![]() |
( خامسًا) كشف جديد يؤيد تقدير الأجل:
كان الاعتقاد السائد أن الخلايا الحية المستنبتة معمليٌّا قادرة على الانقسام بلا حدود، ولكن تبين مؤخرًا أن قدرتها على الانقسام محدودة، أي أنه بعد عدد محدود من الانقسامات تشيخ المزرعة الخلوية وتموت، ومن هنا ظهر الافتراض بوجود آلية داخل الخلية معنية بالتحكم في العمر عن طريق توقيف الانقسام وإفساح المجال لعمليات الهدم لتميت الخلية، ومن ثم عكف الباحثون على اكتشاف هذه الآلية المفترضة، ومنذ سنوات يسيرة اكتشف أن الجزء الأخير Telomere عند نهايتي كل فتيلة وراثية ( كروموزوم Chromosome) ينقص طوله مع كل انقسام وتضاعف منظومة صانع البروتين ( الحمض النووي DNA)، ووجد أنه يعمل كساعة أو عداد يحسب عدد الانقسامات ويقوم كذلك عند الانقسام بحفظ المادة الوراثية من التبعثر والاندماج الخاطئ، ويسمى الغطاء الطرفي End cap أو عداد التضاعف Replicoـmeter, ويمكن أن يسمى أيضًا عداد الأجل Longevity-meter لأن طوله إذا وصل إلى حد حرج يقف الانقسام وتموت الخلية. http://www.eajaz.org/arabic/images/e...es/12/1-12.jpg http://www.eajaz.org/arabic/images/e...es/12/1-13.jpg ( خامسًا) كشف جديد يؤيد تقدير الأجل: كان الاعتقاد السائد أن الخلايا الحية المستنبتة معمليٌّا قادرة على الانقسام بلا حدود، ولكن تبين مؤخرًا أن قدرتها على الانقسام محدودة، أي أنه بعد عدد محدود من الانقسامات تشيخ المزرعة الخلوية وتموت، ومن هنا ظهر الافتراض بوجود آلية داخل الخلية معنية بالتحكم في العمر عن طريق توقيف الانقسام وإفساح المجال لعمليات الهدم لتميت الخلية، ومن ثم عكف الباحثون على اكتشاف هذه الآلية المفترضة، ومنذ سنوات يسيرة اكتشف أن الجزء الأخير Telomere عند نهايتي كل فتيلة وراثية ( كروموزوم Chromosome) ينقص طوله مع كل انقسام وتضاعف منظومة صانع البروتين ( الحمض النووي DNA)، ووجد أنه يعمل كساعة أو عداد يحسب عدد الانقسامات ويقوم كذلك عند الانقسام بحفظ المادة الوراثية من التبعثر والاندماج الخاطئ، ويسمى الغطاء الطرفي End cap أو عداد التضاعف Replicoـmeter, ويمكن أن يسمى أيضًا عداد الأجل Longevity-meter لأن طوله إذا وصل إلى حد حرج يقف الانقسام وتموت الخلية. لا ينقص طول الغطاء الطرفي في الخلايا الجينية الأم والسرطان لأن الإنزيم الباني يعوض ما ينقص منه ( أ)، وكلما تقدم العمر ينقص طوله في الخلايا الجسدية لغياب الإنزيم ( ب)، وفي الشيخوخة يكون بالغ القصر ( ج). يتفق وصف القرآن الكريم للقدرات في مختلف مراحل العمر مع المعطيات العلمية الحديثة وتتبدى الشيخوخة في وقت محدد نتيجة لآليات خلوية معقدة تعمل متزامنة في تناسق عجيب، والخلية الحية محدودة الأجل خاصة في الأنسجة سريعة التجدد، وتقف وظائفها عند حد معين وتذبل وتموت، وفي بداية الستينيات من القرن الماضي أطلق ويشمان Weismann وكاريل Carrel على توقف تلك الوظائف تعبير شيخوخة الخلية Cell senescence, ولم تدرك العلاقة بين شيخوخة الخلية وتناقص طول الغطاء الطرفي إلا مؤخرًا خاصة بعد اكتشاف جريدر Greider وبلاكبورن Blackburn الإنزيم الباني للغطاء الطرفي Telomerase عام 1985م، وكان أول من ربط بين شيخوخة الخلية وفقد جزء من طول الغطاء الطرفي هوارد كوك Howard Cooke عام 1986م، فقد وجد أن الخلايا المستنبتة المأخوذة من صغار السن ذات أغطية طرفية أطول وأن مرات انقسامها أكبر من الخلايا المأخوذة من كبار السن، وفي عام 1989م اكتشف مورين Morin أن نشاط الإنزيم الباني زائد في الخلايا السرطانية، وهو ما أيد فرضية أولوفنيكوف Olovnikov سابقًا عام 1971م، من وجوب وجود آلية تخرج انقسام الخلايا السرطانية عن السيطرة، وزيادة الإنزيم الباني في الخلايا السرطانية دون الخلايا الطبيعية تعوض ما يفقد من طول الغطاء الطرفي بالانقسام فلا يتناقص طوله وبالتالي تنقسم الخلايا السرطانية بلا توقف، وزيادة الإنزيم في الخلايا السرطانية قد أيدتها الأبحاث المتوالية منذ عام 1994م إلى اليوم، وهذا معناه إمكانية القضاء على السرطان بوقف نشاط الإنزيم الباني عن طريق عقار مضاد يوقف عمله أو عمل المورث ( الجين) المولد له، وإمكانية تأخير الشيخوخة بتعاطيه كعقار أو التداوي بالمورث المولد له. واللافت للنظر أن الأغطية الطرفية للفتائل الوراثية قد وجدت قصيرة ابتداء في حالة الإصابة بمرض الشيخوخة المبكر Progeria, بينما وجدت طويلة ابتداء في حالة الخلايا الجنينية الأم Stem cells التي تتولد عنها لاحقًا كافة أنسجة الجسم، وهذا يعطي الأمل للباحثين في استخدامها في عمليات استبدال الأنسجة التالفة كما في حالات تلف خلايا البنكرياس في مرض البول السكري وتلف خلايا المخ في مرض الذهان. وأحدث الاكتشافات حتى الآن هو التعرف على زوج من الجينــات البشــرية مُهِمَّتُهمــا تثبيط إنتاج الإنزيم الباني والتمهيد للشـيخوخة، ومحاولة لاستخدام الإنزيم مؤشرًا Marker لاكتشاف السـرطان مبكرًا، وفي عام 1998م أعلن بودنار Bodnar عن نجاحه في تأجيل شــيخوخة مزرعة خلوية بشرية بمدها بالإنزيم الباني Telomerase, وفي العام الماضي ( 2001م) حاول شاي Shay فتح باب استخدام مثبطات الإنزيم الباني للغطاء الطرفي لوقف النشاط السرطاني. يتبع ~ ~ |
البيان القرآني
في قوله تعالى (وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِى الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُون) يس 68؛ يتضمن التعبير الإخبار بأسلوب معجز بليغ عن حالة عامة من التدهور والارتداد تتسع لتشمل كافة التغيرات الخفية للشيخوخة التي لم يعرف أحد عنها شيئًا عند التنزيل وكشفتها الدراسات العلمية حديثًا، والنص الكريم ورد ضمن منظومة من النصوص تعالج موضوع مراحل العمر عامة أو الشيخوخة خاصة في تكامل وائتلاف بلا اختلاف. وفي قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير)( الروم54). وصف القرآن التغير في القوة على طول العمر مع التذكير بأن الإنسان قد خلق ضعيفًا ابتداء، وكأنه بهذا قد رسم منحنىً تصويريٌّا تستبين فيه درجة القوة في مختلف مراحل العمر قبل أن يُستخدَم ذلك الأسلوب في الدراسات العلمية الحديثة، والقوة تبلغ أوْجها في مرحلة الشباب ثم يُعكس الاتجاه ويبدأ الارتداد والانقلاب والانتكاس ليكون سمة مرحلة الشيخوخة، ولذا وصفها القرآن بالضعف، والعجيب أنه التزم بتمييزه عن الضعف الأول بإضافة الشيب، كما قال تعالى (ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَة)( الروم54). وقال تعالى ـ حكاية عن زكريا ـ عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبً)( مريم4). يتبع ~ ~ |
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...es/12/1-14.jpg
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...es/12/1-15.jpg جعل القرآن التنكيس الظاهر في الشيخوخة بياناً لتنكيس أشمل وأعمق لتراكيب ووظائف الجسم كله والتدرج في الشيب يجعل ضعف الشيخوخة في تَنَامٍ مع انعدام الأمل في استرداد قوة الشباب وذلك مقابل تدرج الضعف الأول نحو القوة، والتصوير في وصف الشيب بالنيران المشتعلة لبيان استيعابه لأغلب الرأس يفيد أن المقام للمبالغة والاستيعاب؛ وهكذا يجعل نسبة الوهن للعظم كذلك وليست لقصر الوهن عليه، وكأنه قال: ( نال الوهن مني أصلب شيء) فمن باب أولى كل ما دونه صلابة، وبذلك يعم الوصف بالوهن أغلب البدن، فتأمل الدقة في التعبير وغاية البيان باعتماد هذا أسلوب التصويري. قال المفسرون: قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ..) الآية ( يعني أنه خلقكم ضعفاء، ثم جعلكم أقوياء، ثم جعلكم ضعفاء في حال الشيخوخة)( 14) حيث: ( تتغير الصفات الظاهرة والباطنة)( 15) و( معنى من ضعف: من نطفة ضعيفة، وقيل من ضعف: أي في حال ضعف)( 16) وقوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبً ): ( أي ضَعُفَ، وأراد أن قوة عظامه قد ذهبت لكبره؛)وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبً ) يعني انتشر الشيب فيه كما ينتشر شعاع النار في الحطب وهذا من أحسن الاستعارات )( 17) ( ولا ترى كلامًا أفصح من هذا)( 18) ( وفيه من فنون البلاغة وكمال الجزالة ما لا يخفى)( 19) ( وتخصيص العظم لأنه دعامة البدن وأصل بنائه ولأنه أصلب ما فيه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن، واشتعل الرأس شيبًا شَبَّهَ الشيب في بياضه وإنارته بشواظ النار وانتشاره وَفُشُوِّه في الشعر باشتعالها، وأسند الاشتعال إلى الرأس الذي هو مكان الشيب مبالغة)( 20) ( والمراد من هذا الإخبار عن الضعف والكبر ودلائله الظاهرة والباطنة)( 21) وفي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوآ أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوآ أَجَلاً مُّسَمٌّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون) غافر 67 عَبَّرَ القرآن عن بلوغ الإنسان مرحلة الشباب بلفظ )الأشُدّ ) ويعني هنا غاية القوة، وفي مقام مرحلة الضعف التي تلي حالة الأشد أتى باللفظ ( شيوخًا) المشتق من مادة ( الشيخوخة)، وهو بهذا الترتيب والتمييز بعد حالة ( الأشد) قد وصف مرحلة الشيخوخة ضمنًا بالضعف بالنسبة لمرحلة الشباب أو قمة منحنى القوة بالنسبة للعمر، والقوى تتزايد مع النمو وعند بلوغ الأشد يقف تصاعد المنحنى ويستوي بينما تستمر القدرة العقلية والخبرة في تزايد حتى يكتمل الاستواء عند الأربعين قبل أن يرتد المنحنى وينعكس الاتجاه، وفي قوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمً ) القصص 14، وقوله: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَك ) الأحقاف 15؛ أضاف القرآن إلى بلوغ ( الأشد) بلوغ الاكتمال وذلك بلفظ ( الاستواء) وجعل حده ( أربعين) سنة لتحقق الحكم السديد والإمامة في العلم، فكأنه بهذا التقرير قد اختار التعبير بالغالب وهو الأسلوب المعتبر علميٌّا اليوم. يتبع ~ ~ |
قال المفسرون: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أي المبلغ الذي لا يزيد عليه نشؤه، وقوله تعالى: )وَاسْتَوَى ) أي كمل، و( بلوغ الأشد) في الأصل هو الانتهاء إلى حد القوة وذلك وقت انتهاء النمو وغايته وهذا مما يختلف باختلاف الأقاليم والعصور والأحوال )( 22) وقوله: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً )؛ ( فهو أقصى نهاية بلوغ الأشد)( 23) ( في الأغلب)( 24) و( في الأربعين يتناهى العقل)، ( فإذا زاد على الأربعين أخذ في النقصان)( 25) و( من الناس من يموت قبل أن يخرج طفلا وآخرون قبل الأشد وآخرون قبل الشيخوخة)( 26) أي:(وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ ) أن يبلغ الشيخوخة،(وَلِتَبْلُغُوآ أَجَلاً مُّسَمٌّى ) يقول: ولتبلغوا ميقاتًا مؤقتًا لحياتكم وأجلاً محدودًا لا تجاوزونه )( 27) ( يريد أجل الحياة)( 28) وضعف الشيخوخة نذير الهلاك ولذا عبَّرَ عنها القرآن حكاية عَمَّن بلغها أو وصفها بأسلوب يفيد الاسترحام، مثل: (مَسَّنِىَ الْكِبَرُ ) الحجر 54، و( أَصَابَهُ الْكِبَر) البقرة 266 و (قَدْ بَلَغَنِىَ الْكِبَر ) آل عمران 40، و (قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيٌّ ) مريم 8 و (أَبُونَا شَيْخٌ كَبِير ) القصص 23، وللتدهور في البنية والوظائف وصف القرآن الشيخوخة بأنها )أَرْذَلِ الْعُمُرِ )، ومن أهم ملامح التدهور إصابة المخ وتناقص المهارات العقلية والكفاءات الذهنية والعلم بالذات والموجودات مما قد يفسر سبب اختيار تلك الوظيفة العليا التي تختص بالتكليف لتبرير الوصف، قال تعالى:(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُمْ مَن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَىْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئً ) النحل70.
وقال تعالى: (يَآأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِى الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمٌّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوآ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئً) الحج 5. يتبع ~ ~ |
والحكيم العليم ـ سبحانه وتعالى ـ يسن تشريعًا للأبناء يكشف العلم بالمخلوقات يراعي فيه حالة الضعف البدني والعقلي عند الآباء عند بلوغهم الكِبَر، قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوآ إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرً ) الإسراء 23و24، ولك أن تلحظ في التعبير غاية العناية والرأفة والرحمة بكبار السن حتى إن القرآن قد قَرَنَ الإحسان بالوالدين عند الكِبَر بوحدانية الله وهي قضيته الكبرى.
قال المفسرون: ( الأرذل من كل شيء الرديء منه)( 29) ( ولا يرجى له بعده عود من النقصان إلى الزيادة ومن الجهل إلى العلم كما يرجى مصير الصبي من الضعف إلى القوة ومن الجهل إلى العلم)( 30) ( وإيثار ( فعل) الرد ( نَرُدُّهُ) على الوصول والبلوغ ونحوهما للإيذان بأن بلوغه والوصول إليه رجوع في الحقيقة إلى الضعف بعد القوة، ( لِكَيْلا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا).. من المعلومات)( 31) أي: ( لينسى ما يعلم، أو: لئلا يعلم زيادة علم على علمه)( 32) ( وهذه عبارة عن قلة علمه لا أنه لا يعلم شيئًا البتة)( 33) ( فالمراد المبالغة، وفائدة ذلك الإيذان بأن بلوغ الأشد أفضل الأحوال)( 34) وفي قوله تعالى ـ حكاية عن امرأة إبراهيم ـ عليه السلام: (قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ عَجِيب ) هود 72، أضاف القرآن إلى عجزها عن الإنجاب سببًا آخر لاستعجابها بقولها: ( وَهَذَا بَعْلِى شَيْخًا) ، و( البعولة) من الذكورة والفحولة ولا يوصف بها سوى الذكر( 35) فكأنه أخبر ضِمْنًا عن تحول نشاطه إلى الضعف عندما أصبح شيخًا، وأما لفظ ( عجوز) المشتق من ( العجز) فقد قصره على وصف الأنثى المقطوع بعجزها عن الإنجاب بتجاوزها سن الحيض كما قال تعالى( إلا عَجُوزًا فِى الْغَابِرِين) الشعراء 171، والصافات 135، ولذا رافق اللفظ ( عجوز) الوصف ( عقيم) لانقطاع الأمل في الإنجاب بانقطاع الحيض في قوله: (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيم ) الذاريات 29، والشيخ غير مقطوع الأمل ووصفه هنا يتعلق ببيان ضعف النشاط لا زوال الخصوبة، والعجيب أن القرآن لم يصف الذكر أبدًا باللفظ ( عجوز) بينما لغة التخاطب منذ التنزيل إلى اليوم تجيز لك القول: ( هذا رجل عجوز)، فانظر إلى أي مدى قد بلغت في القرآن الدقة في التعبير. ويمكن في وقتنا الحالي تقديم الأدلة على أن الشيخوخة مقدرة Predetermined وفق برنامج يعكس العلم والحكمة في الخلق، ومن تلك الأدلة اكتشاف حد لعدد انقسامات الخلية ( حد هايفليك Hayflick's limit)، وتؤيد الأبحاث العلمية الحديثة أن الشيخوخة ليست إلا وجهًا من الموت المبرمج للجسم، وأما اكتشاف الموت المبرمج للأعضاء الخلوية الدقيقة والموت المبرمج للميتوكوندريا فقد أضافا مزيدًا من الأدلة على أن الأحداث الحيوية مقدرة لتسلك سلوكًا حكيمًا لا عن مصادفة، حيث تذوي الأعضاء الخلوية الدقيقة أو الميتوكوندريا عندما تصبح ضارة أو غير ذات فائدة، ومثله اكتشاف ظاهرة الموت المبرمج للخلية؛ فبعض الخلايا تسلك مسلكًا اجتماعيٌّا عجيبًا للدفاع عن الجسم عندما يغزوها فيروس فتستدعي عمليات مقدرة موجودة آلياتها بداخلها ـ الأليق أن نسميها تضحية وإيثار لا انتحار ـ تجعلها تموت ومعها الفيروس مدفون في أحضانها، وقد تبين أن ذلك الأسلوب المقدر الفريد يتبعه الجسم للتخلص من الخلايا أو حتى الأنسجة التي أصبحت ضارّة به أو على الأقل غير ذات فائدة، وبالمثل أمكن لأبي ذنيبة التخلص من ذيله ليصبح ضفدعًا خفيف الحركة قادرًا على القفز، وأمكن للشجر أن يسقط أوراقه مبكرًا في الخريف لأنها ستكون غير ذات فائدة في الشتاء ويوفر ما ستستهلكه من الغذاء، فهل يمكن أن ينسب ذلك السلوك الواعي إلى الخلايا، أم إلى الكائنات نفسها، أم إلى المصادفة، أم هو أحد مظاهر التقدير المبثوث على كافة المستويات من حكيم عليم بكل المخلوقات؟، إن المصادفة لا يمكن أن تقيم نظامًا ثابتًا ذا أحداث تتكرر بانتظام، ولا سبيل سوى الإقرار بحكمة الله وعنايته المتجليتين في كل حين ومكان في أنفسنا وما حولنا، وأما وحدة أصول الموجودات واختصاص كل نوع بتقدير موحد رغم التمايز فشاهد عيان على قدرة الله ووحدانيته. إن أول من تنبه لظاهرة الشيخوخة كعلم مستقل هو الطبيب الفرنسي شاركوت Charcot عام 1881م، ولم يتبعه أغلب الباحثين إلا في القرن العشرين، ولذا نعجب أن يولي القرآن الكريم موضوع الشيخوخة عنايته قبل ذلك بأكثر من عشرة قرون، ولا تجد لهذا نظيرًا في أي كتاب آخر ينسب اليوم للوحي غير القرآن الكريم، وإن إدراك خفايا الشيخوخة في عصرنا حيث توفرت التقنيات إنما هو شهادة للقرآن (أَنَّهُ الْحَقُّ)؛ يقول العلي القدير: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ * لِكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُون) الأنعام 66و67. الهوامش ( 1) لسان العرب ج6 ص243. ( 2) فتح القدير للشوكاني ج3ص414. ( 3) روح المعاني ج23ص46. ( 4) لسان العرب ج6ص242. ( 5) أبي السعود ج7ص177. ( 6) البغوي ج4ص18. ( 7) ابن كثير ج2ص 577. ( 8) الروح ج1ص151. ( 9) دقائق التفسير 1 325. ( 10) العين ج8 ص83. ( 11) ابن كثير ج3 ص112. ( 12) ابن كثير ج3 ص440. ( 13) روح المعاني ج23ص46. ( 14) أحكام القرآن ج5 ص219. ( 15) ابن كثير ج3 ص440. ( 16) القرطبي ج14 ص46. ( 17) زاد المسير ج5 ص207. ( 18) النسفي ج3 ص30. ( 19) أبي السعود ج5 ص253. ( 20) البيضاوي ج4 ص4. ( 21) ابن كثير ج3 ص112. ( 22) روح المعاني ج20ص51. ( 23) لسان العرب ج3ص236، ( 24) روح المعاني ج20ص51. ( 25) الدر المنثور ج6ص397. ( 26) الثعالبي ج4ص79. ( 27) الطبري ج24ص82. ( 28) البغوي ج4ص104. ( 29) لسان العرب ج11 ص281. ( 30) أحكام القرآن ج5 ص250. ( 31) أبي السعود ج5ص127. ( 32) النسفي ج2ص263. ( 33) الثعالبي ج2ص317. ( 34) روح المعاني ج17ص118. ( 35) ابن عاشور ج2ص393. المراجع العلمية: Encyclopedia Britannica, 2001. Encarta, 2001. Scientific American presents June, 2000. Compton's Encyclopedia, 1998. // انتهى .. د. محمد دودح الباحث بهيئة الإعجاز العلمي |
[ المنظومة السباعية في القرآن الكريم ]
............................................... سورة (البينة) : ---------------- إن هذه السورة المتميزة سباعيا شأنها شأن أختها فاتحة الكتاب ( السبع المثاني ) ، وقبل أن نذكر هذه السباعيات نورد أهم ماجاء في تفسير كلمة ( البينة ) . تفسير كلمة ( البينة ) البينةهي القرآن أو محمد صلى الله عليه وسلم وما يتلوه من القرآن . أماالبينة فهي الحجة الظاهرة التي بها يتميز الحق من الباطل فهي من البيان أو البينونة لأنها تبين الحق من الباطل . فهل هناك حجة ظاهرة وبينة ساطعة على إعجاز القران الكريم أقوى من هذه المعجزات الرقمية والعددية التي وردت فيه في عصر العلم والكومبيوتر والتي منها هذه المنظومة السباعية ؟! والتي تبرهن أن هذا القرآن حق في كل شئ ونور مبين . قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا )النساء : الآية 174. ترتيب السورة : ترتيب سورة ( البينة )في القرآن الكريم هو ( 98 ) وهذا العدد من مضاعفات الرقم سبعة لمرتين : 98 = 49×2 أي (7 ×7× 2) عدد كلمات السورة : عدد كلمات سورة البينة هو عدد من مضاعفات الرقم سبعة ولمرتين 98 كلمة أيضا !! تكرار كلمة البينة : تكررت كلمة ( البينة ) في السورة مرتين وذلك في الآيتين الاولى والرابعة في قوله تعالى : ( لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ) وعدد أحرفها هو (55 ) حرفا . وفي قوله تعالى : ( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ) وعدد أحرفها هو ( 43) حرفا. فيكون مجموع أحرفهما هو (98) حرفا ، فتأمل هذا التناسق الفريد على مستوى الحرف والكلمة والآية والسورة ! فسبحان الله الذي أنزل كتابه وأحكمه كما أحكم خلقه . عدد الآيات بعد السورة : عدد الآيات في السور التي بعدها حتى نهاية المصحف الشريف ( وهي 16 سورة ) هو : ( 98) آية أيضا ! وحسب الترتيب الآتي: 1-سورة الزلزلة = 8 آية _ 9 - سورة الماعون = 7 آية 2-سورة العاديات = 11 آية _ 10- سورة الكوثر = 3 آية 3-سورة القارعة = 11 آية _ 11- سورة الكافرون = 6 آية 4-سورة التكاثر = 8 آية _ 12- سورة النصر= 3 آية 5-سورة العصر= 3 آية _ 13- سورة المسد = 5 آية 6-سورة الهمزة = 9 آية _ 14- سورة الاخلاص = 4 أية 7-سورة الفيل = 5 آية _ 15- سورة الفلق = 5 آية 8-سورة قريش = 4 آية _ 16- سورة الناس = 6 آية إعجاز لغوي : في هذه السورة ( البينة )سبع كلمات أو عبارات متطابقة تماما ( مبنى ومعنى ) على الرغم كونها من قصار السور وعدد آياتها لا يتجاوز الثمانية ، شأنها شأن أختها سورة الفاتحة ( السبع المثاني ) ، حيث توجد فيها أيضا سبع كلمات متطابقة تماما . وهذا إعجاز بياني في منتهى الروعة والدقة ، وإليكم أعزائي الكرام هذه المصفوفة البيانيةالجميلة ! وحسب ترتيب ورودها في السورة : أولا : ( كفروا من أهل ألكتاب والمشركين )من الآيتين الأولى والسادسة ثانيا : ( البينة )من الآيتين الأولى والرابعة ثالثا : ( قيّمة )من الآيتين الثالثة والخامسة رابعا : ( خالدين فيها )من الآيتين السادسة والثامنة خامسا : ( إن الذين ) من الآيتين السادسة والسابعة سادسا : ( أولئك هم )من الآيتين السادسة والسابعة سابعا : ( البرية )من الآيتين السادسة والسابعة إذا ما أحصينا هذه الكلمات المتكررة زوجيا فقط الوارده أعلاه ، لوجدنا أنها تبلغ (14) كلمة وهذا العدد = 7×2 . فقد يكون هذا أحد المعاني في ( السبع المثاني ) من سورة ( الفاتحة ) وفي ( القرآن الكريم ) الذي نزل على سبعة أحرف وكذلك في هذه السورة موضوعة البحث من القرآن الكريم . قال تعالى : ( وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ )الحجر الآية 87 . الطبيب الاستشاري الدكتور محمد جميل الحبال و بإذن الله الحكيم سأتابع تقديم هذا الموضوع حولَ الإعجاز العلمي ( العددي ) في القرآن الكريم في أقرب فرصة ممكنة .. _ حميد _ منقول 3 / 9 / 2010 |
حيـّاك َ الله أخي حميد
مشاركة ثريّة جزاك َ الله خيرًا وبانتظارك مجدّدًا .. |
تأملات في النخلة والرطب
د. جمال القدسي الدويك لم يذكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ شجرة في القرآن، كما ذكر النخل والنخيل، فهي أكثر شجرة ورد ذكرها في القرآن الكريم؛ فقد ورد ذكرها في عشرين موضعًا من القرآن الكريم. ولقد فصلها الله دائمًا عن الفاكهة والزروع والأعناب، فجعلها دائمًا في كفة، وبقية الزروع والأعناب والفاكهة في كفة أخرى، إذ خصها دون غيرها بالذكر. فتأملوا معي هذه الآيات العظيمة، إذ جعل النخل في كفة، والزرع في كفة: قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ)(141) الأنعام. وقال تعالى: (وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ) (148) الشعراء. وتأمّلوا معي أيضًا هذه الآية التي جعل الله فيها النخل في كفة والفاكهة في كفة أخرى. قال تعالى: (فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ) (11) الرحمن. وتأملوا معي هذه الآيات أيضًا حيث جعل الله تعالى فيها النخل في كفة، والأعناب كلها في كفة أخرى: (فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ) (19) المؤمنون. وقال أيضًا: (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ) (34) يس. وقال تعالى أيضًا: (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) (67) النحل. ومن هنا ندرك لماذا جعل رب العالمين النخيل في كفة وحب الحصيد في كفة أخرى في قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ) (9، 10) سورة ق. فماذا نستطيع أن نستنتج عندما يعطف الله النخل تارة على كل الزروع، وتارة أخرى على كل أنواع الفاكهة، وتارة ثالثة على كل الأنواع من الأعناب، وتارة على كل أنواع الحبوب بما تحويه من غذاء كامل متكامل. فلا شك أنها من جنس كل هذه الأنواع التي عطفها الله تعالى عليها، ولا شك أنها بذلك تكون شجرة مركزية عظيمة، فيها من الصفات والخصائص والفوائد والمنافع ما يجعلها مهيمنة على كل الأشجار إلا قليلاً. فالنخلة تتصف بخاصية عظيمة رائعة مذهلة، قد يستغرب الكثيرون منها، فهي بالرغم من قوّتها وطولها وثباتها، وتعميرها وشدّتها، إلا أنها رقيقة القلب، لينة، معطاء، مرهفة الإحساس، مطيعة لله خاضعة له، وقد يتساءل البعض: هل للشجرة قلب؟ وهل لها إحساس؟ وهل هي لينة حنون عطوف محبة؟ أقول: فهذه الصفات تشبه صفات الإنسان المسلم، فهو قوي ثابت في إيمانه واعتقاده الراسخ، وهو شديد على الكفار والمنافقين وغليظ عليهم، ولكنه رقيق القلب، لين العريكة، رحيم عطوف، معطاء، رقيق الإحساس، مفعم بالمشاعر.وهذا هو وصف رب العالمين تعالى لصفات المسلمين إذ يقول عنهم: ( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) (54) المائدة. يتبع ~ ~ |
وقال تعالى أيضًا واصفًا سيد المسلمين، وسيد الأنام ـ عليه الصلاة والسلام ـ ومن معه: (مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ) (29) الفتح.
ويؤكد الله تعالى على الّلين الذي يجب أن يتميز به الإنسان المسلم، متبعًا بذلك قدوته سيد المرسلين ـ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ إذ يقول فيه رب العالمين: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم (4). ويقول أيضًا: (وَلَوْ كُنتَ فَظٌّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضّ من حولك) آل عمران: 159. فكما أن المسلم في شدته ورقته، وفي قوته وحنانه، وفي عنفوانه وعطائه، كذلك هي النخلة أيضًا، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بجمّار فقال: ( إن من الشجر شجرة مثلها كمثل المسلم). فأردت أن أقول: هي النخلة فإذا أنا أصغر القوم فسكت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هي النخلة). متفق عليه. وكيف لا تكون هذه الشجرة لينة وجذعها الشامخ الطويل الصلب الثابت القوي، قد لان بأمر الله تعالى لامرأة ضعيفة لا تقوى على مجرد القيام من مكانها بعد الولادة، ألا وهي مريم بنت عمران ـ عليها وعلى ابنها السلام ـ وقد سجل الله تعالى لين النخلة، وخصائص ثمرها الرطب، الذي يتميز بأنه يثبّت الفؤاد، ويُجلي الهم والحزن عن القلب الحزين والمفؤود، ويزيل الاكتئاب، ويشرح الصدر ويفرح القلوب، وسطّر ذلك في كتابه العزيز؛ فقال تعالى: ( وَهُزِى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيٌّا * فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِى عَيْنًا) (25، 26) مريم. وكيف لا تكون هذه الشجرة لينة، رقيقة القلب، وقد أنّت وبكت عندما فارقها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن كان يستند إليها في خطبة الجمعة فعن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار أو رجل: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرًا؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم: (إن شئتم) فجعلوا له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضمه إليه وهي تئنّ أنين الصبي الذي يُسَكّن، قال: (كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها) متفق عليه. وورد في حديث في إسناده نظر: (أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم) وقد يتساءل البعض: ما السر في هذا اللين ورقة القلب والعطف والحنان الذي جعله الله في النخلة وفي ثمرها، سواء أكان بَلَحًا أم رُطَبًا، أم تمرًا. لقد اكتشف العلماء مادة في التمر تشبه هرمون الأوكسيتوسين، وهو الهرمون الذي يفرز عادة من غدة ما تحت المهاد ويخزن في الفص الخلفي للغدة النخامية، وهو عبارة عن هرمون يتألف من تسعة أحماض أمينية، وهو بهذا التركيب ذو خاصية فريدة عند المرأة والرجل على حد سواء، فقد وجد أنه عند المرأة وأثناء الحمل تقوم الهرمونات التي تفرزها المشيمة، (وأقصد بذلك الأستروجينات)، تقوم بزيادة قدرة ما تحت المهاد على صنع هرمون الأوكسيتوسين، كما تقوم بمضاعفة حجم الغدة النخامية، وزيادة قدرتها على تخزين هرمون الأوكسيتوسين، كما أنها تزيد من المستقبلات التي تستقبل هرمون الأوكسيتوسين والموجودة في عضلة الرحم وفي الخلايا العضلية الظهارية المحيطة بقنوات الحليب في الثدي. وما إن يبدأ المخاض حتى يفرز الأوكسيتوسين من مخازنه في الغدة النخامية بكميات عالية، ويتحد مع مستقبلاته الموجودة في الرحم وفي الخلايا العضلية الظهارية المحيطة بقنوات الحليب في الثدي، تمامًا كما يتحد المفتاح بقفله ويتطابق معه. فأما في الرحم، وبعد اتحاد هرمون الأوكسيتوسين مع مستقبلاته، فتبدأ التقلصات العضلية الإيقاعية المنتظمة بشكل تدريجي، والتي تؤدي إلى انمحاء عنق الرحم، وتوسعه ومن ثم حدوث عملية الولادة، ولا يقتصر دور هرمون الأوكسيتوسين على هذا الحد، بل إنه بعد زوال المشيمة من الرحم، فإنها تترك سطحًا مليئًا بالدم في جدار الرحم، لأنه يحتوي على أوعية دموية دقيقة صغيرة تبقى مفتوحة ونازفة بعد ولادة المشيمة، هذه الأوعية الدموية تكون بين الألياف العضلية الملساء والتي تكون متشابكة كالشبكة في الرحم، وما إن يتابع هرمون الأوكسيتوسين تأثيره بعد الولادة، حتى يزداد انطمار الرحم، ويزداد انقباض أليافه العضلية والمتشابكة مع بعضها مثل الشبكة، وتقلص هذه الألياف المتشابكة بهذا الشكل يؤدي إلى صغر فتحات هذه الشبكة والتي تحتوي بين عيونها الأوعية الدموية الدقيقة النازفة، الأمر الذي يؤدي إلى ضغط الألياف العضلية الملساء في جدار الرحم والمتشابكة على هذه الأوعية النازفة، مما يؤدي إلى إيقاف النزف تدريجيٌّا. ولا يتوقف تأثير هرمون الأوكسيتوسين على ذلك، فالرحم الذي تمدد خلال تسعة شهور من الحمل ليستوعب ما مجموعه اثني عشر كيلو جرامًا من وزن الجنين والمشيمة والسوائل الملحقة بهما، يجب أن يعود إلى حجمه الطبيعي، والذي يعادل حجم حبة الكمثرى، ولا يكون ذلك إلا بانقباض ألياف الرحم التدريجي المتتالي تحت تأثير هرمون الأوكسيتوسين، والأكسيتوسين فقط. ولا يقتصر تأثير هذا الهرمون على الرحم فقط، بل يتجاوزه ليقلص أيضًا الألياف العضلية الظهارية المحيطة بقنوات الحليب في الثدي، الأمر الذي يؤدي إلى إدرار الحليب عند تقلص هذه القنوات وما تحتويه من حليب، ومن ثَم إكمال عملية الرضاعة عند الطفل. وهذه الخصائص المهمة جدٌّا لكل من الحامل والمرأة التي تلد، وللنفساء والمرضع، والتي يحتويها هرمون الأوكسيتوسين، تفسّر عظمة التمر والرطب الذي يحتوي في تركيبه على مادة شبيهة جدٌّا بهرمون الأوكسيتوسين من حيث تأثيرها، وتفسر لماذا جعل الله تعالى غذاء السيدة مريم العذراء، الرطب فقط من الغذاء، إذ قال تعالى: ( فَأَجَآءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيٌّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيٌّا * وَهُزِى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيٌّا * فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِى عَيْنًا... ) مريم (23-26). يتبع ~ ~ |
فإذا عرفنا أن لهرمون الأوكسيتوسين الموجود في الرطب والتمر كل هذه الخصائص عند النساء، فهل هو موجود عند الرجال في أجسامهم؟ ولماذا؟
اكتشف العلماء أن هرمون الأوكسيتوسين له تأثير عظيم عند الرجال، فهو المسؤول عن رقة القلب والحنان والعطف والحب والإحساس المرهف ولين العريكة والطبع، وإرهاف الفؤاد، ورقته وطيبته ولينه لدى الرجال، وهو المسؤول عن الحنان والعطف اللذين يظهرهما الرجل تجاه أطفاله، وهو نفسه يولد مشاعر مشابهة لدى المرأة، فهل يوجد أحن من المرأة في اللحظة التي ترضع فيها ولدها؟ وهل يوجد أرق من قلبها في الساعة التي تمسك بوليدها لترضعه؟ أليست هذه هي اللحظة التي يتم فيها إفراز هرمون الأوكسيتوسين ليفرز الحليب جنبًا إلى جنب مع الحنان والحب والعطف والحنو والرقة التي تُكِنُّها الأم لرضيعها، ألم يُشِرِ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن هذه هي أعظم صورة للحنان، عندما قال عن المرضعة: (أترون هذه المرأة ملقية ولدها في النار؟). ألم يقل رب العزة عن أهوال يوم القيامة أنها تذهل أقوى عاطفة، أقوى حنان، وأقوى حب بين المرضع ووليدها: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ) (2) الحج. هذا الحنان والرقة والعطف واللين الذي يحمله هرمون الأوكسيتوسين للأجسام التي يسري فيها، هو الذي يفسر لماذا بكى جذع النخلة لما ترك الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الاعتماد عليه، وهو يخطب الجمعة، ولم يهدأ روعه إلا عندما عاد إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحضنه وضمه إلى صدره، حتى سَكَنَ كما يُسَكّنُ الطفل. وهذا الذي يفسر نظام الإسلام في إحياء القلب، وبعث الرقة واللين والحنان والطيب الخشوع والخضوع في هذا القلب في رمضان، وهذا ما يفسر الخشوع التام والدموع السخية والقلب اللين والفؤاد الخاشع في العشر الأواخر من رمضان لمن يصوم ويقوم ويفطر ويتسحر على التمر والرطب، كما هي السُّنَّة، وكما فعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن جزءًا من هذا اللين عائد إلى الإفطار والسحور على التمر وما يحتويه من هرمون الأوكسيتوسين بخصائصه الملينة للقلب والمرققة للفؤاد، فعن سلمان بن عامر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح. وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم: (نعم سحور المؤمن التمر). فما أعظم أن نتلقّى هذا الهرمون العظيم، الملين للقلب والفؤاد، والمثير للعاطفة والحنان، والموجود طبيعيٌّا وليس صناعيٌّا (أي لم يطرأ عليه تغيير في خلق الله) في التمر، أن نأكله فطورًا وسحورًا في شهر الرحمة والغفران، شهر رمضان. وليس الأوكسيتوسين هو الهرمون الوحيد الموجود في التمر والرطب، فقد اكتُشف وجود مواد أخرى تشبه في تركيبها ووظيفتها هرمون الأستروجين إلى حد كبير، فما أهمية هذا الهرمون؟ في الحقيقة أن هذا الهرمون هرمون عظيم، وله وظائف متعددة ومتنوعة كبيرة وعظيمة، يكاد لا يخلو أي مكان في الجسم من وظيفة الأستروجين، من حيث إن له تأثيرًا في وظائف العظام، والثدي، والجلد، وعلى قناة الرحم فالوب، وعلى الهرمون الحاث للجراب fsh، وله دور على الهرمون الصانع للجسم الأصفر (lh) في المبيض، وإن نقصه يؤدي إلى هشاشة العظام، هذا وإن الأستروجين له تأثير على توازن الأيونات والأملاح في الجسم، وعلى دورة بطانة الرحم (الدورة الطمثية)، وعلى توزيع الدهون في الجسم، ومن ثَم تحديد شكل الجسم الخارجي، وعلى توزيع الإشعار، وعلى إفراز هرمون الأنسولين. كما أن للأستروجين تأثيرًا على الدورة الطمثية، وعلى سن اليأس من المحيض، وله دور أثناء الحمل، ودور في صناعة النطاف عند الرجال، ودور داخل الخلايا، كما أن للأستروجين دور في صناعة الكوليسترول في الجسم ونقله، كما أن له تأثيرات استقلابية متعددة، وله تأثير في تقلص الرحم أيضًا... إلخ. وفي الحقيقة ـ وكما قلنا ـ فإنه له تأثيرات كثيرة وعديدة ومتنوعة، ولكننا مع ذلك لن نتحدث عن كل هذه الخصائص الفريدة، بل إننا سنتناول ناحية إعجازية عظيمة، أتي بها الذي لا ينطق عن الهوى ـ صلى الله عليه وسلم. ذلك أن لهرمون الأستروجين تأثيرًا على تطور الدماغ والجهاز العصبي المركزي، وذلك أثناء الحياة الجنينية لكل من الذكر والأنثى (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) (45، 46) النجم، وأن هذا الاختلاف في الدماغ بين الجنسين في الحياة الجنينية وفي السنة الأولى من العمر، ناجم في جزء كبير منه عن اختلاف نسبة هرمون الأستروجين بين جسم الذكر وجسم الأنثى، وأن اختلاف نسبة التركيز هذه يؤدي إلى اختلاف التركيب، ومن ثم اختلاف سلوك الإناث عن سلوك الذكور، خاصة ما يحدثه الأستروجين من تأثير على الجهاز اللمبي (الطرفي) في الدماغ limbic system، وما لهذا الجهاز من تأثير على سلوك الإنسان، وبالتالي اختلاف سلوك الذكر عن سلوك الأنثى. ومن الاختلافات التشريحية الموجودة بين دماغي الذكر والأنثى، أن الذكر لديه نصف كرة مخي متطور في الناحية اليمنى بشكل أكبر، أما عند الأنثى فإن الجسم الجاسئ الذي يربط بين نصفي الكرة المخية يكون عندها أكبر، كما أن الملتقى الأمامي يكون عندها أكبر أيضًا، والاتصالات بين نصفي الكرة المخية تكون عند الأنثى أكثر، وليس هذا هو كل شيء، فهناك اختلاف في تركيب المهاد وتحت المهاد بين الذكر والأنثى، وكذلك في الجهاز اللمبي - كما سبق وأسلفنا. ومن هنا فإننا نقول: علينا ألا ننسى الكمية الجيدة من هرمون الأستروجين الموجودة في التمر، ولا ننسى أن تناول المرضع للتمر يؤدي إلى أن يطرح التمر بجزء من محتوياته وبتركيز ضئيل جدٌّا في حليب الإرضاع الذي يأخذه الطفل الرضيع، وفي الحقيقة فإن الطفل الوليد لا يحتاج إلى أكثر من هذه الكميات الضئيلة من الأستروجين والموجودة في حليب الإرضاع، وذلك من أجل تطور واكتمال نمو جهازه العصبي، وتذكروا ما في التمر من هرمونات مثل الأوكسيتوسين والأستروجين وتأثيرهما على الجهاز العصبي عند كلا الجنسين. ولعل هذا أيضًا هو ما يفسر لماذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحنِك المولود بتمرة عند ولادته، فقد روى البخاري في كتاب العقيقة عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: ولد لي غلام فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ، ولعل في التحنيك أيضًا هدف آخر ألا وهو التعقيم والتطهير للفم والجوف والجهاز الهضمي، إذ ثبت أن في التمر مضادات حيوية طبيعية تصل في قوتها إلى قوة البنسلينات والستربتومايسين، والله تعالى أعلم. والتمر ليس فقط مخزنًا لهذه الهرمونات، بل إنه يحتوي على عنصرين نادرين غاية في الأهمية، ألا وهما المغنيسيوم الذي يعرف باسم (المهدئ)، والمنجنيز والذي يعرف باسم (عنصر الحب) أما المغنيسيوم فقد عرف باسم المهدئ، وحاز هذا اللقب بجدارة، لأنه وجد أنه يعمل على تهدئة الجهاز العصبي ومنع توتره وهياجه، كما أن له تأثيرًا مليِنًا على المفاصل والأربطة، إذ وجد أنه يزيد من المرونة والليونة والتليين في كل من الأعصاب المحيطية، والعضلات، والأربطة والمفاصل، والأوتار العضلية، والأنسجة المحيطية، كما أنه يؤثر على الغدد الموجودة في الجسم بما فيها الغدد الصماء التي تفرز الهرمونات، وما لهذه الهرمونات من تأثير مهيمن مركزي، ودور قيادي رائد في الجسم، وعلى نفسية الإنسان كما رأينا، ولكي نتخيل مدى تأثير الهرمونات على نفسية الإنسان ـ نذكر اضطراب نفسية المرأة، وما يعتريها من ضيق وهم وغم وكمد واضطراب في نفسيتها عندما تكون في فترة الدورة الشهرية، بسبب ما يعتري هذه الدورة الشهرية من اضطراب هرموني كبير. كما أن عنصر المغنيسيوم الموجود في التمر مفيد جدٌّا لقيام الأعصاب بعملية إفراز النواقل العصبية عند نهاياتها، والتي لها دور كبير أيضًا في التأثير على نفسية الإنسان ومن ثم تحديد سلوكه، إذ ثبت ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ أنه يحدث اضطراب في هذه النواقل العصبية لدى المصابين بكافة أنواع الأمراض النفسية صغيرها وكبيرها، مما يوحي بدورها على نفسية الإنسان وسلوكه. والمغنسيوم مفيد أيضًا للأغشية المخاطية والمصلية في الجسم. وقد عرف المغنيسيوم باسم المهدئ لأن نقصه في الجسم يؤدي إلى زيادة عمل الجهاز العصبي بشكل متهيج، وإلى الأرق وصعوبة النوم، والعشى، كما أنه يؤدي إلى ضعف شديد في الذاكرة، والنسيان المزمن، ويؤدي نقصه أيضًا إلى آلام في الأعصاب المحيطية واحتقان في الأعصاب، وإلى مزاج عصبي حاد، وآلام مختلفة في الجسم، إضافة إلى صداعات متكررة، وتصلب في العضلات والأوتار والأربطة العضلية والمفصلية. ولا ننسى إضافة إلى دور المغنيسيوم المهدئ في الجهاز العصبي، فهو ضروري أيضًا من أجل سلامة العظام والأسنان، كما أنه يسرع في نمو الخلايا، ويزيد مرونة الأنسجة، ويعادل بتأثيره القلوي السموم الحمضية، وهو ضروري جدٌّا من أجل عمل الدماغ والرئتين، كما أنه خافض طبيعي للحرارة ومرطب طبيعي. وإذا عرفنا الخواص الرائعة لهذا المهدئ العظيم، أدركنا الحالة التي تكون بها المرأة بعد الولادة من إنهاك للعضلات نتيجة كثرة الشد، وتوتر الأربطة والمفاصل، إضافة إلى الضغط النفسي والعصبي والعقلي، والآلام العضلية والعصبية وما يتبع ذلك من تعرق وإجهاد عنيفين، فما أحوج الجسم في هذه اللحظات إلى عنصر عظيم مثل عنصر المغنيسيوم يقوم بإنهاء كافة هذه التوترات على مستوى كافة الأجهزة والغدد، ويا حبذا لو كان بكمية كبيرة، وبصورة سهلة الامتصاص جدٌّا، وهي الصورة المثالية التي يوجد فيها المغنيسيوم في التمر، وهذا ما يفسر قول الله تعالى لمريم بعد مخاضها وولادتها: (وَقَرِى عَيْنًا). وهذه هي الصورة كاملة (وَهُزِى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيٌّا * فَكُلِى وَاشْرَبِى وَقَرِى عَيْنًا) (25، 26) مريم. بعد أن أرشدها إلى تناول الرطب الذي يتساقط عليها من النخلة. أما عنصر المنجنيز الموجود في الرطب والتمر بوفرة كبيرة، فلن يتسع المجال لذكر كل وظائفه وتأثيراته في الجسم، ولكني سأذكر بعض وظائفه التي أثبتها العلم، وأهمها وظيفة الحب (فهو يعرف باسم عنصر الحب)، وذلك لأنه وجد أن نقص هذا العنصر عند حيوانات التجربة يؤدي لإهمالها لأولادها، وإلى عدم الاهتمام بهم وبرعايتهم أو إرضاعهم، مع عدم الاهتمام بأي شأن من شؤونهم، وفقدان كل مظهر من مظاهر الحب بين الحيوانات وأولادها، وقد أظهرت الدراسة أيضًا أن حرمان الفئران من المنجنيز في غذائها أدى إلى تحولها إلى فئران عدوانية تجاه صغارها، إذ بدأت تهاجمها لتأكلها. هذا ويعتبر التمر مَنجمًا كاملاً من المعادن، وأهم المعادن التي يحتويها التمر، الحديد، ولا تنسوا أن حليب الأم فقير بالحديد الذي ينفد من مخازنه بعد الشهر الرابع من الولادة، ويصاب الطفل بفقر دم بنقص الحديد عند عدم تعويض الحديد له بالغذاء، والاكتفاء بحليب الرضاعة الفقير بالحديد، ولذلك فإني أنصح بضرورة إدخال التمر ومنقوعه للطفل الوليد اعتبارًا من الشهر الرابع، مع ضرورة دهن جسمه بزيت الزيتون بشكل دوري. // انتهى .. د. جمال القدسي الدويك |
أوقـات الصـلاة والتوقيت الغـروبي
د. حسن بن محمد باصرة لقد ربط الشارع توزيع أوقات الصلوات بحركة الشمس والظلال، وهو الأمر المتاح للحاضر والباد والجاهل والمتعلم؛ لأن مراقبة الظل من الأمور التي يمكن القيام بها مع القليل من المعرفة. فمع ظل الاستواء (وهو أقصر ظل خلال النهار وذلك لحظة بلوغ الشمس أقصى ارتفاع لها) يدخل وقت صلاة الظهر، ويدخل وقت صلاة العصر عندما يصبح طول الظل مساوٍ لطول الجسم بالإضافة إلى ظل الاستواء. أما الصلوات الأخرى فلا علاقة لها بحركة الشمس نهارًا بل بمدى انخفاضها عن الأفق. وعلى هذا الأساس ظهرت جداول زمنية تعتمد على الظل موضحة دخول وقت صلاتي الظهر والعصر خلال العام موزعة على بروج الشمس أو منازل القمر المتوافقة مع السنة الشمسية. ومن أمثلتها جدول السيد عبدالرحمن مشهور الحداد المتوفى بتريم (حضرموت - اليمن) سنة 1320هـ وهو جدول معتمد على الظل وموزع على السنة الشمسية بناءً على منازل القمر. ومع ظهور الساعات تم استبدال عنصر الظل في الجدول إلى زمن الساعات وهو التوقيت الغروبي وذلك ما درجت عليه العادة في ذلك العهد ـ أي قبل قرن من الزمان ـ ويعتمد التوقيت الغروبي على معايرة الساعات مع غروب الشمس كل يوم على الثانية عشرة إشارة إلى نهاية يوم وبداية يوم آخر. ومع التغيرات التي طرأت على طرق التعامل مع التوقيت ظهر التوقيت الزوالي والذي يعتمد على جعل نهاية اليوم وبدايته لحظة منتصف الليل، وانتشر استخدام التوقيت الزوالي بعد أن نُسب إلى خطوط طول رئيسة وأثبت مدى صلاحيته وقدرته على توحيد الزمن على مناطق شاسعة تغطي دُوَلاً بأكملها، بينما كان التوقيت الغروبي يفتقر لمثل هذه التغطية؛ لأنه يعتبر توقيتًا محليٌّا يختلف من مكان إلى آخر، وإن كان على بُعد عدة كيلومترات. وفي محاولة لتجديد جدول السيد عبدالرحمن الحداد قام البعض بتحويل الجدول من التوقيت الغروبي إلى التوقيت الزوالي، وبعد ظهور الساعات الحديثة والمبرمجة والتي تدل على دخول أوقات الصلوات بعد تغذيتها بخطوط الطول والعرض للمكان المقصود، ظهر أن جدول السيد عبدالرحمن بعد تحويله لا يتفق في دخول صلاة العصر مع ما تشير إليه الساعات المبرمجة وذلك في بعض فصول السنة. فإذا عرفنا أن السيد عبدالرحمن مشهور كان على قدر كبير من العلم والفقه؛ إذ كان مفتيًا لحضرموت ومؤلفًا لكتاب (بغية المسترشدين) في الفقه الشافعي وكان بالإضافة لذلك على دراية بعلم الفلك كما يلاحظ من الأجزاء الأخيرة من كتابه، فبعد هذا يظل السؤال: كيف حدث مثل هذا الفرق في جدول السيد مشهور وما تظهره بعض الحسابات الحديثة؟ لقد اتخذ البعض ذلك ذريعة ليبثوا ويشيعوا عدم الاعتماد على ما صدر عن أولئك الأفذاذ من فتاوى وعلم، ويشككوا في مدى ما كان عليه السيد عبدالرحمن من مكانة علمية، الأمر الذي ينعكس أيضًا على الذين وضعوه في تلك المرتبة، فلنتتبع كيف نشأ هذا الخطأ وما مصدره؟ ولبحث هذه المشكلة لا بد من التطرق إلى عدد من الحقائق الكونية المتعلقة بحركات الأرض حول نفسها والشمس، وقد تم عزو حركة الشمس الظاهرية خلال اليوم (من شروق وعبور لخط الزوال ظهرًا ثم الانحدار نحو الغرب) إلى حركة الأرض حول محورها مرة كل يوم. من المعلوم أن العرب قديمًا قسّموا اليوم إلى أربع وعشرين ساعة، وأطلقوا على كل ساعة منها اسمًا معينًا. واستمر الاعتقاد بأن طول اليوم مساوٍ للأربع والعشرين ساعة تمامًا لكن الحقيقة العلمية تنفي صحة هذا الاعتقاد، وأن ما هو معتمد من استخدامنا لرقم أربع وعشرين يعتبر متوسط طول اليوم المتغير خلال العام، أما أسباب هذا التفاوت فهي خارج نطاق ما نكتبه الآن. فأطول يوم يصل إلى 24 ساعة و17 دقيقة بينما أقصر يوم حوالي 23 ساعة و46 دقيقة ويكون تمامًا 24 ساعة في أربعة أيام فقط خلال العام، وهذا ما يوضحه الشكل(1)، وتُسمى هذه الظاهرة علميٌّا بمعادلة الزمن والتي لا يمكن لأي كتاب فلكي يُعنى بالتوقيت أن يخلو من التعرض لها، وتعتبر معادلة الزمن من الأساسيات الأولية المستخدمة في تحديد مواعيد الصلوات في جميع الجداول المتخصصة في حساب مواقيت الصلاة. يتبع ~ ~ |
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/13/8-1.jpg
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/13/8-2.jpg الشكل (1) يمثل المنحنى التغير في طول اليوم بالزيادة أو النقصان عن 24 ساعة حيث نلاحظ أنه يبلغ أقصى طول له أوائل نوفمبر أي بزيادة حوالي 17 دقيقة ويقل عن 24 ساعة بحوالي 14 دقيقة حوالي منتصف فبراير. ويكون طول اليوم 24 ساعة فقط في أربعة أيام خلال السنة الشمسية. الشكل (2) تغير موعد صلاة العصر إذا لم تستخدم معادلة الزمن، فالتوقيت غير المصحح يسبق الصحيح خلال آخر السنة وذلك لمدينة تريم إذ يبلغ أقصى قيمة للفرق حوالي 17 دقيقة وذلك في أوائل نوفمبر، كما يشير السهم. هذا من الناحية العلمية، ومن الناحية العملية فقد كان هنالك ما يشير إلى التفاوت في طول اليوم وهو معايرة الساعات في التوقيت الغروبي على الساعة الثانية عشرة مع غروب الشمس كل يومين أو ثلاثة حيث إن الساعة قد تتقدم أو تتأخر خلال هذه الأيام المتتابعة حوالي دقيقة، وكان يُظن أن هذا ناتج من عدم دقة الساعات ولم يخطر بالبال أن هذا ناشئ عن اختلاف طول اليوم وهذه إشارة غير مباشرة لتفاوت طول الأيام. وفي الحقيقة فغروب الشمس يتأخر كل يوم من 2 سبتمبر إلى 4 نوفمبر حوالي ربع دقيقة بعد مرور 24 ساعة عن الغروب الماضي، لهذا فإن طول اليوم في هذه الفترة يزيد دقيقة واحدة تقريبًا كل أربعة أيام وبالتالي فإن يوم 4 نوفمبر يعتبر أطول يوم في السنة وطوله حوالي 24 ساعة و17 دقيقة تقريبًا. ومن بعد 4 نوفمبر يبدأ طول اليوم في التناقص بنفس المعدل السابق حيث يتم إنقاص دقيقة كل أربعة أيام وذلك حتى يوم 25 ديسمبر حيث يكون طول اليوم فعلاً 24 ساعة تمامًا، ويستمر التناقص في طول اليوم عن 24 ساعة بنفس المعدل إلى يوم 11 فبراير وهو أقصر يوم في السنة وطوله حوالي 24 ساعة إلا 14 دقيقة ثم يبدأ طول اليوم في التزايد بنفس المعدل السابق حيث يتم زيادة دقيقة كل أربعة أيام وذلك حتى يوم 16 إبريل حيث يكون اليوم فعلاً 24 ساعة تمامًا، وما بين هذا التاريخ حتى الثاني من سبتمبر يتأرجح طول اليوم بين زيادة ونقصان يصل أقصاها إلى ست دقائق. يتبع ~ ~ |
هكذا نلاحظ أن طول اليوم بالتوقيت الغروبي دائمًا عبارة عن 24 ساعة يزيد أو ينقص ربع دقيقة تقريبًا (وإن كان ذلك اليوم هو يوم 4 نوفمبر، الذي طوله 24 ساعة و17 دقيقة تقريبًا) لأن كل يوم ينسب إلى اليوم الذي قبله، بينما المعايرة التي تحدث يوميٌّا خلال السنة مع كل غروب تعمل على تعديل الفرق اليومي، في حين يوجد هناك فرق تراكمي يحدث في طول اليوم وهو الذي أطلق عليه معادلة الزمن. ومن هنا نرى أن تحويل التوقيت الغروبي إلى زوالي بطريقة أولية لا تتضمن معادلة الزمن (التي تحل مشكلة اختلاف طول اليوم) تسبب في ظهور هذا الإشكال الذي نحن بصدده.
وباستخدام المعادلات الرياضية لتحديد مواعيد صلاة العصر وتطبيقها على خط عرض مدينة تريم التي عُمل الجدول فيها (16.05 درجة شمالاً) خلال السنة بالتوقيت الزوالي وذلك باستخدام معادلة الزمن وبدونها، وهو ما يوضحه الشكل(2) نجد أن المنحنى الذي يمثل وقت حلول الصلاة المصحح يتأخر تدريجيٌّا عن المنحنى الآخر غير المصحح في فصل الشتاء ليصل غايته إلى ما يقدر بـ 17 دقيقة. وهنا لا بد لنا من وقفة، فعند وجود جدول للصلاة عُمل قبل أكثر من قرن من الزمان معتمد على الأرصاد المباشرة للظل ومشيرًا إلى اختلاف (ظاهري) في تقديم وقت صلاة العصر (عند تحويله من توقيت غروبي إلى زوالي) بحوالي 17 دقيقة تقريبًا وبالتحديد في أوائل نوفمبر وهو التاريخ الذي حددت فيه الدراسات الحديثة أكبر تغيير في معادلة الزمن فإنما يدل على مدى الدقة التي رافقت عمل ذلك الجدول بالرغم من صعوبة ومحدودية الوسائل التي كانت متاحة في ذلك الزمان مقارنة بما نحن فيه الآن، وما مصدر هذا الاختلاف الظاهري إلا عن عدم إتقان التحويل بين التوقيتين الغروبي والزوالي. // انتهى .. د. حسن بن محمد باصرة |
هل الكولا تهضم الطعام وتروي الظمآن؟
د. فوزي الفيشاوي نشرت مجلة (العلم) في عددها رقم (130) إجابة وافية على سؤال: هل الكولا تروي العطشان أو تهضم الطعام؟ وقد جاءت الإجابة بقلم الدكتور فوزي الفيشاوي على النحو الآتي: 1. هل الكولا تروي العطشان؟ إن الشعور بالظمأ أحد الأحاسيس القوية في حياة الإنسان. فما الذي يجري في جسم الظمآن؟ حين يقل معيار الماء بالجسم وتبدأ الخلايا في طلب المزيد تتولد آليتان مدهشتان لطلب الإرواء: فالماء الذي نقص في الدم يجعل تركيز الأملاح يزيد، ومن ثم يزيد الضغط الإزموزي للدماء. وحتى يعوض الدم ما فقد من ماء يلجأ إلى غدد الفم اللعابية يأخذ ما تنطوي عليه من ماء وهكذا يشعر المرء بجفاف فمه، ويطلب الماء للإرواء. وفي الوقت نفسه فإن الدم لا يتوقف عن إرسال إشاراته إلى المخ يبلغه فيها بنقصان الماء مما يولد لدى المرء رغبة جامحة في الإرواء. والماء القراح هو مطلب الأبدان ولكن الناس اليوم استبدلوا أشربة الكولا الغازية بالماء القراح فهل هذه الأشربة حقٌّا تروي الظمآن؟ ربما يدهشك أن تعلم أنها لا تروي أحدًا من ظمأ، بل ربما تزيد حرقة الظمآن ويعود ذلك إلى المحتوى السكري للأشربة والذي يزيد من قيمة الضغط الإزموزي فهو يصل في الكوكا كولا ـ على سبيل المثال ـ إلى 576. وهكذا فإذا شرب الظمآن كثيرًا من الشراب زادت إزموزية الدماء وزادت رغبته في الإرواء. وإن المرء ليعجب حقٌّا وهو يرقب الناس في كل لقاء يقدم فيه الطعام وهم يعرضون عن الماء القراح إلى أشربة الكولا ثم لا يلبثون أن يطلبوا الماء. هذا لأنه لا يطفئ الظمأ شراب مثل الماء، ولا بديل عن الماء في الشعور بالرضا والإرواء. وإذا كانت أشربة الكولا لا تطفئ الظمأ فإن أخذها بحالة باردة ومثلجة في الصيف ليس له أدنى تأثير على شعور المرء بالحر، فهي لا ترطب الأبدان، كما أنها لا تخفف من وطأة الجو الخانق مثلما يعتقد الكثيرون، بل العكس هو الصحيح بمعنى أن تناول السوائل الساخنة هو الذي يخفف من وطأة القيظ ويرطب الأبدان. ونستطيع أن نفهم السبب إذا أدركنا آلية الشعور بالحرارة والبرودة، فعندما نأخذ شرابًا ساخنًا فإنه يؤدي إلى الشعور بارتفاع موضعي في حرارة الجسم وإذا ما أزيلت هذه الحرارة بانتشارها في أنحاء الجسم نشعر ببرودة نسبية، وفي الوقت نفسه فإن الأوعية الدموية التي كانت متمددة تتقلص، مما ينجم عنه بطء انتقال الحرارة إلى الجسم. وكذلك يعمل المشروب الدافئ على زيادة تدفق الدم إلى الجهاز الهضمي ويكون هذا على حساب تدفقه إلى الجلد مما يؤدي إلى الإحساس ببعض البرودة والتلطيف. 2. هل الكولا تهضم الطعام؟ بمجرد أن ينزع غطاء زجاجة الكولا تظهر على الفور فقاعات كثيرة، ويحدث فوران شديد فما هو السبب؟ الواقع أن الأشربة الغازية تصنع عادة من مكونين كبيرين أحدهما هو الشراب الأساسي والآخر هو ماء الصودا SODA WATER وهذا الأخير هو بغيتنا الآن وهو (ببساطة) المحلول الذي ينتج عن إذابة غاز ثاني أكسيد الكربون النقي في الماء تحت ظروف محددة من حيث درجة الحرارة والضغط. وبهذه المناسبة فإن تعبير (ماء الصودا) لا يعني وجود الصوديوم أو أحد أملاحه ضمن تركيب المحلول، بل إنه يعبر عن الطريقة التي كانت سائدة للحصول على غاز ثاني أكسيد الكربون. فقد كان ينتج بطريقة تعتمد على تحميض كربونات الصوديم أو بيكربونات الصوديوم، وبسبب الاعتماد على هذه الأملاح الصوديومية أطلق على المحلول الناتج (ماء الصوداء)، على العموم فإن الغـاز يكـون ذائبًا في الأشربة الغازية بواقع لتر من الغاز في كل لتر من الشراب، وتجري إذابته تحت ضغط مرتفع. ولكن ما إن ينزع غطاء الزجاجة لا سيما عند ارتفاع درجة حرارة الشراب فإن الغاز ينطلق مسرعًا من العبوة في صورة فقاعات وفوران شديد. ويدعونا هذا الحديث للتساؤل عن دور غاز ثاني أكسيد الكربون في المساعدة على هضم الطعام، وهل بوسعه حقٌّا إزالة الشعور بالتخمة وحالة التلبك الهضمي؟ الواقع أن هذا السؤال مثير للجدل إلى حد كبير، ولكن العلماء اهتدوا ـ مؤخرًا ـ إلى حل بارع له؛ إذ فكّروا في منح بعض المتطوعين شراب الكولا، بعد أن تناولوا طعامًا أضيف له نظير مشع Radioctive isoiope، بغية متابعة حركة الطعام في قناة الهضم، ثم حساب الزمن الذي يمكنه في المعدة قبل الإفراغ. والنتيجة لن يصدقها الكثيرون، فقد استبان للباحثين أن أخذ شراب الكولا لا يزيد من قدرة عضلات المعدة على تحريك الطعام باتجاه المخرج. وبتعبير آخر فإن الشراب لا يزيد من انقباضات المعدة المتجهة من المدخل باتجاه المخرج وهي المعروفة بالتقلصات الدودية Peristalsis ومن ثم لا يزيد من قدرة المعدة على تحريك ما تحويه من طعام. وتبين أيضًا أن دور الشراب لا يتجاوز مجرد إعادة توزيع الطعام داخل فراغ المعدة، فالغاز يتجمع في الجزء العلوي من المعدة دافعًا الطعام والسوائل بالجزء السفلي. بقي أن نزيد أن هذه الغازات المتجمعة في المعدة قد تضغط على أعلى البطن مفجرة موجة من الآلام لا تخف بغير إخراج عاجل عن طريق الجشاء، على أنها قد تهرب إلى الأمعاء الدقيقة والغليظة، فيعم ـ عندئذ شعور بالانتفاخ يستوجب إخراج الرياح ومعاودة الجشاء. فانظر كم في أشربة الكولا الغازية من متاعب ومنغصات، وانظر كم ينسبون إليها من منافع صحية ومكرمات هي في الحقيقة من قبيل الخرافات. // |
السماء بناء وزينة
إدريس الأشقـر ( قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) يونس (101) ويقول سبحانه: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران (191). يقصد بالكون ـ حسب المعلومات والاكتشافات التي أدركها الإنسان ـ هذا الفضاء الرحيب الممتد والذي لم تعرف له نهاية، حيث تنتشر فيه وتتوزع ـ بحساب وجلال وحكمة ـ عدد كبير من المجرات Galaxies، وهي عبارة عن جزر كونية هائلة ملتهبة ينتظم فيها ـ بتقدير من رب العالمين ـ بلايين من الأجرام السماوية المنوعة من سحب غازية وغبار كوني Clouds Gas وسدم Nepulas ونجوم Stars وكواكب Planets ومذنبات Comets ونيازك Meteors وشهب. والكون بصيغته الربانية هو هذه السماوات الأرض وما بينهما، وقد أورد الله ـ عز وجل ـ ذكرها في كثير من الآيات منها: ( الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) السجدة (3).إن السماوات والأرض موضوع ضخم، والتطرق إليه ليس بشيء هين ما دامت المعلومات المتوفرة ليست بكافية وثابتة، خصوصاً وأن أكثرها ما زال قيد الدراسة والتطوير. كما أ، هناك أشياء ما زالت وستبقى خارجة عن حدود الإدراك الإنساني. يقول الله ـ عز وجل ـ: ( ولله غيب السماوات والأرض) النحل (77). (خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) غافر (56). لهذا سوف نكتفي في هذا المقال بسماء أرضنا، هذا الكوكب الذي ينتمي إلى مجرة (درب التبانة أو الطريق اللبني (Milky Way) التي هي على شكل قرص هائل من النجوم والغاز والغبار الكوني وسحابة مخلخلة جداً من الغاز. وحول هذا القرص توجد الهالة الكروية المكونة من تجمعات النجوم، عدا المذنبات، والنيازك، والكواكب، ولاكوازارات، والبوليسارات، والثقوب السوداء، والثقوب البيضاء، وما لا حصر له من الذرات، وشكل المجرة الخارجي حلزوني إذا نظر إليه من أعلى، وعدسي مسطح إذا نظر إليه من الجنب. يتبع ~ ~ |
السماء بناء وزينة
يقول الله ـ عز وجل ـ في سورة ق (6): (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزينها وما لها من فروج). في هذه الآية الكريمة يخاطب الله ـ سبحانه وتعالى ـ الكافرين بقوله، أفلم يبصروا ويدركوا تفاصيل الكيفية التي بنيت عليها وزينت بها السماء التي من فوقهم بدون أن يكون لها فروج، ولقد مكن الله ـ عز وجل ـ كثيراً من العلماء ـ وجلهم من غير المسلمين أو الكافرين ـ ليدركوا تفاصيل ذلك، فأعطاهم ـ في عصرنا هذا ـ العلم وسخر لهم التكنولوجيا المتطورة ـ من أجهزة ومراصد ـ فاكتشفوا ما كان مقدراً لهم أن يكتشفوا ونشروا بحوثاً ومعلومات عديدة حول ذلك. وما زالوا يبحثون ويعملون ليلاً نهاراً، لا ليبرهنوا على عظمة الخالق ـ عز وجل ـ ولكن ليشفوا رغباتهم العلمية التي طغت عليها المادة والهيمنة والعولمة. وصدق قوله تبارك وتعالى: ( وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون...) يوسف (105). يتبع ~ ~ |
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/9-1.jpg
شكل (1) المجموعة الشمسية في درب التبانة فكل المعلومات التي جاءت بها التحليلات العلمية النظرية والتجريبية والاكتشافات التي واكبتها تؤكد أن هذا الفضاء ليس بفراغ ـ كما كان يعتقد من قبل ـ لكنه بناء محكم بنموذج فريد آخذ في الاتساع إلى أجل مسمى. والقرآن الكريم كان سباقاً في الخبر عن ذلك كله في كثير من الآيات التي نذكر منها: (ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها). النازعات (27 ـ 28). (والسماوات ذات الحبك) الذاريات (7). فنحن نشاهد جزءاً من هذا البناء بالعين المجردة، أو بواسطة المجاهر الضخمة: فهذه كواكب، وهذه أقمار تدور حول الكواكب، وهذه نجوم (تعد بالبلايين) تتخلل السماء وتتلألأ في ظلمة الليل، والكل معلق في الفضاء، سابح في أفلاكه ومداراته، لكن متماسك بدون عمد فيما بينه بقوة وحكمة ربانية (قوة جاذبية وقوة طاردة وأخرى لا يعلمها إلا الله). فلا اختلال ولا اضطراب في هذا التماسك بل هو بنيان متين وفريد. وهو صنع الله الذي أتقن كل شيء، والذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، وصدق تعالى عند قوله: ( الله الذي رفع السماوات والأرض بغير عمد ترونها). الرعد (2). (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا). فاطر (41). (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) الحج (65). فالسماء بناء والغلاف الجوي الأرضي جزء منه حيث لا تراه العين المجردة بل تحس به من خلال أجهزة القياس التي رصدت لهذه الغاية والمعلومات التي جمعت في هذا الميدان. أ ـ الغلاف الجوي الأرضي وزينته يؤدي الغلاف الجوي الأرضي دوراً كبيراً في استمرار الحياة والنمو لكل المخلوقات، فهو باب مفتوح في بعض الحالات وباب مغلق (يعني سقف محفوظ للرد والرجع) في حالات أخرى، وكما نعلم فالأرض كوكب تحيط به طبقات جو تحتوي على كمية كبيرة من الهواء ـ وهو خليط من جزيئات النتروجين (78%) والأكسجين (21%) والهيدروجين (1%) وأكسيد الكربون والنتروجين وغازات أخرى وغبار، وتنقلص كثافة هذه الجزئيات كلما ارتفعنا من سطح الأرض لتندثر بعد ذلك في أجواء جد عليا (10). يتبع ~ ~ |
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/9-2.jpg
شكل رقم (2) طبقات الجو الأرضية على ضوء الأشعة الشمسية المرئية خلال النهار (التي هي مزيج من الأشعة المرئية المختلفة الألوان من البنفسجي إلى الأحمر أي من 4.0 (m) إلى 75.0 (m) يظهر لنا هذا الغلاف (عند خلوه من السحب والغبار) أزرق كالقبة من فوقنا. أما أثناء الشروق والغروب فيميل هذا الغلاف على الاحمرار. وإن هذه الزرقة وهذا الاحمرار، إن دل على شيء، فهو يدل على وجود تلك الجزيئات السالفة الذكر في بناء منظم ومحكم، فزرقة السماء دليل على تشتيت الأشعة الشمسية وانتشار الضوء الأزرق بكثرة في طبقات الجو (تشتت رايليغ. (2) diffusion of Rayleigh أما احمرار السماء فهو كذلك نتيجة تشتيت الأشعة الشمسية وكثرة انتشار الضوء الأحمر في الأجواء السفلى التي تحيط بسطح الأرض. أما خلال الليل فتغيب الأشعة الشمسية على الغلاف الجوي ونرى كل السماء (بما فيها الغلاف الجوي) مظلمة تتخللها كواكب ونجوم مختلفة الأشكال وهي متلألئة. فالفضاء خارج الغلاف الأرضي هو فضاء مظلم حيث الانعدام النسبي لتلك الجزيئات لأنه لا يسمح بتشتت الأشعة ثم إظهارها(3). يتبع ~ ~ |
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/9-3.jpg
شكل رقم (3) درجات الحرارة عبر طلقات الجو الأرضية إن هذه الزرقة وهذا الاحمرار وهذه الظلمة التي تتخللها أنوار الأشياء الكونية ـ زيادة على الطيف المتشكل نتيجة السحب المارة ـ تعطي للسماء أردية مختلفة الأشكال والألوان تغيرها كأي إنسان يغير ملابسه المختلفة عبر الأيام. إن هذه المظاهر التي نشاهدها ونمر عليها يومياً هي آيات بينات تدل على الكيفية التي زين بها الله ـ عز وجل ـ هذه السماء وصدق قوله تعالى: ( الذي أحسن كل شيء خلقه) السجدة (7). ب ـ الطبقةات الجوية الأرضية وأدوارها (4)و (5)و (6) يقول الله ـ عز وجل ـ: (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) الفرقان (2). (وأوحى في كل سماء أمرها). فصلت (11) (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه) الجاثية (12). ولقد تبين للعلماء أن الغلاف الجوي يتكون من خمس طبقات مختلفة صنفت من حيث سمكها ونوعية جزيئاتها وكثافتها والأدوار التي سخرت لها بتقدير مضبوط من رب العالمين لضمان الحياة والنمو لكل المخلوقات. (تروبوسفير): Troposphere طبقة تأتي مباشرة بعد سطح الأرض وترتفع إلى علو بين (8 ـ 15كلم). يوجد فيها 85% من الكتلة الكلية الجوية، أكبرها كمية هو خليط من لاهواء قابل للاستنشاق ثم ثاني أكسيد الكربون، هذه المادة الحيوية والضرورية لتفكيك المادة العضوية (organiquque decomposition de la matiere). كما يتم في هذه الطبقة تنشيط وتفعيل السحب لتمطر ماء أو ثلجاً، وتنشيط الرياح والعواصف. ستراتوسفير: Stratosphere طبقة تأتي من بعد (التربوسفير) إلى علو يناهز 50كلم. تتكون من جزيئات أكثرها غاز الأوزون الذي يمتص تقريباً كل الأشعة البنفسجية المضرة ويحصرها لحماية الكائنات الحية من الأمراض والأخطار. (ميزوسفير): Mesosphere طبقة تأتي من بعد (الستراتوسفير) إلى علو يناهزها 90كلم. وتلعب دوراً كبيراً في حفظ الأرض ومن عليها من كل جسم خارجي حيث يتم احتراق وتفتيت الشهب والنيازك والمكوكات الفضائية والمستغنى عنها والأقمار الصناعية العاطلة إلى غير ذلك من شظايا الأجسام الكونية التي تدخل الغلاف الجوي الأرضي. (تيرموسفير): Termosphere طبقة تأتي من بعد (الميزوسفير) إلى علو يناهز 600 كلم. وقد سخرت لضبط الحرارة عبر كل الطبقات وتكييفها. كما يوضح لنا ذلك الرسم التبياني للتغير الذي يقع في درجة الحرارة عبر طبقات الجو. الشكل (3). (إكسوسفير: Exophere أعلى طبقة في الأجواء الأرضية. تدور فيها كل الأقمار الاصطناعية ولك المكونات الفضائية حول الأرض.أيونوسفير: Ionosphere وهي طبقة تقع تحت تأثير الأشعة الشمسية (خصوصاً منها أشعة سين الأشعة تحت البنفسجية والجزيئات الشمسية الأخرى) والأشعة الكونية الأخرى التي تدخل الغلاف فينتج تأين المادة Ionisation de la matiere(8) بين علو (60 و 600كلم)، وتسمى هذه الطبقة التي اكتشفها كنيلي (Kennely – Heabisid) عام 1902م، طبقة اليونوسفير (Ionosphere). وتتأثر بالمناخ الذي يسود المنطقة (فصل، نهار أو ليل، حرارة...). وتلعب الطبقة الموجودة على ارتفاع 110 كلم (طبقة كنيلي) دوراً كبيراً في انعكاس الأشعة الراديوية ذات الموجة القصيرة (5) (High Frequencies: HF)، وتستخدم بتسخير من الله ـ عز وجل ـ للاتصالات اللاسلكية بين البلدان والقارات. انظر الشكل (4). يتبع ~ ~ |
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/9-4.jpg
شكل رقم (4) "اليونوسفير" وإنعكاس الأشعة الراديوية (الماغنيتوسفير: Magnelosphere كما هو الشأن في الكواكب الأخرى يوجد في الأجواء العليا المحيطة بالأرض بعد طبقة اليونوسفير (بين 650 و 160000 كلم) حزام مغناطيسي، وهو يحصل نتيجة التفاعلات التي تقع بين الرياح الشمسية والجزيئات المكهربة. وتلعب هذه الطبقة المتمددة في الاتجاه المعاكس للشمس دوراً كبيراً لمغناطيسية الأرض بقطبيها الشمالي والجنوبي. أنظر الشكلين (4 و 5). http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/9-5.jpg شكل رقم (5) الماغيتوسفير السماء لها أبواب (Fenetres) مالها من فروج والسماء ذات الرجع (Pouboir de reflexion) أ ـ السماء بناء في اتساع دائم بدون فروج: مما سبق بيانه يتضح لنا أن السماء بناء متماسك متين ومحكم، بكيفية فريدة ربانية. بحيث لا نرى في خلق الرحمن من تفاوت، فلا خلل ولا اضطراب في هذا التشيد الضخم، بل هناك توازن كوني دائم إلى أجل مسمى. فرب العالمين قد بناها وزينها وأوحى في كل سماء أمرها بتقدير، واتساع بدون أن يكون لها فروج. فلا الشكل (2): طبقات الجو الأرضية أشياء كونية تخرج وتنفلت عبر فروج. من هذه السماء، ولا أشياء تدخل وتولج فيها، بل هناك فقط ما ينزل منها وما يعرج فيها من خلال أبواب قد سخرت بتقدير وسلطان مبين فهي لذلك سقف محفوظ. اقرأ قوله تعالى: (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتنا معرضون). الأنبياء (32). (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما يعرج فيها). الحديد (4). نلاحظ من خلال آية سورة الحديد الإشارة إلى النزول من السماء والعروج فيها. وهكذا لم يكن قوله تعالى ـ فيما يخص السماء ـ وما ينزل منها (آتياً من خارجها) وما يعرج فيها(ذاهباً إلى خارجها). وهذا ما يدل على أن الكون (السماء والأرض وما بينهما) بنيان محفوظ بدون فروج. وهو بتدبير من الله رب العالمين أي منه وإليه ـ جل وعلا ـ إن هذه الإشارات وتلك التي جاءت في الآيات الكريمات لهي دليل في نظري على ما توصل إليه العلم حديثاً وبالخصوص نظرية الانفجار العظيم أو الرتق (Big Bang). ومعنى ذلك أن الكون انطلق من نقطة ذات كثافة كبيرة فتناثرت أجزاؤه وأخذت في الاتساع دون توقف، لكن إلى أجل مسمى (1). ويمكن أن يفهم هذا في قوله تعالى: ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما) الأنبياء (30). (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزينها وما لها من فروج). ق (5). (والسماء بنيناها بأييد وإنما لموسعون). الذاريات (47). يتبع ~ ~ |
ب ـ السماء وأبوابها المختلفة :
يقول الله ـ عز وجل ـ: (ولو فتحنا باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون) الحجر (14 ـ 15). (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) الرحمن (31). لقد استطاع الإنسان أخيراً أن يغزو الفضاء. وقد بدأ ذلك بخروج أول رائد فضاء. يوري جاجارين الروسي ـ في 12 أبريل عام 1961م ـ ثم ساهمت وكالتا الفضاء الأمريكية (ناسا NASA) والسوفيتية بعدة رحلات فضائية. أولها كان إلى القمر بواسطة (أبوللو 11) في 16 يوليو عام 1969م. وقد يكون ذلك فتح لباب من هذه السماء بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا التي مكنهم الله ـ عز وجل ـ منها. باباً من السماء (في الغلاف الجوي) حيث عاكسوا قوة الجاذبية الأرضية وأفلتوا منها ووصلوا إلى الفضاء الخارجي حيث تنعدم نسبياً تلك الجاذبية وظلوا فيه يعرجون ورأوا ما رأوا، وأدركوا ما أدركوا أن حالة الليل هي الدائمة في الفضاء (3)، أما الضياء الذي نشاهده حول جرم من الأجرام فهو نتيجة تشتت الأشعة الشمسية المرئية على أن للسماء باباً كذلك يفتح لتسرب وانتقال الأشعة الشمسية المرئية. كما أدركوا واكتشفوا في هذه السماء أبواباً أخرى منها منافذ للأشعة تحت الحمراء ومنافذ للأشعة الراديوية القصيرة جداً جداً. (High Frequencies; UHF: Ultra High Frequencies VHF: Very) والتي سوف نبسط الكلام عنها في الفقرة الموالية. يتبع ~ ~ |
ج ـ تسرب وانتقال الأشعة الكهرومغناطيسية وامتصاصها وردها
يقول الله ـ عز وجل ـ: (والسماء ذات الرجع). الطارق (10). (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتنا معرضون). الأنبياء (32). لقد ضمن الله ـ عز وجل ـ العيش والنمو لجميع الكائنات الحية بإرسال ـ عبر أبواب من السماء ـ بعض الأشعة الشمسية الضرورية، ولذلك حجب بعضها الآخر الذي هو مضر بها عبر قدرة الرجع والامتصاص للسماء. فكيف يكون ذلك؟ لقد وظف ـ سبحانه وتعالى ـ لهذه الأمر المطاع الغلاف الجوي الأرضي. فالشمس كما نعلم نجم مضيء يفرز بمقدار الأشعة الكهرومغناطيسية Electromagnetique Rayomnenent التالية: الأشعة جاما وأشعة سين (RX:Rayons X) والأشعة فوق البنفسجية (UV:Ultra- Violet) والأشعة المرئية (V: Visible) والأشعة تحت الحمراء (IR:Infra – Rouge) والأشعة الراديوية (Radio). ونعلم أن القسط الأوفر من هذه الأشعة ما بين 0.25m (أشعة فوق البنفسجية) و 1.5m (أشعة تحت الحمراء) مع قيمة قصوية في الأشعة المرئية حوالي 5.0 m (9) و (10). كما نعلم كذلك أن الأشعة الكهرومغناطيسية تتكون من جسيمات صغيرة جداً بدون كتلة ولا شحنة كهربائية لكن تحمل طاقة كهرومغناطيسية، وتسمى الفوتونات (Photons). وعند تفاعلها مع مادة ما (كيفما كان شكلها: غاز، سائل، أو صلب) تنعكس ويظهر هذا الشيء بألوانه حسب طبيعة مكوناته. كيف يحدث الامتصاص أو الانتقال (مع الانعكاس)؟. إن الأشعة الكهرومغناطيسية مكونة من أشعة مختلفة تصنف حسب طول موجتها. وعند ولوجها الغلاف الجوي المكون من ذرات وجزيئات يقع تأثير بينهما. وحسب ذبذبة اهتزازهما (اهتزاز الجزيئات الناتج عن التحرك الحراري (Agitation Thermique) واهتزاز الأشعة الناتجة عن طبيعتها (التي منحها إياها الخالق ـ عز وجل ـ يحدث إما امتصاص (Absorption:A) أو انعكاس (Reflexion:R) أو انتقال (Transmission) لهذه الأشعة مع هذه المعادلة (A+R+T=1) أو بنسبة مئوية (نسبة الامتصاص) + (نسبة الانعكاس) + (نسبة الانتقال) = 100% وهكذا في حالة الانتقال التام) حيث تكون A=0 و R=0 تكون الأبواب مفتوحة فتسرب وتنتقل الفوتونات عبرها. وهذا ما يحدث تقريباً للأشعة المرئية حيث تتسرب وتنتقل حتى يدركها الإنسان بعينيه من خلال الانعكاسات التي تقع على الأشياء. في هذه الحالة تلعب الفوتونات المصنفة بطول هذه الموجة أو هذه الذبذبة دور المفاتيح، وتلعب الذرات أو الجزيئات التي ساهمت في هذا الانتقال دور الأبواب. وبما أن الغلاف الجوي طبقات مكونة من جزيئات وذرات منوعة، لذا فهي تشكل أبواباً مختلفة. سيكون إذن التسرب للأشعة الكهرومغناطيسية عبر مفاتيح مختلفة كذلك. وتخص هذه الحالة كلاً من الأشعة المرئية (بقسط كبير لتوفير الضياء والطاقة الشمسية الكهربائية)والأشعة تحت الحمراء (خصوصاً منها البعيدة IR – Lointain: 0.1 mm إلى (25 m) بقسط ضروري للدفء والطاقة الشمسية الحرارية (11) و (12) والأشعة البنفسجية خصوصاً منها UV – A بقسط ضئيل جداً لا ضرر فيه للكائنات الحية ولإنتاج الفيتامين D الضروري للإنسان. أشعة Y RX UV V IR Radio طول الموجه 0.58 4.8 0.4 0.75 0.1 ما فوق 0.0058 0.58 4.8 0.4 0.75 الجدول(1) الأشعة الكهرومغناطيسية) تذكر أن إ 1=10000000000/1 متر) أما في الحالة التي تنتج عنها ذبذبة الاهتزازات بحيث تسمح ـ إما بالانعكاس أو الامتصاص ـ فلا تفتح السماء أبوابها لهذا النوع من الفوتونات، وتخص هذه الحالة كل ما تبقى من الأشعة البنفسجية الخطيرة على الكائنات الحية بقسط كبير خصوصاً منها (UV-B و UV-C) والأشعة الحمراء (m Proche-IR: 0.75 إلى (m3) و Moyen-IR: 3 على (m25) بقسط ضئيل. نحن لا نرى هذه النوافذ لكن نحس بها من خلال الأجهزة والمراصد والنتائج المحصل عليها، حيث نلاحظ نافذة صغيرة محصورة بين 0.4(m) و 0.75 (m) لتسرب كل الأشعة المرئية تقريباً، ثم نوافذ صغيرة لتسرب مضبوط للأشعة الراديوية الجد قصيرة VHF و (13) UHF. وتستعمل هذه النافذة في الاتصالات اللاسلكية (أرض ـ جو) عبر الأقمار الاصطناعية وتهم المحطات الفضائية والهواتف النقالة ومجالات أخرى مدنية وعسكرية للاتصال والمراقبة والرصد (14). كما نلاحظ كذلك عدم انتقال الأشعة الراديوية (HF). ويخص هذا الرد الإرسال الإذاعي ومجالات أخرى للاتصال (أرض ـ جو) مدنية وعسكرية في نفس الموجات (16) نفس الشيء يحدث بالنسبة للأشعة البنفسجية والسينية. فهي ترد أو تمتص تقريباً في طبقات الجو الأرضية العليا. وخلاصة لهذا نقول: إن السماء مكونة من أبواب فردية صغيرة الحجم (حجم الجزيئات أو الذرات) في كثافة متفاوتة حسب الطبقات، لكن إجمالياً فهي تمثل باباً كبيراً مسخراً إما أن يكون مفتوحاً (شفافاً) أو مغلقاً (معتماً) نسبياً أمام الأشعة الشمسية وأصنافها. وتلعب المناخ (سحب، غبار، رطوبة، حرارة، برودة...) الذي يعم منطقة من المناطق دوراً كبيراً في انتقال أو انعكاس أو امتصاص هذه الأشعة. أشعة راديوية تردد طول الموجة قصيرة HF 30 Mhz : 3 Mhz 100م- 10م جد قصيرة VHF 300 Mhz : 30 Mhz 10م -1م جد جد قصيرة UHF 300 Mhz : 300 Mhz 1م-1م الجدول رقم (2) الأشعة الراديوية Khz=1Khz=1000Hz=1000000 يتبع ~ ~ |
د ـ أبواب أخرى مختلفة الأدوار في السماء وهي غيب لا نعرفه:
لقد تكلم القرآن الكريم عن أبواب عديدة: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط). الأعراف (39). (يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً * وفتحت السماء فكانت أبوابا). النبأ (18 ـ 19). هناك في السماء ليست بالضرورة الغلاف الجوي الأرضي، ولكن يمكن أن تكون في منطقة ما من مناطق هذا الفضاء الرحب، (لا علم للإنسان بها، ربما بين السماوات والأرض: (ولله غيب السماوات والأرض) النحل (77). فهذه أبواب سخرت لتفتح لأهل الجنة (لأنفس أهل الجنة أو أرواحهم) وتغلق أمام أهل النار. http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/9-6.jpg شكل رقم (6) إنتقال الأشعة الشمية بعد التشتت والانتصاص في الأجواء الأرضية (IAAI) لقد أنعم الله ـ عز وجل ـ على الكائنات الحية بنعم (ظاهرة وباطنة) لا تحصى. ومن هذه النعم تسخير الغلاف الجوي الأرضي لضمان الحياة والأمن والزرق. اقرأ قوله تعالى: (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة). لقمان (19). يتبع ~ ~ |
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/9-7.jpg
شكل رقم (7) أبواب السماء المفتوحة والمغلقة بالنسبة للأشعة الشمسة (قل من يرزقكم من السماء والأرض). يونس (31). وقدر تعالى التركيبة المطلوبة في طبقات هذا الغلاف لتكون منفذاً (باباً مفتوحاً) لتسرب أشعة ما وانتقالها، أو تكون حاجزاً (رجع) لانعكاس أشعة ما، وردها، أو بيئاً مفروشاً لامتصاص أشعة أخرى وتحويلها. كما جعل الله ـ عز وجل ـ الطبقة الجد منخفضة للغلاف الجوي التي تقع على علو لا يتعدى 10 كلم منطقة مهيأة لتنشيط وتفعيل السحب (17) و (18) والغبار والرياح وإرجاع ذلك كله على أشكال من المطر أو الثلوج أو العواصف. http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/9-8.jpg شكل رقم (8) انتقال وانعكاس وامتصاص الأشعة عبر الغلاف الجوي (في حالة معتمة وشفافة) فعلاوة على تنزيل الماء من المزن ـ الرزق الحيوي الأساسي ـ نجد أن الاتصالات اللاسلكية عبر الأقمار الصناعية أصبحت تجارة ـ جد مربحة ـ في عصرنا هذا، فهذه قنوات فضائية وتلك محطات فضائية للبحث والرصد والمراقبة. وصدق قوله ـ تبارك وتعالى ـ: (وفي السماء رزقكم). الذاريات (22). يتبع ~ ~ |
أوجه الإعجاز العلمي في هذا الموضوع:
الإشارة الإعجازية الأولى: السماء بناء وزينة ما لها من فروج لقد وردت في القرآن الكريم آيات بينات كثيرة لها دلالاتها الإعجازية العلمية في كثير من المجالات العلمية المتخصصة. ولقد تطرق العديد من علماء المسلمين الأجلاء ـ جزاهم الله خيراً ـ إلى بعض الآيات ـ التي ذكر فيها موضوع السماوات والأرض. فربطوا بين دلالاتها وبين ما كشف عنه العلم في هذا الميدان. لقد توصل العلم في عصرنا هذا من خلال المعارف التي جمعت والدراسات التي أجريت، إلى نتيجة ذات أهمية قصوى، تشير إلى نظرية الانفجار الأعظم التي كانت الانطلاقة الأولى لنشأة هذا الكون، وما رافقها من تناثر في أجزائه في كل الاتجاهات، وبالتالي توسع دائم في الكون إلى أجل مسمى. هذا ما أخبرنا به العلم حديثاً، لكن القرآن الكريم كان سباقاً إلى كل هذا، حيث ورد الخبر وحياً في كثير من الآيات الكريمات نذكر منها على الخصوص: ( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما). الأنبياء (30) (والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون). الذاريات (47) (ءأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها * رفع سمكها فسواها). النازعات (27 ـ 28). كما أشار الحق ـ تبارك وتعالى ـ إلى موضع كيفية تشييد السماء في قوله: (أفلم ينظرا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج). ق (5). فهذه الآية الكريمة لها طابع إعجازي علمي قوي، حيث تؤكد وتكمل ما جاء من إعجاز علمي في الآيات السالفة الذكر، وتوحي بأن السماء (هذا المخلوق الذي من فوقنا) قد بنيت وزينت واتسعت وكبرت بدون أن يكون لها فروج. وكل شيء قد تطور في أجل مسمى إلى ما هو مكتوب له، وأنجز من داخلها بقدر وتقدير من رب العالمين. فلا تشقق ولا ثقوب ـ مع ذلك الإحكام والاتساع ـ في هذه السماء أو تخرج منها، بل هناك فقط ما ينزل منها وما يعرج فيها مصداقاً لقوله تعالى: ( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها) الحديد (4). (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتنا معرضون). الأنبياء (32). ربما العلم ما زال لم يتأكد بعد من هذه التنبؤات العظيمة التي جاء بها القرآن الكريم، فالإنسان بكل ما أوتي من علم وتكنولوجيا لم يصل بعد إلى الحد الأخير من الكون (3). فهو ما زال يبحث ويكتشف كل يوم أموراً أخرى كونية كانت بالأمس غائبة عنه، وينجز قياسات وتجارب، ويجمع معلومات على معلومات، وهي على قيد الدراسة والتحليل. وإن وصل ذات يوم، فسيكون القرآن الكريم مرة أخرى، قد سبق العلم والعلماء (أي الإنسان) في مجال جد جد حساس يتطلب علماً وتكنولوجيا جد جد متطورة، وتنبأ ـ منذ خمسة عشرة قرناً ـ بمعلومات وحقائق لم تكن معروفة للإنسان في ذلك الوقت. الإشارة الإعجازية الثانية: أبواب من السماء لقد وضحنا أن السماء (كل السماوات والأرض) نظام مغلق على نفسه فيه من العوالم ما لا يعلمه إلا الله تعالى (Systeme Ferme)، بل لها فروع للتعامل بين أقطارها أو مع بيئة خارجية (إن كانت)، بل لها أبواب محكمة قدر لها قدرها في علم الله الواسع، تفتح وتغلق ـ لمن شاء رب العالمين ـ فهذه أبواب من السماء للأشعة الشمسية وهذه للمطر، وتلك أبواب في عالم الغيب لأهل الجنة والملائكة، وهي أبواب لا يعلمها إلى الله ـ عز وجل ـ وصدق قوله تعالى: ( ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون). الحجر (14 ـ 15). (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط). الأعراف (39). (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر). القمر (11). (يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا * وفتحت السماء فكانت أبوابا) النبأ (18 ـ 19). الإشارة الإعجازية الثالثة: في السماء رزق الإنسان يقول الله عز وجل: (وفي السماء رزقكم). الذاريات (22). لقد بنيت هذه السماء، وسخرها الله ـ عز وجل ـ للإنسان. فهي تمطر ماء وتسقط ثلجاً. ومع تطور العلم والتكنولوجيا استخدمها الإنسان في عصرنا هذا لبناء المكوكات الفضائية وفي الاتصالات اللاسلكية عبر محطات أرضية وأقمار اصطناعية، وأسهمت بقسط كبير المحطات الفضائية والهواتف النقالة ومجالات أخرى مدنية وعسكرية للاتصال والمراقبة والرصد في ذلك. وفعلاً أصبح الفضاء مصدراً تجارياً متميزاً، تتقوى به الدول والأمم وتهيمن به على الآخرين. وخلاصة القول: لقد خلق الله ـ عز وجل ـ الإنسان وكرمه وفضله بالعقل على سائر المخلوقات، وجعله خليفته في أرضه، وأمره ونهاه، فأمره بأول آية قرآنية أنزلها على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بطلب العلم والمعرفة، وكشف له ـ جزءاً ضئيلاً من علمه الواسع ـ ما كان محتاجاً له ومحجوباً عنه، وأنزل القرآن بالحق تبياناً لكل شيء، وهدى، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأنبأه فيه بشيء من الغيب في الآفاق وفي الأنفس ليرى الناس سبق القرآن للحقائق العلمية التي لم تكتشف إلا في العصور الحاضرة. اقرأ قوله ـ تبارك وتعالى ـ: ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). فصلت (53). // انتهى .. إدريس الأشقـر |
الحبة السوداء.. شفاء من كل داء
د. عبد الجواد الصاوي تلقى المسلمون أحاديث الحبة السوداء بالقبول واختلف العلماء في شرحها: فمن قائل بأن عموم الشفاء لكل الأمراض والذي يفهم من ظاهر الأحاديث ليس مراداً، وإنما المراد أن فيها شفاء لبعض الأمراض، فهو من قبيل العام الذي يراد منه الخصوص، ومن قائل: أن الأصل حمل العام على عمومه ما لم تكن هناك قرينة قوية صارفة، ولذلك رجحوا وجود خاصية الشفاء بها لكل الأمراض وأثبتت الأبحاث الحديثة أن جهاز المناعة يملك تقديم العلاج الدقيق المتخصص لكل داء يمكن أن يصيب الجسم، من خلال تنشيط المناعة النوعية متمثلة في الخلايا الليمفاوية المنتجة للأجسام المضادة، والخلايا القاتلة المفصلة والمخصصة لكل داء. وأن للحبة السوداء تأثيراً منشطاً ومقوياً لهذه المناعة، فيمكن بذلك أن يكون في الحبة السوداء شفاء من كل داء، وبالتالي يمكن حمل ظاهر النصوص على عمومها. وسنتناول في هذا البحث شرح علمائنا السابقين لهذه الأحاديث، ثم شرحاً مبسطاً لجهاز المناعة، مشفوعاً بملخص لبعض الأبحاث التجريبية في أثر الحبة السوداء على هذا الجهاز، ثم بيان وجه الإعجاز العلمي في هذه الأحاديث. يتبع ~ ~ |
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/2-1.jpg
أولاً: النصوص الواردة وشرحها ثبت في الصحيحين من حديث أم سلمة عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام (1) والسام: الموت. كما روى البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا من السام. قلت وما السام؟ قال: الموت(2). وفي رواية المسلم: ما من داء إلا في الحبة السوداء منه شفاء(3) يتبع ~ ~ |
شرح العلماء السابقين للأحاديث
اختلف علماء المسلمين الأوائل في تفسير هذه الأحاديث بناء على معلومات عصرهم، فقال فريق منهم: أن العموم غير مراد وإنما يراد به الخصوص. فقال المناوي فإن فيها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة ولكن لا تستعمل في داء صرف بل تارة تستعمل مفردة وتارة مركبة حسب ما يقتضيه المرض وقال ابن حجر العسقلاني مثل الكلام السابق وزارد في كل داء تقديره يقبل العلاج بها فإنها تنفع من الأمراض الباردة وأما الحارة فلا. وقال الخطابي: هو من العام الذي يراد به الخاص لأنه ليس من طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلتها، وإنما المراد إنها شفاء من كل داء يحدث بسبب الرطوبة. وقال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء لكل داء من الحبة السوداء، فإن كان المراد بقوله العسل فيه شفاء للناس إنما يراد به الأكثر الأغلب، فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى. وأما صاحب كتاب تحفة الأحوذي الذي حمل الأحاديث على عمومها فقال وأما أحاديث الباب فحملها على العموم متعين لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها إلا السام كقوله تعالى ( والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) ثم قال: قال أبو محمد بن أبي جمرة تكلم الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوده إلى قوله أهل الطب والتجربة ولا خفاء بغلط قائل ذلك، لأنا إذا صدقنا أهل الطب ومدار علمهم غالباً على التجربة التي بناؤها ظن غالب، فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى من كلامهم.. أ..هـ يتبع ~ ~ |
ثانياً: الجانب العلمي
1ـ الجهاز المناعي(7،5) يتعرض الإنسان طبيعياً لأنواع مختلفة من البكتريا والفيروسات والفطريات والطفيليات التي تغزونا عن طريق الجلد، أو مجاري التنفس، أو عن طريق القناة الهضمية، أو عن طريق الأغشية المبطنة للعين، أو عن طريق الجهاز البولي وتسبب عدة أمراض خطيرة فيما لو نفذت إلى الأنسجة العميقة في الجسم بالإضافة إلى الأعداد التي تحيا طبيعياً في أجسامنا. http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/2-2.jpg ولكن من رحمة الله بنا أن جعل لأجسامنا نظاماً خاصة للدفاع عنه ضد الغزو الخارجي لهذه الكائنات الدقيقة وسمومها التي تفرزها في الجسم، وهذا الجهاز يسمى جهاز المناعة. ويقوم الجهاز بوظيفتين متكاملتين لمنع المرض والتخلص من مسببه الغازي للجسم، إما بتحطيمه بواسطة عملية البلعمة، أو بإنتاج أجسام مضادة وخلايا متخصصة متوافقة مع تركيب كل كائن يغزو الجسم، وذلك لضمان القضاء عليه بشكل نهائي. وعليه فالمناعة التي يقدمها هذا الجهاز للجسم يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسيين: أولاً: مناعة فطرية أو طبيعية (Natural immunity) وتعتبر خط دفاع أولي للجسم إذ تعمل على منع دخول الغازي، أو إبادته قبل تمكنه من احتلال الأنسجة وتكاثره فيها وتسببه للمرض، وهي مناعة غير نوعية (Non specific) حيث أنها توجد لصد جميع الغزاة من الكائنات الدقيقة والعوامل الخارجية الضارة بكيفية واحدة. وتعمل هذه المناعة وفق الآليات التالية: 1ـ آليات ميكانيكية وفيزيائية وكيماوية تحمي الجسم من هؤلاء الغزاة كالجلد والأغشية المخاطية المبطنة للجهاز التنفسي، والهضمي، والتناسلي، والبولي، وملتحمة العين، وهذه الكائنات للجسم. كما أن في إفرازات الجلد مواد فعالة في قتل الجراثيم مثل حمل اللاكتيك الموجود في العرق، والأحماض الدهنية الموجودة في جلد البالغين، وشمع الأذن المضاد للجراثيم لما فيه من حامض الأوليك، كما تحوي الأغشية المبطنة لمواد قاتلة للجراثيم مثل الخميرة الحالة Lysosome وكذلك مواد قاتلة للفيروسات، هذا فضلاً على ميكانيكية حركة السائل المخاطي في الجهاز التنفسي والذي به يتخلص من الجراثيم والأجسام الغريبة أولاً بأول. يتبع ~ ~ |
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/2-3.jpg
2ـالجراثيم الموجودة بصورة طبيعية في الجسم Normal flora:وهي جراثيم غير مرضية، تعيش بأعداد هائلة في أمعاء الإنسان وفمه وفي أماكن أخرى، ولها دور بارز في الدفاع عن الجس، إذ تكون وسطاً غير صالح للأنواع المرضية فتقبلها أو تعيق نموها. 3ـبعض المركبات الكيميائية في الدم: والتي تلتصق بالجراثيم الغازية أو السموم وتحطمها مثل الجسيمات الحالة وعديدة الببتيدات الأساسية Basic polypepyides والتي تبطل مفعول أنواع معينة من البكتيريا. 4ـ(Interferons): تنتجها الخلايا حينما تصاب بفيروسات قبل إنتاج الأجسام المضادة،وهذه المواد تسمى مواد مانعة إذ تجعل النسيج يقاوم الإصابة إذا ما تعرض لفيروس آخر فتمنعه من النمو فيقضي عليه الجسم مبكراً. 5ـComplement: يتكون من حوالي عشرين بروتيناً،ووظيفته تنشيط عملية البلعمة لكل من الخلايا البيضاء وخلايا البلعمة، ومعادلة الفيروسات وجعلها غير قادرة على التكاثر، ومحاصرة مكان الالتهاب والغازي في آن واحد، والقضاء على الميكروب قبل تكوين الأجسام المضادة الخاصة. 6ـالبلعمتة Phagocytosis: وتعنى ابتلاع وقتل وهضم الكائنات والمواد الغريبة بواسطة خلايا الدم البيضاء المعروفة بالبلعميات، وهي الوحدات المتحركة لنظام الدفع الجسمي وتتكون هذه الخلايا من نخاع العظام، ثم تنتقل إلى الدم وجميع أنسجة الجسم، وتكمن أهميتها الحقيقية في انتقالها السريع إلى أماكن الإصابة الخطرة لتشكل دفاعاً سريعاً وقوياً ضد الغزاة. وتقوم هذه الخلايا بشل فاعلية هذا الغريب الغازي وتحطيمه وخلايا البلعمة نوعان: الببلعميات الكبيرة (Macrophages) وتتكون من الخلايا من الخلايا البيضاء وحيدة النواة Monocytes فعندما تدخل الأنسجة تكبر وتتحول إلى خلايا بلعمية كبيرة وتتصل بالأنسجة وتبقى متصلة بها شهوراً أو سنيناً تدافع عنها وتلتهم عدداً كبيراً من البكتيريا والفيروسات والخلايا الميتة والأجسام الغريبة. وتتمركز خلايا البلعمة في مراكز أساسية في الجسم لحمايته من أخطار الغزاة، وتختلف من حيث موقعها ومظهرها وحجمها وحركتها: فتسمى في الكبد: خلايا كوفر، وفي الدم: الخلايا وحيدة النواة monocytes، وفي الرئة خلايا الغبار، أما إذا وجدت في السائل المتكون نتيجة الإلتهاب فتسمى بالبلعم الكبير. ويحتوي الكبد والطحال على أعلى نسبة من البلعم الكبير. البليعمات (Microphage): وهي كريات الدم البيضاء مثل الخلايا متعادلة الاصطباغ (Neutrophils) والخلايا حامضية الاصطباغ (Eosinophils) وهي أصغر حجماً من البلاعم النسيجية ويتكاثر عددها أثناء الالتهابات الحادة إلى أكثر من 60% من مجموع كريات الدم البيضاء. تبدأ عملية البلعمة بالانجذاب الكيميائي نحو العامل الغريب ويتم التحامه بالبلاعم بواسطة أرجلها الكاذبة (pseudopodia) حتى يتم احتواؤه داخل الخلية البلعمية، وأثناء ذلك يتم قتل العامل الغريب إن كان حيا نتيجة لإفراز بروكسيد الهيدروجين (H2o2) ومشتقاته. بعدها تبدأ عملية هضمه بواسطة أنزيمات تفرزها حبيبات موجودة في الهيولي (Cytoplasm) ثم يتم عرض جزيئاته على سطح الخلية البلعمية لتتعرف على تركيبه الخلايا اللمفاوية وهكذا تتخلص البلاعم من العوامل المعادية. يتبع ~ ~ |
7ـ الخلايا القاتلة:
تعمل الخلايا القاتلة على قتل الخلايا المعادية الكبيرة التي لا تستطيع البلاعم التهامها بسبب كبر حجمها مثل خلايا الجسم المصابة بأحد الفيروسات الممرضة والخلايا السرطانية. وهناك نوعان من الخلايا القاتلة تعملان بنشاط أثناء المناعة الفطرية هما: ـ خلايا طبيعية قاتلة (Natural Killer cells) وهي أكبر الخلايا اللمفاوية وذات حبيبات كثيرة تحتوي إنزيمات تعمل على اختراق الغشاء الخلوي للخلايا المعادية مما يسبب تحللها وموتها، وتعمل الخلايا القاتلة الطبيعية دون تنشيط ولا تتحول إلى نوع آخر من الخلايا. ـ خلايا حامضية الاصطباغ: وهي متخصصة في قتل الديدان التي تصيب الجسم مثل دودة البلهارسيا عن طريق التصاقها على سطح الدودة ومن ثم إفراز إنزيمات تتفاعل مع الدودة لتقضي عليها. يتبع ~ ~ |
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/2-4.jpg
ثانياً ـ المناعة النوعية (Specific Immunity): هي قدرة الجسم على إنشاء مناعة خاصة قوية وتامة ضد جميع العوامل الغازية للجسم كل على حدة، وتسمى أيضاً المناعة المكتسبة (Acquired Immunity) وهي المناعة التي يكتسبها الجسم نتيجة لتفاعل الجهاز المناعي مع عامل خارجي اخترق دفاعات الجسم واحتل الأنسجة وربما سبب مرضاً ظاهراً مثل الميكروبات الفتاكة والفيروسات والسموم، والأنسجة الغريبة من الحيوانات الأخرى. وتتكون هذه المناعة من النسيج الليفاوي والخلايا اللمفاوية التي تنتج الأجسام المضادة، ومن الخلايا اللمفاوية المتخصصة للقضاء على كل ميكروب غازي للجسم حسب تركيبه ووصفه. يتبع ~ ~ |
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/2-5.jpg
الخلايا اللمفاوية.. السلاح المتخصص تمثل الخلايا الليمفاوية السلاح الأكثر تخصصا، والمعد لكل نوع من أنواع الغزاة بخصائصه المميزة أو سمومه الفتاكة، وتعتبر السلاح الدفاعي الحاسم في حلبة الصراع ولنتعرف على هذه الخلايا ونرى كيف تعمل بصورة متخصصة لكل كائن غريب يوجد داخل الجسم. هناك نوعان من الخلايا اللمفاوية المتخصصة: الخلايا البائية، والخلايا التائية 1ـ الخلايا البائية: (B. Lymphocytes) تتكون الخلايا البائية في نخاع العظام وتبقى فيه إلى أن يكتمل نموها وتصبح خلايا فعالة ثم تنتشر في أجزاء الجسم المختلفة، وتتركز في الدم والطحال واللوزتين والعقد الليمفاوية لتشارك بعد إثارتها في مهاجمة الأجسام الغريبة وذلك بإنتاج الأجسام المضادة والتي تعرف بالأجسام المناعية. 2ـ الخلايا التائية: (T. Lymphocytes) تتكون الخلايا التائية في نخاع العظام ثم تتركه قبل أن يكتمل نموها وتتجه إلى الغدد الصعترية ـ بواسطة مواد جاذبة معينة تفرزها هذه الغدة ـ وتبقى فيها حيث يتم انقسامها ويكتمل نموها، ومن ثم تتركها وتنتشر في أجزاء الجسم المختلفة لتشارك في عمليات جهاز المناعة. وتنقسم الخلايا التائية الناضجة إلى ثلاثة أنواع رئيسة، لكل منها وظائف محددة هي: أـ الخلايا التائية المساعدة Th Helper. T cells تقوم هذه الخلايا بوظائف عديدة وتساعد وظائف جهاز المناعة بعدة طرق أهمها: زيادة تنشيط الخلايا القاتلة والخلايا الكابحة والخلايا البائية. كما تقوم بتنشيط استجابة خلايا البلعمة لابتلاع الكائنات الغريبة، وذلك بإفراز عدد من المواد البروتينية تعرف بمحفزات الخلايا مثل الإنترلوكين والإننترفيرون التي تساعد على انقسام ونمو وتكاثر الخلايا المختلفة لجهاز المناعة وتنشيطها حتى تصبح في حالة تأهب دائم للمشاركة في عملية الدفاع عن الجسم. وتحمل هذه الخلايا دلالات سطحية عبارة عن جليكوبرتينات ملتصقة بغشائها الخارجي ويرمز لها بأرقام مختلفة للتمييز بين أنواعها العديدة التي تميزها عن باقي أنواع خلايا (ت ) الأخرى. ب ـ الخلايا القاتلة أو المحللة للخلايا Keller cells - Cytoxic cells (Tcتساعد الخلايا القاتلة الجهاز المناعي على مواجهة وتحطيم الخلايا المصابة بالفيروسات والخلايا السرطانية، وتتميز الخلايا القاتلة بسهولة تنشيطها بمواد تفرزها خلايا (ت) الليمفاوية المساعدة فتحولها إلى خلايا قاتلة منشطة، ويوجد على جدر هذه الخلايا جزيئات مستقلة بأشكال مختلفة ـ مثل الأجسام المضادة ـ وتتعدى هذه الجزيئات 100 ألف مستقبل على جدار كل خلية، تتحد بقوة مع جزيئات الغازي ولا تتركه حتى يتم التخلص منه، وتهاجم الخلايا القاتلة الخلايا الغريبة مباشرة، ولديها القدرة على قتل الكائنات الدقيقة من خلال إفراز مواد قلوية سامة مصنعة في هذه الخلايا ـ تتجه مباشرة للخلية المهاجمة ـ وتستطيع كل خلية قاتلة أن تهاجم كائنات دقيقة عديدة ومختلفة واحداً تلو الآخر، كما أن لها دوراً هاماً في تحطيم الخلايا السرطانية، أو أي نوع آخر من الخلايا الغريبة على الجسم. وتترك الخية القاتلة الخلية المصابة ـ قبل قتلها كلية ـ لتموت وحدها وتبحث عن خلايا أخرى مصابة لتلتحم بها وتبدأ في قتلها، وهكذا حتى يتم التخلص من جميع الغزاة والكائنات الغريبة. ج ـ الخلايا الكابحة Cells Ts. Suppressor تكبح هذه الخلايا نشاط الخلايا القاتلة والخلايا المساعدة ـ بعد انتهاء المعركة مع الغازي ـ وذلك بإفراز عدد من المواد المثبطة التي تؤثر عليها وتحولها من الحالة الفعالة أو النشطة إلى الحالة الطبيعية الخامة في نهاية فترة الالتهاب. وترجع الحال إلى الوضع الطبيعي، حتى لا تستمر تفاعلات ونشاط جهاز المناعة فيدمر الجسم ذاته. يتبع ~ ~ |
وقبل شرح آلية عمل خلايا المناعة النوعية لا بد لنا أن نتعرف على ثلاثة مصطلحات مهمة وهي:
المستضدات Antigens المستضدات هي أجزاء من الميكروب المهاجم أو الجسم الغريب، توجد إما في جدار الخلية (في حالة البكتريا) وإما في الغشاء الخارجي للفيروس. وتعمل المستضدات على إثارة أو حث الجهاز المناعي لإنتاج الأجسام المضادة المطلوبة للقضاء على الميكروب أو الجسم الغريب. الأجسام المضادة Antibodies والأجسام المضادة عبارة عن جلوبيولينات مناعة تتفاعل مع المستضدات خلال مراحل القضاء على الجسم الغريب الذي يغزو جسم الإنسان أو الحيوان. وكل جسم مضاد يرتبط بالمستضد (Antigen) المشابه له تماماً والذي تسبب في تشكله، ولكما كان الشبه قوياً كان الترابط قوياً. والأجسام المضادة في أبسط صورها عبارة عن مركبات بروتينية مكونة من أربع وحدات أو سلاسل ببتيدية خفيفة وثقيلة يبلغ طول الواحدة منها حوالي مائة حامض نووي وتتشكل على هيئة الحرف واي (Y)، ولكل جسم مضاد مستضد خاص يعمل معه وفق شفرة خاصة دون غيره مثلما يحدث للقفل والمفتاح. http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/2-6.jpg وبسبب كثرة تنوع الترتيب الكيميائي الذري لسلاسل الثقيلة والخفيفة فإن الأجسام فإن الأجسام المضادة تأتي على أشكال مختلفة قد يصل عددها في الجسم إلى أكثر من بليون جسم مضاد، وتوجد خمسة أنواع من الأجسام المضادة تبعاً لنوعا السلسلة الثقيلة والحجم وتركيب الأحماض الأمينية وذلك كما يلي: Igm , IgG , Ig.A , igD , and IgE أهم هذه المجموعات مجموعة جلوبيولين المناعة (ج) IgG إذ تشكل 75% من الأجسام المضادة في الشخص العادي، وتوجد بين الأنسجة وتنتقل عبر المشيمة من الأم للجنين، أما مجموعة جلوبيولين المناعة (م) Igm فتشارك بكميات كبيرة في الاستجابة الأولية لإنتاج الأجسام المضادة، وتوجد فقط في الدم ولا تنتقل عبر المشيمة لكبر حجمها. وتحمي الأجسام المضادة الجسم البشري من الكائنات الغازية بطريقتين: إما بمهاجمة مباشرة للغازي، أو تنشيط نظام المتمم الذي يدمر الغازي. يتبع ~ ~ |
ارتباط المستضد بالجسم المضاد:
يرتبط الجسم المضاد بالمستضد بأحد الروابط الكيميائية الأربعة المعروفة وهي الرابطة الهيدروجينية أو الرباطة الكهروستاتيكية أو رابطة فاندر والز أو الرابطة النافرة للماء، ويأتي شكل موقع الالتصاق مع الجسم المضاد على شكل مقعر، لذلك وجب على موقع الاتحاد في البروتين الفيروسي (المستضد) أن يكون ذو شكل محدب حتى يتم الاتحاد بصورة فعالة. كيف تعمل خلايا المناعة وتحدث الاستجابة المناعية؟ تتعاون وتتفاعل خلايا جهاز المناعة بأنواعها المختلفة بعضها مع بعض لمواجهة ومحاربة الأجسام الغريبة التي تحاول دخول جسم الإنسان، وتبدأ عملية المواجهة بقيام الخلايا الملتهمة (البلعميات) بالتهام وابتلاع الأجسام الغريبة وتكسيرها وإعادة عرضها على سطح الخلية مرة أخلى في صورة مواد بروتينية بسيطة لتقديمها إلى الخلايا الليمفاوية المساعدة (ت) التي تتحد بها، وينتج عن ذلك الاتحاد قيام خلايا (ت) بإفراز محفزات الخلايا التي تعمل على تنشيط خلايا جهاز المناعة المختلفة، لكي تشارك ـ حسب دور ووظيفة كل نوع ـ في درء الخطر عن الجسم. وعلى سبيل المثال تقوم كل من خلايا (ت) المحللة، والخلايا القاتلة والخلايا القاتلة الطبيعية بالتعرف على الخلايا المصابة في الجسم ـ بما يوجد داخلها من أجسام غريبة ـ وتدميرها. وتقوم خلايا الدم البيضاء المحببة بأنواعها الثلاثة (متعادلة، حامضية، وقاعدية الاصطباغ) عند تنشيطها بإفراز إنزيمات مختلفة تعمل على استدراج واستقطاب خلايا جهاز المناعة إلى مكان الالتهاب. كما تؤدي محفزات الخلايا إلى تنشيط خلايا (ب) الليمفاوية وحثها على الانقسام والتكاثر وإفراز الأجسام المضادة المختلفة التي تسهل ـ عند اتحادها مع الأجسام الغريبة ـ عملية ابتلاعها بواسطة الخلايا الملتهمة، كما تعمل تلك الأجسام المضادة على تنشيط الجهاز المتمم الذي يعمل على تحلل الأجسام الغريبة. ومما يجد ذكره أن كل خلية ليمفاوية (ب) أو (ت) تحمل على سطحها مستقبلاً خاصاً يمكنها من التعرف على جسم غريب واحد فقط، ويتكون المستقبل في خلايا (ب) من أجسام مضادة من جلوبيولين المناعة (م) و (د)، بينما يتكون في خلايا (ت) من سلسلتين ببتيديتين. وعند دخول أي جسم غريب على جسم الإنسان تنشط الخلايا الليمفاوية (ب) و (ت) التي تحمل فقط المستقبل الخاص لذلك الجسم، وتتعرف عليه وتلتحم به شكل (7) وتتكاثر بالانقسام وتكون جيشاً كبيراً من الخلايا المناعية. أما باقي الخلايا الليمفاوية الأخرى التي تحمل مستقبلات مختلفة فلا تقوم بالمشاركة في عملية الدفاع، وتبقى إلى أن يأتي الجسم الغريب الذي يتفق مع مستقبلها. وتنتشر الأجسام المضادة والخلايا المتخصصة في الدم والأنسجة وتظل لفترة طويلة تصل لعدة شهور أو سنوات. يتبع ~ ~ |
خلايا المعلومات في جهاز المناعة:
تتكون أثناء حدوث الاستجابة المناعية وتكاثر خلايا المناعة خلايا خاصة من الخلايا اللمفاوية البائية والتائية تسمى خلايا الذاكرة تخزن في داخلها كل المعلومات التفصيلية والدقيقة عن الكائن الغازي للجسم بعد القضاء عليه، فخلايا الذاكرة (Memory B Iymphocytes) B تتكون من بعض الخلايا البائية (Iymphocytes B) بعد تنشيطها، وهي تسبح في كل الجسم وتظل ساكنة فيه حتى تنبه مرة ثانية بنفس المستضد في إصابة تالية، فتسارع إلى تنشيط الخلايا الليمفاوية البائية لإنتاج الأجسام المضادة بكميات كبيرة وبصورة سريعة. أما خلايا الذاكرة Iymphocytes) Memory T ) T فتتكون من الخلايا التائية المنشطة وتحفظ في النسيج الليمفاوي في كل الجسم، وعندما يتعرض الجسم لنفس الغازي تنشط مرة أخرى ـ وبسرعة ـ الخلايا التائية المتخصصة، وينتج منها كميات كبيرة وبصورة أسرع، مثلما يحدث في خلايا الذاكرة B . وبهذا يحمي الجسم من أخطار الكم الهائل من الكائنات الدقيقة والأجسام الغريبة التي تغزو الجسم على مدار الساعة. وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه فكرة اللقاح والتطعيم. يتبع ~ ~ |
2ـ الأبحاث العلمية:
ينتمي نبات النيجيللا ساتيفا Nigella sativa لفصيلة النباتات الشقيقية ومن الأسماء المتواترة لهذا النبات: الحبة السوداء، الكراوية السوداء، الكمون الأسود، شونيز، كالااجاجي كالدودة، جيراكا، كاز، كارزنا. وقد استعملت الحبة السوداء في كثير من دول اشرقين ـ الأوسط والأقصى ـ علاجا طبيعياً منذ أكثر من ألفي عام وتم استخلاص مركب النيجيللون من زيت الحبة السوداء عام 1959م على يد الدخاخني وزملاؤه، وتحتوي بذور الحبة السوداء على 40% من وزنها زيتاً ثابتاًو 1.4% زيوتاً طيارة، وتحتوي على خمسة عشر حمضاً أمينياً، وبروتين وكالسيوم وحديد وصوديوم وبوتاسيوم، وأهم مركباتها الفعالة هي: الثيموكينون، والدايثيموكينون، والثيموهيدروكينون، والثيمول l (TQ) Thymoquinone (DTQ) dithymoquinone (THQ) thymohydroquinone and (THY) thymol لم يتضح دور الحبة السوداء في المناعة الطبيعية حتى عام 1986م إلا بالأبحاث التي أجراها الدكتور القاضي وزملاؤه في الولايات المتحدة الأمريكية. ثم توالت بعد ذلك الأبحاث في شتى الأقطار وفي مجالات عديدة حول هذا النبات، غير أن الذي يهمنا في هذا البحث هو أثر الحبة السوداء على جهاز المناعة وسنعرض خلاصة لهذه الأبحاث ممثلة في بحث القاضي ثم الأبحاث التطبيقية التي جاءت بعده وأكدت نتائج بحثه. يتبع ~ ~ |
http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/2-7.jpg
الحبة السوداء وجهاز المناعة أجرى الدكتور أحمد القاضي وزملاؤه بالولايات المتحدة الأمريكية(4) بحثاً عن تأثير الحبة السوداء على جهاز المناعة في الإنسان وقد أجري البحث في دراستين كانت نتائج الدراسة الأولى: زيادة في نسبة الخلايا اللمفاوية التائية المساعدة Th إلى الخلايا الكابحة Ts بنسبة 55% وزيادة متوسطة في نشاط خلايا القاتل الطبيعي Keller cells بنسبة 30% وقد أعيدت الدارسة مرة أخرى على مجموعة ثانية من المتطوعين، وذلك لوقوع معظم المتطوعين في الدراسة الأولى تحت ضغوط مؤثرة شخصية ومالية، وضغوط متعلقة بالعمل خلال فترة الدراسة، وذلك لتفادي عامل الضغوط (الإجهاد) على جهاز المناعة. وقد أجريت الدراسة الثانية على ثمانية عشر متطوعاً ممن تبدو عليهم أمارات الصحة، وقد قسم المتطوعون إلى مجموعتين: مجموعة تناولت الحبة السوداء بواقع جرام واحد مرتين يومياً، ومجموعة ضابطة تناولت الفحم المنشط بدلاً منها لمدة أربعة أسابيع، وقد غلفت عبوات بذور الحبة السوداء في كبسولات متشابهة تماماً مع عبوات الفحم، وقد ثبت من خلال هذا البحث أن للحبة السوداء أثراً مقوياً لوظائف المناعة: حيث ازدادت نسبة الخلايا اللمفاوية التائية المساعدة إلى الخلايا التائبة الكابحة إلى 72% في الوسط. http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/2-8.jpg وحدث تحسن في نشاط خلايا القاتل الطبيعي بنسبة 74% في المتوسط. أما المجموعة الضابطة فحدث نقص 7% في نسبة الخلايا المساعدة إلى الكابحة، وحدث تحسن 42% في نشاط خلايا القاتل الطبيعي، وقد عزى هذا إلى قدرة الأغذية الطبيعية في إحداث أثراً في تقوية المناعة، بعد امتصاص الفحم للكيماويات السامة في الطعام المهضوم والشراب. وقد جاءت نتائج بعض الدراسات الحديثة مؤكدة لنتائج أبحاث القاضي منها: ـ نشرت مجلة المناعة الدوائية في عدد أغسطس 1995م (10) بحثاً حول تأثير الحبة السوداء على الخلايا اللمفاوية المدمرة للخلايا السرطانية الإنسانية في الخارج على عدة مطفرات، وعلى نشاط البلعمة لخلايا الدم البيضاء متعددة النواة، وقد أثبت البحث تأثيراً منشطاً لمستخلص الحبة السوداء على استجابة الخلايا اللمفاوية لأنواع معينة من الخلايا السرطانية، كما أثبت البحث أيضاً أن مستخلص الحبة السوداء يزيد من إنتاج بعض الوسائط المناعية (انترليوكين 3) من الخلايا اللمفاوية البشرية، عندما زرعت مع نفس الخلايا السرطانية السابقة بدون إضافة أي منشطات أخرى. يتبع ~ ~ |
كما أثبت البحث أيضاً أن الحبة السوداء تزيد من إفراز انترليوكين نوع 1 ـ بيتا، مما يعني أن لها تأثيراً في تنشيط خلايا البلعمة.
كما نشرت مجلة المناعة الدوائية في عدد سبتمبر 2000م (11) بحثاً عن التأثير الوقائي لزيت الحبة السوداء ضد الإصابة cytomegalovirus بالفيروس المضخم للخلايا في الفئران، حيث اختبر زيت الحبة السوداء كمضاد للفيروسات وقيست المناعة المكتسبة أثناء الفترة المبكرة من الإصابة بالفيروس وذلك بتحديد خلايا القاتل الطبيعي والخلايا البلعمية الكبيرة وعملية البلعمة. وبعد إعطاء زيت الحبة السوداء للفئران، وجد تثبيط واضح لمعدلات نمو الفيروس في الكبد والطحال بعد ثلاثة أيام من الإصابة، كما ازدادت معدلات الأجسام المضادة في المصل، ومع أنه انخفض كل من عدد ونشاط خلايا القاتل الطبيعي في اليوم الثالث من الإصابة، إلا أنه حدثت زيادة في أعداد الخلايا المساعدة التائية. وفي اليوم العاشر مع الإصابة لم يمكن تحديد أي معدل لوجود الفيروس في الكبد والطحال، بينما وجد بوضوح في مجموعة التحكم. وأظهرت هذه النتائج أن زيت الحبة السوداء له خاصية مضادة للفيروسات المضخمة للخلايا والتي قيست من خلال ازدياد وظيفة وعدد الخلايا اللمفاوية التائية المساعدة T cells (+) CD4 وزيادة الخلايا البلعمية الكبيرة وتنشيط عملية البلعمة وزيادة إنتاج الإنترفيرون نوع جاما في المصل. ـ نشرت مجلة السرطان الأوربية في عدد أكتوبر 1999م (12) بحثاً عن تأثير مركب الثيموكينون على سرطان المعدة في الفئران، وقد أثبت البحث أن الزيوت الطيارة في بذور الحبة السوداء يعد عاملاً كيميائياً قوياً واقياً ضد السرطان في المعدة، وقد عزى هذا لأن لها تأثيراً مضاداً للأكسدة والالتهابات. كما نشرت مجلة أبحاث مضادات السرطان في عدد مايو 1998م (13) بحثاً عن مستخلصات الحبة السوداء كمضاد للأورام السرطانية، وأثبت البحث أن مركبات الثيموكيون والدايثيموكنيون لهما تأثير مدمر على أنواع عديدة من الخلايا السرطانية البشرية. ـ نشرت أيضاً مجلة الاثنو الدوائية في عدد أبريل عام 2000م (14) بحثاً تطبيقياً آخر عن التأثيرات السمية والمناعية للمستخلص الإيثانولي من بذور الحبة السوداء وثبت أن له تأثيراً سمياً قوياً على بعض الخلايا السرطانية وتأثيراً قوياً ومنشطاً للمناعة الخلوية. ـ نشرت نفس المجلة في عدد نوفمبر 1999م (15) بحثاً عن تأثير الثيموكينون على متلازمة فانكوني ونشاط الخلايا السرطانية في الفئران وأثبت البحث أن هذا المركب الموجود في الحبة السوداء له نشاط واضح مضاد للأورام. ـ نشرت مجلة النباتات الطبية في عدد فبراير 1995م (16) بحثاً عن تأثير زيت الحبة السوداء الثابت ومركب الثميموكينون على كرات الدم البيضاء، والأكسدة الفوقية للدهن في الأغشية المبطنة وثبت من خلال هذا البحث صحة الاستخدام الشعبي للحبة السوداء ومنتجاتها في علاج الروماتيزم والأمراض الالتهابية ذات العلاقة. كما ثبت أيضاُ أن لمركب النبحيلون تأثيراً متوسطاً مثبطاً لإفراز الهستامين من الخلايا البلازمية في الدراسة التي نشرتها مجلة الحساسية في عدد مارس 1992م (17). ـ نشرت مجلة السرطان في عدد مارس 1992م (18) بحثاً عن الخواص المضادة للأورام في بذور الحبة السوداء وأجرى البحث على خلايا سرطانية مسببة للاستسقاء. (EAC)Ehrlich ascites rarcinoma (DLA) Daltpms Iymphonia ascites cells. (s-180) and sarcoma- 180 وقد توقف نمو هذه الأورام تماماً داخل حيوانات التجارب بواسطة المواد الفعالة في بذور الحبة السوداء ويعتقد لحد كبير أن مستوى التأثير وصل للحمض النووي دنا. ـ نشرت مجلة الاثنو الدوائية في عدد فبراير 2002م (19) بحثاً عن تأثير زيت الحبة السوداء على تليف الكيد الذي يحدث نتيجة الإصابة بالبلهارسيا المعوية في الفئران. وأثبت البحث أن لهذا الزيت تأثيراً مضاداً لتدمير الخلايا الكبدية نتيجة الإصابة بديدان البلهارسيا، وقد تحسنت أنزيمات الكبد تحسناً ملحوظاً، وانكمشت بؤر الإصابة ببيوض الديدان في الكبد انكماشاً كبيراً، مما يعني أنه يمكن أن يكون لزيت الحبة السوداء دور في التحكم ضد التغيرات التي تحدثها الإصابة بديدان البلهارسيا المعوية. وذكر الباحثون أن هذا التحسن يمكن أن يعزي جزئياً إلى التحسن في جهاز مناعة العائل وإلى التأثير المضاد للأكسدة في هذا الزيت. ـ نشرت مجلة اثنو الدوائية في عدد سبتمبر 1991م (19) بحثاً عن التأثير المضاد للميكروبات في بذور الحبة السوداء ثبت من خلاله أن لها تأثيراً مثبطاً للجراثيم موجبة الجرام ممثلة في جراثيم المكورة الذهبية، والتي قتل النوع الخطير منها تحت الجلد عندما عولج بالمستخلص حقنا، وكان له تأثير مباشر على عدد من الجراثيم سالبة الجرام، أو معاضد لبعض المضادات الحيوية. وهناك عدة دراسات تعضد التأثير المضاد للبكتيريا في مستخلص الحبة السوداء وخصوصاً الجراثيم موجبة الجرام. وغير ذلك من الأبحاث في مجالات عديدة أخرى يمكن أن يفرد لها مقال آخر بإذن الله. يتبع ~ ~ |
ثالثاً: وجه الإعجاز
أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن في الحبة السوداء شفاء لكل داء، ووردت كلمة شفاء في صيغ الأحاديث كلها غير معرفة بالألف واللام، وجاءت في سياق الإثبات فهي لذلك نكرة تعم في الغالب، وبالتالي يمكن أن نقول أن في الحبة السوداء نسبة من الشفاء في كل داء. http://www.eajaz.org/arabic/images/e...ges/14/2-9.jpg وقد ثبت من خلال وصف الجهاز المناعة أنه النظام الوحيد والفريد الذي يمتلك السلاح المتخصص للقضاء على كل داء، إذ تقوم الخلايا البلعمية بعد التهام الجراثيم الغازية وهضمها بعرض قطع البكتريا المتحللة (المستضد Antgenic) على سطحها، ثم تلتصق بالخلايا اللمفاوية لتعريفها على التركيب الدقيق للميكروب، فتحث كلاً من الخلايا البائية B. والخلايا التائية T لإنتاج الأجسام المضادة، أو خلايا T المتخصصة والخاصة بهذا المستضد الذي حفز إنتاجهما. ويمتلك جدار الخلايا البائية حوالي 100 ألف جزئ من الأجسام المضادة، والذي يتفاعل بخصوصية عالية مع النوع الخاص الذي سببه المستضد عند الميكروب، وكذلك في الخلايا التائية حيث تكون المستقبلات البروتينية السطحية الكائنة في جدار الخلية اللمفاوية والتي تسمى علامات الخلية. (T.cell markers) متشابهة تماماً للأجسام المضادة، وتتحد الأجسام والخلايا التائية المتخصصة اتحاداً تاماً مع المستضد للميكروب فتبطل عمله أو تدمره، وبالتالي فهذه المناعة هي مناعة متخصصة لكل كائن غريب يوجد داخل الجسم فلكل داء دواؤه المناسب وبما أنه لا توجد مادة مركبة أو بسيطة على وجه الأرض تملك خاصية المقدرة على التخلص من مسببات جميع الأمراض وشفائها حتى الآن ـ فيما نعلم ـ وتعمل عمل جهاز المناعة، فعلين يمكننا القول بأنه الجهاز الوحيد الذي يملك تقديم شفاء من كل داء ـ على وجه الحقيقة واليقين ـ بما يحويه من نظام المناعة النوعية أو المكتسبة التي تمتلك إنشاء الأجسام المضادة، وتكوين سلاح الخلايا القاتلة والمحللة المتخصصة لكل كائن مسبب للمرض. وهذا الجهاز هو مثل بقية الأجهزة ينتابه العطب والخلل والمرض، فقد يعمل بكامل طاقته وكفاءته أو بأقل حسب صحته وصحة مكوناته، فمادام هذا الجهاز سليماً معافى في الجسم يستطيع القضاء على كل داء (يطلق الداء إما على المرض أو على مسبب المرض). يتبع ~ ~ |
الساعة الآن 02:51 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.