منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الحوارات الثقافية العامة (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   عين على الصوفية! (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=11763)

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 08:31 PM

شبهات وردود:
http://saaid.net/feraq/sufyah/shobhat/01.htm

الشبهة(1) : إيجابهم اتخاذ الشيخ




ومن أقوالهم :
وصحبة شيخ وهي أصل طريقهم
فما نبتت أرض بغير فــلاحة
ومن أقوالهم في ذلك: الدين إطاعة رجل.
ومن أقوالهم : قول قائلهم «الغوث»: لو كشف عن نور الولي لعبد من دون الله.

وستكون مناقشة هذه الشبهة بعرض أقوالهم وأفعالهم وعقائدهم على القرآن والسنة قبل كل شيء:

1- يقول سبحانه في كتابه العزيز: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }.

واضح من الآية الكريمة كل الوضوح، ودون لَبْس أو إشكال أو غموض، أن من يردُّ ما يُتنازع فيه إلى غير الله ورسوله، فهو لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر.

وردُّ الشيء إلى الله والرسول، يعني عرضه على الكتاب والسنة، فالقرآن كلام الله، والسنة كلام رسوله المُوحَى معناه من الله سبحانه.

والصوفية يردون كل شيء إلى شيوخهم، ويطلبون من الآخرين أن يردوه إليهم، ويكفي إيراد قولٍ واحدٍ لأحد أقطابهم:

«... وإن قال (قائل) للمريد: إن كلام شيخه معارض لكلام العلماء أو دليلهم، فعليه الرجوع إلى كلام شيخه... وإذا خرج المريد عن حكم شيخه وقدح فيه، فلا يجوز لأحد تصديقه؛ لأنه في حال تهمة لارتداده عن طريق شيخه».

- السؤال: أيها المسلم المؤمن! ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يقول هذا ومثله؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟

إن الآية الكريمة تضع الجواب الكريم: ]... فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ[، التي يُستنبَط منها: إن كنتم لا تؤمنون بالله واليوم الآخر، فردوه إلى الشيخ أو إلى من تريدون.

2- ويقول سبحانه: { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.

فكل شرع في الدين، كائنًا ما كان، لم يأذن به الله فهو شرك.

والشيوخ في الصوفية يشرعون في دينهم كل ما لم يأذن به الله، ونكتفي بإيراد قول قطبهم المدَّرك:
من يذكر الله تعالى بلا شيخ، لا الله حصل ولا نبيه ولا شيخه.
فمن أين أتى بهذا التشريع؟ وما هو حكم من يأخذ بهذا التشريع الوثني؟
ونعود للسؤال؟ ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يقول هذا ومثله؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟
والآية الكريمة تقرر الجواب: ]وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[.

3- يقول سبحانه في وصف أهل الكتاب: { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.

يورد ابن كثير: سَمِعَ عدي بن حاتم الطائي (وكان نصرانيًّا فأسلم) هذه الآية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه: بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم.

وقد فعل الصوفية ذلك واتخذوا شيوخهم أربابًا من دون الله. ونكتفي بقولٍ لحجتهم الغزالي:

«... فالعلم بحدود هذه الأمور (أي المجاهدات والمقامات)... هو علم الآخرة، وهو فرض عَيْن في فتوى علماء الآخرة...».

وهو كلام واضح صريح، لا يُحتاج معه إلى غيره؛ لأنه كلام من يسمونه «حجة الإسلام»، مع أن غيره يملأ الكتب، على أنهم يُحلِّون ويُحرِّمون ويفرضون الفروض ويسنون السنن.

والسؤال: قل لنا أيها المسلم المؤمن، ما هو حكم الشريعة الإسلامية فيمن يقول مثل هذا؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟

وفي الآية الكريمة الجواب: { سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.

4- ويقول سبحانه: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ..}.

وقد اتخذ المتصوفة من شيوخهم أندادًا يحبونهم كحبِّ الله، بل أشد حبًّا، حتى كأن الآية أنزلت فيهم خاصة، وهذا قول مَرَّ معنا لأحد أقطابهم العظام:

«حقيقة حب الشيخ أن يحب الأشياء من أجله ويكرهها من أجله، كما هو الشأن في محبة ربنا عز وجل».

وقول الآخر: الطريق ذكر الله ومحبة الشيخ.

والسؤال: ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يقول هذا؟ أو يفعله؟ أو يعتقده؟

إن الآية الكريمة تعطينا الجواب الكريم: { وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ }.

5- قال ربعي بن عامر لكسرى: «بعث الله إلينا رسولاً ليخرجنا من عبادة الناس إلى عبادة ربّ الناس».

وجاءت الصوفية لتعكس الآية وتعيد الشرك إلى مساره، فتخرج الناس من عبادة رب الناس إلى عبادة المشايخ وعبادة قبور المشايخ!

والسؤال: ما هو حكم الشريعة الإسلامية على هؤلاء؟ بل ما هو حكم الشريعة الإسلامية على من يتوقف في الحكم عليهم؟

6- سيقول لك المتصوفة وشيوخهم وكثير من الغافلين والمغفلين: «معاذ الله، الصوفية لا يعدون الشيوخ، لا يعدون إلا الله..» وقد يقدِّمون بعض الأمثلة الموهمة والمتداولة بينهم.

فنجيب: لا، بل يعدون الشيوخ، وهذه أقوالهم وأقوال عارفيهم وأقطابهم الذين يتبركون بالركوع أمام قبورهم ولثم حجارتها والاستغاثة بما فيها من رِمَم، وأمثلهم طريقة ذلك الذي يعتقد أنهم يقربونه إلى الله زُلفى وحسن مآب، وهذه أفعالهم كلها شاهدة عليهم بوضوح كوضوح الشمس في رائعة نهار مشمس، على أنهم يؤلهون الشيوخ ويعدونهم. ولو جمعت أقوال عارفيهم في تأليه الشيوخ لملأت ألوف الصفحات.

وإنكارهم هذا، يُسمى في الشريعة الإسلامية وفي اللغة العربية وفي جميع ما تعارف عليه البشر من أخلاق «الفجور».

- وسيقول بعضهم، متحرفًا لقتالٍ (وفي لغة العصر مناورة): هذا واقع كثير من المتصوفة، وهو من الدخن والانحراف الذي أصاب التصوف كما أصاب غيره من أمور الشريعة. والتصوف الحق بريء من ذلك.

فنقول: «شنشنة نعرفها من أخزم». إن واقع المتصوفة منذ أن وجدت الصوفية وفي كل الأمم، لا في المسلمين وحدهم، هو تأليه الشيخ وعبادته، وهي الطريق التي توصل المريد أو السالك إلى استشعار الألوهية، أما من يصل إلى الجذبة دون شيخ فيسمونه هم: «المراد»، ويعنون بها أن الله أراده فجذبه إليه. وهذا افتراء على الله الكذب؛ لأن القرآن ينفي على لسان المسيح صلوات الله عليه أن يعرف أحد ما يريده الله: {... إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ }، ونقول لهم: هذه صورة من مراوغاتكم (للالتفاف حول الهدف)، أتقنتموها أنتم وأشياخكم تظهرونها وتخفونها حسب الظروف المحيطة، وهي من أساليب التقية الواجبة في عقيدتكم الصوفية كما قال الغزالي:

وإن كان قد صح الخلاف فواجــب على كل ذي عقل لزوم التقيــة

7- وقد يأتي من لا يستحي من أن يقول: إن كلام العارفين هذا له تأويل!!

فنقول له: لقد انتهينا من خرافة التأويل، وأحبولة التأويل، ومغالطة التأويل، وخدعة التأويل، { يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }؛ لأنهم إذ يقولون هذا له تأويل، فهم يخادعون ويكذبون ويدجِّلون ويمكرون لجر المسلمين إلى زندقاتهم.

8- يدَّعون حب الله، وما أكثر أقوالهم في ذلك وفي العشق الإلهي. ومن المقامات التي يدعيها بعضهم في السلوك إلى الجذبة ما يسمونه «المحبة والشوق» إلى الله.

والله سبحانه وتعالى يقول آمرًا رسوله أن يعلمنا: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ }. فالله سبحانه يأمرنا إن كنا نحبه، أن نتبع رسوله، وهذا يعني أن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هو الدليل على حب الله، وعدم اتباعه دليل على عدم حب الله، وهؤلاء القوم يتبعون المشايخ الذين يأمرونهم بتأليه الرسول لا باتباعه. فهل هم بعد ذلك صادقون بادعائهم حب الله؟

الجواب: هو ما تقرره الآية الكريمة، بأنهم لا يحبون الله، وهذا هو واقعهم، فهم يحبون الجذبة واللذة التي يجدونها أثناء الجذبة والتي تستغرق كل خلية في كيانهم، وهي لذة تحشيشية جنسية يتوهمون أنها إلهية، ثم بعد أن يقعوا في الجذبة عددًا كافيًا من المرات، يُصابون بمرض الإدمان، مثل الإدمان الذي يصيب متعاطي الأفيون تمامًا، حتى إذا ما امتنعت عليهم الجذبة في بعض الأحيان لسببٍ ما، أصيبوا بنفس الأعراض التي تصيب مدمن الأفيون عندما ينقطع عنه، من وله قاتل وصداع وما يشبه الجنون. وهذا هو ما يسمونه «العشق الإلهي» الذي يظهر في بولهم.

النتيجة: الذين يتبعون المشايخ لا يحبون الله، إذ لو كانوا يحبونه لاتبعوا رسوله.

ويقول سبحانه: { اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } ، هذا أمر من الله، يكفر من يخالفه.

وهؤلاء القوم يتبعون من دونه المشايخ، يأمرونهم بكل ما لم ينزل به الله سلطانًا فيأتمرون به! يأمرونهم بالركوع للشيخ فيركعون! يأمرونهم بالرابطة التي يسمونها «شريفة» فيطيعون! يأمرونهم بالرقص فيرقصون! يأمرونهم بأوهام كشوفهم في العقائد والعبادات فيأتمرون! فهل يكونون بعد ذلك من أهل القرآن؟!

إن أهل القرآن هم الذين يعملون بأوامره وينتهون عن نواهيه.

9- يقول سبحانه: { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا }. فهل يتبعها هؤلاء القوم؟ طبعًا لا؛ لأنهم عندما يتبعون مشايخهم فقد خرجوا من اتباع الشريعة. وقد مَرَّ معنا قول أقطابهم للخادم: «كُلْ ولك أجر صوم شهر، وكُلْ ولك أجر صوم سنة»، وموافقة عالمهم القطب القشيري على ذلك.

فهل هذا هو اتباع للشريعة الإسلامية؟ طبعًا لا!

10- رأينا قول أبي مدين المغربي في الشيخ:
ففي رضاه رضا الباري وطاعتــه *** يرضى عليك فكن من تركها حـذرًا

وقول عبد القادر الجيلاني: إذا لم تفلح على يدي لا فلاح لك قط.

وقوله: والتحبب إلى الشيوخ من الأولياء والأبدال إذ ذاك سبب لدخوله في زمرة الأحباب.

وغيرها، وغيرها من الأقوال التي تملأ ألوف الصفحات. فما هو حكم الإسلام في ذلك؟

يقول سبحانه: { فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }.

إن المتصوفة هم أول من تنطبق عليهم أحكام هذه الآية باتخاذهم أولياء من دون الله ليقربوهم إلى الله زلفى..

- والسؤال: لم إذن يقدسون الشيخ هذا التقديس؟ وما هي فائدته؟

- إن للخضوع الكامل للشيخ ولعبادته وتقديسه فائدتين عظيمتين:

أ‌- خرق العادة: فمن القواعد المقررة أن الشياطين لا تقدم خدماتها للساحر إلاَّ بعد أن يكفر: { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ }، والسحر هو الكهانة، وهي الصوفية؛ فكلما ازداد المريد غلوًّا في إشراكه الشيخ بالله، كلما ازدادت أمامه الخوارق الشيطانية، التي يسمونها «كرامات»، ويعزونها إلى المدد المفاض عليهم من الشيخ!

ب‌-التحقق أثناء الجذبة بالفناءات في الله: «الفناء في صفات الله وفي أسمائه وفي ذاته»، أو «التحقق بالألوهية»، وذلك أن المجذوب يرى في أحلام جذبته، صورًا هي خليط من انطباعات قديمة وحديثة مستقرة في أعماق لاشعوره، تختلط مع أماني وطموحات تسربت إلى أعماق نفسه من المحيط الذي يعيش فيه، وهذا هو نفس ما يراه متعاطي الحشيش والأفيون وعقار الهلوسة، ومن دون الشيخ تكون رؤى المجذوب مثل رؤى الحشاش، تدور حول الجنس واللهو واللذة أو الحقد والحسد، لكن الشيخ، بخبرته التي استقاها هو أيضًا من شيخه، يغرس في نفس المجذوب طموح العروج إلى السماوات والعرش والجلوس مع الله (جل الله)، ثم الفناء فيه بحيث يرى نفسه أنه جرء منه (سبحانه)، أو أنه هو هو بكامل أسمائه وصفاته (سبحانه وتعالى عما يصفون)، ويرى في أحلام جذبته أنه يتصرف بالكون، ويقول للشيء: كن، فيكون. ولا ينجح الشيخ بهذه المهمة إلا إذا كان المريد قد عجن عقله وعواطفه ونفسه كلها بحب الشيخ وتقديسه وطاعته، بحيث تغدو كلمة الشيخ جزءً من كيان المريد لدى التلفظ بها.

ويجب أن لا ننسى أن قوة شخصية الشيخ وجاذبيته تلعبان دورًا هامًّا في استقطاب قلوب مريديه وعواطفهم حوله وتساعدان على تهيئتهم لرؤى (تحشيشهم الروحاني) التي يسمونها «الكشف».

وفي هذا يقول الغزالي:
«... فكذلك المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض، وسُبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة، فمن سلك سُبل البوادي المهلكة بغير خفير فقد خاطر بنفسه، وأهلكها، ويكون المستقل بنفسه كالشجرة التي تنبت بنفسها... فمعتصم المريد بعد تقديم الشروط المذكورة شيخه، فليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ النهر بالقائد.. أهـ.

ولذلك قالوا أيضًا: «من لا شيخ له فشيخه الشيطان»؛ لأن رؤاه تكون مثل رؤى الحشاشين تمامًا.

- وأخيرًا، لنقرأ قوله سبحانه: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ }.

ولم يقل سبحانه: قد أفلح الذين يتمسكون بالشيخ، أو لا فلاح إلا باتباع شيخ، أو من لا شيخ له فشيخه الشيطان.. أو بقية الشركيات.

- وهنا يقف المسلم الصادق أمام أمرين لا ثالث لهما، إمّا أن يؤمن بالقرآن الكريم ويكفر بهؤلاء القوم وبعقيدتهم، وإمّا أن يؤمن بهم وبعقيدتهم ويكفر بالقرآن الكريم، وأي طريق آخر لا وجود له إلا بالمراوغة والدجل .

( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 603 – 611 بتصرف يسير ) .

المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 08:32 PM

لشبهة(2) : شبهة الرياضة ( المجاهدة ) وما فيها من جوع وصمت وخلوة ..الخ




لنبدأ مناقشة هذه الشبهة بقراءة آياتٍ من كتاب الله:
{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ }.
{ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي }.
{ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }.
{ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو رسول الله، لا يأتي من عنده بشيء في التشريع مطلقًا، وكل شيء يأمر به وينهى عنه فهو اتباع لما يوحى إليه.

{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى }.
ويأمره الله سبحانه، والأمر موجه لكل من يتبع الرسول:
{ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَ }.
{ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء }.
{ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ }.
{ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ }.

والآيات كثيرة، والأحاديث كذلك كثيرة، منها:

«وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة».

«من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ».

ومن القواعد الأصولية المقررة: كل العبادات باطلة إلا ما نزل به نص.

فهل يتبع الصوفية آيات الله وأحاديث رسوله، فيما يسمونه افتراءً «السير إلى الله»، وما هو إلا السير إلى الجذبة، وإلى الرؤى العصابية والشيطانية التي يستشعرونها في الجذبة. هل يتبعون آيات الله وأحاديث رسوله؟!

1- الخلوة:
ليست من العبادات الإسلامية، ولا خلوة في الإسلام، وهي بدعة محدثة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد أصحابه وتابعيهم وتابعي تابعيهم.

إنها بدعة محدثة في الإسلام، أما في الأمم الأخرى فهي قديمة قِدم الكهانة.

2- الصمت:
وهو مناقض للعبادة في الإسلام، إذ العبادة هي أقوال وأعمال معينة، علَّمها الرسول للمسلمين ليتبعوها ولا يتبعوا غيرها، (وإلا فما هي الفائدة من رسالته؟).

ولا يوجد أي نص يجعل الصمت من العبادة الإسلامية، فهو بدعة.

وهو موجود في كل الأمم التي بُنيت عقائدها على الكشف والإشراق.

3- الجـوع:
فرض الله سبحانه صيام رمضان، وسن رسوله صلى الله عليه وسلم صيام أيام آخر، وحَرَّم الوصال في الصيام، كما أمر أن يكون الصيام في غير رمضان متقطعًا.

وجوع الصوفية هو صيام أيام كثيرة لا يفطرون فيها مع المغرب، ولا سحور فيها، بل جوع مستمر حسب الأسلوب الكهاني الموجود في الهندوسية والبوذية والجينية والطاوية وغيرها، فهو ليس من العبادات الإسلامية، وليس من الإسلام في شيء، وهو بدعة.

4- السهـر:
الوارد في الإسلام هو قيام الليل ضمن الحدود التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: «... ولكني أُصلي وأنام، وأصوم وأُفطر.. فمن رغب عن سنتي فليس مني».

فليس السهر من الإسلام، ولا من عبادات الإسلام، ولا من المعمول به في الإسلام، وقد رأينا قول رسول الإسلام فيه وفي الجوع: «فمن رغب عن سنتي فليس مني»، أي: إن الذين يقومون بهذه الطقوس ليسوا من رسول الله، وبالتالي ليسوا من الإسلام.

5- تعذيب النفس بالضرب (كما كان يفعل الشبلي وغيره)، أو بالوقوف على رجل واحدة طيلة الليل، أو غير ذلك مما هو مستفيض في كتبهم، فهذا واضح البطلان، وهو من تلاعب الشياطين بهم، وليس الله سبحانه بحاجة أن يضربوا أنفسهم ويعذبوها ليرضى عنهم: { هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }، إنما يرضى الله عن المؤمنين إذا عبدوه كما أمرهم (لا كما يبتدعونه أو يقلدون به أصحاب الوثنيات)، ويرضى سبحانه عن المؤمن إذا أدى لكل ذي حق حقه.

· ملاحظة هـامة:

من أساليب القوم في المغالطة والمخادعة، قولهم: إنهم يتأسون، في الخلوة وتوابعها، بمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان قبل الرسالة يختلي أيامًا كثيرة في غار حراء.

هذه المغالطة، مثل غيرها، فيها جهل غبي، أو تجاهل ماكر؛ لأن الآية الكريمة تقول: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.. }.

ولم يصبح محمد «رسولَ الله» إلا بعد أن نزل عليه الوحي بالرسالة، أما قبلها فقد كان إنسانًا كبقية الناس على الإطلاق، لا يمتاز عنهم إلا بأخلاقه الكريمة، يقول سبحانه: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ }، وهذه الآية واضحة كل الوضوح، لا لبس فيها ولا غموض، بأن الفرق بينه صلى الله عليه وسلم وبين بقية البشر، هو الوحي.

ويقول سبحانه: { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُول }، ويقول: { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ.. }، ويقول صلى الله عليه وسلم : «أنا فيما لم يوحَ إليَّ كأحدكم».

ونعود إلى آية التأسي، إنها تأمرنا أن تكون أسوتنا برسول الله (الذي ينزل عليه الوحي)، وذلك لأن (رسول الله) معصوم بالوحي، أما قبل الرسالة فلم يكن معصومًا، لأنه لم يكن يُوحى إليه صلى الله عليه وسلم .

وفي واقع الأمر، إصرارهم على القول بالتأسي بمحمد قبل الرسالة، منبثق عن:

1- عقيدتهم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم وصل إلى النبوة بالمجاهدة والرياضة، وأن النبوة هي فتح مثل فتوحهم، وهم بالتالي، لا يعتقدون أن النبوة فضل من الله سبحانه يجعلها حيث يشاء.

2- منبثق عن عقيدتهم بما سموه «الحقيقة المحمدية» النابعة من «وحدة الوجود»، الباطلة الكافرة.

3- عن إنكارهم للمعنى الشرعي الصحيح لآيات القرآن وأحاديث السنة، وتأويلهم لها لتتفق مع كشفهم، كما صرَّح بذلك حجتهم الغزالي، وكما نراه معمولاً به في كتبهم.

4- عقيدتهم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم معصوم عصمة ذاتية، وليس بالوحي! وأنه أخذ علومه عن طريق الكشف، لا عن طريق جبريل عليه السلام، كما صرَّح بذلك حجتهم الغزالي وغيره.

أخيرًا..

المجاهدة، أو الرياضة، بكل عناصرها، ليست من الإسلام، ولا من عقيدة الإسلام، ولا من عبادات الإسلام، ولا من سنن الإسلام، ولا من مستحبات الإسلام، ولا من فضائل الإسلام، ولا من ممارسات الإسلام، ولا من عادات الإسلام، ولا من الأعمال المأجورة في الإسلام، ولا من الأعمال المشكورة في الإسلام.

إنما هي طقوس كهانية، مارستها وتمارسها الأمم الوثنية، تقود إلى الجذبة، لا إلى رضى الله تعالى.

( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 613 – 617 بتصرف يسير ) .

المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 08:32 PM

الشبهة(3) : الذكر عند الصوفية ومدى شرعيته




لم أعثر في حدود اطلاعي، عند إشراقيي الأمم الأخرى، على وجود ممارسة للذكر بمداه الواسع وشكله الأساسي الموجودين عند متصوفة المسلمين.
ففي الأمم الأخرى، يعتمدون أساسًا على الرياضة (الخلوة والجوع والصمت والسهر)، مع تركيز البصر على نقطة ما، مدة طويلة، مع تعذيب النفس في أكثر الأحيان، وهم – أثناء الرياضة – يُركزون الفكر ويثبتونه على كلمة ما، فعند الهندوس مثلاً، يأخذ السالك في رياضته إحدى وضعيات اليوغا، ويركِّز بصره على شيء ما، ثم يركِّز فكره في كلمة «أوم» التي هي عندهم الاسم المستتر لبراهمان، أو «راهام».

قد تدوم مثل هذه الرياضة مدة طويلة جدًّا ، ومن حين لأخر يعمدون إلى الرقص العنيف والموسيقى الصاخبة المدوية يصاحبها الزعاق، ثم يعودون إلى رياضتهم.

- والخضوع المطلق للشيخ (السامانا) الأكبر هو محور كل مجاهداتهم.

تسبب هذه المجاهدة؛ مع الاستمرار والزمن، إفراغًا لمراكز الوعي والشعور في الجملة العصبية، وهي حالة «الاستخدار» التي تجعلها في استرخاء يفقدها كثيرًا من فعالياتها، ويهيئها للتأثر بكمية من المخدر، أي مخدر، أقل من الكمية المؤثرة في الحالة العادية، كما تدفع الجسم لإفراز المادة المخدرة بكمية أكبر من المعتاد.

لكن هذه الرياضة تحتاج إلى كثير من قوة الإرادة والصبر، كما تحتاج إلى العزلة التامة.

على أن متصوفة المسلمين عرفوا أسلوبًا سهَّل عليهم الأمر كثيرًا.. إنه ترديد كلمة ما، كائنة ما كانت، بشكل مستمر دون انقطاع، ليلاً ونهارًا، وهو ما سموه «الذِّكر».

وهذا الذِّكر المستمر يساعد كثيرًا على الوصول إلى حالة الاستخدار، ثم إلى الخدر «الجذبة» بمدة أسرع.

لكن هل صحيح ما يدعيه متصوفة المسلمين أمام الناس، أن ذكر الله، سواء بالاسم المفرد «الله» أو بالأذكار الإسلامية الأخرى، أو بأذكارهم وصلواتهم التي يبتدعونها، هي التي تقود إلى الجذبة؟

الواقع خلاف ذلك! فها هم أقطابهم وعارفوهم وعلماؤهم، يؤكدون أن ترديد أي كلمة كانت، أو أي جملة، بصورة مستمرة، مئات الألوف من المرات، أو ملايينها، يؤدي إلى الجذبة، بعد مدة قد تطول وقد تقصر.

وهذه أدلة من أقوالهم في ذلك:

يقول ابن عطاء الله السكندري:

«... والذِّكر تختلف أنواعه وتعدد، والمذكور واحد لا يتعدد ولا يتحدد..».

- لننتبه إلى قوله: «لا يتحدد» وماذا تعني.

ويقول: ... ورُوي أن أبا القاسم الجنيد رحمه الله تعالى قال لبعض خواص أصحابه: إن اسم الله الأعظم هو «هو»... وذُكر أن أهل المعرفة في هذا الاسم على أربعة أصناف أيضًا: فعارف قال: «الله»، وعارف قال: «هو»، وعارف قال: «أنا»، وعارف بهت...

- ما هو معنى قوله: «وعارف بُهت»؟ ولِم بُهِت؟ أظن الجواب واضحًا، إنه بُهت؛ لأنه عرف أن كل شيء هو اسم الله الأعظم.

ومن النصين نفهم أن الذكر يمكن أن يكون بترديد كلمة «الله الله الله الله»، أو «هو هو هو هو»، أو «أنا أنا أنا أنا»، أو الأشياء التي جعلت العارف يُبهت.

ويقول ابن عطاء الله أيضًا:

... أما المسلوب الاختيار فهو مع ما يرد عليه من الأذكار وما يرد عليه من جملة الأسرار، فقد تجري على لسانه «الله الله الله»، أو «هو هو هو هو»، أو «لا لا لا لا»، أو«آه آه آه آه»، أو صوت بغير حرف، أو تخبط، فأدبه التسليم للوارد؛ وبعد انقضاء الوارد يكون ساكنًا ساكتًا، وهذه الآداب لمن يحتاج إلى ذكر اللسان، أما الذاكر بالقلب فلا يحتاج إلى هذه الآداب...

ويُورد عبد الوهاب الشعراني ما يُشبه هذا، يقول:

... وقال سيدي يوسف العجمي رحمه الله: وما ذكروه من آداب الذكر محله في الذاكر الواعي المختار، أما المسلوب الاختيار، فهو مع ما يرد عليه من الأسرار؛ فقد يجري على لسانه «الله الله الله الله»، أو «هو هو هو»، أو «لا لا لا» ، أو «آه آه آه»، أو «عا عا عا عا» أو «آ آ آ آ»، أو «هـ هـ هـ»، أو «ها ها ها»، أو صوت بغير حرف، أو تخبيط، وأدبه عند ذلك التسليم للوارد.

ويقول ابن عربي:

... فأغلِق بابك دون الناس، وكذلك باب بيتك بينك وبين أهلك، واشتغل بذكر الله بأي نوع شئته من الأذكار، وأعلاها الاسم، وهو قولك: «الله الله الله»...

- نفهم معنى قوله: «بأي نوع شئته من الأذكار» من قول آخر له: «.... فما عُبد غير الله في كل معبود..».

- يعني أن كل ما عُبد من صنم وشجر وبشر وغيره هو الله، ويمكن للذاكر أن يذكر بما يريد من أسماء المعبودات التي عبدت في كل الوثنيات، كأن يردد مثلاً: «هبل هبل هبل هبل..»، أو «جيلاني جيلاني جيلاني..»، أو «جذبة جذبة جذبة جذبة...»، أو «لينين لينين لينين لينين...»، أو «إنتاج إنتاج إنتاج إنتاج....»، أو «مقام مقام مقام مقام...»، أو «ضريح ضريح ضريح ضريح..»، أو «رفاعي رفاعي رفاعي..»، وغيرها.

ويروي ابن عجيبة قصة الششتري، فيقول:

... وكذلك قصة الششتري رضي الله عنه مع شيخه ابن سبعين؛ لأن الششتري كان وزيرًا وعالمًا، وأبوه كان أميرًا، فلما أراد الدخول في طريق القوم، قال له شيخه: لا تنال منها شيئًا حتى تبيع متاعك وتلبس قشابة وتأخذ بنديرًا وتدخل السوق؛ ففعل جميع ذلك، فقال له: ما نقول في السوق؟ فقال: قل: «بدأت بذكر الحبيب»، فدخل السوق يضرب بنديره ويقول: «بدأت بذكر الحبيب»، فبقي ثلاثة أيام وخُرقت له الحجب...

- نلاحظ أن ذكره هنا ليس فيه شيء من أسماء الله الحسنى.

وكتب ابن سبعين إلى حد مريديه «في الرسالة النورية»:

... وجميع ما توجه الضمير إليه، اذكره به ولا تبال، وأي شيء يخطر ببالك سمِّه به، ومَن اسمه «الوجود» كيف يخصص بأسماء منحصرة؟! هيهات! الله لا اسم له إلا الاسم المطلق أو المفروض، فإن قلت: نسميه بما سمى به نفسه أو نبيه، يقال لك: إن من سمى نفسه «الله» قال لك: أنا كل شيء، وجميع من تنادي أنا.. وبعضهم كان يقول: قد قد قد هذا هذا هذا له له له...

ويقول ابن أنبوجة الشنقيطي في «وصف العارف»:

... فهو (أي العارف) الخليفة الأعظم، إذ لا اسم له يختص به؛ فإن أسماء الوجود كلها أسماؤه، لتحققه بمراتبها، ولكونه هو الروح في جميع الموجودات، فما في الكون ذات إلا وهو الروح المدبر لها والمحرك والقائم فيها، ولا في كرة العالم مكان إلا وهو حالٌ فيه ومتمكن منه، فبهذا الاعتبار لا اسم له يتميز به عن الوجود...

- نرى في هذا النص أنهم يسبغون على العارف صفات هي نفس ما يسبغونه على الله (تعالى الله عما يقولون)، وعليه يمكن ذكر الله بترديد كلمة: «عارف عارف عارف عارف..» أو «عمر بن الفارض عمر بن الفارض عمر بن الفارض..»، أو «الغزالي الغزالي الغزالي الغزالي..»، أو «الشيخ الشيخ الشيخ الشيخ..»، أو «سيدي سيدي سيدي سيدي..» الخ.

ويقول أبو الهدى الصيادي الرفاعي:

... والفناء، حقيقة سر الاعتقاد به من سر قوله عليه الصلاة والسلام: «لو اعتقد أحدكم على حجر لنفعه».

- الحديث مكذوب، والاعتقاد به كفر؛ لكن يهمنا أنهم يؤمنون به، ويؤمنون أن الاعتقاد به ينفع، ومنه إن ذكر ذاكر اسم «حجر حجر حجر حجر»، أو «قبة قبة قبة قبة»، أو «صخرة صخرة صخرة صخرة..» نفعه (في الوصول إلى الجذبة طبعًا).

يردد علي نور الدين اليشرطي نفس القول:

... لو اعتقد أحدكم بحجر؛ لنفعه، وقال: ليس الحجر الذي ينفع، إنما هو الاعتقاد.

- طبعًا، إنهما لم يقررا هذا الحكم إلا بعد تجارب، ويجب أن ننتبه إلى أنه ينفع في التصوف والكهانة والسحر فقط؛ (لأن الصوفية هي نفس الكهانة، والسحر بعضها)، ولا ينفع في شيء غيرها.

ويقول محمد بهاء الدين البيطار:

... فأسماء الله على الحقيقة أعيان العالم وحقائقه، ومظاهر الأسماء هي صور العالم، فلكل اسم إلهي من الصور ما لا يتناهى؛ فكل ما أمات مثلاً من ثعبان أو سيف أو رصاص أو حجر أو عصا فهو صورة من صور الاسم «المميت»، ومعنى المميت: شأن من شئون الذات الإلهية، وهو عين الذات...

ويقول ابن سبعين في «الرسالة النورية» يخاطب أحد المريدين:

...هذه الكلمات التي نذكرها لك مرموزة مني، غير أن الذاكر ينتفع بها، وهي: عمرش أش عمر صح راهيا إيداحا أيهم أردع صعر عرجم كعلم... فقل إذا وجدت البحر والوجود والحمد: قهوم طمس هوالم صعنج ذلك الله ربكم يايايا...

- بديهي أن ابن سبعين لم ينصح مريده بالذكر بهذه الأسماء إلا بعد تجريبها.

- وكما فهمنا من نصوصهم، الذكر يقود إلى الجذبة التي هي الغاية، وفي الطريق قد يحصل للذاكر بعض الخوارق، وينصحونه ألاَّ يهتم بها؛ لأنها تحجبه عن الغاية المنشودة.

والطريق إلى الجذبة قد يقصر وقد يطول، حسب استعداد السالك النفسي والفيزيولوجي، ولعل الذكاء الفطري العالي يبعد الوصول إلى الجذبة! ولعل الغباء الفطري يقصر الطريق إليها.

* وخلاصة لما تقدم:
الذكر بترديد أي كلمة كانت مقرر من كبار عارفيهم، فلا مجال للاعتراض عليه أو الشك فيه، إنهم يقدمونه لمريديهم قاعدة يسيرون عليهم في مسيرهم إلى... الجذبة.

ومن البديهي أنهم لم ينصحوا به مريديهم إلا بعد تجربة.

ومنه تعلم أن حقيقة ذكرهم ليست مرتبطة بذكر الله سبحانه، وما التزامهم الاسم «الله» أو عبارات الثناء عليه ودعائه إلا أسلوب ذكي لإلباس التصوف رداء الإسلام، وضعه لهم سيدهم الجنيد، وتوسع فيه حجتهم الغزالي، وهو أحد مظاهر الطريقة البرهانية الغزالية، التي يسمونها «التصوف السنِّي».

وذكرهم كله، موضوعه، وشكله، وزمانه، ومكانه، هو بدعة كله، غريب عن الإسلام كله، ومن الردود المفيدة عليه وعليهم، هو رد الإمام النووي رحمه الله.

لقد اتصل الإمام النووي في أول وصوله إلى دمشق، وهو صغير، بالمتصوفة، وسار في طريقهم، وعندما اتسعت معارفه وفهم الإسلام، ترك الصوفية دون ضجيج، ورد عليهم بكتابين:

1- رياض الصالحين: يُبين فيه بالنصوص الصحيحة (إلا قليلاً منها) طريق الصلاح، وحيث يتبين طريق الصلاح، فكل الطرق من دونه ضلال.

2- الأذكار: يُبين فيه الأذكار الإسلامية ، نصوصها، وأوقاتها، وأماكنها، كل ذلك بأسانيد أكثرها صحيح، وإذ يتبين ذلك، يتبين أن الذكر الصوفي الذي يستعمله السالكون إلى الجذبة، ليس من أذكار الإسلام.

- من جهة ثانية:

كل عبادة في الإسلام لها شروط وأركان.

ويوجد شرط مشترك لكل العبادات الإسلامية (مر معنا في بحث «البدعة»)، وهو: «كل العبادات باطلة إلا ما ورد به نص»، وبصيغة أخرى: «لا عبادة دون نص».

والذكر عبادة، فهو يحتاج إلى النص، وإلا فلا يكون عبادة.

وذكر الصوفية من حيث الشكل واللفظ (إذا كان بالاسم المفرد أو «بما شئت من الأذكار» الواردة آنفًا)، لا نص فيه، والنصوص التي يقدمونها، إنما يلفقونها بالتأويل والترقيع، إذن، فهو ليس عبادة.

كما أن للذكر في الإسلام أركانًا: نجدها في الآية الكريمة: { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ }.

يهمنا في بحثنا هنا قوله سبحانه: { فِي نَفْسِكَ...وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ }، فعبارة { فِي نَفْسِكَ } تعني: ألا تسمع نفسك، وعبارة: { وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ } تعني: ألا يسمعك جارك؛ لأن الجهر هو ما يستطيع سماعه الجار.

إذن، فيجوز في الذكر أن يُسمِع الإنسان نفسه وأن لا يُسمعها.

وأما الجهر، فمنهيٌّ عنه بأكثر من آية وأكثر من حديث.

مع ملاحظة أن هناك حالات نص عليها الشارع، يجب فيها رفع الصوت بالذكر أو يجوز، كما في التلبية بالحج، وقبل صلاة العيدين، وفي التعليم، والحالة العفوية، ولتذكير الغافلين (حيث يجهر بعبارة الذكر مرة أو مرتين فقط)، وليس تفصيل هذه الأمور داخلاً في موضوعنا.

وكل محاولة أو مراوغة لاختراق الحدود التي رسمها الشارع من أجل التوسع بمدلول النص لتبرير الأساليب المبتدعة، هي محاولة باطلة، وهي بدعة وهي ضلالة، { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }

وتعرف الحدود الشرعية من النص، أو من فعل الرسول r، ومن فعل أصحابه.

والأذكار التي يستعملها الصوفية في الخلوة أو السياحة وفي الحضرة وفي مجلس الذكر أو مجلس الصلاة على النبي أو بعد الانتهاء من الصلاة، كلها فاقدة لشرط وركن معًا، أو لأحدهما على الأقل، لذلك فهي باطلة، وهي بدعة، وهي ضلالة.

والباطل لا يقود إلا إلى باطل.

وإن كلمة قالها الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان «أمين سر رسول الله r» لهي كافية لحسم هذا الموضوع، قال: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله r فلا تَعَبَّدوها؛ فإن الأول لم يدع للآخر مقالاً.

- هذا إن كان الذكر بالأسماء الحسنى أو بعبارات الثناء على الله.

أما إن كان بغيرهما مما يقرره كهانهم من أسماء حجارة أو أوثان أو قبور أو غيرها فهي واضحة الزندقة بيّنة الكفر، وهي من الوثنية التي جاء الإسلام ليحاربها باعتبارها المصدر الرئيسي لكل الشرور، وهي السحر وهي الكهانة.

* قصة مرسلة:-
مستشار في محاكم الاستئناف في مدينة حلب، كانت تجمعه الصلاة في المسجد مع بائع شراب متجول، وفي ذات مرة، طلب إليه البائع أن يجرب أن يقرأ بعد كل وقت من أوقات الصلاة، الكلمات: «بطدٍ زهجٍ واحٍ يا حي ياهٍ» مائة مرة، وبعامل الفضول، صار المستشار يرددها بعد كل صلاة...

بعد ثلاثة أيام، بينما كان جالسًا على قوس المحكمة يفصل في قضايا الناس، إذا به يرى أمامه بيته وأهله يقومون بأعمالهم حسب المعتاد، وعندما رجع إليهم بعد الظهر، سألهم عما كانوا يفعلونه في ذلك الوقت؟ فكان في بعض ما رآه بعض ما كانوا يفعلونه.

وصارت مثل هذه الحالة تتكرر أمامه كلما كرر تلاوة الأسماء.

فِقرة من كتاب صوفي:-
... ولِحرف الباء خلوة، وخادمه مهيائيل، فإذا أردت استخدامه اكتب الحرف وضعْه في رأسك بعد الرياضة، واتل الدعوة والقسم دبر كل صلاة 31 مرة، واتل العزيمة والرياضة 40 يومًا، فإن الملك يحضر ويقضي حاجتك، ومهما أردته تبخر وتقول: أجب يا خادم حرف الباء، فإنه يحضر...

- إن كتب التصوف المحض، والتي لم تؤلف للخداع والتضليل والمراوغة، ملأى بمثل هذه الفقرة، وهي واضحة كل الوضوح في أن التصوف هو السحر، والفرق بينهما أن الصوفي مخدوع مراوغ، والساحر صادق.

ويكفي للدلالة على أن الصوفية هي السحر، الرجوع إلى كتاب «شمس المعارف الكبرى» للبوني، وكتاب «مجموع ساعة الخير» لابن عربي، و«المضنون به على غير أهله» للغزالي، و«صفحات من بوارق الحقائق» للصيادي، وغيرها..

لكن أقطاب التصوف العارفين بالله يتواصون فيما بينهم بتأليف الكتب الموهمة أنها من الإسلام، ذات المظهر الإسلامي الخداع؛ لأن الحكمة تقتضي ذلك، وطبعًا هم يفعلون ذلك عن إخلاصٍ وإيمانٍ بما يفعلون، شأن أي متدين مخلص لدينه ومؤمن به.

وقبل الانتقال إلى البحث التالي، يجدر الانتباه إلى أن المتصوفة قد يستعملون الأذكار الإسلامية حسب المنهج الإسلامي، ويكون هذا منهم عملاً صحيحًا، لكنه لا يكون أبدًا تبريرًا لأذكارهم الصوفية حسب المنهج الصوفي.

( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 618 – 627 بتصرف يسير ) .


المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 08:33 PM

الشبهة(4) : الحضرة الصوفية هل هي شرعية ؟




الحضرة الصوفية تكون: جالسة صامتة، أو جالسة صائتة، أو راقصة (بنقص أو من دون نقص).

1- الجالسة الصامتة:

في الرد عليها يكفي حكم عبد الله بن مسعود، الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (كما يرويه الحافظ الذهبي في «التذكرة»): «خذوا عهدكم عن ابن أم عبد».

نجد حكم عبد الله بن مسعود هذا في «سنن الدارمي»:

... عند عمر بن يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه، قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة (أي الفجر)، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخَرَجَ عليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعًا، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرته، ولم أرَ والحمد لله إلا خيرًا. قال: فما هو؟ قال: إن عشت فستراه.. رأيت في المسجد قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبّروا مائة مرة، فيُكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة مرة، فيُهللون مائة، فيقول: سبحوا مائة مرة، فيسبحون مائة. قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئًا انتظار رأيك أو انتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، وَيْحَكُم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء أصحابه متوافرون، وهذه ثيابه لم تبلَ، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا: والله! يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله، لا أدري، لعل أكثرهم منكم...

- الرجاء ملاحظة أن الجلسة النقشبندية هي مثل هذه الجلسة.

2- الحضرة الجالسة الصائتة:

في الرد عليها نذكر ما يلي:
- الآية الكريمة: { وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ... }، وهؤلاء يجهرون بذكرهم، كما يخلو ذكرهم من التضرع والخيفة.

- الحضرة بجميع أنواعها، ومثلها هذه، بدعة تنطبق عليها كل الأحاديث الواردة في البدعة، والتي رأيناها قبل قليل.

- حديث ابن مسعود السابق هو رد عليها كما هو رد على الجالسة الصامتة.

- قول حذيفة بن اليمان: «كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله فلا تعبدوها»، رد عليها وعليهم.

وبالتالي، هذه الحضرة«الجالسة الصائتة» هي مثل غيرها، بدعة، فهي مردودة عليهم.

3- الحضرة الراقصة (وكلها صائتة):

إن جميع الردود على البدعة وعلى أساليبهم في الذكر، وعلى الجالسة الصامتة، وعلى الجالسة الصائتة، هي ردود على الحضرة الراقصة، يضاف إليها:

- هي نفس صلاة اليهود!

جاء في المزمور (149) عدد (3): «ليسبحوا اسمه برقص، بدُف وعود، ليرنموا له..».

وفي المزمور (150): «سبحوه بدف ورقص، سبحوه بأوتار ومزمار، سبحوه بصنوج التصويت، سبحوه بصنوج الهتاف...».

- وثنيو إفريقيا السوداء «الفيتيشيون» عباداتهم كلها رقص وسماع.

- الهندوس، صلاتهم لأصنامهم مثل الحضرة الراقصة، يتوسطهم الكاهن أمام الصنم، يرقصون ويهزجون، أي إن صلاتهم هي رقص وسماع وقرع أجراس.

· الخلاصــة:-

الحضرة الصوفية بجميع أشكالها، بدعة، ونقض للآيات والأحاديث، وتَشبُّه كامل بالطقوس اليهودية والوثنية، (فيتيشية وهندوسية وجينية وطاوية..).

- أما كونها نقضًا للآيات والأحاديث؛ فهي كفر وزندقة ورِدة.

- وأما كونها تشبه الطقوس الوثنية واليهودية؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من تَشبَّه بقوم فهو منهم».

ولا حاجة للزيادة.

( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 628 – 630 بتصرف يسير ) .


المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 08:34 PM

الشبهة(5) : السماع الصوفي ومدى شرعيته




إن كل النصوص الواردة في السماع، حلاله وحرامه، وكل بحوث العلماء (وأقول: العلماء)، هي نصوص وبحوث فيه على أنه أمر دنيوي، ودنيوي فقط، لا علاقة له بعبادة ولا بتقرب إلى الله.
ولم يرد فيه نص (علمي) قط، بتحليل أو تحريم، إلا على أنه أمر دنيوي يُمارس في الأعياد والأعراس والحرب، أو في التسلية واللهو والطرب.

أما أن يكون طقسًا تعبُّديًّا، كما هو عند المتصوفة؛ فهذا شيء ما عرفه التشريع الإسلامي، ولا تكلم فيه عالم؛ لأنه بديهيًّا، غير وارد في العبادات الإسلامية.

أما المتصوفة، فيتخذون السماع طقسًا تعبديًّا روحانيًّا يسهل عليهم ما يسمونه ظلمًا وعدوانًا «السير إلى الله»، وهنا يكمن الداء، ويعشش البلاء.

إن السماع عند المتصوفة عبادة، وفي الغالب يكون مصحوبًا بالآلات، وهذا كله:

1- بدعة، وذلك بيِّن لا يحتاج إلى دليل، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

2- تشبُّه بالوثنيين وأهل الكتاب، يقول سبحانه في وصف صلاة المشركين: { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً }.

وجاء في التوراة (الحالية) في المزمور (144) عدد 9: «يا الله، أرنم لك ترنيمة جديدة..».

وفي المزمور (146) عدد 2: «أُسبح الرب في حياتي وأرنم لإلهي ما دمت موجودًا».

وفي المزمور (149) عدد3: «ليُسَبِّحوا اسمه برقص، بدُف وعود، ليرنموا له..».

وكذلك هو في الديانات الوثنية طقس تعبدي.

إذن فالصوفية يتشبهون بالسماع بالوثنيين وأهل الكتاب، «ومن تشبَّه بقوم؛ فهو منهم».

* ملاحظة هامة جدًّا:
من العجب العجاب، مغالطتهم في كل مقولاتهم عن السماع، في كل كتبهم (ابتداءً من أمهات كتبهم «اللمع»، «التعرف»، «قوت القلوب»، «الرسالة القشيرية»، «إحياء علوم الدين» إلى بقية ما كتبوا وما دونوا)، حيث يبدءون بمناقشة السماع حسب الشرع والنصوص المزور بعضها، وطبعًا كل النصوص الشرعية في السماع إنما تتكلم عنه على أنه أمر دنيوي يمارس للتسلية واللهو، لكن الصوفية يتوسعون في التحليل حسب طريقتهم في التزوير، ثم يطبقون ذلك على سماعهم التعبدي الذي يجعلونه قربى يتقربون به إلى الله.
ولعل الأمثلة التالية يمكنها توضيح مدى الفساد والضلال في أسلوبهم هذا:

- يُبيح الشرع أكل «الشاورما»، فهل يصبح أكل «الشاورما» بهذه الإباحة طقسًا يُعرج به إلى الله؟

- يُبيح الشرع البصاق الذي ليس فيه أذى، فهل يجوز بناءً على ذلك، أن نجعل البصاق طقسًا تعبديًّا في «السير إلى الله»!

لا يعترض الشرع على أحد إذا خطر له أن يحك أذنه بإبهام رجله، فهل يصح بناءً على هذا أن يكون حك الأذن بإبهام القدم طقسًا تعبديًّا يمارس تنشيطًا على «العروج إلى الله»؟!‍
عجيب أمر هؤلاء القوم! هل هم لا يكادون يفقهون حديثًا؟ أم { يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }؟
وغاية الطريقة الإشراقية هي الوصول إلى الجذبة التي هي الولاية (كما يتوهمون)، وهي حالة خدرية تُشبه الحالة التي يقع فيها متعاطي الحشيش والأفيون ورفاقهما شبهًا تامًّا.

* النتيجـة:
هذه هي طريقة الإشراق، كلها كفر وضلال وزندقة، إنها ليست مجرد بدع ساذجة أو انحرافات بسيطة، بل هي الطقوس الوثنية (وأقول: «الطقوس») التي تعبدت بها كل وثنيات التاريخ (في الحال والماضي والاستقبال)، والعقائد الوثنية التي دانت بها أو حامت حولها كل وثنيات التاريخ في ماضي الزمان وحاضره، إنها ليست مجرد اجتهادات شاذة في الفروع أو في الأصول، أو حتى في العقائد؟ إنها طقوس وممارسات وعقائد غريبة عن الإسلام كل الغرابة، بعيدة عن الإٍسلام كل البعد، أُقحمت على الإسلام ومُزجت به بأساليب إبليسية لتشكل ما يسمونه «الطريقة البرهانية» ولو أنصفوا لسموها «الديانة البرهانية».

( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 631 – 633 بتصرف يسير ) .


المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 08:34 PM

الشبهة(6): مناقشة الطريقة البرهانية (الغزالية)«ويسمونها عادة التصوف السنّي»




إن أول من اشتهر عنه هذا الأسلوب هو الجنيد، الذي كان يتستر بالفقه على مذهب أبي ثور، تلميذ الشافعي، وهو أول من نادى به وطالب المتصوفة بتطبيقه.
وقد قال أبو الحسين النوري عندما خاطب الجنيد قائلاً: يا أبا القاسم، غششتَهم فأجلسوك على المنابر، ونصحتُهم فرموني على المزابل.
لقد غشَّهم الجنيد بتكلمه عليهم بالفقه! ونصحهم النوري بعرضه عليهم الحقيقة الصوفية!

وكانت تجربة الجنيد ناجحة، سار المتصوفة على خطاها، وهذه التجربة مضاف إليها تحبيره مصطلحات الصوفية، وإيجاده أسلوب «العبارة الصوفية» بإشارتها ورموزها وألغازها، كل هذا جعل منه سيد الطائفة بلا منازع؛ لأنه رسم لهم الطريق التي يسيرون فيها بأمان، ويستطيعون بواسطتها نشر عقيدتهم الإشراقية في المجتمعات الإسلامية من دون ضجة.
وسار المتصوفة على خطاها، ومن شذَّ عنها واجه سيف الردة والتكفير، فقُتل من قُتل، طُرد من طُرد، واستتيب من الكفر من استتيب.
ومن أبرز من أصَّل طريقة الجنيد بعده، هو أبو طالب المكي في كتابه «قوت القلوب» الذي بدأه بعرض بعض آيات من القرآن الكريم، انتقاها بحيث يمكن أن يكون لها (بعد ليّ عنقها) علاقةً بالتصوف، وجاء بشيء من الأحاديث في الأوراد وما دار حولها، ثم دخل في علم الباطن وأتبعه بفقه العبادات، وحشا ذلك كله بما يستهوي قلب القارئ نحو التصوف.
ولا يستبعد أن يكون هذا هو منهج الطريقة السالمية التي تخرّج فيها أبو طالب؟
وجاء من بعده حجتهم الذي سموه «حجة الإسلام» أبو حامد الغزالي، فألَّف في الفقه على مذهب الشافعي، وألف في علم الأصول، ومواضيع أخرى، ثم وضع عشرات الكتب في ما سماه «العلم المضنون به على غير أهله» في قمتها كتابه المشهور «إحياء علوم الدين»، ولو أنصف لسماه «إعياء علوم الدين»، أو «إحياء علوم الكهانة».
وبسبب هذا الكتاب، نسبت الطريقة البرهانية إلى الغزالي.

فلنلقِ عليه نظرة عابرة لنصطدم بما يلي:

1- تقسيم الكتاب: قسَّم الغزالي إحياءه إلى أربعة أرباع: رُبع العبادات، ورُبع العادات، ورُبع المهلكات، ورُبع المنجيات.
حيث نرى في هذا التقسيم الظالم أنه جعل المنجيات غير العبادات، وجعل العبادات غير منجيات.
ونترك الحكم على هذا التقسيم لكل إنسان عرف بديهيات الدين الإسلامي، بل وبديهيات الأديان جميعها من أولها إلى آخرها، ولكن نسأل: كيف يكون المروق من الإسلام؟

2- لم يكن هذا التقسيم صادرًا من الغزالي عن غفلة أو عن غلط أو عن غير قصد، بل كان مقصودًا عن وعي وتصميم واعتقاد، وقد مرَّ معنا قوله: (بعد أن تكلم عن المقامات الصوفية): «فالعلم بحدود هذه الأمور.. هو علم الآخرة، وهو فرض عين في فتوى علماء الآخرة (أي الصوفية)، فالمعرض عنها هالك بسطوة ملك الملوك في الآخرة، كما أن المعرض عن الأعمال الظاهرة (أي العبادات) هالك بسيف سلاطين الدنيا، بحكم فتوى فقهاء الدنيا (أي علماء الشريعة)». وقد تكرر هذا المعنى في الإحياء في أكثر من موضع، مرَّ بعضها في الفصول السابقة.
وهذا الكلام هو، تمامًا، مثل قول عبد القادر الجيلاني الذي مرَّ في فصل سابق: «تدري كم عنده من الطاعات والصوم والصلاة لا يعبأ بها، إنما مراده منك قلب صاف من الأقدار والأغيار»، والفرق بين العبارتين هو الفرق بين المهارتين في استعمال الإشارة والرمز واللغز.

وهذا يعني أن هذه العقيدة هي عقيدة كل الصوفية؛ لأن الرجلين عندهم في قمة التقديس.

- المهم، أن الغزالي يقرر في «إحيائه» أن العبادات لا قيمة لها عند الله؛ لأنها لإرضاء السلاطين والفقهاء فقط.

3- مرَّ معنا في ثنايا الكتاب النصوص الكثيرة المنقولة من «الإحياء»، والمشحونة بالكفر والزندقة، وهي بعض من كثير.

4- يضاف إليها أكثر من أربعمائة حديث موضوع ومكذوب، يقول الحافظ العراقي (مُخرِّج أحاديث «الإحياء»)، عن قسم منها: «لم أجده»، أو: «لم أجد له أصلاً»، مما يجعلنا نظن أن الواضع لها، أو لبعضها على الأقل، هو الغزالي نفسه، أو كشفه، (أما إذا أردنا الحق، فيبقى الغزالي متهمًا بوضعها كلها، حتى يثبت العكس).

5- يضاف إليها أكثر من هذا العدد من الأحاديث الضعيفة، وبذلك يكون مجموع الأحاديث الموضوعة والضعيفة قريبًا من نصف مجموع أحاديث الكتاب، إن لم تكن أكثر.

وموقف الإسلام من هذا وذاك هو قوله صلى الله عليه وسلم في ما رواه مسلم: «من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، وقوله: «من حدَّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين».
أما الذين يبتغون الهدى في مثل هذا الكتاب الذي يحتوي على مثل هذا العدد الضخم من الأحاديث الموضوعة والضعيفة، فحكم الإسلام فيهم هو قوله سبحانه: { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }؛ لأن الأخذ بالأحاديث الموضوعة هو من أعظم الشرك إلى جانب كون الذي يُحدِّث بها أحد الكاذبين، أما الأخذ بالأحاديث الضعيفة فطريقٌ إلى التهلكة؟ وذلك؛ لأن ضخامة عددها في الكتب المختلفة هي دليل على أكثرها من الموضوعات، وهذا يجعل خطر الأخذ بها كبيرًا جدًّا، أكبر من أية فائدة متوهمة.
ومن أعاجيب المتصوفة في المغالطة، أنهم عندما يقول لهم قائل: إن كتاب «الإحياء» مشحون بالأحاديث الموضوعة والضعيفة، يكون الجواب الذي سمعناه مرارًا: «لقد خرّجها الحافظ العراقي وانتهى الأمر!!»، أو ما يدور حول هذا المعنى! فنقول:
- يا هؤلاء، اتقوا الله واخشوا يومًا تقفون فيه بين يديه، حيث لن تنفعكم جذباتكم ولا شياطين الجن التي تمسرح لكم مشاهداتكم في جذباتكم، ولا شيوخكم الذين يوصلونكم إلى جذباتكم.

- يا هؤلاء، إن الأخذ جهلاً بالحديث الموضوع، يمكن أن يكون معه عذر الجهل، أما الأخذ به بعد تخريجه، ومعرفة وضعه، فهو الشرك الأعظم!.

والأخذ بالأحاديث الضعيفة بعد معرفة ضعفها هو طريق يؤدي في النهاية إلى الضلال.
ولا بأس من إيراد كلمة في وصف «الإحياء» لأبي بكر الطرطوشي، يقول: «شحن أبو حامد «الإحياء» بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أعلم كتابًا على بسيطة الأرض أكثر كذبًا منه».
- نقول: إن قول أبي بكر الطرطوشي هذا، كان قبل تأليف كتب المتصوفة الأخرى.

6- يضاف إلى ما سبق، تفسير آيات القرآن الكريم تفسيرًا لا تعرفه اللغة العربية، ولا أصول التفسير، وما عرفه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من اتبعهم بإحسان، وقد مرت نماذج منها في الفصول السابقة، منها على سبيل المثال: { إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى }، و{ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى }، التي يجعلها إشارة إلى وحدة الوجود.
والغزالي لا يتفرد بهذا الأسلوب، بل كلهم في كل كتبهم يُحرفون الكلم من بعد مواضعه، وما أكثر الأمثلة التي مرت في هذا الكتاب، وهي بعض من كل.

7- يضاف إليها: أخبار غيبية عن الله سبحانه وتعالى، وعن الملائكة واللوح المحفوظ، وعن الرسل، وهي أخبار لا يمكن أن تُعرف إلا عن طريق الوحي الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد فيها أي دليل من هذا الوحي، ولعل الغزالي عرفها بالكشف! وقد رأينا نماذج منها.
وهي بالتالي كذب على الله، وكذب على ملائكته، وكذب على رسله، وكذب على اليوم الآخر، وكذب على القضاء والقدر (خيره وشره)، وكذب على الصحابة، وكذب على التاريخ، وكذب، وكذب، وكذب.

8- يضاف إليها دعوة إلى أخلاق غريبة، فالتواضع هو الذل والمهانة، والورع هو التفاهة والبلاهة، والتوكل هو الاستسلام تطوعًا للجوع والعطش والعرى والمرض، والزهد هو التسوُّل وأكل القمامات وروث الحيوانات، وقد رأينا نماذج منها.

9- يضاف إليها تعطيل أحكام الإسلام بحجج فيها الكثير من المكر، فهذا لم يُغير منكرًا أو لم ينه عنه، أو لم يقم بعمل خير خوفًا من أن يكون عمله رياءً، وذاك لم يأمر بمعروف خوفًا من أن يكون داخلاً في حكم الآية: { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ }، وذلك لم يتضرع إلى الله ولم يسأله خوفًا من أن يكون دعاؤه اعتراضًا على قضاء الله، ورابع لم يتزوج خوفًا من أن يكون الزواج ركونًا إلى الدنيا، وآخر ينهى عن طلب الحديث والعلم؛ لأنه طلب للرئاسة، وآخرون ينهون عن تعلم القراءة والكتابة؛ لأنه أجمع لهمة المريد... إلى آخر ما مر وما لم يمر مما أفسد المسلم في دينه ودنياه.

10- يضاف إليها علم الكلام الذي أنكره نظريًّا واستخدمه عمليًّا في كل كتبه، وخاصة في «الإحياء»، استعمله بمهارة ولباقة، وأدخله في أصول العقائد والعبادات، حيث جاء إلى الاعتقادات الغيبية التي لا يمكن معرفتها إلا عن طريق الوحي، فأخذ يستنبطها بأساليب علم الكلام، ليُبرر تلقيها عن الكشف، بعد أن كانت لا تؤخذ إلا من نصوص القرآن وصحيح السنة.
واستعمله بمهارة ولباقة، فأقحم به الصوفية على الإسلام، حتى جعل المتصوفة هم «الخصوص»، وجعل أقطابهم «خصوص الخصوص»، وجعل أهل الشريعة هم العامة.
واستعمله بمهارة ولباقة، فجعل العبادات غير منجيات، وجعل المنجيات هي مقاماتهم الصوفية التي تُدمر الأخلاق والإيمان والإسلام.

11- يضاف إليها مجموعة وافرة من المعلومات الخرافية المبثوثة في الكتاب، والتي شكلت جزءًا هامًّا من المعارف والثقافة عند المسلمين طيلة القرون، وكانت سببًا لما وصلت إليه المجتمعات الإسلامية من ضياعٍ وتفتت، وقد مرت صور منها في الفصول السابقة.
- وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي أن قسمًا من «إحيائه» هو نصوص منقولة حرفيًّا من «قوت القلوب» للمكي، وبعضًا من «اللمع» للطوسي...
كما أنه يأخذ أفكاره وفلسفاته وأقواله في التربية والنفس والمجتمع، من أفكار وفلسفات إخوان الصفا، وقد انتبه إلى هذا كثيرون منهم ابن سبعين والمازري والذهبي وغيرهم.
لقد استطاع الغزالي بهذه الأساليب أن يمزج التصوف بالإسلام، ويجعل الآخرين يعتقدون أنهما شيء واحد.
وتبعه مثقفو المتصوفة على هذا النهج، وشيئًا فشيئًا، فشا هذا في الأمة، إلا من رحم ربك، وشيئًا فشيئًا، أصبح الإشراق وعلم الكلام آلة لاستنباط العقائد والعبادات في الإسلام، وشيئًا فشيئًا، جعلوا التصوف قمة الإسلام، وقبلوا تسميته «الإحسان»!
ولهذا السبب، أطلقوا على الغزالي لقب «حجة الإسلام»، وما هو إلا حجة الكهانة.
ولهذا السبب، جعلوا كتابه «إحياء علوم الدين» كتابًا مقدسًا، ففي كل بلاد المسلمين، نرى من يسمّون «العلماء» وأتباعهم، يقرؤون القرآن للتبرك، ولترديد كلمة «الله» عندما يقف القارئ على الآي، يمطونها ويكررونها! وكأنهم لم يقرؤوا قوله سبحانه: { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }، كما يقرؤون «صحيح البخاري» في المساجد جماعة إذا حزبهم أمر، بينما يقرؤون «الإحياء» و«الرسالة القشيرية» و«الحكم العطائية»، وغيرها من كتبهم، ليطبقوها ويتخذوها منهجًا طاغوتيًّا من دون القرآن والسنة، وأحسنهم طريقة من يُشرك كتب التصوف بالوحي المحمدي، يأخذ منها اعتقاداته وعباداته.
هذه هي الطريقة البرهانية بإيجاز، وهي لا تزيد عن كونها أسلوبًا ذكيًّا لاستدراج المسلمين وجرهم إلى نقمة «حكمة الإشراق»، إلى ضلالات الكهانة والكهان؛ إلى تلبيسات الخوارق الشيطانية وتفاهات العلوم اللدنية، إلى الوهم الممسرح الذي سموه معرفة، والكفر المموه الذي سموه توحيدًا، إلى الصوفية التي سموها «الإحسان».
ويجب أن لا ننسى الجهود، التي نشكوها إلى الله، والتي قدمها في خدمة التصوف كثير من شيوخ الجامع الأزهر، عبر تاريخ الجامع الأزهر، حيث كان طلاب العلم يأتونه من مختلف البلاد الإسلامية، فيتعلمون فيه العلوم الإسلامية ممزوجة بالتصوف وعلم الكلام (أي الطريقة البرهانية الغزالية) ثم يعودون إلى بلادهم لنشرها في مجتمعاتهم التي كانت تحترمهم وتأخذ عنهم؛ لأنهم «خريجو الجامع الأزهر» (‍!).
وهكذا صار التحشيش الإشراقي المتستر بالإسلام، وجذبات التحشيش الإشراقي المتلفعة بالإسلام، وهلوسات التحشيش الإشراقي الممزوجة بالإسلام هي الموجه الحقيقي للمجتمعات الإسلامية طيلة القرون الطويلة، حتى وصلت المجتمعات الإسلامية إلى ما هي عليه من جهل وتخبط وذل وانحطاط وتمزق.
وأعود فأذكر أن المتصوفة وعلى رأسهم شيوخهم وأقطابهم هم من أوائل المخدوعين والمضلَّلين، فهم قبل غيرهم، يعتقدون أنهم على منهج الإسلام، وأن الإسلام كذلك؛‌ لأنها لا تعمى الأبصار.
وهم عندما يخادعون ويراوغون ويغالطون، فإنما يعتقدون أن هذا من الحكمة وأن الله سبحانه يريد منهم ذلك، وأن الرسل كلهم أُرسِلوا من أجل ستر الحقيقة التي هي وحدة الوجود.
وهذا الحكم صحيح بالنسبة للذين أخذوا التصوف ممزوجًا بالإسلام (أو لغالبيتهم العظمى)، أما أوائل المتصوفة في الإسلام، الذين أخذوا الصوفية عن كهانها غير ممزوجة بشيء فأولئك كانوا خلاف ذلك؛ لأنهم هم الذين وضعوا لأخلافهم قواعد المكر والكيد حينما مزجوا الإسلام بالتصوف وأوصوا بالتقية ووضعوا العبارة الصوفية.
وماذا يُنتظر من مجتمعات تتعبد الله بمثل هذا منذ أكثر من تسعة قرون، إلا من رحم ربك؟ أليس ما وصلت غليه هذه المجتمعات هو نتيجة منطقية لهذا؟
ولا ننسى ملاحظة هامة، وهي أنهم نادرًا ما يستعملون عبارة «الطريقة البرهانية» أو «الطريقة الغزالية»، وإنما يستعملون في العادة عبارة «التصوف السني» وقد يُعبرون عنها أيضًا بمثل قولهم: «حقيقتنا مُقيّدة بالقرآن والسنة»، أو «طريقتنا سلفية وحقيقتنا صوفية»، وغيرها من العبارات التي مرت في هذا الكتاب والتي لم تمر.

ونختم هذا الفصل بفقرة لابن الطفيل، يقول:
وأما كتب الشيخ أبي حامد الغزالي، فهو بحسب مخاطبته للجمهور، يربط في موضع ويحل في آخر، ويكفر بأشياء ثم ينتحلها، ثم إنه من جملة ما كفّر به الفلاسفة في كتاب «التهافت» إنكارهم لحشر الأجساد، وإثباتهم الثواب والعقاب للنفوس خاصة، ثم قال في أول كتاب الميزان: «إن هذا الاعتقاد هو اعتقاد شيوخ الصوفية على القطع»، ثم قال في كتاب «المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال»: إن اعتقاده هو كاعتقاد الصوفية، وإن أمره إنما وقف على ذلك بعد طول البحث، وفي كتبه من هذا النوع كثير يراه من تصفحها وأمعن النظر فيها، وقد اعتذر عن هذا الفعل في آخر كتاب «ميزان العمل»، حيث وصف أن الآراء ثلاثة أقسام:
1- رأي يشارك فيه الجمهور فيما هم عليه.
2- ورأي يكون بحسب ما يخاطب به كل سائل ومسترشد.
3- ورأي يكون بين الإنسان وبين نفسه لا يطلّع عليه إلا من هو شريكه في اعتقاده.

- نقول: إن ما أورده ابن طفيل هنا وارد في كتاب «الإحياء»، وقد مرت نصوصه في الفصول السابقة، ورغم هذا كله وغير هذا كله، يُسمون الغزالي «حجة الإسلام»؟!

( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 635 – 643 بتصرف يسير ) .


المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 08:35 PM

الشبهة(7) : مناقشة خوارق العادة




لمناقشة خوارق العادة عند الصوفية، يجب أخذ فكرة – ولو موجزة – عن تلك المخلوقات التي ترانا ولا نراها، والتي يجري خبثاؤها من ابن آدم مجرى الدم، هذه المخلوقات هي الجن، وخبثاؤها هم شياطين الجن.
لكن قبل المضي في ذلك، أُحب أن أُنبه إلى أمر:

يوجد في مجتمعاتنا، كما في كل المجتمعات، متعالمون يدَّعون العلمية، والفكر العلمي، والأسلوب العلمي في التفكير، وقد يكونون علماء – في اختصاصاهم – فعلاً.

وإلى جانب هذه الميزة، توجد عند بعضهم ميزة أخرى، هي مقدرتهم على الكتابة بأسلوب قد يكون رائعًا وقد يكون مقبولاً، كما قد يحمل بعضهم ألقابًا علمية عالية.

قد يخطر على بال أحد هؤلاء العلميين أن يتكلم عن «الخرافة»، فيكتب مقالة في جريدة أو مجلة أو بحثًا في كتاب، يوزع فيه لقب «الخرافة» على كل ما يخالف قناعاته الفكرية التي لم يكلف نفسه بدراستها دراسةً علمية عميقة.

ومن جملة ما يقذفونه في زنبيل «الخرافة» الجن وخرق العادة.

هنا، أرجو من القارئ الكريم أن يُغلق أذنيه؛ لأنني أريد أن أهمس في أذن هؤلاء «العلميين» همسة صغيرة، فأقول لهم:

1- مرحبًا يا علميون (لأن السلام قبل الكلام).

2- من منسياتكم: أساليب البحث العلمي ووسائل تختلف حسب الموضوع المعروض للبحث!

فمثلاً: وسائل البحث العلمي وأساليبه في مسألة فلكية، تختلف كليًّا عنها في مسألة كيميائية، وهذه تختلف كليًّا عنها في مسألة تاريخية... وهكذا.
وكلها تختلف كليًّا عن جلسة الصفا أمام الكأس المفعمة في جو الموسيقى الراقصة في ماخور عام أو خاص.

كذلك البحث العلمي في مسألة الجن وخرق العادة له أساليبه ووسائله الخاصة، التي تختلف كليًّا عنها في غيرها، ويمكن لكل من يريد متابعتها أن يتابعها، ليتأكد بنفسه من وجود الجن، ومن حدوث خرق العادة، وبذلك سيعرف أنه كان يغرف من زنبيل الخرافة عندما كان يظن أن الجن وخرق العادة من الخرافة.
لكنه سيجد – في خوضه هذا البحث – أناسًا يخوضون فيه، وقد مسخت الخرافة عقولهم! ‍فهم يعزون كل شيء إلى الجن! ويؤمنون بخوارق لا وجود لها إلا في مخيلاتهم المريضة، فهم بفهمهم السقيم للجن وخرق العادة، يغرفون أيضًا من زنبيل الخرافة، ولكن من الجانب المقابل وبنَهمٍ لا يشبع.
فكلا الأخوين خرّاف، ولكن ذوي الفهم السقيم في الجن وخرق العادة، هم أخرف من أولئك؛ لأن أكثر ما لا يفهمونه خاضع لسنن الله في خلقه، عدا عما يضخمونه من الأمور العادية.
وعلى كل حال، الجن موجودون، وخرق العادة موجود، وكاتب هذه الكلمات، خرقت أمامه العادة مرات ومرات.

- نعود لأخذ فكرة موجزة عن الجن:

للجن قدرات وخواص مادية وتشريحية وفيزيولوجية ونفسية، تختلف كثيرًا عما يقابلها لدى الإنسان، يهمنا منها ما يلي:

1- يستطيعون الترائي للإنسان بأشكالٍ مختلفة، وأحجام تتراوح أطوالها بين مليمترات (أو أقل)، وبضعة أمتار لا يستطيعون تجاوزها، وإن استطاعوا فغير كثير، وذلك تبعًا لأحجامهم الطبيعية، ولعل الترائي بالأحجام الصغيرة جدًّا يكون بجزء من أجسامهم.

2- يستطيعون، عندما يتراءون ألا يتركوا أحدًا من الناس يراهم، إلا من يريدونه أن يراهم.

3- «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم»، وبذلك يستطيع أن يدغدغ مراكز الحس التي يريد، فيثير البسط والقبض، واللذة والانزعاج، والتجلي الجمالي والتجلي الجلالي، مع العلم أن هذه الإحساسات وأمثالها، لها في الأساس أسباب فيزيولوجية.

4- يستطيعون قطع المسافات بسرعات كبيرة، فقد يقطعون في الثانية الواحدة مسافة تقاس بالكيلو مترات، إن لم يكن أكثر من ذلك.

5- يستطيع الواحد منهم (أو بعضهم) حمل ثقل يعجز عنه عدد من أفراد الإنس.

6- يظهر أن للجن متعة خاصة بالتلهي ببني الإنسان والتلاعب بعقولهم وعواطفهم، وملازمتهم.

بهذه الميزات، وبغيرها، يستطيع شياطين الجن أن يصنعوا لوليهم «العارف» بعض الأعمال الخارقة للعادة.
فقد يأتونه بخبر جديد من بلد بعيد بعض البعد، بعد وقوعه بدقائق، فيخبر به الناس، الذين عندما يتأكدون من وقوعه، يعتبرونه كرامة من كرامات الشيخ.
وقد يوسوسون لإنسانٍ ما، بفكرة ما، ثم يلقونها إلى الشيخ، فيخبره بها، فيعتبرونها كرامة من كرامات الشيخ.
وقد يلقي الشيطان إلى الشيخ أسماء أشخاص لا يعرفهم، فينبئهم بها، فيعتبرونها كرامة من كرامات الشيخ.
وقد يكون الشيخ في بلد ما، في وقت ما، ويتمثل به شيطان في بلد آخر في نفس الوقت، وقد يتمثل به شيطان ثالث في بلد ثالث في نفس الوقت أيضًا، فيرى أهل كل بلد أن الشيخ كان عندهم في ذلك الوقت! دون أن يعرفوا – لجهلهم – أنها خدعة شياطين! ويعتبرونها كرامة من كرامات الشيخ.
وقد يتراءى شيطان، أو شياطين، أمام الشيخ، بشكل شخص، أو أشخاص غائبين أو أموات، فيعدها الشيخ كرامة له.
وقد يتراءى شيطان الشيخ أمام الشيخ بشكلٍ ما، ويوهمه أنه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أحد غيره من الأنبياء.
وقد يتراءى شيطان أو أكثر أمام الشيخ بشكل أشباح تتطاير، فيظنهم من الملائكة أو من أرواح الأولياء.
وقد يحمل الشيطان وليّه العارف في الهواء وينقله من مكان إلى مكان وقد يمشي به على سطح الماء.
.... وقد .. وقد ... إلى آخر ما يسمونه – جهلاً أو افتراءً – الكرامات! والتي لا تزيد عن كونها ألاعيب شياطين يخدعون بها وليهم العارف، ثم يخدعون به وبها الآخرين.
وهنا نصطدم مع هؤلاء القوم، بفهمهم السقيم للغة العربية، وبالتالي، لنصوص الحديث الشريف، ومن قبله القرآن الكريم.
إنهم، في رؤيتهم لما يتوهمونه أنه محمد صلى الله عليه وسلم ، يظنون أنهم يرونه حقًّا، ويحتجون لذلك بالحديث الشريف: «من رآني في المنام فقد رآني حقًّا، فإن الشيطان لا يتمَثَّلُ بي».
والحديث واضح البيان، لا لبس فيه ولا غموض! فهو يقول: «من رآني...»، والفرق كبير جدًّا بين هذا القول وبين: «من رأى شخصًا يدَّعي أنه أنا..»، أو: «من رأى شخصًا وظن أنه أنا...»، أو: «من رأى شخصًا وقيل له: إنه أنا..‍»! الفرق كبير جدًّا بين هذه العبارات وبين عبارة الحديث: «من رآني..»، التي تعني رؤيته صلى الله عليه وسلم ، بشكله وصورته التي كان عليهما، بل وزيه أيضًا.
ويقول في الحديث أيضًا: «.. فإن الشيطان لا يتمثل بي»، وفي رواية: «لا يتمثل بصورتي»، والمعنى واحد. وهنا أيضًا الفرق كبير جدًّا بين هذا القول، وبين قوله لو قال: «.. فإن الشيطان لا يدعي أنه أنا» أو «لا يستطيع شيطان أن يقول عن شيطان آخر: إنه أنا»، أو: «لا يستطيع أحد أن يُخدع فيتوهم شيطانًا يراه أنه أنا» !
إن عبارة «فإن الشيطان لا يتمثل بي» تعني أن الشيطان لا يستطيع أن يتراءى بصورة الرسول وشكله وزيه التي كان عليها صلى الله عليه وسلم في حياته، بحيث لو رآه أي إنسان من أصحابه لعرفه أنه هو.

وقد يتساءل متسائل: كيف نعرف إن كان من نراه في المنام هو الرسول أم لا؟

الجواب: تورد كتب الحديث وكتب الشمائل أوصافه صلى الله عليه وسلم ، فمن رآه في منامه إنسانًا تجتمع فيه كل تلك الأوصاف، دون استثناء، فهناك احتمال أن يكون هذا الذي رآه هو الرسول صلى الله عليه وسلم .

وأقول هنا احتمال أن يكون هو الرسول، لأن الأوصاف المذكورة هي أوصاف إجمالية لا تفصيلية، وغير دقيقة، حيث يكن أن نراها مجتمعة في عشرات الأشخاص الذين يختلفون عن بعضهم بدقائق صورهم وتفاصيلها.

وفي قصة جماعة الحرم عبرة لأولي النهى، فقد رأى عشرات منهم الرسول في المنام، وأخبرهم أن محمد بن عبد الله القحطاني هو المهدي المنتظر، ولا يخلو أن يكون بعضهم على علم بأوصاف الرسول الموجودة في الكتب، وأن يكون رآه حسب تلك الأوصاف المجملة، ثم كانت النتيجة أن القحطاني لم يكن المهدي، وبالتالي كانت كل تلك الرؤى من وسوسات الشياطين، أو من حديث النفس.

إن في هذه الحادثة برهان عملي ساطع على أن الشيطان يدعي أنه محمد صلى الله عليه وسلم ، وأن معنى الحديث: «لا يتمثل بي».

أي لا يظهر بصورته وشكله الكاملين اللذين كان صلى الله عليه وسلم عليهما في حياته.
كما يجب أن لا ننسى العدد الوافر من الأولياء العارفين الذين رأوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبرهم أنهم هم «المهدي المنتظر»، ثم كانت النتيجة أن الذي رأوه كان إما وسوسة شيطان، أو حديث نفس، أو كشفًا إن كان الرائي من المكاشفين.
هذا بالنسبة للرؤية في المنام أو في الجذبة.
أما ما يقوله المتصوفة من الرؤية في اليقظة فهذا واضح البطلان والضلال، كما هو واضح أن المترائي هو شيطان يضحك على أذقانهم، ويسلبهم عقولهم وإيمانهم، ويضل بهم غيرهم.
إن الشيطان يدّعي أنه الله، فهل كثير عليه إن ادّعى أنه الرسول؟
وهناك خارقة يؤخذ بها المخدوعون أكثر من غيرها، هي ضرب الشيش في الخدَّين والبطن حيث الأمعاء، وفي الجلد، وهي مشتهرة بين أتباع المشيخة الرفاعية والجزولية والعيسوية، يمارسونها في حضراتهم التظاهرية، وهي مثل غيرها لا تزيد عن كونها شيطانيات، بدليل أنها تحصل مع الكفرة، بل يحصل منهم ما هو أكبر منها، وفي فصلٍ لاحق سنرى شيئًا من هذا، ولعله من الجائز أن يكون تفسير هذه الخارقة كما يلي:
أ‌- لجلد الإنسان خاصة مطاطية، وكذلك الخدان والبطن والأمعاء، وهذا مشاهد ملموس.
ب‌- إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، فهو بذلك يستطيع التخلل في أي مكان من الجسم.

ولعله يجد بذلك متعة خاصة نجهل طبيعتها.
وتتم العملية حسب الآتي:
يوجه الشيطان يد الشخص المتخلل فيه، ليضع الشيش في المكان المناسب من البطن، وعندما يضعه على الجلد، يباعد الجني بين خلايا النسيج الجلدي، وما تحته بمقدار ما يمر الشيش بسلام دون أن يمزق شيئًا من الخلايا، وعندما يصل الشيش إلى الأمعاء (في المكان المناسب) يباعد الشيطان بينها، كما يباعد بين خلايا النسيج الذي يضمها بمقدار ما يمر الشيش بسلام أيضًا... وهكذا.. يساعده على ذلك الخاصة المطاطية في هذا الأجزاء من الجسم، وسرعة الحركة التي يمتاز بها الجن.
ومثل هذا يحدث في الخدين وفي الجلد.
لكن مهما كانت الدقة التي ينفذ بها الجن هذه العملية بالغة، فلابد من تمزق بعض الخلايا، مما يسبب سيلان قطيرة أو قطيرات من الدم عند سحب الشيش.
كما يبقى المكان الذي حصلت فيه العملية أحمر بعض الشيء لمدة ما، بسبب الضغط التي عانته الأنسجة.
- طبعًا، هذا تفسير ظني، أما الحق، فيجب أن تخضع هذه الظاهرة ومثيلاتها إلى دراسة علمية جادة، وستكون وسيلة لاكتشاف مساحات مجهولة من النفس الإنسانية، بل والحيوانية أيضًا، كما ستكون وسيلة لاكتشاف وظائف فيزيولوجية مثيرة.
أما عملية قطع العنق بالسيف، أو قطع اليد، وما شابهها، فهي خداع بصري يقوم به أيضًا خبثاء الجن، وكذلك ضرب الرصاص.
وهناك عملية الدخول في النار التي تكاد تنعدم عند متصوفة المسلمين، بينما توجد بين كهنة الهنادكة، وهي عملية يقوم بها الجن أيضًا، يساعدهم عليها سرعتهم الهائلة، وقوتهم على الحمل، ومقدرتهم على الترائي بشكل الإنسان، وأن النار العادية لا تؤثر فيهم.
كما يساعدهم أيضًا، خاصة بصرية عند الإنسان، فالعين الإنسانية لا تحس بما يحدث أمامها في مدة تقل عن عُشر الثانية.
تحدث العملية بأن يحمل شياطين الجن الفقير الذي يتظاهر بالعزم على دخول النار وتنقله إلى مكان آخر، ثم يتراءى شيطان مكانه بشكله.
تتم هاتان العمليتان في مدة تقل كثيرًا عن عُشر الثانية، فلا يرى أحد من الناس الحاضرين شيئًا مما حدث، ويرون الفقير ما زال في مكانه يستعد للدخول في النار!‍
يدخل الجني المترائي بشكل الفقير إلى النار، ويخرج منها، دون أن تؤذيه طبعًا، وبعد خروجه، يعيدون الفقير، ويتلاشى الجني بنفس السرعة السابقة، ولا يرى أحد من الناس الحاضرين إلا أن الفقير دخل في النار وخرج منها سالمًا، بل والفقير نفسه، قد لا يحس بما حدث، وقد يظن أنه دخل النار في حالة غيبوبة.

* الخلاصـة:
خوارق الصوفية، التي يسمونها كرامات، كلها ألاعيب شيطانية، وهي نفس الخوارق السحرية، ونفس الخوارق الكهانية التي تحدث في كل الوثنيات.
وللعلم: تعلم السحر يتم بالشرك الكامل في الشيخ الساحر (تمامًا كالشرك في الشيخ الصوفي)، وبالقيام بنفس الرياضة الصوفية، وخاصة ما يسمونه «الذكر»، والذي يسمونه في السحر «القَسَم» أو «الطلّسم» وليس هنا مكان هذا البحث.
إن الفرق بين الصوفية والكهانة والسحر هو الادعاء فقط، فالصوفي والكاهن يدعيان بغرور السير إلى الله والعروج إليه، والساحر أصدقهم، والصوفي والكاهن غايتهما الجذبة، والساحر يقف عند خرق العادة، وإذا أراد الجذبة اختصر الطريق إليها بتناول شيء من الحشيش أو الأفيون وما شابههما، وقد يصل إلى الجذبة بالرياضة.
إن هذه الخوارق الشيطانية، التي يسمونها «كرامات» لا تكفي لدفع الشيخ وأتباعه إلى مستنقع الكفر، إلى وحدة الوجود؛ لأن الأمر يحتاج إلى تمثيليات من نوع آخر، تظهر فيها مناظر غريبة ذات أبعاد كبيرة، لا يستطيع شياطين الجن تمثيلها لصغر أجسامهم بالنسبة لها! لذلك كان لابد من خواص الجذبة ليستطيعوا تنفيذ تلك التمثيليات.

فلننتقل إلى مناقشة الجذبة وخواصها.
وقبل الانتقال، نذكر أن الكرامات الصحيحة موجودة، لكن الطريق إليها هو طريق الإسلام الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانت تظهر أكثر ما تظهر في الانتصارات العجيبة التي تشبه الأساطير، وفي الأخلاق الكريمة والسلوك العادل المتسامح مع المسلم ومع غير المسلم، والدعوة إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول الحق بصراحة تامة مع المقدرة على الاحتفاظ بصداقة الذي يدعونهم وينهونهم... وهكذا انتشر الإسلام.
مع ملاحظة هامة، هي أن الذي ينتهج النهج الصحيح في الإسلام، لا يعني أن كل خرق عادة يحصل أمامه هو كرامة، وعلينا أن نتذكر، بل علينا ألا ننسى الآية: { فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ }، وهذا يعني أن الخوارق التي تحصل أمام الذي ينتهج نهج الإسلام الصحيح، كما كان ينتهجه سلف الأمة من الصحابة وتابعيهم، هذه الخوارق سيكون أكثرها من الشيطانيات، وأقلها، إن لم يكن أندرها، من الكرامات الحقيقية.

( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 647 – 654 بتصرف يسير ) .



المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 08:36 PM

الشبهة(8) : مناقشة الجذبة وأحلامها وخرافاتها




من المفيد، قبل الدخول في مناقشة الجذبة، أن نلقي نظرة سريعة على مفعول المخدرات: الحشيش والأفيون والكوكائين وعقار الهلوسة (إل، إس، دي، 25) وغيرها.
* من تأثير الحشيش:-
يقول الدكتور محمد رفعت (نقلاً عن أحد الباحثين يصف تجربته مع الحشيش):.... أحسست كأن جسدي يتحلل أو يذوب.. بدوت وكأنني شفاف تمامًا.
جفون عيني تطول إلى ما لا نهاية، هذه الجفون ما لها تسقط وحدها هكذا ككرات من ذهب، سرعتها تثيرني، ألوان جميلة تحيط بي، هل أنا أنظر في منظار سِحري صغير يقدم تلك الأشكال الزخرفية الملونة...
... إن سمعي أصبح فجأة حادًّا تمامًا.. إنني أستمع إلى صوت الألوان، كنت لا أستطيع أن أسمع للألوان صوتًا من قبل.. الألوان الحمراء والزرقاء والخضراء لها موجات صوتية تصلني وأميزها بوضوح.. أ هـ.
هنا نسأل الأولياء الذين ذاقوا الفناءات وتحققوا بالأسماء، أليست هذه الرؤى، وما بعدها، هي صور من مكاشفاتهم؟
ويقول نفسه:

والحشاش قد يقنع نفسه بقدرته على إيجاد حل لكل مشكلة، وهذا طبعًا نتيجة ما يعتريه من هبوط في المراكز العصبية العليا، ومنها حاسة التقييم والتقدير، فيظل يَهِم في آفاق وتصورات كلها سراب خادع وضلال مبين....أ هـ.
- لنتذكر هنا قول الصوفية عن كشوفهم: إنها حق اليقين وعينه ونوره، وعن أنفسهم: إنهم العارفون الذين عرفوا الأمور على ما هي عليه..
ويقول: عندما يتعاطى الشخص الحشيش لأول مرة فإنه يشعر بهذه الأعراض:
ارتعاشات عضلية في جسمه… إحساسات جسمية خاطئة أو وهمية.. مثل الشعور بطول في الأطراف.. اضطراب في الحواس، خصوصًا السمع والبصر. ا هـ.
- لنتذكر وصف عبد العزيز الدباغ لمبدأ حاله بالجذبة.
ويقول: الآثار النفسية لإدمان تعاطي الحشيش: اضطراب الحواس، خصوصًا السمع والبصر، فتصبح الحواس حادة للغاية، إلا أن المدركات كلها تبدو في صورة مغايرة ومحرفة، سواء من ناحية الشكل أو اللون، كما يعاني المدمن من الهلاوس… فيرى أشكالاً ويسمع أصواتًا ليس لها وجود مادي، كما يعاني من خداع الحواس… فإذا رأى حبلاً ظنه أفعى، وإذا رأى كلبًا خُيل إليه أنه أسد… وهكذا…
واختلال إدراك الإنسان للزمان والمكان، فيبطئ إحساس الإنسان بالزمن… فإذا قضى دقائق في عملٍ ما، يخيل إليه أنه قضى فيه ساعات طوال… أما بالنسبة للمسافات فإنها تطول جدًّا… فإذا سار عشرة أمتار خُيل إليه أنه قطع عدة كيلو مترات..
اضطرابات في التفكير تؤدي إلى اختلال في حكم الشخص على الأمور…
بطء شديد في عمليات التفكير بسبب التخدير الذي يشمل قشرة المخ، ويدفع الإنسان إلى عدم الاكتراث بما حوله، ويفقد المبادأة.. كما يعطل مراكز الضبط والتحكم وتمحيص الأمور.. مما يجعل المتعاطي قابلاً للإيحاء…
اضطرابات وجدانية، فيشعر المتعاطي بشعور زائف بالسعادة الوهمية… وإحساس بالرضا والراحة.. يل أحيانًا إلى درجة النشوة.. إلا أن هذه السعادة الزائفة تحمل في طياتها وسائل التدمير لشخصية الإنسان. ا هـ.
وسُئل حشاش: بماذا تُحس وأنت تُحشش؟ فأجاب:
أحس بفرح، وربما بحزن، وقد أضحك كثيرًا، أو أبكى كثيرًا، حسب الحالة التي تجلبها الحشيشة، فليست كل الحالات سواء، ولكنني أشعر بحاجة إلى الهدوء… مرة شعرت بأنني أسابق السيارة المنطلقة في الشارع، بينما كنت جالسًا في مكاني! والحالات مختلفة على كل حال. ا هـ.
- نعيد نفس السؤال موجهًا للأولياء المكاشفين: أليس مثل هذا ما يشاهدونه في مكاشفاتهم؟ وخاصة الفرح والحزن، اللذين يسمونهما «البسط والقبض»، وكذلك طول المسافات، وطول الزمن، والشعور بالسعادة، والوصول أحيانًا إلى درجة النشوة؟…
* من تأثير الكوكائين:-
يقول الدكتور محمد رفعت:
ولعل أغرب مظاهر الشذوذ الحيوي في جسم المدمن، الهلوسة التي تصيب جلد مدمن الكوكائين.. إلا أن المدمن هنا يحس وكأن آلاف القمل والبراغيث وشتى أنواع الهوام تنهش في جلده، وتجري تحت جلده مباشرة..
والكاثين ضئيل الأثر، ويشبه الكوكائين في إحداثه نوعًا من الخدر أو التنميل..
ويقول أحد الباحثين (دكتور لوغر):
يشعر مدمن الكوكائين بآلاف الهوام تدب على جلده وداخل جسمه، ويحس بلدغات مئات القمل والبق و… إلخ. وبظاهرة حسية غريبة ما اعتادت المخدرات الأخرى توليدها، تبلغ هذه الظاهرة حدًّا يرى فيه المدمن حشرات لا وجود لها على جلده فيأخذها متوهمًا ويحبسها ويضعها في علبة، حتى إنه ينظر إليها بمكبرة، ويا لغرابة الأمر… إنه يراها وقد تجسمت أمام عينيه كما لو أنها موجودة فعلاً، وغالبًا ما يلاحق مدمن المخدرات هذه الطفيليات المزعجة يبحث عنها على الأبواب وفوق الكراسي وفي الفراش وبين الأظافر وفي جميع أجزاء جسمه وحتى داخل فمه ومنخريه وأذنه، وقد يغدو هذا النمط من الهذيان والهراء (الهلوسة) جماعيًّا.. إذ لا غرابة أن تجد مدمنين اثنين يبحث كل منهما عن هذه الهوام على جلد الآخر مخففًا عنه العذاب على حد اعتقاده.
* الملاحظة:
لننتبه إلى أنه يرى حشرات وقد تجسمت أمام عينيه، حتى إنه ينظر إليه بمكبرة.. أي: يرى ما لا وجود له في الحقيقة، وكذلك الرؤى الكشفية.
· من تأثيرات عقار التهليس (l.s.d.25):-
يقول محمد رفعت:
وهذا العقار يعتبر من السموم الكبرى ذات الأثر العميق فيما يتعلق بانتقال المتعاطي من عالم الهلوسة والهذيان، وهم يُطلقون عادة على الحالة الجديدة للمريض المدمن اسم (رحلة)، وهذه الرحلة لا يلزمها الكثير من هذا السم الزعاف، إذ يكفي من 200 إلى 400 ميكروغرام.
وبعدها يكون الرحيل إلى سفر يستغرق ثماني ساعات من الزمن يتخيل المريض وكأنها رجلة عمر كامل من الهلوسة والهذيان والتخيلات التي يسودها اللامعقول والإثارة الحسية، والنشاط الحيوي المزعوم بينما يكون المدمن في واقع الأمر جثة هامدة طيلة السفر بعد الرحيل...
... وتختلف آثار هذا العقار على الإنسان باختلاف شخصيته، وتركيبه النفسي، وكذلك باختلاف الجو العام الذي يتم فيه التعاطي، وهذه بعض الأعراض (لتعاطي 3 ميكروغرام):
- زغللة بالعينين، واضطراب في شكل المرئيات، وظهور بعض الأشياء التي لا تحمل أي معنى، كعلامة في الحائط مثلاً، كما لو كانت كلمات مفهومة مثلاً، أو وجه إنسان، أو أي شيء آخر له معنى.
- هلاوس بصرية... أي رؤية أشياء ليس لها وجود مادي.. فيكفي أن يتخيل الفرد شيئًا أو يتمنى رؤيته، حتى يراه أمامه مجسمًا، وبالألوان الطبيعية أيضًا.. فهلاوس هذا العقار تتميز بأنها تظهر بالألوان، عكس هلاوس الحشيش والأفيون التي تظهر أبيض وأسود فقط، (في الواقع، هلاوس الحشيش والأفيون ليست واحدة عند كل الأشخاص فمنها ما يكون بالألوان الطبيعية).
- اضطراب في إحساس الفرد بالزمن... فقد يتوقف الزمن تمامًا، أو يمر ببطء شديد.. وقد يسرع جدًّا، فيبدو كأن آلاف السنين قد مرت في لحظات.
- توقف كامل للنشاط العقلي.. فيصبح من الصعب على الإنسان أن يبت في أي أمر، أو يفكر في أي مشكلة، أو حتى يقوم بالعمليات الحسابية البسيطة.
- إحساس زائف بالراحة والسعادة الدافقة.. أو يحدث العكس تمامًا.. فيشعر الإنسان باكتئاب شديد ورعب.. (لنتذكر البسط والقبض).
ولكن أعجب شعور يمكن أن يحسه الإنسان هو ذلك الشعور بتداخل الحواس... عندما يتداخل السمع مع البصر مع الشم مع الذوق مع اللمس، فينتج عنه ذلك الخليط العجيب من الحواس الذي يعتبر من الأعراض المميزة لعقار الهلوسة... عندما يسمع الإنسان لون الورد، ويشم صوت الموسيقى، ويرى الطرق على الباب، ويشم جرس التلفون.. إلخ.
- وهنا نعيد السؤال، نوجهه إلى أي صوفي مكاشف: أليست رؤاه الكشفية مثل هذه الرؤى الهلوسية؟ يمر بفكره شيء فيراه مجسمًا أمامه؟ يحسب اللحظات سنين طويلة؟ ثم الرؤى الناتجة عن تداخل الحواس؟ وغيرها؟
ومما يذكره مكتشف العقار (هوفمان) عن تجربته له.
يقول: وجدت نفسي عند العصر مجبرًا على التوقف عن العمل.. فأغمضت عيني.. لأرى، كما يرى الناظر في المنظار السحري، عرضًا لسبحة لا تنقطع من صور عجيبة مجسمة وغنية بألوان غير عادية، وقد دام ذلك العرض ساعات عديدة... ا هـ. (أليست رؤى الجذبة هكذا؟).
ومما حدث له، في تجربة ثانية:
بعد أربعين دقيقة، شعر بدوار خفيف وإثارة واضطرابات في الرؤية ونوبات حمقاء من الضحك ما استطاع لها ردعًا... كانت الوجوه تبدو له كأقنعة مضحكة... وأكثر ما أدهشه هو التلون الشديد الذي كانت تتلون به الأشياء ويتلون به الأشخاص، وعلى خلفيات يسيطر فيها اللونان الأخضر والأزرق كانت تضطرب ألوان ذات صفاء ولدونة مدهشين، كان كل شيء ينقلب إلى ألوان، حتى إن أصوات البوق الآتي من الشارع كان يراه كشعاع ملون، وكانت المشاهد تترى، كان يرى نفسه يومئ، ويصمت ويتحرك.
* من تأثير الهروئين (من مشتقات الأفيون):-
الهروئين، يحمل الإنسان إلى جنان خيالية، وخيالات من نوع أنه أصبح من الملائكة، أو أنه أصبح نبيًّا، أو أن له موعد مغازلة مع القمر (الذي هو الشمس)، ثم يدفعه ذلك أن يتصرف حسب تصوره هذا، فيحاول الطيران من أعلى البناية باتجاه السماء، فيسقط على الأرض وتتهشم ضلوعه..

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 08:37 PM

* من تأثير الإيتير:-
يقول أحد الذين جربوه (الكاتب الفرنسي غي دوموباسان):
كان أول ما شعرت به همسًا خفيفًا ناعمًا ومهدهدًا، ثم ما لبثت أن لاحظت بأن جسمي أخذ يخف... أخذ يخف ويخف، حتى بدا لي فيها كما لو أنه كان يتبخر، أحسست بأنه لم يبق لي من جسمي سوى الجلد... لم يبقَ سوى ما يكفي لأشعر بلذة العيش، بأن أشعر بأنني أتأرجح في هذه السعادة التي تغمرني... ما كنت أرى أحلامًا كالتي يسببها الحشيش، وما كان ذهني يمتلئ بالرؤى التي يسببها الأفيون، لقد كان إحساسًا بحدة ذهنية كبيرة، إحساسًا بشكل جديد من الكينونة والتفكير والإحساس والحكم على الحياة، إحساسًا بالاقتناع بأنني كنت أدرك عندئذ الواقع الحقيقي للعالم... كان يبدو لي بأنني تذوقت ثمرة شجرة الحياة، وأن كل الأسرار تنكشف أمامي...
وهنا أيضًا نتوجه إلى أي صوفي وصل إلى مقام الجمع، وذاق الفناءات، ونسأله: أليست هذه الحالة وهذا الشعور والهمسات المهدهدة الناعمة تشبه ما ذاقه أثناء فناءاته وما سمعه من خطابات توهمها إلهية، وذلك الإحساس الزائف بأنه صار يدرك واقع العالم؟.

* من تأثير فطر المكسيك المقدس:-
قام بالتجربة شخص اسمه (آلان ريشاردسن) مع رفيق له اسمه (غوردن واسن): وقد تمت التجربة في أعالي المكسيك بين الهنود الأصليين:
كانت الغرفة مظلمة ومزدحمة بالناس، كانوا جميعًا هنودًا مكسيكيين... وكانت هناك كاهنة تغني مُلوحة بالفطر في دخان لهب نار تتقد في المذبح لتطهر الفطر من أدرانه فيغدو جاهزًا للتناول.
قدم الهنود للرجلين اثني عشر فطرًا مطهرًا فأخذا يأكلانها... لكن الكاهنة انبرت تغني بمزيد من النشاط، مصفقة بطريقة غريبة وبلحن مهدهد، وفجأة دار «ريشاردسن» نحو رفيقه هامسًا في أذنه بأنه يرى أشياء غريبة، فأجابه «واسن» إن الرؤى ستترى، وإنك ستراها سواءً أسدلتَ جفنيك أو فتحتَ عينيك.
بدأت الرؤى تظهر رسومًا فنية، كسجادة تبرق بزينتها وتتألق، ثم تتحول إلى قصور وباحات وأقواس وحدائق... تراءى لريشاردسن حيوان أسطوري يجر عربة ملكية ذات عجلتين، ثم بدت له الجدران وكأنها تنحل... وأحس بروحه تطفو.. وشعر بأن نظره يحيط بفراغات لا متناهية... كان يرى نماذج من الأفكار الأفلاطونية، وصورًا غير كاملة للحياة اليومية... ا هـ.
- السؤال: أليست هذه الرؤى هي نفس ما يراه الأولياء العارفون المكاشفون؟ مع العلم أنه لو كان جلوسه في مكان غير الغرفة المظلمة، أو لو كانت ثقافته غير ثقافته، لأمكن أن تتغير رؤاه قليلاً أو كثيرًا.
ويقول الدكتور صلاح يحياوي:
يستهلك سكان بولينزيا «الكافا» بكميات كبيرة ليعيشوا دائمًا تقريبًا في رؤى جنة صنعية يهيؤها لهم هذا المخدر... ا هـ.
- ونفس السؤال إلى نفس الأولياء المكاشفين: أليست هذه الهلوسات هي نفس الهلوسات التي تهيؤها لهم جذباتهم؟
- كيف كان الناس ينظرون إلى المخدرات؟
يقول الدكتور صلاح يحياوي:
... كان من المعروف بأنهم (الكهان) كانوا في طقوس «المسارة» يستخدمون مخدرات ما كان يعرفها غيرهم، وبذلك كانوا يعمرون أذهان المبتدئين بأحلام مرعبة وواضحة إلى درجة كانت تجعل هؤلاء يعتقدون أنها واقعية.
... كان «باراسلو» يحمل الأفيون دائمًا معه، مطلقًا عليه اسم «حجر الخلود».
... ففي القرن الحادي عشر، وبعد ثلاثمائة عام من نشر العرب لاستخدام الأفيون، بدأ يظهر ثناء العامة وإطراؤهم على هذا المخدر، فكانوا يتغنون به كـ «شراب الآلهة».
... لقد أكد الإينكا (سكان البيرو الأصليين) للأسبان بأن الكوكا (منها يستخرج الكوكائين) نبتة إلهية أوصى بها الإلهان «مانوكو كاباك» وزوجته «ماما أوكيو».
لقد خصت هذه الصفة الإلهية، والتي لازال بعض هنود أمريكا الجنوبية يؤمنون بها، خصت حكام الإينكا وحدهم بحق امتلاك مزارع هذه الشجيرة، ويقاسم الكهان الحكام هذا الامتياز.
ومما يذكره صلاح يحياوي أيضًا:
كانت جميع شعوب العالم القديم تعرف هذا المخدر (الحشيش)... وقد أحاطت الهالات خواصه، فنسب إليه الهندوس أصلاً إلهيًا، فقالوا بأن الإله «فيشنو» قد نصح جميع الآلهة الصغار وجميع الشياطين بأن يجتمعوا في يوم حدده لهم للحصول على إكسير الخلود... وكانت النتيجة أن إكسير الخلود هو القنب الهندي الذي استخلص منه الحشيش..
* وملاحظات هامتان من المفيد إيرادهما:
يقول الدكتور محمد رفعت:
من الطريف أن نعرف ماذا يفعل المخدر بالإنسان... مع ملاحظة أن هذه الأعراض لا تظهر جميعًا في نفس الوقت ولا بنفس الشدة في جميع الحالات.. كمالا تظهر عند كل الناس.
ويقول الدكتور صلاح يحياوي:
... إن أفعالها (أي المخدرات) مطابقة لما يسببه الجنون في أطواره البدائية.
أقول: إن هذه الملاحظة الأخيرة التي يذكرها الدكتور صلاح يحياوي تدلنا على أن باستطاعة الجسم أن تتولد فيه مادة تفرزها غدة ما، لها نفس مفعول المخدرات، وهذه المادة هي التي تسبب الجنون.
وقبل الانتقال إلى الفصل التالين نسأل أي صوفي فتح عليه فوصل إلى الجذبة ورأى الكشوف وذاق الفناءات، أليست هذه الرؤى والمشاهدات الهلوسية التحشيشية هي صورًا مشابهة لرؤاه ومشاهداته في جذباته ومعارفه المتوهمة؟
إن كان الصوفي الذي سيُسأل هذا السؤال صادقًا مع الله تعالى ومع الناس ومع نفسه فسيقول الحق ويعترف أنها شيء واحد، وإن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، ويرجو رحمة الله ويخاف عذابه فسيتوب ويرجع ويحاول إصلاح ما أفسد، وإلا فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، وليعلم أن عليه آثام من استجرهم والمستجرِّين بمن استجرهم إلى يوم القيامة.
ويجب أن لا ننسى أن الحشاشين لو كان لهم شيخ يوجههم لكانت مشاهداتهم مطابقة كل المطابقة لمشاهدات الصوفية في فتوحهم وكشوفهم وفناءاتهم، وذلك؛ لأن من لا شيخ له فشيخه الشيطان (لكن من هو الشيطان؟).

مناقشة الجذبة:

لنناقشها أولاً على ضوء القرآن والسنة:
يدعي الصوفية، دون خوف من الله، أن رياضتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، هي الطريق إلى الله سبحانه ومعراجهم إليه؛ لأنها توصلهم إلى الجذبة‍‍ ويعتقدون أن الله سبحانه يجذب بها العبد إليه، ولذلك سموها الجذبة، ومفهوم لفظ الجلالة «الله» عندهم يعني- كما أصبح واضحًا الآن – كل الموجودات بما في ذلك ذواتهم، ومعنى «يجذبهم إليه»، أي: يزيل عنهم الحجاب، الذي هو الوهم بأنهم غير الله، ويبعدهم عنه، ويجذبهم إلى استشعار الألوهية في أنفسهم، أي: يشعرون أنهم الله «سبحان الله»، ويشاهدون أن كل شيء هو الله، وهذا هو ما يسمونه الوصول إلى الله، والجذبة هي الولاية والصديقية ... الخ، وهي عندهم حال يتدرج ويمر بأطوار من الرؤى والمشاهدات المختلفة والاستشعارات حتى تصبح مقامًا.
ففي باديء الأمر، قد يصل السالك إلى الجذبة بعد رياضة، طويلة أو قصيرة، لكن الجذبة تزول بسرعة ثم لا تعود إلا برياضة مثل الأولى، أو أكثر أو أقل، فالولاية هكذا هي حال.
ومع المثابرة يصل إلى درجة يقع فيها في الجذبة بشيء من الذكر، وتطول مدتها، فتكون ولايته هنا مقامًا، ويصير وليًّا صديقًا مقربًا.. مقيمًا إذا صارت الجذبة دائمة.

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 08:37 PM

فهل في هذا التصور شيء من الصحة؟

الجواب : لا ‍ للأسباب التالية:
1- إن كون الجذبة ولاية وصديقية وقربًا و.. هو، في أحسن الحالات، أمر غيبي لا يعرف إلا بنص من الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، أي بنص من القرآن والسنة الصحيحة، ولا وجود لمثل هذا النص، إلا ما كان من تأويلاتهم الباطلة وافتراءاتهم الظالمة. { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ }.
2- إن ادعاء الولاية والصديقية هو هو تزكية النفس على الله، وهو من كبائر الإثم: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاًً. انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينً } و{ فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }.
وكذلك اتهام الآخرين بالولاية والصديقية هو من كبائر الإثم؛ لقوله سبحانه مخاطبًا رسوله { {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إلاَّ مَا يُوحَى إِلَي } ولغضب رسوله عندما سمع صحابية جليلة تزكي صحابيًا جليلاً، فقال لها: «والله ما أدري ما يفعل بي وأنا رسول الله» ثم أقرها عندما قالت: «فلن أزكي بعدها على الله أحدًا»، أي إنه صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن لا نزكي على الله أحدًا.
وهكذا كان فهم الصحابة الكرام، فهذا علي بن أبي طالب يثني على عبد الله بن مسعود فيقول: «إنه لخيرنا، ولا أزكي على الله أحدًا» ! إن عليًا بن أبي طالب لم يزك عبد الله بن مسعود على الله !.
إذن، فتزكية النفس وتزكية الغير هما من كبائر الإثم، والإصرار على ذلك هو كفر بالقرآن والسنة.
وبذلك يكون الادعاء بأن الجذبة صديقية وقرب وولاية هو كفر بنصوص القرآن والسنة.
3- رأينا في الفصول السابقة أن السالك يدخل في الشرك الأكبر منذ الخطوة الأولى في طريق الصوفية، ثم يسير في طريق كلها بدع وضلالات وطقوس طاغوتية وتشبه بالكفرة ومخالفة للقرآن والسنة وتزوير لنصوصهما وافتراء على الله سبحانه، وخداع لعباده (بل ولنفسه أيضًا) بادعائه اتباع القرآن والسنة، وكذب على الله وعلى ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذب على الحقائق، وكذب على التاريخ والجغرافيا، واحتقار للعقل والعلم اللذين كرم الله بهما بني آدم، وتقديس للجهل والعته والجنون! ثم لم يكتفوا بهذا حتى مزجوه بالإسلام! فشوهوا الإسلام وحرفوه! وهنا الطامة الكبرى، وقد رأينا كل هذا في ما مضى من فصول الكتاب من نصوصهم وأقوال أقطابهم وعارفيهم وعلمائهم.
فهل يمكن لمسلم في قلبه إيمان بالله وكتابه ورسوله واليوم الآخر أن يعتقد أو يظن أن هذه الطريق هي الطريق إلى الله؟ أو أنها تقود إلى حق أو حقيقة؟
بل هل يمكن لذي عقل سليم كائنًا من كان، أن يعتقد أو يظن أن طريق إبليس هذه هي طريق السير إلى الله والعروج إليه؟ سبحان الله عما يصفون.
إن طريق الشيطان لا تقود إلا إلى مسارح الشياطين ومتاهاتهم.
والجذبة مسرح شيطاني ومتاهة إبليسية، وليست صديقية‍
4- إن الجذبة الإشراقية تشبه الجذبة التحشيشية الأفيونية تمامًا مظهرًا ومخبرًا وجملة وتفصيلاً، فإن كانت جذبة الصوفية ولاية وصديقية فجذبة التحشيش مثلها، ويكون الحشاشون والأفيونيون أولياء صدجيقين، ويكون الهيبيون هم الأبدال والأقطاب والأغواث.
* الخلاصة:
ليست الجذبة ولاية ولا صديقية، وإنما هي مسرح شيطاني، وكذب وباطل ما يدّعون.
وفي الجذبة تكشف لهم الكشوف ويتلقون العلوم اللدنية ويرون المناظر الغيبية والمشاهدات الإلهية، إلى آخر الهلوسات الجذبية.
فإلى مناقشتها وعرضها على الكتاب والسنة.

مناقشة أحلام الجذبة:

التي يسمونها: الكشف، أو العلوم اللدنية، أو المناظر الإلهية، أو المشاهدات (قبل البدء، أرجو من القاريء الكريم أن يعيد قراءة مفعول المخدرات، ويكرر قراءتها).
نستطيع أن نقسمها، من حيث مصدرها، إلى قسمين:
1- هلوسات فيزيولوجية: وهي تسربات من الأماني والمعلومات (الصحيحة أو المتوهمة) المختزنة في اللاشعور، تتسرب من مخازنها، لتنزلق مباشرة إلى مراكز التفسير الحسي في الدماغ، فما كانت منها صورًا بصرية، انطبعت في مركز التفسير البصري، فيراها المجذوب وكأنها ماثلة أمامه، سواء فتح عينيه أم أغمضها؛ ‍ لأنها لم تصله عن طريق العين. وما كانت منها صورًا سمعية، انطبعت في مركز التفسير السمعي، فيسمعها أصواتًا لا يعرف مصدرها بالضبط؛‍ لأنها لم تصله عن طريق الأذن. ومثلها ما كان صورًا شمسية أو ذوقية أو لمسية.
2- هلوسات شيطانية: يتراءى بها شيطان المجذوب أمامه، مستفيدًا من خاصة الجذبة في تضخيم الأطوال، أو ينفثها في لا شعوره، وهو الميدان الذي يستطيع الشيطان أن ينفث فيه وسوساته، لتتسرب منه إلى مراكز الحس في الدماغ، مثل بقية الهلوسات الفيزيولوجية.

لا يكون هذان القسمان منفصلين عن بعضهما، بل ممتزجين، إلا فيما ندر، وفي حالات كثيرة يمكن التمييز بينهما.
وإن تسميتهم لها المناظر الإلهية، أو الكشف، أو نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين، أو غيرها مما مر في هذا الكتاب ومما لم يمر، ما هي إلا جهل مغرور، وافتراءات على الله الكذب، وضلالات موغلة في الجرأة عليه سبحانه وجل عما يفترون. والبراهين ما سبق وما يلي:-
1- أن الله سبحانه كرم الإنسان: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } عندما خلق فيه مراكز الوعي، ووهبه بها العقل وتوابعه، كالإدراك والفهم والعلم، ومنها التكاليف.
فالله سبحانه، عندما يخاطب الإنسان، فإنما يخاطب فيه العقل والوعي والشعور، وعندما أرسل الرسل بالدين والتكاليف، فإنما أرسلهم يخاطبون العقل والوعي والشعور. والآيات المبينة الدالة على ذلك كثيرة، منها:
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى }. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }. { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ }.{ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ }. { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }. { لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ }. { {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }. { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }. { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ }. { وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }. { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }.{ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ }. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }.{ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا }. { انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }. { قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُون }. { قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُون }. َ{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ }...
والآيات كثيرة، كلها تبين أن الوعي في الإنسان هو الذي أعده الله تعالى لتلقي كلماته، وهو الذي أعده لفهم الحقائق وأدراكها، وخاطبه بالوحي، ليكون الوحي المرتكز الأساسي الذي ينطلق منه العقل الواعي في جميع ميادينه.
وعندما يكون الخطاب الإلهي موجهًا إلى الوعي والشعور، فهذا يعني أن الطريق إلى رضوان الله لا يمكن أن تكون إلا عن طريق الوعي والشعور التامين.
أما الشيطان، فاللاشعور في الإنسان هو ميدانه الذي يصول فيه ويجول، والآيات الدالة على ذلك كثيرة، منها:
{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ. إِلَهِ النَّاسِ... مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ.مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ }. { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا }. { إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ }. { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ }. { وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ }...
وعلى ذلك لا تكون الجذبة فتحًا إلهيًا، بل استحواذًا شيطانيًا، ولا تكون هلوساتها نور اليقين ولا عين اليقين ولا حق اليقين، وإنما وحي إبليس وجنوده، ولا تكون مناظرها إلا مسارح الشياطين وهلوسات الحشاشين.
2- مر في بحث سابق الآيات التي تبين أن طريق الضلال لا تقود إلا إلى ضلال، وأن سبيل الشيطان لا تؤدي إلا إلى غرور { وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورً }.
ورأينا ما هي الطريق إلى رؤية هذه المناظر وتلك الكشوف، إذن فهي كلها باطلة، وهي كلها شيطانية.
3- إذا كانت هلوسات جذبة الإشراق كشوفًا إلهية، فهلوسات جذبة المخدرات مثلها تمامًا؛ لأن الجذبتين شيء واحد، وكل ما بينهما من فرق أن المخدر في جذبة التحشيش يأتي من خارج الجسم بينما يأتي المخدر في جذبة الإشراق من داخل الجسم، والنتيجة واحدة في الحالتين.
وإذا كانوا يصرون على أن هلوساتهم هي فتوحات إلهية وعلوم لدنية‍ فلم لا يختصرون الطريق ويوفرون الوقت والجهد؟ إذ بدراهم معدودة شراء شيء من الحشيش أو الأفيون أو عقار التهليس أو الايتير أو غيرها، وبثواني معدودة تشرق عليهم الأنوار، وتنكشف أمامهم الأسرار، ويعرجون في السماوات العلى ويتمتعون بالمحاضرة والمكاشفة والمشاهدة، ويذوقون معاني الأسماء كلها، ويتنقلون في الفناءات.. إلى آخر الهلوسات .
مادام كلا الطريقين إلى جهنم، فلم لا يتبعون الأقل مشقة ؟‍
4- بالرغم من أن كل الصفحات السابقة هي براهين ساطعة واضحة على أن رؤاهم هي هلوسات شيطانية، وأن فيها الكفاية وأكثر من الكفاية. ومع ذلك فهناك الكثير من الأدلة غيرها من كشوفهم وعلومهم اللدنية ومشاهداتهم... فإلى كشوفهم وعلومهم اللدنية ومشاهداتهم:
ولنبدأ بجبل قاف. ولنستعد قبل ذلك بعض خواص الجذبة:
- تضخم الأطوال (الجفون تطول إلى ما لا نهاية، والأطراف تطول والمسافات حتى يرى الأمتار طول ما بين المشرق إلى المغرب).
- رؤية أشكال وسمع أصوات ليس لها وجود.. وأحيانًا رؤيتها بمجرد تمنيها أو مرورها بالفكر..

- رؤية الحبل أفعى والكلب أسدًا.. وما شابهها.

ولا بأس من الرجوع إلى أول هذا الفصل لمراجعة المخدرات ومفعولها.

* جبل قاف :-
كان كثير من الأقطاب العارفين الأبدال يرونه (أثناء الجذبة طبعًا)، ويصعدون عليه، ويذهبون إلى ما وراءه، ويرونه محيطًا بالأرض، يبلغ ارتفاعه ثلاثمائة سنة (أي ما يزيد عن بعد القمر بأكثر من تسع مرات) ويرى بعضهم الحية المحيطة به (وبالتالي بالأرض) وذيلها عند رأسها...
كانوا يرون هذه الأمور بالكشف! بينما الآن، صار من البدهيات عند الجميع، حتى الصوفية، أن الأرض كروية، وقد دُرس سطحها كله إلى أعماق محترمة دراسة دقيقة؛ فقد دُرس سطح اليابسة بدقة بالغة، جبالاً ووديانًا وسهولاً وصحاري وبحيرات وأنهارًا، ودرست تربتها إلى أعماق تقاس بالكيلو مترات بدقة أيضًا. ودرست طبقات الأرض دراسة إجمالية، لكنها صحيحة، إلى أعماق تقاس بألوف الكيلو مترات، كما درست البحار كلها سطحًا وأمواجًا ومدًا جزرًا، وعرفت أعماقها بدقة، ووضع لقيعانها الخرائط الصحيحة، ووضعت الأسماء لما فيها من جبال ووديان ومنبسطات، أي إن سطح الأرض كله درس دراسة دقيقة إن لم يكن بالمتر المربع فبالكيلو متر المربع

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 08:38 PM

ويعرف الجميع أن جبل قاف محض خرافة لا وجود له، وأن الأبعاد التي قدروها له وللأرض، لا تدل إلا على جهل كامل بجغرافية الأرض، وجهل مخز بحساب المسافات، فكشوفهم لم تفدهم شيئًا، بل هي التي دفعتهم إلى وهدة الجهل الذي يتخبطون فيه.
ومادام جبل قاف لا وجود له! فماذا كانوا يرون إذن؟
الواقع، إنهم كانوا يرون بالكشف جبل قاف، والذين كانوا يرونه هم من الأقطاب الأبدال الأولياء العارفين! ورؤيتهم له بالكشف هي برهان ساطع قاطع جديد على صحة كل ما ورد في الفصول السابقة من أن الجذبة ليست إلهية وإنما تحشيشية، وأن كشوفهم ما هي إلا هلوسات الحشاشين وتمثيليات الشياطين!.
رأينا أن الخلوة عنصر أساسي في المجاهدة، وقد كانوا كلهم – أو أكثرهم – يعتزلون الناس في البراري أحيانًا وفي الخرائب أحيانًا، خوفًا من سيف الحلاج.
والخرائب ، كما هو معروف، هي بيوت خربة هدمت جدرانها، لكن بعضها، كما هو معروف أيضًا، يبقى حولها شيء من جدرانها المهدومة، بارتفاعات مختلفة (قامة أو نصف قامة أو أكثر أو أقل).
من البدهي، أن المرتاض الذي كان يرتاد الخرابات، كان ينتفي إحدى تلك الغرف الخربة المحاطة ببقايا جدرانها؛ لأن هذه البقايا تعزله عن رؤية الناس.
ومن البدهي أنه كان يسوي أرضها، أو جزءًا من أرضها، إلى حد يستطيع معه الإقامة عليه أثناء خلوته فيها.
ومن البدهي أيضًا أن كثيرًا منهم – إن لم يكن كلهم – وصلوا إلى الجذبة أثناء إقامتهم في تلك الخرائب، وأن بعض تلك الجذبات كان من النوع المضخم للأبعاد، فماذا كان يرى المجذوب في مثل تلك الحالة؟
- كأن يرى البقعة التي يقيم عليها أرضًا شاسعة واسعة، يقدر بوهم جذبته، أو بإيهام شيطانه له، أن طولها من الشرق إلى الغرب مئات السنين، ومن الشمال إلى الجنوب كذلك. ويرى بقايا الجدران التي تحيط بها، جبلاً شاهقًا ذاهبًا في السماء، يحيط بالأرض من جميع جهاتها.
وطبعًا كانوا يقصّون مشاهداتهم على بعضهم، وكانت قصة الجبل الشاهق المحيط بالأرض تتردد كثيرًا في مشاهداتهم وقصصهم، لكثرة خلواتهم في الخرائب.
وربما كان يخطر لأحدهم، على بال جذبته، أن يصعد فوق جبل قاف، فينهض، ويقترب من الجدار المتهدم، ويعتلي فوقه، فيرى نفسه قد قطع الدنيا بخطوة أو خطوتين أو ثلاث، ويرى نفسه قد صعد فوق جبل قاف، بخطوة أو خطوتين أو ثلاث، حسب المكان الذي صعد عليه.
وقد يهبط خلف الجدار المتهدم فيرى نفسه وراء جبل قاف، وقد يتراءى له شيطانه، وقد يكون معه رفقة شياطين آخرون، فيتسلون بالتلاعب بعقله والضحك على ذقنه، ويفهمونه أنهم أولياء مثله يقيمون وراء جبل قاف، أو يزورونه من حين إلى آخر، كما قد يكون هؤلاء الأولياء مرتاضين مثله يختلون في الخرائب المجاورة لخرابته، وقد يكونون مجرد صور هلوسية.
وقد يحدث لجذبة الفقير (على وزن حضرة الفقير) أن يرى خلف جبل قاف حية، أو حبلاً يتوهمه حية، فيراها طويلة طول ما بين المشرق والمغرب، وقد تكون هذه الحية وسوسة من شيطانه ينفثها في روع جذبته فيراها مجسمة أمامه.
وبما أنهم كانوا، لجهلهم، والجاهل عدو نفسه، وعدو دينه، يؤمنون أن كشوفهم هي نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين، لذلك آمنوا أن الأرض محاطة من جميع جهاتها بجبل شاهق جدًا ! وعرف بعضهم بالكشف أن اسمه قاف، وانتشرت الأسطورة، وأخذت حيزًا هامًا من الثقافة العامة في المجتمعات الإسلامية حتى زمن قريب ! بل لا يزال كثير من الأبدال العارفين وعابديهم (المريدين) والمخدوعين بهم يؤمنون حتى الآن بجبل قاف.
وقد كانت الخرابات ضرورية لرؤية جبل قاف قبل أن يعرف، أما بعد ما شاع اسمه واشتهر واحتل مكانه من الثقافة العامة، فقد صار بإمكان الفقير أن يراه في أي مكان تأتيه فيه الجذبة، كما يرى بقية التخيلات والصور المختزنة في اللاشعور، (وسنرى توضيح هذا بعد صفحات).
إن رؤية جبل قاف وغيره من الخرافات، بالكشف، هي برهان واضح جدًا وساطع جدًا على أن كشوفهم هلوسات تحشيشية شيطانية، وليست فتوحات إلهية كما يفترون.
5- بقية كشوفهم الجاهلة: رأينا، فيما سبق من فصول ؛ نماذج كثيرة من كشوفهم التي سموها علومًا لدنية، وما فيها من جهل، ولا بأس من إضافة الملاحظات التالية:
‌أ- من كشوف الأقطاب الأغواث العارفين أن الأرض محمولة على حوت اسمه «نون»، والحوت على الماء المحيط.. إلى آخر الهذيان، ولم يستطع واحد من أولئك العارفين الذين عرفوا الأمور بنور اليقين – كما يقول حجتهم – أن يعرف أن ذلك هراء، وأن الأرض كروية مدحوة في الفضاء وأنها تدور حول الشمس، وأن ماءها خرج منها { أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَ }، وهذا يعني أن الماء محمول عليها، وليست هي محمولة عليه، وهذا دليل على أن كشوفهم ليست إلهية، بل هي هذيانات هلوسية؛ لأنها لم تستطع معرفة الحقيقة ولا فهم الآية الكريمة.
‌ب- رأى قطب منهم الشمس في عجلة يجرها ملكان لهما مخالب... وهذا يذكرنا بالحيوان الأسطوري الذي يجر عجلة ملكية والذي رآه حشاش فطر المكسيك، ولم يستطع الكشف الجاهل ولا كل كشوفهم أن تعرفهم أن الشمس كتلة ملتهبة مضطربة تكاد تميز من الغيظ أكبر من الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، وأنها ليست محمولة على عجلة بل مدحوة في الفضاء. إذن فكشفهم ليس إلهيًا وإنما هو هلوسة هذيانية.
‌ج- لم يعرف أي قطب منهم أو غوث من الذين يتصرفون في الكون أن القمر مثل الأرض فيه صخور وأتربة، وأنه كروي خال من الهواء والماء! ولم يعرف عارف منهم أن المريخ والزهرة والكاتب وغيرها كلها مثل الأرض تتألف من صخور وأتربة وفيها أجواء غازية وفي بعضها ماء.. لأن كشفهم ليس إلهيًا بل هلوسات تحشيشية.
‌د- لم يستطع أي غوث منهم من الذين يتصرفون في الكون أو من الذين تحققوا بأسماء الله الحسنى، ومنها الاسم «العليم» ومنها «علام الغيوب»، أن يعلموا شيئًا عن الذرات والجواهر والنوى وكهاربها وحركاتها..؛ لأن كشفهم ليس إلهيًا بل هلوسة أفيونية يرون فيها ما كانوا يتوهمونه عن الكون من خرافات وأساطير.
6- لم يستطع كشفهم الجاهل أن يميز الحديث الموضوع من الصحيح، حتى كانوا وراء تزوير الأحاديث ووضع أكثر الموضوع منها والمكذوب، فكانوا من الأدوات التي هدمت الإسلام في نفوس المسلمين، إذن فكشفهم ليس إلهيًّا وعلومهم اللدنية هي جهالات لدنية.
ولا نريد أن نزيد، فما على القارئ الكريم إلا الرجوع إلى فصل «نماذج من حكايات الصوفية وكراماتهم...»، أو إلى كتبهم، ليرى ما يكشف عن الجهل والغباء والخرافة والاستحواذ الشيطاني، فحكاياتهم وكراماتهم أبلغ من أي حديث آخر.
ونذكر أن العروج في السماء، والفناء في الله (تعالى الله) وتوابعها، لا يستطيع شياطين الجن تمثيلها أمام السالك، أو العارف، أثناء اليقظة؛ لأن أجسامهم أصغر من أن تستطيع التمثل بتلك الأشياء الضخمة جدًا.
لذلك كانوا بحاجة إلى الجذبة وخواصها، وأحيانًا إلى الخاصة المضخمة لصغائر الأشياء تضخيمًا كبيرا؛ ليستطيعوا أن يوهموا الفقير بتلك الأمور ثم يوهموه أنه صار «عارفًا بالله» بينما هو في الحقيقة، صار من أجهل خلق الله وأضلهم، وصارت نفسه مركبًا ومسرحًا وملهاة للشياطين يعبثون فيها كما يريدون! .

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 09:00 PM


فيزيولوجية الجذبة:

ما هي الجذبة؟ وكيف تحدث؟
من المعروف أن العمل العضلي المجهد يسبب إفراز مادة «حامض اللبن» في الدم الذي يوصله إلى أنحاء الجسم، وبملامسته للأنسجة العصبية يؤثر فيها تأثيرًا تترجمه الجملة العصبية إلى شعور بالتعب.
وشبيه بهذا ما يحدث نتيجة المجاهدة الصوفية.
لنسأل أي عالم صادق من علماء التشريح والفيزيولوجيا؟ وسيخبرنا أن العزلة والسهر والجوع والذكر الإرهاقي وتوابعها واستمرارها مدة طويلة تحدث ف يالجسم الإنساني تحريضًا يجعله يفرز مادة تؤثر على الجملة العصبية تأثيرات هدفها الأول التلطيف من شدة الألم الناتج عن تلك الممارسات.
فما هي هذه المادة؟ وما هو تأثيرها؟
يمكن معرفة هذه المادة بالتحاليل المخبرية الدقيقة، (وقد تفيد معها الفحوص الشعاعية والسريرية على أن تجري على عدة سالكين في أكثر من حالة صحو وأكثر من حالة جذبة لكل واحد منهم. وقد يكون من المفيد بدء الفحوص مع بدء سيرهم في التصوف).
ومع ذلك نستطيع، بصورة أولية، معرفة الوظيفة الكيميائية لهذه المادة من تأثيرها؟ إذ إن تأثيرها يشبه تمامًا تأثير المواد المخدرة، إذن فهي من نوعها، وهي بالتالي من أشباه القلويات.
لكن يظهر من تجارب القوم وتوصيات الشيوخ أن هذه المادة المفرزة، لا تؤثر على الأعصاب التأثير المطلوب إلا عندما تكون الجملة العصبية في حالة «الاستخدار»، ورأينا أن الوصول إلى هذه الحالة يكون بخلع النعلين، الدنيا والآخرة، أي بإفراغ مراكز الوعي في الجملة العصبية من جميع مشاغلها الدنيوية والأخروية! إفراغًا كاملاً ، حتى تصاب هذه المراكز، (بسبب تعطيلها عن العمل)، بالكسل والضمور والاسترخاء، أي «الاستخدار»، حيث تغدو قابلة للتأثر بكمية من المخدر أقل من الكمية التي يمكن أن تتأثر بها في الحالة العادية.
وهكذا يلتقي الهبوط الكافي في نشاط القشرة الدماغية ومقاومتها مع الزيادة الكافية في دفقة المخدر، فتكون الجذبة المورفينية التي يسمونها بغرورهم: الفتوح، أو كشف الحجب، أو الإشراق، أو الولاية ، وغيرها.. وما هي في حقيقتها إلا «أفْيَنَةٌ ذاتية» تشبه الأفينة التي يسببها الأفيون والمورفين والحشيش وعقار الهلوسة وفطر المكسيك وغيرها شبهًا كاملاً، مظهرًا ومخبرًا ومشاهدات وهلوسة وحالة نفسية.
ولو أُخضِع الذين يتعاطون هذه المهلّسات إلى إيحاءات الشيخ والجو الصوفي مدة كافية من الزمن، لصارت هلوساتهم مثل هلوسات الصوفية تمامًا: عروجًا إلى السماء، واجتماعًا بالملائكة والأنبياء، ووصولاً إلى العرش، وحضورًا مع الله (جل وعلا)، وفناءً فيه حلولاً أو اتحادًا أو وحدةً، حسب الإيحاءات التي يُحقنون بها.
وفي هلوسات الصوفية التي يسمونها الكشف والفتح والعلم اللدني، والتي يرونها أثناء الجذبة، براهين تُضاف إلى ما سبق، على أن جذبة الأشراق هي نفس جذبة التحشيش والأفينة، لأن مشاهداتهم في هذه نفس مشاهداتهم في تلك، والفرق بينهما ناتج عن الفرق بين الأمانيّ والمعلومات المختزنة، ولأن الحالة النفسية في كلتيهما واحدة.
وتبرز ملاحظة مفيدة؟ فقد رأينا في فصل سابق أن هزّ الرأس على الطريقة النقشبندية قد يوصل إلى الجذبة بعد إحدى وعشرين هزة، أو بعد تكرارها، مما يدل على أن المادة المهلّسة المفرزة إنما تفرزها بعض أنسجة الدماغ أو بعض الغدد القابعة في ثناياه.
فهل الأمر كذلك؟
نعم إنه لكذلك! ففي الدماغ منطقة تُفرز مادةً شبه قلوية لها مفعول المرفين، هذه لمنطقة «تحت المهادية» واقعة في الجزء الأسفل من المخ، تفرز مادة «الأنْدُورفين» أي (المورفين الداخلي) وهي أقوى من المورفين المعروف، وظيفة هذه المادة هي تخفيف الآلام الشديدة التي يمكن أن تكون قاتلة، تلطِّفها وتجعلها – بآلية معقدة – في الحدود غير المميتة.
كما أن هناك مادة ثانية يفرزها الدماغ اسمها «أنكيفالين» لها نفس التأثير المخفف للآلام ونفس المفعول المورفيني، لكنها أضعف من المورفين.
نقرأ في المعجم الفرنسي (Larousse) تعريفًا لهاتين المادتين، ترجمته:
- أندورفين (Endorphine) : هرمون تفرزه الغدة تحت المهادية (Hypothalamus) له حصائص المورفين المسكّنة.

- أنكيفالين (Enkephaline): مادة يفرزها الدماغ تؤثر في نقل السياة العصبية ولها مفاعيل المورفين المسكّنة.

ونقرأ للدكتور أكرم المهايني في كتابه (علم الأدوية «الفارماكولوجيا») قوله:
- مماثلات المورفين: أقرّ العلماء مؤخرًا، إثر الدراسات الحديثة لفسيولوجية المراكز العصبية، وجود ببتيدات... تبدي قدرةً تحاكي فعل المورفين في عدد من النسج الحية، ولا سيما في الجملة العصبية والنخامي والأنبوب الهضمي، وقد تم حتى الآن، الكشف عن مجموعتين من هذه الببتيدات الداخلية المنشأت التي عرفت باسم «مماثلات المورفين» أو «الببتيدات نظيرة الأفيون» وهما:

1- مجموعة الأنكه فالين... (اكْتُشِفت سنة 1977).
2- مجموعة الأندورفين .. (اكْتُشِفت سنة 1976).

(ليس من موضوع كتابنا أن ننقل تجارب الفارماكولوجيين ومناقشاتهم في موضوع هذه الببتيدات، وإنما نورد منها ما يمس موضوع بحثنا).
إن دفقة كافية من الأندورفين، أو من الأنكيفالين، أو منهما مجتمعين توقع السالك في الجذبة المماثلة للجذبة التي يسببها المورفين، حيث ينال السعادة الأبدية التي تستمر دقائق أو سويعات، يرتقي أثناءها في المعارج، وينتقل في الفناءات، ويتحقق بالأسماء والصفات ويذوق من معاني اسمه الصمد...
فلكما التقديس يا إندورفين ويا أنكفالين، يا هرموني الولاية وإكسيري المعرفة، يا سُرارتي التوحيد وقراراتي التفريد.
يا إندورفين ويا أنكفالين، يا من بكما تعلقت همم الرجال، وإليكما تطاولت أعناق المحبين العاشقين الأبطال، ومن أجلكما اقتحموا الأهوال.
يا إندورفين ويا أنكفالين، إليكما حقيقةً توجهت صلوات الصوفية في الجهر والإسرار، وبكما حقيقة تعلقت قلوبهم والأسرار، وفي سبيلكما حقيقة واصلوا اجتهاد الليل بالنهار.
يا إندورفين ويا أنكيفالين، يا منتهى أمل السائرين ، وغاية غايات السالكين، إليكما صبت قلوبهم، ولكما عَنَت وجوههم ، وبتجلياتكما التي لا توصف بلسان، ولا تفصل ببيان، باعوا الدنيا والآخرة، ورضوا بجهنم مستقرًّا ومقاما.
يا نور يقينهم، وعين يقينهم، وحق يقينهم.
يا هرموني الفناءات، وإكسيري التجليات، يا مانحي التحقق بالأسماء والصفات.
يا إندورفين ويا أنكيفالين، يا كاشفي الحجب، يا مقدسي الأسرار، يا رافعي الغين عن العين.
ياسر الجذبات التي أوهمتهم شياطينهم من الإنس والجن أنها ولاية وقرب وتحقق بالألوهية.

* كيف يسبب الإندورفين والأنكفالين الجذبة:

الألم الشديد حافز يدفع الغدد الدماغية المختصة لإفراز هاتين المادتين أو إحداهما بشكل دفقات كافية لتخدير المراكز العصبية، بما في ذلك القشرة الدماغية، تخديرًا خفيفًا كافيًا لإبقاء الألم في حدود غير قاتلة.
كما يظهر من تجارب القوم (الصوفية) أن الاهتزازات العصبية العادية (غير الحادَّة) إذا استمرَّت مدة كافية (تختلف من شخص لآخر) تدفع هذه الغدد لإفراز دفقات من هاتين المادتين أو من إحداهما، وقد رأينا أن هز الرأس بعنف على الطريقة النقشبندية قد يثير الدفقات.
والرياضة الإشراقية عند الأمم الأخرى (الخلوة، والجوع، والسهر، والصمت، وتركيز الفكر في كلمة، وتركيز النظر على نقطة، وأخذ بعض الأوضاع غير المريحة، والاستمرار على ذلك مدة طويلة)، يقود إلى نتيجتين:
1- إفراغ مراكز الوعي من أي شيء يشغلها على الإطلاق، فتتعطل القشرة الدماغية من وظائفها الطبيعية التي طبعها الله سبحانه عليها، ومع المثابرة والاستمرار تصاب بشيء من الكسل والارتخاء، ومع المثابرة والاستمرار أيضًا، يزداد الكسل والارتخاء حتى تصل إلى درجة كافية للتأثر تأثرًا كافيًا بكمية المهلِّس (إندروفين أو أنكيفالين أو كليهما)، الضئيلة التي تفرزها الغدد المختصة، كما أن تكرار الرقص العنيف، يساعد في زيادة كسل القشرة الدماغية واسترخائها، أو انكماشها.
إن عملية عدم التفكير المطلق وإفراغ الذهن من كل ما يشغله عمليةٌ صعبة للغاية، بل تكون متعذرة للكثير من الأشخاص، فأعانهم إبليس بأن دلَّهم على فائدة تركيز الفكر في كلمة ما كائنة ما كانت هذه الكلمة، فالهندوسي، مثلاً ، يستعمل كلمة «أوم» أو «راها»، والطاوي يستعمل كلمة «طاو»... وإذا أراد أحد متصوفة المسلمين ممارسة رياضة الصمت (وهذا نادر جدًّا) ركز تفكيره في شيخه.
ويستطيع القارئ أن يجرب ذلك بنفسه، فيركز تفكيره في كلمة ما، ولتكن «زيز»، يرددها في ذهنه دون أن يحرك لسانه أو شفتيه أو أي جزء من فمه، مع الانتباه إلى هذا الترديد، وسيشعر أن ذهنه كان فارغًا من أية فكرة أثناء ترديدها.
2- النتيجة الثانية، هي الإرهاق المؤلم المستمر الذي يدفع الغدد الدماغية المختصة إلى إفراز مخزونها من المهلّس، واستمرار الألم وتزايده يدفع هذه الغدد إلى العمل المتزايد وإلى تزايد الإفراز، حتى تغدو الكمية المفرَزَة كافية للتأثير على المراكز العصبية التي وصلت إلى درجة كافية من الارتخاء؛ فتكون الجذبة التي يسمونها فيما يسمونها: «كشف الحجب، أو الفتح، أو الولاية، إلى آخر الأسماء الظالمة»، مع العلم أن ازدياد الإفراز عن الحدود المحتملة يقتل صاحبه.

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 09:00 PM


أما متصوفة المسلمين:

فقد حذفوا من رياضتهم الصمت وتركيز الفكر والنظر وأخذ الأوضاع المؤلمة، واستبدلوها بما سمَّوه «الذكر». إن ترديد كلمة ما، يقود بعد مدة قد تطول وقد تقصر (حسب الأشخاص) إلى نفس النتيجتين السابقتين:
1- إفراغ الذهن من خواطره، والاستمرار على هذا الإفراغ بالذكر الإرهاقي المستمر ليالي وأيامًا يدفع القشرة الدماغية إلى الاستخدار. وكذلك الخضوع الكامل للشيخ هو عامل مساعد وقوي للوصول إلى الاستخدار لأنه يحول دون تشغيل الفكر، بل يشلّه.

2- من المعروف أن الإنسان إذا مارس حركة ما مدةً طويلة، تغدو لديه عادةً يقوم بها دون إرادة أو شعور. وكذلك ترديد كلمة ما، ليلاً ونهارًا، يغدو بعد مدةٍ عادةً، يرددها المرتاض دون إرادة أو شعور، ويزيدها الترديد الإرادي تمكنًا، حتى إنه يكون نائمًا، فيستيقظ، أو يوقظه أحد، فيلهج بها لسانه مباشرة دون وعي منه؛ بل قد يصل إلى ترديدها أثناء نومه.

ومثله الأعصاب التي تربط اللسان بالدماغ، والتي تسري فيها التموجات العصبية النطقية المتناغمة مع الكلمة المردّدة ومقاطعها وحروفها، تعتاد على ترديد تلك النبضات مع اللسان دون وعي.
ومثلها المراكز المختصة في الدماغ.
وبطبيعة الحال، تنتقل هذه النبضات إلى الأنسجة المحيطة بأعصاب اللسان وبمراكزها في الدماغ حيث تصبح لها عادة مثل اللسان وأعصابه. ومع الزمن يشعر المرتاض أن أعصابه كلها تردد تلك النبضات، وكلما زاد من ترديده الإرادي للكلمة كلما تمكنت تلك العادة من دماغه وأعصابه.
فلم يزل مستعــملاً للذكــر
فيصمت اللسان وهو يجــري
وقَدْرَ ما تجوهــر اللســان
بالاسم يستثبته الجَنـــــان
ثم جرى معنـــاه في الفؤاد
جَرْيَ الغِذا في جملة الأجسـاد

هذه الاهتزازات (الميكرونية طبعًا) المستمرة، تنتشر في الدماغ حتى تصل إلى الغدد المختصة التي تأخذ بالاهتزاز مثل بقية الدماغ؛ واستمرار هذه النبضات يفضي إلى إفراغ المخزون أو المهيّأ من هرمونها.
واستمرار الاهتزاز، باستمرار الذكر، يؤدي بعد مدة إلى إصابة هذه الغدد بالخلل، فيزداد إفرازها ويسهل قذفها، وقد تصاب بالتضخم، كما يؤدّي هذا إلى خلل في التفكير السليم.
وهكذا... حتى تغدو كمية الدفقة كافية لأفْيَنَةِ المراكز العصبية المستخدرة، فتكون الجذبة، ويغدو السالك وليًا لله بكمية من الإندورفين والأنكيفالين قد تقاس بأجزاء من الغرام ‍.
فلكما التمجيد والنعمى يا إندورفين ويا أنكيفالين، ولكما توجههم الأسمى يا إندورفين ويا أنكيفالين، لوجهكما الرقص مع النقص ودون نقص، يا مقدسي الأسرار ويا باعثي الأنوار.
ما كان لهاثهم إلا وراء سرابكما، ولا هيامهم إلا بما يمنيهم إبليس فيكما من الخلد وملكٍ لا يبلى، يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا.
يا إندورفين ويا أنكيفالين، يا قدس أسرارهم، ويا جاذبيهم إلى الأوهام الشيطانية التي ضلّوا بها وأضلّوا.
وعندما تصير زيادة الإفراز وسهولة قذفه مقامًا بعد أن كانت حالاً، عندئذ يكون السالك قد وصل إلى الدرجات العلى، ونال القرب والسعادة العظمى، وصار بدلاً أو قطبًا أو غوثًا، حسبما تُوهمه شياطينه من الإنس والجن.
فيا عبّاد الإندورفين، احمدوه واشكروه على ما أولاكم من نِعَمه، ولا تنسوا الأنكيفالين.
إلى جانب هذين الهرمونين، يجب أن نذكر عاملاً مساعدًا هو الأكسجين. ففي الحضرة الراقصة، وبعد دقائق قليلة من القفز، يأخذ الراقص باللهاث والتنفس العميق، وهذا ما يسمّى «التهوية» حيث يدخل إلى رئتيه كمية من الهواء، وبالتالي من الأكسجين، أكبر من الكمية العادية.
عندما تستمر عملية التهوية مدة كافية، ترتفع نسبة الأكسجين في الدم، وللأكسجين تأثير أفيونيٌّ ضعيف، وارتفاع نسبته في الدم يصيب المراكز العصبية بأفْيَنَةٍ خفيفة، يختلف الإحساس بها من شخص إلى آخر.
لذلك نرى بعض الراقصين في الحضرة يأخذه الحال، فيزعق ويثور، إن كان الوارد قبضيًّا، أو يشعر بشيء من السرور والخدر اللذيذ، إن كان الوارد بَسْطيًّا، وقد يقع على الأرض، وقد يرى صورًا ينقصها الوضوح أو بعضُه، وهذا يثير فيه الشهية الجارفة للوصول إلى الجذبة ويدفعه إلى المثابرة على الرياضة، مع العلم أن بعض الذين يأخذهم الحال كاذبون لا يحسّون بشيء، وإنما يتظاهرون بذلك طمعًا في أن يحقّق الحال المقال.
كما أن للتهوية دورًا آخر، إذ إن ارتفاع نسبة الأكسجين في الدم يؤثر على المراكز العصبية في جميع الحالات، ويجعل فعاليتها تهبط، ولو لم يشعر الراقص بذلك، وكلما زاد عدد الحضرات كلما زاد الهبوط، وهذا يساعد السالك كثيرًا على الوصول إلى مقام الاستخدار، لذلك جعلوا الحضرة من المنشطات وأصرّوا عليها.

ترنيمة إلى الإندورفين (مع حفظ المقام للأنكيفالين):
كنت مزّقتُ شعري، لكن البادئ أو الباده أو الطالع أو اللائح أو البارق أو اللامح، (وكلها مترادفة تعني بدايات الحال). أو الهاجم أو الوارد أو الحال (وهذه أيضًا مترادفة)، أو المقام، أيها لا أدري، أجري في الخاطر هذه المقيصيرة فسجلتها.
أأندرفين والمسعى *** إلى إشراقك الأسنى
له التسبيحُ في الإعلا *** نِ والتمجيدُ في النجوى
له أبدالهم تعنو *** وفيه قُطبهم يفنى

أأندرفين هرمونَ الولاية *** مانحَ الحسنى
إليك عروجُ سالكهم *** ومنك سحائبُ النعمى
طَبَتْ سُبُحاتُ سرِّكَ سِرَّ *** قلب العارف المُظما
وقرّحَ جفنَه وَلَهُ *** بخمرة ذلك المجْلى
يهيم بسُكْر جذبتها *** يعبُّ يعبُّ لا يروى
بها قد باع دنياه *** وعاف لأجلها الأخرى
رضي بجهنمٍ سكَنًا *** مُقابل ساعةٍ تُجْلى

أأندرفين كنتَ لهم *** معين الخدعة الكبرى
سرابُك عندهم خلْدٌ *** ومُلْكٌ جلّ لا يبلى
وفيضك قدْسُ سِرَهمُ *** يُقدّسُ قدْرَ ما تطغى
فأنت محطّ قِبلتهمْ *** وأنت الغاية القصوى
إليك صلاتُهمْ حقًّا *** وذكرهُمُ وما يُتْلى
أضاعوا فيك رُشْدَهُمُ *** فضلّوا، السعْي والمسعى
- الترنيمة للأندرفين لأنني أظن أن له الدور الأساسي في الجذبة.

وقبل الانتقال إلى الفصل التالي، من المفيد ملاحظة ما يلي:

المنطقة تحت المهادية (Hypothalamus) هي منطقة من الدماغ الأوسط في قاعدة المخ حيث توجد عدة مراكز منظمة لوظائف فيزيولوجية هامة: «الجوع، والعطش، والنشاط الجنسي، والنوم، والاستيقاظ، وتنظيم الحرارة في الجسم».
وبدهي أن هذه المراكز هي أول ما يتأثر بالإندورفين، وبدهي أن هذا التأثر يغيّر كثيرًا أو قليلاً من فعاليات هذه المراكز، وهذا يفسّر ما يحدث لبعض الواصلين من بقاء مدة طويلة دون طعام أو شراب أو نوم، ومقدرة بعضهم على تحمّل البرد الشديد أو الحر الشديد، وغير ذلك. مما يظنّونه كرامات دالّة على ولايتهم.

* فيزيولوجية الرؤى أثناء الجذبة:

مادامت مكاشفاتهم ومشاهداتهم وإشراقاتهم باطلة كلها ؛ لأنها مدحوضة كلها بنصوص القرآن والسنة.
ومادامت دون أي رصيد في واقع الحياة والوجود.
ومادام كل ما يشاهدونه ويسمعونه ويكاشفونه هذيانات وهلوسات إندورفينية أنكيفالينية!
مادامت كذلك ! إذن فما هي ؟ وكيف تحدث ؟
1- هناك التمثيليات الشيطانية، لكنها في واقع الأمر ثانوية، وقد لا تقتضيها الحاجة في كثير من الأحيان، وأكثر ما تكون في حالة الصحو، فيسمّونها الكرامات، ومع ذلك فهي وسيلة الخداع الأولى في الصوفية.
2- عملية الكشف والمشاهدة تجري في الدماغ، في مركز التفسير البصري، كالتالي: من المعروف أن الصور الحسّية (البصرية والسمعية والشمّية والذوقية واللمسيّة) عندما تتلقاها أعضاء الحسّ (العين والأذن والأنف واللسان والجلد) تحولها إلى سيالة عصبية تنقلها الأعصاب المختصة (بشكل تموجات قطعًا) مباشرة وبسرعة، إلى مراكز التفسير الحسّي في الدماغ، فما كانت بصرية انتقلت إلى مركز التفسير البصري، حيث يتم هناك الإحساس بالرؤية، أي إن مركز التفسير البصري في الدماغ (تحت القشرة) هو الذي يفسّرها بالصورة التي يعرفها كل من وهبه الله سبحانه نعمة البصر. وما كان سمعيًا انتقل من الأذن إلى مركز التفسير السمعي الذي يتمّ به الإحساس بالصوت وارتفاعه وحدّته وقربه وبعده.. وهكذا.

فمراكز التفسير في الدماغ هي التي تفسّر السيّالة (أو الموجات) الواردة إليها ذلك التفسير الذي يعرفه كل حي.
من مراكز التفسير الحسّي تنتقل الصور مباشرة وبسرعة إلى مخازن الحفظ في الخلايا الدماغية المتخصصة بذلك والقابعة في منطقة اللاشعور في الأجزاء الداخلية من الدماغ.
وكذلك يحدث للأفكار والتخيلات والأماني والطموحات، تُخزن كلها في خلايا مخازن الحفظ المخصّصة لها.
ويلاحظ بوضوح أن منطقة اللاشعور ليست مجرد مخازن صامتة تكدّس فيها الصور والأفكار بجمود، وإنما هي عالم حي تجري فيه بنشاطٍ عمليات تحليل وتركيب وإنشاء، لكن يغلب على هذه العمليات التنسيق مع العواطف والأماني المختزنة والتخميلات.
ويقرر علماء التشريح والفيزيولوجيا، بناءً على دراساتهم وتجاربهم الكثيرة، أن مراكز الوعي (التذكر والإدراك والمحاكمة والضبط وتمحيص الأمور) تقع في القشرة الدماغية.
ويظهر أن خلايا المراقبة والانتقاء تتوزع بين القشرة وتمتد إلى داخل الدماغ.
ومراكز التفسير الحسّي (البصري والسمعي وبقيتها ) تقع تحت القشرة داخل الدماغ أيضًا.
ومن ملاحظة أحلام اليقظة، والأفكار الشاردة أثناء الاسترخاء، والأحلام المنامية، ومن دراسة أوصافهم لأحلام جذباتهم الأفيونية والإشراقية، نستطيع أن نتخيل ما يلي:
أن هناك طرقًا عصبية (حبال) بعضها صادر عن مراكز الوعي في القشرة الدماغية (التذكر والإدراك وبقيتها ) وبعضها صادر عن مراكز التفسير الحسّي تحت القشرة (البصرية والسمعية وبقيتها ) وكلها تصبُّ مباشرة في مخازن الحفظ في مناطق اللاشعور في الدماغ، والتي هي خلايا عصبية تعد بالمليارات وأن هناك قنوات مباشرة من مراكز التفسير الحسّي إلى مراكز الوعي في القشرة (الإدراك والضبط وغيرها).
كما يلاحظ؛ مع شيء من القبول، أن هناك طريقًا، أو قناة عصبية (حبل) صادرة عن مخازن الحفظ في اللاشعور، تصبُّ، حسب مقتضى الحال، في مركز التذكر أو التخيل في القشرة، ومن هناك تتوزع إلى المراكز الأخرى في القشرة الدماغية حسب مطلوب الفرد أو حالته.
ويلاحظ أن الطريق الواصلة بين مراكز الوعي في القشرة وبين مخازن الحفظ في اللاشعور هي، في الحالة العادية، ذات اتجاهين: من القشرة إلى مخازن الحفظ، ومن مخازن الحفظ إلى القشرة (أي ذهاب وإياب).
والطريق الواصلة بين مراكز التفسير الحسّي تحت القشرة وبين مخازن الحفظ هي، في الحالة العادية، ذات اتجاه واحد: من مراكز التفسير الحسّي إلى مخازن الحفظ فقط.
كما أنه من الملاحظ أيضًا أن خروج الصور الحسّية والأفكار من مخازن الحفظ في اللاشعور يكون بأحد أسلوبين.
أ‌- أسلوب إرادي انتقائي، لا تخرج فيه إلا الصور المطلوبة، وهذا يدل على وجود خلايا دماغية وظيفتها الإشراف على إفراز الصور والأفكار المطلوبة وإخراجها إلى مركز أو أكثر من المراكز المناسبة في القشرة الدماغية، أي إن هذه الخلايا الدماغية هي مراكز مراقبة أو «رقيب» ويظهر أن جزءًا من هذه الخلايا (أو الحبال) الرقيبة واقع في منطقة اللاشعور، فهو يعمل دون أن يشعر به الكائن الحي.

ب‌-أسلوب لا إرادي، تتسرب فيه الصور والأفكار عفويًا (حسب الظاهر) وتجري هذه العملية في حالة الشرود الذهني والاسترخاء وفي حالة النوم (الأحلام) وفي الجذبة (الكشف)، عندما تكون مراكز الوعي والرقيب فاقدة فعالياتها.

كما يلاحظ أيضًا وبوضوح، أن عمليات التحليل والتركيب التي تجري في مناطق الوعي تكون متناسقة مع واقع الحياة والوجود على قدر استيعابها لهذا الواقع.
وأن عمليات التحليل والتركيب التي تجري في منطقة اللاشعور تكون متناسقة مع العواطف والأماني والمخاوف الكامنة، تأخذ موادّها الأولية منها ومن المعلومات المختزنة، فتحللها وتركب منها صورًا جديدة تتفق والأماني المختزنة والعواطف، ويلعب فيها الذكاء الفطري للفرد وسعة خياله دورًا ملحوظًا، لذلك، غالبًا ما تقفز فوق الواقع والمعقول.
- وهناك حقائق تشريحية وفيزيولوجية تساعد معرفتها على معرفة كيفية حدوث الرؤى الجذبية، بل والمنامية أيضًا:

- يتألف الحبل العصبي من خلايا عصبية متصلة ببعضها، تنتقل السيالة العصبية فيها من خلية إلى جارتها حتى تصل إلى مراكز التفسير الحسي في الدماغ، أو إلى القشرة الدماغية.
- الخلية العصبية، ويسمونها «العصبون» أو «النورون» تعريبًا من (neu صلى الله عليه وسلم one) لا تستطيع الانقسام، وينتهي طرفاها بخيوط دقيقة متشعبة، تجتازها السيالة باتجاه واحد.
- بالقرب من منتهيات العصبونات، بملامسة التلاحمات العصبية، توجد حبيبات تحتوي على مكونات آمينية يسمونها «الآمينات الوسيطة».
- ما بعد منطقة التلاحم هذه يوجد تلاحم آخر غني بحويصلات كبيرة (نسبيًا) كروية تختزن مادة ببتيدية (أي لها نفس مفعول الأندورفين) يسمونها «المادة P». وقد أثبتت الدراسات أن المادة «P» والانكيفالين والمستقبلات المورفينية تبدي نفس التوزع. والمادة «P» هذه هي حموض نووية (كالآمينات) لها دور هام في تأمين نقل الشيفرات الألمية عبر الألياف الناقلة للألم.
- تمر السيالة العصبية الحاملة لحسٍّ ما من أول العصبون إلى آخره، وهناك يتحرر عدد من الآمينات الوسيطة من حبيبات ادخارها لتصطدم بمنتهيات العصبون المجاور لتنقل إليه السيالة، أو لتحرّض فيه سيالة مماثلة، أما المادة «P» ففي نقل الألم.
- تقوم أدوية الجملة العصبية المركزية (الأفيونيات ومعها الإندورفين والأنكيفالين) بتأثير منتشر، منبّه أو مثّبط، لجميع التلاحمات العصبية (أي مكان اتصال العصبونين المتجاورين)... ويتم هذا التأثير بطريقة اصطفائية مختلفة الشدة، وذلك بتنشيط أو إبطاء استقلاب الآمينات الوسيطة، أو بالتدخل في وظائف هذه المواد (الآمينات الوسيطة)...
- وفي الحقيقة أصبح من المقبول اليوم أن السيّالة العصبية عندما تبلغ نهاية النورون العصبي حذاء المركز، يتحرر من هذه النهاية عدد من الآمينات الوسيطة وتنتشر لتنبه أو تثبط نورونًا آخر... أهـ.
- ألفتُ النظرَ إلى قوله: «ويتم هذا التأثير بطريقة اصطفائية».

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 09:02 PM

ويقول في مكان آخر:

إن آلية التأثير العام لهذه الأدوية (المخدرات العامة) التي تستند على وجود ولعٍ اصطفائي مختلف الشدة بينها وبين المراكز العصبية المنتشرة على طول المحور الدماغي النخاعي...
ويقول: إن اكتشاف بعض المركبات الكيمياوية، كعقار الهلوسة (L S D ) والمسكالين وغيرهما، وملاحظة أن هذه المواد قد تسبب تبدلات عميقة في التصرفات تصل لدرجة الإهلاس، كل هذا لفت انتباه الدوائيين الجدد إلى إمكان وجود علاقة بين اضطرابات السلوك والتصرف، وبين بعض المركبات الكيميائية التي تبدي ولعًا اصطفائيًا خاصًا بالمناطق الدماغية الخاصة بوظائف الكيان النفسي. وقد ارتقت نظرية التأثير الاصطفائي إلى أبعد من ذلك.. أهـ.
- هذه التقارير منقولة عن الدكتور أكرم المهايني في كتابه علم الأدوية الخاص مع قليل من التصرف للتخلص من التعقيدات والتفصيلات التي لا تهمنا في بحثنا.
يهمنا من هذه التقارير :
- الآمينات الوسيطة التي تنتقل من نهاية عصبون إلى بداية جاره لتنبيهه بتحريض السيالة، أو تثبيطه.

- دور الآدوية المؤفينة (ومعها الإندورفين والأنكيفالين) بتنشيط الآمينات أو إبطائها (تثبيطها) أو تقويتها.

- تأثير هذه العقّارات الأفيونية على أماكن مصطفاه من الأعصاب ومن الدماغ، وخاصة بالمناطق الدماغية الخاصة بوظائف الكيان النفسي، وهو الموضوع الذي نحن بصدده في كتابنا.

- وهذه الأماكن واىلأجزاء العصبية التي لديها القابلية للتأثر بهذه العقّارات المخدرة يسمونها «المستقبِلات».

- يقول الدكتور أكرم المهايني عن مجموعة الأنكيفالين:

... تثبت بشدة على المستقبِلات المورفينية، وتتوزع في الجسم بشكل يتماشى مع توزع هذه المستقبلات...
ويقول عن مجموعة الأندرفين:

... وأثبتت الدراسات التجريبية.... عام 1976، بأن لهذه الببتيدات أيضًا ولع شديد بالمستقبلات المورفينية...
- من كل هذا، نرى أن الإندورفين والأنكيفالين اللذين يفرزهما الدماغ لهما نفس مفعول المورفين بصورة دقيقة، وإن كان الأنكيفالين أضعف منه، والأندرفين أقوى في بعض الحالات. وهذه التقارير العلمية، مضاف إليها ما رأيناه في الفصول السابقة من تشابه كامل بين حالة الجذبة الأفيونية الهلوسية ورؤاها وبين حالة الجذبة الصوفية ورؤاها، كل هذا يجعل التأكد كاملاً، ولا يترك مكانًا لأي شك أو تساؤل أو تردد بأن الجذبة الصوفية ورؤاها هي تهليس إندرفيني أنكيفاليني، وأن الرياضة الصوفية وعلى رأسها الذكر الإرهاقي تعمل على زيادة الكمية المفرزة من هاتين المادتين بشكل مَرَضيّ دائم، كما تعمل، بإرهاقها الدماغ مدة طويلة، على إضعافه إضعافًا كافيًا للتأثر بهذه الكمية الجديدة من إحدى هاتين المادتين أو كلتيهما.
وبالتالي تكون الصوفية، أو الإشراق، أو المعرفة، أو الكهانة، أو ما شئت غيرها من الأسماء التي أطلقوها، تكون خدعة إبليسية كبرى، وهي السبب الأساسي لانحراف الإنسانية عن الفطرة التي فطرها الله سبحانه عليها.
ولزيادة الفائدة وزيادة تأكيدها، نصان آخران.
يقول الدكتور أكرم المهايني:

... ويحسن بنا التذكير، بأن زوال الألم بفعل المورفين (ومثله الإندورفين والأنكيفالين طبعًا) لا يؤلف سوى وجه واحد من أوجه تأثيراته المتعددة، فطيف تأثيره يشمل أيضًا – بشكل أعم – السلوك والتصرفات.
.... ولوحظ أيضًا وجود فرط نشاط إندورفيني في السائل الدماغي الشوكي لدى المصابين بالفصام (الجنون) المترقي...
- أقول: يعرف القاريء الآن أن الفصام المترقي هو مقام «جميع الجمع»، وأن المصاب به هو الذي يسمونه «المراد»، ولو أجريت الفحوص اللازمة لهؤلاء الأولياء الأحياء الذين نسمع بهم، وخاصة عندما يكونون في مقام القُرْب، لوُجد فرط النشاط الإندورفيني في السائل الدماغي الشوكي عندهم.
ومن هنا يبرز الترجيح، أن لا الإندورفين هو صاحب الدور الأساسي، أو الرئيسي في الجذبة.
- والآن نستطيع أن نتخيل كيفية حدوث الرؤى الكشفية والأفيونية:
الظاهر أن مناطق اللاشعور في الدماغ تبقى في نشاط مستمر في جميع الحالات، شأن أجهزة الجسم اللاإرادية.
وواضح للمتأمل أن القناة العصبية التي تخرج فيها الصّوَر من مخازنها في خلايا اللاشعور إلى مراكز الوعي في القشرة الدماغية، هذه القناة، أو القنوات، هي من مستقبلات المورفين؛ ولذلك عندما تغدو كمية الإندورفين المفرزة كافية، بتحريض الرياضة الصوفية، تتفاعل معها هذه المستقبلات، فتثبط الآمينات الوسيطة على طول الحبل العصبي الواصل بين المخازن والقشرة، وتغدو هذه الطريق مغلقةً، ويظهر أن خلايا الرقابة العليا يصيبها نفس الشيء، كما أن مستقبلات الأفيون في كل الجملة العصبية يصيبها نفس الشيء، وهذه هي الجذبة.
إن فقدان المجذوب الإحساس بما حوله جزئيًا أو كليًا (حسب كمية المهلِّس) هو دليل لازم كاف على أن الآمينات الوسيطة قد ثُبّطت، فتوقفت السيالات التي تحمل الإحساسات من أعضاء الحس (العين والأذن...) إلى القشرة الدماغية.
هذه هي الجذبة، وهذه هي الولاية (مرحبًا ولاية).

ويظهر أن هذه الولاية تصيب أيضًا خلايا الرقابة في الدماغ، فتأخذ خلايا اللاشعور حريتها بتحليل الصور والمعلومات المختزنة، وغيرها، لتركب منها صورًا جديدة متناسقة مع عواطف المجذوب ورغباته، بل، لعل العواطف والرغبات هي التي تحرك عملية التحليل والتركيب.
تخرج هذه الصور الجديدة ، وغالبيتها بصرية، على غفلة من الرقيب المخدّر بشكل سيالات عصبية، لعلها موجيّة (وهو المنطقي)، في الطريق المعتاد الذي طُبعت عليه، أي إلى مراكز الوعي في القشرة الدماغية، لكنها تجد منافذها مغلقة، وتجد إلى جانبها منفذًا آخر، وهو الطريق ذات الاتجاه الواحد التي تخرج من مراكز التفسير الحسي وتصب في المخازن، وهي، بدهيًا، تقع داخل الدماغ، فتعبرها اضطرارًا مخالفة للعادة في الحالة العادية، حيث تصل إلى مراكز التفسير الحسي. ولعل المادة «p» لها دور في فتح هذه القناة بصورة معكوسة.
بما أن غالبية الصور بصرية، لذلك تذهب إلى مركز التفسير البصري، فيفسرها ويحس بها كما لو كانت آتية عن طريق العين، ويراها المجذوب مجسّمةً ماثلة أمامه كأنها شيء واقع حقيقي؛ لأن مركز التفسير مطبوع على التأثر بأية موجة تصله، ليفسرها ويرسلها مفسرة إلى مركز الإدراك في القشرة، ولا علاقة له بمصدرها ولا بالطريق الذي سلكته.
وتذهب الصور السمعية إلى مركز التفسير السمعي، واللمسية إلى مركز التفسير اللمسي... وهكذا.

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 09:03 PM

وعندما يصل الخدر خفيفًا إلى الطرق الواصلة بين المخازن ومراكز التفسير الحسّي، عندئذ يختلط الحابل بالنابل، ويختلط السمع بالبصر بالشم بالذوق باللمس، فتذهب الموجات البصرية إلى مركز تفسير حسّي (بصري أو غير بصري) وكذلك السمعية والشمّية والذوقية واللمسية، فتحدث لهم الرؤى التي لا يستطيعون وصفها، وتوهمهم شياطينهم ، ويصور لهم غرورهم أن الأنبياء كانوا كذلك وتوهمهم جذباتهم أن الجنة كذلك.
وعندما يزيد المخدّر عن حده، ويتغلغل في الدماغ يصاب المجذوب بالجنون أو الشلل أو الموت.
هكذا تحدث أحلام الجذبة بجميع أنواعها سواءٌ أكانت مورفينية أو إندورفينية، أي سواءً كانت جذبة تحشيش أو جذبة إشراق.
ولعل من آثار الأندورفين أيضًا تمييع الخلايا العصبية، وخاصة خلايا القشرة الدماغية، تمييعًا خفيفًا طبعًا؛ لأن هذا يمكن أن يكون تعليلاً لما يرونه من تضخيم الأبعاد قليلاً أو كثيرًا، ومن إطالة الزمن أو تقصيره، ومن رؤية فراغات لا نهائية أو رؤية الأشياء شفافة أولا وجود لها... وذلك؛ لأن الخلايا المدركة في القشرة، عندما تتميع، يمكن أن يتغير شكلها باتجاه أو بآخر بسبب الضغوط حولها، فيحدث ذلك التشويه في الإدراكات، كما يمكن أن يكون حدوث هذا التميع في مراكز التفسير ذاتها.
وهنا يأتي دور الشيخ ؟
فلولا الشيخ لكانت الرؤى متشابهة مع بعضها في الجذبتين «جذبة التحشيش وجذبة الإشراق». لكن توجيهات الشيخ وإيحاءاته المتناسقة مع تجاربه السابقة، تحقن المريد بالعواطف والطموحات التي توجه رؤاه إلى العروج في السماوات والمحاضرات والمكاشفات والمشاهدات والفناءات والتحقق بالأسماء والصفات، ورؤية جبل قاف وكاف وعين وصاد، وغيرها، حيث يرى السالك منها ما يتناسب مع استعداداته الفكرية والإندورفينية.
ولهذا السبب كان الشيخ هو الأصل في طريقهم؛ ولهذا السبب قالوا من لا شيخ له فشيخه الشيطان؛ لأن من لا شيخ له تكون رؤاه مثل رؤى حشاشي الحشيش والمورفين وزمرتهما؛ ولهذا السبب كان الخضوع الكامل للشيخ أساسياًّ ليسهل انطباع توجيهاته وإيحاءاته في أعماق المريد.
مساكين الحشاشون والمورفينيون مساكين!
فلو كان لهم شيخ يوجههم، لذاقوا أيضًا الفناءات، وتحققوا بالأسماء والصفات، وتصرفوا بالكون، ولكان منهم الأبدال والأقطاب والأغواث.
أما قولهم بالتصرف في الكون، هذا الهذيان المضحك المبكي (وكلهم هذيانات مضحكة مبكية) فقد رأينا مثله عند حشاش عقار الهلوسة، الذي يكفي، في بعض الحالات، أن يتخيل شيئًا أو يتمنى رؤيته حتى يراه أمامه مجسمًا.
ومثل هذا يحصل لبعض الواصلين الذين صار خَلَل غددهم المفرزة للهرمونين مقامًا عاليًا ، فقد يمر بخاطره عرش الرحمن مثلاً ، فيراه أمامه مجسّمًا كما يتصوره بوهم جذبته، لا كما هو على حقيقته التي لا يعلمها إلا الله.
وقد يخطر على بال جذبته أن ينقله من مكان إلى مكان، فيقول له«انتقل» فيراه قد انتقل.. وهكذا. وهذا ما يسمونه «التصرف في عالم الملكوت».
وكذلك ما يحدث لبعضهم أحيانًا من اضطراب في إحساسه بالزمن، حيث يحسّ أنه قطع سنين طويلة في جذبة لم تدم سوى دقائق قليلة‍ مثل هذا ما رأيناه يحدث لمجذوب المهلِّسات...
والرجاء من القاريء أن يعود إلى مفعول المخدرات في أول هذا الفصل لتتوضح أمامه ما هي كشوفهم ومعارفهم وعلومهم اللدنية.

والآن، نستطيع أن ندرك بصورة أوضح وأدق، دور الرياضة الصوفية. فهي بعناصرها التي عرفناها والتي يُجْملها قولهم: «اخلع نعليك، الدنيا والآخرة»، تقلّل الإحساسات الذاهبة إلى الدماغ تقليلاً كبيرًا، وهذا يعني أن السيّالات العصبية تقل كثيرًا، وهذا يعني كذلك أن الأمينات الوسيطة يقل عملها كثيرًا، ومع الزمن تصاب بالكسل، ومع تطاول الزمن بالمثابرة على الرياضة، ومع تكاثر الإندورفين والأنكيفالين بسبب الرياضة أيضًا، يغدو كسل الآمينات الوسيطة مقامًا عاليًا، وتغدو مستعدة للشلل أو ما يشبهه بكمية من المخدر أقل من الذي تحتاجه في الحالة العادية، أي تصل إلى مقام الاستخدار، والذكر الإرهاقي يقوم بنفس المفعول، وإذا ساعدته عناصر أخرى من الرياضة كان أسرع، ولعل التلاحمات العصبونية المحيطة بالدماغ هي محل العمليات المذكورة؛ وذلك لتكاثر الإندورفين في السائل الدماغي الشوكي أثناء الجذبة.

* فقرات معترضـة :

* إكسير الولاية :-
تسهيلاً على المريدين وتيسيرًا لهم للوصول إلى الولاية والصديقية والغوثية والألوهية بيوم أو يومين، ودون تعب ولا خلوة ولا جوع ولا سهر، نقترح على الشيوخ العارفين الكمل، ذوي المدد العظيم من الأموال التي تنهمر عليهم من المخدوعين والغافلين، أن يكلفوا واحدًا أو أكثر من علماء الكيمياء الطبية، لتحضير نوعين من العقاقير:
أ‌- عقّار يسبب هبوط فعالية الأمينات الوسيطة بشكل دائم (الاستخدار).

ب‌- عقّار آخر يحدث خللاً يضخم الغدد الدماغية المفرزة للمخدرين ويزيد إفرازها زيادة كافية.

عندئذ تصبح الولاية والقطبية والألوهية في متناول الجميع! فكل من يريد التحقق بالأسماء والصفات والفناءات في الذات والتصرف في الكون، ما عليه إلا أن يذهب إلى صيدلية يشتري منها «إكسير الولاية» المكون من عقارين:
- العقار الأول يأخذه في اليوم الأول، حيث يجتاز كل المقامات في ساعات، ويصل إلى مقام الاستخدار.

- العقار الثاني يأخذه في اليوم الثاني، حيث تخرق له الحجب وتكشف الغيوب بعد ثواني أو دقائق.

لكن الشيخ يبقى لازمًا لا بد منه في جميع الحالات! إذ دون إيحاءاته وتوجيهاته لن يستطيع المريد الوصول إلى الألوهية؛ لأن من لا شيخ له فشيخه الشيطان، ومن لم يكن بين يدي شيخه كالميت بين يدي الغاسل فلا يمكن لإيحاءات الشيخ أن تنطبع في أعماقه لتصبح جزءًا هامًا من أمانيه وطموحاته.
وصحبة شيخ وهو أصل طريقهــم
فما نبتت أرض بغير فلاحــــة

ولهذا، فلن يكون إكسير الولاية خطرًا على المدد الذي ينهمر على الشيوخ، بل بالعكس، سيزيد كثيرًا عدد السالكين بسبب سهولة (الطريقة الإكسيرية)، وبذلك سيزداد كثيرًا مدد الشيخ، كما سيحتاجون إلى عدد أكبر من الشيوخ الكمّل.
* أحلام النــوم:-
فيزيولوجية أحلام النوم تشبه فيزيولوجية أحلام الجذبة، مع فارق هو: في الجذبة: يبقى خدر الدماغ سطحيًّا وثابتًا في موضعه طيلة الجذبة، بينما تكون بقية أجزاء الدماغ متمتعة بنشاطها المعتاد إلا في حالة «الفناء عن الفناء» أو جمع الجمع.
وفي النوم: يبدأ النوم سطحيًّا (في القشرة الدماغية) حيث تحدث الأحلام، وتكون أجزاء الدماغ الأخرى في حالة هبوط تدريجي نحو النوم، فحالة الهبوط تجعل الحلم غامض الموضوع، والتدرج نحو النوم الكامل، أو بالعكس، يسبب القفزات في تسلسل حوادثه.
وعندما يصل النوم إلى مراكز التفسير الحسي تنقطع الأحلام.
* هل سيبصر الأعمى:-
لا أظنه بعيدًا، ذلك اليوم الذي يذهب فيه الأعمى إلى الصيدلية ليشتري «جهاز إبصار» يضعه على رأسه، ترتبط به نظارات يضعها على عينيه، ثم يخرج وهو يرى الحياة كما يراها البصير العادي، وتحدث عملية الرؤية كالتالي:
تقع الأشعة المنعكسة عن الأشياء على نظارات الجهاز (مثل وقوعها على العين العادية) وترتسم صورها عليها.
تتحول هذه الصور إلى موجات كهرطيسية تسري عبر شريط ناقل إلى الجهاز الموضوع في مكان معين فوق الرأس.
يحوّل هذا الجهاز الموجات الكهرطيسية إلى موجات عصبية مناسبة تخترق الجمجمة والقشرة الدماغية حتى تصل إلى مركز التفسير البصري الذي يفسرها كما لو كانت آتية إليه عن طريق العين، إذ كل ما يريده مركز التفسير البصري هو أن تصله موجات عصبية مناسبة، ليفسرها ويحس بها ذلك الإحساس الذي يعرفه كل كائن حي بصير.
أما من أين أتت تلك الموجات؟ وكيف؟ وفي أي طريق؟ فهذا لا شأن له به.
وهكذا تحل مشكلة العميان حلاًّ جذريًّا أو شبه جذري، كما يستطيع أي إنسان أن يستعمل هذا الجهاز للتسلية، أو لضرورة ما.
* جهاز فيديو يغني عن الشيخ والرياضة وعن إكسير الولاية:-
نفس جهاز الإبصار الذي يضعه الأعمى على رأسه، يرتبط به جهاز فيديو خاص (بدلاً من النظارات).
يستطيع صاحب الجهاز أن يقتني مجموعة كبيرة من أشرطة الفيديو التي سجلت عليها مناظر متنوعة الأشكال والمواضيع.
فما على المرء إذا أراد أن يقوم بسياحة إلى إندونيسيا، مثلاً، إلا أن يضع الجهاز على رأسه، ويضع في الفيديو الشريط المناسب، ويحرك الزر المطلوب، ثم تبدأ الرحلة!
فيرى نفسه ذاهبًا إلى وكالة سفريات، حيث يشتري بطاقة طائرة، وفي اليوم التالي يستيقظ من النوم باكرًا،ويذهب إلى المطار، ويختلط بالمسافرين، ويقف بدوره أمام رجل الأمن المكلف بمراقبة الأمتعة، وبعد أن ينتهي من كل المشاكل، يعبر إلى المدرج، ويصعد إلى الطائرة ليجلس على مقعد فوق مؤخرة جناح الطائرة الأيمن، ويجلس إلى جانبه شاب يمضغ لبانًا في فمه مما يثير في نفسه الضيق والحنق معًا... وتتحرك الطائرة وتحلق في الجو، وينظر صاحبنا من النافذة ليمتع نظره بالأرض التي تطوي تحته ببطء لتظهر أرض غيرها... وهكذا حتى يصل إلى مطار لاهور... إلى آخر الرحلة وتفاصيلها... بينما هو في حقيقة الأمر قابع في غرفته لم يتحرك من مكانه!
وإن كان صاحبنا من المريدين الذين لا يريدون إلا وجهه (؟) فيضع في الفيديو شريط الولاية، وإن أراد الحسنى (؟) وضع شريط العروج إلى الله ( جل الله وعلا علوًا كبيرًا)، فيرى الملائكة تتنزل عليه وتقول له: «لا تخف ولا تحزن»... ويرفعه أحدهم... حتى يعبر السماوات ويصل إلى العرش (في قصة طويلة ومناظر متنوعة مذهلة) وهناك تحدث له الفناءات والتحققات والتصرفات، ويذوق من معاني اسمه الصمد والرب والرحمن، حتى الاسم الأعظم.
وهكذا... إلى آخر المناظر المسجلة على الشريط، وعلى بقية الأشرطة.

( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 655 – 700 بتصرف يسير ) .


المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/


عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 09:04 PM

الشبهة(9) : مناقشة عقيدة وحدة الوجود




1- يقول سبحانه : { وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ }.

الآية واضحة كل الوضوح، لا لبس فيها ولا غموض.
فوحدة الوجود تجعل من كل مخلوق جزءًا من الله جل وعلا.
وتقرر الآية الكريمة الحكم على الذين يؤمنون بهذه العقيدة الذين يجعلون من عباد الله (سبحانه عما يصفون) جزءًا منه، تقرر الحكم عليهم بالعبارة: { إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ }، التي نفهم منها ما يلي:
أ‌- قوله: { إِنَّ الإِنسَانَ }، يدل على أن المؤمنين بوحدة الوجود هم من بني الإنسان فقط، فلا يوجد بين الجن مثلاً، بله الملائكة، من يؤمن بهذه العقيدة الكافرة.

ب‌-قوله: { لكفور }، على وزن «فعول»، وهي صيغة تدل على المبالغة والاستمرار، تعني: إن المؤمن بوحدة الوجود هو شديد الكفر مستمر عليه، يمتنع رجوعه عنه أو يصعب.

وتعني: إن شدة الكفر واستمراريته الموجودة في نوع الإنسان تجعله يؤمن بمثل هذه العقيدة.
ج- قوله: { مُبينٌ }، أي: مُظهر للكفر، مُفصح عنه، مُوضح له، وهذا يعني أن الفكرة واضحة الكفر، والذي يؤمن بها مبين للكفر، الكفر ظاهر له وعليه، وذلك؛ لأن الفطرة السليمة (وبعض غير السليمة)، تقشعر رعبًا من سماع هذا التطاول على القدسية الإلهية، وترتجف هلعًا من هذا الغرور الغبي الجريء الظالم، لمجرد سماعها ذلك.

2- يقول سبحانه: { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }.

طبعًا، وحدة الوجود تجعل الجن جزءًا من الله تعالى، وليس بعد هذا النسب ما هو أقوى منه؛ لأنه نسب بعض الذات إلى الذات.

لكن الآية الكريمة تستهجن هذه الفكرة، نفيًا لها ودحضًا، وتنزه الله سبحانه وتعالى عما يصفه هؤلاء الواصفون.

والعبارة: { وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ }، واضحة الدلالة على أن الجن – لو كانوا يتصلون بنسب إلى الله سبحانه – لما جعلهم من المحضرين.

وعدم وجود النسب بينه سبحانه وبين الجنة ينفي وحدة الوجود نفيًا كاملاً.

3- يقول سبحانه: { وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئً }، ويقول: { أَوَلاَ يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئً }.

الآيتان واضحتان كل الوضوح: إن الله سبحانه خلق الإنسان من لا شيء، من العدم، ولو كانت وحدة الوجود واقعة لكان الإنسان شيئًا قبل أن يوجد، كما هو الآن شيء بعد وجوده.
فكون الإنسان خلق من لا شيء، من العدم، ينفي وحدة الوجود جملةً وتفصيلاً؛ لأن الله تعالى ليس عدمًا، إنه الحي القيوم الخالق البارئ المصور.

4- عشرات الآيات في الكتاب الحكيم تقرر أن المخلوق غير الخالق، منها:

{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }، إذن فالأصنام والأوثان (وهي خلق) هي من دون الله تعالى، وليست جزءًا منه، ولا هي هو.
{ وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ }، { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ }، { إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ }، { إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }.
ومنها: { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ }، طبعًا، كانوا يأمرونه أن يعبد أصنامهم وأوثانهم، والآية الكريمة تقرر أنها غير الله، وبما أنها جزء من الخلق، إذن فالخلق غير الله، والمخلوق غير الخالق.

{ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ }، والذي أُهِلَّ به لغير الله إنما أهِلَّ به للأوثان والأصنام ولمن يسمونهم «الأولياء»، وهؤلاء كلهم خلق، والآية الكريمة تقرر أنهم غير الله، ومن هذه الآيات:

{ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرً }، { قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ }، { أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّل }...

هذه الآيات هي بعض من آيات كثيرةٍ غيرها تقرر أن المخلوق هو من دون الله، وغيره، وهي كافية للرد على كل جحود مؤمن بوحدة الوجود، ولو سماها وحدة الشهود.

5- لو كان الخلق هو الحق، كما يفترون، وكانت المخلوقات جزءًا من الله سبحانه تعينت بهذه الأشكال المختلفة، لما بقي أي معنى للأسماء الحسنى: (الخالقُ، البارئُ، الفاطرُ، بديعُ السماوات والأرض)، التي تعني كلها «الإيجاد من العدم».

6- لو كانت وحدة الوجود صحيحة، لكان الإنسان جزءًا من الله، ولكانت الآية: { إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } باطلة! ولكان الإنسان في ربح سواء آمن أم لم يؤمن، وعمل صالحًا أم لم يعمل، وتواصى بالحق والصبر أم لم يتواص؛ لأنه جزء من الله.

وبما أن الآية الكريمة لا يمكن أن تكون باطلة؛ لأنها وحي من عند الله، إذن فعقيدة الصوفية هي الباطلة، إذ لو صحت عقيدتهم لأصبح معنى الآية: (إن جزءًا من الله لفي خسر)! وهذا واضح البطلان.

7- في القرآن الكريم آيات كثيرة تصبح شتمًا لله (تعالى)، لو صحت عقيدة الصوفية بوحدة الوجود، مثل قوله سبحانه: { وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }؛ لأن عادًا، حسب عقيدتهم الباطلة، هم جزء من الله سبحانه، حيث يصبح معنى الآية الكريمة «إن جزءًا من الله (تعالى عما يصفون) أُتبع في هذه الدنيا؟؟ ويوم القيامة؟! (وناقل الكفر ليس بكافر).

ومثل هذه الآية كثير في الكتاب والسنة.

8- آيات كثيرة في كتاب الله تفهمنا أن العمل السيئ لا يرضي الله ولا يقود إلا إلى السوأى، وأن الحسنى لا يوصل إليها إلا بالعمل الصالح، من هذه الآيات:

{ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرً }، { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ }، { فَلاَ يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }، { أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُو }، { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ }، { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى }، وغيرها الكثير.

وطريق الصوفية تبدأ منذ الخطوة الأولى بالشرك الأعظم، فالمريد عندما يضع رجله في عتبة رحاب الشيخ مريدًا له ولطريقه، فقد قبل عبادته وقبله ربًّا من دون الله، سواء عرف ذلك أم لم يعرف، ثم يسير المريد في الطريق الشركية مضيفًا إليها طقوسًا ومجاهدات وثنية حتى يصل إلى الجذبة التي تشرق عليه بوحدة الوجود.

إذن، فوحدة الوجود ضلال وباطل؛ لأن الطريق إليها ضلال وباطل.

ثم إن الطريق الذي يتبعه المتصوفة للوصول إلى الجذبة هو طريق الشيطان، { وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينً }، { وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينً }.

والشيطان لا يقودهم إلى الله كما يتوهمون، بل يضحك عليهم ويوهمهم ويستجرهم، ويعدهم، ويُمنيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غرورًا.

9- يقولون في فريتهم هذه، بالقدرة والحكمة؟
فالقدرة: هي تعيينه سبحانه الخلق من ذاته، وهذا ما يسمونه الحقيقة.
والحكمة – عندهم -: هي ستره سبحانه «الحقيقة» عن خلقه، ويقولون: إن الله سبحانه أرسل الرسل بالشريعة من أجل هذا الستر.

- والجواب:
أ‌- مقولتهم في القدرة والحكمة هي على كل حال، من الأمور الغيبية التي لا تُعرف إلا بنص من الوحي الذي أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، والنص لا وجود له، إذن فمقولتهم كاذبة، يكذبون بها على الله ورسوله، { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبً }.

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 09:05 PM


ب‌- بما أن عقيدتهم في «القدرة والحكمة» وفي وحدة الوجود، لا يوجد أي دليل عليها في الكتاب والسنة إلا ما كان من تأويلاتهم الباطلة؛ لذلك لا يعدو الإيمان بها أن يكون واحدًا مما يلي:
- إما اتهامًا لله (سبحانه وتعالى عما يصفون) بالخوف والكذب؟!
- أو اتهامًا له (سبحانه وتعالى) بالجهل، وأنهم هم عرفوها (لأنهم عارفون)؟!
- أو اتهامًا للرسول صلى الله عليه وسلم بالخيانة والجبن؟!
- أو اتهامًا للدين الإسلامي من أساسه بالبطلان؛ لأنه أُنزل ليحارب، فيما يحارب، هذه العقيدة التي هي أساس العقائد الوثنية.

10- يفترون على الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنه أمر مرة بإغلاق الباب، وسأل أصحابه إن كان فيهم غريب؟ فلما أجابوه بالنفي، بدأ معهم علوم الطريقة... ويقولون: إنه فعل هذا تعليمًا لأصحابه على التستر على «حقيقتهم»! وهذا ما يسمون «الحكمة».

- الجواب على هذه الفرية المجردة من الإيمان ومن الإسلام ومن كل معاني الحياء: الهندوس والبوذيون والطاويون والمجوس (مع اختلاف في الشكل) كلهم يؤمنون بوحدة الوجود دينًا، ويعلنونها ويبنون عليها كل فلسفاتهم في كل كتبهم، وهؤلاء كانوا وما زالوا يشكلون أكثر من نصف سكان الأرض.

والسؤال: ما هي هذه الحكمة (الخنفشارية) التي تسمح لأكثر من نصف سكان الأرض أن يعلنوا إيمانهم بوحدة الوجود ويبنوا عليها حياتهم وفلسفتهم ولا يكتموا منها شيئًا‍ ثم تمنع ذلك على المسلمين وعلى رسول الإسلام فقط؟! فأي حكمة هذه؟ إنها مهزلة وليست حكمة!

وإن من يعتقد صحة هذه الحكمة المفتراة، يحكم ضمنًا أن الإسلام غير صحيح، وأن الديانات الوحدوية هي الديانات الصادقة! عرف ذلك أم لم يعرف؛ لأن الجهل أيضًا فنون.

11- ماذا كان يخشى محمد صلى الله عليه وسلم من إعلان وحدة الوجود، لو كان يؤمن بها؟ ولو أعلنها لاستجاب له الألوف الكثيرة في مدة قليلة؛ لأنها لن تكون غريبة على الأسماع، ولاستراح هو وأصحابه من كثير من الآلام التي عانوها.

12- الهندوس والبوذيون والطاويون والمجوس، كانوا وما زالوا يؤمنون بوحدة الوجود عقيدة وحيدة.

وأهل الكتاب كانوا وما زالوا يؤمنون بخالق في السماء، خلق الخلق من العدم مع شرك وتشبيه، وبعض رشفات من الوحدة (ما عدا متصوفيهم طبعًا).

فجاء الإسلام ليُعلن كفر أولئك المطلق، ويحرم على المسلمين ذبائحهم والزواج منهم...

بينما وقف من اليهودية والنصرانية موقفًا أخف بكثير، وسماهم «أهل الكتاب»، ووسع حدود التعامل معهم (وخاصة مع النصارى)، وأجاز ذبائحهم وطعامهم ومصاهرتهم...

فلو كان في دين الإسلام من وحدة الوجود ما يفتريه الصوفية، لانعكست الآية، ولصار النصارى هم الأبعدين، ولصار الهندوس والباقون هم الأقربين.

13- عندما انتصر الفرس المجوس على الروم النصارى، كانت عواطف المسلمين مع النصارى ، وحزنوا لهزيمتهم؛ لأنهم أقرب إليهم من الآخرين { غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ }.

فلو كان الصحابة يعرفون أباطيل وحدة الوجود، أو يؤمنون بشيء منها، كما يفتري عليهم المتصوفة، لكانت عواطفهم مع الذين يشبهونهم في العقيدة، مع المجوس الذين يدينون بشكل من أشكال وحدة الوجود، لا مع النصارى الذين يؤمنون أن الله في السماء وقد خلق الخلق من العدم، (مع شرك عظيم طبعًا).

14- كل الأحاديث التي يرويها المتصوفة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه في موضوع الوحدة هي:

- إما مكذوبة! وهم أنفسهم يعرفون أنها مكذوبة! ومع ذلك يوردونها دون خوف من الله، وكأنهم لم يسمعوا قول رسول: «من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، وأسلوبهم أنهم يروونها، ثم يعلقون عليها بعبارة ما، مثل: «تكلموا فيه»، أو: «فيه نظر»، أو ما شابه ذلك، ثم يبنون عليها ما يشاءون من أحكام ظالمة‍ وكأنهم إذا قالوا عن الحديث المكذوب: «فيه نظر»، أصبح من الأحكام الشرعية، وأصبح العمل به شرعيًّا‍؟

- وإما أن يكون حديثهم صحيحًا، لكنهم يلوون عنقه، يؤولونه، ويعطونه معنى ما أنزل الله به من سلطان! وكذلك يفعلون مع الآيات القرآنية.

وقد مرت في الفصول السابقة أمثلة كثيرة على ذلك، وهو نماذج لما شحنوا به كتبهم من هذه التحريفات، ومنها على سبيل المثال أيضًا:

تفسيرهم لقوله سبحانه: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ }، بالحضرة الصوفية والرقص، وتفسيرهم لقوله سبحانه: { فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ.. } بالخلوة، وتفسيرهم لقوله سبحانه: { وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى }، بأن الذكر بالاسم المفرد (الله الله الله) هو صلاة، وتفسيرهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: «من عادى لي وليًّا آذنته بالحرب..»، أن الولي هو الصوفي، وقوله في بقية الحديث: «... فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه الذي يبطش بها، ورجله الذي يمشي بها...» بأنه يعني وحدة الوجود.

وقد أشبع العلماء هذا الحديث بحثًا، ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن نص الحديث ينفي وحدة الوجود! إذ لو كانت وحدة الوجود موجودة، لكان الله (سبحانه عما يصفون) سمع الإنسان وبصره ويده وكله! سواء أحبه أم لم يحبه، وقبل أن يحبه وبعد أن يحبه، وفي جميع الأحوال، ولا تكون هناك حاجة لأداء الفروض والنوافل، ولا لأي شيء أبدًا لتحقق ذلك.

وكون هذا الوصف: «كنت سمعه... وبصره...» لا يتحقق إلا بعد أداء الفروض والتقرب بالنوافل... ثم بعد أن يحبه الله، يعني بكل وضوح أن هذا لم يكن قبل أن يحبه الله، أي: إن هذه المزية (كون الله تعالى سمع المرء... وبصره...) هي غير متحققة في الإنسان العادي، وبذلك تنتفي وحدة الوجود، وينتفي معها فهمهم الخاطئ.

ويكون معنى الحديث: إن الله سبحانه إذا أحب العبد أعانه إعانة تامة في كل شيء، ولا يكله إلى نفسه أبدًا في أي شيء، وطبعًا تكون إعانة الله للعبد كما يريد الله سبحانه لا كما يريد العبد.

15- الصوفية أنفسهم يعلمون علم اليقين أن وحدة الوجود هي كفر وزندقة بالنسبة للشريعة، ولذلك يُتاقون ويكتمونها عن غير أهلها ويتواصون بذلك.

* النتيجة:

وحدة الوجود كفر مبين، ومعتقدها كافر مبين، كافر حسب الشريعة، وكافر حسب الحقيقة الحقة التي هي الشريعة الإسلامية، له في الدنيا عقوبة المرتد عن الإسلام، وله في الآخرة عذاب أليم، إلا أن يتداركه الله سبحانه بلطفه وعفوه.

والصوفي الحق هو الذي يبطن وحدة الوجود، ويظهر التمسك بالشريعة، وهو منافق حقًّا، بل هو شر أنواع المنافقين، وليكن مطمئنًا (من مقام الطمأنينة) أن مقامه الحقيقي هو في الدرك الأسفل من النار إن لم يتداركه الله برحمته.

والعقيدة الإسلامية هي أن الله جل وعلا خلق الخلق من العدم، وقد مرت الآيات الدالة على ذلك، والمخلوقات هي مِن دونِ الله وغيرهُ، أي إنها ليست تعينات من ذاته العلية، جل جلاله، وهو سبحانه فوق خلقه: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ... }، { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }، { أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ }، (والسماء هنا بمعنى: العلو).
وهو سبحانه فوق السماوات، بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم معقبًا على حكم سعد بن معاذ في بني قريظة: «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرْقِعَة»، والأرقعة هي السماوات، واحدتها «رقيع».
وقول زينب رضي الله عنها تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم : «زوجكن أهاليكن وزوجني الله مِن فوق سبع سماوات» (رواه البخاري).
وغيرها، وغيرها من الآيات والأحاديث.

( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 703 – 711 بتصرف يسير ) .


المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/


عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 09:06 PM

الشبهة(10) : مناقشة الباطنية والتقية عند الصوفية




يقول سبحانه: { قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }، { قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ }، { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ }، { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }، { لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }، { قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }، { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }، { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينً }، { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ }... والآيات في هذا المعنى كثيرة.
ويقول صلى الله عليه وسلم : «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها».
- من هذه النصوص الكثيرة، ومن عشرات غيرها، كلها واضحة جلية، نعرف أن ليس في الإسلام باطن وظاهر بالمعنى الصوفي.
ويكون الإيمان بأن في الإسلام ظاهرًا وباطنًا كفرًا بآيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبًا لها.
- كما أن من الحقائق التاريخية، أنه لم يحدث قط وجود عقيدة باطنية في جماعة إلا إذا كانت هذه الجماعة تضمر الشر والكيد للمجتمع الذي تعيش فيه.
ولم تخرج الصوفية على هذه القاعدة، فقد رأيناها كيدًا للإسلام ومكرًا بالمسلمين.
- ويقول أحد الباحثين: حيثما وجدت الباطنية ففكر باليهودية، وفي الواقع سنرى بعد قليل أن لليهودية دورًا في نشر الصوفية بين المسلمين، وعلى كل: «الحضرة» يمكن أن تكون أثرًا من آثارها، ومثلها السماع، وتقديس القبور، وبناء القبب، واستعمال السبحة، والجهر بالذكر، وهز الجذع أثناءه إلى الأمام والوراء، أو إلى اليمين والشمال، كل هذه طقوس وممارسات موجودة في اليهودية كما هي موجودة في كل الوثنيات أيضًا! وهي موجودة في الصوفية! فما هي العلاقة؟ مع العلم أن كل هذه الأمور لا أساس لها في الإسلام ألبتة.
ولن نعدم مكابرًا يقول: ليس في الصوفية باطنية، لن نعدمه رغم كل كتبهم ورغم كل أقوالهم، ورغم مئات الصفحات المدرجة في هذا الكتاب.
ولا جواب لنا على أمثال هؤلاء إلا أن نشكوهم إلى الله تعالى.
وللباطنية لغة اسمها «التقية»، يتعلمونها فيما بينهم، يخاطبون بها الناس، ويتسترون بها على ضلالاتهم، ويمكرون بها بالمسلمين، ويكيدون بها للإسلام، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، فإلى مناقشة التقية.
ولنتذكر قوله صلى الله عليه وسلم : «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك» (إلا هالك).
مناقشة التقية

من فعل: تاقي، يتاقي، متاقاة، وتقيَّة (بتشديد الياء)، ومُجَرّدُه هو فعل تَقَى يَتْقي تقيَّة، بمعنى اتقى.
التقية هي لغةُ الحركات الباطنية والمجال الذي تتفسخ فيه ألسنتها، وفي مقدمتها الصوفية، وقد رأينا أنهم يجعلونها جزءًا من حقيقتهم، وقرأنًا مثل قولهم: «التقية حرم المؤمن»، و«إذا كان قد صح الخلاف، فواجب على كل ذي عقل لزوم التقية»، ومئات الأمثلة غيرها.
وهم يجعلون لها أصلاً قرآنيًّا في قوله سبحانه: { ... وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ... }.
لكن الفرق بين التقاة التي يسمح بها الإسلام، وبين تقيتهم هو نفس الفرق بين الإيمان والكفر.
فالتقاة الإسلامية تكون في حالة واحدة هي: «مَن أكره وقلبه مطمئن بالإيمان»، إذ في حالة الإكراه هذه فقط يمكن للمسلم المؤمن أن يتظاهر بما يرضي القوة التي تكرهه ريثما يفلت منها، مع بقاء قلبه مطمئنًا بالإيمان، أي إنها حالة استثنائية وطارئة تضمر الإسلام وتظهر غيره.
بينما التقية الصوفية هي عكس ذلك، إذ هي أولاً: إبطان وحدة الوجود، أي: إبطان الكفر وإظهار الشريعة الإسلامية، وهذا هو النفاق عينه الذي هو شر أنواع الكفر، وأصحابه في الدرك الأسفل من النار، وهي ثانيًا: قاعدة مستمرة عندهم، وليست استثناء ولا هي حالة طارئة.
إذن فهي مناقضة للإسلام تناقضًا كاملاً واضحًا لا نقص فيه ولا لبس ولا غموض.
وأسلوب التقية في الصوفية يتركب من:
الكذب، والتأويل، والمغالطة، والمراوغة، والمخادعة.

* الكذب:-
مر معنا في الفصول السابقة عشرات النماذج من كذبهم، وهي جرع من بحر، وبتأمل هذه النماذج، وغيرها مما في كتبهم، نرى أنها:
كذب على الله سبحانه، وكذب على ملائكته، وكذب على كتبه، وكذب على رسله، وكذب على اليوم الآخر، وكذب على القضاء والقدر (خيره وشره)، وكذب على الصحابة، وكذب على أهل الكتاب، وكذب على التاريخ...
أما الكذب على الجغرافية والفلك والجيولوجيا والفيزياء والكيمياء فهو من علومهم اللدنية التي عرفوها بالكشف الذي هو حق اليقين ونور اليقين وعين اليقين؟!
ويكفي القارئ – إذا لم يرد ترويح النفس بقراءة النصوص الكثيرة – أن يقرأ مثلاً (في فصل: نماذج من حكايات الصوفية..) النص الذي عنوانه: «وجعلوا الملائكة معاتيه ومخابيل».

* التأويــل:-
للتأويل معنيان:
1- المعنى المعروف في اللغة العربية والواردة به الكلمة في القرآن الكريم:
وهو – كما في «تفسير ابن كثير» -: التفسير والبيان والتعبير على الشيء.
وهو أيضًا: حقيقة الشيء وما يؤول أمره إليه.
وبشيء من إمعان النظر في المعنيين، نرى الثاني امتدادًا للأول وتكملة له، ولتوضيح ذلك:
نقرأ في الكتاب الحكيم: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }، و{ إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرً }.
فالله سبحانه سميع بصير، والإنسان كذلك سميع بصير!
لكننا نعرف – بديهيًّا – ودون أي تلكؤ، أن الله سبحانه وتعالى سميع بصير، بالمعنى الكلي الكامل المحيط للكلمتين، فهو سبحانه سميع بصير بلا حدود.
وأن الإنسان سميع بصير، بالمعنى الجزئي الناقص المحدود للكلمتين، فسمع الإنسان وبصره تحدهما عوامل كثيرة.
ومثلها: الحي، الملك، المؤمن، العزيز، الجبار.... إلخ.
ومثلها الأفعال التي يمكن أن تعزى إليه سبحانه، وإلى مخلوقاته، مثل: شاء، أراد، وغيرها.
ومثلها: الأسماء التي يمكن أن تضاف إلى الخالق والمخلوق، مثل: أمر، إرادة، مشيئة... ومنها كلمة «تأويل».
فعندما تضاف كلمة «تأويل» إلى الإنسان، يفهم منها التأويل الجزئي الناقص المحدود.
أما التأويل الذي يعلمه الله سبحانه، فهو تأويل كلي كامل محيط، يشمل التفسير والبيان والتعبير عن الشيء وحقيقته، وما يؤول إليه أمره، وتفصيله الدقيق المحيط...
ومثلاً على ذلك، قوله سبحانه: { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ }.
فنحن نعرف أن تأويل: { اقْتَرَبَتِ }، (أو تفسيرها)، هو: صارت قريبة «ضد بعيدة»، لكن، ما هي مدة هذا الاقتراب؟ كم عدد أيامه وساعاته ودقائقه؟ ما هي تفصيلاته بدقة؟ وكيف يتم؟ ... إلى آخر الأسئلة، وكلها من تأويل { اقْتَرَبَتِ }،
الذي لا يعلمه إلا الله.
ونعرف أن { السَّاعةُ }، هي نفخة الصور الأولى! لكن، كيف تقوم الساعة؟ ما هي عواملها بالتفصيل؟ وما هي نتائجها بالتفصيل أيضًا؟ والأسئلة كثيرة، والأجوبة عليها من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله.
هذا هو المعنى اللغوي القرآن لكلمة «تأويل».
ومن هنا نعرف أن معرفتنا بمعاني القرآن الكريم، مهما تعمقت، تبقى ناقصة، وأن المعنى الكامل يبقى غائبًا عنا، وهو ما يمكن أن يسمَّى «المعنى الباطن»، وهذا هو التأويل الذي يأتي يوم القيامة: { وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }، كما أن دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار هو أيضًا من تأويله.
2- المعنى الاصطلاحي الذي تتبناه الحركات الباطنية، من صوفية وغيرها، والذي هو موضوع بحثنا:
وهو إعطاء الكلمة معنى يخالف المعنى اللغوي والشرعي المجمع عليه في كتب اللغة والأصول، ويتفق مع العقيدة الباطنية للمؤولين، يفتشون فيه، أو فيها (في اللفظ أو في الجملة) عن أي شيء يمكن أن يكون رمزًا أو إشارة إلى شيء من العقيدة الباطنية، فيبرزونه، موهمين أنه المعنى الحقيقي.

وفي التقية الصوفية، نواجه نوعين من التأويل:
§ تأويل نصوص القرآن والسنة لتتفق مع باطلهم، ويسمونه أيضًا «التفسير الإشاري»، نذكِّر ببعضها:

- (لا إله إلا الله)، تأويلها: لا موجود إلا الله.
- و{ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى }، تأويلها: إن المخلوقات ترجع إلى ربها الذي صدرت عنه لتندمج فيه.

- { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ }، تأويلها: عبارة: { يَذْكُرُونَ اللهَ }، يدخل فيها ترديد كلمة: «الله حي» بتقاطيعها لا بألفاظها، وعبارة: { قِيَامًا وَقُعُودً } تشير إلى القفز، وبذلك تكون الآية مشيرة إلى الحضرة الصوفية! وينسون طبعًا أو يتناسون عبارة: { وعَلَىَ جُنُوبِهِمْ }!

- ... { قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي }: معنى كونه ربانيًّا أنه من أسرار علوم المكاشفة ولا رخصة في إظهاره إذ لَمْ يظهره رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

- ونزيد في التأكيد بإضافة نص للغزالي في «إحيائه»، مر في مكان سابق من هذا الكتاب، يقول:

... ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه، نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف أولوه...

إذن، فهم يؤولون نصوص القرآن والسنة التي تخالف كشفهم! وهذا يعني:

‌أ- لا يؤمنون إلا بكشوفهم وهلوساتهم كمصدر للاعتقادات والعبادات.

‌ب-ينكرون المعنى الصحيح للنص القرآني أو السني، ويرفضونه.

‌ج- يخافون من إعلان هذا الرفض؛ لأنه يجرد عليهم سيف الردة (سيف الحلاج).

‌د- لذلك يتظاهرون بالإيمان بنصوص القرآن والسنة المخالفة لكشوفهم، ولكنهم يقولون: إن لها معنى باطنًا، هو معناها الصحيح.

هـ- يفتشون في النص عن أي شيء يمكن أن يروا فيه إشارة أو رمزًا لما يعتقدون.

و‌- يسلطون الأضواء على هذا الشيء، ويبرزونه، وكأنه المعنى الحقيقي للنص!

ز‌- وإذا لم يستطيعوا إقناع الآخرين لقبول تأويلاتهم، عمدوا إلى خدعة أخرى؟ فقالوا عن المعنى الصحيح للنص: إنه المعنى الظاهر! وقالوا عن تأويلهم الباطل: إنه المعنى الباطن!

والنتيجـة:
تأويل نصوص القرآن والسنة، هو كفر صراح بالنصوص، وأسلوب للتخلص من عقوبة هذا الكفر، وخداع للمسلمين لجرهم إلى ضلالات التصوف.
§ النوع الثاني من التأويل الذي يمارسه المتصوفة في كل مناسبة هو تأويل ضلالاتهم، وتأويل نصوصهم الدالة على ضلالاتهم؛ لإظهارها وكأنها لا تخالف الشريعة الإسلامية، يفعلون ذلك؛ لأهداف:

‌أ- التستر على باطلهم، والتظاهر بأنهم لا يخالفون القرآن والسنة!

‌ب- الضحك على أذقان المغفلين لئلا يتهموهم بالكفر والزندقة.

‌ج- خداع المسلمين؛ لإقناعهم أن الصوفية من الإسلام، ثم جرهم إليها.

‌د- خداع الذين لا يقتنعون بضلالات الصوفية؛ ليتركوا تلك النصوص تسري بين المسلمين بهدوء ليستطيعوا هم أن ينصبوا شباكهم بهدوء، ويصيدوا بها فرائس جديدة بهدوء، وبهذه الفرائس الجديدة يزيد مدد الشيخ وتستمر مسيرة الكهانة، وبهذه الفرائس الجديدة تزداد قناعة المجاذيب بأن جذباتهم التحشيشية الإشراقية هي فتوحات إلهية، وبأن هلوساتهم هي نور اليقين وعين اليقين وحق اليقين.

وغَفلة المسلمين جعلت المتصوفة يتمادون بالقول بالتأويل! فكلما جئتهم بنص من نصوصهم الضلالية، قالوا لك: هذا له تأويل! فنقول:
إن هذا التأويل، والقول بهذا التأويل، هو كفر وزندقة وردة، وهو كيد للإسلام ومكر بالمسلمين، وضحك على ذقون المغفلين لجرهم إلى أحضان الشياطين، ثم إلى جهنم وبئس المصير.

* الخلاصـة:

للكفر مدخلان:
1- رفض ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بصراحة، وهذا كفر فيه صدق ووضوح.
2- تأويل ما جاء به محمد، أو بعض ما جاء به، وهذا رفض متستر، وهو كفر فيه خبث ومكر وكيد وخداع، فهو شر من الكفر الأول.

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 09:07 PM

* المغالطة والمراوغة والمخادعة:ـ

سنورد صُورًا سريعة من مغالطاتهم ومراوغاتهم ومخادعاتهم، حيث يأتي في قمتها أمران:
- الطريقة البرهانية الغزالية، أي: مزج الإسلام بالتصوف، وهو ما اعتادوا على تسميته بالتصوف السنّي.
- التأويل الاصطلاحي.

وتكاد كل خدعهم ومغالطاتهم ومراوغاتهم أن تكون فروعًا لهذين الأصلين، منها:

- لو قال قائل: إن الصوفية كفر، لسمع أجوبة كثيرة مثل: الذي يصلي ويصوم ويقرأ القرآن.. هل هو كافر؟

الجواب: إن الصلاة والصيام وقراءة القرآن ليست من الصوفية، بل هي من الإسلام الذي مزج به التصوف، والخمر لا يصير طيبًا ولا حلالاً إذا مزج بالماء أو بالعسل، بل يبقى خبيثًا ومحرمًا، وكذلك الصوفية تبقى زندقةً وكفرًا ولو مزجت بالصلاة والصيام وقراءة القرآن والزكاة والقتال مع المجاهدين في سبيل الله...
- من المغالطات أن نسمع من يتظاهر بنقد التصوف، ويقول برزانة: إنهم يبالغون في التعبد، والمبالغة في التعبد ليست حرامًا، ولكنها قد تثير الملل عند بعضهم...
- مما يرددونه دائمًا وبعناد قولهم عن الآية: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ }، تعني الحضرة الصوفية‍!

الجواب: لا تساعد اللغة العربية على هذا الفهم، كما لم يفهمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك، ولا التابعين ولا تابعوهم، ومعنى الآية هو أن يذكر المسلم الله في جميع الحالات.

- لو عرضت عليهم أحد النصوص الصوفية المشحونة بالكفر والزندقة، فسترى الجواب حاضرًا: «هذا له تأويل‍»‍، أو يقولون: «هذا مدسوس».

- وهذه صورة من أساليبهم في المراوغة، يتسلى القارئ بتحليلها، يقول ابن عجيبة:

... ولذلك كان النظر في الكتب يضعف المسالك لتشعبها وكثرتها عند اختلاف الهمم، لا سيما من جُبلت طبيعته على علم الظاهر، فإنه أبعد الناس عن الطريق ما لم يدَّاركه الله بفتح منه؛ لأن التشريع كلُّ حكْمة منها تحتها حِكَم، مَن لم يفهمها فبستانه مزهر غير مثمر، ومن هنا وقع الإنكار، حتى امتحن الله كثيرًا من الصوفية على أيدي علماء الظاهر عندما نسبوهم للكفر والزندقة والبدعة والضلال! وسر الخصوصية يقتضي ذلك لا محالة، سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولو جعلناه ملَكًا لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون، وما هلكت الأمم السابقة إلا بقولهم إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، فتحصَّل أن الإنسان إذا جال مع النفس في ميدانها فجاهدها حتى هذَّبها وطهرها من الأوصاف الحاجبة لها، رجعت نفسه حينئذ إلى أصلها، وهي الحضرة التي كانت فيها، إذا لم تكن بينها وبين الحضرة إلا الحجب الظلمانية، فلما تخلصت منها رجعت إلى أصلها نورًا مشرقًا...
- نترك للقارئ التسلية بتحليل ما فيها من المخادعات والمغالطات، لن ننبه إلى نقطة واحدة فقط، هي قوله: «حتى امتحن الله كثيرًا... وسر الخصوصية يقتضي ذلك لا محالة، سنة الله التي قد خلت من قبل..»، فنقول له:
هذا افتراء على الله الكذب، فأكثر من نصف سكان الأرض يؤمنون بسر الخصوصية، هذا الذي تدعيه، ولم يمتحنوا لا هم ولا كهانهم، فالأيونيون والرواقيون والإيلوسيون والغنوصيون والهنادكة والبوذيون والطاويون وغيرهم، كلهم كانوا وما زالوا يحترمون كهانهم الذين يتحققوا بسر الخصوصية ويبجلونهم، ولم يُمتحن أصحاب هذا السر إلى في الإسلام!
لذلك، فإما أن يكون أصحاب سر الخصوصية كفارًا زنادقة، أو يكون الإسلام غير صحيح، ولا ثالث لهاذين الاحتمالين.
- ومن مغالطاتهم، قول محمد المهدي الصيادي (الرواس): «ومما لا يلتفت إليه التشدق بما أبهمه وأوهمه المبتدعة أهل الوحدة المطلقة...».
هذا القول هو مثل قولهم: «علومنا مقيدة بالقرآن والسنة»، ومثل قول قائلهم: «لا يكون الصديق صديقًا حتى يشهد له في حقه سبعون صديقًا أنه زنديق؛ لأن الصديق يعطي الظاهر حكم الظاهر والباطن حكم الباطن»، ويحمل نفس معنى العبارة: «اجعل الفرق في لسانك موجودًا والجمع في جنانك مشهودًا»، وأترك تحليلها للقارئ، مع التذكير بأن أهل الوحدة المطلقة هم الذين يصرِّحون بوحدة الوجود ولا يقيِّدون عباراتهم بالرمز واللغز.
- ومن أساليبهم في المغالطة قول عبد الكريم الجيلي:
.... فلا بد لمنْ يقصد معرفة علمنا هذا.. أن يقيس العلوم الواردة إليه على الأصول المشروعة التي قد ثبتت بالكتاب والسنة والإجماع، فما وجده من تلك العلوم موافقًا للشريعة فيقصده ويتجلى به، وما وجده مخالفًا توقف عن استعماله إلى أن يفتح الله على ما يؤيده من الشريعة، فيستعمله حينئذ...
لملاحظة المغالطة هنا يجب أن ننتبه إلى قول: «وما وجده مخالفًا توقف عن استعماله إلى أن يفتح الله على ما يؤيده من الشريعة».
إذن، فما يخالف القرآن والسنة ليس كفرًا، ولا يجب تركه ونبذه، وإنما يتوقف فقط عن استعماله ريثما يفتح الله عليه (تعالى الله عن الخداع)، بنص يمكن تأويله بما يوافق المخالفة.
- ومن مغالطاتهم ومراوغاتهم قول الجيلي نفسه:
... ثم قال الإمام الأكمل: كل حقيقة لا يؤيدها شريعة فهي زندقة، يريد أن كل علم يَردُ عليك من الحقائق التي لا تؤيدها الشريعة، فاستعمال ذلك العلم زندقة منك؛ لأنك تفعل خلاف الشرائع؛ لأن الحقائق فيها زندقة، إذ ليس في الحقائق مسألة إلا وقد أيدها الكتاب والسنة...
أرجو من القارئ أن ينتبه إلى قوله: «فاستعمال ذلك العلم زندقة منك...»، وأن يحلل بنفسه المغالطة والمراوغة في هذه العبارة وفي النص كله.
- ومن أشهر مغالطاتهم قولهم بالدس عليهم، وهذا مثل منها:
يقول عبد الوهاب الشعراني:
... وكان (ابن عربي) متقيدًا بالكتاب والسنة... وجميع ما عارض من كلامه ظاهر الشريعة وما عليه الجمهور فهو مدسوس عليه، كما أخبرني بذلك سيدي الشيخ أبو الطاهر المغربي نزيل مكة المشرفة، ثم أخرج لي نسخة «الفتوحات» التي قابلها على نسخة الشيخ التي بخطه، في مدينة قونية، فلم أرَ فيها شيئًا مما كنت توقفت فيه وحذفته حين اختصرت «الفتوحات».
- جوابنا: لم يبين لنا القطب الرباني شيئًا من هذه المدسوسات، ثم إن كل ما في «الفتوحات» يدور حول وحدة الوجود، إما تصريحًا، أو بالعبارة الصوفية، ولو حذفناها لما بقي من «الفتوحات» شيء! فما الذي يمكن أن يدس عليها؟ وهل يحتاج البحر الميت إلى دس الملح عليه ليغدو ملحًا؟؟ ثم إن الفتوحات لا يطبعها إلا المتصوفة وأقطابهم، ولا يهتم بدراستها إلا المتصوفة وأقطابهم، فلِمَ لا يحذفون هذا المدسوس؟... والأسئلة كثيرة.
- ويتمم الشعراني مراوغاته:
وقد دَسَّ الزنادقة تحت وسادة الإمام أحمد بن حنبل في مرض موته عقائد زائغة، ولولا أن أصحابه يعلمون منه صحة الاعتقاد لافتتنوا بما وجدوه تحت وسادته.
وكذلك دسوا على شيخ الإسلام مجد الدين الفيروز آبادي صاحب «القاموس» كتابًا في الرد على أبي حنيفة وتكفيره، ودفعوه إلى أبي بكر الخياط اليمني البغوي، فأرسل يلوم الشيخ مجد الدين على ذلك، فكتب إليه الشيخ مجد الدين: إن كان بلَغك هذا الكتاب فأحرقه فإنه افتراء من الأعداء، وأنا من أعظم المعتقدين في الإمام...
الجواب على هذا الكلام (مع غض النظر عن صدقه أو كذبه):
عرف أصحاب أحمد بن حنبل العقائد الزائفة المدسوسة فنبذوها، ولم يبق لها أثر، فلِمَ لا تفعلون مثل ذلك وتنبذون ما في كتب المتصوفة من وحدة الوجود وأساليب التقية وخداع المسلمين؟؟ لِمَ لا تفعلون ذلك؟ إذ لو فعلتم ذلك لأصبحت كتب الصوفية شبه بيضاء.
- يتمم:

وكذلك دسوا على الإمام الغزالي عدة مسائل في كتاب «الإحياء»، وظفر القاضي عياض بنسخة من تلك النسخ فأمر بإحراقها.
وكذلك دسوا عليَّ أنا في كتابي المسمى بـ «البحر المورود» جملةً من العقائد الزائفة وأشاعوا تلك العقائد في مصر ومكة نحو ثلاث سنين، وأنا بريء منها...
- نقول: بمثل هذا يخادعون الذين آمنوا ويغالطونهم ويستجرونهم إلى ظلمات التصوف، أو على الأقل يوهمونهم أن المتصوفة مظلومون مكذوب عليهم، والقول بأنهم دسوا على الغزالي مسائل في «الإحياء» هو كذب، وقوله: إنهم دسوا عليه في «البحر المورود» هو كذب، ومثل هذا الكذب يدل على أن قائله لا يخاف الله ولا يرجو اليوم الآخر، مع العلم أن كتاب «الإحياء» الذي أمر القاضي عياض بإحراقه هو نفس هذا المتداول بين الأيدي الآن.
- ومن أبشع مغالطاتهم ومخادعاتهم في كتبهم التي يترجمون فيها لأعيانهم، أنهم يوردون قبل كل شيء أسماء كبار الصحابة على أنه من أولياء الله المتصوفة ثم يوردون أسماء كهانهم، ويخلطون معهم علماء أجلاء مثل ابن حنبل أو الشافعي أو الثوري أو العز بن عبد السلام أو ابن الجوزي أو غيرهم، فيوهمون الغافلين ويستجرونهم إلى أحضان إبليس.

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 09:07 PM

- وهذا نص من كتاب حديث العهد، قد يزيد عدد الأكاذيب فيه عن عدد سطوره:
«ولما كان أهل الله هم أهل الرحمة الواسعة، وهم أهل الفتوة والشفقة على عباد الله عامةً، فما بالك بمن وقع فيهم من الأمة المحمدية خاصة، سواء كان هذا الوقوع منهم عن قصد أو خطأ في الاجتهاد، فإلى الإمام ابن تيمية ومقلديه مِن أصحاب سوء الظن بعباد الله، أنقلُ هذه العبارة من «الفتوحات المكية» الجزء الأول الصفحة 616:
يقول الشيخ الأكبر: «إن من فتوة أهل هذا الطريق ومعرفتهم بالنفوس أنهم إذا كان يوم القيامة، وظهر ما لهم من الجاه عند الله، خاف منهم من آذاهم هنا في الدنيا..».
- للقارئ أن يتسلى بتحليل هذا النص، لمعرفة ما فيه من افتراء على الله سبحانه ومخادعة ومراوغة ومناقضة للقرآن والسنة وتعالم بالغيب.
لكن هذا الإصرار على الكيد للإسلام والمكر بالمسلمين، بأسلوبه العميق الهادئ الأملس المتلوي الذي يحشو زعاف السم في برشامات جميلة المظهر مكتوب عليها: «أهل الله، أهل الرحمة، الشفقة على عباد الله..»، هذا الإصرار بهذا الأسلوب الخبيث يجعلنا نتوجه إلى الله سبحانه بقلوبنا وكل حواسنا سائلين إياه أن يهدي هذه الطائفة الضالة المضلة، أو أن يكبتها فيقف كيدها ومكرها بالإسلام والمسلمين.
- ومن الملاحظات: يتحدث عن أهل الله الذين هم أهل الرحمة... والجواب:
نعم يوجد في بني آدم مَن هم مِن أهل الله ومن أهل الرحمة.. ولكن ما هو برهان هذا الدعي أنهم هم المتصوفة؟ وهل تكفي وسوسات إبليس للبرهنة على ما يدعيه؟!
- ثم هو يهاجم بأسلوب فيه نعومة أولئك الذين يسميهم: «أصحاب سوء الظن بعباد الله..»، والجواب:
إن الذين يحكمون على التصوف بأنه مستنقع الكفر والزندقة والضلال، إنما يعتمدون في ذلك على النصوص المبينة من القرآن والسنة، وعلى مخالفة الصوفية الواضحة وضوح الشمس في رائعة نهار مشرق لهذه النصوص، جملةً وتفصيلاً، وعلى التزام المتصوفة بالكذب الفاجر الذي لا حدود له، عندما يقولون دون خوف من الله تعالى ولا خجل من عباده: إنهم ملتزمون بالقرآن والسنة! بينما هم في الحقيقة ملتزمون بهلوسات الجذبة التي يسمونها الكشف.
فهل المسلمون الذين يبينون للناس هذا المنكر الماحق، هم من أصحاب سوء الظن بعباد الله؟!
إن إحسان الظن واجب عندما يتعلق الأمر بمسائل شخصية بحتة..
أما إن كان يمس دين الإسلام وأمة الإسلام، فإحسان الظن والسكوت هما دخول في لعنة الله: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }.
وواجب المسلم العمل على إزالة المنكر، وواجب أصحاب المنكر أن يسرعوا في ترك المنكر مع التوبة الاستغفار، فإن أصروا على منكرهم وعلى الدعوة إلى منكرهم! فهل يستطيع مسلم يخاف الله ويرجو اليوم الآخر أن يحسن الظن بهم؟!

- ثم يورد المؤلف قول شيخه الأكبر: «إن من فتوة أهل... وظهر ما لهم من الجاه عند الله، خاف منهم من آذاهم...» والجواب:
أ‌- إن تزكية النفس هي من كبائر الإثم: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينً }، { فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }، { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ } .
ب‌- قوله هذا هو، على كل حال، أمر غيبي لا يُعرف إلا بنص من القرآن والسنة، ونصوص القرآن والسنة تحكم عليهم أنهم من أضل عباد الله.

- وهذا نص آخر من نفس الكتاب الذي قد يزيد عدد الأكاذيب فيه عن عدد سطوره، يقول:
وكان الشيخ أبو مدين... إذا قيل له: قال فلان عن فلان عن فلان، يقول: «ما نريد نأكل قديدًا، ائتوني بلحم طري»، وفي رواية: «أطعمونا لحمًا طريًّا، كما قال الله تعالى: { لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّ } ، لا تطعمونا قديدًا».
يعلق المؤلف فيقول: أي لا تنقلوا إلينا إلا ما يُفتح به عليكم في قلوبكم، لا تنقلوا إلينا فتوح غيركم...
- الجواب: نستطيع أن نعرف المغالطة في هذا الأسلوب والمخادعة، إذا عرفنا أنهم يعتقدون أن الوحي الذي كان ينزل على محمد هو فتوح مثل فتوحهم.
- وكل كتبهم هي من مخادعاتهم ومراوغاتهم، وفي مقدمتها: «اللمع» (ولو أنصف لسماه الظلم)، و«إحياء علوم الدين» (ولو صدق لسماه إحياء علوم الكهانة)، و«الرسالة القشيرية» (رسالة الضلال والدجل)، و«الحكم العطائية» (التي هي نقم ضلالية كفرية)، مرورًا بكل كتبهم حتى الوصول إلى الحديث منها، وإلى ما سيؤلف في آتٍ من الزمن.
إن كل كتاب جديد يُؤلف في التصوف، إنما هو أسلوب جديد في المخادعة والمراوغة والدجل يقدمه مؤلفه ليدعم به مسيرة الكهانة في الأمة الإسلامية.

ومثلاً منها: كتاب من كتبهم الحديثة التي يقتنونها بنشاط، نرى عناوين فصوله كما يلي:
- التعريف: نقرؤه فلا نجد فيه شيئًا من التعريف، وإنما نجد جملاً دعائية يزينون بها الصوفية للقارئ ليخدعوه ويضللوه.
- الاشتقاق: نقرؤه فلا نجد فيه أي بحث علمي صحيح عن الاشتقاق إلا جملاً للدعاية للصوفية.
- ثم نقرأ – كما في كل كتبهم – فصولاً عما يسمونه المقامات، مثل التوبة والزهد الورع والتوكل... إلى آخر ما هنالك، وهي كما رأينا، لا علاقة لها بالطريقة ولا بالحقيقة، وإنما هي أساليب دعائية يزينون بها الدعاية للصوفية بأسلوب ماهر ذكي يخدعون به القارئ الذي يجهل ما هي الصوفية.
- ومن أساليبهم الناعمة في المغالطة، إيرادهم قصصًا عن بعض شيوخهم تظهر تمسكهم بالإسلام أو ببعض سننه، وكيف أنهم ينفرون من الإخلال بالآداب الإسلامية، ويجعلون هذا دليلاً على صحة الصوفية.
والجواب: إن التمسك بالتعاليم الإسلامية وسننها وآدابها هو من الإسلام وليس من الإشراق، والتمسك بالإسلام وآدابه لا يجعل الإشراق إحسانًا، ولا الزندقة إيمانًا، وهم عندما مزجوا الإشراق بالإسلام أساءوا إلى الإسلام ولم يغيروا شيئًا في الإشراق.
- ومن أساليبهم الناعمة في المغالطة: ذكرهم لبعض الطرق التي عمل بعض أتباعها أو مشايخها على نشر الإسلام بين عير المسلمين، أو قاتلوا الاستعمار وجاهدوا لإعلاء كلمة الإسلام.
والجواب على هذا مثل الجواب على سابقه، هو أن العمل على نشر الإسلام والجهاد في سبيل الله هو من تعاليم الإسلام ولا علاقة له بالإشراق، ويبقى الإشراق زندقة وكفرًا ولو جاهد أصحابه في سبيل الله، ويبقى مزج الإشراق بالإسلام ضلالاً بعيدًا وإساءة كبرى للإسلام وتدميرًا للعقيدة في نفوس المسلمين، وهل يصبح الزنا (مثلاً) ولاية إذا مزجه مازج بالإسلام؟!

* الوحدة المطلقة:

الوحدة المطلقة هي التصريح بوحدة الوجود بالعبارة المطلقة، أي غير المقيدة بالإشارة والرمز واللغز، وهذا هو الكفر والزندقة عندهم؛ وهم لا يعنون بالكفر والزندقة الخروج من الولاية والصديقية، لا، وإنما يعنون بها أنها كفر وزندقة بالنسبة للشريعة (التي هي الظاهر) لا بالنسبة للحقيقة، إذ هي عندهم، بالنسبة لحقيقتهم، ولاية وصديقية وقرب ومعرفة لكن يجب أن تبقى مكتومة وألا يعبر عنها إلا بالعبارة الصوفية، وهم في واقع الأمر يستعملون عبارة «الوحدة المطلقة» للخداع والتضليل والتهرب من سيف الحلاج.
وقد مر معنا قول قائلهم: إن الجنيد والشبلي أفتيا بزندقة الحلاج وبقتله، وهما يعلمان أنه ولي الله حقًّا، كما رأينا قول عارفهم الغوث: «وبويعت في الحضرة على التباعد عن أناس ابتُلوا بالانتقاد والاعتراض على أولياء الله تعالى، وذلك فيما يقبل التأويل»‍ وهو يعني بهذا أن العبارة الصوفية يجب أن تكون قابلة للتأويل ليمكن بذلك خداع المسلمين! أما إن لم تكن قابلة للتأويل فالذنب ذنب الصوفي عندئذ؛ لأنه سيكون من أهل الوحدة المطلقة، الذين لا يُقيدون عبارتهم بالإشارة والرمز واللغز التي تجعل التأويل ممكنًا، والتي هي مجن الطريقة البرهانية الغزالية التي تترست به، استطاعت أن تخدع المسلمين وعلماء المسلمين طيلة تسعة قرون أو تزيد، واستطاعت بذلك أن تصل إلى غاية إبليس من ورائها بتحريف العقيدة الإسلامية في النفوس، ودفعها إلى التخبط في ظلمات بعضها فوق بعض، وإيصال المجتمعات الإسلامية إلى ما هي عليه من فساد وضياع.
ومثال ممن يقولون عنهم إنهم من أهل الوحدة المطلقة «ابن سبعين» لمثل قوله:
كم ذا تموه بالشعبين والعلـــم *** والأمر أوضح من نار على علم
فهو يطلب ترك التمويه بالإشارة والرمز (كم ذا تموه بالشعبين والعلم)، ويدعو إلى الصدع بحقيقتهم التي هي في نظره أوضح من نار على علم، وقولهم عنه إنه من أهل الوحدة المطلقة لا يعني مطلقًا أنهم لا يعتقدون بولايته العظمى وقطبيته، هذا إن لم يكونوا يعتقدون بغوثيته.
ومثله عمر بن الفارض، لمثل قوله:
وصرح بإطلاق الجمال ولا تقـل *** بتقييده ميلاً لزخـرف زينــة
وكلنا يعلم أن عمر بن الفارض عندهم هو سلطان العاشقين، حتى قال فيه شاعرهم:
لم يبق صيب مزنة إلا وقــــد *** وجبت عليه زيـارة ابن الفارض
ومن المشيخات الصوفية التي يجعلونها من أهل الوحدة المطلقة «الطريقة السبعينية»؛ لأن ذكرهم كان: «ليس إلا الله» بدلاً من: «لا إله إلا الله»؛ لأن عبارة: «ليس إلا الله» تصرح بوحدة الوجود، ولا تقيدها بالإشارة والرمز واللغز.
وأُعيد القول: إنهم يعنون بعبارة «الوحدة المطلقة» أي الوحدة غير المقيدة بالإشارة والرمز واللغز.

( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 713 – 731 بتصرف يسير ) .


المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 09:08 PM

الشبهة (11):عن المولد النبوي وتسويغهم له




يتعلق من يقيم بدعة المولد بشبهات منها :
1- دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم .
والجواب عن ذلك أن نقول : إنما تعظيمه صلى الله عليه وسلم بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه ومحبته صلى الله عليه وسلم ، و ليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي ، والاحتفال بذكرى المولد من هذا القبيل المذموم. وأشد الناس تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ومع هذا التعظيم ما جعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً ، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه.
2 ـ يقولون : إن في إقامة المولد إحياء لذكر النبي صلى الله عليه وسلم .
والجواب عن ذلك أن نقول : إحياء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يكون بما شرعه الله من في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وقراءة سنته واتباع ما جاء به ؛ وهذا شيء مستمر يتكرر في اليوم والليلة دائماً ، لا في السنة مرة .
3 ـ قولهم : إن إقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة ؛ لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم !
ويجاب عن ذلك بأن يقال : ليس في البدع شيء حسن ؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ، ويقال أيضاً : لماذا تأخر القيام بهذا الشكر ـ على زعمكم ـ إلى آخر القرن السادس ، فلم يقم به أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين ، وهم أشد محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر ؛ فهل كان من أحدث بدعة المولد أهدى منهم وأعظم شكراً لله - عز وجل - ؟ حاشا وكلاَّ .
4 ـ قد يقولون : إن الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم ينبئ عن محبته ؛ فهو مظهر من مظاهرها وإظهار محبته صلى الله عليه وسلم مشروع !
والجواب أن نقول : لا شك أن محبته صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مسلم أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين ـ بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس معنى ذلك أن نبتدع في ذلك شيئاً لم يشرعه لنا ، بل محبته تقتضي طاعته واتباعه و إحياء سنته والعض عليها بالنواجذ ومجانبة ما خالفها من الأقوال والأفعال ، ولا شك أن كل ما خالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة ، ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع . وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين ؛ فإن الدين مبني على أصلين : الإخلاص ، والمتابعة ، قال تعالى : ( بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ( البقرة : 112 ) ، فإسلام الوجه هو الإخلاص لله ، والإحسان هو المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم وإصابة السنة .
( ما سبق من كلام الشيخ صالح بن فوزان الفوزان )

-------------------
قال الدكتور لطف الله خوجه : ( ما من صاحب دعوة إلا ويحرص على تأييد دعوته بما يقدر عليه من جمل وألفاظ ودلائل، حتى يضمن قبولها ورواجها.. ولا نجد في أصحاب الدعوات من يحرص على صدق جمله وصحة دلائله، إلا إن كان يدعو إلى اتباع السنة وتقليد السلف، فهو الوحيد الذي يحرص على الصدق والصحة في كل ما يتلفظ به، يحرص أن يكون كما هو ظاهرا وباطنا..
بخلاف أهل الأهواء والبدع وأهل الفساد والتخريب، فإنهم:
يرفعون شعار الإسلام وهم يهدمونه..
ويرفعون شعار السنة وهم يخالفونها..
ويدعون اتباع السلف وليس كذلك..
وفي سبيل تدعيم مذاهبهم الباطلة الزائغة يوردون الكلام الكثير والأدلة المتنوعة، التي لا تصحح مذهبهم ولا تعطيه الشرعية..
يوردونها وهم يعلمون أنها ليست صحيحة، يوردونها لعلمهم بوجود طائفة كبيرة من الناس لا تفقه في الدين شيئا، وليس لديها العقل والفهم الصحيح للأمور، بل يغرها كثرة الكلام ومجرد تسويد الصحائف بالأحرف والجمل، فتظن بصاحبها الفهم وامتلاك الحجة الصحيحة..
فهذه الطائفة هي البيئة الخصبة لرواج ترهات وخزعبلات أهل البدع والأهواء، الذين يكرسون جهدهم في الرد والمناظرة والتأليف، بأي كلام كان، مع تتبع الشبه والسقطات من هنا وهناك من أجل التغرير بهؤلاء العامة وخداعهم، ونشر مذهبهم بينهم، فهم يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق..
وقد نجحوا في ذلك، وأضلوا أناسا كثيرين، ولبسوا على آخرين، ومن هنا فمن المستحسن على كل مسلم أن يتفقه في دينه، حتى لا يكون عرضة للضلال والانحراف عن دينه على أيدي أهل الأهواء والبدع..
وفي بدعة المولد مثال على ذلك، حيث نجد من الداعين إليه من يخلط في كلامه، ويتلاعب بالحقائق، ويتغابى عن الواضحات، ويجادل بالباطل.. فيورد لأجل نشر بدعة المولد في المسلمين أدلة غير صحيحة، من ذلك:

أولا: قولهم أن المولد بدعة حسنة.
يقسم بعض العلماء كالعز بن عبد السلام البدعة إلى خمسة أقسام: واجبة، مندوبة، محرمة، مكروهة، مباحة، كمثل الأحكام التكليفية الخمسة، ويعتمدون في هذا على قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد: "نعم البدعة هذه"...
وهناك قول آخر: أن كل بدعة ضلالة، وليس في الدين ثمة بدعة حسنة، ودليلهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).
فنحن هنا بين أمرين:
إما أن نتبع قول النبي صلى الله عليه وسلم أو نتبع قول الصحابي...
والذي لا ريب فيه ولا يختلف فيه اثنان، أنه إذا عارض قول الصحابي قول النبي صلى الله عليه وسلم فالواجب الأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم..
وهنا إذا افترضنا أن عمر خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم، فالواجب الأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي يصف البدعة بأنها ضلالة، وقوله: "كل بدعة" نكرة في سياق العموم، يعم كل شيء، فكل محدثة في الدين فهي بدعة..
هذا وجه..
وجه آخر، عمر رضي الله عنه في الحقيقة لم يبتدع شيئا في الدين، بل صلاة التراويح مشروعة، وقد صلاها النبي صلى الله وسلم وأم فيها الناس ثلاث ليال، ثم ترك ذلك خشية أن تفرض، فلما مات وانقطع الوحي سنها عمر وأحياها، فهو في ذلك لم يأت بجديد، بل فعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فأين البدعة هنا؟..
أما الجواب عن قوله: " نعم البدعة هذه".. فلها تخريجات عدة:
منها: أنه قصد البدعة اللغوية، أي أنها بدعة باعتبار إحيائها وإعادة العمل بها بعد أن توقف.
ومنها: أن هذا منه على سبيل الرد والمناظرة، ومعناه: إذا كان هذا الفعل بدعة، فنعم البدعة هذه، كأنه كان جوابا على معترض، وهذا مثل قوله تعالى: { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}.
ذلك من حيث قول عمر رضي الله عنه، أما من حيث الاحتجاج به على صحة المولد فيقال:
لا نسلم أن المولد بدعة حسنة، فكل بدعة ضلالة، بنص الحديث، وهو عام في كل محدث في الدين، والمولد محدث في الدين، ثم إن عمر رضي الله عنه الذي يحتج هؤلاء بقوله: "نعم البدعة هذه"، على وجود البدعة الحسنة، لم يحتفل بالمولد أبدا، فكيف يحتجون بقوله في البدعة الحسنة، ولا يحتجون بتركه للمولد؟..
وكيف يحتجون بفعله للتراويح الذي له أصل في السنة، على فعل المولد الذي ليس له أصل في السنة؟..

عبده فايز الزبيدي 08-05-2014 09:09 PM

ثانيا:
قولهم: لو كان المولد بدعة لكونه لم يكن في عهد النبي لكان كل شيء بدعة..

المجيزون للمولد يحتجون في بعض الأحيان بأدلة ليست بشيء..
فمثلا يقولون: إذا قلتم المولد بدعة لأنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يعني أن الفرش وإنارة المساجد بدعة، وكذا استخدام كل جديد..
فيقال لهؤلاء: هذا هو السبب في وقوعكم في مثل هذه البدعة، قلة العلم والتفقه في الدين، وعدم التفريق بين المتمايزات بسبب ذلك، فكل من له أدنى فهم في الكتاب والسنة يعرف الفرق بين الشيء المحدث في الدين الذي هو البدعة، وبين الشيء المحدث في الدنيا..
فالمولد من المحدثات في الدين ذاته، فهو عبادة يقصد صاحبها التقرب بها إلى الله تعالى بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم في يوم يعتقد أنه ولد فيه..
أما الفرش والإنارة ونحوها فهذه ليست من المحدثات في الدين، بل هي من المحدثات في الدنيا، فهي أمور دنيوية محضة، ويمكن تسخيرها في خدمة الدين، كأي شيء آخر، فإذن لا علاقة لها بالموضوع من وجه.. والبدعة تنقسم إلى لغوية وشرعية:
فاللغوية: هو الشيء الذي لم يسبق، قال تعالى: { بديع السموات والأرض}، أي مخترعهما على غير مثال سابق.
والشرعية: هو كل أمر محدث في الدين يضاهي الشرعية، يقصد فاعله التقرب إلى الله تعالى.

ثالثا:
زعموا أن سبب ترك الصحابة للمولد كون النبي صلى الله عليه وسلم حيا في ضمائرهم.

هذا جواب ليس بسديد..
فإن الصحابة كانوا أسبق إلى الخير في كل شيء، ولم يكونوا يتوقفون عن خير أبدا، فلو كان المولد خيرا لفعلوه ولو مرة واحدة، لكنهم ما فعلوه، لعلمهم أن ذلك من الإحداث في الدين..
ثم لو سلمنا لهم جدلا ما قالوه، أفليس غير الصحابة بحاجة إلى التذكير؟..
وقد علمنا أن زمن الصحابة استغرق القرن الأول بكامله، وقد حدث في هذا العهد تغير كبير، وتحول خطير في حياة المسلمين، دخل كثير من الناس في دين الله أفواجا، فتعسر توجيه وتربية كل هذه الأفواج، وبعد الكثير عن دين الله، حتى عمت الشهوات وكثرت الحروب لأجل الدنيا والتنازع فيها، كل ذلك ألم يكن داعيا وحاملا للصحابة أن يخترعوا المولد، لا من أجل أنفسهم، بل من أجل الناس الذين معهم وانعدم ذكر النبي صلى الله عليه سلم من ضمائرهم، فما عادوا يذكرون إلا دنياهم؟..
لقد بلغ من سخط الصحابة على الناس ما لم يسعهم السكوت معه، روى البخاري في صحيحه عن أم الدرداء قالت: " دخل علي أبو الدرداء مغضبا فقلت له: ما لك؟، قال: والله ما أعرف فيهم شيئا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم يصلون جميعا"..
وقال الحسن البصري: سأل رجل أبا الدرداء فقال: رحمك الله، لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، هل كان ينكر شيئا مما نحن عليه؟، فغضب منه، واشتد غضبه، وقال: وهل كان يعرف شيئا مما أنتم عليه؟.
وروى البخاري عن الزهري قال: "دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟، فقال: ما أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت".
وآثارهم في هذا المعنى متعددة، فالناس في زمن الصحابة كانوا بحاجة إلى التذكير، فلو كان التعليل في عدم فعل الصحابة للمولد أنهم ليسوا محتاجين إلى ذلك، فإن غيرهم ممن كان في عهدهم كانوا بحاجة، والصحابة مدركون لذلك، ومع ذلك لم يفعلوه..
ثم ما زال الناس في رقة من الدين قرنا بعد قرنا، والسلف يعاينون أحوال الناس ومع ذلك لم يخطر ببال أحدهم الاحتفال بالمولد تذكيرا وإحياء لسيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، حتى انقضى عهد السلف والقرون الثلاثة الأولى، وما أحدث المولد إلا في منتصف القرن الرابع..
ثم إن قولهم ذلك يفتح الباب لكل بدعة ويصبغها بالمشروعية، إذ يمكن لكل صاحب بدعة أن يحتج لبدعته - إذا قيل إن الصحابة لم يفعلوه - بأن الصحابة لم يكونوا بحاجة إلى ذلك لكمال إيمانهم، وأن الناس بحاجة إلى ذلك اليوم..
يمكنهم أن يقولوا ذلك في بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج والنصف من شعبان وشهر رجب وغير ذلك.
خلاصة القول: أن ما ذكروه ليس بحجة لا من حيث الشرع، ولا من حيث المنطق والعقل، ولا من حيث الواقع..
ثم التذكير بالنبي صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره في ضمائر الناس له طرق كثيرة وليس محصورا في الموالد.

رابعا:
قولهم أن الترك لا يقتضي التحريم.
هذه الحجة يدندن حولها كثير من المبتدعة، ويتخذونها غرضا لتثبيت بدعهم، فكلما قيل لهم: إنه النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، والصحابة من بعده، قالوا لك:
الترك لا يقتضي التحريم..
وينسبون مثل هذا الكلام إلى الأصوليين، بل ويبالغ بعضهم ويغلو عندما يزعم أنه إجماع..
ويقال في رد هذه الشبهة: نعم، الأصوليون لم يجعلوا الترك من أنواع التحريم، فالتحريم يكون بالنص ونحوه مما يدل على التحريم، لكن ههنا فرق لابد من التنبه له، هو سبب هذا الإشكال:
كلام الأصوليين إنما هو في العادات لا في العبادات..
فالأصل في العادات الإباحة، في الترك في باب العادات لا يدل على التحريم، فمثلا النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل الضب هل هذا يدل على تحريمه؟.. لا، لأن الترك لا يدل على التحريم، هذا في باب العادات، والنبي صلى الله عليه وسلم لم لم يأكل لحم الغزال؟.. لكن تركه لا يدل على التحريم، وهكذا كل شيء من المنافع الدنيوية الأصل فيها الإباحة، إلا إذا ورد ما يمنع، وهذا من التوسيع والرحمة.
وأما العبادات الأصل فيها التحريم إلا إذا ورد الإذن، وعلى ذلك فما تركه الشارع فهو محرم، إذ لو كان مشروعا لفعل، فالترك دل على عدم المشروعية، فكل ما نوقعه من عبادات، من صلاة وصيام وحج وزكاة كلها لم يكن لنا القيام بها لولا إذن الشارع، وهذا هو مقتضى التسليم وعدم التقدم بين يدي الله ورسوله..
ولو كان لكل إنسان الحق أن يخترع عبادة كيفما شاء، لم يكن من داع لإرسال الرسول لتبليغ رسالة الرب إلى الخلق، بل يترك لكل قوم وكل إنسان أن يخترع ما شاء من العبادات، وهذا باطل.
والدليل على أن الأصل في العبادات المنع قوله عليه السلام: ( وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة). وعلى ذلك فالمولد هل من باب العبادات أو من باب العادات؟..
لننظر فيما يكون في المولد، إنه اجتماع لتلاوة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع إنشاد المدائح النبوية بأصوات ملحنة، ثم تقام الولائم لأجل ذلك، وهم يفعلون ذلك في كل عام مرة على الأقل في تاريخ محدد..
وهذا بلا ريب عبادة محضة، والأدلة على ذلك:
أولا: من حيث إنهم يتخذون ذلك اليوم عيدا، والعيد هو ما يعتاد مجيئه في كل زمن، فالجمعة عيد، لأنه كل أسبوع، والفطر والأضحى عيد، لأنه كل عام، وعلى ذلك فقس المولد، فهو يحتفل به كل عام، وهذا تشريع، واتخاذ ليوم لم يأذن به الشارع أن يكون عيدا، ونحن نعلم أن المسلمين ليس لهم إلا عيدين يحتفلون فيهما، الفطر والأضحى، ولا يجوز لهم أن يتخذوا عيدا ثالثا ورابعا، والحاصل في المولد أنه صار عيدا يحتفل به، أي صار عيدا ثالثا في الإسلام، وهذه هي الضلالة.
ثانيا: أن الموالد ذكر، والذكر عبادة.
ثالثا: أن أهل الموالد يقصدون التقرب إلى الله تعالى بما يفعلون، والتقرب عبادة.
إذن الموالد عبادة وليست عادة، فتدخل في باب: الأصل في العبادات المنع إلا بنص، ولا تدخل في باب: الأصل في العادات الإباحة إلا بنص..
ومن ثم لا يجوز الاحتجاج بقاعدة: " الترك لا يقتضي التحريم".. إذ هذه القاعدة يعمل بها في العادات لا في العبادات.
إن دعوى أن "الترك لا يقتضي التحريم".. هكذا بإطلاق يصادم النص النبوي: (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة)..
فهذا النص لا معنى له إذا عمل بتلك الدعوى على إطلاقها دون تفصيل، فإن المحدثات هي التي لم تكن في عهد النبوة من العبادات، تركت فلم تفعل، والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر منها، ويطلق وصف البدعة، وهؤلاء يقولون:
الترك لا يقتضي التحريم، وأنه يمكن لنا أن نفعل عبادة لم تكن في عهد النبوة..
فكيف نجمع بين القولين؟…
لا شك أنهما لا يجتمعان، فإما أن نأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم أو قولهم.. ولا ريب أننا ملزمون بقول النبي صلى الله عليه وسلم لا بقولهم.

خامسا:
زعموا أن الموالد مثل المحاضرات والدروس والعلمية.

يجاب عن هذا بالاعتراض، فليست الموالد كالمحاضرات والدروس العلمية..
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه، ويقرر لهم الدروس والخطب، وخصص يوما للنساء يعلمهن فيه، فإذن الدروس والخطب والمحاضرات مشروعة، شرعها النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وأمره: ( بلغوا عني ولو آية)..
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع الناس ليخطب فيهم نادى بهم ليجتمعوا، فيجتمعوا، فيلقي عليهم ما أراد تعليمهم، والإعلان عن الدروس والمحاضرات هو من هذا النوع الذي كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم مثلا بمثل، سواء بسواء..

فأين هذا من المولد؟..
هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بين جواز جمع الناس لتعليمهم أمور دينهم، إذ لا يمكن تعليم الناس إلا بهذه الطريقة، أو قل هو طريق عظيم لتعليم الناس، لكنه ما بين للناس جواز أن يجتمعوا لأجل المولد، الذي في الحقيقة ليس فيه تعليم بشيء، إلا شيئا واحدا هو ذكر أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يصل الأمر إلى الغلو والمنكر..
وهذه الموالد حتى في حال خلوها من الغلو والمنكرات ليس فيها تعليم ولا تفقيه..
والدليل أنك تجد جل الذين يؤمون الموالد لا يفقهون في دين الله شيئا، وذلك أنهم لا يجدون في الموالد شيئا من العلم والفقه إلا المدائح النبوية الغالية والرد على الخصوم في جواز الاحتفال بالمولد...
أما قضايا الفقه والعقيدة وأحوال المسلمين فلا تجد منها شيئا، فكيف يكون طريقا للعلم؟، وكيف يصح تشبيه الموالد بالمحاضرات والدروس العلمية؟..
إن الذي يتابع ويحضر الدروس العلمية والمحاضرات تجده بعد مدة متفقها واعيا، مستدلا على طريق السنة، عارفا بحقيقة أحوال المسلمين، بخلاف الذي يؤم الموالد، لا تجد عنده شيء من ذلك، وهذا مما يؤكد الفرق بين الأمرين.
تلك أبرز شبه القوم، وقد علمنا بطلانها، وتبين لنا كيف أن القوم يحتجون بأي شيء، ولو كان مخالفا للدليل الصريح والعقل الصحيح، وكثير منهم يجادلون بالباطل، ويتبعون أهواءهم، ويكلمون بكلام كثير لا يقصد منه الوصول إلى الحق، بل تغرير عموم القارئين والمستمعين الذين يتابعون ما يدور من كلام.
وأخيرا.. فلا نجد المحتفلين بالمولد مقتدين بسلف الأمة، إنما هم مقتدون بالنصارى، حيث إن النصارى يحتلفون بعيد ميلاد المسيح، وهذا من جملة تحريفهم وابتداعهم في الدين النصراني، وهؤلاء يفعلون كما يفعلون، فقد تركوا التشبه بأهل الإيمان وصاروا متشبهين بأهل الكفر والتحريف.. ) .

المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/

د محمد رأفت عثمان 08-06-2014 09:51 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبده فايز الزبيدي (المشاركة 179691)
لشبهة(2) : شبهة الرياضة ( المجاهدة ) وما فيها من جوع وصمت وخلوة ..الخ


[/COLOR][/SIZE]1- الخلوة:
ليست من العبادات الإسلامية، ولا خلوة في الإسلام، وهي بدعة محدثة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد أصحابه وتابعيهم وتابعي تابعيهم.

إنها بدعة محدثة في الإسلام، أما في الأمم الأخرى فهي قديمة قِدم الكهانة.

2- الصمت:
وهو مناقض للعبادة في الإسلام، إذ العبادة هي أقوال وأعمال معينة، علَّمها الرسول للمسلمين ليتبعوها ولا يتبعوا غيرها، (وإلا فما هي الفائدة من رسالته؟).

ولا يوجد أي نص يجعل الصمت من العبادة الإسلامية، فهو بدعة.

وهو موجود في كل الأمم التي بُنيت عقائدها على الكشف والإشراق.



· ملاحظة هـامة:

من أساليب القوم في المغالطة والمخادعة، قولهم: إنهم يتأسون، في الخلوة وتوابعها، بمحمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان قبل الرسالة يختلي أيامًا كثيرة في غار حراء.

هذه المغالطة، مثل غيرها، فيها جهل غبي، أو تجاهل ماكر؛ لأن الآية الكريمة تقول: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.. }.

ولم يصبح محمد «رسولَ الله» إلا بعد أن نزل عليه الوحي بالرسالة، أما قبلها فقد كان إنسانًا كبقية الناس على الإطلاق، لا يمتاز عنهم إلا بأخلاقه الكريمة، يقول سبحانه: { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ }، وهذه الآية واضحة كل الوضوح، لا لبس فيها ولا غموض، بأن الفرق بينه صلى الله عليه وسلم وبين بقية البشر، هو الوحي.

ويقول سبحانه: { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُول }، ويقول: { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ.. }، ويقول صلى الله عليه وسلم : «أنا فيما لم يوحَ إليَّ كأحدكم».

ونعود إلى آية التأسي، إنها تأمرنا أن تكون أسوتنا برسول الله (الذي ينزل عليه الوحي)، وذلك لأن (رسول الله) معصوم بالوحي، أما قبل الرسالة فلم يكن معصومًا، لأنه لم يكن يُوحى إليه صلى الله عليه وسلم .

وفي واقع الأمر، إصرارهم على القول بالتأسي بمحمد قبل الرسالة، منبثق عن:

1-
أخيرًا..

المجاهدة، أو الرياضة، بكل عناصرها، ليست من الإسلام، ولا من عقيدة الإسلام، ولا من عبادات الإسلام، ولا من سنن الإسلام، ولا من مستحبات الإسلام، ولا من فضائل الإسلام، ولا من ممارسات الإسلام، ولا من عادات الإسلام، ولا من الأعمال المأجورة في الإسلام، ولا من الأعمال المشكورة في الإسلام.

إنما هي طقوس كهانية، مارستها وتمارسها الأمم الوثنية، تقود إلى الجذبة، لا إلى رضى الله تعالى.

( المرجع : الكشف عن حقيقة التصوف ، للأستاذ عبدالرؤوف القاسم ، ص 613 – 617 بتصرف يسير ) .

المصدر : موقع الكاشف
http://www.alkashf.net/

أ. عبده : أحببت لفت انتباهك لهذه الأشياء :

- من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ ، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يُؤذِ جارَه ، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليُكرِمْ ضيفَه
الراوي: أبو هريرة - المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6475 - خلاصة حكم المحدث: [صحيح] - المرجع : الدرر السنية



- موسوعة النابلسي :
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.p...=765&sssid=766

- (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ: رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خالياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )) - المرجع : موسوعة النابلسي
- ولكنّ الخلوة من صلب الدين، يعرّفها بعضهم بأنها نوع من الاعتكاف، والنبي عليه الصلاة والسلام فعل أشياء كثيرة وتركها، لماذا تركها ؟ لئلا تكون فرضاً على المسلمين، ولكن الاعتكاف ما تركه إطلاقاً، الاعتكاف أن تنسحب من الحياة مؤقتاً، تتأمل، تذكر الله، تفحص أعمالك، تفحص نواياك، تقرأ القرآن، تستغفر، تذكر اسم الله الأعظم، تناجي الله عز وجل، هذا هو الاعتكاف، يعني أن تخلو مع ربك
- ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8)﴾ ( سورة المزمل )
التبتل: الانقطاع لله عز وجل

- و يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : وإن حبسوني فحبسي خلوة (الموسوعة الشاملة لأبي أسحاق الحويني)
- أفضلُ المؤمنينَ إسلامًا منْ سَلِمَ المسلمونَ منْ لسانِه ويدِهِ، وأفضلُ المؤمنينِ إيمانًا أحسنُهم خلقًا ؛ وأفضلُ المهاجرينَ منْ هجَرَ ما نَهى اللهُ تعالى عنهُ، وأفضلُ الجهادِ منْ جاهدَ نفسَهُ في ذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ
الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 1292 - خلاصة حكم المحدث: صحيح - المرجع : الدرر السنية .

عبده فايز الزبيدي 08-18-2014 03:15 PM

د. محمد
كونك متعاطفا مع هذا أو ذاك لا يمنع من سؤالك :
هل تراني جئت بكلام من عندي ؟
و إذا كان عندك مداخلة أو تعليق فأهلا و سهلا بك و برأيك فإن هديت لعلم شرعي قبلنا منك شاكرين ،و أن ذكرت لنا رأيا مستقيما مع الكتاب و السنة أيدناك عليه راضين ، و أرجو منك أن نبتعد عن ما يخرج عن أصول البحث المتعارف عليه . محبكم

عبده فايز الزبيدي 08-19-2014 12:34 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د محمد رأفت عثمان (المشاركة 179746)
أ. عبده : أحببت لفت انتباهك لهذه الأشياء :

- من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقُلْ خيرًا أو ليصمُتْ ، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يُؤذِ جارَه ، ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليُكرِمْ ضيفَه
الراوي: أبو هريرة - المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6475 - خلاصة حكم المحدث: [صحيح] - المرجع : الدرر السنية



- موسوعة النابلسي :
http://www.nabulsi.com/blue/ar/art.p...=765&sssid=766

- (( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ: رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خالياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )) - المرجع : موسوعة النابلسي
- ولكنّ الخلوة من صلب الدين، يعرّفها بعضهم بأنها نوع من الاعتكاف، والنبي عليه الصلاة والسلام فعل أشياء كثيرة وتركها، لماذا تركها ؟ لئلا تكون فرضاً على المسلمين، ولكن الاعتكاف ما تركه إطلاقاً، الاعتكاف أن تنسحب من الحياة مؤقتاً، تتأمل، تذكر الله، تفحص أعمالك، تفحص نواياك، تقرأ القرآن، تستغفر، تذكر اسم الله الأعظم، تناجي الله عز وجل، هذا هو الاعتكاف، يعني أن تخلو مع ربك
- ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8)﴾ ( سورة المزمل )
التبتل: الانقطاع لله عز وجل

- و يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : وإن حبسوني فحبسي خلوة (الموسوعة الشاملة لأبي أسحاق الحويني)
- أفضلُ المؤمنينَ إسلامًا منْ سَلِمَ المسلمونَ منْ لسانِه ويدِهِ، وأفضلُ المؤمنينِ إيمانًا أحسنُهم خلقًا ؛ وأفضلُ المهاجرينَ منْ هجَرَ ما نَهى اللهُ تعالى عنهُ، وأفضلُ الجهادِ منْ جاهدَ نفسَهُ في ذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ
الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث: السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 1292 - خلاصة حكم المحدث: صحيح - المرجع : الدرر السنية .

د.محمد
أوردت في المشاركة رقم ( 103) عدة أمور سأجيب عنها تباعا بحول الله تعالى:
أولاُ : ذكرتني و من يمر هنا بكلام طيب و هو عدم تناول أحوال الناس وهو حق ولكن العبرة بوضعه في موضعه،فتحذير الناس من أهل البدع و تجلية حال المبتدعة واجب شرعا و من هذا الباب :
( قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى (28\231 – 233) في ضمن جواب له عن الغيبة : " و اذا كان النصح واجبا في المصالح الدينية الخاصة و العامة مثل نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد : سألت مالكا و الثوري و الليث بن سعد – أظنه – و الأوزاعي عن الرجل يتهم في الحديث أو لا يحفظ ؟ فقالوا : بين أمره . و قال بعضهم لأحمد بن حنبل : انه يثقل علي أن أقول فلان كذا و فلان كذا . فقال :
إذا سكتَ أنت و سكتُ أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم ؟ ! .
و مثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب و السنة أو العبادات المخالفة للكتاب و السنة
فان بيان حالهم و تحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم و يصلي و يعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال : اذا قام و اعتكف فانما هو لنفسه و اذا تكلم في أهل البدع فانما هو للمسلمين هذا أفضل . فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله اذ تطهير سبيل الله و دينه و منهاجه و شرعته و دفع بغي هؤلاء و عدوانهم على ذلك واجب باتفاق المسلمين ...)


قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى-وهو يتكلم عن(الاتحادية) (ويدخل في كلامه أيضًا أهل البدع كلهم):
((ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أوذبَّ عنهم، أوأثنى عليهم، أوعظَّم كتبهم، أو عُرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أوكره الكلام فيهم، أوأخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يُدرى ما هو، أومَنْ قال أنه صنف هذا الكتاب ؟وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلاجاهلاومنافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات، لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون فى الأرض فسادًا ويصدون عن سبيل الله، فضررهم فى الدين أعظم من ضرر من يفسد على المسلمين دنياهم ويترك دينهم كقطاع الطريق،وكالتتار الذين يأخذون منهم الأموال ويبقون لهم دينهم ...)) اهـ
(مجموع الفتاوى-2/132-)

فإذا لا محابة لمبتدع شذ عن منهج القرآن و السنة و لا لمن يدافع عنهم .

ثانيا: رأيتك تستشهد بكلام محمد راتب النابلسي ، فمن هو النابلسي؟
ورد في سيرته أنه أديب و لا علاقة له بتخصصات الشرعية الإسلامية، وهو أشعري المعتقد صوفي الطريقة.
و ليتك حين نقلت عنه من موقع موسوعته نقلت الديباجة التي يؤمن بها و هي قوله:
(
التربية الإسلامية - موضوعات مختلفة - الدرس ( 094) :قواعد السلوك إلى الله1 - الخلوة - وهي إحدى طرق الوصول لله تعالى.لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1997-11-09
http://www.nabulsi.com/blue/ar/images/art/line.jpg
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون:
موضوع الدرس اليوم ينضوي تحت ما يسمى طريق الوصول إلى الله، أن تعرف أحكام الشريعة شيء وأن تصل إلى الله شيء آخر، أن تستمتع بأفكار الدين شيء وأن تكون بمعيّة الله شيء آخر، أن تضع على الطاولة خرائط بيت جميل جداً ؛ خارطة للأساسات وخارطة لأول طابق وثاني طابق والأبهاء والمداخل والمخارج شيء، وأن تسكن هذا البيت شيء آخر، الخرائط شيء والبيت شيء آخر،...)

فلنابلسي_ يا د. محمد !_ يقول :
[OVERLINE]إن الوصول إلى الله شيء[/OVERLINE] و الشريعة شيء آخر، و هذا هو من منطق المتصوفة الوجودية الذين يقولون ان الشريعة للعوام و الحقيقة للخواص أي السائرين و السلكين _ بحسب تعبيرهم _ و هي الصول لله شيء آخر فمن أول جملة تستبين منهج الرجل من منطقه.


عبده فايز الزبيدي 08-19-2014 01:15 AM

ثالثا: مسألة الخلوة الصوفية:
كل أهل فن يستعذبون قولة:
( لا مشاحة في الاصطلاح)
و توافق الألفاظ لا يعني تطابق المعاني بالضرورة،
فقول الإمام أحمد بن تيمية ( أنا حبسي خلوة) فيه ما يرد على ما ذهب إليه، و يا ليتك أخي الحبيب تمعنت الكلام
فالإمام أحمد بن تيمية يقول: ( حبسي) (خلوة) فخلوته _ هنا_ قسيرة لا اختيارية أي أنها جاءت غصبا عنه لا باختياره، و مع هذا كان يكتب الكتب و يؤلف التصانيف و يجيب السائلين من قعر حبسه.
و أما استشهاد راتب النابلسي بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ: رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خالياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ))
فهذا رجل ذكر الله خلوا من أعين الرقباء فبكى من خشية الله ، فهل هذه الخلوة اليسيرة التي تحدث لكل مسلم ،هي الخلوة الصوفية المعروفة؟
و سأتحدث بالتفصيل عن الخلوة الصوفية من كلام أهل التصوف إن شاء الله!

عبده فايز الزبيدي 08-19-2014 01:53 AM

الخلوة الصوفية:
من أهم ركائز السلوك الصوفي الخلوة و تأني بعد أن يختار السالك الشيخ الذي يسير به و يوصله إلى الله ، فهي الركن الثاني من أركان التصوف.
تعريفها:
يعرفها الدكتور أحمد بن عبدالعزيز القصير في كتابه (عقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية) بقوله:
(
الخلوة عند الصوفية هي انعزال الصوفي عن الناس و جلوسه في مكان معين لترويض نفسه و تفريغ قلبه من الخطرات المانعة من إدراك أسرار الطريق)
و يعرفها الدكتور سفر الحوالي _في موقعه _ بقوله:
( ... الخلوة هي: بعد أن يرتبط بالشيخ يُدخله في خلوة معيَّنةٍ ويُلقِّنُه الأذكار المعينة، وهذه الخلوة ينقطع الواحد منهم فيها عن الجُمَع والجماعات، وعن سائر العبادات، ويردِّد الذِّكر المعيَّن الخاص بالطريقة التي يلقِّنُها إيَّاه الشيخ ويستحضر في قلبه أثناء الذكر، وأثناء تَرداده صورة الشيخ، ويستمر على ذلك حتى يحصل له الفتح!...)
و كعادة الصوفية التلبيس و التدليس على الناس فهم يلبسون بدن الباطل من ثياب الحق و في مسألة الخلوة فهم يقسمون الخلوة إلى خلوتين:
خلوة عامة و خلوة خاصة
فالخلوة العامة:هي لعامة الناس _ كما يزعمون_ و هي لمحاسبة المرء نفسه و الاختلاء بكتاب الله و تلاوته و تدبره و ذكر الله على الصفة التي نجدها في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ليست هي عند المتصوفة بشيء.
الخلوة الخاصة: وهي التي لا تكون إلا بإرشاد شيخ الذي يلقنه الأوراد و يزيل عنه الشكوك و يرفع عنه الحجب و يوصله من المُكَوَّن (أي الخلق) إلى المُكَوِّن( أي الله) تعالى الله عن بهتانهم علوا كبيرا.

و سنعرض هنا تعريفات أرباب التصوف و أولياء الصوفية للخلوة:
جاء في موسوعة الطريقة الكسنزانية ما يلي:



( ....
الخلوة


في اللغة

" خَلْوَةٌ : مكان الانفراد بالنفس يختلي فيه المتصوف للتعبد " .

في الاصطلاح الصوفي

الشيخ الحكيم الترمذي

يقول : " الخلوة : هي انقطاع من الخلق إلى الخالق ، لأن سفر النفس إلى القلب ، ومن القلب إلى الروح ، ومن الروح إلى السر ، ومن السر إلى خالق الكل " .

واضاف الشيخ قائلاً : " ومسافة هذا السفر بعيدة جداً بالنسبة إلى النفس ، وقريبة جداً بالنسبة إلى الله تعالى " .

الشيخ محمد بن عبد الجبار النفري

يقول : " الخلوة : هي مصدر من مصادر العبادات ، ولا تصح إلا بعد وضوح علمها ، وفي وضوح علمها علم موجبها ، وفي علم موجبها علم الاجتماع بها أو الانقسام

وهو مبلغ علمها . فإذا بلغه العارف أسفر له مبلغ العلم عن الحكم به ، فرسخ فيه ودام به . ولا يبدو على علم حكم علم ، حتى ينتهي علمه إلى مبلغ ذلك العلم عن الحكم

ومبلغ العلم هو حقيقته التي لا ينتقل عنها ولا تنتقل عنه "
.

الغوث الأعظم عبد القادر الكيلاني

يقول : " الخلوة : عبارة عن التعري من حيث القلب عن جميع الأشياء ، يتعرى باطنك فيكون متجرداً ، بلا دنيا ، ولا آخرة ، ولا ما سوى الحق ـ عز وجل ـ في الجملة " .

ويقول : " الخلوة : هي المعنى " .

الشيخ الأكبر ابن عربي

يقول : " الخلوة : هي محادثة السر مع الحق حيث لا ملك ولا أحد ، وهناك يكون الصعق " .

الشيخ عبد الحق بن سبعين

يقول : " الخلوة : هي الفرار إلى الله " .

الشيخ ابن عطاء الله السكندري

يقول : " الخلوة : هي على الحقيقة محادثة السر مع الحق بحيث لا يرى غيره .

وأما صورتها : فهو ما يتوصل به إلى هذا المعنى من التبتل إلى الله تعالى ، والانقطاع عن غيره " .

الشيخ علي الخواص

يقول : " الخلوة ... هي حضرة خاصة بالحق تعالى لا تقبل أحدا من الخلق .
فلو أراد الإنسان أن يكون مختليا دائما لكفاه الاشتغال بما شرعه الله تعالى من الطاعات القولية والفعلية " .

الشيخ قطب الدين البكري الدمشقي

الخلوة : هي الذهاب إلى الله ، كما في قوله تعالى : " إِنّي ذاهِبٌ إلى رَبّي سَيَهْدينِ " . وهي المحراب ، كما في قوله تعالى : " كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيّا الْمِحْرابَ " .

وهي الأربعين ليلة لموسى {عليه السلام} ، كما في قوله تعالى : " وَواعَدْنا موسى ثَلاثينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ " .. .

الدكتور علي شلق

يقول : " الخلوة : هي المقر الخاص عند المريد الذي يعتزل فيها أربعين أو أثنين وأربعين يوماً " .

الدكتور أبو الوفا الغنيمي التفتازاني

الخلوة [ عند ابن سبعين ] : هي الانقطاع عن الخلق .

في اصطلاح الكسنزان

الشيخ الغوث عبد القادر المهاجر

يقول : " الخلوة : القلب " .

نقول :

" الخلوة : هي الابتعاد عن البشر ، والانقطاع إلى الله { عز وجل } للإجادة في عبادته والتفكر في آلائه وإحسانه وشكره .

" الخلوة : هي أن يستوحش المؤمن من الناس ويأنس بربه ولا يرى غيره متجرداً عن نفسه ، فيبتعد عن حديث الناس ومشاغل الحياة ومغرياتها ..

فيفرغ قلبه من الهموم وتصفو أفكاره ويجد في مناجاة ربه معلناً له أن قد ترك كل شيء وجاء إليه بقلب سليم من جميع الأدران التي تطغي على قلوب الناس..

فينزل النور على قلبه وتتنور بصيرته حتى تتفجر ينابيع الحكمة في قلبه ويستقر فيه ما شاء الله من علوم الغيب ....)



و كما ترون فالخلوة هنا بمعناها الخاص و هي المحادثة مع الله و معرفة الغيوب لا بمعناها العام و تأمل كلام الخواص:
(
" الخلوة ... هي حضرة خاصة بالحق تعالى لا تقبل أحدا من الخلق .
فلو أراد الإنسان أن يكون مختليا دائما لكفاه الاشتغال بما شرعه الله تعالى من الطاعات القولية والفعلية " .)
فالشريعة التي في القرآن و السنة تكفينا نحن العوام في خلوتنا و أما هم فخلوتهم هي الوصول للحقيقة أي الحضرة الخاصة بالحق تعالى.

أكمل في القريب القادم إن شاء الله تعالى!



عبده فايز الزبيدي 08-21-2014 07:27 AM

أهميتها:
كتب الدكتور/ وليد خالد الربيع في موقع صيد الفوائد:
يقول القشيري في رسالته المشهورة في علم التصوف :
(إن الخلوة صفة أهل الصفوة، والعزلة من أمارات الوصلة، ولابد للمريد في ابتداء حاله من العزلة عن أبناء جنسه، ثم في نهايته من الخلوة لتحقق بأنسه<.

ويقول ابن أبي جمرة:
(الأولى بأهل البادية الخلوة والاعتزال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول أمره يخلو بنفسه).

والخلوة عند الصوفية طريق للتلقي عن الله تعالى وحصول الفتوحات الربانية والفيوض الإلهية، إذ إن الإلهام والكشف عن مصادر التلقي المعتبرة عند الصوفية التي خالفوا فيها منهج أهل السنة والجماعة وأصول الفقه الإسلامي التي تستمد منها الأحكام العقدية والعملية.

جاء في حقائق عن التصوف ص 261 وفي إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ص85:

(قال أبوالحسن الشاذلي: ثمار العزلة الظفر بمواهب المنهج، وهي أربعة: كشف الغطاء!! وتنزل الرحمة، وتحقيق المحبة، ولسان صدق في الكلمة).

وقال زروق في قواعده عن الخلوة ص77: (والقصد بها تطهير القلب من أدناس الملابسة، وإفراد القلب لذكر واحد وحقيقة واحدة ولكنها بلا شيخ مخطرة وله فتوح عظيمة!! وقد لا تصلح لأقوام فليعتبر كل أحد بها حاله).
العدد رقم: 312 التاريخ: 9/27/2004

مدتها:
قسم الصوفية الخلوات عدة أقسام و جعلوا لكل خلوة مدةكما يلي:
(... 1- خلوة الأربعين يوماً التي تقدم ذكرها وشروطها.
2- خلوة فاتحة الكتاب، وكيفيتها أن تصوم أربعين يوماً وتحترز فيها من أكل الحيوان وما يخرج منه، وتقرأ هذا الدعاء.. إلى آخر ما يذكر، وهنا لا أظن أن الأمر يحتاج إلى اجتهاد في استكشاف نزعة التصوف الوثنية.
3- خلوة البسملة ومدتها تسعة عشر يوماً، ومن فاته سر بسم الله الرحمن الرحيم فلا يطمع أن يفتح عليه بشيء.
4- خلوة الفاتحة أيضاً وهي أن يلازم بقراءتها بالخلوة أربعين يوماً.
5- خلوة الياقوتة الفريدة، وخلوتها عشرون يوماً، تتلى كل يوم في الخلوة ألفي مرة.
وقال الفوتي بعد ذكر تلك الخلوات الخرافية: "انتهي ما أردنا ذكره منها، ولكل واحد منها ثمرات لا يمكن حصرها، منعني من ذكر بعضها الخوف من شياطين الطلبة" . ولعله يدرك أن هؤلاء الطلبة ربما لا يزال فيهم وميض من العقل والمعرفة، فأخر الأخبار بكل التفاصيل إلى وقتها.
ولعل الذي شجع الصوفية على هذا الخبط والاضطراب، ما هو مقرر عندهم في القاعدة الآتية: "أصحاب الفتح الأكبر لا يتقيدون بمذهب من مذاهب المجتهدين، بل يدورون مع الحق عند الله تعالى أينما دار" ، ولهذا فكل عمل يعملونه يعتبر من باب التشريع للأمة...)*
_______________
* موقع الدرر السنية http://www.dorar.net/enc/firq/2073

عبده فايز الزبيدي 08-21-2014 07:35 AM

صفة مكانها:
يقول الدكتور / أحمد بن عبدالعزيز القصير في كتابه ( عقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية):
( ... وضع الصوفية مواصفات لمبنى الخلوة ،فاشترطوا أن يكون صغيراً جداً ، و مظلماً ، و بعيداً عن الناس.
قال ابن عربي:
( صفة البيت المخصوص بهذه الخلوة أن يكون ارتفاعه قدر قامتك ، و طوله قدر سجودك ، و عرضه قدر جلستك ، و لا يكون فيه ثقبٌ و لا كوَّة أصلاً ، و لا يدخل عليك ضوءٌ رأساً ، و يكون بعيد عن أصوات الناس ، و يكون بابه قصيراً ،
وثيقاً في غلقه ) ... و قد تكون الخلوة في بيت معد لذلك ، و قد تكون في بيت خرب ،أو مغارة في جبل ، أو مسجد مهجور ،
أو مقبرة دارسة ، أو سرداب تحت الأرض ، أو بئر قديمة ، ...،و إذا تعذر على الصوفي أن يجد خلوة مظلمة يمارس فيها رياضته ، فإن أئمة الصوفية يلزمونه أن يلف على عينيه ما يحجب الضوء عنها .
يقول حجة الصوفية الغزالي * :
( ... و ليس يتم له ذلك [ أي ضبط حواس الصوفي] إلا بالخلوة في بيت مظلم ، و إن لم يكن له مكان مظلم فليفَّ رأسه في جيبه ، أو يتدثر بكساء أو إزار) ....) أ.هـ

_______________
* صاحب كتاب ( إحياء علوم الدين) .

عبده فايز الزبيدي 08-21-2014 07:54 AM

شروطها:ِ
( ... ذكر الفوتي ستة وعشرين شرطاً لصحتها نذكرها باختصار، وللقارئ أن يلاحظ أثناء عرضها مدى تغلغل الأفكار المخالفة للإسلام فيها، من بوذية وهندوسية ونصرانية وغير ذلك:
1- أن يعود نفسه قبل دخولها إذا أراد الشروع، السهر والذكر وخفة الأكل والعزلة.
2- أن يكون دخول الخلوة بحضور الشيخ ومباركته له وللمكان أيضاً.
3- أن يعتقد في نفسه أن دخوله الخلوة إنما هو بقصد أن يستريح الناس من شره.
4- أن يدخلها كما يدخل المسجد مبسملاً متعوذاً بالله تعالى من شر نفسه، مستعيناً مستمداً من أرواح مشايخه بواسطة شيخه المباشر.
5- أن يدخل الشيخ الخلوة ويركع فيها ركعتين قبل دخول المريد ويتوجه إلى الله تعالى في توفيق المريد.
6- أن يعتقد عند دخوله الخلوة أن الله تعالى ليس كمثله شيء، فكل ما يتجلى له في خلوته من الصور، ويقول له: أنا الله، فيقل: سبحان الله! آمنت بالله.
7- ألا يتلهف كثيراً على كثرة ظهور الكرامات.
8- أن يكون غير مستند إلى جدار الخلوة ولا متكئاً على شيء، مطرقاً رأسه تعظيما لله تعالى، مغمضاً عينيه، ملاحظاً قوله تعالى: ((أنا جليس من ذكرني)) http://www.dorar.net/images/tip.gif ، ثم يجعل خيال شيخه بين عينيه، فإنه معه وإن لم يره المريد.
9- أن يشغل قلبه بمعنى الذكر على قدر مقامه، مراعياً معنى الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه.
10- أن يداوم الصوم؛ لأنه يؤثر في تقليل الأجزاء الترابية والمائية فيصفو القلب.
11- أن تكون الخلوة مظلمة لا يدخل فيها شعاع الشمس وضوء النهار، فيسد على نفسه طرق الحواس الظاهرة، وسد طرق الحواس الظاهرة شرط لفتح حواس القلب.
12- دوام الضوء لتلألأ الأنوار فيها بعد ذلك.
13- دوام السكوت إلا عن ذكر الله تعالى إلا عند الضرورة القصوى فيتكلم بحذر شديد أن يزيد.
14- أن تكون الخلوة بعيدة عن حس الكلام وتشويش الناس عليه.
15- كونه إذا خرج للوضوء والصلاة يخرج مطرقاً رأسه إلى الأرض غير ناظر إلى أحد، ويحذر كل الحذر نظر الناس إليه، مغطياً رأسه ورقبته بشيء؛ لأنه ربما يحصل له عرق الذكر فيلحقه الهواء فيضره.
16- أن يحافظ على صلاة الجمعة والجماعة – وإن وجد نفقة فليتخذ له شخصاً يصلى معه في خلوته؛ أي بالإيجار.
وإذا خرج لصلاة الجماعة فليتأخر حتى يكبر الإمام تكبيرة الإحرام فإذا انتهي من الصلاة رجع فوراً إلى خلوته، قال السهروري:"وقد رأينا من يتشوش عقله في خلوته ولعل ذلك لشؤم إصراره على ترك صلاة الجماعة.
17- المحافظة على الأمر الوسط في الطعام لا فوق الشبع ولا الجوع المفرط.
18- ألا ينام إلا إذا غلبه النوم بأن تشوش عليه الذكر.
19- نفي الخواطر عن نفسه خيره كانت أم شريرة.
20- دوام ربط القلب بالشيخ بالاعتقاد والاستمداد على وصف التسليم والمحبة، والاعتقاد التام بأنه لا يصل إليه أي خير إلا من قبل شيخه المباشر، ومتى غاب فكره عن الشيخ فقد خسر الصفقة.
21- ترك الاعتراض عن الشيخ؛ لأنه أعلم بمصالحه وأكبر عقلاً وأعظم؛ لأنه بالغ مبلغ الرجال بخلاف المريد.
22- أنهم في أثناء خلوتهم لا يفتحون أبواب خلوتهم لمجيء الناس وزيارتهم والتبرك بهم، وإياك وتلبيسات النفوس وخداع الشيطان بالإلقاء فيك أن هذا الشخص يهتدي بك وبكلامك وينتفع بملاقاتك في الدين، فإنها من شبكات مكر اللعين.
23- أنه إذا شاهدوا أشياء تقع لهم في اليقظة أو بين النوم واليقظة فلا يستقبحون ذلك ولا يستحسنونه، بل يعرضون ذلك على الشيخ وهو يتصرف بعد ذلك.
24- دوام الذكر والأذكار حسب ترتيب الشيخ لها.
25- الإخلاص وحسم مادة الرياء وطلب السمعة بالكلية.
26- ألا يعين مدة يخرج بعد كمالها، فإن النفس يصير لها بذلك تطلع إلى انقضاء المدة، بل يدخلها وهو يحدث نفسه بأنه قد انتهي من الحياة ودخل القبر.
هذه أهم الشروط التي لفقها علماء التصوف مثل حرازم الفوتي والسهروردي والشيخ نجم الدين البكري وغيرهم من عتاة التصوف.) * أ.هـ

______________
* http://www.dorar.net/enc/firq/2071

عبده فايز الزبيدي 08-21-2014 07:57 AM

و السؤال:
ما هي نتائج الخلوة و ماذا يستفيد الصوفي من قضاء هذه المدة في تلك الظلمات ؟


عبده فايز الزبيدي 08-21-2014 08:25 AM

أهداف الخلوة:

يقول صاحب كتاب عقيدة الصوفية و حدة الوجود الخفية:
(يرى الصوفية أن الجلوس في الخلوة مع الالتزام بشروطها يوصل إلى الفتح ، و يكشف الحقيقة للمريد _ كما يزعمون _ بين العبد و ربه )أ.هـ
جاء في موسوعة الطريقة الكسنزانية :
( ...
يقول الشيخ أحمد زروق :

" الخلوة ، أخص من العزلة ، وهي - بوجهها وصورتها - نوع من الاعتكاف ، ولكن لا في المسجد ، وربما كانت فيه ...

والقصد بها تطهير القلب من أدناس الملابسة ، وإفراد القلب لذكر واحد ، وحقيقة واحدة ولكنها بلا شيخ ، مخطرة . وله فتوح عظيمة ، وقد لا تصح بأقوام " .

ويقول الشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي :

" الخلوة وفائدتها : دفع الشواغل ، وضبط السمع والبصر . وإذا سدت الحواس تتفجر ينابيع الغيب عن حياض الملكوت وتنصب إلى القلب ،فلا بد من الجلوس في مكان مظلم وإلا فليق رأسه في الجيب ، فعند ذلك يسمع نداء الحق ويشاهد جلال حضرة الربوبية " .

ويقول الدكتور إبراهيم بسيوني :

" في القرآن وفي الحديث وفي سيرة النبي ما يمكن أن يغذي الميل إلى الخلوة ...

والواقع أن الخلوة أقرب الرياضات إلى الصوفي وأحبها إليه ؛ لأنها تتيح له مواجهة نفسه ، والتفتيش فيها ، وتنقيتها ، وتهيئتها لأن تصفو وتنجلي

حتى تعكس الصور الحبيبة إلى نفسه ... ولا يتاح ذلك إلا بعد أن يفر المرء بدينه ونفسه بعيداً عن زحمة الحياة والأحياء . ) أ.هـ

و جاء على موقع الطريقة القادرية العلية:
( نتائج الخلوة:
فاعلم أن للخلوة نتائج خمسة : الواقعات، والمشاهدات ، والمكاشفات ، والتجليات ، والوصول
فالواقعات: هو ما تجلى للقلب قبل أوصاف النفس الأمارة بالسوء وهي ثلاثة أقسام : 1
) إما أن تكون من الصفات الشيطانية: كالمقطعات من الصور, فيشكلها الوهم في الخيار بتسويد الشيطان ليفزع السالك, فينقطع عن سلوكه .
2) وإما أن تكون من الصفات السبعية كالوحوش: فرؤية الغدر للذئب. والحرد للنمل. والجرأة للأسد. والحيلة والمكر للثعلب. والغبط للفهد. والغفلة للأرنب. وعدم الالتفات للنصيحة للثور. والحقد للجمل فإذا حمله وهو مطيع دل على سلامة نفسه وإذا كان أحمر اللون أسود العين دل على شوقه ووجده. والعداوة للحية. وإيذاء الناس للعقرب. والخواطر الشيطانية للزنبور. والشهوة البطنية للغنم. والشهوة العرضية للحمار فإن رأى أنه مات دل على غلبته على الشهوة. والحرص للنمل فإن رأى أنه ميت دل على التخلص منه. والبخل للفأرة. والشره للكلب والقرد. وكذلك سائر حشرات الأرض تدل على رد السالك إلى أسفل الطبيعة , وإنما وقعت تماثيلها في عالم الغيب ليأخذ السالك إلى حذره منها , ويهرب ويهذب نفسه بدوام الذكر والانقياد .
3) وإما أن تكون آدمية: كرؤية أصناف بني آدم: من بيض, وسود, وحمر, وطوال, وقصار, والجماعة من الرجال والنساء. ورؤية الأب والابن وكل ذلك دليل على عدم نفوذه إلى الرتبة الإنسانية التي هي مظهر تمامه ومبدأ كماله, لكنها أقرب خروجا من الأولى.

- وأما المشاهدات :
فهو إما أن يتجلى من الأرضية أو السماوية.
ففي الأرضية كالجبال إشارة إلى جبلته, فكيفما رآها فهو ذاك! فإن رآها سوداء: دل على ظلمة قلبه, أو حمراء: فهي تلونه وعدم تمكنه, أو بيضاء: فهو خلوصه إلى دائرة الإسلام. وإذا رأى عيون الجبل تتفجر: فهو جبل قلبه. وأما رؤية الدهاليز الضيقة: فهي دهاليز وجوده.وأما رؤية الماء: فهي تدل على الصفاء إن كان صافياً. والكدورة في المعاملة الدينية إن كان كدراً. وأما نزوله من السماء: فهو رزق, فإن كان عن غيم: فهو متعلق بالأجسام يشار إليه أنه متهم بالرزق. وإن كان عن صحو: فهو العلم بالأحكام الشرعية. وأما رؤية الزرع: فهي نتائج الأعمال, والشجر الأذكار. وثمره إن كان ناضجاً: دل على عمارة قلبه. أو غير مثمر: دل على تساهله وعمله بالرخص. أو زهره: دل على ابتداء عمله. وأما رؤية الدور: فهي تدل على ظهور طبيعته. فإن رأى فيها الماء: دل على سريان العلم في طبعه. وإن رآها مفروشة: دل على اهتمامه بأمر طبعه. أو غير مفروشة: دل على عدم اهتمامه بذلك وهو حسن. وأما السفر: فإن كان لمكة أو المدينة: دل على توجهه إلى الله تعالى. أو لبيت المقدس: دل على إصلاح حاله. وأما ركوب السفينة: فهو تمسك بالشريعة وحسن سيره. وأما رؤية الوحل والطين والوقوع فيه: ففساد للحال. ولبس الخفين والنعلين: استقامة في السير. ومشيه حافياً: دليل خبطه. ورؤية نفسه عريانا: دليل على تجرده إن كان سالكا, وإلا فعدم احترازه عن المعاصي. وأكل اللحم والخبز والأطعمة الناضجة: غداء معنوية, والعسل علم لدني, واللبن فطرة. وصفاء الملابس ونظافتها: صفاء القلب والنفس, وكدرهما وضياع محرمته: خراب حاله. وموته أو موت آخر تحته: موت نفسه لكنها إذا وجدت هواها تحيا.

_ وأما المكاشفات:
فهو كناية عما يبدو للقلب من ملوكات الأِشياء ولطائفها, كالإطلاع على الملائكة ورؤيتهم في صورة حسنة , وعلى جواهر السموات , وعلى صفاء المياه البسيطة, بكشف حقائقها, فيرى بساط الأشياء ممتدة متهيكلة في صورها التي خلقها الله تعالى عليها, ومن هنا أسرار الأشياء .

_ وأما التجليات:
فعند غيبته عن الصور الكونية تتجلى له الأسماء الإلهية والنعوت الربانية , ولكن من وجه العلم بها , فإن المرتبة الأسمائية وهي الألوهية تعلم ولا تشهد , والذات المقدسة تشهد ولا تعلم , وفي هذه الحضرة يكون السلوك في مقام الإسلام , والإحسان والأيمان بالتعلق والتحقق والتخلق.
فأما التعلق:فهو الافتقار إليه تعالى بتلاوة الاسم تعظيما للربوبية وقياما بواجب حقها, فإن رفعة الحق تعالى بمنة وكرمه وفضله إلى مرتبة التحقيق , اطلع على معاني الأسماء من حيث ظهور معانيها, فيعرف منها ما يراد بها من تجليها في عالم النفوس وعالم الآفاق, وفي هذا المقام يطلع على صور إسرافيل, وما أودع الله تعالى فيه من العجائب, وعلى قيام الصور والأرواح بالرقائق الأسمائية, وأنه ما في الوجود إلا أسماؤه تعالى, فهي التي أوجدت البسائط وركبتها وأمدها الله تعالى بالوجود, فلو انقطع مدد الاسم لحظة عاد الكون إلى عدمه .

- وأما الوصول:
فهو كناية عن إدراك الغائب من الحق تعالى, وذلك أن الحق عزوجل لما أراد أن يخلق المخلوقات, وكان سبحانه وتعالى لم يكن شيء معه, وأحب أن يعرف كما صرح الحديث القدسي ظهر باسمه تعالى الرحمن, وسرت أنفاس الرحمانية في غيبه, فصارت مرآة كاملة لا يتغير ما تجلى فيها عن صورته, من أنه تعالى تجلى فيها, فانعكس من نور التجلي في هذه المرآة صورة كاملة جامعة لسائر الأسماء والصفات الإلهية, متصفة بصفة الجمع الذاتي, فقبض هذه الصور وهي إنسان وسماها محمدا لجامعيته الحمد, ولذلك سميت الكائنات كلها به.
ثم إن الله تعالى نظر إليه فرآه على صورة جمعية أسمائه , فأحبه محبة ذاتية لا تنتابها الأعراض , ولا يدخلها السوء , واتصل أمداد المرتبة الإلهية له إلى الأبد , ولا تزال هذه الذات الكاملة تتسع علوا بها باتساع الموجودات . فما من ذرة من الذرات الوجودية إلا وعن شعاع نوره ظهرت عينها , وامتدت من باطن غيبها , فشهادتها لعناية الإيجاد , وغيبها لعناية الإمداد , وهي المبدأ الأول . فإذا أراد الله بعبد من أهل الكمال أن يوصله إليه , سلك به على هذا المشروع المحمدي , فلا يزال يتبتل حتى تفنى ذراته كلها , ويبقى على ما فيه من الرقيقة المحمدية , والرقيقة الصمدية , ولولا الجذبة الإلهية لما قدر على السلوك إلى هذا المبدأ , فإنه صعود إلى أحسن تقويم . وهي الصورة التي انطبعت في المرآة الأزلية , وكل ما ظهر وترجم عنه من العلوم فإنما هو من تلك الحضرة , فإنها حضرة الإجمال , وكل ما كان مما بعدها إلى الأبد فهو تفصيلها .
تكميل : وأما الخلوة المطلقة فهو دوام الحضور, وهي لا تكون إلا للراسخين في العلم, القائمين بالله في كل الأمور, لم يحجبهم الخلق عن الحق, ولم يغيبوا بالحق عن الخلق, فهم أهل جمع الجمع . ..) أ.هـ

اقول:
خلاصة ما يسعى له الصوفي في سلوكه و أدواته من اتباع شيخ و دخول خلوة صوفية هي الوصول لذات الله .
و لتفهم ما أبهم أعلاه سنورد من كلامهم و نفسره بما ستراه بين هلالين( ) باللون البني :

(الخلوة المطلقة فهو دوام الحضور ( أي مع الله سبحانه و تعالى), وهي لا تكون إلا للراسخين في العلم ( أي لخواص الخواص من كالقطب و العارف و الولي و الغوث ) , القائمين بالله في كل الأمور( لا باتباع شرع الله و شرع نبيه صلى الله عليه و سلم بل بذاتيتة الله فيصبحون هم و الله شيئاً واحداً ), لم يحجبهم الخلق عن الحق ( أي لم يجبهم الخيال أو السوى كما يدلسون على المسلمين و يقصدون بها كل مخلوقات الله عن مشاهدة الحق و هو الله) , ولم يغيبوا بالحق عن الخلق ( و وجودهم في ذات الله لا يمنعهم من مراقبة الخلق لأن الله و مخلوقاته شيء واحد و ما تعدد صور المخلوقات إلا تعدد لمظاهر ظهور الله فيها و تجلياته ), فهم أهل جمع الجمع ( و جمع الجمع مقام صوفي) ..)

أيها الأحبة :

ألا تقشعر الجلود غيرة لله و غضبا على أمثال هؤلاء الملاحدة و المتزندقة المتسترة برداء الإسلام؟


و يا من يدافع عن التصوف و أقطابه _ جهلا ً- ها قد بينت لك الأمر ، فاتق الله في نفسك!


عبده فايز الزبيدي 08-21-2014 09:07 AM

في هذه المشاركة سأعرض على حضراتكم شواهد دخول أئمة التصوف الخلوة ، و ما خرجوا به للدنيا:

محمد محمود طه ( 1909 م - 1985 م):
و هو المقتول على حد الردة بأمر من الرئيس السوداني جعفر نميري في عام 1985 ميلادي ، كتب عنه أحد مناصريه و يسمى علي عبدالله حسن بقوله :
( كثيرون عندما يتحدثون أو يوثقون أو يؤرخون للفكر الجمهوري .. ينسون مرحلة تاريخية حساسة جداً في تاريخ الفكر الجمهوري .. هذه المرحلة هي المنعطف الخطير في طريق الفكر الجمهوري .. وهي مرحلة الخلوة الصوفية التي أعتكف فيها الأستاذ محمود محمد طه لمدة ثلاث سنوات من عام 1948 إلى عام 1951 ..

لقد كانت أفكار وأنشطة الأستاذ محمود محمد طه وطنية بحتة قبل عام 1948 .. إذ كان ينادي بخروج المستعمر من السودان .. وإستقلال السودان من مصر وبريطانيا وتكوين جمهورية مستقلة .. ومن هنا جاءت تسمية الفكر الجمهوري ..

ولكن بعد خروجه من الخلوة بعد ثلاث سنوات .. ظهر البعد الديني في أفكاره .. وأتى بأفكار ومفاهيم دينية جديدة وغريبة لم يألفها المسلمون من قبل .. مثل مفهوم الرسالة الثانية من الإسلام .. وصلاة الأصالة .. والإنسان الأصيل ..وأن الإسلام برسالته الأولى لا تصلح لإنسانية القرن العشرين .. وتقسيم الإسلام إلى شريعة وحقيقة ...)*

____________
*http://www.sudaneseonline.com/cgi-bi...390325707&rn=1

عبده فايز الزبيدي 08-21-2014 09:29 AM

عمر بن الفارض ( 566-هـ - 632 هـ ):
و يسميه المتصوفة بسلطان العاشقين و مقصودهم بالعاشق أي من يعشق الله على طريقتهم الوجودية _ تعالى الله عن كذبهم و بهتانهم علوا كبيرا_ و قد جاء في ترجمته:
( ... نقل ابن العماد عن المناوي أن ابن الفارض ولد سنة (566هـ) بينما ذكر غيره أنه ولد سنة (576هـ)، فنشأ في كنف أبيه، ولما شب اشتغل بفقه الشافعية. فكان في أول أمره مستقيم السيرة، ذا صيانة وقناعة وورع وعبادة، ثم حبب إليه سلوك طريق الصوفية فتزهد، وتجرد وصار يأوي إلى المساجد المهجورة، والأماكن الخربة وأطراف جبل المقطم، كما كان يأوي إلى بعض الأودية ثم يعود إلى والده بين وقت وآخر، ثم يرجع إلى خلوته.
ذهب ابن الفارض إلى مكة في غير أشهر الحج، فكان يكثر العزلة في واد بعيد عن مكة المشرفة، وبقي على هذه الحال حتى ألف الوحشة والخلوة في غير اشتغال بالعلم وحفظه – وكم من شاب رشيد انصرف عن الجادة بسبب الخلوات والرياضات الصوفية – بل كان ينظم قصائده التي قرر فيها عقيدته ومذهبه في الاتحاد التام...) *
_____
*http://www.dorar.net/enc/firq/2275

عبده فايز الزبيدي 08-21-2014 09:41 AM

عبدالغني النابلسي ( 1050 هـ - 1126 هـ ):
جاء في "الورد الأنسي والوارد القدسي في ترجمة العارف بالله عبد الغني النابلسي" تأليف محمد كمال الدين الغزي العامري المتوفى سنة 1214هـ:
( ...
وفي سنة إحدى وتسعين وألف" دخل الخلوة ولزم العزلة وكان تجاوز الأربعين وبقي في الخلوة والرياضة سبع سنوات؛ وكان موضع خلوته في داره التي بسوق العنبرانية المواجهة للباب القبلي من جامع بني أمية؛ في القصر المطل على السوق المذكور..)*

و جاء في موقع ( اكتشف سورية):
( ...

ولما بلغ الأربعين من عمره مر بأزمة نفسية حادة اضطر على إثرها إلى الاعتزال في بيته خلال سبع سنوات لا يخرج من بيته إلا للضرورة القصوى. وقد أَسْدَل شَعْرَهُ وأرخى لحيته، إلا أنه لم ينقطع عن استقبال طلابه لتدريسهم ولا عن التأليف، وفي هذه الفترة ازدادت علاقته بالعالم الخارجي عن طريق المراسلات (التي كان قد بدأها منذ عام 1085هـ/1675م). وبلغت المكتوبات التي تلقاها وأجاب عليها عشرين رسالة تبادلها مع أنحاء متفرقة في الدولة العثمانية. وحين انتهت هذه الفترة التي أُصيب فيها بالسوداء أو الماليخوليا (mélancholie)، وكان قد طَلَّق زوجته أثناءها، وذلك بعد سبع سنوات، خرج إلى الناس الذين ازداد احترامهم له بعد أن كانوا قد رموه بالحجارة قبل خلوته، وذلك لتبنيه آراء ابن عربي الصوفية ودخوله في خصومات مع بعض فقهاء عصره. ..)**

و لعل ديوانه المسمى بـ (ديوان الدواوين ) شاهد على ثمار الخلوات الصوفية ، و من شعره الذي يدين فيه بعقيدة وحدة الوجود الباطلة .
من هذا قوله:

لي في الإله عقيدة غراء
هي والذي هو في الوجود سواء
نور على نور فهذا عندنا
ارض وعند الله ذاك سماء
يا قلب قلبي أنت جسم الجسم لي
ومن الصفات تأتت الأسماء
قد جاء نوري منك عنك مبلغا
بك لي فكان بأمرك الإصغاء
إلي أن يقول عامله الله بما يستحقه مصرحا بأن الله و خلقه شيء واحد و هي لب عقيدة الصوفية وحدة الوجود :

والحقّ ليس لنا إليه إشارة
نحن الإشارة منه والإيماء

___________
*http://al7ewar.net/forum
**في مقالة (
الشيخ عبد الغني النابلسي
وحدة الوجود وإرهاصات النهضة العربية)
http://www.discover-syria.com/news/1698

عبده فايز الزبيدي 08-21-2014 10:13 AM

الشيخ محمد متولي الشعراوي (1911 م - 1998 م ) :
قال عنه الكاتب الصحفي رجب البنا :
(
اتصلت يوما بالشيخ الشعراوى لتحديد موعد لإجراء حديث صحفى عن رأيه فى التصوف والفرق الصوفية وزيادة أضرحة الأولياء والصلاة داخلها وتقبيل الأضرحة وطلب قضاء الحاجات منهم وكان ذلك فى السبعينات، وكنت أكتب فى الصفحة الدينية فى الأهرام، ويومها قال لى : تعالى أهلاً وسهلاً.. أما التصوف فإن العلم به لا ينفع، والجهل به لا يضر، وأما المتصوفة فدعهم فى حالهم فليس منهم ضرر لأحد. بعد ذلك عرفت أنه كان فى مرحلة من مراحله الأولى متصوفا ومندمجا فى حياة التصوف، ولكنه تحول من الممارسات الصوفية الجماعية إلى المارسات الفردية بالإكثار من الصلاة والصيام وقراءة القرآن وتلاوة الأوراد والصلاة على النبى. وأنه يفعل ذلك فى «الخلوة» فى بيته بعيداً عن العيون، لأنه لا يريد أن يقلده الناس، ويكفى أن يرى الناس منه جانبا واحدا هو جانب الداعية المتفرغ للتأمل فى كتاب الله والإعداد لأحاديثه عن تفسير القرآن وعن خواطره الإيمانية...) *


__________________________________________
*مقالة رجب البنا (الشيخ الشعراوي و التصوف) في موقعه : http://www.ragabelbanna.com/cheksharwytasawef.htm

عبده فايز الزبيدي 08-21-2014 10:18 AM

ناظم الحقاني( 1922 م - 2014 م ):
جاء في سيرة شيخ الطريقة النقشبندية ناظم الحقاني : ( ... بالنسبة للشيخ ناظم الحقاني فقد أمره الشيخ عبد الله الداغستاني بالخلوة للمرة الأولى عام 1955 وذلك بصويلح في الأردن وكانت مدة هذه الخلوة ستة أشهر ، و قد التف آلاف حول الشيخ ناظم كمريدين له سواء من منطقة الصويلح أو الرمثة أو عمّان نفسها ، بعد ذلك أن الشيخ الداغستاني طلب مقابلة الشيخ ناظم ليقول له : لقد تلقيتُ الأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم بخصوصك كي تدخل في خلوة في مسجد الشيخ عبد القادر الجيلاني في بغداد ، اذهب هناك لتعتزل ستة أشهر...
الشيخ ناظم أنه قد أُمر عدة مرات بالخلوة والاعتزال ، وكانت مدّة هذه الخلوات تتراوح بين 40 يوماً وسنة ، وقام بالاعتزال عدة مرات في المدينة المنورة. )*
____________
*مقالة (
القطب الغوث الشيخ محمد ناظم عادل الحقاني النقشبندي على موقع الحقانية ( شمس الشموس) http://www.alhaqqani.com

عبده فايز الزبيدي 08-21-2014 12:08 PM


و نختم حديثنا عن الخلوة بما جاء في كتاب ( الكواكب الدرية في بيان الأصول النورانية ) لكاتبه الشيخ محمد فوزي الكركي تفسير الخلوة بـِ :
(...هي لزوم قبر الحياة للتجرد من الحسِّ و السفر إلى عالم المعنى بزاد الاسم ، مع الانقطاع الكلي للدخول إلي القلب و مجالسة الرب عز و جل ؛ حتى ينكشف الغطاء و يتحدد البصر من معدن القِدَم ).
و قد ذكر موقع الطريقة المحمدية الفوزية الكركرية كيفية دخول شيخ الطريقة محمد فوزي الكركري للخلوة:
( ...
إجتماعه بشيخه :
وقد كساه الحق في تلك الرحلة كسوة التوكل عليه ، وخلع عليه خلعة الإعتماد
عليه ، حتى لا يتشوف لأحد غيره ، فلما قرب وقت الوصال ، زار عمه العارف بالله الشيخ سيدي الحسن الكركري رضي الله عنه ، وذلك بمناسبة عيد الفطر السعيد
يقول سيدي محمد فوزي قدس الله سره : " وكان الحديث في تلك الليلة عن صفات الله عز وجل وأسمائه الحسنى فكنت أستمع بشغف للحوار الذي دار بين الشيخ مولاي الحسن وبعض الحضور، وتأثرت تأثرا بالغا بكلام الشيخ وسألته بعدما انصرم الجمع: "عمي أريد أن أتوب، فهل يتوب الله علي
فأخذت الشيخ الحسن قدس الله سره رقة لحالي، وهدأ من روعي وواساني لما عرف صحة نيتي وصدق قصدي ومطلبي، وطلب مني الرجوع إلى مدينة العروي وانتظار قدومه لتلقيني الورد
وكان أمر الله قدرا مقدورا
لم يستطيع مولانا محمد فوزي أن يطفيء نار التوبة المتقدة في أحشائه كيف وقد أذن الله ببزوغ فجره وناداه من عليائه أن يا محمد اُقدمْ علينا
نظر في أمتعته، فلم يجد ما يصلح أن يكون لباس إحرامه في قدومه على ربه غير عباءة أخيه، كما أنه أراد أن يضع بينه وبين ما مضى من عمره حاجزا فتصدق بملابسه وهم بإحراق شهاداته ، وحلق شعر رأسه ولحيته وتجرد تجرداً تاما ومضى إلى ربه
وصل إلى تمسمان ومشى حافي القدمين باكي العينين حاسر الرأس -وهو يشاهد نور الحبيب صلى الله عليه وسلم عليه دون أن يعرف معناه - إلى أن وصل إلى زاوية عمه رحمه الله ، فقال لشيخه وعمه : إئذن لي بالورد وأدخلني الخلوة
فرد عليه الشيخ : إبتعد عني فمن قال لك أنني أسلك المجانين
فكرر عليه طلبه فأبى وهو في كل ذلك يختبرصدقه ، فقام سيدي محمد فوزي ليذهب ، فسأله عمه إلى أين تريد الذهاب ؟ هل سترجع إلى المنزل ؟
فقال له : لا لن أرجع إلى المنزل ، فأنا خرجت طالبا قرب الله ، وسأسيح في ملك الله بين الأحجار والأشجار ، فالله في كل مكان
هنالك أمر سيدي الحسن الكركري رحمه الله إبنته أن تعد الخلوة وتهيئها ، حتى تصلح أن يدخلها سيدي محمد فوزي رضي الله عنه وفي هذا الصدد يقول قدس الله سره : "كانت نيتي توبة، غير أن الله أتم مراده وأكرمني بفضله، فرأيت العجب العجاب في خلوتي المباركة ليلة الخميس 04 شوال 1425هجرية الموافق لـ 18 نونبر 2004ميلادية وكان الفتح الأكبر والمدد الأبهر في ضحى يوم الجمعة حين أذن الوهاب وعرفني باسمه الأعظم المعظم المكنون
فأكرمه الحق بذلك غاية الإكرام ، ورزقه مقامات الصدقين الكرام....)

عبده فايز الزبيدي 09-04-2014 09:49 PM

أحد علماء الدولة العثمانية وكتابه (نقد المثنوي)

http://saaid.net/feraq/sufyah/78.htm


أثناء قراءتي للكتاب القيم [أخبار جلال الدين الرومي] لصاحبه الفاضل أبو الفضل محمد القونوي، استوقفني كلامه على كتاب لأحد علماء الدولة العثمانية محمد شاهين –رحمه الله- باسم [نقد المثنوي] والذي سطره بلغة الترك .. وقد أثنى* الباحث على هذا الكتاب خيراً، وأخبر بأنه قد طبع طبعة تعود لأكثر من خمسين عاماً ..

وقد أنبأنا عنه بأنه رجل صريح، يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم، وهكذا هم الأعلام .. لا يخشون إلا الله .. وقد نقل منه عدة نقول .. وعلق عليها .. ومن هذه النقول .. وهو في بلد يرزح ** تحت احتلا ل الدولة الخرافية الصوفية المولوية، ومن بعدها الداعمة للصوفية أعني الكمالية، حيث يقول: (يجيء المثنوي إلى قصص كليلة ودمنة فيُلبسها طربوش المولوية وثيابها، ثم لا يكتفي بذلك حتى يُلبس فكرة وحدة الوجود ذلك الطربوش وتلك الثياب!!).

وقال في موضع آخر: (لم يقدر المثنوي أن يكون كشافاً للقرآن قط كما زعم الجلال، فإن معاني القرآن من الوضوح والبيان بمكان لا يحوج إلى كشف، بعكس المثنوي الذي يموج في الإبهام، والأسرار، والضبابية؛ بل لو قلنا إنه يأخذ بيد المرء من النور إلى الظلمات لما أبعدنا!!).

ثم قال: (صحيح أن الجلال لم يقل أنه نبي لكنه زعم أن مثنويه كتاب نزل من السماء، نزل من عند الله، ويؤيد ذلك بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نعم قد يكون الجلال والمولوية يؤمنون بأن المثنوي كتاب منزل من عند الله على قلب الجلال، وهم كذلك بيد أن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ينكرون هذا، ويَرُدُّون كتاب أساطير مليء بالأخطاء والمبالغات)

وقال شاهين: يقول الجلال إنه قد نزل إليه كتاب، وأنه يُلهمه من قِبَل الله!! يقول هذا في ديباجة المثنوي، وبهذا يُرى نفسه نبياً، وقد يكون هذا الكلام صحيحاً لولا أن الجلال قد صرح بأن المثنوي كتاب منزل من السماء، ملهم به إليه فإن كان لهذا الكلام معنىً فإن معناه أن الجلال يدعي النبوة، ومن زعم أنه يُفهم من ديباجته غير هذا فهاهي الديباجة أمامه فليقرأ وليذكر لنا فهمه).

وخلص شاهين إلى القول بأن: (غاية المثنوي هي تلقين عقيدة الوجود الواحد، وأن الصوفية ومنهم الجلال إنما اخترعوا بدعة السرِّ والأسرار وهم يقصدون بها عقيدة وحدة الوجود، فالسر المكتوم هو هذه العقيدة، والواقف عليها منهم هم شيوخ الطريقة الكبار، أما المريدون فمساكين لم يبلغوا هذه المرتبة).

هذا مما نقل الباحث، وحسبك أن تعلم أن العالم محمد شاهين، لم يقرأ كتاب المثنوي كاملاً، يقول أبو الفضل: (لم يتيسر للناقد في كتابه الوقوف على ترجمة كاملة للمثنوي، وإنما كان نقده اعتماداً على ترجمة الأجزاء الثلاثة منه، من قِبًل عابدين باشا).

قلتُ –أي المنهج-:
رحم الله الشيخ محمد شاهين، فقد أجلى وأبان، عن طريق دعاة الضلال وأعوان الشيطان، الجلال ومن في غيه من بني صوفان، والشكر موصول لمن كان السبب في هدايتنا لهذه النصوص لعالم بني عثمان، الشيخ أبا الفضل القونوي صاحب الأخبار، والذي كشف فيه الحقائق وبدد الأسرار، فدعائي له أسراراً وجهار، ليلاً ونهار ..

ولي مقترح وسؤال: فهذا السفر الرائع من أبي الفضل أرشدنا على شخصية؛ بل طريقة، بل بناء على شفا جرف هار .. وهو والله حقيقة، وقذيفة، ولطلاب الحق نصيحة .. فيه بيان سببٍ من أسباب الإعياء .. وفيه ذكر الداء .. ونشره دواء وشفاء .. وسؤالي هذا السفر الخالد ما كنا لنعلمه لولا نقل الباحث الشيخ عنه .. فيا شيخنا الفاضل: لما هذا السفر العجيب .. ذو الخبر الأكيد .. والبحث الفريد .. يغتاله الغبار، ويخفيه الأشرار، ثم لا تقوى همة الأخيار، لأن تجليه للنور، فتكشف الحقيقة وتبين الزور .. فهل يعاد طبعه بلغة الترك ثانية، وهم أولى وأهم، ثم نقله ليهز عروش الباطل بلغة القرآن، مع تحقيقٍ يسير، ومنكم يصير، لأنكم في هذا الشخص قد بحثت باليسر والعسير .. تحقيقٌ يبين الحقائق، ولا يزيد الصفحات صفحات فيتعب القارئ والبائع .. يسهل وصوله وحمله، ونقله ونشره .. هو بالحق يصدع، ولأهل الباطل يردع .. فكلي أمل في وصول السؤال .. للشيخ الباحث الفاضل.

كتبه
أبو عمر الدوسري (المنهج) – شبكة الدفاع عن السنة

_________
* وردت (أثناء) و سياق الكلام يستدعي ما أثبته.
** وردت ( يرزخ)

عبده فايز الزبيدي 09-04-2014 10:01 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
بَابٌ هَلْ يُقَالُ : " إِنَّنِي أَعْشَقُ اللهَ أَو أَعْشَقُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ؟
http://saaid.net/Doat/Zugail/337.htm
الحَمْدُ للهِ وَبَعْدُ ؛

هذا بحثٌ عن حُكمِ إطلاقِ لفظِ العشقِ أو العاشقِ في حقِ اللهِ والنبي صلى اللهُ عليه وسلم ، فيقولُ أحدهم : " إِنَّنِي أَعْشَقُ اللهَ أَو أَعْشَقُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَو يقولُ : " إِنِّيْ عَاشقٌ للهِ أَو عَاشقٌ لِلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .

ومدارُ البحثِ سيكونُ في ثلاثِ نقاطٍ :

النقطة الأولى :
الحرصُ على استخدامِ الألفاظِ الشرعيةِ الواردةِ في الكتابِ والسنةِ ، وذلك أن اللفظَ الشرعي أقوى وأعمقُ وأدلُ على مقصودهِ مما سواهُ ، ولو نظرنا إلى نصوصِ الكتابِ والسنةِ لم نجد لفظَ العشقِ فيهما ، ولم يرد هذا اللفظُ في شيءٍ من نصوصِ الوحي ، ولا على لسانِ أحدٍ من الصحابةٍ رضوان اللهِ عليهم ، وإنما جاء بلفظ المحبة ، قالَ تعالى : " وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه " [ البقرة : 165 ] ، وقال تعالى : " فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه " [ المائدة : 54 ]

وَ‏عَنْ ‏‏أَنَسٍ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏قَالَ : ‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "‏‏ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ " .

أخرجهُ البخاري (21) ، ومسلم (43) .

وَعَنْ ‏‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ‏‏قَالَ :‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "‏ ‏لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " .

أخرجهُ البخاريُّ (15) ، ومسلمٌ (44) .

والنصوصُ في هذا البابِ كثيرةٌ جداً ، ذكرنا بعضاً منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر .

قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ – رحمهُ اللهُ – في " مجموعِ الفتاوى " (19/235 – 236) : " الْأَسْمَاءُ الَّتِي عَلَّقَ اللَّهُ بِهَا الْأَحْكَامَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ : مِنْهَا مَا يُعْرَفُ حَدُّهُ وَمُسَمَّاهُ بِالشَّرْعِ فَقَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ : كَاسْمِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ ؛ وَالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ ؛ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ .

وَمِنْهُ مَا يُعْرَفُ حَدُّهُ بِاللُّغَةِ ؛ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ ؛ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ؛ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ .

وَمِنْهُ مَا يَرْجِعُ حَدُّهُ إلَى عَادَةِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ فَيَتَنَوَّعُ بِحَسَبِ عَادَتِهِمْ ؛ كَاسْمِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْقَبْضِ وَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي لَمْ يَحُدَّهَا الشَّارِعُ بِحَدِّ ؛ وَلَا لَهَا حَدٌّ وَاحِدٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ أَهْلِ اللُّغَةِ بَلْ يَخْتَلِفُ قَدْرُهُ وَصِفَتُهُ بِاخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ .

فَمَا كَانَ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَقَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا كَانَ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَالصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ الْمُخَاطَبُونَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَدْ عَرَفُوا الْمُرَادَ بِهِ ؛ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِمُسَمَّاهُ الْمَحْدُودِ فِي اللُّغَةِ أَوْ الْمُطْلَقِ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَتُهُمْ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ شَرْعِيٍّ وَلَا لُغَوِيٍّ وَبِهَذَا يَحْصُلُ التَّفَقُّهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .

وَالِاسْمُ إذَا بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ مُسَمَّاهُ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ قَدْ نَقَلَهُ عَنْ اللُّغَةِ أَوْ زَادَ فِيهِ بَلْ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ عَرَفَ مُرَادَهُ بِتَعْرِيفِهِ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَمَا كَانَ الْأَمْرُ ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ " .ا.هـ.

النقطةُ الثانيةُ :
بعد التقرير الذي جاء في النقطةِ الأولى ، نأتي على نقطةٍ أرى أنها من الأهميةِ بمكانٍ ، ولها صلةٌ بإطلاقِ لفظِ " العاشقِ " على النبي صلى اللهُ عليه وسلم وهي : قولُ القائلِ : " إني أعشقُ اللهَ " أو " قلبي عاشقٌ للهِ " ، بمعنى إطلاقُ لفظِ العشقِ في حقِ اللهِ .

لقد تكلم علماءُ الأمةِ على هذهِ المسألةِ ، وبينوا حكمها ، وسأكتفي بنقلِ نصوصهم فيها .

قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ – رحمهُ اللهُ – في " مجموعِ الفتاوى " (10/130 – 131) : " وَالنَّاسُ فِي الْعِشْقِ عَلَى قَوْلَيْنِ : قِيلَ إنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِرَادَاتِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ .
وَقِيلَ : مِنْ بَابِ التَّصَوُّرَاتِ ، وَأَنَّهُ فَسَادٌ فِي التَّخْيِيلِ ، حَيْثُ يَتَصَوَّرُ الْمَعْشُوقُ عَلَى مَا هُوَ بِهِ ، قَالَ هَؤُلَاءِ : وَلِهَذَا لَا يُوصَفُ اللَّهُ بِالْعِشْقِ وَلَا أَنَّهُ يَعْشَقُ ؛ لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُحْمَدُ مَنْ يَتَخَيَّلُ فِيهِ خَيَالًا فَاسِدًا .

وَأَمَّا الْأَوَّلُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُوصَفُ بِالْعِشْقِ فَإِنَّهُ الْمَحَبَّةُ التَّامَّةُ ؛ وَاَللَّهُ يُحَبُّ وَيُحِبُّ ، وَرُوِيَ فِي أَثَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ : " لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ يَعْشَقُنِي وَأَعْشَقُهُ " ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ .

وَالْجُمْهُورُ لَا يُطْلِقُونَ هَذَا اللَّفْظَ فِي حَقِّ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ الْعِشْقَ هُوَ الْمَحَبَّةُ الْمُفْرِطَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يَنْبَغِي ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مَحَبَّتُهُ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَلَيْسَتْ تَنْتَهِي إلَى حَدٍّ لَا تَنْبَغِي مُجَاوَزَتُهُ " .ا.هـ.

والأثرُ الذي أوردهُ شيخُ الإسلامِ سيذكر ابنُ القيمِ الحكمَ عليه عند النقلِ من " روضةِ المحبين " .

ونقلَ في " الفتوى الحمويةِ الكبرى " – وهي ضمن مجموع الفتاوى (5/80) – عن أبي عبدِ اللهِ محمدِ بنِ خفيفٍ في كتابهِ الذي سماه " اعتقاد التوحيد بإثباتِ الأسماءِ والصفاتِ " ما نصه : " وَإِنَّ مِمَّا نَعْتَقِدُهُ تَرْكُ إطْلَاقِ تَسْمِيَةِ " الْعِشْقِ " عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِاشْتِقَاقِهِ وَلِعَدَمِ وُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ . وَقَالَ : أَدْنَى مَا فِيهِ إنَّهُ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ وَفِيمَا نَصَّ اللَّهُ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَبَّةِ كِفَايَةٌ " .ا.هـ.

وقالَ الإمامُ ابنُ القيم – رحمهُ اللهُ – في " إغاثةِ اللهفان " (2/133) : " ولما كانتِ المحبةُ جنساً تحتهُ أنواعٌ متفاوتةٌ في القدرِ والوصفِ ، كان أغلبُ ما يُذكرُ فيها في حقِ اللهِ تعالى : ما يختصُ بهِ ويليقُ بهِ ، كالعبادةِ والإنابةِ والإخباتِ ، ولهذا لا يذكرُ فيها لفظُ العشقِ والغرامِ والصبابةِ والشغفِ والهوى ، وقد يذكر لها لفظُ المحبةِ كقوله : " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [ المائدة : 54 ] ، وقولهِ : " قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ " [ آل عمران : 31 ] ، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه " [ البقرة : 165 ] " .ا.هـ.

وقالَ ابنُ القيمِ أيضاً في " طريقِ الهجرتين " ( ص 537 ) في فصلٍ لهُ عن جوازِ إطلاقِ الشوقِ على اللهِ : " والصوابُ أنهُ يقالُ : إطلاقهُ – أي الشوق – متوقفٌ على السمعِ ، و لم يرد به ؛ فلا ينبغي إطلاقهُ ، وهذا كلفظِ العشقِ أيضاً ، فإنهُ لم يرد به سمعٌ ، فإنهُ يمتنعُ إطلاقهُ عليهِ سبحانهُ ، واللفظُ الذي أطلقهُ سبحانهُ على نفسهِ وأخبر بهِ عنها أتمُ من هذا و أجلُ شأناً ، هو لفظُ المحبةِ ... وهكذا المحبةُ وصف نفسهُ منها بأعلاها وأشرفها فقال : " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [ المائدة : 54 ] ، " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ البقرة : 222 ] ، " يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " [ البقرة : 195 ] ، و " يُحِبُّ الصَّابِرِينَ " [ آل عمران : 146 ] ، ولم يصف نفسهُ بغيرها من العلاقةِ والميلِ والصبابةِ والعشقِ والغرامِ ونحوها ، فإن مسمى المحبةِ أشرفُ وأكملُ من هذه المسمياتِ ، فجاء في حقهِ إطلاقه دونها " .ا.هـ.

وقالَ في " روضةِ المحبين " ( ص 28 – 29 ) بعد تعريفهِ " للعشقِ " : " وقد اختلف الناسُ هل يطلقُ هذا الاسم في حقِ اللهِ تعالى ؟ فقالت طائفةٌ من الصوفيةِ : لا بأس بإطلاقهِ ، وذكروا فيه أثراً لا يثبتُ وفيه : " فإذا فعل ذلك عشقني وعشقته ، " وقال جمهورُ الناسِ : لا يطلقُ ذلك في حقهِ سبحانهُ وتعالى ، فلا يقالُ : " إنهُ يعشقُ " ، ولا يقالُ : " عشقهُ عبدهُ " ، ثم اختلفوا في سببِ المنعِ على ثلاثةِ أقوالٍ ، أحدها : عدم التوقيف – أي : عدمُ ورودِ النصِ - بخلافِ المحبةِ ، الثاني : أن العشقَ إفراطُ المحبةِ ، ولا يمكنُ ذلك في حقِ الربِ تعالى ، فإن اللهَ تعالى لا يوصفُ بالإفراطِ في الشيءِ ، ولا يبلغُ عبدهُ ما يستحقهُ من حبهِ فضلاً أن يقالَ : " أفرطَ في حبهِ " ، الثالث : أنه مأخوذٌ من التغيرِ كما يقالُ للشجرةِ المذكورةِ : " عَشَقةٌ " ، ولا يطلقُ ذلك على اللهِ سبحانه وتعالى " .اهـ.

وقالَ أبو الفرجِ ابنُ الجوزي في " تلبيسِ إبليس " (3/1011 – 1013) عند سياق ما يروى عن الصوفيةِ من سوء الاعتقادِ : " قال السراجُ : " وبلغني أن أبا الحسين النوري شهد عليه غلامُ الخليلِ أنه سمعهُ يقولُ : " أنا أعشقُ اللهَ وهو يعشقني " ، فقال النوري : " سمعتُ اللهَ يقولُ : " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه [ المائدة : 54 ] ، وليس العشقُ بأكثر من المحبةِ .
قال القاضي أبو يعلى : " وقد ذهبت الحلوليةُ إلى أن اللهَ تعالى يُعشقُ " . [ قال محققُ الكتابِ في الحاشيةِ : " كتابُ المعتمدِ في أصولِ الدينِ ( ص 76 ) وعبارتهُ : " وذاتُ الباري لا يجوزُ أن تُعشَقَ ، خلافاً للحلوليةِ في قولهم : " إنها تُعشقُ " ] .

قالَ المصنفُ ( أي : ابن الجوزي ) : قلتُ : وهذا جهلٌ من ثلاثةِ أوجهٍ : أحدها : من حيث الاسم ، فإن العشق عند أهلِ اللغة لا يكونُ إلا لما ينكحُ ، والثاني : أن صفاتِ اللهِ منقولةٌ ، وهو يُحِبُّ ولا يقالُ : " يَعْشَقُ " ، ويُحَبُّ ولا يقالُ : " يُعشقُ ... والثالث : من أين لهُ أن اللهَ يحبهُ ؟ وهذه دعوى بلا دليل ... " .ا.هـ.


وقالَ ابنُ أبي العزِ شارحُ الطحاوية (1/166) عند ذكرهِ لمراتبِ المحبةِ : " السابعةُ : العشق : وهو الحبُّ المُفرطُ الذي يُخافُ على صاحبهِ منه ، ولكن لا يُوصفُ به الربُّ تعالى ، ولا العبدُ في محبةِ ربهِ ، وإن قد أطلقهُ بعضهم . واختُلِفَ في سببِ المنعِ ، فقيل : عدمُ التوقيفِ ، وقيل غيرُ ذلك ، ولعل امتناعَ إطلاقهِ أن العشقَ محبةٌ مع شهوةٍ " .ا.هـ.

وقال الشيخُ الدكتورُ بكرٌ أبو زيد في " معجمِ المناهي اللفظيةِ " ( ص 368 ) : " عاشقُ اللهِ : هذا مما يتسمى به الأعاجم من الهنودِ ، وغيرهم ، وهي تسميةٌ لا تجوزُ ، لما فيها من سوءِ الأدبِ مع اللهِ تعالى ، فلفظُ : " العشق " لا يطلقُ على المخلوقِ للخالقِ بمعنى : محبة اللهِ ، ولا يوصفُ به اللهُ – سبحانهُ – " .ا.هـ.

وقال أيضاً ( ص 392 ) : " العشقُ : فيه أمران : 1 – منعُ إطلاقهِ على اللهِ تعالى : ذكر ابنُ القيمِ – رحمه اللهُ – خلافَ طائفةِ من الصوفيةِ في جوازِ إطلاقِ هذا الاسمِ في حقِ اللهِ تعالى ، وذكروا فيه أثراً لا يثبتُ ، وأن جمهورَ الناسِ على المنعِ ، فلا يقالُ : " إن اللهَ يعشقُ ، ولا عشقهُ عبدهُ ، وذكر الخلافَ في علةِ المنعِ ... " .ا.هـ.
وبعد عرض هذه النصوصِ من علماءِ الأمةِ ، يظهرُ جلياً حكمُ إطلاقِ العشقِ على اللهِ .

النقطةُ الثالثةُ :
بعد النقولِ السابقةِ في إطلاقِ العشقِ على اللهِ ، نأتي على إطلاقهِ على النبي صلى اللهُ عليه وسلم ، وهل يقالُُ عنه : " عاشقٌ " ؟

إن المتتبعَ لنصوصِ السنةِ ، وأقوالِ الصحابةِ الذين نزل القرآنُ بلغتهم ، وهم أهلُ اللغةِ الأقحاحِ ، لن يجد هذا اللفظ في حق النبي صلى اللهُ عليه ، فلم يقولوا : " نحن نعشقُ الرسولَ صلى الله عليه وسلم " ، بل كانوا يطلقون لفظ : " المحبة " ، وقد نقلتُ من النصوصِ ما يثبتُ ذلك في النقطةِ الأولى ، فيمنعُ من إطلاقِ العشق في حقِ النبي صلى اللهُ عليه وسلم .

وأكتفي بما ذكرهُ العلامةُ الشيخُ بكر أبو زيد في " معجمِ المناهي اللفظية " ( ص 392 ) فقال : " 2 – امتناعُ إطلاقهِ في حق النبي صلى اللهُ عليه وسلم كما في اعتراضاتِ ابنِ أبي العزِ الحنفي على قصيدةِ ابم أيبك ، لأن العشقَ هو الميلُ مع الشهوةِ ، وواجبٌ تنزيهُ النبي صلى اللهُ عليه وسلم إذ الأصلُ عصمتهُ صلى اللهُ عليه وسلم " .ا.هـ.

واللهُ أعلم .



الساعة الآن 12:15 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team