منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر ديوان العرب (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=48)
-   -   الشاعر محمد الحسن منجد/ حياته / شعره (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1789)

عبد السلام بركات زريق 11-24-2010 07:35 PM


المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (18)



غبيَّة



قالتْ : غبيٌّ تحبُّ الناسَ تُؤثرهمْ
بما لديكَ وتجني غايةَ الألمِ


وأَتبعتْها بألفاظٍ تُمزِّقني
كالسُّمِ يكمنُ في كأسٍ من الدسمِ


فقلتُ : والشوق في عينيَّ ملتهبٌ
لا ينطفي .. وفؤادي ذائبٌ بفمي


ليت التي بادرتْني القولَ قد علمتْ
أني لرؤيةِ عَينيْها أُريق دمي


نعم غبيٌّ لأني كنتُ أجهلها
لم أدرِ يوماً بأني عاشقٌ عَدَمي


يا قصةً كنتِ حتى الأمسِ غامضةً
واليوم قد وضحتْ بالسخفِ والنَّدمِ


خلَّدتُ حسنكِ في شعري فوا أسفي
خلَّدتُ حسناً عديمَ الحسِّ كالصَّنمِ


* * *
لا ..لستِ ليلايَ ..أنتِ الوهم في نظري
يَمرُّ في خاطرِ الأيامِ كالحُلُمِ


غداً سأجمعُ أوراقي وأحرقها
غداً سأكسرُ يا شؤمَ الهوى قلمي


غداً أُريقُ دماء السُّهد أقتله
وأُسلمُ العين للأحلامِ في حرمي


غداً أعود لآمالي أُجدِّدها
وأُسقِطُ الوهم بعد الصحوِ من قممي


فلستُ أُلعوبةً في كفِّ عابثةٍ
ولستُ صيداً بوكرِ الجائع النَّهمِ


لي في حدائقِ نفسي ألفُ مُرقصةٍ
وألفُ مطربةِ في أعذب النغمِ


وأنتِ واحدةٌ من ألف خائنةٍ
عهدَ الهوى في خيالِ الشاعرِ العلَمِ


بيني وبينكِ في التفكيرِ منحدرٌ
لا يستوي النورُ في حالٍ مع الظُّلمِ


هيا اغربي من سمائي أنتِ تافهةٌ
ذكركِ أضحتْ بُعيد الهجرِ كالرِّممِ


أعيشُها لحظاتٍ جدُّ مؤلمةٍ
لأنني كنتُ عمَّا تكتمين عمي


وأنثني أشكرُ الأقدارَ أن كشفتْ
ما كنتِ تُخفين يا لأُضحوكة القيمِ




حماة 24-7-1973




عبد السلام بركات زريق 11-24-2010 07:46 PM


المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (19)


الرسالة الأخيرة *



تبرَّمتْ عندما حاولتُ ألثُمها
وعاتبتني بطرفٍ يقتلُ الأملا


أحببتُها منذ كانت طفلةً وكما
لقَّنتُها درسَها .. علَّمتُها الغزلا


وكنتُ أحلمُ أني سوف أملكها
متى تضرَّمَ فيها الحبُّ واشتعلا


حتى استوتْ غادةً ضجَّتْ أنوثتُها
يثيرُ في كلِّ نادٍ حسنها جدلا


ورفَّ في صدرها فرخا مطوَّقةٍ
تعانقا بعد نأيٍ يُلهبُ القُبلا


والثغرُ برعمُ وردٍ لو ظفرْتُ به
لاستغفرَ الله خوفَ الذنبِ وابتهلا


* * *
فقلتُ حسبكِ يا ريحانةً شربتْ
دماءَ قلبي .. ولم تترك به بَلَلا


عيناكِ ما رفَّتِ الأهدابُ فوقهما
إلا لتجعلَ مني في الهوى مثلا


عيناكِ أنشودتا وجدٍ عزفتُهما
على جراح فؤادي .. فانتشى جَذلا


ما السحرُ إلا رفيفٌ من لحاظهما
لو شامَ سحرهما " هاروت " لانتحلا


أو كنتِ في عصرِ " موسى " لارتجى بهما
لولا عصاه سلاحاً يلقفُ الدَّجلا


يا فتنةً لم تدعْ لي في الهوى سبباً
إلا وألفيتُ رسماً فيه أو طللا


أغرقتِني في بحار الشكِّ .. يصرعُني
وهمٌ زرعتُ على أمواجهِ أملا


* * *
عمري قصيدةُ وصلٍ يا مُذوِّبتي
يُعربدُ الشعرُ من صهبائها ثَمِلا


فقلِّبيها إذا ما شئتِ لاهيةً
أو فاحرقيها كما أحرقتِني مللا


إلى متى نقطعُ الأيامَ في سغبٍ ..؟
ونُبعدُ الكأسَ عن أفواهنا خجلا ..؟


إلى متى نحتسي أشواقَنا ألماً ..؟
نخشى الغوايةَ .. نخشى الطيشَ والزللا ؟


* * *
هذي نهايةُ أحلامٍ برِمتُ بها
مرَّ الخيالُ على ميلادها وَجِلا


غداً أعود إلى كهفي وأمسح ما
خطَّتْ يداكِ على جدرانهِ مُثُلا




حماة 28-6-1974


*هذه القصيدة من أقرب القصائد لقلب الشاعر

عبد السلام بركات زريق 11-25-2010 11:26 AM


المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (20)



صحوة الحب



ضجَّتْ قوافي الهوى في قلبيَ الضَّجِرِ
وجاءني الوحيُ في تسبيحةِ السَّحَرِ


ألقى عليَّ من التنزيلِ آيتَه
لحناً تُوقِّعهُ قيثارةُ القدرِ


فرحتُ أغزلُ من عينيكِ قافيةً
تلألأتْ في سماء الحبِّ كالدُّرَرِ


* * *
يا صحوةً قبل موتِ الحبِّ أحسبُها
دهراً طويلاً .. ولكن ليس من عُمُري


عرفتُ فيك الهوى الصوفيَّ ينقلني
لعالمٍ فوق هذا الكونِ مزدهرِ


نعمتُ فيه بإخلاصي وتضحيتي
بين الدموعِ وبين الخوفِ والحذرِ


أرنو إليكِ وفي عينيَّ ما عجزتْ
عنه الحروفُ من الأحلامِ والصُّورِ


أُحمِّلُ النظرةَ الخرساء ما حملت
جوانحي من لظىً في القلبِ مُستعِرِ


وكل رفَّةِ هُدْبٍ منك أحسبها
رسالةً تحمل الأشواقَ في خَفَرِ

* * *
يا قصةً في ضميرِ الغيبِ أكتُبها
بأحرفٍ من نداكِ المُسكرِ العَطِرِ


ما إنْ أفاقَ فؤادي بعد رقدته
حتى انبريتِ له بالسحر والخَدَرِ


فرنَّحتُه أفانينُ الهوى وغدا
يحيا على حُلُمٍ في الجفن مزدهر


إذا تجرَّأَ أن يهفو لفاتنةٍ
في غمرةِ اليأس من لقياكِ يا قدري


تشهَّد الشوقُ لم يشركْ بربَّتهِ
وسبَّحَ الوجدُ للأهدابِ والحَورِ


* * *
ومرَّ موسم عمري يا مُعذِّبتي
وحبُّنا لم يزلْ يقتاتُ بالنظرِ


فلا شبابيَ بعد اليومِ مؤتلقٌ
ولا قوافيْ الهوى تنسابُ في وتري


ذوى ربيعُ حياتي بعدما عصفتْ
رياحكِ الهوج في بستانيَ النَّضِرِ


ومرَّ نيسانُ أحلامي على عجلٍ
كأنه خائفٌ من صيفكِ الضَّجِرِ


فلا العنادلُ نشوى في خمائلهِ
ولا النسائمُ سكرى من لمى الزَّهَرِ


ولستُ أرجو شتاءً بعدما انقشعتْ
غيومكِ السود عن شمسي بلا مطرِ


كوني كما شئتِ إني لم أعدْ أبداً
للوهمِ .. للوجدِ .. للتسهيد .. للسَّهرِ


طالَ امتياحي بحورَ الشوقِ واهترأتْ
شباكُ حبيْ ... وضاعَ العمرُ بالسفرِ



حماة 28-8-1974


عبد السلام بركات زريق 11-25-2010 05:10 PM


المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (21)



شراع الخيال



يا شراعاً على السرابِ تهادى
أين تمضي وما وراء السرابِ


عُدْ بقلبي لشاطئِ الأمن إني
في بحار الأسى طرحتُ رِغابي


أنتَ أدرى بما لقيتُ وحسبي
يا شراع الخيالِ طول اغترابي


سوف أحيا بقيةَ العمرِ أبكي
في كهوفِ الظلام فجرَ شبابي


يوم أخلصتُ في هوايَ سنيناً
أسكب الوهمَ في كؤوسِ شرابي


وندامايَ صبوتي وحنيني
وانشغالي ولوعتي واضطرابي


أمضغ الهمَّ ، أشرب اليأسَ ، أحيا
في جحيم النوى ومُرِّ العتابِ


أتغابى عن الحقيقةِ حتى
لم يَعُدْ بالهوى يفيدُ التغابي


* * *
يا شراعَ الخيال حسبكَ أني
ضقتُ ذرعاً بموجكَ الصخَّابِ


قهقهاتُ العيون تسخر مني
في ضميري نفاذُها كالحرابِ


وهي في صمتها تودُّ لو انِّي
أصرف العمرَ في بحار العذابِ


* * *
يا شراعي وموج وهميَ يطغى
والأمانيْ تكفَّنتْ بالضبابِ


مزَّقتْ سترها فها هي تبدو
وهواها بألف ألف انقلاب


فاهجرِ البحر يا شراعَ الأماني
إنَّ قلبي يحومُ فوق الشعابِ


جفَّ ورد الخيال في الحبِّ حتى
لم تَعُدْ تورق المنى في رحابي


فإذا أحرفي النديَّةُ ظمأى
لسؤالٍ عن ريِّها وجوابِ


وتلفتُّ لم أجد غير كأسٍ
أفرغتْها الآلامُ ضمن كتابي


وصحا الوجدُ فالأماني ثكالى
نادباتٌ رؤايَ بعد اكتئابي


لم أعدْ أُشرِعُ الخيالَ وأمضي
ضائعَ السَّمتِ .. مُبحراً في العبابِ


فغداً تهدأُ الرياح وأعلو
بجناحيَّ فوق هامِ السحابِ




حماة 20-10-1974




ناريمان الشريف 11-25-2010 05:21 PM


أُحمِّلُ النظرةَ الخرساء ما حملت
جوانحي من لظىً في القلبِ مُستعِرِ





هذا البيت اقتبسته من قصيدة ( صحوة الحب )
وهي من أجمل ما قرأت
سأضيف هذا البيت في ( أجمل بيت شعر )
وأضيف القصيدة في مسابقة ( قصائد شعرية )
أشكرك أخي عبد السلام
والله إنها قصائد شعرية جديرة بالقراءة والاهتمام



تحية ... ناريمان

عبد السلام بركات زريق 11-27-2010 02:30 PM


المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (22)



طريدةُ الوهم



اشكريني على غبائي فإني
كنتُ أعمى وقد غدوتُ بصيرا


كنتُ أعمى إذْ كنتِ أنتِ عيوني
كل شيءٍ عداكِ كان قشورا


كنتُ طفلاً يا دميتي دونَ عقلٍ
كان لهوي بك الأثير الأثيرا


غير أني أحسُّ حبَّكِ لكن
لا تحسِّينَ بي حبيباً أسيرا


أنتِ من أنتِ ؟ يا طريدةَ وهمي
أنتِ جرحُ الإباءِ صار مريرا


أنتِ صوت الغراب ينقر سمعي
كلما جئتُ كي أنام قريرا


أنتِ أشباح يقظتي ومنامي
صرتُ أخشى جنونها أن يثورا


أنتِ لؤمٌ وخسَّةٌ وصَغارٌ
بعدما كنتِ في ضميري ضميرا


* * *
فتنةٌ أنتِ ... ما عشقتُ هواها
فتنةٌ أصلتِ الفؤاد سعيرا


كم بروحي حدَّثتُها وأسرَّتْ
أضلعي حبَّها النديَّ الطَّهورا


كم عشقتُ السُّهاد فيكِ زماناً
أزرعُ الليل أنجماً وبدورا


كنتُ غرَّاً إذ كان حبُّكِ همِّي
أغتذي منه غبطةً وسرورا


وترعرعتِ تحت ظلِّي وعاشتْ
أمنياتي تخطُّ فيكِ سطورا


أقطف الذكرياتِ من كَرْمِ وهمي
ثم أملي كاس الغرامِ حبورا


أستقلُّ الرجاءَ .. أُشرعُ وجدي
مبحراً أحسب العسير يسيرا


قد سئمتُ الحياة خلف حدودٍ
وسئمتُ الترغيب والتحذيرا


لأُغنِّي للبحر أحلى نشيدٍ
يُرقِصُ الحورَ لحنُه والطيورا


ولهيبُ الجراح يشعلُ شوقي
فيضوعُ القصيدُ منه عطورا


* * *
يا ملاكاً أبى السجودَ لحبي
فهوى جاحداً أثيماً كفورا


كنتِ في أضلعي حناناً غريباً
وضياءً وخمرةً وعبيرا


كنتِ دفئاً أُحسُّه في عظامي
وصفاءً ورقَّةً وشعورا


كنتِ وحياً على لسان القوافي
كنتِ روحاً ... وكنتُ قلباً كبيرا


* * *
وتوهمتُ أنني كنتُ أعمى
وبعينيكِ قد رسمتُ المصيرا


فإذا الشوك في رياضكِ ينمو
يقتلُ الغَرْسَ والشَّذا والزهورا




حماة 23-12-1974



عبد السلام بركات زريق 11-27-2010 08:20 PM

المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (23)



لحنُ حبِّها الأخير



لا تسأليني إذا حطَّمتُ قيثاري
فلحنُ حبِّيَ لم تعزفه أوتاري


قضيتُ سبعةَ أعوامٍ أداعبها
بين الدموعِ سجيناً خلف أسوارِ


أعاقر الوهم حتى كاد يصرعني
بأكؤسٍ من حُميَّاه ... وأسراري


معطَّل الحسِّ إلا حين يجمعني
بكِ اللقاء ... فتندى كلُّ أزهاري


وأُسقط الوهم من محراب صومعتي
لمَّا أُرتِّل في عينيكِ أشعاري


وأستحمُّ بآمالي وأُرقصها
كرفرفِ النورِ فوق السلسلِ الجاري


كأنني ... ورؤى عينيكِ ترصدني
أنَّى رحلت بآفاقي " كرادارِ "


فراشةٌ من ظلامِ الليلِ جانحةٌ
إلى الضياءِ لتُشوى في لظى النارِ

* * *
يا قصةً لم يزل يبكي نهايتَها
سكبُ القوافي .. بمُنْهَلٍّ ومدرارِ


شوَّهتِ منها فصولاً كم غفرتُ بها
لكِ الذنوبَ .. وما أغفلتُ أوزاري


وكم وقفتُ بمحرابِ الهوى وجِلاً
أمام عينيكِ محفوفاً بأخطارِ


وأنت عني بنسجِ الصوف لاهيةٌ
وقد تعمَّدتِ إهمالي وإنكاري


وقد يطولُ وقوفي ثمَّ يدفعني
جوُّ السكون لأروي بعضَ أخباري


فتَبسمينَ كمن يهزا .. ويُخجِلُني
هذري .. ويُلجِئُني حُمقي لأعذاري


* * *
واليوم يا صحوةَ الآلامِ في كبدي
قتلتُ حبَّكِ عن عمدٍ وإصرارِ


وبتُّ أرقبُ فيه الحكمَ منفرداً
شهوديَ الدمعُ .. والآهاتُ أنصاري


لعلَّ شرعَ الهوى تقضي عدالتُه
بأنْ أُخلِّصَ من عينيكِ أقداري


ليزدهي أملٌ في ومضِ خاطرتي
وينتشي نغمٌ في لحن مزماري


وتنطفي حُرَقٌ أشعلتِها بدمي
وتنتهي في دنى عينيكِ أسفاري


فأحتسي خمرةَ الإلهامِ تنقلُني
لعالمٍ من صباباتي وأوطاري


وأُسكِرُ الليلَ تغريداً بقافيةٍ
عذراءَ فجَّرها عصفي وإعصاري


وحسبُ قلبيَ ما ودَّعتُ من شَجَنٍ
لا الوجدُ خمري ولا الأوهامُ سُمَّاري



حماة 5-1-1975




عبد السلام بركات زريق 11-28-2010 09:30 PM


المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (24)




أجنحةٌ في غَيهبِ القدر




صحوتُ عفوَ الهوى من سكرة العُمُرِ
لا الوجدُ خمري ولا جرحُ النوى وتري


ولا ندامايَ أحلامٌ مجنَّحةٌ
نَدَّيْتُها بدموع السهد والسهر


أنا الذي لم أدع للحبِّ صومعةً
إلا نقشتُ على محرابها سُوَري


وما عبرتُ صحارى الوجد محترقاً
إلا تطايرَ من كُثبانها شرري


وكم أثرتُ من الأشواقِ زوبعةً
صيفيَّةَ السُّحْبِ .. لم يهطل بها مطري


وفي كهوفِ ظلامي كم ضفرتُ له
جدائل النورِ إكليلاً من الصورِ


وطوَّقتْ أحرفي جِيد الجمالِ بما
نضَّدتُه من لآلي السِّحر في السَّحرِ


ولملمتْ أنمُلي دمع النجومِ فما
من دمعةٍ هطلتْ إلا على دُرري


حتى وصلتُ إلى بيداء موحشةٍ
إلا من اليأسِ ظلَّاً يقتفي أثري


أنَّى رحلتُ عيون الغدرِ ترصدني
وحيثما كنتُ ضاق الكون في نظري


ضيَّعتُ فجر شبابي في تألُّقه
أرنو إلى الزهر بين الشوكِ والحجرِ


فأحسد الشوك في سرِّي ويدفعني
حمقي لأقتلعَ الأحجار بالظُّفُرِ


وقد أعود إلى نفسي أعاتبها
وهناً .. وأصلبُ إحساسي على الفِكَرِ


موزَّعُ القلب لم أظفرْ بمؤنسةٍ
يوماً تسائلُ دفءَ الحرف عن خبري


كأنني ما عزفتُ الشوقَ أغنيةً
عذراءَ رنَّحتِ الأنسامَ من سَكَرِ


وما أسلتُ شجوني نهرَ قافيةٍ
ينسابُ عاطفةً في روضيَ العَطِرِ


وما نشرتُ على الشطآنِ أشرعةً
مزَّقتُ آخرها في وحشة الجُزُرِ


وجئتُ بالشيب والإخفاق .. يحملني
موجُ الندامة في دوامةِ السفرِ


تقتاتُ من جَلَدي أشباحُ ذاكرتي
وترتوي من دمائيْ فضلةُ العُمُرِ


لكنَّني ضقتُ بالأيام أقطعها
لا الوجدُ خمري ولا جرحُ النوى وتري


فعدتُ أنسج تحت الليل أجنحةً
غداً سأطلقها في غيهبِ القدرِ




حماة 12-2-1975





عبد السلام بركات زريق 12-01-2010 06:26 PM

المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (25)



من وحي مهرجان أبي الفداء



أغفتْ على ساعد الأقدارِ حالمةً
تصبي الزمان بما يُغري ويُصبيها


كأنَّها غادةٌ ضجَّتْ لفتنتها
كل البلاد وودَّتْ لو تُجاريها


لكنَّها وليالي الأنس عامرةٌ
حيناً .. وحيناً تعاني من لياليها


ترفَّعتْ وسمتْ عن كلِّ شائنةٍ
وباتَ يروي جذورَ المجدِ " عاصيها "*


كانتْ ولمَّا تزلْ مهدَ الجمالِ على
مرِّ العصور وصرحاً في تعاليها


تظلَّمَ السِّحرُ لمَّا أن رأى عَجَباً
من سحر فتنتها .. من طيب أهليها


وازورَّ يندبُ حظاً عاثراً عجزتْ
منه الطلاسم في حسنٍ تباهيها


فللنَّواعير أذكارٌ مموسقةٌ
ترقى إلى الله من محرابِ واديها


تستقبل الشمس تحناناً بأدمعها
حتى إذا غربتْ ناحتْ سواقيها


وللصباح تثنٍّ في خمائلها
وللمساء هيامٌ في روابيها


والطيرُ تصدح والأفنان راقصةٌ
مع النسائم تصبيها وتشجيها


فاستلهمِ الوحيَ من محراب عزَّتها
ومتِّعِ الفكرَ في دنيا نواديها


واستوحِ ما شئتَ من آياتِها سوراً
واستنطقِ الصخر ينطقْ بالفدا فيها


واجلسْ إلى " الدهشة "* الممراحِ مستمعاً
لقصةٍ عن " بني أيوب " ترويها


هنا بنينا صروح المجد في زمنٍ
كانت يد الغدر تمضي فيه تشويها


هنا على ضفة العاصي سما علمٌ
عاشتْ حماة بها نُعمى أمانيها


ألقتْ إليه مقاليد الأمور بما
يُرضي العلى والندى والمجد يجريها


" أبو الفداء " " عماد الدين " فانكفئي
يا عصبة الشرِّ قد سلَّتْ مواضيها


ولينقشعْ مدلهمُّ الليل عن بلدي
فالعلم والنور فيضٌ من أياديها


حنا على الفكر كالأجفان يحرسه
بكل ثاقبةٍ في الرأي يُدليها


وأرهفَ السيف باسمِ الله فانتزعتْ
روحٌ ..وروحٌ به قد راح يُحييها


" أبو الفداء " فغنِّي يا عُلى طرباً
وزغردي يا جراحي في الحِمى تيها


* * *

هلَّا أقمتمْ له صرحاً يُذكِّركم
بباذخِ المجدِ يا أحفادَ ماضيها


هلَّا وقفتم سويعاتٍ بحضرته
تستلهمون فنوناً من معانيها


هلَّا أفضتمْ إليه كلما ازدحمتْ
مصائبُ الدهر واربدَّتْ دياجيها


قضيتُ سبع مئينٍ في تذكُّره
أسامر البدر والأمواهَ تمويها


لكنني وفؤادي دائرٌ أبداً
يسقي الحياة رحيق الحبِّ ترفيها


أقول والدمع يروي قصةً عجباً
لمَّا يزلْ ثأرُنا في القدس يمليها


حتى نُعِدْ لهمُ " حطين " ثانيةً
فيوم " تشرين " بعضٌ من تساميها


* * *

لبيكِ .. لبيكِ .. يا " أمَّ الفدا " وصحتْ
منابرُ العزِّ .... واهتزَّتْ نواحيها


وقام كلُّ بليغٍ ماردٍ لَسِنٍ
يروي مآثرَ حاميها وحاديها


من كلِّ حدبٍ إلى " أمَّ الفدا " وفدوا
فلليراع بها همسٌ يُناغيها

وللقوافي على قيثارها نغمٌ
كأنَّ " داود " يشدو في معانيها


هذي الحضارة من كشفٍ ومخترعٍ
لولا العروبة لم تسطعْ دراريها


نحن الهداة وقرص الشمس موردنا
وهم ظلالٌ لنا نجري فَنُجريها


ما غيَّر الدهرُ منا شيمةً عُرِفتْ
نحن الصفيُّون للأخلاق نعليها


والدهر ملعبنا لم نخلِ ساحتَه
إلا لنوسعَ فكرَ الكون توجيها


فإن بغوا باسمها حيناً بلا رَشَدٍ
فللحضارة فينا ما يُعزِّيها


* * *

أستغفر الله يا " أمَّ الفدا " أَبِقتْ
مني الحياةُ .. وحسبي لا أداجيها


فاستغفري الله لي يا جنَّتي فأنا
شادٍ على الأيكِ أشعاري أُغنِّيها


واسلَمْ على شفةِ التاريخ يا وطني
أغرودةً تُسكر الدنيا ومن فيها




حماة 1-12-1974



* العاصي .. نهر يشطر مدينة حماة
وتقوم عليه عشرات النواعير
* الدهشة .. اسم الناعورة التي تجاور
ضريح أبي الفداء




عبد السلام بركات زريق 12-01-2010 08:13 PM


المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (26)



ساحرة الدمى







وهواكِ ما ملكَ الفؤادَ سواكِ
حسبي من الدنيا نوال رضاكِ


سبعٌ من السنواتِ أحلم بالمنى
أهفو إليك وأكتوي بلظاكِ


أحرقتُ أيامي على قدمِ الهوى
فرضيتُ ذلِّي تحت عرش علاكِ


وجعلتُ سري في هواكِ مطيَّةً
وسخرتِ مني إذْ بلغتِ مناكِ


لا يا ملاكَ الطهرِ لستُ مغفَّلاً
فدعي غروركِ لستِ أنت ملاكي


ما كنتِ إلا الوهم لفَّ مشاعري
زمناً .. وأسلمها لزيفِ هواكِ


فغدوتُ أخلص ما يكون متيَّمٌ
يهتزُّ من طربٍ لوقعِ خُطاكِ


ويغارُ من كفَّيكِ لو مسحا على
خدَّيكِ أو مسَّتهما شفتاكِ


ومن الوسادة في سريركِ تنتشي
بالطيب يغمرها نديُّ شذاكِ


وأخاف ألسنةَ الوشاةِ فأنثني
لأَردَّ طرفي عنكِ حين لقاكِ


* * *

يا جنَّةَ الأحلام تزرعُها المنى
ألقاً .. ويظلمها طويلُ نواكِ


نَضبتْ أمانيَّ العِذابُ فليس لي
أملٌ بوصلِكِ وارتشافِ لماكِ


وغدتْ خيوط الوهم تنسج قصتي
شعراً يصوغ من الحروفِ حلاكِ


فأنا " وأوهامي وفيضُ مشاعري
ورقيقُ إحساسي وبُعْدُ جناكِ "


أُلعوبتانِ بكفِّ ساحرة الدُّمى
تتواثبانِ على شفيرِ هلاكِ


لمَّا رأيتُهما على شفة الردى
تتأرجحانِ بلحظكِ الفتَّاكِ


آليتُ ألا يستخفَّ بيَ الهوى
ويطير بي شوقي إلى الأفلاكِ


وخشيتُ من نار الصدودِ على غدي
وأنا على وشكِ الصدودِ أراكِ


فكسرتُ قيثاري وجئتكِ أعزلاً
إلا من الآهاتِ عند جفاكِ


لأقولَ .. والآلامُ تسحق أضلعي
كذَبتْ عليَّ كعهدها عيناكِ





حماة 4-1-1974




عبد السلام بركات زريق 12-04-2010 11:57 AM

المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (27)



أصيلُ العمر




ودَّعتُ أيام الشباب الغالي
وصحوتُ يحرقني لظى آمالي

ضيَّعتُ أحلام الحياة رعونةً
آلتْ حلاوتها لسوء مآلِ


فجنيتُ أشواك الورود بأنْمُلي
وغنمتُ أصدافاً بغير لآلي


وحملتُ أوراق الشقاء بخافقي
وفتلتُ من نَزَق الغرور حبالي


ونسجتُ من غَزْل الخيال مطارفاً
ولبستها بتأنقٍ ودلالِ


وبحثتُ عن ألق الحقيقة لم أجدْ
إلا الضلالة والضباب حيالي


فطويتُ أسفار المعارف يائساً
وفتحتُ سفر الجهل بعد ضلالي


ومضيتُ أحلم بالسعادة والمنى
فغرقتُ بالآثام والأوحالِ


* * *

ولكم وقفتُ أمام نفسيَ حائراً
مستسلماً لندائها المتوالي


فرأيتُني أجتاح كلَّ عظيمةٍ
وأصدُّ كلَّ ملمَّةٍ بفعالي


أتقحَّمُ الأخطار .. أهزأُ بالردى
لترفَّ في أفق النضال ظلالي


حتى كأنِّي - والحوادثُ جمَّةٌ -
هدفُ الزمان وساحةٌ لقتالِ


أبداً يُسدِّدُ للفؤاد سهامه
حتى تعودتِ الخطوب نزالي


ألفَتْ وجودي في منازلِ غدرها
رجلاً على الأحداثِ غيرَ مبالِ


فتراجعتْ عني لترجعَ كَرَّةً
أُخرى .. وقد كسر الزمانُ نصالي


* * *

عمري سنا برقٍ تألَّقَ واختفى
بظلامِ يأسي بعد طول نضالي


ما مرَّ بي يومٌ تبسَّمَ فجرُه
إلا بكيتُ عليه خوف زوالِ


إني ليَحْزُنني فراق أحبَّتي
نزقِ الشبابِ وصبوتي وجمالي


ورفيفِ أحلام الطفولة والصِّبا
وبزوغِ آمالي بأفق خيالي


وجموحِ أفكاري وفيضِ مشاعري
ورقيقِ إحساسي وظُرفِ مقالي


لكنَّ لي كبداً تحنُّ وخافقاً
أبداً على الأيام ليس بخالِ


حمل الهوى والطهر تحت شغافه
ما كان يكذبُ في الهوى ويُمالي


واليوم .. والألم الممضُّ يهدُّني
وعجينتي رجعتْ إلى صلصالِ


قاربتُ سنَّ الأربعين فهامتي
جرداءُ .. إلا من رفيف ظلالِ


سكنتْ سفوح الرأس تحضن قمةً
كرسوم أهل الكهفِ .. كالأطلالِ


رجعتْ إليَّ تنوشني بنيوبها
ولظى الهموم أتى على سربالي


جفَّتْ ينابيعُ العطاءِ ورجَّعتْ
برياضِ عمري جوقة الآصالِ


وإذا بصحراءِ الفناءِ تلوح لي
ويضيعُ فيها موسمُ الآمالِ




حماة 22-7-1972



عبد السلام بركات زريق 12-05-2010 02:15 PM


المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (28)



موسم العمر




حطَّمتُ في قسوةِ الأقدار قيثاري
من بعد ما قطعتْ باليأسِ أوتاري


ورحتُ أعزف ألحان الشقاء على
أعصاب قلبي وإحساسي وأفكاري


كأنني لم أكنْ بالأمسِ عن ثقةٍ
أغزو الحياةَ بإيمانٍ وإصرارِ


ولم تكنْ جذوة الآمال تُلهبني
فأقطع اليأس مجتاحاً كإعصارِ


حتى وصلتُ إلى صحراءَ قاحلةٍ
إلا من الوهمِ ينمو بين أخطارِ


أعيشُ فيها وحيداً لا أنيس معي
يرمي بيَ الخوف في دَيْجور أغواري


ضاعتْ معالم دربي في عواصفها
فأينما سرتُ يمحو الشكُّ آثاري


زرعتُ في رملها الآمالَ فاحترقتْ
وأينع اليأس في أعماق أسراري


وعشتُ عمريَ أشقى في مجاهلها
أحيا على برقِ أحلامي وأوطاري


أفنيتُ فيها شباباً زاخراً أَلِقاً
ولاح زحفُ مشيبي دون إنذارِ


حتى طلعتِ وفي عينيكِ نبعُ هوىً
فاعسَوْشَبَ الرمل من سحبي وأمطاري


وغرَّدتْ في ضميري كلُّ ساجعةٍ
من الأماني على ألحان مزماري


يا مرحباً بالهوى العذريِّ يحملني
على جناحيْ خفوقٍ حالمٍ ساري


أحنو عليكِ .. ودنيا السعد تُغرقني
من وهجِ عينيكِ في أمواج أنوارِ


وأنتشي بالشفاه البكرِ تسكبُ لب
خمرَ الوصال وتغفو عنكِ أقداري


فأُسكرُ الكون تغريداً ويُسكرني
منكِ الحديثُ .. ويروي الليلُ أخباري


* * *

يا غادةً في رياض الحبِّ لاهيةً
أخشى عليكِ - وقد أسرفتُ - من ناري


أخشى عليكِ ضياعي بعدما نبتتْ
أشواكُ حبِّكِ في بستان أزهاري


وغاضَ كوثرُ إلهامي وما رويتْ
أحلامكُ الخضرُ من ينبوع أشعاري


ومرَّ موسمُ عمري كالسراب زما
جنيتُ منكِ سوى همِّي وأوزاري


كأنَّني ما سكبتُ القلبَ أُغنيةً
عذراءَ في نغمٍ كالسحر معطارِ


رفَّتْ على شفتيْ قيثار عازفها
ألحانُها البِكرُ تُحيي ليلَ سمَّارِ


وأنتِ في عبثِ الأطفالِ لاهيةً
عني .. وحسبكِ أنْ حطَّمت قيثاري




حماة 23-4-1973





عبد السلام بركات زريق 12-05-2010 02:37 PM

المصدر
ديوان صراخ الجحيم
رقم القصيدة (29)


غرق





أغرقيني في بحرِ عينيكِ ظلماً
ما أُحيلى الفناءِ في مقلتيكِ


وادفنيني في عطر نهديكِ عطفاً
أعشقُ الطيب في حمى نهديك ِ


واحرقيني بنارِ خديكِ جَوْراً
لستُ أخشى اللهيب من وجنتيكِ


وابعثيني من بعد خلقاً جديداً
طفلَ حبٍّ أغفو على ساعديكِ


ثم جودي عليَّ بالعفوِ وامضي
بي لدارِ الخلود بين يديكِ





حماة 20-7-1972




عبد السلام بركات زريق 12-05-2010 09:11 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (1)



إجهاض الحلم




أملٌ أضاءَ وأطفأتْه ظنوني
فهوى عليَّ وما اتَّقتهُ يميني


حاولتُ أمنعهُ السقوط بهمةٍ
نبذت خلايا الذُّلِّ من تكويني


مُذْ كنتُ أقتنصُ النجوم وأنثني
وهناً وأودعها سواد عيوني


أحسستُ أني بالشقاء مقيدٌ
أُقصيُ رؤاه ولم يزل يدنيني


فأنام أنتظر الصباح لعلَّني
بنداهُ أطفئُ حرقةً بجفوني


وأفيقُ يبعثني الضياء محملاً
بالأمنيات مدججاً بحنيني


* * *

وأغيبُ في صور النهار تشدُّني
بالمغريات إلى طريق مجونِ


أتسلق السفح المريبَ لقمَّةٍ
شمَّاءَ كلَّلها السنا بفتونِ


حتى وصلت وفي الطريق تبخَّرتْ
أحلام عمري تحت حَرِّ شجوني


ورأيت ملحمة السراب وقد غدتْ
وهماً توضَّح فوق قبر ظنوني


وتخضَّبت بدماء جهدي علتي
فرسمت لوحاتي بصمت حزينِ


وجمعت أوراق الخريف دفاتراً
وكتبتها شعراً بماءِ شؤوني


* * *

وبدأت مرحلة الهبوط مشيَّعاً
بدم السقوط على غضون جبيني


ألقي أخاديد الزمان بسلةٍ
من غَزلِ أوهامي ونسج جنوني


حتى إذا امتلأتْ حملتُ جمارها
ومضيتُ أطفئها ببرد يقيني


ورجعت ألفظ ما ألوكُ من الحصى
عمراً وكان قوامُها يغريني


أيام كنتُ رهينَ كبتِ عواطفي
ورؤى الشباب بجمرها تكويني


وغدت حساباتي تعبِّر عن مدى
حُمقي وتقذف بي لبحر سكونِ


تترصَّد الحيتانُ نُبلَ مشاعري
لتنالَ من مِزَقي و عَظْمِ أنيني


فسرى دبيبُ الوهن يقتلُ في دمي
حَملاً فأجهضني ومات جنيني



18-11-1996




عبد السلام بركات زريق 12-06-2010 12:47 PM

المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (2)


دماء الخوف





أعيش الخوف أحلم بالأمانِ
بغاشية الزمان من الزمانِ


أعيشُ الخوفَ منذُ جريتُ دفقاً
وسوى الله من حمأٍ بناني


خرجتُ من الظلام وكان وحتماً
خروجي من دياجير المكانِ


وواجهت الضياء وزاد خوفي
يقيني أنني لابدَّ فانِ


لأُحشر للحساب وأيُّ حشرٍ
يطيشُ لهولِ مشهدِهِ جناني


* * *

أعيشُ الخوفَ حين السعد يبدو
ويرهقني التباعد والتداني


وتتركني المخاوف حين يصحو
جنوني في مسابقة الثواني


ويحسدني الجهول على جنوني
وسيري في الحياة بلا عِنانِ


ويحسب أنني مازلت غرَّاً
مع الستين أخسر في رهاني


فلا أنا من ذوي " المليار " مالاً
ولا أنا من قراصنة البيانِ


وجُلُّ الحاسدين عبيدُ مالٍ
تفانوا بالجواهر والجُّمانِ


وحسبي أنني بضياء شعري
غزوتُ الشمس بالغُررِ الحسانِ


دماءُ الخوف تصهل في عروقي
وتتركني أعاني ما أعاني


أُسابقها بطيءَ الخطوِ أعدو
فتسبقني وتنخرُ في كياني


وتُسلمني لمفرقٍ مريب
تلوح به سراباتُ الأماني


وأرجعُ والضباب يلفُّ عمري
لأوغل في سحابات الدُّخانِ


أُقطِّر من دموع اليأس حلمْاً
خريفيَّاً تُعتِّقُـــه دناني


وأزرع فيه كل شتات عمري
فتحصده نيوب الأفعوانِ


* * *

أعيش الخوفَ من أمواج وهمي
وجهلي للشواطئ والمواني


وتقذفني رياحٌ عاتيات
إلى جُزُرٍ يُشلُّ بها لساني


تُميتُ الشعر في قلبي وتُحيي
أحاديثَ الرياءِ بمهرجانِ


أعيش الخوف ينهشني ضميري
إذا أحكمتُ أقنعة الجبانِ


وجرَّبتُ الشجاعة دون رأيٍ
وحطَّم كلَّ سامقةٍ سناني


وحاولتُ العبورَ إلى مكانٍ
بلا صحوٍ يضيع به حناني


* * *

أعيش الخوفَ من نزواتِ نفسي
إذا جمحتْ و غادرني اتزاني

وخلَّفني أسيرَ هوايَ أمضي
على جُرُفِ المذَلَّةِ والهوانِ


فأبلغُ ذِلَّتي وألوكُ يأسي
وأُعرِضُ عن مغازلة الغواني


* * *

أعيشُ الخوفَ من ربِّي وأخشى
ظلام القبر يحطمُ عنفواني


وأخشى الفكر يهزمني جزوعاً
ومالي حين يهزمني يدانِ


ولم أعلم مقامي عند ربِّي
أفي نار الجحيم أم الجنانِ


ولولا أنَّ لي أملاً بعفو ٍ
لأزهقتُ الحياة بلا توانِ


ولكني عرفتُ حدود عقلي
وأنِّي في حدود العقلِ وانِ


فآثرتُ الرضى وتركتُ روحي
على الآمال تحلُمُ بالأماني


كذا الدنيا شقاءٌ مستمرٌ
وخوفٌ دائمٌ في كل آنِ


فسُحقاً للذي يرجو بقاءً
ويعلم أنَّه لابُدَّ فانِ





عبد السلام بركات زريق 12-06-2010 12:54 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (3)





الشوق القاتل





أَعدُّوا عصا الترحال إنِّيَ راحلُ
فشوقي لهجر الحيِّ شوقٌ مقاتلُ


أَعِدُّوا عصا الترحال ثمَّ ترقبوا
رحيلي لحيٍ ليس فيه منازلُ


سئمت حياتي بين أهلي وصُحبتي
وبتُّ غريباً في بلادي أناضلُ


أحاولُ كسب القوت في بُؤر اللظى
وفي غُرَفِ التبريد أيضاً أحاولُ


وأبرزُ في ساح القتال معانداً
وأسلُسُ في ساح الهوى فأغازلُ


أنوءُ بما يرضي الجمال فأنحني
كما تنحني وقت الحصاد السَّنابلُ


وأمشي على شوك الترفُّع حافياً
وفي همَّتي شُمُّ الجبال أطاولُ


وما كنت غِرَّاً بين أهلي ولم أجدْ
لنفسي مثيلاً للزمان يصاولُ


ويسعى حقودٌ بالوقيعةِ بيننا
ويغبطه في السعي نذلٌ وسافلُ


كذا الناس رعديدٌ وصِلُّ وغادرٌ
فهل من جذور اليأسِ ينمو التفاؤلُ


تمدُّ ليَ الأيام كفَّ مسالِمٍ
وتقطع بي حبلَ الرَّجا فأقاتلُ


* * *

ولما رأيتُ الناس حولي أساوداً
وأنيابُهم فيها الحتوفُ مواثلُ


توقَّفتُ في صمتٍ أفتش في يدي
لعلَّ بها عوناً لما أنا فاعلُ


فلم أرَ فيها غير ريشة شاعرٍ
أبيٍّ إذا جدَّ النزال ينازلُ


ينام على نارٍ ويصحو على لظىً
يحاذرُ أن يطغى الأسى فيواصلُ


وتولدُ في عينيه ألفُ مريبةٍ
تُشاغِلُهُ عمَّا يرى فيُشاغلُ


ويغمضُ أجفانَ الظلام لعلها
تلوح له خلف الظَّلام أصائلُ


يُجاري سوادَ الناس فيما تعوَّدوا
فطوراً يجافيهم وطوراً يجاملُ


ويجمع بين الخوف والأمن مُجهَداً
وتفصله عما يروم فواصلُ


ويسعى إلى النُّعمى بكل وسيلةٍ
وهيهات أن تسعى إليه الوسائلُ


فيرسلُ آياتِ البيان صواعقاً
ويترك للأحفاد ما هو قائلُ


* * *

سأمضي ولا أُصغي لحكمةِ ناصحٍ
فإنَّ دعيَّ النُّصحِ خِبٌّ مُخاتلُ


أخِبُّ مع الستين أبحث عن دمي
فهل جفَّ ؟ أم صُبَّتْ عليه السوائلُ ؟


وهل أنا مقتولٌ بعدلي وظلمهم
وهل أنا في رفع الظلامة قاتلُ


لقد حِرتُ في ردِّ الجواب ولم أزلْ
برغم ضياعي في السؤالِ أُسائلُ




2-9-1999







عبد السلام بركات زريق 12-06-2010 02:56 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (4)




طفلةُ النهدين






أحبُّك حبَّ الروض للطلِّ والندى
أحبُّك حبَّ العشبِ للغيمةِ البكْرِ


أحبُكِ هل تدرين أنِّيَ عابدٌ
وأنَّكِ مهوى الروح في السرِّ والجهرِ


رعى الله أيام الشباب لقد مضتْ
ولم يبقَ إلا فضلةَ الكأس من عمري


ولم يبق إلا أنْ أثوبَ وأرعوي
فقد جفَّتِ الآمال في المهمه القفرِ


* * *

حنانيكِ لم يترك لي الدهر غايةً
ألوذ بها وهناً وقد عقَّني دهري


ولم يبقَ لي إلاكِ أُنساً لوحشتي
فأنتِ شُعاعُ النور في ظلمتي يسري


وأنتِ مُدامي حين يصهرني الأسى
دبيبكِ أحلى في دمائي من الخمرِ


* * *

فيا ليلةً قمراء جُنَّ بها الهوى
غدوتُ بها كالظلِّ من شدَّة السُكرِ


جعلتُ بها كأسي لَماكِ وبسمةً
تُشِيعُ بروحي الدفء في موسم القرِّ


وأنت على شوقٍ تذوبين رقةً
تقولين يا روحي .. أقول:أيا عمري


حنانيكِ يا أحلى عذابٍ عشقتُه
أبثُّ له شوقي على ضفَّة النهرِ


وأفضحُ أسراري لديه وأنثني
أُلملمُ أشواقي وأحنو على سِرِّي


وألمحُ في عينيك عاصفة النوى
فأجمعُ أوراقي وأُخفي بها أمري


* * *

حليفةَ آلامي ويأسي وغربتي
وملهمتي الآياتِ إن عقَّني شعري


كلانا بماء الصبر يروي غليله
فهل تورقُ الأغصانُ في موسمِ الصبرِ


نُجرِّحُ صمتَ الليل في صحوة الهوى
ونستغفرُ الآهاتِ تصحو على الجمرِ


وليس لنا إلا التصبُّرُ في الأسى
لنقلبَ عُسرَ الأمنياتِ إلى يسرِ


* * *

فيا طفلةَ النهدين يا كهلةَ الهوى
رويدكِ في وصلي .. رويدك في هجري


وصلتِ ولم يطفئْ وصالُك حُرقةً
وهاجتْ قوافي الشوقِ كالموج في صدري


وصرتُ أخاف البعد عنكِ لأنَّني
ترشَّفتُ ذوبَ الشهد من خمرة الثغرِ


وحُمتُ على الأزهار أجني مواسماً
أَرِفُّ رفيفَ النحل في غابة الزهرِ


أَعبُّ رحيقاً في دمائي أُحيله
شراباً طَهوراً عبر أوردتي يسري


فهيَّا إلى روضي .. تعالي إلى الهوى
نُخَلِّصْ بقايا العمرِ من قبضةِ الدهرِ





15-8-1997




عبد السلام بركات زريق 12-06-2010 08:39 PM

المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (5)



رحلةٌ من الكوخِ إلى القصرِ




قالت تعاتبُني وقد سكن الهوى
ماذا كتبتَ ؟ وأجهشتْ ببكاءِ


ماذا فعلتُ لتستبيحَ عواطفي
وتقيم مأدبةً على أشلائي


هذي " الفساتين " التي مزَّقتُها
بأظافرٍ نفذتْ إلى أحشائي


هذي الملايين التي جمَّعتها
وصبغتها زيفاً بلون ضيائي


هذي القصائد والرسائل والدمى
والمغرياتُ وحجرةُ الأضواءِ


والأمنياتُ .. الأُعطياتُ وباقة ٌ
محمومةُ الأزهار والأنداءِ


والقائمون القاعدون تزلُّفاً
والراكعون الساجدون ورائي


هذي وتلك وهؤلاء جميعهم
رقصوا على جسدي فمات إبائي


* * *

وأتيتُ أزحفُ والهوان يعضُّني
وبقية الأُجراء والعملاءِ


فإذا زحفتُ إلى الأمام تنكَّبوا
أسيافَ شهوتهم بدون حياءِ


وإذا انكفأتُ إلى الوراء تحلَّقوا
حولي وأمسكَ رأسُهم بحذائي


* * *

فوقفتُ أنتظرُ الغروب لعلَّني
بعد الغروب ألوذُ بالظلماءِ


ومضيتُ في الليل المعكَّرِ صفوه
بضجيجِ من سكروا من البُلهاءِ


أتلمَّسُ الجدرانَ أعثرُ بالرؤى
وأَشقُّ دربي .. أختفي بردائي

طوراً تقاذفُني الظنونُ وتارةً
تمضي بيَ الأوهام في خيلاءِ


ولقد ألفتُ العُرْيَ بعد هنيهةٍ
فخلعتُ جلدي بعد قصِّ فرائي


وألفتُ طعم الغدر بعد تقيؤٍ
فأكلتُ عهدي واحتسيتُ وفائي


* * *

ووصلتُ منتصف الطريق وراعني
شخصٌ تنكر تحت ثوب رياءِ


فوقفتُ أنظر من خلال أصابعي
طوراً وطوراً من ثقوب غطائي


حتى مَللتُ من الوقوف وساقني
حُمقي وحُمَّى اليأسِ في أعضائي


فجذبتُه نحوي ليسقط برقعٌ
فإذا به من عُصبةِ اللقطاءِ


وتركتُه بالوحل يغسلُ وجهَه
ومضيتُ ألعنُ فطنتي وذكائي


وسمعتُه يهذي يتمتمُ قائلاً :
هذا طلاءٌ فاحتقرتُ غبائي


* * *

ووصلتُ قصرك والجراح مشاعلٌ
تقتاتُ زيتَ الهمِّ والبُرحاءِ


فثقبتُ أسوارَ الرياء بنظرةٍ
نفذتْ لداخل قصرك المُتنائي


ورأيتُ ما وسع الخيال تصوُّراً
من خِسَّةِ اللؤماءِ والسُّفهاءِ


العاهراتُ العارياتُ حرائقٌ
بدمِ الزُّناةِ وأضلع الجهلاءِ


لم يعرفوا أن الطريق لضربنا
رُصفتْ بأوَّل دعوةٍ لبغاءِ


* * *

أنهتْ حديثَ العتب ثم تنهدتْ
ورنتْ إليَّ بنظرةٍ خرساءِ


فهرَعتُ للكوخ الذي ماضمَّنا
إلا ليبعدَنا لغير لقاءِ


أمسكتُ مِعولَ خيبتي وهدمتُهُ
لأعيش حلمَ السعد بعد شقائي


ونسجتُ من غَزْلِ القريضِ قصائداً
كفناً لصوتي حين مات ندائي


* * *

هذي قصائديَ التي ما صُغتُها
إلا لأُلقيها على البُسطاءِ


نضَّدتُ أحرفَها المشعَّةَ خلسةً
من أعين النقادِ والأدباء


وجعلت آيةَ حسنها مجلوَّةً
عند الرواةِ ومعشر الشعراءِ



28-2-1978




أمل محمد 12-06-2010 08:56 PM

سلام الله عليك َ يا عبد السلام وعلى أستاذنا جميعــًا

رائع رائع وأكثر ما قرأت ُ هـُنا

صوت ٌ شعري ٌّ فذ ٌّ كما ذكرت

وأحسنت َ صــُنعـًا حين كتبت َ عنه فهو يستحق ّ هذا الجـُهد وأكثر

هـّلا أبلغته تحيـّتي وتقديري وإعجابي بكل ّ حرف ٍ قرأته ُ ولك َ الشكر ~

عبد السلام بركات زريق 12-06-2010 10:53 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أمل محمد (المشاركة 45448)
سلام الله عليك َ يا عبد السلام وعلى أستاذنا جميعــًا

رائع رائع وأكثر ما قرأت ُ هـُنا

صوت ٌ شعري ٌّ فذ ٌّ كما ذكرت

وأحسنت َ صــُنعـًا حين كتبت َ عنه فهو يستحق ّ هذا الجـُهد وأكثر

هـّلا أبلغته تحيـّتي وتقديري وإعجابي بكل ّ حرف ٍ قرأته ُ ولك َ الشكر ~


السلام عليك
الأخت الرقيقة أمل محمد
أشكر صنيعك في وضع صورة الأستاذ
وعبورك الكريم المكلل بالضياء والمؤطر بالورد
سيكونُ الأستاذ ممتناً وشاكراً كحالي الآن
والله كلماتك شجعتني أن أكتب دراسةً كاملةً
عن حياته وما فيها من المعاناة والبؤس
رغم عبقريته الفذة وشاعريته التي لا تحدُّ
والله أجلس بين يديه كل أسبوع عدة
ساعات وكأن عصراً شعرياً أمامي
رغم سوء حالته الصحية وانفضاض من
كانوا (أصدقاء أو تلاميذ ...!!!) عنه ...
علماً أن معرفتي به عمرها عام ونصف
بعد طباعة ديواني الأول (عصفورة المطر )
يقول لي آآه يا عبد السلام لو عرفتكَ من زمن !!
إنه قدره وقدري أن نكون أبناء مدينةٍ واحدة
ولا ألتقيه إلا ...وفاتَ العمر ...
بوركت يا أمل
تحياتي القلبية لك
وتقديري وإكباري
ولجهدك في المنابر

عبد السلام بركات زريق 12-07-2010 11:09 AM

المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (6)




شوقُ المبدعين




لعينيك لا للفرقدين أشيرُ
إذا رام عزاً شاعرٌ وأميرُ


لعينيك قلبي يا حبيبةُ جدولٌ
من العشق سكران الضفافِ نميرُ


لعينيك صلَّى الشوقُ وابتهلَ الهوى
وسبَّحَ وجدٌ واستفاقَ غديرُ


فهامَ تقيُّ القصد في ألقِ المُنى
وشبَّ بأضلاع الشقيِّ سعيرُ


* * *

حبيبةَ عمري يا هزاراً ألفتُه
حزيناً بأجواءِ الضبابِ يسيرُ


يُجرِّحُ ليلَ الصمت وجداً ولوعةً
وحيداً على جيشِ الهموم يغيرُ


يحاول جمعَ الأمنياتِ غنائماً
وليس له رغم الوفاءِ نصيرُ


* * *

عشقتُ بك الآلامَ تصهلُ في دمي
شهيقاً وموت الأمنياتِ زفيرُ


عشقتُ سخيَّاتِ الدموعِ مواطراً
ليزهرَ من موتِ المصيرِ مصيرُ


* * *

حنانيك يا كلَّ الوجود مصوراً
بعينيَّ إنِّي في ضياكِ بصيرُ


أجيبي حليفَ السُّهد يعصرُ كرمه
عبيراً فهل يشفي الجراح عبيرُ


وقولي إذا ما الشوق برعمَ أحرفاً
من الشعر شوقُ المبدعين خطيرُ


وأنِّي بأجواء الضباب طليقةٌ
ولكنَّ قلبي في الظلام أسيرُ


ولولا حنيني للصباحِ ونورِه
لضاق بحُلْمي مخدعٌ وسريرُ


وأنت محبٌّ شاعرٌ متعلِّقٌ
بأهدابِ وصلٍ والوصال عسيرُ


أخاف إذا ما الكرمُ أورقَ واغتنى
وأينعَ عنقودٌ وفاض غديرُ


تبادرُ كرمي حاطباً ومُعرِّياً
وقد نال من خُضرِ الغراس هجيرُ


فآليتُ ألا أغرس الكرمَ بالمنى
ولو حلَّ فصلٌ بالشقاء مطيرُ




7-11-1996




عبد السلام بركات زريق 12-08-2010 04:37 PM

المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (7)



اتهــام



ويتهمونني بالحب زوراً
وأنِّي عالقٌ بشباك دعدِ


وأنَّ قصائدي تنساب نهراً
إذا ما لاحَ جفناها بوعدِ


فقلت : رويدكم إني محبٌّ
وحبِّي للجمال قديم عهدِ


وأني عالقٌ بشباك ليلى
ومالي في هوى دعدٍ وهندِ


تهيمُ بأحرفي إن قلتُ شعراً
وتُلهبني ابتسامتها بوقدِ


تَجاهلُني إذا ألمحتُ يوماً
لصدقِ هوايَ في أخذٍ وردِّ


وتُعرِضُ عن مجاراتي بقولٍ
فتُسلمني لآهاتي وسهدي


وتَلقاني إذا ما غبتُ يوماً
معاتِبةً على نأيي وبُعدي


فأَلمحُ في العتاب بريقَ شوقٍ
ومن خلف العتاب يُطلُّ سعدي


* * *

وكم راحتْ تُشاغِلني بلحظٍ
وتلعب بي على قصدٍ وعمدِ


وتحلو لي مشاغلتي فأرضى
بما يُرضي تدلُّلها ووجدي


وتُسكرني الحروف مُدلَّلاتٍ
تَقَطَّرُ من فمٍ ريان وردي


وأغرقُ في الذهول إذا تبدَّى
ضياءُ الفجر من جيدٍ وخدِّ


ويوقظني العبير وكل عمري
فدىً لعبير شلالٍ ونهدِ


وكم أسرفتُ في التَّهيام حتى
أضعتُ بلُجَّةِ التَّهيام رُشدي


نسيتُ ترفُّعي وسموَّ نفسي
وآثرتُ التملُّقَ دون حمدِ


وما مَلقي لها إلا ابتهالٌ
إليها والجزاءُ جميلُ صدِّ






عبد السلام بركات زريق 12-08-2010 07:59 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (8)



لا تسأليني ما اسمها




لا تسأليني من أحبُّ فإنَّها
نورٌ جرى بدمي أضاءَ حياتي


لا تسأليني لمْ أُجبْك فإنَّني
أحببتُ نورَ الله في مشكاتي


نوراً أضاء لي الحياةَ فأزهرتْ
ودفنتُ في أزهارها مأساتي


* * *

أحببتُ عينيها وبسمةَ ثغرها
ونقاءَ وجهٍ مشرق البسماتِ


أحببتُ لون الورد في وجناتها
وعبيرها الفواح من خُصُلاتِ


وتناسقَ النغماتِ في خطواتها
وسماع موسيقى من الخطواتِ


* * *

أحببتها وكتمتُ حبِّي لم أجدْ
سبباً يشدُّ صِلاتِها بصِلاتي


أحببتها حبَّ الشقي بصحوةٍ
يرجو الإله بأصدق الدعواتِ


فأنا مع الستين قلبي واجفٌ
إنِّي لأَخجل من سنين حياتي


لا تسأليني ما اسمها ما عُمْرها
لا أستطيع الردَّ بالكلماتِ


عمرُ الحبيب لديَّ عمرُ غرامه
والحبُّ لا أحصيه بالسنواتِ


* * *

أنا يا مُنى روحي شقيٌّ عاشقٌ
متعبدٌ لله في خلواتي


أتلو على اسمِ الله آياتِ الهوى
وأقيمُ ليل الحب في صلواتي


طهَّرتُ وردَ النفس من أدرانه
فأنا بريءُ النفس من نزواتِ


وجعلت حبِّي للجمال منزَّهاً
عن خِسَّةِ الأخلاق والنزعاتِ


أهفو لها بحنين قلبٍ شاعرٍ
وأهيمُ في صمتي مع العبراتِ


سيظلُّ جرحي نازفاً بجوانحي
يروي غرامكِ من دماء حياتي



8-8-1994





عبد السلام بركات زريق 12-08-2010 08:39 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (9)



مكالمة هاتفية



راحتْ تحدِّثني بصوتٍ ساحرٍ
لمَّا هتفتُ لها بقلبٍ واجفِ


قالت: وقد سكر الأثيرُ بصوتها
وتلمَّظتْ عبر الأثير مراشفي


هل من جديدٍ في (ال) وذابَ حديثها
كفتيتِ مسكٍ من رحيق عواطفِ


وسمعتُ ضحكتًها ترنُّ بمسمعي
فسرى عبير الشوق يُسكرُ هاتفي


* * *

الله : يا وترَ الخلود لشاعرٍ
يروي هواك بلحن حبٍّ راعفِ


طوراً يطيرُ به الخيال وتارةً
تذرو أمانيه رياحُ عواصفِ


لولا ابتسامتك النديَّة لارتمى
مِزَقاً على أمواج سيلٍ جارفِ


ومضى إلى بحر الضَّياع يشدُّه
نهرُ الأصيل لظلِّ صمتٍ وارفِ


* * *

فدعي هوى عينيك يغسلُ روحه
من كلِّ آثام الزمان السالفِ


وتقدَّمي طوعاً إلى قدر الهوى
ومتى سئمتِ من الوصال فخالفي


وخذي شراعَ نعبرُ خلسةً
بحرَ انشطاراتٍ لِبرِّ تآلفِ


لا تتركي أيام عمرك تنقضي
هرباً تلاحقُها ظلالُ مخاوفِ


إنِّي أخاف عليكِ إنْ عصفَ الهوى
ومضت مواسمُه كبرقٍ خاطفِ


أن تَشرقي بدموعِ حزنٍ قاتلٍ
وتعاقري أنخابَ يأسٍ عاصفِ


فاستسلمي للحبِّ لا تَستبدِلي
أحلام تائهةٍ بنبل مواقفي


فبِكلِّ حرفٍ من حروف قصائدي
نبضٌ يحرِّكُ كل قلبٍ تالفِ


إنِّي طرحتُ اليومَ أسمالَ الهوى
ولبستُ للحبِّ الجديدِ مطارفي




27-12-1996





عبد السلام بركات زريق 12-09-2010 12:20 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (10)



عصرُ الانطلاق



أحبُّكِ هل عرفتِ مدى اشتياقي
وقد أحكمتِ يا قدري وثاقي


أحبُّكِ فامنحيني العذر إنِّي
أخافُ عليك من زمن الفراقِ


تعالي لا تخافي القربَ مني
فسرُّك في حنايا الصدر باقي


ولا تَخشيْ عذولاً راح يسعى
لفصم عُرى المودةِ والوفاقِ


* * *

أحبُّكِ شاعراً فخذي خيالي
وطيري وارتقي أعلى المراقي


وعودي من فضاءاتِ المعاني
إلى عُشِّ الحنينِ والاشتياقِ


لعلِّي حين تخذلني القوافي
أَفيءُ إليكِ أَطمع بالسواقي


وأنهلُ من لظى شفتيك عذباً
يخفِّفُ برده لهَبَ احتراقي


وتنطلق الحروف معربداتٍ
على شفة اليراعِ بلا نفاقِ


فأقسم بالهوى والشعرِ أنِّي
سَريتُ بمن أحبُّ على بُراقِ


من الشوق القديم وذكرياتٍ
من الماضي السحيقِ إلى انعتاقِ


إلى آفاق كونٍ من خيالٍ
نُحقِّقُه بصومعةِ التلاقي


نقدِّس فيه جوهرَ كلِّ حبٍّ
عفيفٍ طاهرِ النزواتِ راقِ


ونكسرُ فيه عَقربةَ الثواني
ونوقفُ كلَّ أزمنةِ السباقِ


تعالي لا تغيبي عن ضيائي
وقد هربَ الظلامُ من انبثاقي


وأورقَ غصنُ سعدي بعد يبْسٍ
ودرَّت بعدما نضبتْ نياقي


فهيَّا يا حبيبةُ واستظِلِّي
بأهدابي ونامي في المآقي


ولا تَدَعيْ هواكِ بلا انطلاقٍ
فهذا العصرُ عصرُ الاِنطلاق




10-5-1995





عبد السلام بركات زريق 12-10-2010 03:04 PM

المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (11)



عذراً يا بني وطني




أصوغُ شعري على اسم الله والوطنِ
حتى يُشَقَّ على دربِ الهدى كفني


أصوغُ شعري فلا الصُّلبانُ تسمعه
ولا الأهلَّةُ في دوَّامةِ المدنِ


حتى برمتُ به وزناً وقافيةً
وفكرةً في بحار الصمتِ تغرقني


* * *

تميَّزَ الشعر غيظاً إذ برمتُ به
وعقَّني معرضاً عني فأغضبني


وأدبر الحرف مذعوراً أطارِدُه
حتى وقعتُ على فكرٍ يشوهني


فما حملتُ يراعي في مساومةٍ
إلا وشقَّ عصا الإذعانِ يرفضني


* * *

أستغفرُ الشعر كم أسرجتُ صهوتَهُ
وكم ترجَّلتُ فاسترخى يُهدهدني


وكم تثاءبَ في أوكارِ ذاكرتي
وكم غفا تحت ملحاحٍ من الوسنِ


فعدتُ أبحثُ عن أشتات قافيةٍ
كادتْ لشدَّة ما أسرفتُ تهجرني


حتى ملكتُ سنا الإبداع فانتظمتْ
حباتُ عقدي وعادَ الشعر يملكني


يا سارياً بدمي أرَّقتْ أوردتي
لما غفوتَ على الأوجاع و الدَّرنِ


إني رجعتُ إلى هَدْيِ الأُلى فهوتْ
هياكلٌ بدَّدتْ ما كان يقلقني


أغريتُ سرب عذارى الشعر فانطلقتْ
على لساني القوافي البكرُ تطلقني


أفق عدمتكَ إن لم تنطلق حمماً
تجري على موجها رغم اللظى سُفُني


إني سئمت قوافي الشعر باردةً
فَلْتحترقْ في جحيم القول يا وثني


وقد صبأتُ فلا الحسناء تشغلني
ولا المدائح والأذكارُ عن سَنَني*


* * *

أفقْ تقحَّمْ جدار الصمت مُدَّرعاً
بالمعجزين كتابِ الله والسُّنن


وانشر جناحين من علمٍ ومعتقدٍ
تلقَ الحروفَ بنور الحق تكتبني


لَكَمْ شحذتُ يراعي وانطلقتُ به
أغزو المفاتنَ حتى كاد يفتنني


أيام كنتُ الحب أسيرَ الحبِّ يملكني
شوقٌ لعينيْ حبيبٍ كانَ يشغلني


فرحتُ أُلجِمُ أفكاري أروِّضها
حتى تهادتْ على الإيمان تحملني


ما جئتُ بِدعاً ولكن صاغني قدرٌ
بأحرفٍ من سنا الإلهام تبدعني


ويشهدُ الله ما رتَّلتُ قافيةً
إلا استعنتُ بوحيٍ منه يلهمني


فبوركتْ ومضَةُ الإشراق من قلمي
تطوي صحائفَ من عمري فتنشرني


* * *

غنَّيتُ للصبر ما غنَّيتُ فانتحرتْ
كلُّ الأماني على مزماره الخَشِن


حتى تفجَّرتُ كالبركان تقذفني
ثوابتٌ حركتْ ما كان يُمسكني


ما أقبحَ الشعرَ إن لم يَغْدُ صاعقةً
على الرؤوس وما أحلاهُ يصعقني


* * *

تجاهلتني أفاعي السُّمِ في وطنٍ
لا عُذرَ فيه لمن في السَّاِح يجهلني


أَغروا صنائعهمْ بي فانتهوا بَدداً
لما رتقتُ عشاء الطَّبلِ في أذني

ورحتُ أُشعلُ بالإيمان محرقتي
فاسَّاقطوا وتهاوت غلطةُ الزَّمنِ


أّفقْ تنكَّبْ سلاحَ الحرف مُنصلتاً
على الرقاب بعزم الواهبِ الفطنِ


أشعلْ جراحي بهمِّ النور مبتكراً
واعتقْ لسانيَ تلقَ الصمت يعتقني


لا تلجُمنِّي بما ترضاه لي هدفاً
لا كنتُ .. لا كنتُ إن حاولتَ تلجمني


لم أحترقْ بشهيقِ النار ما احتدمتْ
لكن أحسُّ زفيرَ الصمت يحرقني


* * *

هذي الملايينُ صرعى الزيفِ يبصقها
عصرُ الحضارة في ماخورهِ النتنِ


أضحوا على العتباتِ السودِ يجذبهم
نهرُ الظلامِ إلى بوابةِ العفنِ


* * *

فانظرْ بعينِ الرِّضا والسُّخط حين ترى
إرادةَ القوم بين العزم والوهنِ


ناموا مع الفجر لا نامتْ عيونُهُمُ
وأسرجوا الخوفَ والإذعانَ في المحنِ


صاموا عن الحقِّ والإيمانِ حين أتى
شهرُ الصيام وجاؤوا الفطرَ بالفتنِ


هذي منابرهم في كلِّ مُنعطفٍ
تروي حكاية مسلوبٍ ومرتهنِ


دبَّ الخنوع بهم حتى لتحسبهم
أشباحَ قومٍ .. دبيبَ السُّكرِ في البدنِ


باعوا دماء الضحايا فاستهان بهم
من راح يذبح كبش السِّلمِ في الدِّمنِ

* * *


ماذا أقول وقد جفَّ المدادُ ولم
يَجْرِ القريض سَرِيَّاً غيرَ ذي أَسَنِ


فرحت أوقظُ من ناموا بثاقبةٍ
حمراءَ تنذزُ أهل الصمتِ في وطني


* * *

يا حاملينَ عصا التّرحال من وجعي
هاتوا اللهيب لعلَّ الكيَّ يُبرئني

شُقُّوا الغيوم رياح الغيث ساكنةٌ
لعلَّ صحوَ سماء الفكر يمطرني


* * *

هُزُّوا النخيلَ أرى العذراء ضارعةً
وطفلها ناحلاً من نُدرةِ اللبنِ


لم يطَّرحْ رُطَباً حتى تقرَّ بها
عينُ التي أحصنتْ فرجاً ولم تَخُن


هُزُّوا النخيلَ أرى الجدران باكيةً
وصخرةُ المسجد الأقصى تؤنبني


هُزُّوا النخيلَ أرى الزيتونَ قد صَبأتْ
أغصانُه بثمار الكفر تقذفني


يا ابن الوليد صراخي ضاعَ في نَهَرٍ
صوتُ الضفادع في شطَّيْهِ يزعجني


ما لامستْ كلماتي جرحَ منتفخٍ
هل في القبور طري الجرح يسمعني ؟


* * *

هُزُّوا النخيل أرى الآبار قد نضبتْ
بل صودرتْ وتفشَّى الزيت في الحَزَن


تلك الجذوعُ التي غصَّتْ بما حملتْ
يجوع في ظلِّها طفلٌ يمزقني


تثاقلتْ وارتمتْ إذ راحَ صاحبها
يقايضُ الزيتَ و الآمال بالمؤنِ


والجائعون حيارى في مواسمهمْ
لم يحصدوا القمحَ بل ناموا على ضَغَن


ونحن نوغلُ في أحشاء منتنةٍ
بحثاً عن العطر في سرٍّ وفي عَلَنِ


كأنَّنا سربُ طيرٍ دون أجنحةٍ
نهوى البقاء بلا أهلٍ ولا سكنِ


فاستغفروا ليَ إنْ حمَّلتُ قافيتي
ما لا تطيقُ من الآلامِ والشجنِ


إنِّي شربتُ دمائي في مقامرةٍ
وما ارتويتُ فعُذراً يا بني وطني




30-6-1997
* السَنَن ... الطريقة

عبد السلام بركات زريق 12-12-2010 05:17 PM

المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (12)



الرجم بالحرف



قالها في الردِّ على
بعض دعاة أشكال
الحداثة المقيتة



تربَّصوا سوف ترمي النار بالشررِ
لن يوأدَ الحقُّ في دوَّامة الأشرِ


تربَّصوا لا تغالوا في أذيَّتكم
لا توغلوا في غموض الرمز والصورِ


تربَّصوا لن تفروا من مصارعكم
لن تفلتوا خلسةً من قبضة القدرِ


تربَّصوا فالردى ينسابُ في دمكم
لا يدفعُ الموتَ نبضُ الخائف الحذرِ


تربَّصوا سوف تهوي الشمس من حَنَقٍ
ويصعدُ الليل يطوي صفحة القمرِ


وسوف تظلِمُ دنياكم وتهجرها
حمائمُ السعد تخشى رعشة الشجرِ


* * *

أنا القضاءُ فلا طودٌ يزيح يدي
عن الرقاب ولا سيلٌ بمنحدرِ


تشدُّني لغة القرآن هاديةً
فمن أراد الهدى فليتَّبعْ أثري


* * *

فهل حسبتم بأنَّ العذر منتصرٌ
وأنَّ مركبه يمضي إلى الظفرِ


وأنَّ من يَبْهتُ الأطهار يَعْصِمُهُ
من قبضة الحق فحشٌ من فمٍ قَذِرِ


حتى إذا لم يَدعْ للغدرِ من سببٍ
أجرى مدامع مظلومٍ ومنكسرِ


* * *

لا والذي في دمي يجتاح أوردتي
طهراً وحباً لذات الكحل والحورِ


لن يصمد الليل في وجه الظلام وإنْ
أغفتْ كواكبُه حيناً ولم تدرِ


* * *

يا والغين بما يرضي ضمائركم
في كل شهمٍ كريمٍ طاهرٍ عَطِرِ

شاهت وجوهُكُمُ .. رُدَّتْ مكائدكم
إلى النُّحورِ وجاء الصيف بالمطرِ


خابتْ ثعابينُكم .. خابتْ عقاربُكم
فسُمُّكم لم يعد يقوى على ضرري


إن كان كسبُ رضى النقاد لي وطراً
فيما أقول فبئس الكسب من وطرِ


لكنه زاخرٌ تغري كوامنُه
فليبحثِ الضفدع الغواصُ عن دُرري

* * *


يا شاربين دمَ الاجداد في صلفٍ
هذا الغرورُ قضى في عتمةِ الحفرِ

إنِّي لأقسمُ بالستين أسحبُها
من قبضةِ اليأس سَحبَ الخيط بالإبرِ


لأَرجُمَنَّكمُ بالحرف متَّقداً
رجمَ الزناة لمحو الإثم بالحجرِ


وأَصلبَنَّكُمُ في كل قافيةٍ
على الأصول لكشفِ الزَّيف والخطرِ


إنِّي شحذتُ يَراعي وانبريتُ إلى
كلِّ الصوامع ذات الهيكل النَّخِرِ


أزيحُ ما حولها من زُخرفٍ دَنِسٍ
يؤذي الشعورَ وألقيها إلى سقرِ


فكمْ حبستُ لساني في مهاترةٍ
شوهاء تملأ جوَّ الأنس بالضَّجرِ


فاستعذبَ الكاشحون الصمتَ وانطلقوا
يتاجرون به في أفحشِ السيرِ


وكم صفحتُ فلم ألجأْ لرداعةٍ
بمارجٍ من جحيمِ القول مستعرِ


نزاعةٍ للشوى تغلي قذائفها
كأنَّها حِممٌ من جوف منفجرِ


ولو عمدتُ إلى كشفٍ وتعريةٍ
للمارقينَ لصاروا عبرةَ العبرِ


فما توهَّمتُ ناراً في مواقدهم
إلا وأرهقَني بحثٌ عن الشررِ


لكنَّني لم أجدْ ناراً ولا شرراً
حتى لا ومضةً تُنبي عن الأثرِ


لقد وجدتُ غُثاءً حشوُه زَبدٌ
وكلُّ ما فيه هذرٌ جاء بالكدرِ


تفسَّخَ الحرفُ في أفواههم فغدا
نَتناً كريهاً على الأسماعِ والنظرِ


إنِّي لأعجبُ ممَّن راح يغبطهم
زوراً ويُثني على التهجينِ للفكرِ


ألمْ يَخفْ ماضياً للضاد منجرداً
فراح يُسلمُ سكيناً لمنتحرِ


أم أنَّه كان من عجزٍ ومن خَورٍ
يبري السِّهام ويعطيها لمندحرِ


* * *

فيا أذلَّاء لمْ تُبْقِ النسورُ لكم
إلا جناحاً مهيضاً غير مقتدرِ


هلَّا نسجتمْ لنا ثوباً تزيِّنه
حداثةٌ تخلقُ الإعجاز في الصُّورِ

أم أعجزَ البحر ملاحاً بلا ثقةٍ
تقاذفته خيول الموج في ذعُرِ


لم يُجدِه طولُ مجذافٍ وبوصلةٌ
وفي الشراع ثقوبُ الضعف والخورِ


فلم يَرَ الدُّرَّ في قاع البحور ومن
لم يبصرِ الدُّرَّ أعمى القلبِ والبصرِ


وغادرَ البحر مدحوراً يسفِّهُهُ
ليبدأَ البحثَ والتنقيب في البؤرِ


حتى إذا لم يَجدْ في جوفها قَبَساً
شقَّ القبور يواري سَوْأةَ الفكرِ


وانهالَ يشتمُ أوزاناً وقافيةً
ما انفكَّ ينعتها بالمسلك الوَعِرِ


أعيتهُ ساحرةُ الأنغامِ صادحةً
فانقضَّ يخدشُ وجه الشمسِ بالظُّفُرِ


وعادَ يسحب ذيلَ الخزي مُنتضياً
بذاءةَ القول في أنَّاتِ مُحتَضَرِ


* * *

يا آكلين لحوم القول باردةً
لقد أَثِمْتُم بحقِّ الضاد والبشرِ


رويدكم لا تُديفوا السُّمَ في دسمٍ
لا تفسدوا راحنا بالمرِّ والعكَرِ


تربَّصوا واسمعوا من وحينا عجباً
من عبقر الشعر لا من سوق مُتَّجِرِ


هاتوا معاييرَكم هاتوا ذرائعكم
هاتوا نصوصاً من التجديد في الأُطُرِ


وحاذروا أن يضلَّ الشعرُ غايته
وحاذروا أن يطيرَ السهمُ من وتري


وأقفلوا باب تعريضٍ وتعريةٍ
في كلِّ سانحةٍ أو كلِّ مؤتمرِ


ولينطلقْ كلُّ غِرِّيدٍ على فننٍ
كما يشاءُ بلا حقدٍ ولا حذرِ


ولنعتمدْ كلَّ قولٍ هادفٍ فإذا
تغلَّبَ الحبُّ جاء الشِّعرُ بالغُررِ


سَيُظهِرُ الضِّدُّ حُسنَ الضِّدِّ فاغتنموا
مواسمَ الحبِّ تجنوا أطيب الثمرِ




20-10-1996






عبد السلام بركات زريق 12-13-2010 04:05 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (13)



حلفتُ بالشام



حلفتُ بالشام ما سُلَّتْ مواضيها
وأومضتْ كبروقٍ في دياجيها


حلفتُ بالشام بعد الله ما شمختْ
زهواً يغازل أشعاري فيغريها

لأقبضنَّ على قلبي أمزقه
إذا تحول يوماً عن مباديها


وأصلبنَّ يراعي في ملاعبها
إذا تجرَّأ أن يشكو الأسى فيها


* * *

حبيبتي الشامُ من بُصرى إلى حلب
من الفراتِ إلى أعلى أعاليها


من شاطئ البحر للأعلام منحدراً
إلى حماةَ يرشُّ العطر عاصيها


تشابكَ الحسنُ كم من فتنةٍ عجبٍ
أغرتْ سحاب الهدى فانهلَّ يسقيها


خُطَّابُها المجد والإيمان مُذْ جَدَلَتْ
ضفائرَ الشمس إكليلاً لحاديها


فأورقَ الغارُ مَزْهُواً على بردى
وراح يغمرُ بالنعمى بواديها


تسابق العصر إنجازاتُ حاضرها
وتبهر الكونَ إشراقاتُ ماضيها


أحبُّها وهواها عالقٌ بدمي
قلبي أسيرُ الغواني في مغانيها


في تُربها التبرِ أجدادي قضوا شرفاً
فكحَّلوا الطرفَ من أجفانِ واديها


مواسمُ النصر في تاريخها عبقٌ
الجدُّ يغرس والأحفادُ تجنيها


* * *

أفديكِ يا شامُ أفدي الأُسْدَ رابضةً
يزمجرُ الكونُ من تَزآرِ حاديها


كُرمى لعينيكِ كم أسرجتُ قافيةً
من العتاقِ بساح الشِّعر أُجريها


تبرَّجتْ في بروج الضاد مترفةً
وبالجناحين عزَّتْ في تساميها


تبارتِ الغيدُ في إنشادها ومضتْ
عرائسُ الجنِّ تَنشى في معانيها


حُسَّادها حطَّموا فيها معاولهم
وهناً ولم يفلحوا هدماً وتشويها


فأَخلدوا لظلام اليأس يحطِمُهمْ
وأرهفوا سمعَهم صبحاً لتاليها


* * *

يا شامُ يا قبلةَ الدنيا وكعبتَها
طافَ الحجيجُ بها يرجو أياديها


شهران للحجِّ في البطحاء تلبيةً
لبيكِ .. لبَّيكِ .. ما ننفكُّ نُعليها


وفي دمشق طواف القادمين لها
وللطواف هديرٌ في نواحيها


دعاؤهم زغرداتُ الجرح منتفضاً
وسورة الفتح تُتلى في نواديها


* * *

أستغفرُ الله ما غيَّرتُ معتقدي
وما أسلتُ يراعي مترفاً تيها


لكنني وهوى الأبطالِ يسكبُ لي
كأسَ الوفاء على العاصي أُصفِّيها


أغنيتُ شعريَ بالإيمان في بلدي
والله يشهدُ أنِّي لا أُحابيها


ورحتُ أملأُ أقداح الهوى غَرِداً
بالشعر يُسكِرُ قاصيها ودانيها


فللأذان هديلٌ في مآذنِها
وللنواقيسِ ألحانٌ تُناغيها


وللأسودِ زئيرٌ في مرابضها
وللنسور دويٌّ في أعاليها


وللزهورِ تَثَنٍّ في خمائلها
والسنديانُ تحدٍّ في رواسيها


هذي الشام زئيرُ الليث منَّعها
لولاه لم ترهبِ الدُّنيا مواضيها


يعطي ويمنعُ جوَّاداً ومقتدِراً
عطاؤه السُّحبُ باسمِ الله يجريها


ويمنعُ العادياتِ السود مُدَّرعاً
بالشعب يُسقطُ عاديها وشانيها


* * *

يا شامُ يا شامةَ الدنيا أُحسُّ لظىً
في أضلعي بمكاوي السِّلمِ يكويها


والمرجِفون تباروا في دوائره
أفعى تفحُّ وثعبانٌ يناجيها


والساجدون على أعتابِ سادتِهم
يؤلِّهون دعاةَ السلمِ تأليها


أقعوا أمامَ الثكالى للعزاءِ فهل
أدَّوا (لياهو)* طقوساً واحتموا فيها


وهل نَسوا شهداءَ الفجرِ يوم مضتْ
أرواحهم سُجَّداً تشكو لباريها


وهل بكوا لضحايا الغدرِ يوم بكت
( قانا )** وجفَّتْ من البلوى مآقيها


واليوم يكشفُ (بنيامين)* عورتَهُ
لكل محترقٍ شوقاً يناديها


فآثروا خيفةً ذئباً يسالمُهم
أنيابه الحمر في شِدقيه يخفيها


تَبَّتْ أياديهمُ في كل معركةٍ
تبغي السلام وتبَّتْ كفُّ راعيها


يا شامُ عفوكِ إنْ ألهبتُ قافيتي
في يوم عيدكِ فالآلامُ تُذكيها


كنَّا إذا ذُكرتْ (صِهيون) نلعنُها
ما بالنا اليوم بالتطبيع نُجزيها ؟


فأيُّ سلمٍ وقُدسُ الله داميةٌ
تشكو إلى الله آلاماً تعانيها


يبغونها ليهودِ الأرضِ عاصمةً
(صهيونُ) خابتْ وخابتْ من تُواليها


ماتَ المصلُّون في المحرابِ واأسفاً
على المحارمِ تشكو ذُلَّ أهليها


وأَذَّنَ الفجرَ حاخامٌ فما طلعتْ
شمسٌ عليها ولا شعَّتْ دراريها


كأنَّ أحمدَ ما صلَّى بمسجدها
وابن البتولِ طريداً لم يزلْ فيها


* * *

أعوذُ بالله من شيطانِ من نصبوا
مظلةَ الذُّلِّ باسمِ السلم تمويها


ويدَّعون سلاماً أي متَّجِر
هذا الذي سفَّهَ الإقدامَ تسفيها


والطفلُ من رحمِ الأحزان شبَّ على
حجارةَ النصر يُوريها ويرميها


يمضي على قدرٍ عاشتْ أنامله
ترمي فتوسعُ فكرَ الكونِ تنبيها


* * *

يا تاجرَ السِّلم شاةُ السلم قد ذُبِحتْ
(بنصلِ فيتو) وماتَ اليوم راعيها


نَكِّسْ بنودَك واهجرْ ساحَ ملعبنا
نحنُ الحماةُ ويَخسا من يُدانيها


ونحن من أذهلَ الدُّنيا بكوكبةٍ
من الطفولةِ تفديها وتحميها


غداً يُسطِّرُ في اليرموك خالدُنا
ملاحمَ النصرِ والأقصى يُغنِّيها


* * *

يا قائدَ الزحفِ لبِّ القدسَ يا أسداً
فليسَ إلَّاكَ زَآرٌ يُلبِّيها


واضربْ بسيفِ رسول الله مقتدراً
تلقَ الخطوبَ وقد شابتْ نواصيها


فنحن للسلمِ ما عزَّ السلامُ بنا
ونحن للحربِ باسمِ الله نصليها


فازحمْ بنا الراسياتِ الشمَّ يا قدراً
وافى الشآمَ يُحَيِّيْها فيُحْييها


واهنأْ بكلِّ فريدٍ من جواهرها
عِقداً نَظيماً تسامى من لآليها




8-4-1998


* ياهو .. بنيامين ... بنيامين نتنياهو الجزَّار الصهيوني المعروف
** قانا ... البلدة اللبنانية التي حصلت فيها المجزرة المعروفة

عبد السلام بركات زريق 12-14-2010 04:26 PM



المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (14)



لبنانُ يا شرفَ العروبة





أرأيتَ كيف تجرَّأَ العدوانُ
أعرفتَ من أدماكَ يا لبنانُ ؟


أعرفتَ أنَّا أمةٌ عربيةٌ
يَطغى عليها الخوف والإذعانُ ؟


* * *

هدأَ المحيط فلم تثرْ أمواجه
ورنا الخليج وجفنُه وسنانُ


وتصافحتْ دولٌ يهنِّئُ بعضها
بعضاً ويشكر سعيها الطغيانُ

وتثاءبت أممٌ وأثلجَ صدرها
قصفٌ على جدواه قام رهانُ


كانوا قد اتفقوا عليه بمجلسٍ
جمعَ الصِّلالَ ونفَّذ الثعبانُ


فتخضَّبتْ أرجاء قانا بالدِّما
وبكى على أزهارها نيسانُ


وتعهَّدوا وقفَ الدمار بموعدٍ
وكبيرُ من خفُّوا إليه جبانُ


* * *

أسمعتَ يا لبنانُ صوتَ عوائهم ؟
وكشفتَ ما يسعى له الذُّؤبانُ


قتلوا البراءةَ والطفولة وارتدوا
ثوبَ البراءة فاستحى الشيطانُ


فشكتْ دماءُ الأبرياء لربِّها
هربَ الضمير وقد صحا السجانُ


يا حامليْ نعشَ الضمير مجرَّداً
أنِفَتْ تلفُّ ضميرَكم أكفانُ


أَتخادعون الكونَ في استعطافكم
وسلامُكم يسعى به الغيلانُ


صحتِ الشعوبُ فلا مَردَّ لحكمها
وتعانقَ الإنجيلُ والقرآنُ


وهوتْ بأقبيةِ الخنا توراتُكم
فجميع مانادت به بُطلانُ


وقضتْ بنصلِ السلم تدفنُ نفسها
أُمُ الفتوح فما لها عنوانُ


وصحا على بردى الإباءُ وأرعدتْ
الله أكبر إنَّه الطوفانُ


متوثِّبٌ أبداً لكل عظيمةٍ
وبضفتيهِ لعاشقِيْه أمانُ


* * *

يا قاتليْ صوتَ الشعوب بصيحةٍ
تحيا الشعوبُ ويسقطُ السلطانُ


هذي دمشقُ وكم قرأتُ كتابَها
حرباً وسلماً خطَّهُ الإيمانُ


قَبَستْ من التاريخ سرَّ ضيائها
فالزيتُ في زيتونها نيرانُ


تتلمَّسُ النبضاتِ في يد أمةٍ
(ذي قار) في تاريخها عنوانُ


والخائفون على العروشِ تساقطوا
فمتى يضيقُ بصمته البركانُ ؟


* * *

يا صانعي قيدَ السلام رويدَكم
لن تُفلحَ الأبواقُ والتيجانُ


هذي عناقيدُ السلام تفجَّرتْ
حقداً ينوءُ بحمله لبنانُ


ودمُ الضحايا لن يجفَّ وإن دعا
للسلم بوقٌ خائنٌ وبيانُ


وصراخُ (شاتيلا) و(صبرا) لم يزلْ
في مسمعِ الدُّنيا له إرنانُ


وتطلُّ (قِبيةُ) بالحدادِ يحفُّها
من (ديرِ ياسينٍ) ذوتْ أغصانُ


هذي الضحايا الصِّيدُ أَعيتْ شاعراً
في جانحيه تمرَّدَ الإنسانُ


غنَّى السلامَ على الغصونِ وعقَّه
لما بكاهُ الطيرُ والأفنانُ


عذراً بني قومي لقد عصفَ الأسى
وعصتْنيَ الأقلامُ والألوانُ


* * *

لله درُّكِ يا شآمُ ومن سوى
حادي الشآم لما عزمتُ ضمانُ


فتقحَّمي هولَ الخطوبِ وزَمجري
فلكلِّ خطبٍ شدةٌ ولِيانُ


ودعي السلامَ لعاجزين جهودهم
ذلٌ يغلِّفُ سعيَها وهوانُ


لبنانُ ياشرفَ العروبة ينتضي
سيفَ الجهاد وجرحُه نشوانُ


قاومْ حشودَ بني قريظةِ لاتَهُنْ
حتى وإنْ جندُ الكرامةِ هانوا


واهدمْ حصونَ بني النَّضيرِ مُكبِّراً
وليَرتفعْ فوقَ الرعودِ أذانُ


ولتسمعِ الدُّنيا هديرَك معلِناً
أنَّ المدافعَ للسلامِ ضمانُ




11-5-1996





عبد السلام بركات زريق 12-14-2010 07:57 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (15)



شوِّهْ كما شئت



شوَّهتُ صورةَ من أهوى وقُلتُ لها
ترقَّبي سوف أمحو لوحةَ الأَشِرِ

سأنتهي من ضلالاتٍ شقيتُ بها
وأقتلُ الشوقَ في نايي وفي وتروي


وأدفنُ الأمسَ في أوكارِ ذاكرتي
وأنشُرُ الميْتَ في ذهني من الفكرِ

إني سئمتُ هوىً يحيا على أملٍ
مُنذُ الثلاثين في خوفٍ وفي حذرِ

تناهبتْني به الأعوامُ ساخرةً
عامٌ يطلُ وعامٌ يقتفي أثري


* * *

تبسَّمتْ من خلالِ الرسمِ قائلةً :
ماذا فعلتَ بمن يهواكَ يا عُمُري ؟


ولِمْ تعمَّدتَ تشويهاً لما نثرتْ
عليه منكَ القوافي أجملَ الدُّررِ


هل كنتَ تقصدُ قتل الحب ؟ لا..أبداً
من كانَ مثلكَ لا يقوى على الضَّررِ


من كان مثلكَ لم يحملْ جنينَ هوىً
عمراً ومن ثمَّ يلقيه إلى سقرِ


إنِّي أحبُّكَ شوِّهْ ما تشاءُ فإنْ
ضننتُ بالوصلِ يا روحي فلي عُذُري


لم أجنِ ذنباً ولم أكفرْ كما كفرتْ
(فلانةٌ) بالهوى يا ضيعةَ العمُرِ


لم أرتكبْ في الهوى إثماً فلا طلعتْ
شمسٌ عليَّ إذا استسلمتُ للوطرِ


كذا قضى اللهُ في روضٍ ذوى عطشاً
أَظما وتَظما بلا وعدٍ مع المطرِ


وهل تخيَّلتَ يوماً أن أرشَّ على
ضفافِ جرحيَ ملحَ الصمت والخدرِ


جرحُ الكرامة لا لم يندملْ نَزِقٌ
ولو تعمَّدتُ ما أُخفيه من ضجرِ


إنِّي أحبُّ جراحَ الأمس نازفةً
لعلَّها تنبئُ الأحبابَ عن خبري


فاحصدْ مواسمَ من جُرحي الذي نضجتْ
فيه النوازعُ بين الوِردِ والصَّدَرِ


وارقصْ على بيدر النسيانِ حين ترى
أني سأحفظ ما جمعت من ذِكَرِ


* * *

يا من زرعتَ نصالَ البينِ لاهبةً
تمضي بقلبي على الآهاتِ للخطرِ


لا تبتئسْ يوم تلقاني أسيرُ على
جسرِ الهمومِ إلى بوَّابةِ القدرِ


فربما تعبسُ الأقدارُ ثانيةً
وربما تزدهي بالموسمِ العَطِرِ

وربما .. ربما .. يلهو بأُمنيتي
من كنتُ أرجوه بعد اليأسِ للظفرِ


* * *

شوِّهْ كما شئتَ في رسمي بلا خجلٍ
لكن حذارِ من التشويهِ في سِيَري


ولستُ عاتبةً مهما فعلتَ فلا
تمنُنْ عليَّ ببعضِ العطفِ بالنظرِ


لا أقبلُ العطفَ ممَّن راحَ يرمُقني
بنظرةٍ تقتلُ الآمالَ كالإبرِ


واسخرْ كما شئتَ من سُهدي إذا لمحتْ
عيناكَ يوماً بوجهي صُفرةَ السَّهرِ


وارجعْ إلى آلةِ التصويرِ في حَنَقٍ
وحطِّمِ العينَ منها تحترقْ صوري


فلستُ أنساكَ يا من شوَّهتْ يدُه
رسمي ليطفئَ في ليلِ الضنى شرري




11-9-1997


عبد السلام بركات زريق 12-14-2010 08:16 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (16)



سيِّدُ العشاق




في رثاء الشاعر الطبيب
وجيه البارودي



في جنَّةِ الخُلدِ أشرقْ بالسَّنا العطِرِ
يا شاعراً وطبيباً خالدَ الأثر


يا صائدَ اللؤلؤِ المكنونِ تنظمه
قلائداً لعذارى الجنِّ والبشرِ


لقد بقيتَ عصيَّاً في مُنازلةٍ
على الفناء تشقُّ الصمتَ في الحُفَرِ


فكيف أبكيكَ ؟ أجفاني مقرَّحةٌ
تحاذرُ الدمعَ تخشى فتكةَ الخطرِ


وكيف أبكيكَ ؟ أقلامي معطلةٌ
ما بين مُنثلمٍ حدَّاً ومنكِسرِ


* * *

يا سورةً فُصِّلتْ آياتُها عجباً
شعراً وطباً أطاحتْ بالدُّجى العَكِرِ


أفقْ.. تلفتْ.. وقمْ .. أقبلْ وخذْ قلما ً
وقلِّدِ الغيدَ أطواقاً من الدُّررِ


وامسحْ بكفَّيكَ جرحَ الشعر ملتمِساً
له الشفاءَ من الإيهامِ والهذَرِ


وانشرْ قصائدَ عشقٍ حيَّرتْ زمناً
شيطانَ شعرك بين البدوِ والحضَرِ


هي المصابيحُ في المِشكاةِ موقدةٌ
تُغري الورى بقيام الليلِ للسَّحَرِ


فليسمعِ الكونُ من تحت الترابِ صدى
عزفِ القوافي على الأزمانِ والعُصُر


* * *

يا مُبدعَ السِّحرِ في طبٍّ وقافيةٍ
في مُعجزيكَ تبارتْ أروعُ السُّوَرِ


كم من مريضٍ أتى يشكو مواجعه
وكاعبٍ من لهيبِ الشوقِ في خَطَرِ


أسَغْتَ بالمُعجزينِ البُرْءَ مقتدِراً
برقَّةِ الشعر أو بالوخزِ من إبرِ


* * *

يا شاعراً غازلَ الدُّنيا وغادرها
مسطِّراً في دُجاها أنصعَ السِّيَرِ


جريتَ تُغدِقُ كالعاصي تشاطرُه
ريَّ العطاش بموروثٍ ومبتَكَرِ


كلٌّ يغازلُ ليلاهُ بصافيةٍ
تضوعُ كالمسك مسكوباً على النَهَرِ


فكنتما كوثرَ الوادي يفيضُ ندىً
وشاعرَ العِشقِ ملءَ السمعِ والبصرِ


* * *

يا سيِّدَ العشق لي عتبٌ عليك أما
أغرتْ دموعكَ ضراءٌ مدى العُمُرِ


أم كنتَ أصبرَ من أيوبَ يوم دعا
قد مسَّني الضُّرُ يا رباهُ فانتصرِ


وعشتَ بين الغواني شاعراً غزِلاً
هل أنتَ من نَسَبٍ يُعزى إلى عُمَرِ ؟


* * *

يا عاشقَ الحسنِ كم سبَّحتَ مُبتهلاً
في هيكل الحُسنِ للأهدابِ والحَوَرِ


راضٍ ببسمةِ محبوبٍ على كبرٍ
لم تشكُ يوماً من الإرهاقِ والكِبَرِ


والناس حولك من طاوٍ ومن بَطِرٍ
ومن دعيٍّ بثوبِ الزيف مستتِِرِ


وبين هذا وهذا أنتَ متَّهمٌ
بقلَّةِ السَّمع أو في دقَّةِ النظرِ


* * *

كم أَرجفوا عنك في رأيٍ ومُعتقدٍ
قولاً يُخلَّدُ فيه المرءُ في سَقَرِ


هجوتَهم تبتغي إصلاحَهم فمتى
كانَ الهجاءُ دواءَ الجوعِ والبطَرِ ؟


ماتَ الذين أشاعوا عنكَ فاندثروا
وقد بقيتَ تراثاً غيرَ مُندثرِ


* * *

يا سيِّدَ العشقِ كم أسرفتَ في ولَهٍ
أكنتَ في حُلُمٍ أم كنتَ في خَدَرِ


أم دغدغتْ نغماتُ السِّحرِ فيكَ هوىً
لفتنةٍ صوتُها كالسَّلْسَلِ الخَضِرِ*


أصفيتَها الودَّ والتسعون ساخرةٌ
وحُمْتَ كالنحلة الظَّمأى على الزَّهَرِ


أم نازعتكَ عروسُ الفنِّ أغنيةً
فرحتَ تشدو بألحانِ الهوى العذُري


وقلتَ لي في غدٍ يشدو الملاكُ لنا
وثغرُ ميادةٍ يفترُّ عن دُرري


* * *

يا سيِّدَ العشقِ والعشَّاقِ أرهقَني
طولُ المسير وما أنفقتُ من عُمُري


علَّمتَني الحبَّ شعراً كيف أكتبُه ؟
وكيف أُرقِصُ من أهوى على وتري ؟


لكَ النسيبُ ولي في الشعرِ شاهدةٌ
تركتُ فيها القوافي البكرَ في سَكَرِ


ولي جناحانِ من شعرٍ كسوتُهُما
حبَّاً وطرتُ فلم أهبطْ بمنحدَرِ


ولم أزلْ دائمَ التحليقِ منطلِقاً
لولاكَ يا سيِّدَ العُشاق لم أَطِرِ


تشدُّني راعداتُ الشعرِ ماطرةً
فينبتُ الحرفُ مُخضَّراً من الحَجَرِ


* * *

يا كوكباً في سماءِ الشعر يا علماً
في عالمِ الطبِّ شقَّ اليأسَ بالظُفُرِ


لك الخلودُ ولي نايٌ يفيضُ أسىً
يُبكي الصِّحابَ ويرجو رحمةَ القدرِ


تجهَّمَ العيشُ مذْ غابتْ كواكبُهم
فصرتُ أَسري بلا ضوءٍ ولا شَرَرِ


وبتُّ أخشى الرَّدى يُبدي نواجذَه
وينطوي في غياباتِ الثَّرى خَبَري


فامنُنْ عليَّ بوحيٍ منكَ يحملُني
إلى الخلودِ ويُغري النفسَ بالسفرِ


فالعيشُ أضحى ذميماً بعدما عصفتْ
بنا السنونُ وجئنا أرذلَ العُمُرِ


مُحمَّلونَ جراحاً كيف نكتبُها
شعراً وفي دمنا نهرٌ من الضَّجَرِ


كنا نهيمُ بدُنيا الشعرِ في سَمَرٍ
واليوم صرنا نخافُ الشِّعر في السَّمرِ


نصبُّ أفكارَنا صِرفاً ويفسدُها
من راحَ يمضغُ ما يُخزي من الفِكَرِ


حتى الأغاني التي كانتْ تُهَدْهِدُنا
قد أصبحتْ صُوراً للخوفِ والكدرِ


يا شاعري وطبيبي يومَ أَنهكَني
طولُ الرُّقادِ حليف السقمِ والسَّهرِ


هذي حياتكَ في أمِّ الفداء لقد
صوَّرتُها بقصيدي أصدقَ الصورِ


فيها نشأتَ .. ولكن ما انطويتَ أجلْ:
هل انطويتَ ؟ أجِبْ يا صاحبَ الغُررِ


أصبحتَ كنزاً بها شعَّتْ جواهرُه
(تيهي حماةُ بهذا الكَنزِ وافتخري)


وانعمْ وجيهُ بجنَّاتِ الخلودِ لقد
(بقيتَ حيَّاً بقاءَ الشمسِ والقمرِ)





1-4-1996


* يذكر هنا علاقة الشاعر بالمطربة ميادة الحناوي

عبد السلام بركات زريق 12-15-2010 04:08 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (17)



صرخةُ الصمت




أين اخضراري ربيعُ العمر جافاني
وجفَّ من نبضاتِ القلبِ تَحناني


ما عدتُ أُورِقُ أغصانُ المنى يبستْ
مرَّ الخريفُ على روضي فعرَّاني


وأجفلَ الطيرُ فالأعشاشُ خاويةٌ
إلا من البومِ في الأسحارِ يَنعاني


تكسَّرتْ كلُّ أغصانِ الهوى وهوتْ
وبتُّ أغرقُ في يأسي وحرماني


تغتالني أغنياتُ الدوحِ تملؤني
رعباً وعهدي بها تستافُ ألحاني


عهدي بناعورةِ العاصي تبادلني
أنخابَ شوقٍ وأرعاها وترعاني


عهدي بها تُغدقُ الأمواه دائرةً
وقلبُها العاشقُ الولهانُ يهواني


ما بالها أصبحتْ تجري مدامعُها ؟
على الضفافِ بإعوالٍ وإرنانِ


كانت تغنِّي على أنغامِ قافيتي
واليوم تُحرقُ أعصابي وتنساني


كأنَّني لم أكنْ بالأمس أُنشدُها
شعري وأُرهفُ للترجيعِ آذاني


* * *

قلبي الذي سَلسلتْ دقاتُه ولهي
ضنَّتْ شرايينُه الملأى فأضناني


تهمُّ كلُّ غريراتِ الهوى بدمي
تهفو فتوقفُها في الصدرِ أشجاني


أُغازلُ الزهرَ أُغريه بمُرقصةٍ
فينفثُ العطرَ محموماً بوجداني


كأنَّني والأسى وقفٌ على كبدي
طيرٌ وسهمٌ طريُّ القوسِ أرداني


تضرَّجتْ بدمي أزهارُ قافيتي
فكلُّ بيتٍ زها من نَزْفِ شرياني


* * *

هذا جحيمُ حياتي إنَّه قَدَري
مازلتُ أضحكُ منه منذُ أبكاني


فكم أطلَّتْ من الآلامِ بارقةٌ
حرصاً على ومضِها أطبقتُ أجفاني


ورحتُ أحلمُ أعواماً غدتْ مِزَقاً
من دفترِ العمر تدعوني وتَنهاني


تنمُّ عن ذكرياتٍ كم شقيتُ بها
تخيطُ أشباحُها في الليلِ أكفاني


وقد نعمتُ بها حيناً فمزَّقني
من كنتُ أرجوهُ يمحو سِفْرَ أحزاني


أهمُّ أوقظُها بالحبِّ أسفحُه
كيما تجذَّرَ في أعماقِ بستاني


أيامَ كنتُ شباباً زاخراً عَرِماً
واليومَ يربو على الستين ميزاني


تمضي بيَ الراعفاتُ الحمرُ يدفعُها
موجٌ يلاطمُ صخراً عند شطآني


يرتدُّ للبحرِ مدحوراً تعاتبُه
نوارسٌ في دمي تسعى لرُضواني


لكنها أرسلتْ أغصانها نَزَقاً
من الجحيمِ تُغذِّي نارَ بركاني


أَغلي وتعصفُ بي ريحُ السنين فهل
تَقَوى على دحرِ عصفِ الريحِ جُدراني


* * *

كم من ربيعٍ أذابَ اليأسُ بهجتَه
حتى استحالَ هشيماً بين أحضاني


تذروهُ ريحُ الثواني الجارياتِ على
أنقاضِ عمري فيَهوي صرحُ بُنياني


وكم تجرَّعتُ ماءَ الصبرِ من أَنَفٍ
حتى إذا غاضَ صارَ الهمُّ سُلواني


فما كسرتُ يراعاً في مُنازلةٍ
ولا خفضتُ جناحاً عند سلطانِ


لهفيْ عليَّ إذا لملمتُ أمتعتي
ورحتُ أُوغلُ في أعماقِ نسيانِ


أمشي إلى مأتمي مشيَ الغريبِ إلى
حفلٍ تزنِّرُه أحقادُ غيلانِ


* * *

يا صرخةَ الصَّمتِ كم أطلقتُ راعدةً
وقد تساوى بها سِرِّي وإعلاني


كم من غريبٍ بكفِّ الحبِّ صافحَني
ومن قريبٍ بكفِّ الغدرِ حيَّاني


نقشتُ عنوانَ أحبابي على كَبِدي
لكنَّهم ضيَّعوا يا قلبُ عنواني


لو أنَّهم أرهفوا سمعاً لما صدحتْ
به المنابرُ في أعيادِ أوطاني


لتوَّجوا هامتي بالغارِ أو رفعوا
باسمي مناراً و أعلوا في الحمى شاني





20-4-1998







عبد السلام بركات زريق 12-15-2010 08:28 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (18)



كبرُ الجراح



من شُعلةِ الفكرِ تكوي القلبَ باللهبِ
حملتُ كبرَ جراحي مذ عرفتُ أبي


لم أشكُ يوماً من الجرحِ الذي انفجرتْ
دماؤه وجرتْ حبراً على كُتُبي


خمسين عاماً أصوغُ الشعرَ ما وهنتْ
منِّي الحروفُ ولا زارَ الوَنى أدبي


إذا شدوتُ رأيتَ البسمةَ ارتسمتْ
على شفاهِ ندامى الشعرِ من طربِ


وانْ زأرتُ فأصدائي مدوِّيةٌ
وإن بكيتُ فدمعي آيةُ العجبِ


هتكتُ سترَ وجوه الزيفِ فاحترقتْ
جدائلُ الغدرِ من حمَّالةِ الحطبِ


وخضتُ ملحمةَ الإبداعِ فاحتدمتْ
لمَّا حملتُ على دعوى أبي لهبِ


ورحتُ أُزهقُ بالآياتِ باطلَه
حتى غدا زبداً في العارمِ اللَجِبِ


فاقرأْ مراحلَ عمري بين أسطرها
تسمعْ صدى صوتيَ المرتدّ في غضبِ


تسمعْ نداءاتِ قلبٍ خفقه شرسٌ
تهتزُّ منه جذورُ الصخرِ في رَهَبِ


تراكمتْ فيه أنقاضُ الجراحِ فلم
يحفل بما خلَّفَ الزلزالُ من رُعُبِ


ما لانَ للدهرِ إلا حين رقَّقَه
في موسمِ الحبِّ طرفٌ مُترف الهُدُبِ


ألقى ثلاثينَ عاماً في بحارِ هوىً
أمواجُها اصطخبتْ باللومِ والعَتَبِ


حتى أطلَّ على الستين منفرداً
إلا مع اليأسِ يُذكي النارَ في الحطبِ


عانيتُ منه كما عانى أخو وجعٍ
من مُعضلِ الداءِ في سيَّالةِ العصبِ


وسوف أمضي ويبقى ما تخطُّ يدي
وما تفتَّقَ عنه الفكرُ للحِقَبِ


فإن قضيتُ فلا تأسوا عليَّ ولا
يَحْزَنْ محبٌ لعلَّ القبرَ أرحمُ بي


* * *

قضيتُ عمري ألوكُ اليأسَ أمضغُه
فصرتُ أدرد بين الهمِّ والنَّصَبِ


تغتالُني ذكرياتي إنْ مررتُ بها
مرورَ طيفٍ يزورُ الأمسَ في تعبِ


وتزدري كلَّ أحلامي التي سقطتْ
في بؤرةِ الوهمِ تمحو الصدقَ بالكذبِ


حتى وصلتُ إلى ما ليس يحسدُني
عليه غِرٌّ يُعاديني بلا سببِ


ما زالَ يحملُ أثقالاً يتيهُ بها
من الجهالةِ في جِدٍّ وفي لعبِ


تراهُ كالحيَّةِ الرقطاءِ أقلقَها
سمٌّ بأنيابها تُخفيه للعطبِ


فإن توجَّسَ خوفاً في منازلةٍ
ممن يراوغُ غدراً لاذَ بالهربِ


* * *

حتَّامَ أمضغُ آلامي و أبصقُها
في وجهِ من ظلموا واستنكروا دَأَبي


حتَّامَ أَلأمُ جُرحي ثم ينكؤه
وغدٌ تسوَّرَ بالأرقامِ واللقبِ


إن كان لا بدَّ لي حتى أنالَ رضى
مَنْ أسرجوا الحقدَ من زُلفى لذي رُتَبِ


فلتحترقْ أمنياتُ العمرِ في لهبٍ
من عزَّةِ النفسِ لا من ذِلَّةِ الذهبِ




15-10-1997




عبد السلام بركات زريق 12-20-2010 12:28 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (19)



أيها القلب




صحوةُ الشوقِ أم سلافُ الدوالي
أشعلتْ في دمي رمادَ الليالي


أم تراني بدَّلتُ قلبي بقلبٍ
يتلظَّى على النوى لا يُبالي


* * *

قلبُ .. يا قلبُ .. يا أسيرَ الأماني
شمسُ محياك آذنتْ بالزوالِ


أنتَ في الصحوِ حاكمٌ مستبدٌّ
ولدى السُكْرِ باذخٌ باختيالِ


يهربُ النورُ من خلاياكَ ليلاً
وتغيبُ النجومُ قبلَ الهلالِ


كم تمنيتَ مُسرِفاً بالأماني
وتفاءلتَ تحت حدِّ النصالِ


تتحدى المنونَ في كلِّ نبضٍ
بسباقٍ على حدودِ المُحالِ


وكأنَّ الدماءَ في كلِّ عرقٍ
جارياتٌ جَرْيَ السنين الخوالي


يسهرُ الشوقُ في خلاياكَ كُرهاً
ويغيبُ الخيالُ خلفَ الخيالِ


ويطولُ السُّهادُ والحلمُ غافٍ
في ضميرِ الأيامِ تحت الظلالِ


وطرحتَ السؤالَ ترجو جواباً
فعبرتَ السنينَ رهنَ السؤالِ


وتمطَّى الجوابُ عريانُ يجلو
ظلمةَ الشكِّ بعد ليلِ الضلالِ


فاستقمْ يا غبيُّ فالعمرُ ولَّى
واسمعِ الشيبَ مُنذراً بارتحالِ


لا تقلْ لي : أهوى الجمالَ وحسبي
من كنوزِ الجمالِ نظمَ اللآلي


أنتَ يا قلبُ عاشقٌ مُستهامٌ
ضيَّعَ العمرَ حالماً بالوصالِ


فصَّلَ الحبَّ أحرفاً من جُمانٍ
فاستدارتْ عِقداً بجيدِ الجمالِ


يستهينُ الخليُّ فيما تعاني
ويقيمُ العشاقُ عرسَ ابتهالِ


فتوسَّدْ شوكَ الظنونِ غريباً
بعدما ضعتَ بين قيلٍ وقالِ


* * *

أيُّها القلبُ يا غريراً تمادى
يا عزيزاً على قلوبِ الغوالي


قد يموتُ السؤالُ حيناً وتصحو
وسراجُ الأحلامِ دونَ اشتعالِ


وتسوق الدلالَ شمسُ الأماني
فالصباحاتُ رهنُ قيدِ الدلالِ


ألسنُ النارِ في الحشا لاهباتٌ
رغمُ طولِ الأسى وطولِ النضالِ


فتمرَّدْ على الحريقِ وأطفئْ
حُرقةَ الصمتِ في عروقِ الدوالي


واقطفِ النورَ من بريقِ سرابٍ
فشهيُّ اليقينِ صعبُ المنالِ


وغداً تذبلُ الزهورُ وتَذوي
وتَغيضُ المياهُ تحتَ الرمالِ


ينقضي العمْرُ بين مدٍّ وجَزْرٍ
وتموتُ الأحلامُ دون اكتمالِ



18-5-1998



عبد السلام بركات زريق 12-20-2010 05:47 PM



المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (20)




عنوان الهوى



اكتُبيني فوقَ الهوى عنوانا
واسحبي الخوفَ وامنحيني الأمانا


واسكبيني في ليلِ عينيكِ نوراً
يطلعُ الفجرُ من ظلامِ هوانا


لا تقولي ولَّى زمانُكَ فاذرفْ
أَدمُعَ اليأسِ لن تنالَ رضانا


لا تقولي ودِّعْ غِراسَ الأماني
أنا ما زلتُ للهوى بُستانا


لا تقولي نسيتُ حبَّكَ فابحثْ
عن محبٍّ في الحبِّ يَفنى سوانا


أنا أدرى بقلبِ منْ يتفادى
خائناتِ العيونِ إذ يتوانى


فأجيبي نداءَ قلبِكِ قولي :
يا حبيباً أضناهُ ما أَضنانا


شفَّنا الوجدُ فاشتعلنا حنيناً
وحنينُ العشاقِ ينسى الهوانا


نحن كنَّا إلفَينِ نغفو ونصحو
نملأُ العيشَ رِقةً وحنانا


يعشقُ الروضُ شدوَنا في الأماسي
وتُنَدِّي فجرَ المنى نَجوانا


ما تَغنَّى في الروضِ طائرُ عشقٍ
بنشيدِ الهيامِ إلا عَنانا


كم تركنا عيونَنا مُصغياتٍ
لحديثٍ لم تحكِه شفتانا


تستحي جوقةُ العَنادلِ منَّا
حين نشدو وتُرهِفُ الآذانا


* * *

كم جلسنا نبني جسورَ وصالٍ
مذْ عشقنا فما انتهتْ بُنيانا


يستبيحُ النسيمُ خلوتَنا البِكـ
ـكرَ فنَنشى إذ يُستباحُ حمانا


* * *

كم لهونا وكم ضحِكنا فلمَّا
أورقَ العمرُ أُدميتْ مُقلتانا


فانكفأْنا وراحَ يسخرُ منَّا
برعمُ الضوءِ لم يفتِّحْ جُمانا


ثم عُدنا أبهى سَنىً وجمالا
زادنا الوجدُ والنوى عُنفوانا


يستريحُ الحنينُ في جانِحينا
ويضوعُ العفافُ من مُبتغانا


أَمرعَ العمرُ فالمُنى مُخصباتٌ
والمواويلُ أزهرتْ أُقحوانا


فاسكبي خمرةَ اللقاءِ حلالاً
واشربي الكأسَ واسكِري إيمانا


يا جحيمي وجنَّتي واشتعالي
وانطفائي في مهرجانِ لقانا


نحنُ شوقُ الطيورِ للأفُقِ الرحْـ
ـبِ وسجنُ السنينَ يمحو الزمانا


نحنُ عطرُ الربيعِ في موسمِ الزهْـ
ـرُ وعطرُ الربيعِ يُغري الحِسانا


نحنُ شمسُ الأصيلِ في روضةِ العمْـ
ـرِ وشمسُ الأصيلِ تَحكي ضُحانا


وغداً يشرقُ الغروبُ ونمضي
ويَحارُ الأصيلُ فيما دهانا


* * *

فتعالي يا زهوَ نارِ احتراقي
نُطفئُ النارَ في جحيمِ دِمانا


نَعتصرْ كلَّ لحظةٍ من لقانا
زادها الصيفُ والخريفُ افتتانا


ولنُعتِّقْ خمراً ألذ وأشهى
من خمورِ الصبا ونَملا دنانا


ولنطرِّزْ بالوصلِ ثوبَ الليالي
ولنزركشْ بالمغرياتِ مُنانا


فتحدَّي بالوصلِ جوعَ الليالي
روعةُ الوصلِ سوف تمحو شقانا


* * *

يا نعيميْ وما نعيميَ إلا
باحتراقيْ على الندى ريَّانا


نَيْسَنَ الحبُّ أحرفي باخضرارٍ
فذوى الشوكُ لم يُطقْ نَيسانا


ربما تولدُ الحياةُ أصيلاً
فتعالَيْ نعقدْ له مِهرجانا


أيُّ ذنبٍ لعاشقٍ مُستهامٍ ؟
ضيَّعَ العمرَ يكتوي حِرمانا


فنَضَا عنه ثوبَ زُهدٍ عقيمٍ
وأتى الماءَ يُطفئُ النيرانا


فاسألي اللهَ أن يتوبَ علينا
إنْ عصيناهُ واطْلُبي غُفرانا





عبد السلام بركات زريق 12-20-2010 06:28 PM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (21)




بقايا الحسن




نصبتْ شِباكَ الحسنِ بعد مَشيبي
ورمتْ فُتاتَ جمالِها بدروبي


أنَّى اتَّجهتُ وجدتُ زهرةَ فُلةٍ
حمقاءَ سوَّرَها الظما بشُحوبِ


هي من بقايا الحسنِ ضاعَ أريجُها
ما بين سالفِ طاعتي وذُنوبي


أيامَ كنتُ أشمُّ رثَّ ثيابِها
والشوقُ يَقلبُ ريحَها لطُيوبِ


فلَكمْ سرقتُ من الثيابِ قُصاصةً
نعمتْ بحملِ غريرِها المصلوبِ


ولكمْ وقعتُ على السَّريرِ بغفلةٍ
منها بوضعٍ في الظلامِ مريبِ


وعلى وسادتِها كمِ اشتعلَ الجَّوى
والقلبُ يخفقُ مُمعِناً بوجيبِ


* * *

يا ليتَها علمتْ بما فعلَ النَّوى
والشكُّ يُسْلِمُني لفرطِ نحيبِ


حتى بلغتُ الأربعينَ وهالني
شيبي وروَّعَني دُنوَ غُروبي


فلجأتُ للنسيانِ وابتهلَ الهوى
حتى أعودَ لصبوتي ونَسيبي


لكنَّها الستونَ تصرخُ في دمي
قفْ يا غبيُّ .. أما نهتْكَ عُيوبي


في الأربعينَ غرقتُ في بُؤرِ الأسى
وخرجتُ من حلباتِها بنُدوبِ


وأطلَّتِ الخمسونَ تعقدُ حبلَها
حولَ انتظاركَ للغدِ المرغوبِ


وتقولُ للستينَ دونَ تَحفُّظٍ
أهلاً بثلجكِ بعد حرِّ لهيبي


* * *

ورجعتُ للمرآةِ أخطبُ ودَّها
فبدتْ حقائقُ خَيبتي وهُروبي


شيخٌ أنا .. وتطلُّ ملحمةُ الردى
ويطلُّ من أُفُقِ الشقاءِ مَغيبي


دالَ الزمانُ وغابَ نجمُ مَطامحي
وبدا ظلامُ القبرِ جِدَّ قريبِ


شحَّتْ مواسميَ القديمةُ وانتهى
زمنُ العطاءِ وجاءَ وقتُ نضوبي


ووقفتُ أختصرُ السنينَ مودِّعاً
وحملتُ ذُلَّ هزيمتي بحروبي


وتركتُها ترمي فُتاتَ جمالِها
لتضيعَ بين مُغامرٍ وكَذوبِ



6-8-1997








عبد السلام بركات زريق 12-21-2010 03:44 PM



المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (22)


لقاءٌ مع النفس



خلوتُ بنفسي لم أجدْ ليَ ملجأً
سواها فإنَّ النفسَ خيرُ صديقِ


وقلتُ لها يا نفسُ حسبُك ما مضى
أطعتُك عمراً فالضياعُ طريقي


أطعتُكِ لا أدري إلى أين أنتهي
وقد شبَّ طيشي واستبدَّ عقوقي

تركتُ مقاليدَ الأمورِ لخافقي
وسِرْتُ بليلِ الوهمِ دونَ شروقِ


أحاولُ ما أستطيعُ شدَّ مَفاصلي
لأسبقَ صوتَ الرعدِ قبل بروقي


وأمسكُ أطرافَ السحابِ أقودُه
ليسكبَ أمطارَ المُنى بعروقي


كأنِّي وأحلامُ الشبابِ تصعَّدتْ
طريدٌ سرى في الليلِ دون رفيقِ


وما لي وقد أخفقتُ في العيشِ حيلةً
فكلُّ دروبي أُغْلِقتْ بحريقِ


* * *

فوا أسفاً أَمضي وتمضي مواسمي
زفيري بها عَبْرَ الأسى كشهيقي


ووا عجباً للنفسِ تنسى مواجعي
وقد شابَ في دربِ الشفاءِ وثوقي


ولكنَّني ما زلتُ غُصناً بروضةٍ
تَؤمُّ رفوفُ النحلِ حُلوَ رحيقي


وتعشقُ أسرابُ الطيورِ مواسمي
لتحملَ حبَّاتي لكلِّ طليقِ


يجوبُ فضاءاتِ الحياةِ موشَّحاً
بفجرٍ جديدِ الأُمنياتِ أنيقِ


فإنِّي رهينٌ في الرياضِ يشدُّني
رباطٌ إلى الأفنانِ جِدُّ وَثيقِ


* * *

وتقذفُ بي ريحُ التَّجهُّمِ بغتةً
إلى جُرُفٍ هاري الضفافِ سحيقِ


أغالبُ أمواجَ السقوطِ بأذرعٍ
يحرِّكُها خوفُ الردى كغريقِ


ويغتالُني صوتي فأصرخُ صامتاً
ليرتدَّ صوتُ الصمتِ دون مُعيقِ

فأجمعُ أصدائي بريشةِ شاعرٍ
خبيرٍ بتصويرِ الحياةِ خليقِ


وأملأُ كأسي من حُميَّا قصائدي
فتغدو صَبوحي في الأسى وغَبوقي


فأشربُ آلامَ السقوطِ تَعِلَّةً
وأمضغُ يأسي كافراً بحقوقي


* * *

كذلك نفسُ الحُرِّ إن ضِيْمَ أينعتْ
كغصنٍ على خُضْرِ الضفافِ وريقِ


تُكلِّلهُ الأزهارُ في كلِّ موسمٍ
فيزهو بمسكٍ في الرياضِ فَتيقِ


فغايةُ ما أصبو إليه توافقٌ
مع النفسِ حتى أستعيدَ بَريقي




8-11-1997



ناريمان الشريف 12-21-2010 07:37 PM


قلبي الذي سَلسلتْ دقاتُه ولهي
ضنَّتْ شرايينُه الملأى فأضناني

تهمُّ كلُّ غريراتِ الهوى بدمي
تهفو فتوقفُها في الصدرِ أشجاني



صورة رائعة في هذين البيتين من ( صرخة الصمت )
يسعدني أن أتابع هذه الدرر
والحقيقة أن الاعلام يظلم كثيراً من الشعراء الذين يستحق شعرهم القراءة والنشر والنقد
ولكن مجموعة قليلة من الشعراء هم الذين يحظون بهذا
بارك الله فيك أخي عبد السلام
جداً أمتعتنا في هذه القصائد الرائعة
فتحية للشاعر محمد الحسن منجد



.... ناريمان

عبد السلام بركات زريق 12-22-2010 08:51 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناريمان الشريف (المشاركة 48723)
قلبي الذي سَلسلتْ دقاتُه ولهي
ضنَّتْ شرايينُه الملأى فأضناني

تهمُّ كلُّ غريراتِ الهوى بدمي
تهفو فتوقفُها في الصدرِ أشجاني



صورة رائعة في هذين البيتين من ( صرخة الصمت )
يسعدني أن أتابع هذه الدرر
والحقيقة أن الاعلام يظلم كثيراً من الشعراء الذين يستحق شعرهم القراءة والنشر والنقد
ولكن مجموعة قليلة من الشعراء هم الذين يحظون بهذا
بارك الله فيك أخي عبد السلام
جداً أمتعتنا في هذه القصائد الرائعة
فتحية للشاعر محمد الحسن منجد



.... ناريمان


السلام عليك
الأخت الفاضلة ناريمان الشريف
آنس الله وحدتك ...وأعرف أنك تتبعين الجمال
أينما كان ... سنتدارك بإمكانياتنا الفردية
المتواضعة ما تهمله ماكينة الإعلام الصاخبة
ولكن هل من جدوى؟
بحول الله بعد أن أفرغ من تراث الأستاذ حسن
سأنقل تراث صديقه الشاعر علي دمر وهو من الكبار
أيضاً
تقديري واحترامي

عبد السلام بركات زريق 12-23-2010 11:09 AM


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (23)




صحراء النفس



صحراءَ نفسيْ أَلفتُ الرملَ ملتهبا
فهاتِ صمتَكِ يسكرْ خمرُه العنبا


جفَّتْ ينابيعُ عمري فاستهنتُ بها
ورحتُ أشربُ دمعَ العينِ مُنسكبا


فبعدَ صارخةِ الستينَ لستُ أرى
إلا المواجعَ والعزمَ والذي نَضَبا


تسلَّلَ الحزنُ للقلبِ الذي عرفتْ
دقَّاتُه صحبةَ الآمالِ يومَ صَبا


كانتْ شرايينُه تسابُ في جسدي
نوراً وعطراً وإلهاماً ونهرَ صِبا


وكنتُ أُودِعُه الأسرارَ يحفظُها
حتى أطلَّ على الستينَ فانقلبا


أفشى جميعَ الذي استودعتُه ومضى
يذيعُ من موطنِ الأسرارِ ما رَغِبا


* * *

أسرفتَ يا خافقي بالبوحِ مبتهلاً
إليَّ حتى أُداري كبوتي كَذِبا


وكيفَ أكتمُ ما بيْ من جوىً وأسىً
وكلَّ يومٍ أرى حيني قد اقتربا


لعلَّني باخعٌ نفسي وذا قدري
وكيفُ أهربُ منه بعد ما كُتِبا


فكم حدوتُ رجائي واستبدَّ به
وهمٌ فأفلتَ من أصفادِه وحَبا


حتى إذا اشتدَّ لم أبلغْ به أَرَباً
إذ راحَ يحلُمُ حتى ضيَّعَ الأَربا


واليومَ يصرخُ بالستين يدفعُها
إلى النهوضِ فناءَ القلبُ واضطربا


* * *

تأنقي يا رؤايَ الخُضرَ وانتظري
كيما أردَّ من الألوانِ ما سُلبا


كانتْ غريراتُ أحلامي تراودُني
عن نفسِها يومَ خِلتُ المبتدا لَعِبا


مرَّتْ بساحِ أماني العمرِ مسرجةً
شرخَ الشبابِ لنجمِ السعدِ حين خَبا


حتى وصلتُ إلى ما ليس يحسدُني
عليه غرٌّ أضاعَ العمرَ مُنتحبا


فكم تمنَّيتُ ان أحظى ببارقةٍ
وأحتسي من لَمى الآمالِ ما عَذُبا


* * *

لا تُسرعي يا خُطا عُمْري على مَهَلٍ
لعلَّني أمسكُ الوردَ الذي انسربا


لا تنكري وَلهي يوم امتطيتُ إلى
شعابِ مجدكِ شوقاً رابضاً وَثِبا


تواثَبي يا عزيزاتي فإنَّ دمي
وقفٌ لكلِّ جوادٍ في السباقِ كبا


لا ترجُميني بماضٍ كم سكبتُ له
روحي ليشربَ كأسَ السَّعدِ ما شربا


وراحَ يبحثُ عن لمعِ السرابِ على
وعد ٍمع النفسِ أن يَحظى بما طلبا


لكنَّه عاد ملفوفاً بخيبته
مطوَّقاً بالدَّواهي أينما ذهبا


* * *

واليومَ يا جمرةَ العمرِ التي خَمدتْ
ما كان أغلاكِ لو أحرقتِ ما صَعبا

ما كان أحلاكِ نوراً أستضيءُ به
من غيرِ أنْ تُحرقي الشِّريان والعصبا


حتى غدوتُ رماداً فوق مُتكأٍ
من السنين إذا ما اهتزَّ صرتُ هَبا


* * *

يا جمرةَ العمرِ كم بدَّدتُ عاصفةً
وكم شهرتُ بوجهِ الذلِّ سيفَ إِبا


وكم رأيتُ شياطيني تُطاردني
وكم عدوتُ على شوكِ الضَّنى هربا


* * *

يا غُصَّةً في دمي ما زلتُ أمنحُها
طيبَ المقامِ فراحتْ تنتشي طربا

أرهقتِ كلَّ شراييني و أوردتي
وكنتُ بالأمسِ غرَّاً أجهلُ السببا


واليومَ أستنفرُ الآلامَ تشحذُني
لأكملَ العمرَ منفيَّاً ومغتربا


أدلِّلُ النارَ في قلبي فتُحرقُه
وكم نفختُ بمِزماري فما التهبا


فغازليني بأهدابِ الرمادِ على
وعدٍ تَصوَّفَ في محرابِه رهِبا


وواعديني فما تنفكُّ أوردتي
تغازلُ الهمَّ والأوهامَ والتعبا


لا تصلبيني على جرحِ الهوى ثَمِلا
فأقتلُ الحبَّ ما في جرحهُ صَلبا


وقرِّبيني إلى نهدِ الحياةِ فما
أزالُ أُبعدُ عني نهدَها كَذِبا


وحاذري أن أرى عينيْ تُكذِّبُني
أو أنْ أرى وجهَ من أحببتُ مكتئِبا



13-4-1999






الساعة الآن 04:51 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team