![]() |
يجب أن تكون فينا زهرة لم تُرو، وجوع لم يشبع، ورغبة لم تُنل، وصيحة لم تسمع.. بهذا نستطيع أن نكون جديرين حقاً بالحكمة والتمييز، خليقين بفهم القلب الإنسانى ومخاطبته، قديرين على أن نحمل إليه العزاء، ورسالات السماء. توفيق الحكيم - سليمان الحكيم مودتي |
يسافر ضوء النجوم الميتة، وبضوء روعتها تبدو حيّة. الجيتار، الذى لا ينسى رفيقه، يعزف الموسيقى دون يد. يسافر الصوت، تاركاً الفم خلفه. إدوارد غاليانو - كلمات متجولة مودتي |
وهل ينال العفو امرؤ يحتفظ بثمار جرمه؟ فى عالمنا هذا الذى يتمشى الفساد فى جميع مسالكه.. ربما استطاع الغنى الآثم أن يحوّل العدل عن مجراه.. وكثيراً ما رأينا الهدية الدنسة تشترى ذمة القضاء.. لكن الأمور لا تجرى فى السماء على هذا المنوال.. هناك لا تجدى الحيل ولا الألاعيب.. بل يبدو الجرم فى صورته الصريحة.. ونلزم أنفسنا على مواجهة خطايانا.. وعلى الاعتراف بما اقترفناه. بعد ذلك ماذا عسانى أصنع؟ هل أبتغى الوسيلة بالندم؟ وأى إثم لا يمحوه الندم؟ ومع ذلك ما جدوى الندم لمن لا يستطيع أن يندم؟ فيا ويلى من شقى تعس، وويل لقلبى المظلم ظلمة الموت، ولروحى التى وقعت فى الشراك، تحاول الخلاص فلا تزداد إلا قيداً، أنجدينى يا ملائكة السماء، حاولى أن تخلصينى! واركعا أيتها الركبتان العنيدتان.. ويا أيها القلب الفولاذى الأوتار، كن رقيقاً ناعماً كأنك عضلات طفل حديث الولادة، عسى أن يأتى الخير. وليم شكسبير - هاملت مودتي |
أما أنا فليلى كالبحر هياجاً وظلاماً ورهبة، ليلى كالبحر وسفينتى به وحيدة متكسرة وأنا ربانها.. أنا ربانها ولكنى جاهل بالمسالك، والظلام حالك، فأين شاطئك يا أيها الليل؟ وأين مضجعك يا أيتها الثريا لتأوى إليه؟ ألم ينل منك التعب ويضنك السهروالسهر داء عياء؟.. أنت يا فراشى وثير، وأنت يا هواء عليل، وأنت يا ليل تحبب الزيارة إلى كل طيف، فما بالك لا تحببها إلى طيف المنام؟ طيف المنام أنّى لى به؟ وسهم السهاد واقف بالمرصاد، واقف له حيال مضجعى يذوده عنى ذياداً، فياله من حارس ثقيل يدفع عنى العدو والحبيب، وياله من طبيب جهول مسح عنى بلسم الشفاء. عبد الحليم عبد الله - غرام حائر مودتي |
المدخل دائماً لأى عمل أكتبه يمثل لى هماً بطول سور برلين وحاجزاً لكلماتى كجدار عازل يجعل الأفكار من خلفه متصارعة كدبابير مزعجة، الأفكار كثيراً ما نعتقد أنها بعيدة عنا ولكنها فى الحقيقة تسكننا وفى نفس الوقت نلهث دوماً لكى نصطادها فى دواخلنا! طاهر الزهرانى - نحو الجنوب مودتي |
إننى أحب هذه الحياة حباً لا تكلف فيه وأريد أن أتكلم عنها بحرية: إنها تمنحنى كبريائى لكونى إنساناً. ومع ذلك، ما أكثر ما قيل لى: لا شىء يدعو للفخر. بلى، ثمة ما يدعو إلى ذلك: هذه الشمس، هذا البحر، قلبى المتوثب بالشباب، جسدى بما فيه من طعم الملح، والمدى اللامحدود الذى يلتقى فيه الحنان والمجد فى الصفرة والزرقة. فلأقف قوتى وطاقتى على تحقيق ذلك.. كل شىء هنا يتركنى بكراً، فأنا لا أتخلى عن شىء من ذاتى، ولا أتحجب بأى قناع: يكفينى أن أتعلم بصبر علم الحياة الصعب الذى يفوق كل فنون الحياة. ألبير كامو - أعراس مودتي |
فى كل كائن وفى كل شىء على السواء تتعايش الظلمات والنور وتتشابك.. فلُبّ الثمرة التى تخضمونها يغذّى جسدكم، بيد أن مذاقها الطيّب وعطرها ولونها تغذى نفسكم. و(النور) الكائن فيكم يتغذّى بالجمال والمعرفة ففكروا بتغذيته من غير انقطاع، ولا تكتفوا بإتخام الجسد. وحواسكم منذورة لتلقف الجمال ولمسه واستنشاقه وتذوقه والإصغاء إليه وتأمله.. إن حواسكم الخمس مصافى (نور).. فقدموا إليها العطور والأنغام والألوان. أمين معلوف - حدائق النور مودتي |
تحاول كل هذه التفاصيل القاتلة أن تنسينى المكان الذى رأيت فيه النور لأول مرة.. تتوه من الذاكرة أول حصاة رميتها فى شقاوة الطفولة الأولى. أنزل من البيت، أتسكع فى المدينة الكبيرة، أمشى بدون هدف، أبحث عن أى ذريعة للتسكع.. حتى جئت إلى هنا.. فأدركت أنه فى هذا المكان، يمكننى أن ألمس تعاسة الذين تؤرقنى حيواتهم ومصائرهم. كنت أحاول الخروج من جلدى، والتحديق فى الآخرين والمرئيات والأشياء.. حتى أحاول صيانة روحى من اليأس وحماية قلبى من التحجّر. يوسف القعيد - مرافعة البلبل فى القفص مودتي |
ذو الوجهين منافق، وذو الوجه الواحد ميت! يعيب الإنسان أن يصنع له نفساً ووجهاً غير وجهه، وأن يبدو للناس بوجهين يلعن أحدهما الآخر، ويعلم هو أنهما - كليهما - ملعونان. ولا يعيبه أن يكون له مائة وجه ينمّ كل منها على سمة من سماته ومعنى من معانيه، ويعرض لنا من ذهنه وسليقته وقلبه فى ساعة ما ليس يعرضه فى ساعة أخرى. لأن كل وجه من هذه الوجوه حق وليس بكذب، وجوهر وليس بطلاء، وصفحة من كتاب لا تتم قراءته إلا باستعراض جميع الصفحات. ذو الوجهين فى كل وجه من وجهيه كذب وطلاء. وذو الوجوه المنوعة السمات.. المعددة الملامح.. المفرقة المعانى، راوية صادق الخبر يرينا كل يوم بينة جديدة على صدقه ولوناً جديداً من تمامه ونقصه، ونفساً جديدة فى تعبير جديد. والرجل الذى لا تختلف له صورة من صورة ولا تمثال من تمثال هو جماد يختلس عنوان الحياة. عباس محمود العقاد - سارة مودتي |
إن الملامح التى تبيح أسرار الذات المعنوية تكسب الوجه جمالاً وملاحة مهما كانت تلك الأسرار موجعة وأليمة.. أما الوجوه التى لا تتكلم بصمتها عن غوامض النفس وخفاياها فلا تكون جميلة مهما كانت متناسقة الخطوط متناسبة الأعضاء. جبران خليل جبران - الأجنحة المتكسرة مودتي |
فالاقتراب الشديد من الجميع قد يغرس أشواكهم فينا ويغرس أشواكنا فيهم.. والبعد عنهم أيضاً يفقدنا الأمان والدفء ويجعل الحياة قاسية ومريرة، لهذا فنحن فى حاجة دائمة إلى أن نتلامس مع الآخرين.. ولكن بغير التصاق شديد يفتح أبواب المتاعب.. ويحجب الرؤية ويشوّش السمع.. لأن القرب الشديد يضيّق مدى الرؤية فى حين أن الاقتراب عن بعد أو الابتعاد عن قرب يجعل الرؤية أوضح والسمع أصغى.. فالإنسان فى حاجة إلى رفقاء يبثهم شجونه ويهتم بأمرهم ويهتمون بأمره، لكنه يحتاج أيضاً إلى أن تكون له ذاته الخاصة التى لا يقترب منها إلا الأصفياء وحدهم.. والإنسان يحتاج أيضاً إلى أن يحسن الظن بالآخرين لكى تستقيم الحياة لكنه يحتاج أيضاً إلى أن يكون حريصاً بعض الشىء فى علاقاته بهم، فلا يمنح ثقته الكاملة إلا لمن عرفه جيداً وامتحن إخلاصه وصداقته وقيمه الأخلاقية. عبد الوهاب مطاوع - صديقى لا تأكل نفسك مودتي |
إن أثرى ما عشته لم أعرفه ولم أدركه إلا بقوة المخيلة، وما انقضى منى راح جلّه فى التمنى.. لقد أوصدت دونى أبواب بلا حصر.. حالت وصدت.. طرقت برفق.. وأحياناً صرخت.. ولم يأخذ بيدى إلا تخيّلى ما وراءها، واجتهادى فى طى الفراغات العلى. بعضها فتح لى، اجتزته وعبرت عتباته، فلم ألق إلا الحسرة وبواعث الآهات، ذاك نثارى. جمال الغيطانى - دفاتر التدوين مودتي |
العقل يتكيّف.. يود لو يعبئ سجنه، عرشه بإنجازات عظيمة، وأن ينقش على الجدران مآثر بطولية، ويرسم على السلاسل أجنحة الحريّة. القلب لا يتكيّف.. ثمة أياد تطرق أبواب سجنه من الخارج، وأصوات عشق تتسرب إلى مسامعه عبر الريح، فيستجيب القلب وهو مفعم بالأمل، مفجراً السلاسل، وفى إحدى توهجاته تبدو له السلاسل وقد تحوّلت إلى أجنحة.. لكن سرعان ما يسقط القلب مرة أخرى دامياً وقد فقد الأمل وبدأ يتملكه الخوف الكبير.. اترك وراءك القلب والعقل وتقدم إلى الأمام واخط الخطوة الثالثة. عليك أن تنجو من البساطة الفجّة للعقل الذى ينظم ويأمل فى السيطرة على الظواهر.. عليك أن تنجو من رعب القلب الذى يبتغى ويأمل العثور على الجوهر نيكوس كازانتزاكس - تصوّف مودتي |
وكان مع كل خطوة يشعر أنه يدفع عنه الماضى كما يدفع الواصل إلى الشاطئ مركبه الشراعى الصغير ليبتعد به عنه، ولكن دون جدوى.. وكان يُجرى سَبرُه الدقيق وتبصّره بتصميم، وراح يصبو إلى الحياة الجديدة بكل تحدٍ وحماس منطو على المغامرة، وقد عزم على أن تكون حياة بعيدة عن أكسير الحذر وقصر النظر بل بالأحرى ارتقاءً شجاعاً نحو العلى. وبعد ذلك استأذن غسق الشباب العذب بالرحيل، ربما بألم يزيد عما يحدث مع بقية البشر. وها هو الآن واقف فى وضح النهار، عاجزاً ومتأخراً عن زمنه، وكان يعنى بهذا أنه لن يضيّع بعد الآن ساعة ثمينة واحدة. هرمان هسه - روسهالده مودتي |
ومع أننا قد ننجح لفترة من الزمن فى إغلاق الباب فى وجهه، فإن الحب سيجد طريقه.. مع أننا نصبح باردين ونتصلب كالمعادن، لا نستطيع أن نبقى غير مبالين وخامدين إلى الأبد.. لا شىء يموت حقاً، فالموت مختلق دائماً.. الموت ببساطة هو إغلاق الباب.. لكن ليس للكون أبواب.. بالتأكيد لا توجد أبواب لا يمكن فتحها أو اختراقها بقوة الحب. هنرى ميلر - الصلب الوردى (الوشيجة) مودتي |
إن عيونى تقرّ بالنظر إليك وينتعش خاطرى بسماع أقوالك كأنها قطرات الندى، ولا يقوى أى سحر على تعطيل فعلها، وكما يهزم نور الصباح ظلام الليل ويبدد وحشة العتمة، هكذا تأخذ الحواس المنتشية بطرد غيوم الجهل التى تغشى العقول المنفتحة. ويليام شكسبير - العاصفة مودتي |
إن الحديث عن الحب والمودّة والامتنان يفقد معناه نتيجة لكثرة الاستعمال، إنه مثل الأحجار الكريمة التى لن تكون كريمة إذا كثر تداولها واستعمالها وتراكمت حتى صارت مثل حجارة الطريق، إن الإسراف فى الكلام يضر بهذه العواطف ولكن... الامتناع عن الكلام امتناعاً دائماً يصيبها بضرر أكبر، وإذا كان التعبير عن العواطف يحتاج إلى الصمت فهو يحتاج أيضاً إلى كلام.. وما أكثر اللحظات التى نخذل فيها أصدقائنا عندما نواجه موقفاً يستحق الشكر فنقابله بصمت لا يحمل تأثراً ولا انفعالاً بحجة أنهم يعرفون عواطفنا ولا يحتاجون مثل الغرباء إلى تأكيد أو برهان على العواطف الدافئة التى نحملها لهم أو تعبير عن هذا الشعور بالامتنان لما قدموه لنا من عون ورعاية. أحمد إبراهيم الفقيه - العودة الدائمة إلى خانة الصفر مودتي |
نحن بحر من ألسنة اللهب الصغيرة.. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان.. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان.. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار.. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك. إدواردو كاليانو - كتاب المعانقات مودتي |
فى هذا العالم، دائماً يوجد شخص فى انتظار آخر، سواء أكان ذلك بمنتصف الصحراء أو بمنتصف مدينة كبيرة. حين يمران أحدهما بجانب الآخر وتلتقى أعينهما، يفقد الماضى والمستقبل أهميتهما، والشىء الوحيد الذى يبقى موجوداً هو هذه اللحظة والتأكد الشديد أن كل شىء تحت الشمس كتبته اليد نفسها، اليد التى توقظ الحب، والتى تخلق توأم روح لكل من يعمل ويستريح ويبحث عن الكنوز تحت الشمس.. بدون هذا لن يكون لاحلامنا البشرية معنى. باولو كويلهو - مكتوب أن تتخيل مودتي |
والحياة خليقة أن نحياها ما دامت الطبيعة تستطيع أن تهدى إلى الناس زهراً نضراً يحمل ابتسامة الشمس ورقة النسيم وعذوبة الندى وهدوء الليل وخصب الأرض، وربما تحدثت إلى النفوس ألواناً من الحديث لا تستطيع لغات الناس أن تصورها لأنها غامضة أغمض من أن تسعها الألفاظ، ولأنها واضحة أوضح من أن تنكرها النفوس، ولأنها تصور من نجوى الشجر والزهر حين تشملهما ظلمة الليل أو يغمرهما ضوء النهار، وما يكون من مرح الغصون حين يداعبها النسيم ومن جزعها وفزعها حين تعصف بها الريح، وتصور مرح الطير حين يسفر الصبح واكتئابها حين يدنو الأصيل، وتصور ما يكون بين أمواج الأنهار والجداول من مداعبة وملاعبة ومعاتبة ومغاضبة، وتصور ما تحمل الشمس المشرقة إلى الأرض من موجدة، وتصور هذه الرسائل الجلية الخفية التى تحملها أشعة الكواكب والنجوم بين الكواكب والنجوم.. طه حسين - رحلة الربيع مودتي |
اقتربت من شجرة الرمّان أبحث عن مرفأى الضائع، كانت حبّاته الناشفة مذرورة حولها على الأرض، وبين غصونها تشابكت أعشاش العصافير، دنوت.. أكثر.. أكثر.. أعرف أن للأشجار ذاكرة تختزن حزن الأمّهات وعنبر أنفاسهن، التصقت بجذعها.. قطفت من أوراقها الميّتة، تشممت عنبر أمّى وشربت من أجاج حزنها. عيناى ترفّان ويسّاقط لؤلؤهما أسود بلون حزنى وأنا أحدّق بباب الغرفة التى خرجت منها أمّى إلى سكون الموت وأسراره. ليلى العثمان - خذها لا أريدها مودتي |
كان معنى ذبحى يشبه معنى ذبح البراءة على هذه الأرض.. وربما كان ذبحى هو بداية القانون الذى يجبر الخير أن يقدم دمه على مذبح الحياة.. حين أدركت أننى أموت بحثت عن مداد أكتب به فلم أجد غير خيط نازف من دمائى.. وقد كتبت به قصتى.. فإذا كانت لم تكتمل فليس السر أننى لم أكن أريد أن أكملها.. إننى أموت وابتسامة طيبة على وجهى.. أتبتسم ناقة؟ نعم.. إذا كانت ناقة ولم تكن ناقة.. إذا كانت صورة لحيوان ورمزاً لآية، حين تكون شيئاً وتكون فى نفس الوقت رمزاً لشىء آخر فإنك لا تموت.. أو تموت وعلى وجهك ابتسامة من يدرك أنه فى طريقه إلى النوم.. عارفاً أنك ستستيقظ مرة أخرى.. نعم.. ما أعظم المآسى التى تنبع من إحساس الناس أنهم سيموتون ولن يبعثوا.. كانت هذه مأساة من قتلنى.. ناقة صالح.. هذا اسمى فى التاريخ البشرى. أحمد بهجت - قصص الحيوان فى القرآن مودتي |
كم بنينا الأربع وشيدنا القصور.. وكم غرسنا فيها ورود الامانى وزهور الآمال، وانثنينا فمحونا الأربع وهدمنا القصور.. وانثنى الزمن فأودى بالأمانى وأذبل الزهور.. خططنا فى الرمل.. فما وعى الرمل.. وهبت الريح فمحت ما خططنا.. ويح الرمال والرياح.. لقد أضاعت العهد.. وما أبقت على الود.. ترى ماذا فعلت ريح الزمن بما خط فى القلب؟ لا أكتمك القول يا صاحبتى، إن القلب شديد الشبه بالرمال، وإن الأثر الجديد يمحو منهما الأثر القديم.. وإن كل منهما سريع التغير والتبدل، وإن هبة ريح تذهب بما حوى من رسوم وآثار وذكريات.. فيصبح وكأنه صفحة منبسطة خالية ملساء. لقد هبت ريح الزمن على رسوم القلب.. وبسطت عليها كف النسيان.. حتى بدا لى أن الرسوم قد أمحت.. وأن القلب قد خلا مما به.. وعاد أملس فارغاً.. وخيل إلىّ أنى قد نسيت ما كان من امرنا معاً.. وأن غرامك.. كان غرام صيف.. سريع الانقشاع. هكذا خيّل إلىّ يا صاحبتى.. حتتى احتوانى مرة أخرى مرتعنا السابق وملعبنا القديم. يوسف السباعى - فى موكب الهوى مودتي |
صوت الكمان يأتينى الآن واضحاً، وبلا صدى، فى هذه الغرفة المدفونة تحت الأرض.. أسمع الأنين القلق وهو ينبعث من روح متوارية باستمرار نحو الغياب، بعد أن تحولت إلى نثار من النور الذى يصعب لمسه والقبض عليه، تأتينى النداءات العميقة، متماوجة، متباعدة ومتقاربة، جافة وسلسة، عنيدة ومستسلمة، كأنها ساحل موحش أبدى الحركة. نباهتى المتقدة الآن تجعلنى أفرق بينها كلها، واحدة واحدة، أسترجع بعض ما مضى، وألعب.. أجمع اللحظات المسروقة كما يروق لى، ثم أفككها مثل اللعبة قبل أن أطوحها فى فضاء وأبعثرها عالياً مثل الفقاعات الصغيرة، وأحاول عبثاً أن أمنعها من الانفجار. واسينى الأعرج - أنثى السراب مودتي |
وكأنما ضاق صدرى بما أجن وقلبى بما أثار البحر من خليط الذكريات وحرك من الآمال، فنهضت عن الصخرة التى كنت قاعداً عليها ودهورت هذه الأبيات فى أشداقى وانطلقت أنشد الريح إياها! ولمن عسانى أنشد سواها؟ فى أى أذن غير أذنها أفرغها أو أهمس بها؟ فى أية نفس إنسانية أجد لنفسى كهفاً يتجاوب بأصداء عواطفى وخوالجى؟ عند مَن مِن الخلق أفوز بالتجاوب الذى تمنحنيه الرياح؟ إبراهيم عبد القادر المازنى - قبض الريح مودتي |
نحن غرباء.. غرباء تربطنا لحظة ويضرب بيننا أبد من الزمان.. هذه هى النغمة الكبيرة التى تدوى وتصرخ فى أيامى..ترتفع تلك النغمة القديمة المسيطرة.. تدوى فى عتمة الوحشة.. خارج الأسوار.. تدوى وتملأ ليلى بالشكاة العميقة الجريحة.. كلمات.. كلمات.. جنون الأغانى العتيقة.. جنون الدموع التى تهلهلت.. وتلك القسوة.. قسوة الغرابة. قسوة الحائل الصلد الذى بنته الأيام طبقة بعد طبقة - فارتفع بين الروحين - لا يلين - ولا يهتز. بل يرتفع بقسوة.. ذلك الشىء الغريب الجامد بين الغرباء. إدوارد الخراط - حريق الأخيلة مودتي |
ما من شىء إلا وهو أبسط مما نتصور، وأكثر تشابكاً مما نفهم فى الوقت نفسه. الأفكار فوضى.. إذا أنت رتبتها كلها فماذا ستجد؟ ستجد المنبع الصافى للمفارقة. لا ضرر من الحمقى والأذكياء على حد سواء، أما أنصاف الحمقى وأنصاف الحكماء فهم الأشد خطراً. عند الهدم يتحتم هدم كل البراهين المزيفة، أما عند البناء فلا ينبغى أن يكون الأمر كذلك، فكل ما هو غير حقيقى لا يصلح للبناء. الشجاع ينزل حتى أكثر الدرجات وعورة يشىء من الوقار.. أما ضيق العقل فيتسلل فوقها إلى أعلى باحتقار لها. الإيمان حب للا منظور، وثقة بالمستحيل، وبغير المحتمل. حتى أصغر شعرة تلقى ظلالها على ما حولها. يجدر بنا عند الانشغال بالعلوم أن نبحث عن الحقيقة الناقصة، التى توصل إليها القدامى، وأن نواصل العمل فيها. كلما تقدمت السن بالإنسان ازداد اختفاء ما هو فردى فيه، فالروح تتعود على النتائج بينما تضيع منها التفاصيل. يوهان جوته - مختارات شعرية ونثرية مودتي |
من أسمى هذه الأزهار هواتف الجن؟ لا.. إنها تشبه أطفالاً صغاراً متلفعين فى مآزرهم.. يالفرط سعادتهم! إنهم أطفال يتلكؤون على رصيف الصباح.. انظر كيف يطيقون الريح المفاجئة! وكيف يمرحون تحت شروق الشمس! وعندما يتعبون فإنهم ينكمشون برقة ليناموا، وستجمعهم بعض الجنيات فى الظلام معاً، ولن يكونوا هنا فى الصباح، ضامرين بالين.. لو كان بإمكاننا أن ننكمش ونتلاشى بعد انتهاء يومنا.. د. هـ. لورانس - الخاطئ مودتي |
البداية: ودائماً لابد من البداية.. رغم تفاهة الأشياء.. لابد من النبش تحت التراب.. بحثاً عن حروف الهجاء.. وبلا بداية.. كان القطار يسير.. قطار طويل نحيل كأنما لفظه رحم الكون لتوّه.. فمضى منتعشاً بنغمة الحياة.. ينفث دخاناً أسود.. يعلو ذؤابات الشجر، ويرسم فى الهواء خطوطاً ملتوية لكلمات غامضة.. والجو يميل إلى الغروب.. غروب شتوى قاتم.. العالم من النافذة. محمد المنسى قنديل - من قتل مريم الصافى مودتي |
هؤلاء الناس تختزل الدنيا لديهم فى الشىء الذى يمارسونه كل يوم، بنفس الرتابة والقوانين الجامدة.. والفيضان عملية مراقبة من بعيد.. الفيضان عندهم طفح غريزى للطبيعة كالمطر يفيض زمناً، ثم لا يلبث حتى تشربه الأرض الحنون دون أن تتشوه أو تتسمم أو تثور.. بينما الفيضان هزة اجتماعية تضع الناس أمام الحد الفاصل بين الموت والحياة، تبصرهم بأنفسهم، تجعلهم يفكرون بها.. تمزق كل الأقنعة التى غزلها لها مغزل الحياة فوق وجوههم، وجعلتهم يعيشون حياة مستعارة. غائب طعمة فرمان - خمسة أصوات مودتي |
سمعت الهدوء أول الأمر، صغيراً ما لبث أن كبر فى صدرى فغمره.. ألقيت برأسى على زجاج الواجهة.. دخل البرد من جبينى إلى جسدى كله.. فى أسفل القرية سنى أضواء الدروب ينعكس على البيوت، فتطفو كمراكب مربوطة فى بحر من الظلمة، واحات من صمت، من أسرار، من مجهول معمور بألف حلم. الأشجار كثيفة، حياديّة، جليلة، حرّاس لا يتحركون، أقرب إلى الظلال منها إلى تجسيد أى حياة. يوسف حبشى الأشقر - المظلة والملك وهاجس الموت مودتي |
الكل يولد محمّلاً بوصية.. القلّة تجد السبيل إلى وصاياها.. والأغلبية تضلّ السبيل إلى وصاياها من أكل فاكهته من بستان السلطة، ولم يفقد صوابه بعد ذلك، لجدير أن ينال منّا لقب قدّيس! يتعطّش الناس لتغيير ما استظهر من أمرهم، لأنهم عاجزون عن تغيير ما استبطن من أمرهم. التجربة كنز لا نستطيع أن نُعيره، ولا نستطيع أن نستعيره كما تستمهلنا الأقدار عندما تريد الاقتصاص منّا جزاء أفعالنا علينا أن نستمهل الأقدار عندما ننتظر منها مجازاتنا لقاء أفعالنا. إبراهيم الكونى - نزيف الروح مودتي |
ها أنذا أعود لأجُوس، كالسائر نائماً، عبر الأزقّة والذكريات، عبر ما خططته عن حياتى الماضية - الحاضرة.. كلمات واستيهامات ونُدُوب لا يُلئمُها القول.. أين عمرى من هذا النّسج الكلامى؟ لكن عبير الأماسى والليالى المكتظّة بالتوجس واندفاع المغامرة يتسلل إلى داخلتى ليُعيد رماد الجمرات غلالة شفافة آسرة. محمد شكرى - الخبز الحافى مودتي |
بعد ساعة من النوم تبدأ المياه الغريقة.. يتقلّب المرء ويهدهده موج داكن الزرقة.. مثل تنفس البحر يتنفس الإنسان.. تنساب فى الأفق القريب أشرعة الأحلام البيضاء.. أنت سجين فإذا أحلامك تقدم إليك حصاناً أبيض تجرى به فوق عشب الحرية.. أو تعيس أنت فتهبك الأحلام لحظات من البكاء الذى يضم من مياه البحر ملح التفاؤل.. أو شحاذ أنا فأشهدنى فى الحلم أميراً وسيداً.. أو تريد هذا القمر وتبكى من أجله فترى القمر فى الحلم يبكى عند أقدامك.. ماذا لو رقّ قلبك للقمر.. تعرف تأثير القمر فى البحر.. هو المسئول عن مده وجزره.. كل آهات القمر تؤثر فى تنهدات البحر أحمد بهجت - حوار بين طفل ساذج وقط مثقف مودتي |
سمعنا عن العباءة التى أرادوا أن يخفوا بها عين الشمس. ورأينا، على الشاشتين، بساط الريح والبساط الأحمر الذى يفرشونه تحت أقدام ملوك وأمراء وشيوخ ورؤساء.. وفى بيوتنا تعشينا على الحصير ونمنا على الحصير.. والنفس الحرة، كما تعلمون، تنام على البُرش ولا تتأرجح إلا على الأرجوحة الحمراء.. وذلك لأنها لم تخلق لكى تمنحنا (الفن الجميل).. خلقت، يا للهول، لمجرد أن تعيش! إميل حبيبى - لكع بن لكع مودتي |
أى شعور غريب ينتاب المرء عندما يصطدم بحقيقة ما، ترغمه على استبدال أدواره فى الحياة، أدوار أخذت من عمره دموعاً مدرارة، تعوّد عليها، أحبها، لكن المُرّ فيها هو عندما يكتشف أن لهذه الأدوار كياناً ينتهى بلحظة حقيقة.. كل منا يلهث وراء الحقيقة، فى الأسفار والترحال، الشباب والشيخوخة، الطفولة والكهولة، لو أدركنا أن البحث كان فاشلاً لكففنا عن البحث.. لأنها تكمن فى أقرب منطقة من دواخلنا.. لو جُبنا أجسادنا دون تسكع، جسسنا نبضنا دون زيف، بحرية ضمير، فلن نندم، نلج قمة الراحة الأبدية، بشجاعة.. نحو الحقيقة. دينا سليم - الحلم المزدوج مودتي |
وهذا صوتك أيها الطائر العزيز يدنو منى شيئاً فشيئاً فيملؤنى أمناً ودعة وهدوءاً، وحزناً معاً. إنه يردنى إلى اليقظة الخالصة التى تشعر بنفسها وتفكر فى نفسها وتذكر ما مضى على علم به وتقدير له، وتستقبل ما سيأتى فى روية وبصيرة واستعداد للاحتمال.. نعم! إن صوتك ليملأ أذنى، وإنه ليملأ قلبى، وإنه ليغمر نفسى، وإنى أفهم عنه ما يريد. طه حسين - دعاء الكروان مودتي |
رأيت كثيراً ممن لا يعرفون حقيقتك يخدعون الناس عنك. وقد بكيت عندما رأيتهم يوهمون الناس أنهم واقفون ببابك يأذنون ويمنعون، فبكيت من اجل أولاء المحرومين أكثر من الذين حرموهم، لأنك لن ترضى عمن يسمحون لغيرهم بأن يبيعوهم رضاك وكلهم عبادك. محمد عبد الحليم عبد الله - الباحث عن الحقيقة مودتي |
ما نحبه فى البيت والغرفة والفراش والمدفأة، وما نخلده بالأشعار والأغانى وما نشتاق إليه فى ليالى الغربة.. ليس هو البيت ولا الغرفة ولا الفراش ولا المدفأة، وإنما مشاعرنا وذكرياتنا التى نسجت نفسها حول هذه الجمادات وبعثت فيها نبض الحياة وجعلت منها مخلوقات تحب وتفتقد. وحينما نحتفل بالماضى نحن فى الواقع نحتفل بالحاضر دون أن ندرى.. فهذه اللحظات الماضية التى أحببناها ظللنا نجرجرها معنا كل يوم فأصبحت معنا حاضرا مستمرا، إنه الحب الذى خلق من الجمادات أحياء. مصطفى محمود - فى الحب والحياة مودتي |
لم يكن لى أمل فيك، ولا بنيت من حبك أكواخاً ولا قصوراً.. لا يركن إلى الأمل إلا من قصُر يومه فاختلس من غده.. أما أنا فقد كان حاضرى يفيض بى ويفيض عنى.. كان! فكل ذلك قد ولى وفات.. وكأن الذى أغدق علىّ بالأمس يتقاضانى اليوم ثمن الإسراف بالحرمان.. وكم من محروم مظلوم! يحيى حقى - بينى وبينك. مودتي |
الساعة الآن 09:29 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.