون الإفرنجه .. لكنهم يأخذون ابناءهم لحفلات الإفرنجه في مواسمهم .. حتى يتسلى الأطفال .. فهم يحاولون أن يتقربوا منهم ويدخلوا بهم والحفلات إحداها ..حيث أن حفلات الإفرنجه حفلات متكلفه وبها حركات يقوم بها الجنود والفرسان وبعض الفرق .. فتشد الانتباه .. - الرواية تتحدث عن اتجاهات عدة .. وحديث النفس المؤلم في الشخصيات ..وإنقلاب المفاهيم عند البعض .. واليأس عند البعض الآخر من من ضعف إيمانهم وإقترافهم الذنوب ..الحب والحرب واليأس والهجروالحرق .. تجدونها في الروايه .... بشكل لا يتكرر - فريدة النقاش قالت عن الرواية "حين ينتهى المرء من قراءة ثلاثية غرناطة لا بد أن تعتريه قشعريرة في الروح. - ثلاثية غرناطة هي ثلاثية روائية تتكون من ثلاث روايات للكاتبة المصرية رضوى عاشور و هم على التوالي : غرناطة ، مريمة ، الرحيل . - على غرار ثلاثية نجيب محفوظ التى إنفردت وتفردت في تاريخ الرواية العربية جاءت هذه الثلاثية للكاتبة (رضوى عاشور) التى صاغت كلماتها كسلاسل من الذهب، وامتدت أحداثها على صفحات الكتاب دون ظهور نغم نشاز او موطن ضعف ينحدر بالرواية من مكانها الرفيع إلى ما هو أدنى منه، - ولكنها ثلاثية لم تدر أحداثها فى أزقة وحوارى القاهرة القديمة ولم يعش أبطالها فى عصرنا الحديث، وإنما تدور أحداثها فى دروب ودهاليز التاريخ الإسلامى وبالأخص فى فترة وحقبة زمنية كالجرح الغائر فى جسد الدولية الإسلامية.. فترة سقوط المسلمين ودولتهم الأندلسية تحت نير وسياط ملوك و أمراء الغرب المسيحى - وإنها رواية تقص علينا أنباء هؤلاء البشر الذين طحنتهم عجلات الحروب والحياة والسر. هؤلاء الذين كانوا أعزاء وذلوا وأسياد إستعبدتهم محن الدهر.. هؤلاء الذين سكنوا غرناطة وثلاثيتها. |
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 59- غرناطة رضوي عاشور مصر -الثلاثية رحلة الإنكسار و الذل فى آخر عهد المسلمين فى غرناطة و الأندلس رحلة التهجير و التنصير و محاكم التفتيش و التعذيب و القمع و الذل و الهوان - رحلة بنعيشها مع عائلة أبو جعفر بداية من حياتهم فى غرناطة قبل السقوط حتى تهجيرهم خارج الأندلس - بتعيش أقسى الأوقات مع سليمة و لحظة حرق الكتب و حرقها هى شخصياً - حاول أثناء القراءة ان تغالب عقلك فى المقارنة بين الواقع الذى نعيشه و بين الماضى فى غرناطة حتى لا تعجل بموتك غماً حكام ظلمة و فجرة مستضعفون يُذلون فى بلادهم يُحاربون بسبب هويتهم و دينهم - الرواية بإختصار ملحمة روائية تاريخية لا أكثر ولا أقل و غير قابلة للوصف - رواية رائعة....بتحكي تاريخ الاندلس من بعد سقوط غرناطة،و حياة اهلها في ظل الحكم القشتالي. - اكتر حاجه عجبتني انها ركزت على افراد اسرة واحدة، و جابت حكاية كل واحد فيهم، و من كتر الرابط تحس انك واحد من العائلة دي. بتتوجع زيهم مع كل مرسوم ظالم ينزل. - في البِدايَة الروايَة تأتيَك مُقَسمة إلى ثُلاثَية تبدأ مِن ( غرنَاطة وهُو الجُزء الأطول، مَريمة ، الرحَيل) تتنَقل مِن خِلالهَا في عوالِم غُرنَاطة وسُقوطِها المَرير، مِن خِلال التعَايُش مع أربعَة أجَيال، تبدأ بـ الورّاق أبو جعَفر وتنتهَي إلى حفَيدهِ عليَ إبن بنت بِنت ولدهِ سليَمة وإبن ولد ولد ولدهِ حَسن - هَذهِ الروايَة تأتَي أحَداثَها لِتُربِكك، وتُبكَيك ألف مَرة .. حينَما ترسُم لكَ رضَوى صُوراً مِن حَرق الكُتب والمصَاحِف، أو الترحَيل الجَبري، أو السجن القسَري .. والقهَر الأبَدي لِمُسلمَين عاشَوا حَيثُ أندلُساً وغُرنَاطة الحمَراء ! - درامَية الأحَداث رائِعة، تستحِق وقتك الذَي تقضَيه بين دفتيّها، ذكَاء الكاتِبة في سَير الأحَداث .. المَوت، الزواج، الوِلادة، الرحَيل، الإغتِراب، التذمُر، البُكَاء، الأمَل، السجَن، الإعدام، التنصُر، الهُجرة، كُلهَا جَاءت بِشكل رائع ولافِت .. رُغم تذمُري مِن موتِ فُلان أو رحَيل فُلانة ! - أظُن إن الكاتِبة استطَاعت أن تجعَلنا نعَيش بين أهل غُرنَاطة (100) عَام لِنشعُر بِألمهم، مِن خِلال أُسرة أبو جعفَر وأحفادِه وما يُقاسُون مِن آلام الطردِ والتعَذيب مِن "القشتاليين" القذرُون ، وعُمق الوصَف حَتى لأدق الأشيَاء وكأنكَ ترى الأحَداث مُصورة مُما أجَبرني أن أُنهَيها سَريعاً ! - السَرد الروائي رائع جِداً، الحِوارات مُذهِلة، القِصة مُقنِعة ... وبِكُل تأكَيد أن النهَاية مُبكَية ! - أعَيبُ عليهَا الشركَيات التَي وقعتَ فيها، والسُؤالات الوجوديَة الخَانِقة والقُنوط واليأس مِن الله الغَير مُبرر والذي أزعجَني كثيراً! - بكَيت جِداً حينما جعَلت "أبو جعفَر" حينما رأى حَرق الكُتب والمصَاحف يمُوت مُلحِداً ويائساً مِن الله؛ وهُو الذي عَاش مُسلماً يخَدم الإسلام والمُسلميَن بِتغليف كُتبهم وحِمايتَها ! - وكَذلك بعَض الأوصَاف الجِنسية التي لمَ أجِد لوجودِها حَاجة بل عاى العكَس شوهتَ سيَاق النَص. - رواية أكثر من رائعة... و أنت تقرأ هذه الرواية تعيش الأحداث بأدق تفاصيلها و كأنك أحد أبطالها - الذل و المهانه و قلة القيمة و الاستفزاز جمعت معاً في هذه الرواية لتذرف الدموع و انت تقرأ ,, - اعترف بانها رواية قاربت علي الكمال ( و الكمال لله ) و لكنها الحقيقة . -أي أندلس هذه أندلس المسلمين في أوروبا أم فلسطين بحادثاتها منذ بدايات القرن الماضي؟ - أبدعت د. رضوى عاشور في وضع التاريخ بقالب جميل سلس مشوق ما أن تبدأ القراءة لا تستطيع أن تترك الكتاب. تتنقل بين الشخصيات وبين الأحداث بكل سهولة. - التفاصيل التي تسردها القصة في غاية الجمال والدقة تقرأ وكأنك تشاهد صورا حقيقية. تبدع في التصوير وكأنك تشم الرائحة وتشعر بدرجة الحرارة وتتذوق طعم المأكولات. - تسير بك الرواية في تسلسها الزمني كنهر يجري في الزمن اذا نظرت اليه تظن ان شيئا فيه لا يتغير في حين أن كل ما فيه يتغير وكذا فعل الزمن بكل شخصيات الرواية من أبو جعفر ونعيم وسعد الى هشام وعائشة. - تنوعت الابداعات في الرواية فطرقت بعضا من أبواب النفس البشرية وتنوعها، عادات الناس وطبائعهم وانعكاسها على حياتهم. دخلت في بعض التفاصيل المعمارية الجميلة فتحدثت عن بيوت وحمامات واسواق. تحدثت عن شيئا من الدول وصعودها وسقوطها. طرقت شيئا من علاقات المدن والشعوب وتبادلاتها. - طرحت د.رضوى تساؤلات عبر شخصياتها عن محظورات النقاش في العالم العربي خصوصا تساؤلات حول الله وحول الموت والحياة. - واخيرا وصفت وبعمق أحداث ذلك الزمان وأظهرت بشكل عميق وواعي الصراع على السلطة والمال الذي لبس ثوب الدين وذلك في الجزء الاخير من خلال أحداث محاكمة سليمة. - أعجبني وبشدة تركيزها على أن العداء الأكثر قسوة هو العداء للكتب بما تمثلة من مخزون حضاري وأن الأنتصار الأكبر هو الانتصار للكتب والمحافظة عليها. قالت الرواية بشكل واضح وقوي أن من يكره الكتب هو الطاغية الظالم وأن من يحبها ويحافظ عليها هو المنتصر الحقيقي وان أُحرق. - تبدأ الكاتبة هذا الجزء بحلم فيه أملهم يريدون النصر وعودة عزهم وكرامتهم ثم تكون الحقيقة. أقوى حقيقة خلقها الله وتموت مريمة. - أبدعت رضوى عاشور باظهار قوة المرأة وقدرتها على التحمل ووفائها. مريمة حافظت على أبو هشام وربت علي وتقبلت نعيم واعالت الجميع. مريمة ذات اليد الخضراء صاحبة البستان المورق الشذي. - مريمة الصبر والحكمة - كما في كل الرواية ابدعت في الوصف والتنقل بين الاماكن وبين الازمنة. - يقول مالك بن نبي الفيلسوف الجزائري "عندما تغيب الفكرة يبرز الصنم" وتؤكد رضوى عاشور على هذه القاعده في هذا الجزء والجزء الذي يليه حيث ابتعد الزمان بعرب الاندلس عن العقل السليم لكثرة تعرضهم للتجهيل والتعذيب والمصائب من كل الاشكال والانواع فباتوا يتعلقون بحبال الاحلام والتمني وباتوا يثقون بالتمائم اكثر من ثقتهم بالبشر. - الابداع الكبير في كل هذا انهم لم يتنازلوا ابدا عن حق المقاومة لم تُنسَ في اي مرحلة او تحت اي ظرف توارثوها جيلا عن جيل وان دفنت في بعض الاحيان او أخفوها في الاقبية وفي الدهاليز الا انها كانت حاضرة كما الكتب في عين الدمع او في صدور الكبار. - كان من الرائع استخدام الكاتبة لعلي بن هشام وتوظيف هذه الشخصية من الطفولة الى نهاية الرواية بما مثلة من صواب وخطأ وجهل وتعلم وثبات وتنقل وصداقات وعداوات. - في الجزء الاخير من هذه الثلاثية قطعت الراوية في نهايتها علاقتنا الحسية بالاندلس فليس بعد علي نسل ولا جيل جديد ابقته وحيدا بلا خلف ورحل الجميع الى المغرب. ولكنها أبقت المدن والقرى وابقت غرناطة والبيازين والقرى المهجورة والقرى العامرة التي هجرها العرب في لحظات الرواية الاخير. ابقت ما هو منتج وممتد أبقت الزيتون بما يمثلة في وجداننا من الأمل. وابقت الكتب ميراث العائلة ميراث العرب في الاندلس مدفونة في صندوق العائلة الاندلس في ارض البستان البستان الاندلس في البيازين بيازين الاندلس في غرناطة غرناطة الاندلس. - ابرز ما شدني في هذا الجزء هو أن الجهل قطعا يؤدي الى الظلم والظلم قطعا ماحق وأشد ظلم هو ظلم المظلوم للمظلوم ففي حكاية كوثر اعلان واضح لكل ما يعيب الحياة من خطأ الاخت وحملها بالزنا الى معالجة الاهل للخطأ بقتلها وجنينها الى تقولات أهل القرية الى وشاية كوثر وفضحها الامر الى رجال الديوان حتى ضياعها ثم قلتلهم اياها. - أخيرا لم يفت هذه المبدعة في هذه الرواية أن تربط الاندلس بالقدس بكل وضوح واصرار ولم تكن الرسالة عابرة تلك التي ربط القدس المحررة في زمن الاندلس المحتلة ولم تكن الرسالة عابرة تلك التي ربطت القدس المحتلة بالاندلس المحتلة. والجمال كل الجمال كان في ترك الاسئلة مفتوحة لنا نحن لنجد لها الاجابات. - روعة في الأسلوب .. تسلسل ممتع في الأحداث - تأريخ لفترة نهاية العرب في غرناطة بدرجة جيد جدا باختصار .. بداية ممتازة مع الدكتور رضوي - في واحدة من اروع الاعمال الادبية التي قرأتها تتالق الكاتبة في وصف حقبة تاريخية مهمة في حياة العرب و المسلمين بالاخص فهي رواية عامرة و زاخرة باحداث تاريخية الكثير منها متناسى في كتب التاريخ فهي في رأي حقبة سوداء في تاريخنا نظرا لتقاعس الدول العربية عامة و الاسلامية خاصة في تقديم العون لمن يقع عليه الظلم سواء داخل او خارج بالداننا و الاغرب انه حتى الان يحدث ذلك. - هي (مئة عام من العزلة) ولكن في الأندلس - أحببت موضوع الرواية .. لا أجد من الرويات التي تربطنا بالتاريخ الا القليل منها - وما زادها جمالاً هو لغة الكاتبة .. رائعة و سلسة .. لا تنتهي جملة الا وقد احتوت على بلاغة وفصاحة تعطر القلب بهما - اللغة الرائعة قد تشفع للكاتب زلات عديدة .. - مع كل هذا لازالت الشخصيات عالقة في عقلي .. كأنني عايشتها وعايشتني في الواقع .. - لا ادرى ما الذى دفعنى لقراءتها والانتهاء منها فى ليله واحده - اهو حنين غامض الى صفحات منسيه فى تاريخنا الاسود ام رغبه دفينه فى مقارنتها مع الواقع الاسود الذى نعيشه ولكن المهم اننى برغم انفى وجدتنى اقارن بينها وبين الواقع فالاسبان او القشتاليين هم كل حاكم ظالم يفرض ارادته على شعب مسكين والشعب المسكين رضى بذلك فيستحق الذى يجرى له فالحاكم الظالم يتشابه فى اسلوبه ويختلف فى ظواهره واتفق كل ذلك مع خوف دفين داخلى من احداث مجتمعيه تجرى الان فى ارض الواقع فاقول ما الذى يمنع الحاكم الظالم باسم الدين من فرض ارادته الظالمه ولا اقول انه سيكتفى بفرض الظواهر كالخجاب مثلا ولكنه سيتعدى الى ما غير ذلك ليجعلنا عبيد لارادته المستتره باسم الدين لا اعلم اهو خوف مبرر له اسبابه ام مجرد هوس ووسوسه لا اعلم ولكن المهم انها روايه ساحره تجعل دموعك تخادعك وتذرفها حزنا وحوفا روايه دمجت بين التاريخ والحبكه الرائعه فى لوحه فنيه خالده ومبدعه تجعل من المستحيل اندثارها والطريف فى الامر انى قرأتها بعد البيت الاندلسى لواسينى الاعرج فزاد جرحى الما وذرفت دموعى بكثر - كانت أول لقاء مع رضوى عاشور ومن ثم أصبحت الكاتبة المفضلة لدي غير أنها جعلتني شبة مهووسة بتاريخ الأندلس . - سحبني قلمها فانشغلت أدعو للعرب المسلمين في غرناطة الأندلس وعندما أفقت من سكرة الكلمات أدركت أن الأندلس أصبحت إسبانيا ولم يعد هناك لا غرناطة وﻻ البيازين ولا عين الدمع.. - رواية تؤرخ للمآسي التي ذاقها أهل الأندلس على يد القشاتلة بعد أن سلمها أبو عبد الله الصغير لهم.. ستسحبك الرواية لتعيش المآسي ابتداء من حرق المكتبات وانتهاء بحرق الأهالي وتنصيرهم قصرا وترحيلهم من ديارهم ستشعر أنك فرد من العائلات الأندلسية في غرناطة وأنك تسكن حي البيازين حيث دارت أغلب أحداث الرواية هناك. - شدني اوي كلام الأصدقاء عن الرواية قوتها وجمالها، بقيت مشدودة ليها ولاحداثها السريعة بتفاصيلها بأجيالها المتعاقبة اللي رضوي عاشور ابدعت في الوصف فيها ، عرفت تحسسنا بمشاعرهم ومعاناتهم، عن قوة ايمانهم وثقتهم في ربنا ان النصر قريب، وللاسف مستننين نجدة العرب اللي عمرها ما جت - ثلاثية غرناطة مثال راائع للرواية التاريخية العميقة اللي تزودك بكل المعلومات التاريخة اللي محتاجها من غير ما تزهق ولا تمل. - الرواية بها تكلف في اللغة وتفهمت رضوى في ذلك تريد أن تجاري البيئة الاندلسية ومن قرأ الطنطورية وبعدها الثلاثية يستغرب من قدرتها اللغوية في الانتقال بين البساطة وبين الرصانة لكن انا وصفتها بالتكلف لأنها لم تستمر في ذلك ، ضعفت لغتها في الفصول اللاحقة . - الملاحظة الثانية وهي استخدامها للأساليب والتقنيات السردية الحديثة قد يفيدها في بعض المواقف ويكون لصالحها لكنها لم تفلح في ذلك ففي الفصل الذي اعلنت في نهايته حرق البطلة "سليمة" وانتقلت نقلة زمنية كبيرة في الفصل الثاني لدرجة التشتيت، أين نحن وماذا حدث وأكرر قد يكون في صالحها في سبيل التشويق لكن كان ضدها لانها لم تستطع بعدها السيطرة على تبعيات هذه النقلة الزمنية ، تشعر انها لا تستطيع اعادة ربط الاحداث ، وعند استعادتها فهي غامضة ومبتورة . - الشيء الجميل في اسلوب رضوى سواء في الطنطورية او هذه الثلاثية ، أنها تحكي قصة عائلة بسيطة وعادية وتداعيات الحرب وتأثيرها عليها بشخوص يمثلوننا في طموحنا وآمالنا وأفكارنا وهكذا تكون أقرب للنفس. - فهي لا تكتب كتاب تاريخي ولا تشرح الاحتلال من كافة جوانبه هي تشرحه من خلال تأثير تلك الظروف على العائلة العادية ، هذه نجمة لصالحها . - كما ألفت كتابات رضوى عاشور.... فيض من الشجن وحزمة وافرة من المشاعر... لا أجد وصفا يعطى الرواية حقها.. ولعل أفضل ما يصفها هو قول الكاتب الكبير د. جابر عصفور: "غرناطة رواية المقموعين، حيث يصبح مجرد البقاء على قيد الحياة بطولة فى عالم عدوانى يقمع تاريخاً كاملاً" - بكيت كثيراً أمام فصولها المختلفة، مذ بدأت القصة بأبي جعفر الوراق ونعيم وسعد الذين كانوا أطفالاً صغاراً حتى انتهت بحفيدهما علي الذي بقي شاهداً أخيراً على حقبة أخرى من حقبات ذلك الزمن..!! - بكيت كثيراً وشدّتني تلك الرواية على ما فيها من وجع واقعي وتاريخ عظيم ومؤلم.. كم هي موجعة لحظة سقوط البلاد!! - بعد أربعة أيام متواصلة من القراءة راودتني أمنية مستحيلة، هل لتلك الأيام أن ترجع لأعيش يوماً واحداً في غرناطة وأتأملها وأتأمل حياة أهلها الزاخرة، وأطوف الأندلس وبلادها الرائعة وأجول البيازين وعين الدمع وقرطبة والجعفرية والصنادقية وقطالونيا وشاطبة وطليطلة واشبيلية والمرية وغيرها وغيرها.. - لقد كانت رضوى أكثر من رائعة في وصفها الدقيق لكل الشوارع والحارات والحمامات والبيوت والأشياء حتى الصناديق الصغيرة!! - لقد جلت الأندلس وتخيلت غرناطة وعشت في البيازين لأربعة أيام متواصلة دون ملل أو كلل، لكني أيضاً عشت الحرب وذقت ويلات الترحيل وفرض التنصير وموت الأحبة.. وسقوط البلاد وضياع اللغة!! - كانت رحلتي مؤلمة بقدر ما هي جميلة.. لكنها كانت رحلة رائعة بحق!! - إن الفرصة التي منحتني إياها رضوى لتخيل كل ما وصفت كانت تفوق كل الأشياء،، لكن الحسرة في قلبي تظل قائمة لأني لم أحظَ بفرصة العيش في ذلك الزمن ورؤية ومعايشة كل ما وصفته..!! - رواية أكثر من رائعة، ممتعة وجميلة وصادقة وقوية التعابير |
تابع ..... والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 59- غرناطة رضوي عاشور مصر - لقد تجاوزت الكاتبة “رضوى عاشور” في ثلاثيتها السرد التاريخي التقليدي للأحداث دون أن تتوقف عن السرد لحظة واحدة. -ولعل هذا هو سر نجاح هذه الرواية، فهي كما يقول علي الراعي: “تجعل حقائق التاريخ تنتفض أمامنا حارة دافقة”. - قضت رضوى عاشور جزأً مهماً من حياتها متنقلة مابين أسبانيا وبريطانيا وأمريكا. ولعل هذا ساهم إلى حد كبير في إثراء مخيلتها الخصبة بصور واقعية لشخصيات الرواية، وأوصاف دقيقة للعادات والأحوال السائدة في تلك الفترة، وذلك بجانب ماتتمع به من أسلوب لغوي بالغ الروعة. - إن الرواية برغم رمزيتها التي لا تخفى عن المتمعن، لتغوص بالقاريء في أدق التفاصيل للحياة اليومية للناس في تلك الفترة، حتى لكأنك تشم رائحة الفطائر المقلية في زيت الزيتون (وهي ما يطلق عليها الآن في شمال أفريقيا “السفنز” أي الأسفنج لشبهها به)، وحتى كأنك تتذوق معهم الكسكسي المزين بلحم الظأن، وحتى لكأنك تجالس أبا جعفر الوراق منذ اللحظة التي رأى فيها في بداية الرواية تلك المرأة الغريبة العارية تنحدر في إتجاهه من أعلى الشارع وهو يغطيها بحرامه الصوفي الأبيض بينما هي ماضية في طريقها دون أن تأبه لأسئلته المتلاحقة لها من هي وما أسمها ومن تكون وأين دارها إلى أن يبتلعها الطريق المنحد. - ولعل هذا هو البعد الرمزي الأول في هذه الرواية، فماكانت تلك المرأة إلا غرناطة ذاتها أو الأندلس برمتها، وقد تعرت من كل عزها ومجدها وشرفها وإنحدرت بعد علوها إلى أن إختفت من على وجه الأرض تماماً، كما أختفت تلك المرأة العارية، التي رآها أبوجعفر في حلمه الذي أرادت الكاتبة أن تجعله بداية الرواية وتقدمه للقاريء وتبديه له كأنه حقيقة. - وهي تستمر في إتباع هذا الأسلوب على نحو يبدو منهجياً خلال الراوية كلها. - فيبدو لك أنه يتناهى إلى مسامعك طقطقة النار المشتعلة في الحطب وفي جسد سليمة الصامدة وهي مرفوعة الرأس، وقد تغلغل في شعاب ذاكرتها المتقدة بالأحداث كما النار المشتعلة في جسدها، فيخيل إليك أنك تراها وهي تلتهم الكتب مند نعومة أظافرها، وتراها وهي تسابق الريح منحدرة من حارة البيازين مع حسن أخيها سعد ونعيم اللذين كانا يعملان عند أبيها ثم صارا كأفراد من العائلة، وتراها تراقب بشغف لاحدود له أولئك القادمين لتوهم من العالم الجديد “أمريكا” وقد صحبوا معهم الفواكه الغريبة والذهب والعبيد الجدد يتقدمهم قائد الرحلة الإستعماري الأهداف “كولومبوس”.. - ثم تتبدى لك سليمة وهي تجري التجارب في طموح لا يندمل فتستخرج الأدوية وتعالج الناس وتصير من طبيبات غرناظة االمعروفات إلى أن يقبض عليها بتهمة الشعوذة وممارسة السحر الأسود والإنتماء سراً إلى الإسلام، حيث أن كل المسلمين الذين بقوا أحياء أجبروا إبان تلك الفترة على إعتناق الكاثوليكية والتسمي بأسماء مسيحية قشتالية، ومن وجد يمارس أية شعيرة من شعائر الإسلام، يقدم للمحاكمة ويقتل حرقاً بالنار، هذا طبعاً بعد أن يتعرض إلى أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي تحت إشراف الآباء والقسيسين والرهبان، على نحو لم يعرف التاريخ له مثيلاً. - وقد نقلت الرواية طرفاً صغيراً من محاكمات التفتيش مصورةً ذلك النقاش البائس الذي كان يدرور بين القضاة بخصوص سليمة، كما نقلت ذلك التوجس الرهيب الذي كان يعاني منه المسلمون بعد أن سلموا غرناطة، وتلك الإجراءات المتعسفة التي ظل يتخذها القشتاليون ضد المسلمين برغم أنهم أضطروا لإعتناق المسيحية والتسمي بأسماء قشتالية وممارسة كل الطقوس الدينية المفروضة عليهم فرضاً بقوة القانون وسطوة السيف. - لقد تسنى لي قراءة هذه الرواية وأنا في رحلة من أثينا إلى أمريكا إستمرت عشر ساعات كاملة. وتابعت من مقعدي في تلك الطائرة اليونانية المنطلقة فوق المحيط الأطلنطي سعداً وقد توغل في لحظة غضب في شعاب الجبال لينضم إلى الثوار المسلمين الذين إعتصموا بالجبال وظلوا يغيرون على المدن القريبة لينالوا من القشتاليين بقدر مايستطيعون، وإذا بسعد يتحول إلى واحد من أبرع المهربين للأسلحة والعتاد إلى الثوار في قمم الجبال، ويغيب تماماً عن غرناطة إلى أن يوقع به، ويعذب عذاباً رهيباً قبل أن يسلم إلى غرناطة ليشهد بأم عينيه زوجته سليمة وهي تلتهما النار. وتابعت نعيماً الغارق في الحب مع كل غادية يراها في أزقة غرناطة أو على حافة نهر أو في وجه إمرأة يافعة مقيدة اليدين والكاحلين مع العبيد الذين جلبهم كولومبوس معه من أمريكا، إلى أن يطوقه الحب فيرتبط بواحدة من نساء تلك البلاد الجديدة بعد أن تبع سيده القس الذي هاجر إلى أمريكا ليكتب بعض الكتب هناك. وتابعت حسناً الذي فقد بناته الخمسة بزواجهن بعيداً عنه إلى إخوة شباب من عائلة مسلمة كانوا من المرضي عنهم، ثم غضب عليهم حكام الأندلس الجدد فشردوا بهم، ومعهم شرد ببنات حسن اللاتي لم يرهن بعد ذلك، وخسر خانه، وصار قعيداً كسيحاً. فينتقل المشهد منه سريعاً إلى زوجته مريمة القوية السريعة البديهة والتي تتماسك إلى النهاية برغم المحن والألم والحزن، حتى تموت وهي على ظهر حفيدها “علي” الذي كان يحملها دون أن يدري أنها فارقت الحياة أثناء الرحيل الجماعي القسري لكل المسلمين القدامى وأبنائهم وأحفادهم، الذي أمر به حكام غرناطة. ماتت “مريمة” والدموع لم تزل رطبة في مآقيها. وتتراءى حياتها لي وأنا أقرأ الرواية فأراها وهي في بيت أبيها المنشد لقصائد المديح، ثم في حضن أم جعفر جدة زوجها حسن الطيبة القلب، ثم تصير صديقة حميمة لسليمة التي صارت تحثها على القراءة والتعلم. ثم أراها في بيتها في حارة البيازين وبيتها في عين الدمع، حتى أكاد أسمع حركة يديها وهي تعجن فطائرها وتحملها كل صباح لتبيعها وتعول حسناً ونعيماً وحفيدها الطفل النامي “علي” إبن إبنها وإبن بنت سليمة وسعد. علي الذي استبدت به الرواية عن قصد لتجعله عقيماً بلانسل، وحيداً بلا أحد، غريباً بلا أنس، مثله مثل غرناطة أو الأندلس ذاتها. -إذا كانت مريمة هي الرمز لكل أولئك الذين ماتوا في الأندلس المفقودة، فإن علياً هو الرمز لكل أولئك الذين تعذبوا طويلاً ثم ذابوا في الخضم الجديد. عاش بعيداً عن أبيه، الذي انضم إلى الثورة مند مطلع شبابه، وفقد أمه وهو صغير، وفقد الجميع وهو صبي، وأحب حين أحب طفلة يواربها باب بيتها، ليظل طيفها يراوده طوال حياته، لتتراءى له في شخص طفلة أخرى وهو في مكتمل رجولته، فلايمنحها إلا الإهتمام من بعيد والحلم بنهاية هو يعلم أنها لن تحدث. وشرد به وطاف هنا وهناك، وسجن وأخذت منه أملاكه ووقع على بيعها حين لم يبعها، لينتهي به المطاف في الجعفرية، ثم مختاراً أمام البحر ليقرر البقاء في الأندلس مخلفاً البحر وراء ظهره وينسل إلى الداخل بين أفواج البشر الغادين هنا وهناك. ليذوب وحيداً من غير نسل داخل تلك الباسلة التي صارت شيئاً غير الذي كان. لقد كان علي وأحلامه الغير مشبعة هو الرمز لأولئك الرجال والنساء الذين ذابوا في الحياة الجديدة كما يذوب الملح في آخر الأمر في الماء. - لقد بينت الرواية كيف تشبت المسلمون بكل ما تبقى لهم من دينهم، وكيف وقفوا صادمين برغم الحيف والظلم والقمع الذي أحيق بهم بعد أن تم إبتلاع “غرناظة” من قبل القشتاليين…غرناطة أجمل بلاد الدنيا في ذلك الوقت..وآخر معاقل المسلمين في الأندلس. - وبرغم بعض الهنات، مثل الشك الذي عصف بإيمان أبي جعفر، ثم بسليمة إبنته، بشكل لايتناسب مع قوتهما وصلابتهما. - ومثل فقر الرواية من الحوار الآخر، فنحن نرى القشتاليين ونسمعهم من خلال أعين الغرناطيين المسلمين، فبإستثناء ذلك الحوار القصير بين القضاة القساوسة الذين حاكموا سليمة، تكاد تخلو الرواية من تصوير الحياة على الجانب الآخر عند القشتاليين. - كما أن الرواية تكاد تخلو من الإسقاط المكاني الذي كان من الممكن أن يوظف بشكل جيد، فبإستثناء ذلك السرد الرائع لذلك الحاج الغرناطي الذي وصف لزواره الأماكن المقدسة وصفاً رائعاً دقيقاً أعتقد أن الكاتبة بدلت فيه جهداً خارقاً لتأتي به على هذه الصورة، كما وصف لهم القاهرة في تلك الفترة وصفاً جميلاً أخاذاً لابد أن الكاتبة إستعانت فيه برسومات وكتب ومعلومات لتأتي به على هذه الصورة التي تشعر القاريء وكأنه قد مضى إلى ذلك الزمن الغابر ورأى عياناً كل تلك الأشياء. - أقول والكمال لله وحده، أن الرواية كان من الممكن أن تستخدم إسلوب الإسقاط المكاني بنقل صور وأحداث متزامنة في المشرق الإسلامي، لتحاول مثلاً أن تفسر لماذا تقاعست الخلافة العثمانية وهي في أوج قوتها في ذلك الوقت عن نصرة المسلمين في الأندلس. - برغم كل ذلك وغيره، إلا أن رواية ثلاثية غرناطة للكاتبة المصرية رضوى عاشور هي رواية جميلة العبارة، جانحة الخيال، مفعمة بالصور، مزدانة بالألوان، شاذية بالروائح وممتلئة بالحركة والنشاط. - إنها رواية تأخذ بقارئها وتعبر به حدود الزمان والمكان، - وهي تعد الأولى من نوعها التي حاولت تجسيد هذه الفترة التاريخية شديدة الأهمية من تاريخ المسلمين في الأندلس على هيئة رواية أدبية متكاملة وليس على نحو سرد تاريخي مطبوع. - عندما كانت الطائرة تستعد للهبوط في مطار نيويورك، كنت أطوي الصفحة الأخيرة للرواية، وكان يروادني شعور أنني بالفعل كنت هناك أجوب أزقة حي البيازين القديم وأتذوق طعم الملح في رذاذ البحر المتراطم على شفتي، وأنا أرقب علياً وهو يذوب مثل الملح في أفواج البشر الذين كانو ينطلقون في كل إتجاه حتى إختفى تماماً عن ناظري، مع آخر صفحة من صفحات الرواية، وأنا ألملم أوراقي لأستعد لمغادرة الطائرة، أو الرحلة ذات الأبعاد الثلاثة. - ولقد كانت الرحلة في شوراع غرناطة العتيقة التي أخذتني الرواية إليها خارج حدود الزمان والمكان أمتع بكثير من الرحلة فوق المحيط الأطلنطي، غير أن الأولى إستمرت مئة عام والثانية لم تتجاوز العشر ساعات مند أن إنطلقت الطائرة من مطار أثينا. أي أنني عشت كل ساعة منها بعشر سنوات هناك. - إن ثلاثية غرناطة هي بلا شك رواية تستحق عناء قراءتها والتأمل فيها.. بل هي رواية لاتكلفك العناء أثناء القراءة، إنما تفرض عليك العناء فقط إذا فكرت أن تتركها قبل أن تنتهي من قراءتها من مقال : عبدالسلام محمد القطيط مجلة فيلادلفيا، درنة |
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 59- غرناطة رضوي عاشور مصر - من أول وهلة وحينا يتنقل المرء منّا بين صفحات هذه الرواية التراجيدية المثيرة تستحضرنا بلا ريب روح شاعر مخضرم من أبناء السودان الأبرار وركيزة من إحدى ركائز تاريخه سواء في نطاق الشعر أو في السياسة: هو الشاعر والسياسي المخضرم محمد أحمد المحجوب. كيف؟ لأنه في قصيدته "الفردوس المفقود" رثى، كما رثت رواية ثلاثية غرناطة، أمجادا لا تزال شاهدة على حقبة ذهبية من أهم حقب التاريخ الانسانيّ على الإطلاق. - يقولون أن المحجوب حينا كان مارّا بجنوب اسبانيا وهو على متن طائرة وكان في طريقه إلى بريطانيا، أنه بكى وزرف الدمع واستحضر ذاك التاريخ الشامخ الذي دونته رواية رضوى عاشور في ثلاثيتها الغرناطية ببراعة ودقة منقطعة النظير؛ - فالكاتبة كما الشاعر، يلتقيان في نقطة واحدة، هي نقطة الألم وبؤرة الأسى في ما فُقد من إرث لا يعود. - لقد صورت رضوى عاشور مألات هذا الانهزام ومآسي أهل الأندلس من العرب في جلّ مدنها، في غرناطة، أشبيليه، سرقسطة، مرسيا وبلانسيا، بيد أن قصيدة المحجوب عددت المآثر الأندلسية الضائعة وبكت عليها وأبكت الآخرين. انطلق الشاعر هاهنا ليشحن النفوس ويرفع الهمم ويحث على التأهب لاسترداد ما راح هباءا منثورا، وكم نحن في أشد الحاجة لهذه القوافي في زمن وصلت بلداننا فيه لأسفل سافلين. - وثقت رضوى عاشور لقضايا عديدة ومتباينة من أهمها شغف أهل الأندلس بالعلم والبحث والدراسة، فالكتاب كان سفرا مقدسا في كل أسرة، كما أبدع المحجوب في استحضار بطون القوافي الأندلسية ومَن ألهما هذا الصيت الذائع كولادة بنت المستكفي و الشاعر ابن زيدون وكأنني أرى هذا الأخير ينادي ولادة والأندلس في آن واحد، قائلا: من قراءة لمحمد بدوي - (صحيفة الخرطوم) |
والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية رقم 59- غرناطة رضوي عاشور مصر -تنقسم الرواية إلى ثلاثة أجزاء*: "غرناطة"، "مريمة" و "الرحيل" و هي تحكي قصة عائلة غرناطية ابتداء من الجد أبو جعفر إلى الحفيد الأصغر علي مرورا بمريمة. - تتناول الرواية التفاصيل اليومية و الحياتية لهذه العائلة والأشخاص المحيطين بها و الأحداث المتوالية التي تمر بها، من وفاة، زواج، ولادة، سجن، اغتراب.. دون أن تغفل الكاتبة عن وصف أحاسيس الشخصيات و نفسيتها و إكراهاتها و ربطها بالظروف الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية للأندلس إبان سقوطه. - استعملت الكاتبة هذه العائلة كرمز للأندلس بأسرها، و لذلك نوعت في أنماط الشخصيات التي تنتمي إليها. و ربما كانت حالات الوفاة المتتالية في الأسرة محاولة لتشبيهها بسقوط المدن الأندلسية واحدة تلو الأخرى. - في نهاية القصة لم يبق من هذه العائلة إلا علي الذي كان على وشك الرحيل من الأندلس، و لكنه اختار أن يبقى في النهاية. - الواية عبارة عن وصف مفصل للظروف الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الدينية لغرناطة قبيل و بعد الاحتلال القشتالي. - و وصف للظلم الذي كانت تعانيه الأندلس من طرف القشتاليين، الذين استباحوا القتل وهتك الأعراض، و حاولوا مستميتين تنصير المسلمين و طمس هويتهم و تخريب كل ما له علاقة بالحضارة الإسلامية كالكتب و المساجد.* - الأسباب الرئيسية لسقوط الأندلس لم تكن بالأساس سياسية، و إنما اجتماعية و نفسية أيضا. فبالرغم من أن بعض سكان الأندلس حاولوا الحفاظ على بعض المظاهر الدينية و على اللغة العربية و على الكتب التي كان القشتاليون يصادرونها و يحرقونها، إلا أنه في العمق، كان يوجد خلل في عدة جوانب. - اختلال العقيدة، و هذا يظهر مع مجموعة من شخصيات الرواية (أبو جعفر الذي أنكر وجود الله قبيل موته، سليمة التي ما زالت تبحث عن الحكمة من الموت و من كل المصائب التي تمر على غرناطة، علي الذي ما فتئ يتساءل عن رحمة الله و قدرته). - هناك جانب آخر ركزت عليه الكاتبة كثيرا ألا و هو الجانب الأخلاقي، فمعظم الشخصيات ارتكبت أخطاء دون أن تحس بفداحة الأمر، مثل الزنى، تضييع الأمانة، شرب الخمر، السباب، الكذب و الاحتيال.. - يظهر من الرواية أيضا أن الطقوس و الشعائر الدينية أصبحت مجرد تقاليد، فمعظم الشخصيات لم تتردد في قبول التنصير الشكلي و لم تحزن إلا على مظاهر الاحتفال في العيد و رمضان و طقوس دفن الموتى، و لكنها لم تهتم كثيرا لعمق الدين. - الاهتمام بالأمور المادية و المظاهر العمرانية أكثر من الجانب الروحي أو الإنساني )اهتمام أبي منصور بعمارة حمامه بينما هو يشرب الخمر، تزويج حسن لبناته من أسرة غنية معتمدا في اختياره على أساس مادي). انتشار الخوف و ضعف الهمة و الاستسلام و الخنوع للمحتل و محاولة التعايش معه، اللهم إلا بعض المحاولات للثورة و التي غالبا ما كان ينقصها الإيمان و الخبرة.[/right] - أسلوب القصة أسلوب أدبي راقي يتميز بمعجم لغوي غني و يجتمع فيه الوصف و الحوار بشكل متناغم و متقن، مما يجعل الرواية كقصيدة شعرية مكتوبة على شكل نثر أو سمفونية مؤلفة من كلمات ذات إيقاع موسيقي، إنها بحق رواية تطرب لها الأذن وينشرح القلب عند قراءتها. - يلاحظ قدرة الكاتبة على وصف* الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الدينية للأندلس إبان سقوطها من خلال عائلة غرناطية واحدة ينم عن ذكاء و تمكن و احترافية كبيرة. - بالرغم من الكم الهائل من الشخصيات في الرواية، إلا أن الكاتبة أعطت لكل شخصية حقها حتى يخيل للقارئ أن الشخصية تجسدت أمامه بكل تفاصيلها الجسمية و النفسية.* - تطرق الكاتبة لسقوط الأندلس بشكل غير تقليدي، فهي لم تتحدث عن الأمراء و الملوك و الخلافات بينهم و عن الأسباب السياسية، بقدر ما تطرقت إلى عامة الشعب، همومهم و أحلامهم و اهتماماتهم و علاقتهم مع بعضهم البعض و مع الله.* - المقارنة بين غرناطة و القدس كانت ناجحة، و خاصة تساؤل علي (الشخصية الرئيسية للجزء الثالث) عن الأسباب التي جعلت الأولى تسقط دون رجعة، والثانية ترجع لأيدي المسلمين بعد الحروب الصليبية. - الجرأة الزائدة في بعض المشاهد بين الجنسين، والتي أعتقد أنه لم يكن لها دور في إغناء الرواية و كان من الممكن تفاديها دون الإضرار بالسياق العام.* - الرواية رائعة و ناجحة بجميع المقاييس، أدبيا و لغويا و تاريخيا و اجتماعيا، وتدل على تمكن الكاتبة و خبرتها، و هي تستحق بجدارة كل الجوائز التي حصدتها. |
والان العناصر التي صنعت الروعة في رواية 60- دعاء الكروان طه حسين مصر - تحكى الروايه عن "آمنة" الفتاة الريفية التي تتمرد على العادات والتقاليد في صعيد مصر ، حيث تقع أختها "هنادي" في حب ذلك المهندس العازب الذي تعمل عنده خادمة ، ولكنه يعتدي عليها ويحطم حياتها ، وبالتالي تُقتل أمام أختها "آمنة" على يد خالها .. فتقرر "آمنة" ، بعد أن عاهدت نفسها مع دعاء الكروان في القرية ، الإنتقام لأختها من ذلك المهندس .. وهناك ، في منزل المهندس ، تحاول أن تنفذ العهد بالإنتقام ولكنها لا تقوى ، فقد تحرك قلبها وبدأ يميل نحو هذا المهندس ، إلا أنها تدوس على مشاعرها وترفض البقاء معه وتقرر الرحيل عنه ، حيث أنها تعرف بأن طيف أختها "هنادي" سيبقى حاجزاً بينها وبينه. -الروايه توضح لنا العادات و التقالديه المصريه القديه و كيف كانت الحياه آن ذاك . - ما زالت أصداء صوت الكروان تتردد على صفحات طه حسين رغم بعد الزمن، فكروانه الذي سطر من خلاله هذه القصة الإنسانية المعبرة عن حال المجتمع المصري في تلك الآونة، كروانه ذاك، كان رمزاً لأنثى تصدح بأحزانها عبر المدى، لا من مجيب سوى الصمت وترجيع الصدى والصمت. |
تابع ....والان العناصر التي صنعت الروعة في رواية 60- دعاء الكروان طه حسين مصر[/SIZE] [/right][/right][/RIGHT]- حين تكون خادمة ريفية بطلة لرواية أدبية عربية ذيلت نهايتها بسبتمبر من عام 1934 ،عندها لن يتكلف المتلقي جهداً في استشفاف ماهية هذه الرواية أو نهج سيرها الدرامي ، خاصة في ظل تلك السنوات البدائية من زمن التشكيل الأدبي الروائي العربي. - فمتلقي تلك الفترة ومهما تميز بالثقافة والاطلاع لن يذهب في تصوره لطبيعة الرواية أبعد من كونها تسجيل لكفاح شابة ريفية عانت من أجل الوصول إلى مستوى اقتصادي واجتماعي ما .. - أو كونها من تلك الروايات التي تحاكي مأساة الخادمات الريفيات تحديدا في التعامل مع واقعهن المر ... - ورغم أن روايتنا هذه حاكت بشكل أو بآخر أسلوب السيرة الذاتية إلا أنها لم تسجل تلك التطلعات البدائية في التعاطي مع شخصية نسائية عاملة ، - بل تعاطت الرواية مع سيرة مجتمع كامل بشخوصه المقموعة والقامعة ...كل يغزل الآخر بطابع واقعي تخللت الرومانسية كثير من مساماته . - من خلال تلك التشكيلة الزمنية - البعيدة بعض الشيء- جاءت رواية (دعاء الكروان ) للأديب (طه حسين) كإحدى إفرازات ذلك الزمن الخاص جدا والذي تمثلت خصوصيته بشخوصه وأمكنته ، فباتت مادة جيدة للتناول السينمائي بعد ذلك على يد المخرج (بركات) والكاتب (يوسف جوهر) حين قدما للسينما عملا يحمل العنوان نفسه. -تطرح الرواية بجرأة قضية الظلم الواقع على المرأة العربية والريفية خاصة ، في ظل مجتمع جاهل لا يرى في المرأة سوى أنها عورة لا بد من حجبها عن العالم ، - وقد تفوق الكاتب على ذاته الواعية والمثقفة حين استغنى عن نظرته الراقية للمرأة واستعارعين من ترى المرأة بصورة مخجلة ، ساعده في ذلك أنه عاش في يوم من الأيام ضمن هذه المنظومة الريفية ، - فتداعت له الصور وهو يكتب عن نسوة ظلمن في زمن الرجل . - أما الشخصية النسائية الثانية فهي (هنادي) الإبنة البكر لأمينة ، وهي فتاة قتلتها سذاجتها بعد أن غرر بها شاب مدني ومتعلم أوهمها - أو أنها من أوهمت نفسها- بمصداقية مشاعره تجاهها... وقد شكلت شخصيتها وما ارتبط بها من أحداث ، فرعا مهما من فروع الرواية التي تصب جميعها في مجرى المرأة المضطهدة ، التي وإن ساهمت بجهلها في ذلك الاضطهاد شكلياً إلا أنها وقعت في بؤرة القمع منذ ولادتها القسرية ضمن ذلك المجتمع الذي يراها جانياً لا مجني عليه . -رغم أن حدث قتل هنادي يعد من أهم أحداث الرواية ، خاصة فيما يتعلق بفاعليته وأثره على الشخوص الأخرى والأحداث التي توالت بعد ذلك ، إلا أن (طه حسين) ولمنطقيته في التعامل مع حكاية لم يرد لها الإنتهاء بجريمة قتل فقد اتخذ شخصية أخرى ( آمنة ) لتكون بطلة لروايته ... - تقود المركب بكيفية واحدة ونسق متجانس منذ بداية الرواية إلى نهايتها مع إعتمادها على تغيير وجهة السير أحيانا متكأة ضمنياً على حدث القتل كمفترق طرق يحدد وجهة سير المركب الروائي قبل وبعد ، باستخدام السرد كحل أدبي لهذا التنقل الذي أثر شكلاً وموضوعاً على طبيعة الشخصيات من جانب وطبيعة المكان – كعنصر مؤثر – من جانب آخر . - فعلى سبيل المثال بعد أن كانت شخصية (آمنة ) ساكنة أصبحت فاعلة بعد مقتل أختها ، وبعد أن غلفتنا أجواء الصحراء ( قرية بني وركان ) الممزوجة بالانكسار، إنتقلنا إلى أجواء المدينة المشبعة بمشاعر الحب والإنتقام والتي لم يرد اسمها في الرواية ، وبهذا يكون قد قدم لنا الكاتب الشخصية النسائية الثالثة ( آمنة ) والمرتبطة بالشخصيتين السابقتين ارتباطا وثيقا فعهدت مأساة أمها ( زهرة ) وكارثة أختها( هنادى ) لتتعاطف مع الأولى وتحزن على الثانية ، بل وتتجاوز ذلك الحزن فتصر على الإنتقام ممن شوه ملامح تلك الفتاة البريئة وأسقطها في هوة الخطيئة لتترك جثتها وجبة دسمة لحشرات القاع . - جميع هؤلاء النسوة دفع بهن (طه حسين) في مواجهة مجتمع ذكوري ، فالرجل هو الأب الذي لم يكتف بالتخلى عن مسؤولية عائلته بل أنه ألحق العار بها ، والرجل الأخر هو الخال الذي أصر على طرد نسوة ضعاف إلى أن ينسى أهل القرية مأساة زوج أخته الزاني - وإن كنا هنا نلاحظ لا منطقية هذا التصرف الذي لا يقوم به البدو أو أهل الريف ، خاصة مع نساء لا رجل معهن- ، أما الشخصية الرجالية الفعالة الثالثة فتتمثل في ذلك الوحش الوسيم الذي تسبب في ضياع شرف (هنادي) ، وقتلها من قبل خالها الذي عاقبها على ذنب هو مشارك فيه . - في ظل هذه المواجهة الطاحنة بين جنسين آدميين لا ثالث لهما (المرأة / الرجل ) ، نلاحظ أن الروائي لم يغفل أركان المعادلة الأخرى حيث عمل على موازنة الطرفين بالعديد من الشخصيات النسائية والرجالية كشخصيات مساعدة في سير الأحداث من جانب كما هو الحال بالنسبة لكل من :- 1- شخصية شيخ العزبة الذي وفر العمل بالنسبة لزهرة وبناتها ، الأمر الذي تسبب بعد ذلك في تطور أحداث الرواية . 2-شخصية (زنوبة) التي ألحقت آمنه للعمل لدى المهندس بناء على طلبها. - بالإضافة إلى دور بعض الشخصيات في التأثير على ملامح الشخصيات الرئيسية ( كما أثرت شخصية خديجة في تغييرالصفات العامة لآمنه التي تحولت من فتاة ريفية جاهلة إلى فتاة واعية ومطلعة ) ، مع الأخذ بعين الإعتبار أن وجود الشخصيات المساعدة عمل على بيان طبيعة الشخصيات الرئيسية من خلال الإفصاح عن مكنونها من منطلق الصداقة ، (ونجد ذلك واضحا في شخصية زنوبة التي ارتبطت بها آمنه لفترة معينة ) . - كما أن تنوع الشخصيات أمر مهم جدا بالنسبة للقارئ الذي يجد متعة في تعاطيه مع مجتمع كامل بكل معطياته ، - ورغم أن هذا التنوع لم يتحقق بشكل ثري في هذه الرواية إلا أنه ترك لمسة غنية خاصة حين نتنقل من منزل المأمور بطبيعته الراقية للبيت الذي اتخذته آمنه بديلا ً عن منزل المأمور، حيث نجد التباين في المستويين الاجتماعي والاقتصادي وبذلك تكون الحياة الواقعية – حينها – قد تحققت بجوانبها السيئة والجيدة . الوعي السردي بلسان فتاة ريفية - اتخذ (طه حسين) من اسلوب الاسترجاع السردي وسيلة تعارف بين المتلقي وأبطال الرواية ، حيث بدأت الشخصية الرئيسية ( آمنه ) بالحديث عن ماضيها الذي أدى بها لهذا الحاضر المحير الواقع بين كفتي رحى رغبة الحب والإنتقام . - نبدأ في التعرف على بطلة روايتنا (آمنه) كفتاة ريفية تنتمي لاحدى القبائل البدوية ، تعمل في خدمة مهندس الري في إحدى مدن الأقاليم الصغيرة الواقعة على أطراف مدينة القاهرة ، لكنها وإن كانت ظاهرياً تنتمي لتلك الفئة العاملة البسيطة إلا أنها - وكما أراد طه حسين - تمتلك شخصية مختلفة أهلتها للتكفل بمهمة الراوي الواعي الذي صاحبنا طوال صفحات الرواية بالسرد المحايد أحياناً ...والمبرر أحيانا كثيرة. - ورغم أن الكاتب لم يستغن ِ عن لغته الغنية المنمقة ، إلا أنه استطاع بشكل أو بآخر التغلب على صوته الذي تلاشى بين كلمات بدت كأنها نتاج مأساة حقيقة كتبتها (آمنه) لا غيرها .. - عزز من ذلك الملامح التي أسبغها( طه حسين ) على الشخصية مما ساهم في اضفاء هذا الإحساس على المتلقي في معظم صفحات الرواية ، فآمنة قارئة مثقفة تلقت كم من المعارف والخبرات نتيجة عملها في منزل المأمور لصيقة لابنته المتعلمة والتي كانت تلح في اشراكها في تلك الدائرة التى سرعان ما استهوتها ، فأصبحت (آمنه) تبحث عن الكتاب بل تتشمم رائحته التي قد تقودها إليه بكل سهولة رغبتها الملحة في الاطلاع ، فتستمتع بتصفح أوراقة بسرية تامة ( خاصة في فترة عملها لدى عائلة أخرى لها من الأبناء الدارسين في القاهرة ، الذين لا يستغنون عن كتبهم حين يقضون إجازتهم الدراسية ، وبفضلهم قد اطلعت آمنه لأول مرة على كتاب ألف ليلة وليلة ) . - هذا الملمح الذي جعلنا نقتنع باسلوبها وهي تروي مأساتها أو سيرة حياتها بلغة راقية ، وإن توقفنا لحظات أمام بعض الجمل البليغة جداً " أي حياة يموت فيها العقل أو يأخذه شيء كالموت "ص121 ، وفي وصفها لزواج المهندس بأنه خيانة منظمة " هو الآن ينظم الخيانة تنظيمًا " ص104 ، وفي موقع آخر وهي تصف تعامله معها " هذا الفتى يعرف حقاً كيف يكون شراء الرقيق "ص139 ، تلك الجمل وغيرها تحمل بين طياتها معان لا تصدر إلا عن وعي لا تمتلكه بالتأكيد فتاة بسيطة كآمنة ، وإن عانت في حياتها الكثير ، أو اطلعت وقرأت العديد من الروايات والكتب ، أو كما يحلو للبعض أن يحاجج في امكانية صدور مثل هذه الجمل عن آمنة ، كنتيجة طبيعية للغة المستخدمة آنذاك والتي تتميز بالبلاغة الشديدة ، إلا أن ذلك لا ينفي بشكل أو بآخر منطقية بقاء آمنه أسيرة ثقافة محدودة لا تقوى على الخوض في غمار الخبرة والفلسفة الحياتية بلغة لم يستطع طه حسين اخفاء صوته الجلي فيها ، والذي اخترق كل حرف من حروف تلك الجمل العميقة ، وقد تكون إحدى مآخذ الرواية وإن كانت لا تشكل خللا واضحاً فيها . - عمل الكاتب على تهميش بعض الأشياء من خلال التعميم في التعامل معها ، فمثلا بالنسبة للمدينة التي تجري فيها الأحداث ، مدينة مجهولة لا نملك عنها سوى معلومة بسيطة مفادها أنها احدى مدن الأقاليم ، وهكذا هو الحال بالنسبة للمدن أو القرى التي يأتي ذكرها على سبيل المرور بها أو الإقامة المؤقته خاصة في رحلة الأم وبناتها من قريتهن منبوذات أو العكس في عودتهن إلى المدينة بصحبة الخال . - أما بالنسبة لأسماء الشخصيات فعملية التعميم طالت بعضها ولعل أهمها هي شخصية المهندس الذي يلقب على لسان آمنه ( سيدي ) أو ( الباشمهندس )هذا إضافة لشخصيات أخرى مثل ( البيه المأمور ) ، ( شيخ البلد ) وصاحب المنزل الذي عملت فيه آمنه بعد هجرها لمنزل المأمور ، حيث أن الرواية ركزت في الملامح العامة للشخصية فقط على لسان ( زنوبه ) : " من أصحاب الثراء واليسر (....) وستجدين عنده سعة ويسراً ، ودماثة في الخلق ، وتبسطا في المعاملة "ص118 . - ولم يكتف الكاتب بذلك بل أنه عمد إلى تمييزه بأعم الألقاب ( فلان ) ، ولم يكن حال أولاده المتعلمين أوالجهلة أوفر حظـًا من والدهم ، فلم نتعرف على إسما واحداً لأي منهم . - ندرك بالتأكيد أن كاتبـًا عريقـًا كعميد الأدب العربي ( د.طه حسين ) على وعي تام بهذه الملاحظات خاصة فيما يتعلق بشق التعميم ،لكنه- وكما أرجح - قد اتخذ بعض المحظورات الذاتية التي فرضها على قلمه للوصول إلى صيغة روائية لا مجال لإحالتها على أمكنة بعينها لتصل بعد ذلك لأشخاص بعينهم ... فقد يكون لهذه الرواية أصل حقيقي لا يرغب من خلاله الكاتب التعرض ولو بالتلميح لمشاعر الناس وأحاسيسهم ، خاصة وأن الموضوع يتعلق بقضية الشرف والكرامة ! |
الساعة الآن 04:45 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.