![]() |
5- التواضع لعباد الله،والشفقة على المتعلمين،والرفق بهم،والتأني في تعليمهم،ومعاملتهم كأبنائه المحتاجين،واحتمال إعراضهم وجفائهم وجهالتهم،والحرص على إنقاذهم من ظلمات الجهالة إلى نور العلم والفقه في الدين. والعمل على إصلاحهم بإنتقاء العلم الذي يعالج أمراضهم،ويصلح أحوالهم وتقديم الأولى في تعليمهم والتدرج في تأديبهم،وتفهم حاجاتهم وتقدير ظروفهم،والرد على أسئلتهم،والبشاشة في وجوههم،وتأليف قلوبهم،وبذل الوقت وإنفاق المال في سبيل إرشادهم،وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ r, قَالَ:" اطْلُبُوا الْعِلْمَ،وَاطْلُبُوا مَعَ الْعِلْمَ السَّكِينَةَ وَالْحِلْمَ،لِينُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَ،وَلِمَنْ تَعَلَّمُونَ مِنْهُ،وَلَا تَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الْعُلَمَاءِ،فَيَغْلِبُ عِلْمَكُمْ جَهْلُكُمْ "
قال تعالى:{ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (216)} الشعراء. بعد أن أمره بالشدة على أهله وقرابته يأمره باللين،وخَفْض الجناح لباقي المؤمنين به،وخَفْض الجناح كناية عن اللُّطْف واللين في المعاملة،وقَد أُخِذ هذا المعنى من الطائر حين يحنو على فراخه،ويضمهم بجناحه. وخَفْض الجناح دليل الحنان،لا الذلّة والانكسار،وفي المقابل نقول (فلان فارد أجنحته) إذا تكبَّر وتجبَّر،وتقول (فلان مجنح لي) إذا عصا أوامرك. وفي موضع أخر:{ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ }[الحجر: 88]. وقال في حَقِّ الوالدين:{ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ }[الإسراء: 24] فلا نقول: كُنْ ذليلاً لهم،إنما كُنْ رحيماً بهم،حَنُوناً عليهم،ففي هذا عِزّك ونجاتك. فإنْ عصاك الأقارب فلا تتردد في أنْ تعلنها { إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [الشعراء: 216] وعندها لا تراعي فيهم حَقَّ الرحم،ولا حَقّ القُرْبى،لأنه لا حَقَّ لهم؛ لذلك قال { فَقُلْ } [الشعراء: 216] ولم يقل تبرأ منهم؛ لأنه قد يتبرأ منهم فيما بينه وبينهم. لكن الحق ـ تبارك وتعالى ـ يريد أنْ يعلنها رسول الله على الملأ ليعلمها الجميع،وربنا يُعلِّمنا هنا درساً حتى لا نحابي أحداً،أو نجامله لقرابته،أو لمكانته حتى تستقيم أمور الحياة. والذي يُفسِد حياتنا وينشر فيها الفوضى واللا مبالاة أنْ ننافق ونجامل الرؤساء والمسئولين،ونُغطِّي على تجاوزاتهم،ونأخذهم بالهوادة والرحمة،وهذا كله يهدم معنويات المجتمع،ويدعو للفوضى والتهاون. لذلك يعلمنا الإسلام أنْ نعلنها صراحة { فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [الشعراء: 216] وليأخذ القانون مجراه،وليتساوى أمامه الجميع،ولو عرف المخالف أنه سيكون عبرة لغيره لارتدع. لذلك يُقال عن عمر رضي الله عنه أنه حكم الدنيا كلها،والحقيقة أنه حكم نفسه أولاً،فحكمتْ له الدنيا،وكذلك مَنْ أراد أنْ يحكم الدنيا في كل زمان ومكان عليه أنْ يحكم نفسه،فلا يجرؤ أحد من أتباعه أن يخالفه،وساعة أن يراه الناس قدوة ينصاعون له بالسمع والطاعة. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ،أُعَلِّمُكُمْ،إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ،وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا،وَأَمَرَ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ،وَنَهَى عَنِ الرَّوْثِ،وَالرِّمَّةِ،وَنَهَى أنْ يَسْتَطِيبَ الرَّجلُ بِيَمِينِهِ." ابن ماجة. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنِّي أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ،أُعَلِّمُكُمْ إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ،وَلاَ تَسْتَدْبِرُوهَا،وَلاَ يَسْتَنْجِ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ،وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ،وَيَنْهَى عَنِ الرَّوْثَةِ وَالرِّمَّةِ." ابن حبان وعَنْ أَبِى هَارُونَ الْعَبْدِىِّ قَالَ:كُنَّا نَأْتِى أَبَا سَعِيدٍ فَيَقُولُ:مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ rإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ وَإِنَّ رِجَالاً يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الأَرَضِينَ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا. رواه الترمذي. 6- الإخلاص في تعليم العلم وبذله للناس،وإرادة وجه الله تعالى به،وطلبا لرضاء الله عز وجل وقربه إليه،فلا يطلب أجرا ولا جزاء ولا ثناء ولا شكورا. قال الله تعالى:{ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود:29]. وَأَنَا لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَى نُصْحِي لَكُمْ،وَدَعْوَتِي إِيَّاكُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ،مَالاً آخُذُهُ مِنْكُمْ أُجْرَةً عَلَى ذَلِكَ،وَإِنَّمَا أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ اللهِ وَحْدَهُ،وَأَنَا لاَ أَسْتَطِيعُ طَرْدَ المُؤْمِنِينَ كَمَا طَلَبْتُمْ مِنِّي،اسْتِعْلاءَ مِنْكُمْ عَلَيْهِمْ،وَتَحَاشِياً مِنَ الجُلُوسِ مَعَهُمْ،لأَنَّهُمْ سَيُلاَقُونَ رَبَّهُمْ،وَسَيَسْأَلُنِي اللهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ،وَإِنِّي لأَرَاكُمْ قَوْماً تَتَجَاوَزُونَ فِي طَلَبِكُمُ الحَقَّ وَالصَّوابَ،إِلَى الجَهْلِ وَالبَاطِلِ،وَلا تًدْرِكُونَ أَنَّ مَا يَصِحُّ أَنْ يَتَفَاضَلَ فِيهِ الخَلْقُ عِنْدَ اللهِ هُوَ الإِيمَانُ،وَالعَمَلُ الصَّالِحُ،لاَ المَالُ،وَلاَ الحَسَبُ وَلا الجَاهُ . وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:قِيلَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ ؟ قَالَ:مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ،وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ،وَذَكَّرَكُمْ بِالآخِرَةِ عَمَلُهُ" رواه أبو يعلى. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ،لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لَيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا،لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ." ابن حبان. وعَنْ جَابِرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ،وَلاَ تُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ،وَلاَ تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ،فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارَ النَّارَ." ابن حبان 7- التثبت من العلم والتوسع في دقائقه،وإصابة لبه،وأن يبلغ فيه مداه،فلا يكتفي ببعضه ولا بقشوره،ولا يعلم بعض مسائله ويجهل ما هو من مستلزماتها ومتمماتها. 8- الالتزام بالحلم والوقار،والأناة وسعة الصدر،إذا لا يزين العلم إلا الحلم ومكارم الأخلاق،وتجنب الرعونة والحمق والطيش والخفة والغضب والتهور وسرعة الانفعال.. 9- الصبر على جفاء الجاهلين،وإيذاء الحاسدين،وافتراء الكاذبين وعداوة الجاحدين. قال الله تعالى:{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ } الأحقاف 35. فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ عَلى مَا تُلاقِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَومِكَ لَكَ،كَمَا صَبَرَ أَصْحَابُ القُوَّةِ والثِّبَاتِ،مِنَ الرُّسُلِ الذِينَ سَبَقُوكَ،عَلَى تَكْذِيبِ أَقْوامِهِمْ لَهُمْ حِينَما أَبْلَغُوهُمْ دَعْوَةَ اللهِ إِلى الإِيمَانِ بِهِ.وَلا تَسْتَعْجِلْ بِسُؤَالِ رَبِّكَ أَنْ يُنزِلَ بِهِم العَذَابَ،فَهُوَ واقعٌ بِهِمْ لا مَحَالَةَ.وَأِنَّهُمْ حِينَما يَنْزِلُ بِهِم العَذَابُ يَومَ القِيَامَةََ يَرَوْنَ أَنَّ مُدَّةَ لَبِثِهِمْ في الدُّنيا ( أَوْ في قُبُورِهِمْ ) كَانَتْ قَصِيرةً،حَتَّى لَيَحْسَبُوها سَاعَةً مِنْ نَهارٍ .وَهذا الذِي وُعِظْتُم بِهِ لكَافٍ في المَوعِظَةِ،وَلاَ يَهلِكُ بالعَذابِ إِلا الكَافِرُونَ الخَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ اللهِ وَأَمْرِهِ،لأَنَّ اللهَ لا يُعَذِّبُ إِلا مَنْ يَسْتَحِقُّ العَذَابَ . وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَى النَّبِىِّ - r- يَحْكِى نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ،وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ،وَيَقُولُ « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِى فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ».متفق عليه. 10- بذل العلم لأهله،وتبيانه وإيضاحه،وتجنب كتمان شيء منه ضنا به أو ترفعا على من يطلبه. قال تعالى:{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)} آل عمران. أخَذَ اللهُ تَعَالَى العَهْدَ وَالمِيثَاقَ عَلَى أهْلِ الكِتَابِ عَلَى ألْسِنَةِ أنْبِيَائِهِمْ،بِأنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ مَا جَاءَ فِي كُتُبِهِمْ غَيرَ كَاتِمِينَ مِنْهُ شَيْئاً،وَبِأنْ يُوَضِّحُوا مَعَانِيَهُ كَمَا هِيَ دُونَ تَأوِيلٍ أَوْ تَحْرِيفٍ،وَبِأنْ يُبَيِّنُوا لِلنَّاسِ أن كُتُبَهُمْ أَشَارَتْ إلى بِعْثَةِ مُحَمَّدٍ r،لِيَكُونَ النَّاسُ عَلَى أهْبَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ حَتَّى إذَا بَعَثَهُ اللهُ رَسُولاَ لِلْخَلْقِ تَابَعُوهُ،وَلَكِنَّ أَهْلَ الكِتَابِ كَتَمُوا ذَلِكَ،واعْتَاضُوا بِحُطَامِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ ( ثَمناً قَلِيلاً ) عَنِ الأَجْرِ الذِي وَعَدَهُم اللهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ .وَقَدْ وَبَّخَهُم اللهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ العَمَلِ،تَوْبيخاً شَدِيداً فِي أكْثَر مِنْ مَوْضِعٍ مِنَ القُرآنِ،وَقَالَ لَهُمْ:بِئْسَتِ البَيْعَةُ بَيْعَتُهُمْ.وَوَاجِبُ أهْلِ الكِتَابِ فِي شَرْحِ مَعَانِي كُتُبِ اللهِ لِلنَّاسِ وَبَيَانِ أَحْكَامِهَا،يَنْطَبِقُ عَلَى المُسْلِمِينَ أَيْضاً وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:مَنْ كَتَمَ عِلْمًا تَلَجَّمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. " ابن حبان. وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ." ابن حبان وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:أَيُّمَا رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ." وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r: " عُلَمَاءُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلَانِ:رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا،فَبَذَلَهُ لِلنَّاسِ،وَلَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهِ طَمَعًا وَلَمْ يَشْتَرِ بِهِ ثَمَنًا،فَذَلِكَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ حِيتَانُ الْبَحْرِ وَدَوَابُّ الْبَرِّ وَالطَّيْرُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ،وَيَقْدَمُ عَلَى اللَّهِ سَيِّدًا شَرِيفًا حَتَّى يُرَافِقَ الْمُرْسَلِينَ،وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا،فَبَخِلَ بِهِ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ،وَأَخَذَ عَلَيْهِ طَمَعًا،وَاشْتَرَى بِهِ ثَمَنًا،فَذَاكَ يُلْجَمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ،وَيُنَادِي مُنَادٍ:هَذَا الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا فَبَخِلَ بِهِ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ،وَأَخَذَ عَلَيْهِ طَمَعًا،وَاشْتَرَى بِهِ ثَمَنًا،وَكَذَلِكَ حَتَّى يَفْرَغَ مِنَ الْحِسَابِ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله r:" مَا آتى اللّه عَالماً عِلماً إلاّ أخَذَ عَلَيه المِثاقَ أنْ لا يَكتُمَهُ ه" رواه أبو نعيم. |
11- استماع الحجة والقبول بها،والانصياع للحق وإن كان من الخصم،وتجنب الإصرار على الخطأ. قال الشافعي: وَدِدْت أَنَّ النَّاسَ انْتَفَعُوا بِهَذَا الْعِلْمِ وَلَا يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ،وَقَالَ أَيْضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:مَا نَاظَرْت أَحَدًا قَطُّ فَأَحْبَبْت أَنْ يُخْطِئَ،وَقَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا كَلَّمْت أَحَدًا قَطُّ إلَّا أَحْبَبْتُ أَنْ يُوَفَّقَ وَيُسَدَّدَ وَيُعَانَ وَتَكُونَ عَلَيْهِ رِعَايَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ".
12- الجرأة في الحق،وإظهار عزة العلم،وأن لا يخشى في الله لومة لائم أو غضبة حاقد وإن كان مرا وذلك بالحكمة والعقل والموعظة الحسنة.قال تعالى وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } [الأنعام:83]. وَتِلْكَ هِيَ حُجَّةُ اللهِ الدَّامِغَةُ عَلَى وُجُودِ اللهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ،أَرْشَدَ إِلَيْهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ،لِيُوجِّهُهَا إلَى قَوْمِهِ،وَهُمْ يُجَادِلُونَهُ فِي رَبِّهِ،وَاللهُ يَرْفَعُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ،دَرَجَاتٍ فِي الدِّينِ وَالفَهْمِ وَالحُجَّةِ،وَإنَّ رَبَّكَ اللهَ الذِي رَبَّاكَ وَعَلَّمَكَ وَهَدَاكَ يَا مُحَمَّدُ،وَجَعَلَكَ خَاتَمَ الرُّسُلِ،حَكِيمٌ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ،عَلِيمٌ بِمَنْ يَهْتَدِي بِمَا أَنْزَلَ اللهُ،وَبِمَنْ يَضِلُّ،وَبِمَنْ قَامَتِ الحُجَّةُ عَلَيْهِ . وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ،وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللهِ سَخَطَ اللَّهُ عَلَيْهِ،وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ." ابن حبان وعَنْ عَائِشَةَ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r،قَالَ:" مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ،وَمَنْ أَسْخَطَ اللَّهَ بِرِضَا النَّاسِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ " ابن حبان. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:مَنْ أَسْخَطَ اللَّهَ فِي رِضَا النَّاسِ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ،وأَسْخَطَ عَلَيْهِ مَنْ أرضاهُ فِي سَخَطِهِ،وَمَنْ أَرْضَى اللَّهَ فِي سَخَطِ النَّاسِ رَضِي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ مَنْ أَسْخَطَهُ فِي رِضَاهُ حَتَّى يُزَيِّنَهُ وَيُزَيِّنَ قَوْلَهُ وَعَمَلَهُ فِي عَيْنِهِ." الطبراني 13- إعطاء المتعلم على قدر فهمه،فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله فينفره،ثم يتدرج به من رتبة إلى رتبة. َقَالَ عَلِىٌّ:حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ،أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " رواه البخاري. وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لاَ تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلاَّ كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً." رواه مسلم. 14- بذل العلم لمن يقدِّرونه وينتفعون منه،وإمساكه عمن غيرهم. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ،وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ." رواه ابن ماجه. 15- إصلاح ظاهره بالاستقامة على الشريعة المحمدية،وباطنه على التقوى وتزكية النفس ومراقبة الله تعالى،لأن العلم ليس لقلقة باللسان،وكلمات جوفاء لا تتجاوز الآذان،وإنما هو نور القلب بخرج من روح متصلة بالله مستقر في القلوب والأرواح لينقلب إلى عمل وسلوك.قال الله تعالى:{ لَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) } [السجدة:23 - 25] . يُخْبِرُ اللهُ تَعَالى رَسُولَه rأَنَّهُ آتَى مُوسَى التَّوْرَاةَ ( الكِتَابَ )،لِتَكُونَ هُدىً وعِظَةً لِبني إِسْرائيلَ،كَمَا آتَى عَبْدَهُ مُحَمَّداً القُرآنَ،وأَمَرهُ بأَلاَّ يَكُونَ في شَكٍّ وَرِيبَةٍ مِنْ صِحَّةِ مَا آتاهُ اللهُ مِنَ الكِتَابِ،فَمُحَمَّدٌ لَيْسَ بِدْعاً في الرُّسُلِ،فَقَدْ آتى الله غَيْرَهُ مِنَ الأنبياءِ كُتُباً.وَجَعَلَ اللهُ مِنْ بَني إِسْرَائيلَ أَئِمَّةً فِي الدُّنيا،يَهْدُونَ أَتْبَاعَهُمْ إِلى الخَيْرِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ،لأَنَّهُم صَبَروا عَلى طَاعَتِهِ،وَعَزَفَتْ نُفُوسُهُمْ عَنْ لَذَّاتِ الدُّنيا وَشَهَواتِها،وَكَانُوا مُؤْمِنينَ بآياتِ اللهِ وَحُجَجِهِ،وَبِمَا اسْتَبَانَ لَهُمْ مِنَ الحَقِّ وعَنِ الْحَسَنِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: الْعِلْمُ عِلْمَانِ:عِلْمٌ فِي الْقَلْبِ فَذَاكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ،وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ فَتِلْكَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ." وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ:الْعِلْمُ عِلْمَانِ:فَعِلْمٌ فِى الْقَلْبِ فَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ،وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ فَذَلِكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ آدَمَ. وقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: " الْعِلْمُ عِلْمَانِ: عِلْمٌ بِاللِّسَانِ،وَعِلْمٌ بِالْقَلْبِ،فَأَمَّا الْعِلْمُ بِالْقَلْبِ: فَذَاكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ،وَأَمَّا الْعِلْمُ بِاللِّسَانِ: فَذَلكَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ " 16-تجنب الفتيا بغير علم أو تثبت أو تأكد من المسألة،وإحالة الباب الذي لا يعرفه إلى من هو أعلم منه،وعدم الحرج من قول لا أدري أو الأنفة من ذلك. قال تعالى:{ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85)} الاسراء. إنّ علم الإنسان سيظل قاصراً عن إدراك هذه الحقيقة،وسيظل بينهما مسافات طويلة؛ لذلك قال تعالى بعدها: { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء: 85] وهل عرف العقل البشري كل شيء حتى يبحث في أسرار الروح؟! والحق سبحانه وتعالى حينما يعطينا فكرة عن الأشياء لا يعطينا بحقائق ذاتها وتكوينها؛ لأن أذهاننا قد لا تتسع لفهمها،وإنما يعطينا بالفائدة منها. فحين حدثنا عن الأهِلّة قال:{ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ.. }[البقرة: 189] وهذه هي الفائدة التي تعود علينا والتي تهمنا من الأَهِلّة،أما حركتها ومنازلها والمراحل التي تمر بها الأَهِلّة فأمور لا يضر الجهل بها؛ ذلك لأن الاستفادة بالشيء ليستْ فرعاً لفهم حقيقته،فالرجل الأُميّ في ريفنا يقتني الآن التلفاز وربما الفيديو،ويستطيع استعمالهما وتحويل قنواتهما وضبطهما،ومع ذلك فهو لا يعرف كيف تعمل هذه الأجهزة؟ وكيف تستقبل؟ إذن: الاستفادة بالشيء لا تحتاج معرفة كل شيء عنها،فيكفيك ـ إذن ـ أنْ تستفيد بها دون أن تُدخِل نفسك في متاهات البحث عن حقيقتها. والحق سبحانه وتعالى ينبهنا إلى هذه المسألة في قوله تعالى:{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.. }[الإسراء: 36] لأن الخالق سبحانه يريد للإنسان أن يُوفّر طاقاته الفكرية ليستخدمها فيما يُجدي،وأَلاَّ يُتعِب نفسه ويُجهدها في علم لا ينفع،وجهل لا يضر. فعلى المسلم بدل أن يشغل تفكيره في مثل مسألة الروح هذه،أنْ ينشغل بعمل ذي فائدة له ولمجتمعه. وأيّ فائدة تعود عليك إنْ توصلت إلى سِرٍّ من أسرار الروح؟ وأيّ ضرر سيقع عليك إذا لم تعرف عنها شيئاً؟ إذن: مناط الأشياء أن تفهم لماذا وجدت لك،وما فائدتها التي تعود عليك. والحق سبحانه حينما قال: { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء: 85] كان يخاطب بها المعاصرين لرسول الله منذ ما يزيد على ألف وأربعمائة عام،ومازال يخاطبنا ويخاطب مَنْ بعدنا،وإلى أن تقوم الساعة بهذه الآية مع ما توصلتْ إليه البشرية من علم وكأنه سبحانه يقول: يا ابن آدم،الزم غرزك،فإن وقفت على سِرٍّ فقد غابتْ عنك أسرار. وقد أوضح الحق سبحانه لنا هذه المسألة في قوله:{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ }[فصلت:53] وهاهم العلماء والباحثون يقفون كل يوم على جديد في الكون الفسيح وفي الإنسان،ولو تابعتَ ما توصّل إليه علماء الفضاء ورجال الطب لَهالكَ ما توصَّلوا إليه من آيات وعجائب في خَلْق الله تعالى،لكن هل معنى ذلك أننا عرفنا كل شيء؟ إن كلمة { سَنُرِيهِمْ ْ} ستظل تعمل إلى قيام الساعة. والمتتبع لطموحات العقول وابتكاراتها يجد التطور يسير بخُطىً واسعة،ففي الماضي كان التقدم يُقَاسُ بالقرون،أما الآن ففي كل يوم يطلع علينا حديث وجديد،ونرى الأجهزة تُصنع ولا تُستعمل؛ لأنها قبل أنْ تُبَاع يخرج عليها أحدث منها،لكن كلها زخارف الحياة وكمالياتها،كما قال تعالى:{ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ.. }[يونس: 24] فكلُّ مَا نراه من تقدُّم ليس من ضروريات الحياة،فقد كُنَّا نعيش بخير قبل أن نعرف الكهرباء،وكُنَّا نشرب في الفخار والآن في الكريستال،فابتكارات الإنسان في الكماليات،أما الضروريات فقد ضمنها الخالق سبحانه قبل أن يوجد الإنسان على هذه الأرض. فإذا ما استنفدتْ العقول البشرية نشاطاتها،وبلغتْ مُنتهى مَا لديها من ابتكارات،حتى ظنَّ الناس أنهم قادرون على التحكم في زمام الكون،لا يعجزهم فيه شيء،كما قال تعالى: { وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ }[يونس: 24] فبعد ما أخذتم أسرار المنعِم في الكون على قَدْر ما استطعتم،فاذهبوا الآن إلى المنعِم ذاته لتروا النعيم على حقيقته،وكلما رأيت في دنيا الناس ابتكارات واختراعات تُسعِد الإنسان،فهذا ما أعدَّ البشر للبشر،فكيف بما أعدَّ الله الخالق لخَلْقه؟ فالمفروض أن زخارف الحياة وزينتها وكمالياتها لا تدعونا إلى الحقد والحسد لمن توفرتْ لديه،بل تدعونا إلى مزيد من الإيمان والشوق إلى النعيم الحقيقي عند المنعِم سبحانه. ولو تأملتَ هذه الارتقاءات البشرية لوجدتها قائمة على المادة التي خلقها الله والعقل المخلوق لله والطاقة المخلوقة لله،فَدوْر الإنسان أنه أعمل عقله وفكره في المقوّمات التي خلقها الله،لكن مهما وصلتْ هذه الارتقاءات،ومهما تطورتْ هل ستصل إلى درجة: إذا خطر الشيء ببالك تجدْه بين يديك؟ وعَنْ أَبِى عُثْمَانَ الطُّنْبُذِىِّ - رَضِيعِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ - قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ أُفْتِىَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ،وَمَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِى غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ ».. رواه أبو داود. |
17-تجنب المنة على المتعلمين ورؤية فضله على أحدهم إذا تعلَّم وتهذب وتزكَّى،لأن ذلك مما يحبط الأجر والثواب،ولكن يطلب ذخره عند الله،ويرى الفضل للمتعلم الذي كان السبب في رفع درجاته،وزيادة حسناته.
18-أن يتبع طريقة النبي rفي زجر المقصرين،ومحاسبة المذنبين وذلك بالتعريض دون التوبيخ،وبالتلميح دون التصريح.. كأن يقول " ما بال أقوام". فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ rسَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ rعَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ،فَقَالَ بَعْضُهُمْ:لاَ أَتَزَوَّجُ،وَقَالَ بَعْضُهُمْ:لاَ آكُلُ اللَّحْمَ،وَقَالَ بَعْضُهُمْ:لاَ أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا،لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ،وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ،وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ،فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي." ابن حبان وعَنْ أَنَسٍ،أَنَّ النَّبِيَّ r،قَالَ:مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ،فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ:لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ،أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ." ابن حبان وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:كَاتَبَتْ بَرِيرَةَ عَلَى نَفْسِهَا بِتِسْعَةِ أَوَاقٍ،فِي كُلِّ سَنَةٍ أُوقِيَّةً،فَأَتَتْ عَائِشَةَ تَسْتَعِينُهَا،فَقَالَتْ:لاَ،إِلاَّ أَنْ يَشَاؤُوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً،وَيَكُونَ الْوَلاَءُ لِي،فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ،فَكَلَّمَتْ بِذَلِكَ أَهْلَهَا فَأَبَوْا عَلَيْهَا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ،فَجَاءَتْ إِلَى عَائِشَةَ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ rعِنْدَ ذَلِكَ،فَقَالَتْ لَهَا مَا قَالَ أَهْلُهَا،فَقَالَتْ:لاَهَا:اللهِ إِذًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لِي،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَا هَذَا ؟ فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّ بَرِيرَةَ أَتَتْنِي تَسْتَعِينُنِي عَلَى كِتَابَتِهَا،فَقُلْتُ:لاَ إِلاَّ أَنْ يَشَاؤُوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً،وَيَكُونَ الْوَلاَءُ لِي،فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لأَهْلِهَا،فَأَبَوْا عَلَيْهَا،إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: ابْتَاعِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ وَأَعْتِقِيهَا،فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ. ثُمَّ قَامَ rفَخَطَبَ النَّاسَ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ يَقُولُونَ:أَعْتِقْ يَا فُلاَنُ وَالْوَلاَءُ لِي،كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ،وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ،كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ،وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ،فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ rزَوْجَهَا،وَكَانَ عَبْدًا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا،قَالَ عُرْوَةُ:فَلَوْ كَانَ حُرًّا مَا خَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ rمِنْ زَوْجِهَا." ابن حبان وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى النَّبِيَّ r،فَقَالَ:إِنِّي أَصَبْتُ فَاحِشَةً،فَرَدَّهُ النَّبِيُّ rمِرَارًا،قَالَ:فَسَأَلَ قَوْمَهُ:أَبِهِ بَأْسٌ ؟ فَقِيلَ:مَا بِهِ بَأْسٌ غَيْرَ أَنَّهُ أَتَى أَمْرًا يَرَى أَنَّهُ لاَ يُخْرِجُهُ مِنْهُ إِلاَّ أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَيْهِ،قَالَ:فَأَمَرَنَا فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ،قَالَ:فَلَمْ نَحْفُرْ لَهُ وَلَمْ نُوثِقْهُ،فَرَمَيْنَاهُ بِخَزَفٍ وَعِظَامٍ وَجَنْدَلٍ،قَالَ:فَاشْتَكَى فَسَعَى،فَاشْتَدَدْنَا خَلْفَهُ،فَأَتَى الْحَرَّةَ فَانْتَصَبَ لَنَا،فَرَمَيْنَاهُ بِجَلاَمِيدِهَا حَتَّى سَكَنَ،فَقَامَ النَّبِيُّ rمِنَ الْعَشِيِّ خَطِيبًا،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:أَمَا بَعْدُ،مَا بَالَ أَقْوَامٍ إِذَا غَزَوْنَا تَخَلَّفَ أَحَدُهُمْ فِي عِيَالِنَا لَهُ نَبِيبٌ كَنَبِيبِ التَّيْسِ،أَمَا إِنَّ عَلَيَّ أَنْ لاَ أُوتِيَ بِأَحَدٍ فَعَلَ ذَلِكَ إِلاَّ نَكَّلْتُ بِهِ،قَالَ:وَلَمْ يَسُبَّهُ،وَلَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ." وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ،قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّ يَقُولُ:اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ rابْنَ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ،فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ النَّبِيُّ r،فَقَالَ:هَذَا لَكُمْ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ إِلَيَّ،فَقَالَ النَّبِيُّ r: أَلاَ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ،فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ rالظُّهْرَ قَامَ فَخَطَبَ،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:أَمَّا بَعْدُ،مَا بَالُ أَقْوَامٍ نُوَلِّيهِمْ أُمُورًا مِمَّا وَلاَّنَا اللَّهُ وَنَسْتَعْمِلَهُمْ عَلَى أُمُورٍ مِمَّا وَلاَّنِي اللَّهُ،ثُمَّ يَأْتِي أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ:هَذَا لَكُمْ وَهَذِهِ أُهْدِيَتْ إِلَيَّ،أَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ،وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ،لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلاَّ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ،فَلاَ أَعْرِفَنَّ رَجُلاً يَحْمِلُ عَلَى عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ،أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ،أَوْ شَاةً تَيْعَرُ،ثُمَّ بَسَطَ يَدَهُ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ بَصَرَ عَيْنِي وَسَمِعَ أُذُنِي،ثُمَّ قَالَ:أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ - ثَلاَثًا -،الشَّهِيدُ عَلَى ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ يَحُكُّ مَنْكِبِي مَنْكِبَهُ." ابن حبان _____________ |
-25-آداب المتعلم
كلنا يعلم أنَّ أول ما نزل من القرآن الكريم أن أمر الله تعالى نبيه بالقراءة:{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} العلق. ومنّ على الإنسان بالإنعام عليه بالعلم:{ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} العلق. ثم أقسم في ثاني سورة بالكتابة وأدواتها {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)} القلم،ثم تتالت الآيات في بيان فضل العلم كقوله تعالى:{ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} الأنعام 148. وفي الحث على التعلم كقوله تعالى وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) } [التوبة:122]. وفي تكريم العلماء كقوله جلّ وعلا: { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) } [الرعد:43]. وتمت معجزة الدين الجديد بالقضاء على ظلام الجهل والخرافة والأمية،ونشر مشاعل العلم والحكمة والحضارة والمعرفة في أرجاء الأرض. وليس هناك من دين سماوي أو نظام وضعي حضَّ على العلم وقدَّسه وأمر بتحصيله وتحكيمه في كل خطوة من خطوات الحياة وفي كل ميادينها كما فعل الإسلام. ففي وقت كان العلم محظورا على الرعاع من الناس،ومقصورا على طبقة الأشراف والنبلاء،لم يبح الاسلام العلم وإنما جعله فريضة على جميع معتنقيه،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ: " طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ " البيهقي. وتبرأ من كل جاهل،فعَنِ الْحَسَنِ،أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ:كُنْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُحِبًّا أَوْ مُتَّبَعًا،وَلَا تَكُنِ الْخَامِسَ فَتَهْلِكَ.قَالَ:قُلْتُ لِلْحَسَنِ:مَنِ الْخَامِسُ ؟ قَالَ:الْمُبْتَدِعُ " وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:مَلْعُونَةٌ الدُّنْيَا،مَلْعُونٌ أَهْلُهَا،إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ،أَوْ مَا ذُكِرَ اللَّهُ،وَالْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ،وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ" وجعله بمنزلة الحيوان الأعجم،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ rأَنَّهُ قَالَ:" قَلِيلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ،وَكَفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا إِذَا عَبَدَ اللَّهَ،وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا إِذَا عَجِبَ بِرَأْيِهِ،إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ:عَالِمٌ وَجَاهِلٌ فَلَا تُمَارِ الْعَالِمَ وَلَا تُحَاوِرِ الْجَاهِلَ ". وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ rيَقُولُ:" قَلِيلُ الْفِقْهِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ،وَكَفَى بِالْمَرْءِ فِقْهًا إِنْ عَبَدَ اللَّهَ،وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا إِذَا أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ،إِنَّمَا النَّاسُ رَجُلَانِ:فَمُؤْمِنٌ وَجَاهِلٌ،فَلَا تُؤْذِ الْمُؤْمِنَ وَلَا تُجَاوِرِ الْجَاهِلَ " وجعل العلم طريقا إلى الفوز بالجنة،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا،سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ،وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ." ابن حبان وجعل طالبه حبيب الملائكة الذين يقومون بتأييده ومعونته،فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ: " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ،وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ،وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ دَوَابُّ الْبِرِّ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ " وبين أن القليل منه،خير من كثير العبادة،فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ " وعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r: " يَا أَبَا ذَرٍّ،لَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ،خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ،وَلَأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ،عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ،خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ " وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - r: " فَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ،وَخَيْرُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وعَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلاَئِيِّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: فَضْلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ،وَمِلاَكُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ." وجعل طلبه جهادا في سبيل الله،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ". وأجره كأجر من ظفر بحجة تامة،فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ:"مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ،كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامًّا حِجَّتُهُ". وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا،أَوْ يَعْلَمَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُ مُعْتَمِرٍ تَامِّ الْعُمْرَةِ،فَمَنْ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا،أَوْ يُعَلِّمَهُ فَلَهُ أَجْرُ حَاجٍّ تَامِّ الْحِجَّةِ" وأمر بطلبه إن فقد في بلده ولو في آخر الدنيا،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،عَنِ النَّبِيِّ |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر لك أستاذتنا القديرة منى شوقي غنيم موضوعك المفيد الذي يهتم بالتربية والأدب والآداب ، والمستمد من ديننا الحنيف ، والمعزز بالأحاديث الشريفة ، والآيات القرآنية. بوركت ، لا فض فوك. |
rقَالَ:"" اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ فَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ "..
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ:اعْقِلْ رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ،مَا خَاطَبَكَ بِهِ النَّبِيُّ r،فَإِنَّهُ يَحُثُّكَ عَلَى طَلَبِ عِلْمِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ قَبْلَ فَنَاءِ الْعُلَمَاءِ،ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فَنَاءَ الْعِلْمِ بِقَبْضِ أَهْلِهِ،ثُمَّ أَعْلَمَكَ أَنَّ الْخَيْرَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ،وَفِيمَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ،فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ،اعْقِلْ هَذَا وَاطْلُبْ مِنَ الْعِلْمِ مَا يُنْفَى عَنْكَ بِهِ الْجَهْلُ،وَتَعْبُدُ اللَّهَ بِهِ وَتُرِيدُ اللَّهَ الْعَظِيمَ بِهِ،فَإِنَّهُ عَلَيْكَ فَرِيضَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ r: " طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ "،وَلِقَوْلِهِ:" اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ " وجعل أثره بعد موت صاحبه عملا مستمرا له وأجرا باقيا وثوابا جاريا في صحيفته،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ:إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ:صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ،أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ،أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ." ابن حبان وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ » رواه مسلم.. ولئلا يفهم الناس أن المقصود من العلم هو علم العبادات والمناسك فقط،فقد حث القرآن في آياته على تتبع علوم الكون كله،واستنباط أسراره وتعلم قوانينه والاستفادة من نظامه ودقة نواميسه قال سبحانه:{ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) } [الأعراف:185] أَوَ لَمْ يَنْظُرْ هَؤُلاَءِ المُكَذِّبُونَ إلَى مَا خَلَقَ اللهُ تَعَالَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَيَتَدبَّرُوا ذَلِكَ،وَيَعْتَبِرُوا بِهِ،وَيُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ،وَيَتَخَلَّوْا عَنِ الأنْدَادِ وَالأوْثَانِ؟ فَلْيَحْذَرُوا أنْ تَكُونَ آجَالُهُمْ قَدِ اقْتَرَبَتْ فَيَهْلِكُوا وَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ،وَيَصِيرُوا إلى عَذَابٍ أليمٍ.وَإذا لَمْ يتَّعِظُوا بِمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ،وَبِمَا حَذَّرَهُمْ مِنْهُ،فَبِأَيِّ وَسِيلَةٍ مِنَ التَّخْويفِ وَالتَّحْذِيرِ يُصَدِّقُونَ؟ وَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ القُرْآنِ يُؤْمِنُونَ،إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ؟ وقال تعالى:{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) } [آل عمران:190 - 191] . إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ،وَمَا فِيها مِنْ مَشَاهِدَ عَظِيمَةٍ،وَكَوَاكِبَ وَسَيَّارَاتٍ،وَفِي خَلْقِ الأَرْضِ،وَمَا فِيها مِنْ بِحَارٍ،وَأَنْهَارٍ وَجِبَالٍ وَأَشْجِارٍ وَنَبَاتْ،وَفِي تَعَاقُبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ،وَتَقَارُضِهِمَا الطُّولَ وَالقِصَرَ،وَيَطُولُ هَذا تَارةً،وَيَطُولُ الآخَرَ تَارَةً أخْرَى...لآيَاتٍ وَبَرَاهِينَ وَحُجَجَاً وَدَلائِل عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ،وَعَظِيمَ قُدْرَتِهِ،لأهْلِ العُقُولِ وَالأَلْبَابِ الزّكِيَّةِ.وَيَصِفُ اللهُ تَعَالَى أُوْلِي الأَلْبَابِ فَيَقُولُ عَنْهُمْ:إِنَّهُمُ الذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قَائِمِينَ وَقَاعِدِينَ وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَلاَ يَقْطَعُونَ ذِكْرَ اللهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ،بِسَرَائِرِهِمْ،وَأَلْسِنَتِهِمْ...و َيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لِيَفْهَمُوا مَا فِيهَا مِنْ أَسْرَارِ خَلِيقَتِهِ،وَمِنْ حِكَمٍ وَعِبَرٍ وَعِظَاتٍ،تَدُلُ عَلَى الخَالِقِ،وَقُدْرَتِهِ،وَحِكْمَتِهِ،ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَكَ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا الخَلْقَ عَبَثاً وَبَاطِلاً،رَبَّنَا تَنَزَّهْتَ عَنِ العَبَثِ وَالبَاطِلِ،وَإنَّمَا خَلَقْتَهُ بِالحَقِّ،وَالإِنْسَانِ مِنْ بَعْضِ خَلْقِكَ لَمْ تَخْلُقْهُ عَبَثاً،وَإِنَّمَا خَلَقْتَهُ لِحِكْمَةٍ.وَمَتَى حُشِرَ الخَلْقُ إلَيكَ حَاسَبْتَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ،فَتَجْزِي الذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا،وَتَجْزِي الذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.ثُمَّ يُتِمُّونَ دُعَاءَهُمْ سَائِلِينَ رَبَّهُمْ أنْ يَقِيَهُمْ عَذابَ النَّارِ . وأشار في محكم تنزيله إلى بعض علوم السماء والأرض،والنبات والحيوان،والأجنة والفلك،والسياسة والاجتماع،والمعاملات الاجتماعية والعلاقات الدولية.. ومن وحي هذه التعاليم الاسلامية لم تمض فترة وجيزة إلا وصار كل بيت قبلة،وكل سوق مدرسة،وانقلبت الصحاري والمراعي إلى منابع للنور والحكمة وفنون العلم والمعارف،ثم انطلق المسلمون إلى أصقاع الأرض ينشرون هذا العلم بين الناس،ويبصرونهم سبل سعادتهم،ويدلونهم على حقيقة إنسانيتهم،وأسرار خلقهم.. ويبثون حضارة ما عرفت الإنسانية أعظم منها هدفا ولا أنبل منها غاية ولا أرحم منها على بني الإنسان. إنها رسالة الإسلام،فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو،قَالَ:دَخَلَ النَّبِيُّ rالْمَسْجِدَ وَقَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَوْمٌ يَتَذَاكَرُونَ الْفِقْهَ،فَقَالَ النَّبِيُّ r: كِلاَ الْمَجْلِسَيْنِ إِلَى خَيْرٍ،أَمَّا الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَسْأَلُونَ رَبَّهُمْ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ،وَهَؤُلاَءِ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ وَيَتَعَلَّمُونَ،وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا،وَهَذَا أَفْضَلُ فَقَعَدَ مَعَهُمْ." وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ". هذا وليحصل طالب العلم على ثمرات عمله على الوجه المطلوب،وليبارك في جهوده،لا بد أن يطلب العلم متأدبا بآدابه التي نقطف منها هذه اللآلئ،وننظمها لكل متعلم: |
آداب المتعلم مع العلم:
1- التماس مجالس العلم،وانتقاء اليانع من ثمراتها،والانتفاع بها على الوجه المطلوب.فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ،فَارْتَعُوا،قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ:مَجَالِسُ الْعِلْمِ.". رواه الطبراني. 2- الصدق في طلب العلم،وبذل الوقت والجهد في تحصيله،والإعراض عن كل ما يشغل عنه من لغو أو بطالة أو اقتراف لمعصية أو محرم. وفال بعضهم : شَكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي فَأَوْمَأَ لِي إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي وَقَالَ بِأَنَّ حَفِظَ الشَّيْءِ فَضْلٌ وَفَضْلُ اللَّهِ لَا يُدْرِكُهُ عَاصِي وعن سَعِيدَ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِىَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ،إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ.فَقَالَ كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِىِّ - r- « أَنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ،فَسُئِلَ أَىُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا.فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ.فَقَالَ لَهُ بَلَى،لِى عَبْدٌ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ.قَالَ أَىْ رَبِّ وَمَنْ لِى بِهِ - وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ أَىْ رَبِّ وَكَيْفَ لِى بِهِ - قَالَ تَأْخُذُ حُوتًا،فَتَجْعَلُهُ فِى مِكْتَلٍ،حَيْثُمَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَهْوَ ثَمَّ - وَرُبَّمَا قَالَ فَهْوَ ثَمَّهْ - وَأَخَذَ حُوتًا،فَجَعَلَهُ فِى مِكْتَلٍ،ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ،حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ،وَضَعَا رُءُوسَهُمَا فَرَقَدَ مُوسَى،وَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فَخَرَجَ فَسَقَطَ فِى الْبَحْرِ،فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ سَرَبًا،فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنِ الْحُوتِ جِرْيَةَ الْمَاءِ،فَصَارَ مِثْلَ الطَّاقِ،فَقَالَ هَكَذَا مِثْلُ الطَّاقِ.فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا،حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا . وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ.قَالَ لَهُ فَتَاهُ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ،وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ،وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ عَجَبًا،فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا وَلَهُمَا عَجَبًا.قَالَ لَهُ مُوسَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِى،فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا،رَجَعَا يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ،فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ،فَسَلَّمَ مُوسَى،فَرَدَّ عَلَيْهِ.فَقَالَ وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ.قَالَ أَنَا مُوسَى.قَالَ مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ،أَتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِى مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا.قَالَ يَا مُوسَى إِنِّى عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ،عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لاَ تَعْلَمُهُ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لاَ أَعْلَمُهُ.قَالَ هَلْ أَتَّبِعُكَ قَالَ ( إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ) إِلَى قَوْلِهِ ( إِمْرًا ) فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ،فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ،كَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ،فَعَرَفُوا الْخَضِرَ،فَحَمَلُوهُ بِغَيْرِ نَوْلٍ،فَلَمَّا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ جَاءَ عُصْفُورٌ،فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ،فَنَقَرَ فِى الْبَحْرِ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ،قَالَ لَهُ الْخَضِرُ يَا مُوسَى،مَا نَقَصَ عِلْمِى وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ.إِذْ أَخَذَ الْفَأْسَ فَنَزَعَ لَوْحًا،قَالَ فَلَمْ يَفْجَأْ مُوسَى إِلاَّ وَقَدْ قَلَعَ لَوْحًا بِالْقَدُّومِ.فَقَالَ لَهُ مُوسَى مَا صَنَعْتَ قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ،عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا،لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا.قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا.قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِى مِنْ أَمْرِى عُسْرًا،فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا.فَلَمَّا خَرَجَا مِنَ الْبَحْرِ مَرُّوا بِغُلاَمٍ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ،فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَقَلَعَهُ بِيَدِهِ هَكَذَا - وَأَوْمَأَ سُفْيَانُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ كَأَنَّهُ يَقْطِفُ شَيْئًا - فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا.قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا.قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَىْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى،قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّى عُذْرًا.فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ مَائِلاً - أَوْمَأَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ سُفْيَانُ كَأَنَّهُ يَمْسَحُ شَيْئًا إِلَى فَوْقُ،فَلَمْ أَسْمَعْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ مَائِلاً إِلاَّ مَرَّةً - قَالَ قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُطْعِمُونَا وَلَمْ يُضَيِّفُونَا عَمَدْتَ إِلَى حَائِطِهِمْ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا.قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ،سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا.قَالَ النَّبِىُّ - r- « وَدِدْنَا أَنَّ مُوسَى كَانَ صَبَرَ،فَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا ».قَالَ سُفْيَانُ قَالَ النَّبِىُّ - r- « يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى،لَوْ كَانَ صَبَرَ يُقَصُّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا ».وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا،وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ.ثُمَّ قَالَ لِى سُفْيَانُ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ.قِيلَ لِسُفْيَانَ حَفِظْتَهُ قَبْلَ أَنْ تَسْمَعَهُ مِنْ عَمْرٍو،أَوْ تَحَفَّظْتَهُ مِنْ إِنْسَانٍ فَقَالَ مِمَّنْ أَتَحَفَّظُهُ وَرَوَاهُ أَحَدٌ عَنْ عَمْرٍو غَيْرِى سَمِعْتُهُ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا وَحَفِظْتُهُ مِنْهُ . وقد ذكر القرآن الكريم: قال تعالى:{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60)} الكهف. لا أبرح: أي لا أترك،والبعض يظن أن لا أبرح تعني: لا أترك مكاني الذي أنا فيه،لكنها تعني: لا أترك ما أنا بصدده،فإنْ كنتُ قاعداً لا أترك القعود،وإنْ كنتُ ماشياً لا أترك المشي،وقد قال موسى ـ عليه السلام ـ هذا القول وهو يبتغي بين البحرين،ويسير متجهاً إليه،فيكون المعنى: لا أترك السير إلى هذا المكان حتى أبلغ مجمع البحرين. وقد وردت مادة (برح) في قوله تعالى في قصة يوسف عليه السلام: { فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي.. } [يوسف: 80] قالها كبيرهم بعد أن أخذ يوسف أخاه بنيامين ومنعه من الذهاب معهم،فهنا استحى الأخ الأكبر من مواجهة أبيه الذي أخذ عليهم العهد والميثاق أنْ يأتوا به ويُعيدوه إليه. و" مجْمَع البحرين " أي: موضع التقائهما،حيث يصيران بحراً واحداً،كما يلتقي مثلاً دجلة والفرات في شَطِّ العرب. وقوله: { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } [الكهف: 60] الحُقُب: جمع حِقْبة،وهي الفترة الطويلة من الزمن،وقد قدَّروها بحوالي سبعين أو ثمانين سنة،فإذا كان أقل الجمع ثلاثة،فمعنى ذلك أن يسير موسى ـ عليه السلام ـ مائتين وعشرة سنين،على اعتبار أن الحِقْبة سبعون سنة.ويكون المعنى: لا أترك السير إلى هذا المكان ولو سِرْتُ مائتين وعشرة سنين؛ لأن موسى عليه السلام كان مَشُوقاً إلى رؤية هذا الرجل الأعلم منه،كيف وهو النبي الرسول الذي أوحى الله إليه؛ لذلك أخبره ربه أن عِلْم هذا الرجل علم من لدنا،علم من الله لا من البشر. 3- الإخلاص في طلب العلم،وإرادة وجه الله تعالى في تحصيله،وامتثال أمر رسوله r،والحذر من أن يكون حظه من العلم طلب عرض من الدنيا قليل. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ « مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِغَيْرِ اللَّهِ أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ». رواه الترمذي. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ،لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لَيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا،لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ." ابن حبان. 4- تزكية النفس وتطهيرها من رذائل الأخلاق واتباع الأهواء قبل طلب العلم،لأن العلم إذا نزل على نفس خبيثة زادها خبثا وصار ضررا على صاحبه وبلاء على الناس. قال الشاعر: لا تحسبنّ العلم ينفع وحده ……ما لم يتوّج ربّه بخلاق وقال آخر: |
وقال آخر:
لو كان للعلم من دون التقى شرف …لكان أشرف خلق الله إبليس 5- الابتعاد عن المراء،وتجنب الجدال بعد ظهور الحق،فإن المراء لا يأتي بخير،لأنه يضيع الوقت،ويقسي القلوب،ويورث الأحقاد،ويسبب البغضاء،وعلى المتعلم أن يبدي رأيه لمحدثه فإن اقتنع وإلا فليتوقف عن النقاش العقيم،قال الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (46) سورة العنكبوت. ولا تجادلوا -أيها المؤمنون- اليهودَ والنصارى إلا بالأسلوب الحسن،والقول الجميل،والدعوة إلى الحق بأيسر طريق موصل لذلك،إلا الذين حادوا عن وجه الحق وعاندوا وكابروا وأعلنوا الحرب عليكم فجالدوهم بالسيف حتى يؤمنوا،أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون،وقولوا: آمنا بالقرآن الذي أُنزل إلينا،وآمنا بالتوراة والإنجيل اللذَيْن أُنزلا إليكم،وإلهنا وإلهكم واحد لا شريك له في ألوهيته،ولا في ربوبيته،ولا في أسمائه وصفاته،ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا به،ونهانا عنه. فعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ،عَن ْرَسُولِ اللَّهِ r،قَالَ:"مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ،وَيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ فِي الْمَجَالِسِ،لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ" وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ:مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ،أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ،أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ،فَهُوَ فِي النَّارِ." رواه ابن ماجه. وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ». 6- المحافظة على السمت الحسن،والاتزان والهدوء،ووقار العلم،وما يطبعه في النفس من خشية لله،ومعرفة بأقدار الناس. والابتعاد عن كل ما يخلّ بشرف العلم ومكانته في النطق والمشي والأمكنة والمعاملات. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ،وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ،وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَعْلَمُونَ مِنْهُ" رواه الطبراني. وقَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْحِلْمَ،وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَعَلَّمُونَ مِنْهُمْ،وَلْيَتَوَاضَعْ لَكُمْ مَنْ تُعَلِّمُونَ،وَلا تَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الْعُلَمَاءِ ؛ فَلا يَقُومُ عِلْمُكُمْ بِجَهْلِكُمْ " وقال مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " إِنَّ مَجَالِسَ الْعِلْمِ تُحْتَضَنُ بِالْخُشُوعِ وَالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ " وعَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلَائِيِّ قَالَ:كَانَ يُقَالُ:" تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ،وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْحِلْمَ،وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ،وَلْيَتَوَاضَعَ لَكُمْ مَنْ عَلَّمَكُمْ " قَالَ أَيُّوبُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ،سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ:كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ،إِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فِي الْعِلْمِ،فَهُوَ يَوْمُ غُنَيْمَتِهِ،سَأَلَهُ وَتَعَلَّمَ مِنْهُ،وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الْعِلْمِ عَلَّمَهُ،وَتَوَاضَعَ لَهُ،وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلَهُ فِي الْعِلْمِ ذَاكَرَهُ وَدَارَسَهُ،وَقَالَ:لَا يَكُونُ إِمَامًا فِي الْعِلْمِ مَنْ أَخَذَ بِالشَّاذِّ مِنَ الْعِلْمِ،وَلَا يَكُونُ إِمَامًا فِي الْعِلْمِ مَنْ رَوَى كُلَّ مَا سَمِعَ،وَلَا يَكُونُ إِمَامًا فِي الْعِلْمِ مَنْ رَوَى عَنْ كُلِّ أَحَدٍ،وَالْحِفْظُ الْإِتْقَانُ" 7- طلب العلم النافع المفيد في دين المسلم أو دنياه أو آخرته،وتجنب العلوم التي انقضى زمانها،أو التي لا طائل منها،أو التي تضر المسلم في دينه،أو توقعه في الشك والإلحاد. قال تعالى: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} (14) سورة الشورى. يُبَيِّنَ اللهُ تَعَالَى الأَسْبَابَ التِي حَمَلَتِ النَّاسَ عَلَى التَّفَرُّقِ والاخْتِلاَفِ فِي الدِّينِ،مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمْ جَمِيعاً بِأَمْرٍ وَاحِدٍ،وَطَلَبَ مِنْهُمِ الأَخْذَ بِهِ،وَعَدَمَ التَّفَرُّقِ فِيهِ.فَقَالَ تعالى: إِنَّهُمْ لَمْ يَتَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ عَلِمُوا أَنَّ الفُرْقَةُ ضَلاَلَةٌ،وَقَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ بَغْياً وَطَلَباً لِلرِئَاسَةِ وَلِلحَمِيَّةِ وَالعَصِبِيَّةِ،وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَذْهَبُ مَذْهَباً وَتَدْعُو إِلَيهِ،وَتُقَبِّحُ مَا سَوَاهُ لِلظُّهُورِ وَالتَّفَاخُرِ،وَلَوْلاَ الكَلِمَةُ السَّابِقَةَ مِنَ اللهِ تَعَالَى بِأَنْ يُؤَخِّرَ حَسَابِهُمْ،وَالفَصْلَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ،لَعَجَّلَ لَهُمْ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا.وَالذِينَ وَرِثُوا التَّوْرَاةَ والإِنْجِيل عَنْ أَسْلاَفِهِم السَّابِقِينَ،هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ كِتَابِهِمْ،لأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ حَقَّ الإِيْمَانِ .وَهُمْ يَقَلِّدُونَ أَسْلاَفَهُمْ بِلاَ حُجَّةٍ وَلاَ دَلِيلٍ وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ فِي شَكٍّ وَحِيرَةٍ مُقْلِقَيْنِ وعَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الأَرْبَعِ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ ». وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاَّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَقُولُ كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا ». رواه مسلم. 8- تلقي العلم عن أهله الأكفاء،من العلماء الراسخين،والأتقياء الصالحين،وأخذ كل فن من المختصين به،المحسنين له. فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ:إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ." وقَال مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: "إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ " وَيَكُونُ قَدْ وَسَمَ نَفْسَهُ بِآدَابِ الْعِلْمِ،مِنَ اسْتِعْمَالِ:الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ،وَالتَّوَاضُعِ لِلطَّالِبِينَ،وَالرِّفْقِ بِالْمُتَعَلِّمِينَ،وَلِينِ الْجَانِبِ،وَمُدَارَاةِ الصَّاحِبِ،وَقَوْلِ الْحَقِّ،وَالنَّصِيحَةِ لِلْخَلْقِ،وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَوْصَافِ الْحَمِيدَةِ،وَالنُّعُوتِ الْجَمِيلَةِ 9- الصبر على التعلم والحفظ والمراجعة،واستغلال الوقت واكتساب الفراغ،قبل ذهابهما بما يستطيع من الاستزادة من العلم،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ rلِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ،شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ،وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ،وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ،وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلُكَ،وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " وعَنِ الأَحْنَفِ،قَالَ:قَالَ عُمَرُ:تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تُسَوَّدُوا." يُرِيدُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَخْدُمِ الْعِلْمَ فِي صِغَرِهِ اسْتَحْيَى أَنْ يَخْدُمَهُ فِي كِبَرِ السِّنِّ وَإِدْرَاكِ السُّؤْدَدِ " قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَبَلَغَنِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،أَنَّهُ قَالَ:مَنْ تَرْأَسَ فِي حَدَاثَتِهِ كَانَ أَدْنَى عُقُوبَتِهِ أَنْ يَفُوتَهُ حَظٌّ كَبِيرٌ مِنَ الْعِلْمِ.وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ،رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ:مَنْ طَلَبَ الرِّيَاسَةَ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَوَانِهِ لَمْ يَزَلْ فِي ذُلٍّ مَا بَقِيَ،أَنْشَدَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَنْشَدَنِي سَهْلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:أَنْشَدَنَا مَنْصُورُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ لِنَفْسِهِ : الْكَلْبُ أَكْرَمُ عِشْرَةً وَهُوَ النِّهَايَةُ فِي الْخَسَاسَةْ مِمَّنْ يُنَازِعُ فِي الرِّيَاسَةِ قَبْلَ أَوْقَاتِ الرِّيَاسَةْ وقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:" يَا طَالِبَ الْعِلْمِ إِنَّ الْعِلْمَ ذُو فَضَائِلَ كَثِيرَةٍ:فَرَأْسُهُ التَّوَاضُعُ،وَعَيْنُهُ الْبَرَاءَةُ مِنَ الْحَسَدِ،وَأُذُنُهُ الْفَهْمُ،وَلِسَانُهُ الصِّدْقُ،وَحِفْظُهُ الْفَحْصُ،وَقَلْبُهُ حُسْنُ النِّيَّةِ،وَعَقْلُهُ مَعْرِفَةُ الْأَشْيَاءِ وَالْأُمُورُ الْوَاجِبَةُ،وَيَدُهُ الرَّحْمَةُ،وَرِجْلُهُ زِيَادَةُ الْعُلَمَاءِ،وَهِمَّتُهُ السَّلَامَةُ،وَحِكْمَتُهُ الْوَرَعُ،وَمُسَتَقَرُّهُ النَّجَاةُ،وَقَائِدُهُ الْعَافِيَةُ،وَمَرْكَبُهُ الْوَفَاءُ،وَسِلَاحُهُ لِينُ الْكَلِمَةِ،وَسَيْفُهُ الرِّضَا،وَفَرَسُهُ الْمُدَارَاةِ،وَجَيْشُهُ مُحَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ،وَمَالُهُ الْأَدَبُ،وَذَخِيرَتُهُ اجْتِنَابُ الذُّنُوبِ،وَزَادُهُ الْمَعْرُوفُ،وَمَاؤُهُ الْمُوَادَعَةُ،وَدَلِيلُهُ الْهُدَى،وَرَفِيقُهُ صُحْبَةُ الْأَخْيَارِ " وَيَكُونُ قَدْ أَخَذَ فِقْهَهُ مِنْ أَفْوَاهِ الْعُلَمَاءِ،لَا مِنَ الصُّحُفِ" |
10- السؤال عن كل ما استعصى عليه فهمه،والبحث في كل مسألة حتى يتقنها،وعدم الحياء في طلب العلم. فعَنْ مُغِيرَةَ قَالَ:قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ كَيْفَ أَصَبْتَ هَذَا الْعِلْمَ ؟ قَالَ:" بِلِسَانٍ سَؤُولٍ،وَقَلْبٍ عَقُولٍ " .
وعَنْ دَغْفَلَ بْنِ حَنْظَلَةَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ شَيْبَانَ قَالَ:قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:" يَا دَغْفَلُ،مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ هَذَا الْعِلْمَ ؟ قُلْتُ:يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ،عَلِمْتُهُ بِلِسَانٍ سَئُولٍ وَقَلْبٍ عُقُولٍ وَأُذُنٍ وَاعِيَةٍ لِلْعِلْمِ " وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ:أَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى دَغْفَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْأَلُ عَنِ الْعَرَبِيَّةِ وَالنَّحْوِ وَالنِّسْبَةِ فَقَالَ:يَا دَغْفَلُ مِنْ أَيْنَ حَفِظْتَ هَذَا ؟ قَالَ:بِلِسَانٍ سَئُولٍ وَقَلْبٍ عُقُولٍ وَأُذُنٍ وَاعِيَةٍ " وعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:" لَا يَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ مُسْتَحٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ ". وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ سَأَلَتِ النَّبِىَّ -r- عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ فَقَالَ « تَأْخُذُ إِحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وَسِدْرَتَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ دَلْكًا شَدِيدًا حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ. ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرُ بِهَا ». فَقَالَتْ أَسْمَاءُ وَكَيْفَ تَطَهَّرُ بِهَا فَقَالَ « سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِينَ بِهَا ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ كَأَنَّهَا تُخْفِى ذَلِكَ تَتَبَّعِينَ أَثَرَ الدَّمِ. وَسَأَلَتْهُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ « تَأْخُذُ مَاءً فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ - أَوْ تُبْلِغُ الطُّهُورَ - ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُهُ حَتَّى تَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تُفِيضُ عَلَيْهَا الْمَاءَ ». فَقَالَتْ عَائِشَةُ نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِى الدِّينِ. 11- التبكير إلى مجالس العلم،والحرص على كل ما يرد فيها من أفكار ومعان وبركات،وتقييدها بالكتابة،وتصنيفها وتبويبها بعد مراجعتها في البيت. قال الشافعي: العلم صيد والكتابة قيده ……قيّد صيودك بالحبال الواثقة 12- استكمال العدة اللازمة للدخول في عداد طلاب العلم ومنها ثمانية أشياء: الدليل: وهو المعلم الكامل،والزاد: وهو التقوى،والسلاح: وهو الوضوء،والسراج: وهو الذكر،والمنهاج: وهو الشريعة المحمدية،والهمة الصادقة القوية،والأخوة في الله المصاحبين بالصدق،وتجنب اتباع الهوى. آداب المتعلم مع المعلم: التواضع للمعلم ولو كان أصغر سنا،إذ ليس من الذل المكروه أن يتذلل طالب العلم لمعلمه. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ،كَانَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُمْلِي عَلَيْنَا فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ فَلَحِقَتْهُ الشَّمْسُ فَمَرَّ بِهِ بَعْضُ إِخْوَانِهِ فَقَالَ:يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي الشَّمْسِ فَأَنْشَأَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ : أُهِينُ لَهُمْ نَفْسِي لِأُكْرِمَهَا بِهِمْ وَلَنْ يُكْرِمَ النَّفْسَ الَّذِي لَا يُهِينُهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ذَلَلْتُ طَالِبًا فَعَزَزْتُ مَطْلُوبًا " وعَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ قَالَ:يُقَالُ:" مَا أَحْسَنَ الْإِسْلَامَ وَيَزِينُهُ الْإِيمَانُ،وَمَا أَحْسَنَ الْإِيمَانَ وَيَزِينُهُ التَّقْوَى،وَمَا أَحْسَنَ التَّقْوَى وَيَزِينُهَا الْعِلْمُ،وَمَا أَحْسَنَ الْعِلْمُ وَيزِينُهُ الْحِلْمُ،وَمَا أَحْسَنَ الْحِلْمَ وَيزِينُهُ الرِّفْقُ " وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى : الْعِلْمُ وَالْحِلْمُ حُلَّتَا كَرَمٍ لِلْمَرْءِ إِذَا هُمَا اجْتَمَعَا كَمْ مِنْ وَضِيعٍ سَمَا بِهِ الْعِلْمُ وَالْحِلْمُ فَنَالَ السَّمُوَّ وَارْتَفَعَا صِنْوَانِ لَا يَسْتَتِمُّ حُسْنُهُمَا إِلَّا بِجَمْعٍ لِذَا وَذَاكَ مَعًا كُلُّ رُفَيْعِ الْبِنَا أَضَاعَهُمَا أَخْمَلَهُ مَا أَضَاعَ فَاتَّضَعَا وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " ذَلَلْتُ طَالِبًا فَعَزَزْتُ مَطْلُوبًا " وَكَانَ يَقُولُ:" لِقَاحُ الْمَعْرِفَةِ دِرَاسَةُ الْعِلْمِ " وعن الْأَصْمَعِيِّ،قَالَ:سَمِعْتُ شُعْبَةَ،يَقُولُ:" كُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ مِنَ الرَّجُلِ الْحَدِيثَ،كُنْتُ لَهُ عَبْدًا مَا حَيِيَ،فَكُلَّمَا لَقِيتُهُ سَأَلْتُهُ عَنْهُ " . احترام العالم وتقديره وإكرامه،والنظر اليه بعين الإكبار والإجلال والتعظيم. قال الشافعي: كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحا رقيقا هيبة لئلا يسمع وقعها. وعن مُحَمَّدَ بْنِ إِسْحَاقَ قال:سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ،يَقُولُ:وَاللَّهِ مَا اجْتَرَأْتُ أَنْ أَشْرَبَ الْمَاءَ وَالشَّافِعِيُّ يَنْظُرُ إِلَيَّ هَيْبَةً لَهُ " وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا ». " رواه الترمذي. وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قال:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- :« لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا ». وعَنْ عُمَرَ بْنِ مِخْرَاقٍ،قَالَ: مَرَّ عَلَى عَائِشَةَ رَجُلٌ ذُو هَيْئَةٍ فَدَعَتْهُ يَقْعُدُ مَعَهَا وَمَرَّ آخَرُ فَأَعْطَتْهُ كِسْرَةً،فَقِيلَ لَهَا،فَقَالَتْ: " أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ rأَنْ نُنْزِلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ " القيام للعالم عند دخوله،وتقبيل يده احتراما ومحبة وتبركا وتقديرا. قال الله تعالى:{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} الحج. وعَنْ الزَّارِعِ:أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r،وَخَرَجَ مَعَهُ بِأَخِيهِ لأُمِّهِ يُقَالُ لَهُ:مَطَرُ بْنُ هِلالٍ مِنْ عَنْزَةَ،وَخَرَجَ بِابْنِ أَخٍ لَهُ مَجْنُونٍ،وَمَعَهُمُ الأَشَجُّ،وَكَانَ اسْمُهُ مُنْذِرُ بْنُ عَائِذٍ،فَقَالَ الْمُنْذِرِ،يَا زَارِعُ:خَرَجْتَ مَعَنَا بِرَجُلٍ مَجْنُونٍ وَفَتًى شَابٍّ لَيْسَ مِنَّا،وَافِدِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r،قَالَ الزَّارِعُ:أَمَّا الْمُصَابُ،فَآتِي بِهِ رَسُولَ اللَّهِ rيَدْعُو لَهُ،عَسَى أَنْ يُعَافِيَهُ اللَّهُ،وَأَمَّا الْفَتَى الْعَنْزِيُّ،فَإِنَّهُ أَخِي لأُمِّي،وَأَرْجُو أَنْ يَدْعُوَ لَهُ النَّبِيُّ rبِدَعْوَةٍ،تُصِيبُهُ دَعْوَةُ النَّبِيِّ r،فَمَا عَدَا أَنْ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ،قِيلَ:هَذَا رَسُولُ اللَّهِ r،فَمَا تَمَالَكْنَا أَنْ وَثَبْنَا عَنْ رَوَاحِلِنَا،فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ سِرَاعًا،فَأَخَذْنَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ نُقَبْلِهُمَا،وَأَنَاخَ الْمُنْذِرُ رَاحِلَتَهُ،فَعَقَلَهَا،وَذَاكَ بِعَيْنِ النَّبِيِّ r،ثُمَّ عَمَدَ إِلَى رَوَاحِلِنَا،فَأَنَاخَهَا رَاحِلَةً رَاحِلَةً،فَعَقَلَهَا كُلَّهَا،ثُمَّ عَمَدَ إِلَى عَيْبَتِهِ فَفَتَحَهَا،فَوَضَعَ عَنْهُ ثِيَابَ السَّفَرِ،ثُمَّ أَتَى يَمْشِي،فَقَالَ النَّبِيُّ r: يَا أَشَجُّ:إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ " قَالَ:وَمَا هُمَا بِأَبِي وَأُمِّي ؟ قَالَ:الْحِلْمُ،وَالأَنَاةُ " قَالَ:فَأَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا،أَمِ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا ؟ قَالَ:اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا،قَالَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ،قَالَ الزَّارِعُ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ:بِأَبِي وَأُمِّي،جِئْتُ بِابْنِ أَخٍ لِي مُصَابٍ،لِتَدْعُوَ اللَّهَ لَهُ،وَهُوَ فِي الرِّكَابِ،قَالَ:فَأْتِ بِهِ "قَالَ:فَأَتَيْتُهُ،وَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعَ الأَشَجَّ،فَأَخَذْتُ عَيْبَتِي،فَأَخْرَجْتُ مِنْهَا ثَوْبَيْنِ حَسَنَيْنِ،وَأَلْقَيْتُ عَنْهُ ثِيَابَ السَّفَرِ،وَأَلْبَسْتُهُمَا إِيَّاهُ،ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ،فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ rوَهُوَ يَنْظُرُ،نَظَرَ الْمَجْنُونِ،فَقَالَ النَّبِيُّ r: اجْعَلْ ظَهْرَهُ مِنْ قِبَلِي " فَأَقَمْتُهُ،فَجَعَلْتُ ظَهْرَهُ مِنْ قِبَلِ النَّبِيِّ r،وَوَجْهُهُ مِنْ قِبَلِي،فَأَخَذَهُ،ثُمَّ جَرَّهُ بِمَجَامِعِ رِدَائِهِ فَرَفَعَ يَدَهُ،حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبِطَيْهِ،ثُمَّ ضَرَبَ بِثَوْبِهِ ظَهْرَهُ،وَقَالَ:اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ " فَالْتَفَتَ وَهُوَ يَنْظُرُ نَظَرَ الصَّحِيحِ،ثُمَّ أَقْعَدَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ،فَدَعَا لَهُ،وَمَسَحَ وَجْهَهُ،قَالَ:فَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ الْمَسْحَةَ فِي وَجْهِهِ،وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ،كَأَنَّ وَجْهَهُ وَجْهَ عَذْرَاء شَبَابًا،وَمَا كَانَ فِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يُفَضَّلُ عَلَيْهِ،بَعْدَ دَعْوَةِ النَّبِيِّ r،ثُمَّ دَعَا لَنَا عَبْدَ الْقَيْسِ،فَقَالَ:خَيْرُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ،رَحِمَ اللَّهُ عَبْدَ الْقَيْسِ،إِذَا أَسْلَمُوا،غَيْرَ خَزَايَا،إِذْ أَبَى بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يُسْلِمُوا " قَالَ:ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَدْعُو لَنَا،حَتَّى زَالَتِ الشَّمْسُ،قَالَ الزَّارِعُ:قُلْتُ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ:إِنَّ مَعَنَا،ابْنَ أُخْتٍ لَنَا،لَيْسَ مِنَّا،قَالَ:ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ " فَانصرفنَا رَاجِعِينَ،فَقَالَ الأَشَجُّ:أَنْتَ كُنْتَ يَا زَارِعُ:أَمْثَلَ رَأْيًا مِنِّي فِيهِمَا،وَكَانَ فِي الْقَوْمِ جَهْمُ بْنُ قُثَمَ،كَانَ قَدْ شَرِبَ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْبَحْرَيْنِ مَعَ ابْنِ عَمٍّ لَهُ،فَقَامَ إِلَيْهِ ابْنُ عَمِّهِ،فَضَرَبَ سَاقَهُ بِالسَّيْفِ،فَكَانَتْ تِلْكَ الضَّرْبَةُ فِي سَاقِهِ،قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ:يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي،إِنَّ أَرْضَنَا،ثَقِيلَةً،وَخمَةً،وَإِنَّا نَشْرَبُ مِنْ هَذَا الشَّرَابِ عَلَى طَعَامِنَا،فَقَالَ:لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَشْرَبَ الإِنَاءَ،ثُمَّ يَزْدَادَ إِلَيْهَا أُخْرَى،حَتَّى يَأْخُذَ فِيهِ الشَّرَابُ،فَيَقُومُ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ،فَيَضْرِبُ سَاقَهُ بِالسَّيْفِ " فَجَعَلَ يُغَطِّي جَهْمُ بْنُ قُثَمَ سَاقَهُ،قَالَ:فَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ،وَالنَّقِيرِ،وَالْحَنْتَمِ. " وعن امراة من صباح عَبْد القَيْس،يُقال لها:أم أَبَان ابنة الوازع،عن جَدِّها،أن جَدَّها الزَّارع بن عامر،قال: قَدِمْنَا،فَقِيَل:ذَاكَ رَسُولُ اللهِ r،فَأَخَذْنَا بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ نُقَبِّلُهُمَا." رواه البخاري في الأدب. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَبَّلَ يَدَ النَّبِيِّ r.. وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِى لَيْلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ فِى سَرِيَّةٍ مِنْ سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ -r- قَالَ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً فَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ - قَالَ - فَلَمَّا بَرَزْنَا قُلْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ وَقَدْ فَرَرْنَا مِنَ الزَّحْفِ وَبُؤْنَا بِالْغَضَبِ فَقُلْنَا نَدْخُلُ الْمَدِينَةَ فَنَتَثَبَّتُ فِيهَا وَنَذْهَبُ وَلاَ يَرَانَا أَحَدٌ - قَالَ - فَدَخَلْنَا فَقُلْنَا لَوْ عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -r- فَإِنْ كَانَتْ لَنَا تَوْبَةٌ أَقَمْنَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ ذَهَبْنَا - قَالَ - فَجَلَسْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ -r- قَبْلَ صَلاَةِ الْفَجْرِ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا نَحْنُ الْفَرَّارُونَ فَأَقْبَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ « لاَ بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ ». قَالَ فَدَنَوْنَا فَقَبَّلْنَا يَدَهُ فَقَالَ « أَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ ».رواه أبو داود. وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ،قَالَ:" قُمْنَا إِلَى النَّبِيِّ rفَقَبَّلْنَا يَدَهُ " وعَنِ ابْنِ جُدْعَانَ،قَالَ ثَابِتٌ لِأَنَسٍ:أَمَسَسْتَ النَّبِيَّ rبِيَدِكَ ؟ قَالَ:نَعَمْ،فَقَبَّلَهَا " رواه البخاري في الأدب. وعَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ،قَالَ:قَالَ ثَابِتٌ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:" مَسَسْتَ يَدَ رَسُولِ اللَّهِ r؟ قَالَ:نَعَمْ قَالَ:فَنَاوِلْنِي يَدَكَ فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَقَبَّلَهَا " وعَنِ ابْنِ جُدْعَانَ:قَالَ قَالَ ثَابِتٌ لِأَنَسٍ:" يَا أَبَا حَمْزَةَ،هَلْ مَسَسْتَ رَسُولَ اللَّهِ rبِيَدِكَ ؟ قَالَ:نَعَمْ،قَالَ:فَنَاوِلْنِيهَا،فَأَعْطَاهُ يَدَهُ فَقَبَّلَهَا " وعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ:رَأَيْتُ عَلِيًّا يُقَبِّلُ يَدَ الْعَبَّاسِ وَرِجْلَيْهِ " رواه البخاري في الأدب. وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلاًّ وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ فِى قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -r-. قَالَتْ وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِىِّ -r- قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِى مَجْلِسِهِ وَكَانَ النَّبِىُّ -r- إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِى مَجْلِسِهَا فَلَمَّا مَرِضَ النَّبِىُّ -r- دَخَلَتْ فَاطِمَةُ فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ فَقَبَّلَتْهُ ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَبَكَتْ ثُمَّ أَكَبَّتْ عَلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَعْقَلِ نِسَائِنَا فَإِذَا هِىَ مِنَ النِّسَاءِ فَلَمَّا تُوُفِّىَ النَّبِىُّ -r- قُلْتُ لَهَا أَرَأَيْتِ حِيْنَ أَكْبَبْتِ عَلَى النَّبِىِّ -r- فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَبَكَيْتِ ثُمَّ أَكْبَبْتِ عَلَيْهِ فَرَفَعْتِ رَأْسَكِ فَضَحِكْتِ مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ قَالَتْ إِنِّى إِذًا لَبَذِرَةٌ أَخْبَرَنِى أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا فَبَكَيْتُ ثُمَّ أَخْبَرَنِى أَنِّى أَسْرَعُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ فَذَاكَ حِينَ ضَحِكْتُ." . |
التأدب في مجلس العالم بجلسته وكلامه،وحسن استماعه وسؤاله. قَالَ أَبُو عُمَرَ:وَرُوِّينَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ،أَنَّهُ قَالَ:" لَوْ رَفَقْتُ بِابْنِ عَبَّاسٍ لَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهُ عِلْمًا كَثِيرًا " قَالَ الشَّعْبِيُّ:" كَانَ أَبُو سَلَمَةَ يُمَارِي ابْنَ عَبَّاسٍ ؛ فَحُرِمَ بِذَلِكَ عِلْمًا كَثِيرًا " وَقَالَ الْحُكَمَاءُ:إِذَا جَالَسْتَ الْعُلَمَاءَ فَكُنْ عَلَى أَنْ تَسْمَعَ أَحْرَصَ مِنْكَ عَلَيَّ أَنْ تَقُولَ " وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ لِابْنِهِ:" يَا بُنَيَّ،إِذَا جَالَسْتَ الْعُلَمَاءَ فَكُنْ عَلَى أَنْ تَسْمَعَ أَحْرَصَ مِنْكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ،وَتَعَلَّمْ حُسْنَ الِاسْتِمَاعِ كَمَا تَتَعَلَّمُ حُسْنَ الصَّمْتِ،وَلَا تَقْطَعْ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثًا وَإِنْ طَالَ حَتَّى يُمْسِكَ " وَقَالَ الشَّعْبِيُّ:" جَالِسُوا الْعُلَمَاءَ ؛ فَإِنَّكُمْ إِنْ أَحْسَنْتُمْ حَمَدُوكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ تَأَوَّلُوا لَكُمْ وَعَذَرُوكُمْ وَإِنْ أَخْطَأْتُمْ لَمْ يُعَنِّفُوكُمْ وَإِنْ جَهِلْتُمْ عَلَّمُوكُمْ وَإِنْ شَهِدُوا لَكُمْ نَفَعُوكُمْ "
تجنب الانصراف،ومغادرة مجلس العلم إلا بإذن من المعلم،فإذا أذن له فليستغفر الله لأن الأولى أن لا يغادر مجلس العلم قبل انتهائه.قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا استأذنوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (62) سورة النــور. َهُنَا يُؤَدِّبُ اللهُ النَّاسَ،فَكَمَا أَمَرَهُمْ بالاستئذان عِنْدَ الدُّخُولِ،كَذَلِكَ أَمَرَهُمْ اللهُ تَعَالَى بِأَلاَّ يَتَفَرَّقُوا عَنِ النَّبِيِّ إِلاَّ بعدَ استئذانه ومُشَاوَرَتِهِ،ولِلرَّسُولِ rأَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ . وَرَوَى ابنُ إِسْحَاقَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ:لَمّا اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ وَالأَحْزَابُ عَلَى حَرْبِ المُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ الخَنْدَقِ،أَمَرَ الرَّسُولُ rبِحَفْرِ خَنْدقِ المَدِينَةِ،وَأَخَذَ يَعْمَلُ بِنَفْسِهِ تَرْغِيباً للمُسْلِمِينَ فِي الأَجْرِ،فَعَمِلَ المُسْلِمُونَ،وَأَبْطَأَ رِجَالٌ مِنَ المُنَافِقِينَ،وَأَخَذُوا يَقُومُونَ بالضَّعِيفِ مِنَ العَمَلِ وَيَتَسَلَّلُونَ بِغَيْرِ إِذْنِ الرَّسُولِ r. وَكَانَ المُسْلِمُونَ يَسْتَأْذِنُونَ الرَّسُولَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِم،فَإِذَا قَضَى أَحَدُهُمْ حَاجَتَهُ رَجَعَ إِلى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ،رَغْبَةً فِي الخَيْرِ والأًجْرِ،واحْتِسَاباً لَهُ،وَيَقُولُ تَعَالَى إِنَّ هَؤُلاءِ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقّاً . الاستئذان في الصحبة،وطلب العلم من المعلم. وطاعته في كل ما يأمره بهسوى معصية الله. قال الله تعالى:{ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69)} الكهف. قَالَ لَهُ مُوسَى:إِنَّهُ مُوسَى نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ،وَإِنَّهُ جَاءَهُ لِيُعَلِّمَهُ مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ،لِيَسْتَرْشِدَ بِهِ،فَهَلْ يَسْمَحُ لَهُ بِمُرَافَقَتِهِ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ:إِنَّهُ عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللهِ لاَ يَعْلَمُهُ مُوسَى،وَلاَ يَسْتَطِيعُ مُوسَى أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مُرَافَقَتِهِ حَتَّى يَتَعَلَّمَهُ.ثُمَّ قَالَ لَهُ:وَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ الصَّبْرَ عَلَى أُمُورٍ لاَ تَعْرِفُ أَنْتَ خَفَايَاهَا،وَالمَصْلَحَةُ البَاطِنَةُ فِيهَا،التِي أَطْلَعَنِي اللهُ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ لَهُ مُوسَى:سَتَجِدُنِي صَابِراً إِنْ شَاءَ اللهُ عَلَى مَا سَأَرَى مِنَ الأُمُورِ مِنْكَ،وَلَنْ أَعْصِي أَمْراً لَكَ،وَلَنْ أُخَالِفَكَ فِي شَيْءٍ . وقال الشعراوي:" كأن موسى عليه السلام يُعلِّمنا أدب تلقّي العلم وأدب التلميذ مع معلمه،فمع أن الله تعالى أمره أن يتبع الخضر،فلم يقُل له مثلاً: إن الله أمرني أن أتبعك،بل تلطّف معه واستسمحه بهذا الأسلوب: { هَلْ أَتَّبِعُكَ.. } [الكهف: 66] والرشد: هو حُسْن التصرّف في الأشياء،وسداد المسلك في علة ما أنت بصدده،وسبق أن قلنا: إن الرُّشْد يكون في سنِّ البلوغ،لكن لا يعني هذا أن كل مَنْ بلغ يكون راشداً،فقد يكون الإنسان بالغاً وغير راشد،فقد يكون سفيهاً. لذلك لما تكلم الحق سبحانه عن اليتامى قال:{ وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى }[النساء: 6] أي: اختبروهم،واختبار اليتيم يكون حال يُتْمه وهو ما يزال في كفالتك،فعليك أنْ تكلّفه بعمل لإصلاح حاله،وتعطيه جزءاً من ماله يتصرَّف فيه تحت عينك وفي رعايتك،لترى كيف سيكون تصرفه. عليك أنْ تحرص على تدريبه لمواجهة الحياة،لا أن تجعله في مَعْزل عنها إلى أنْ يبلغَ الرشْد،ثم تدفع إليه بماله فلا يستطيع التصرف فيه لعدم خبرته،وإنْ فشل كانت التجربة في ماله والخسارة عليه. إذن: فاختبار اليتيم يتمُّ وهو ما يزال في ولايتك،وتحت سمعك وبصرك رعاية لحقه.{ حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ.. }[النساء: 6] وهو سن البلوغ،ولم يقُلْ بعدها: فادفعوا إليهم أموالهم؛ لأن بعد البلوغ شرطاً آخر{ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً.. }[النساء: 6] فعلى الوصيّ أنْ يُراعِيَ هذا الترتيب: أنْ تُراعي اليتيم وهو تحت ولايتك،وتدفع به في مُعْتَرك الحياة وتجاربها حتى يتمكن من مواجهة الحياة ولا يتخبط في ماله لعدم تجربته وخبرته،فإن علمت رشده بعد البلوغ فادفع إليه بماله ليتصرف فيه،فإن لم تأنس منه الرشد وحسن التصرف فلا تترك له المال يبدده بسوء تصرفه. لذلك يقول تعالى في هذا المعنى:{ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ.. }[النساء: 5] ولم يقُلْ: أموالهم؛ لأن السفيه لا مالَ له حال سَفَهه،بل هو مالكم لِتُحسِنوا التصرف فيه وتحفظوه لصاحبه لحين تتأكد من رُشْده. إذن: فالرشد الذي طلبه موسى من العبد الصالح هو سداد التصرف والحكمة في تناول الأشياء،لكن هل يعني ذلك أن موسى ـ عليه السلام ـ لم يكن راشداً؟ لا،بل كان راشداً في مذهبه هو كرسول،راشداً في تبليغ الأحكام الظاهرية. أما الرشد الذي طلبه فهو الرشد في مذهب العبد الصالح،وقد دلّ هذا على أنه طلب شيئاً لم يكن معلوماً له،وهذا لا يقدح في مكانة النبوة؛ لأن الحق سبحانه وتعالى قال:{ وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }[الإسراء: 85] وقال للنبي r:{ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }[طه: 114] لذلك يقول الشاعر: كُلّما ازْدَدْتُ عُلوماً زِدْتُ إيقَانَاً بجْهلي لأن معنى أنه ازداد عِلْماً اليوم أنه كان ناقصاً بالأمس،وكذلك هو ناقص اليوم ليعلمَ غداً. والإنسان حينما يكون واسعَ الأفق محباً للعلم،تراه كلما عَلِم قضية اشتاق لغيرها،فهو في نَهمٍ دائم للعلم لا يشبع منه،كما قال r: " منهومان لا يشبعان: طالب علم،وطالب مال ". والشاعر الذي تنَّبه لنفسه حينما دَعَتْه إلى الغرور والكبرياء والزَّهْو بما لديه من علم قليل،إلا أنه كان متيقظاً لخداعها،فقال قالتِ النفْسُ قَدْ علِمْتُ كَثِيراً قُلْتُ هَذَا الكثيرُ نَزْعٌ يسيِرُ ثم جاء بمثل توضيحي: تمْلأُ الكُوزَ غَرْفَةٌ من مُحيِط فَـيَرى أنَّـهُ المحيـطُ الكَبـيِرُ ثم يقول الحق سبحانه: { قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً }. هنا يبدأ العبد الصالح يُملي شروط هذه الصُّحْبة ويُوضّح لموسى ـ عليه السلام ـ طبيعة عِلْمه ومذهبه،فمذهبُك غير مذْهبي،وعلمي من كيس غير كيسك،وسوف ترى مني تصرفات لن تصبر عليها؛ لأنه لا عِلْم لك ببواطنها،وكأنه يلتمس له عُذْراً على عدم صَبْره معه؛ لذلك يقول: { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً }.فلا تحزن لأني قُلت: لن تستطيع معي صبراً؛ لأن التصرفات التي ستعترض عليها ليس لك خُبر بها،وكيف تصبر على شيء لا عِلْمَ لك به؟ ونلحظ في هذا الحوار بين موسى والخضر ـ عليهما السلام ـ أدبَ الحوار واختلافَ الرأي بين طريقتين: طريقة الأحكام الظاهرية،وطريقة ما خلف الأحكام الظاهرية،وأن كلاً منهما يقبَل رأْيَ الآخر ويحترمه ولا يعترض عليه أو يُنكره،كما نرى أصحاب المذاهب المختلفة ينكر بعضهم على بعض،بل ويُكفِّر بعضهم بعضاً،فإذا رأَوْا مثلاً عبداً مَنْ عباد الله اختاره الله بشيء من الفيوضات،فكانت له طريقة وأتباع نرى من ينكر عليه،وربما وصل الأمر إلى الشتائم والتجريح،بل والتكفير. لقد تجلى في قول الخضر: { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } [الكهف: 68] مظهر من مظاهر أدب المعلّم مع المتعلِّم،حيث احترم رأيه،والتمس له العُذْر إن اعترض عليه،فلكُلٍّ منهما مذهبه الخاص،ولا يحتج بمذهب على مذهب آخَر. فماذا قال المتعلم بعد أن استمع إلى هذه الشروط؟ { قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَآءَ اللَّهُ.. }.أي: أنا قابل لشروطك أيُّها المعلم فاطمئن،فلن أجادلك ولن أعارضك في شيء. وقدّم المشيئة فقال: { إِن شَآءَ اللَّهُ.. } [الكهف: 69] ليستميله إليه ويُحنَّن قلبه عليه { صَابِراً.. } [الكهف: 69] على ما تفعل مهما كان { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } [الكهف: 69] وهكذا جعل نفسه مأموراً،فالمعلم آمراً،والمتعلّم مأمور. وهذا تأكيد من الخضر لموسى،وبيان للطريقة التي يجب اتباعها في مصاحبته: إنْ تبعتني فلا تسألْني حتى أخبرك،وكأنه يُعلِّمه أدب تناول العلم والصبر عليه،وعدم العجلة لمعرفة كل أمر من الأمور على حِدة. |
القيام بحقوق المعلم على أكمل وجه،وقد جمعها الكثير من السلف الصالح نختار منها ما يلي:
وقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ:" مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ عَلَيْكَ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى الْقَوْمِ عَامَّةً وَتَخُصَّهُ دُونَهُمْ بِالتَّحِيَّةِ،وَأَنْ تَجْلِسَ أَمَامَهُ،وَلَا تُشِيرَنَّ عِنْدَهُ بِيَدِكَ،وَلَا تَغْمِزَنَّ بِعَيْنَيْكَ،وَلَا تَقُولَنَّ:قَالَ فُلَانٌ خِلَافًا لِقَوْلِهِ،وَلَا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا،وَلَا تُسَارَّ فِي مَجْلِسِهِ،وَلَا تَأْخُذَ بِثَوْبِهِ،وَلَا تُلِحَّ عَلَيْهِ إِذَا كَسِلَ،وَلَا تُعْرِضَ مِنْ طُولِ صُحْبَتِهِ ؛ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلَةِ تَنْتَظِرُ مَتَى يَسْقُطُ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْءٌ،وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَالِمَ لَأَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَإِذَا مَاتَ الْعَالِمُ انْثَلَمَتْ فِي الْإِسْلَامِ ثُلْمَةٌ لَا يَسُدُّهَا شَيْءٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ". قال الإمام الغزالي:آداب المتعلم مع العالم "أن يبدأه بالتحية والسلام،وأن يقلل بين يديه الكلام،ولا يتكلم ما لم يسأله أستاذه،ولا يسأل ما لم يستأذن أولا،ولا يقول في معارضة قوله: قال فلان بخلاف ما قلت،ولا يشير عليه بخلاف رأيه فيرى أنه أعلم بالصواب من أستاذه،ولا يسأل جليسه في مجلسه،ولا يلتفت إلى الجوانب،بل يجلس مطرقا ساكنا متآدبا كأنه في الصلاة،ولا يكثر عليه السؤال عند ملله،وإذا قام قام له،ولا يتبعه بكلامه وسؤاله،ولا يسأله في طريقه إلى أن يبلغ إلى منزله،ولا يسىء الظن به في أفعال ظاهرها منكرة عنده،فهو أعلم بأسراره،وليذكر عند ذلك قول موسى للخضر - عليهما السلام: (أَخَرَقتًها لِتُغرِقَ أَهلَها،لَقَد جِئتَ شَيئاً إمرا)،وكونه مخطئا في إنكاره اعتمادا على الظاهر.". وقال بعض العلماء: من حق أستاذك عليك أن تتواضع له وتحبه حب الفناء،ولا تخرج عن رأيه وتوجيهه،وأن تشاوره فيما تقصده،وتتحرى رضاه فيما يعتمده،وتنظر اليه بعين الإجلال،وتعتقد فيه درجة الكمال،وأن تعرف حقه،ولا تنسى له فضله،وتحضر إلى درسه قبل أن يأتي،ولا تتنقل أثناء درسه،ولا تتقدم في السير عليه،وأن تدعو له مدة حياته،وأن تصبر على صحبته،وتجلس بين يديه بسكون وتواضع واحترام،وأن تصغي إليه،وتنظر اليه مقبلا بكليتك عليه،غير ملتفت عنه،وأن لا تعبث بيديك أو رجليك أو أنفك أو دفترك أثناء كلامه،وأن تدفع الضحك والقهقهة والتثاؤب في حضرته،وأن تستأذن للدخول عليه وللانصراف من عنده،وأن تدخل عليه كامل الهيئة،متطهر البدن،نظيف الثياب،فارغا من الشواغل،حاضر القلب بذكر الله عز وجل وإرادة وجهه. وقال الامام الشافعي: أهين لهم نفسي فهم يكرمونها …ولن تكرم النفس التي لا تهينها وقال شوقي: قم للمعلم وفه التبجيلا ……كاد المعلم أن يكون رسولا أرأيت أعظم أو أجلّ من الذي …يبني وينشئ أنفسا وعقولا وقال غيره: أرى فضل أستاذي على فضل والدي وإن …نالني من والدي العزّ والتحف فهذا مربي العقل والعقل جوهر ……وهذا مربي الجسم والجسم من صدف |
-26-آداب تلاوة القرآن الكريم
القرآن الكريم كتاب الله الخالد،وكلامه القديم،ومعجزة نبيه الكبرى،وجامعة الإسلام العظمى،وصفه الذي أنزله بالعلم: {لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا} (166) سورة النساء. إن يكفر بك اليهود وغيرهم -أيها الرسول- فالله يشهد لك بأنك رسوله الذي أَنْزَلَ عليه القرآن العظيم،أنزله بعلمه،وكذلك الملائكة يشهدون بصدق ما أوحي إليك،وشهادة الله وحدها كافية. وبالحكمة:{ يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)} يس. أُقْسِمُ بِالقُرآنِ المُحْكَمِ المُشْتَمِلِ عََلى الحِكْمَةِ والعِلْمِ النَّافِعِ،الذي لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ. وبالكرم:{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)} الواقعة. أَقْسَمَ تَعَالَى بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ عَلَى أَنَّ القُرْآن الذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسْولِهِ مُحَمَّدٍ rهُوَ قُرْآنٌ كَرِيمٌ جَمُّ المَنَافِعِ،عَظِيمُ الفَوَائِدِ،لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ حِكْمٍ وَعِبَرٍ وَخَيْرٍ لِلْعِبَادِ . وبالمجد:{ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)} ق. يُقسِمُ تَعَالى بالقُرآنِ المَجِيدِ،الكَثِير الخَيْرِ والبَرَكَةِ،عَلَى أنَّ مُحَمَّداً هُوَ مِنَ المُرسَلِينَ . وبالعزة:{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)} فصلت. وَالذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ القُرْآنِيَةِ،والقْرآنُ كِتَابٌ عَزِيزٌ قَوِيٌّ مَنِيعُ الجَانِبِ،سَيُلاَقُونَ جَزَاءَ كُفْرِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ،وَهُمْ لاَ يَخْفَوْنَ عَلَى اللهِ . وبالعظمة:{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)} الحجر. هنا يمتنُّ الحق سبحانه على رسوله rبأنه يكفيه أنْ أنزلَ عليه القرآن الكتاب المعجزة،والمنهج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خَلْفه. فالقرآن يضمُّ كمالاتِ الحق التي لا تنتهي؛ فإذا كان سبحانه قد أعطاك ذلك،فهو أيضاً يتحمَّل عنك كُلَّ ما يُؤلِمك. والحق سبحانه هو القائل:{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ }[الحجر: 97].ويقول له الحق أيضاً:{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ }[الأنعام: 33]. وأزاح الحق سبحانه عنه هموم اتهامهم له بأنه ساحر أو مجنون؛ وقال له سبحانه:{ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـاكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }[الأنعام: 33]. ويكشف له سبحانه: إنهم يؤمنون أنك يا محمد صادق،ولكنهم يتظاهرون بتكذيبك. ويتمثَّل امتنانُ الحق سبحانه على رسوله أنه أنزل عليه السَّبْع المثاني،واتفق العلماء على أن كلمة " المثاني " تعني فاتحة الكتاب،فلا يُثنَّى في الصلاة إلا فاتحة الكتاب. ونجده سبحانه يَصِف القرآنَ بالعظيم؛ وهو سبحانه يحكم بعظمة القرآن على ضَوْء مقاييسه المُطْلقة؛ وهي مقاييس العظمة عنده سبحانه. والمثَل الآخر على ذلك وَصفْه سبحانه لرسوله r:{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }[القلم: 4]. وهذا حُكْم بالمقاييس العُلْيا للعظمة،وهكذا يصبح كُلّ متاع الدنيا أقلَّ مِمَّا وهبه الحق سبحانه لرسوله r،فلا ينظرَنَّ أحدٌ إلى ما أُعطِىَ غيره؛ فقد وهبه سبحانه لرسوله r. ونلحظ أن الحق سبحانه قد عطف القرآن على السَّبْع المثاني،وهو عَطْف عام على خَاصٍّ؛ كما قال الحق سبحانه:{ حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى }[البقرة: 238]. ونفهم من هذا القول أن الصلاة تضمُّ الصلاة الوُسْطى أيضاً،وكذلك مثل قول الحق ما جاء على لسان رسوله r:{ رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }[نوح: 28]. وهكذا نرى عَطْف عام على خاص،وعَطْف خاص على عام. أو: أنْ نقولَ: إن كلمة" قرآن" تُطلَق على الكتاب الكريم المُنزَّل على رسول الله rمن أول آية في القرآن إلى آخر آية فيه،ويُطلق أيضاً على الآية الواحدة من القرآن؛ فقول الحق سبحانه:{ مُدْهَآمَّتَانِ }[الرحمن:64].هي آية من القرآن؛ وتُسمَّى أيضاً قرآناً.ونجده سبحانه يقول:{ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }[الإسراء: 78].ونحن في الفجر لا نقرأ كل القرآن،بل بعضاً منه،ولكن ما نقرؤه يُسمَّى قرآناً،وكذلك يقول الحق سبحانه:{ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }[الإسراء: 45].وهو لا يقرأ كُلَّ القرآن بل بعضه،إذن: فكلُّ آية من القرآن قرآن. وقد أعطى الحق سبحانه رسوله rالسَّبْع المثاني والقرآن العظيم،وتلك هي قِمَّة العطايا؛ فلله عطاءاتٌ متعددة؛ عطاءات تشمل الكافر والمؤمن،وتشمل الطائع والعاصي،وعطاءات خاصة بمَنْ آمن به؛ وتلك عطاءات الألوهية لمَنْ سمع كلام ربِّه في" افعل" و" لا تفعل ". |
وسبحانه يمتد عطاؤه من الخَلْق إلى شَرْبة الماء،إلى وجبة الطعام،وإلى الملابس،وإلى المَسْكن،وكل عطاء له عُمْر،ويسمو العطاء عند الإنسان بسُمو عمر العطاء،فكل عطاء يمتدُّ عمره يكون هو العطاء السعيد.
فإذا كان عطاء الربوبية يتعلَّق بمُعْطيات المادة وقوام الحياة؛ فإن عطاءات القرآن تشمل الدنيا والآخرة؛ وإذا كان ما يُنغِّص أيَّ عطاء في الدنيا أن الإنسانَ يُفارقه بالموت،أو أن يذوي هذا العطاء في ذاته؛ فعطاء القرآن لا ينفد في الدنيا والآخرة. ونعلم أن الآخرة لا نهايةَ لها على عكس الدنيا التي لا يطول عمرك فيها بعمرها،بل بالأجل المُحدَّد لك فيها. وإذا كانت عطاءاتُ القرآن تحرس القيم التي تهبُك عطاءات الحياة التي لا تفنَى وهي الحياة الآخرة؛ فهذا هو أَسْمى عطاء،وإياك أن تتطلعَ إلى نعمة موقوتة عند أحد منهم من نِعَم الدنيا الفانية؛ لأن مَنْ أُعطِي القرآن وظنَّ أن غيره قد أُعْطِي خيراً منه؛ فقد حقر ما عَظَّم الله. وبالبركة: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (29) سورة ص وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى إلَيْكَ،يَا مُحَمَّدُ،هَذَا القُرْآنِ،وَفِيهِ خَيرٌ وَبَرَكَةٌ،وَنَفْعٌ وَهُدىً لِلنَّاسِ،لِيُرْشدَهُمْ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ،وَلِيَتَدَبَّرَهُ أُولُو الأَفْهَامِ والعُقُولِ والأَلْبَابِ.وَتَدَبُّرُ القُرْآنِ لاَ يَكُونُ بِحُسْنِ تِلاَوَتِهِ،وَإِنَّما يَكُونَ بِالعَمَلِ بِمَا فِيهِ،واتِّبَاعِ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ أَوَامِرَ،وَالانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ . وبالتذكير:{ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} ص. أَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى بِالقُرْآنِ ذِي الشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ،المُشْتَمِلِ عَلَى مَا فِيهِ ذِكْرٌ لِلعِبَادِ،وَنَفْعٌ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِمْ وَمَعَادِهِمْ . وبالوضوح والتبيين:{ حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)} الدخان. يُقْسِمُ اللهُ تَعَالَى،جَلَّتْ قُدْرَتُهُ،بِكِتَابِهِ المَجِيدِ،المُبَيِّنِ للنَّاسِ مَا يُصْلِحُ حَالَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ . وبين آثاره في الهداية والبشرى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً (9)} الإسراء. هل عند نزول هذه الآية كان القرآن كله قد نزل،ليقول: إن هذا القرآن؟ نقول: لم يكن القرآن كله قد نزل،ولكن كل آية في القرآن تُسمّى قرآناً،كما قال تعالى:{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ }[القيامة: 18] فليس المراد القرآن كله،بل الآية من القرآن قرآن. ثم لما اكتمل نزول القرآن،واكتملتْ كل المسائل التي تضمن لنا استقامة الحياة،قال تعالى:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً.. }[المائدة: 3] فإن استشرف مُسْتشرف أنْ يستزيد على كتاب الله،أو يأتي بجديد فليعلم أن منهج الله مُنزَّه عن النقص،وفي غِنىً عن زيادتك،وما عليك إلا أن تبحث في كتاب الله،وسوف تجد فيه ما تصبو إليه من الخير. قوله: { يَِهْدِي.. } [الإسراء: 9] الهداية هي الطريق الموصِّل للغاية من أقرب وَجْه،وبأقل تكلفة وهي الطريق المستقيم الذي لا التواءَ فيه،وقلنا: إن الحق سبحانه يهدي الجميع ويرسم لهم الطريق،فمن اهتدى زاده هُدى،كما قال سبحانه:{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ }[محمد: 17] ومعنى: { أَقْوَمُ.. } [الإسراء: 9] أي: أكثر استقامة وسلاماً. هذه الصيغة تُسمّى أفعل التفضيل،إذن: فعندنا (أقوم) وعندنا أقل منه منزلة (قَيّم) كأن نقول: عالم وأعلم. فقوله سبحانه: { إِنَّ هَـاذَا الْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.. } [الإسراء: 9] يدل على وجود (القيّم) في نُظم الناس وقوانينهم الوضعية،فالحق سبحانه لا يحرم البشر من أن يكون لهم قوانين وشرائع حينما تعضُّهم المظالم ويشْقُون بها،فيُقنّنون تقنيات تمنع هذا الظلم. ولا مانع من ذلك إذا لم ينزل لهم منهج من السماء،فما وضعوه وإنْ كان قَيّماً فما وضعه الله أقوم،وأنت لا تضع القيم إلا بعد أن تُعضَّ بشيء مُعوج غير قيّم،وإلا فماذا يلفتُك للقيم؟ أما منهج السماء فإنه يضع الوقاية،ويمنع المرض من أساسه،فهناك فَرْق بين الوقاية من المرض وبين العلاج للمرض،فأصحاب القوانين الوضعية يُعدّلون نُظمهم لعلاج الأمراض التي يَشْقَون بها. أما الإسلام فيضع لنا الوقاية،فإن حَدثْت غفلة من المسلمين،وأصابتهم بعض الداءات نتيجة انصرافهم عن منهج ربهم نقول لهم: عودوا إلى المنهج: { إِنَّ هَـاذَا الْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.. } [الإسراء: 9] فنظام الطلاق في الإسلام الذي كثيراً ما هاجموه وانتقدوه،ورأوا فيه ما لا يليق بالعلاقة الزوجية،ولكن بمرور الزمن تكشفت لهم حقائق مؤلمة،وشقي الكثيرون منهم لعدم وجود هذا الحل في قوانينهم،وهكذا ألجاتهم مشاكل الحياة الزوجية لأنْ يُقنِّنوا للطلاق. ومعلوم أن تقنينهم للطلاق ليس حُباً في الإسلام أو اقتناعاً به،بل لأن لديهم مشاكل لا حََّل لها إلا بالطلاق،وهذا هو الظهور المراد في الآيتين الكريمتين،وهو ظهور بشهادتكم أنتم؛ لأنكم ستلجأون في حل قضاياكم لقوانين الإسلام،أو قريباً منها. ومن هذه القضايا أيضاً قضية تحريم الربا في الإسلام،فعارضوه وأنكروا هذا التحريم،إلى أن جاء " كِنز " وهو زعيم اقتصادي عندهم،يقول لهم: انتبهوا،لأن المال لا يؤدي وظيفته كاملة في الحياة إلا إذا انخفضتْ الفائدة إلى صفر. سبحان الله،ما أعجب لجَجَ هؤلاء في خصومتهم مع الإسلام،وهل تحريم الربا يعني أكثر من أن تنخفض الفائدة إلى صفر؟ إنهم يعودون لمنهج الله تعالى رَغْماً عنهم،ومع ذلك لا يعترفون به. ولا يخفى ما في التعامل الربوي من سلبيات،وهل رأينا دولة اقترضت من أخرى،واستطاعت على مَرّ الزمن أنْ تُسدد حتى أقساط الفائدة؟ ثم نراهم يغالطوننا يقولون: ألمانيا واليابان أخذت قروضاً بعد الحروب العالمية الثانية،ومع ذلك تقدمت ونهضت. نقول لهم: كفاكم خداعاً،فألمانيا واليابان لم تأخذ قروضاً،وإنما أخذت معونة لا فائدة عليها،تسمى معونة (مارشال). وأيضاً من هذه القضايا التي ألجأتهم إليها مشاكل الحياة قضية ميراث المرأة،فلما عَضَّتهم قَنَّنُوا لها. فظهور دين الله هنا يعني ظهورَ نُظم وقوانين ستضطرهم ظروف الحياة إلى الأخذ بها،وليس المقصود به ظهور اتّباع. إذن: فمنهج الله أقوم،وقانون الحق سبحانه أعظم من قوانين البشر وأَهْدى،وفي القرآن الكريم ما يُوضّح أن حكم الله وقانونه أقوم حتى من حكم رسوله r. وهذا في قصة مولاه " زيد بن حارثة "،وزيد لم يكن عبداً إلى أن خطفه بعض تجار الرقيق وباعوه،وانتهى به المطاف إلى السيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ التي وهبتْه بدورها لخدمة رسول الله r.فكان زيد في خدمة رسول الله rإلى أن علم أهله بوجوده في مكة فأتوا ليأخذوه،فما كان من رسول الله r،إلا أن خَيَّره بين البقاء معه وبين الذهاب إلى أهله،فاختار زيد البقاء في خدمة رسول الله وآثره على أهله. فقال r: " فما كنت لأختار على مَنِ اختارني شيئاً ". وفي هذه القصة دليل على أن الرقَّ كان مباحاً في هذا العصر،وكان الرقّ حضانةَ حنانٍ ورحمة،يعيش فيها العبد كما يعيش سيده،يأكل من طعامه،ويشرب من شرابه،يكسوه إذا اكتسى،ولا يُكلّفه ما لا يطيق،وإنْ كلّفه أعانه،فكانت يده بيده. وهكذا كانت العلاقة بين محمد rوبين زيد؛ لذلك آثره على أهله،وأحب البقاء في خدمته،فرأى رسول الله أن يُكافئ زيداً على إخلاصه له وتفضيله له على أهله،فقال:" لا تقولوا زيد بن حارثة،قولوا زيد بن محمد ". وكان التبني شائعاً في ذلك الوقت. فلما أراد الحق سبحانه أنْ يُحرِّم التبني،وأنْ يُحرِّم نسبة الولد إلى غير أبيه بدأ برسول الله r،فقال:{ ادْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُواْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ }[الأحزاب: 5] والشاهد هنا:{ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ }[الأحزاب: 5] فكأن الحكم الذي أنهى التبني،وأعاد زيداً إلى زيد بن حارثة هو الأقسط والأعدل،إذن: حكم الرسول rلم يكن جَوْراً،بل كان قِسْطاً وعدلاً،لكنه قسط بشري يَفْضُله ما كان من عند الحق سبحانه وتعالى. وهكذا عاد زيد إلى نسبه الأصلي،وأصبح الناس يقولون " زيد بن حارثة "،فحزن لذلك زيد،لأنه حُرِم من شرف الانتساب لرسول الله rفعوَّضه الله تعالى عن ذلك وساماً لم يَنَلْه صحابي غيره،هذا الوسام هو أن ذُكِر اسمه في القرآن الكريم،وجعل الناس يتلونه،ويتعبدون به في قوله تعالى:{ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا.. }[الأحزاب: 37] إذن: عمل الرسول قسط،وعمل الله أقسط. قوله تعالى: { يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ.. } [الإسراء: 9] لأن المتتبع للمنهج القرآني يجده يُقدّم لنا الأقوم والأعدل والأوسط في كل شيء.في العقائد،وفي الأحكام،وفي القصص. ففي العقائد مثلاً،جاء الإسلام ليجابه مجتمعاً متناقضاً بين مَنْ ينكر وجود إله في الكون،وبين مَنْ يقول بتعدُّد الآلهة،فجاء الإسلام وَسَطاً بين الطرفين،جاء بالأقوم في هذه المسألة،جاء ليقول بإله واحد لا شريك له. فإذا ما تحدّث عن صفات هذا الإله سبحانه اختار أيضاً ما هو أقوم وأوسط،فللحق سبحانه صفات تشبه صفات البشر،فَلَه يَدٌ وسمع وبصر،لكن ليست يده كيدنا،وليس سمعه كسمعنا،وليس بصره كبصرنا:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.. }[الشورى: 11] وبهذا المنهج الحكيم خرجنا مما وقع فيه المشبِّهة الذين شبّهوا صفات الله بصفات البشر،وخرجنا مما وقع فيه المعطّلة الذين أنكروا أن يكون لله تعالى هذه الصفات وأوّلوها على غير حقيقتها. |
وكذلك في الخلق الاجتماعي العام،يلفتنا المنهج القرآني في قوله تعالى:{ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }[يوسف: 105] يلفتنا إلى ما في الكون من عجائب نغفل عنها،ونُعرِض عن تدبُّرها والانتفاع بها،ولو نظرنا إلى هذه الآيات بعين المتأمل لوجدنا فيها منافع شتى منها: أنها تُذّكرنا بعظمة الخالق سبحانه،ثم هي بعد ذلك ستفتح لنا الباب الذي يُثري حياتنا،ويُوفّر لنا ترف الحياة ومتعتها.
فالحق سبحانه أعطانا مُقوّمات الحياة،وضمن لنا برحمته ضروريات البقاء،فمَنْ أراد الكماليات فعليه أنْ يُعمِل عقله فيما أعطاه الله ليصل إلى ما يريد. والأمثلة كثيرة على مشاهدات متأملة في ظواهر الكون،اهتدى بها أصحاب إلى اكتشافات واختراعات خدمت البشرية،وسَهَّلَتْ عليها كثيراً من المعاناة. فالذي اخترع العجلة في نقل الأثقال بنى فكرته على ثِقل وجده يتحرك بسهولة إذا وُضع تحته شيء قابل للدوران،فتوصل إلى استخدام العجلات التي مكَّنَتْهُ من نقل أضعاف ما كان يحمله. والذي أدخل العالم عصر البخار استنبط فكرة البخار،وأنه يمكن أن يكون قوةً مُحرِّكة عندما شاهد القِدْر وهو يغلي،ولاحظ أن غطاءه يرتفع إلى أعلى،فاهتدى إلى استخدام البخار في تسيير القطارات والعربات. والعالِم الذي اكتشف دواء " البنسلين " اهتدى إليه عندما شاهد طبقة خضراء نسميها " الريم " تتكون في أماكن استخدام الماء،وكان يشتكي عينه،فعندما وصلت هذه المادة إلى عينه ربما مصادفة،لاحظ أن عينه قد برئت،فبحث في هذه المسألة حتى توصّل إلى هذا الدواء. إلى غير ذلك من الآيات والعجائب في كون الله،التي يغفل عنها الخَلْق،ويمرُّون عليها وهم معرضون. أما هؤلاء العلماء الذين آثروا حياة البشرية بنظرتهم الثاقبة،فقد استخدموا عقولهم في المادة التي خلقها الله،ولم يأتوا بشيء من عند أنفسهم؛ لأن الحق سبحانه حينما استخلف الإنسان في الأرض أعدَّ له كُلَّ متطلبات حياته،وضمن له في الكون جنوداً إن أعمل عقله وطاقته يستطيع أن يستفيد منها،وبعد ذلك طلب منه أن يعمر الأرض: { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }[هود: 61] والاستعمار أنْ تجعلها عامرة،وهذا الإعمار يحتاج إلى مجهود،وإلى مواهب متعددة تتكاتف،فلا تستقيم الأمور إنْ كان هذا يبني وهذا يهدم،إذن: لا بد أنْ تُنظم حركة الحياة تنظيماً يجعل المواهب في الكون تتساند ولا تتعاند،وتتعاضد ولا تتعارض. ولا يضمن لنا هذا التنظيم إلا منهج من السماء ينزل بالتي هي أقوم،وأحكم،وأعدل،كما قال تعالى في آية أخرى:{ اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ }[الشورى: 17] وإنْ كان الحق سبحانه وتعالى قد دعانا إلى النظر في ظواهر الكون،والتدبُّر في آيات الله في كونه،والبحث فيها لنصل إلى أسرار ما غُيّب عنا،فإنه سبحانه نهانا أن نفعل هذا مع بعضنا البعض،فقد حرَّم علينا التجسُّس وتتبُّع العورات،والبحث في أسرار الآخرين وغَيْبهم. وفي هذا الأدب الإلهي رحمة بالخلق جميعاً؛ لأن الله تعالى يريد أن يُثري حياة الناس في الكون،وهَبْ أن إنساناً له حسنات كثيرة،وعنده مواهب متعددة،ولكن له سيئة واحدة لا يستطيع التخلّي عنها،فلو تتبعتَ هذه السيئة الواحدة فربما أزهدتْك في كل حسناته،حرمتْك الانتفاع به،والاستفادة من مواهبه،أما لو تغاضيت عن هذه السيئة فيه لأمكنك الانتفاع به. وهَبْ أن صانعاً بارعاً في صنعته وقد احتجْتَه ليؤديَ لك عملاً،فإذا عرفت عنه ارتكاب معصية ما،أو اشتهر عنه سيئة ما لأزهدك هذا في صَنْعته ومهارته،ولرغبت عنه إلى غيره،وإنْ كان أقلّ منه مهارة. وهذا قانون عام للحق سبحانه وتعالى،فالذي نهاك عن تتبُّع غيب الناس،والبحث عن أسرارهم نهاهم أيضاً عن تتبُّع غَيْبك والبحث عن أسرارك؛ ولذلك ما أنعم الله على عبيده نعمة أعظمَ من حِفْظ الغيب عنده هو؛ لأنه ربّ،أما البشر فليس فيهم ربوبية،أمر البشر قائم على العبودية،فإذا انكشف لأحدهم غَيْبُ أخيه أو عيبٌ من عيوبه أذاعه وفضحه به. إذن: فالحق تبارك وتعالى يدعونا إلى أن نكون طُلَعة في استنباط أسرار الكون والبحث عن غيبه،وفي الوقت نفسه ينهانا أن نكون طُلَعة في تتبّع أسرار الناس والبحث عن غيبهم؛ لأنك إنْ تتبعتَ غيب الناس والتمسْتَ عيوبهم حرمْتَ نفسك من مصادر يمكن أنْ تنتفع بها. فالحق سبحانه يريد في الكون حركة متبادلة،وهذه الحركة المتبادلة لا تنشأ إلا بوجود نوع من التنافس الشريف البنّاء،التنافس الذي يُثري الحياة،ولا يثير شراسة الاحتكاك،كما قال تعالى:{ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ.. }[المطففين: 26] كما يتنافس طالب العلم مع زميله المجدّ ليكون مِثْله أو أفضل منه،وكأن الحق سبحانه يعطينا حافزاً للعمل والرُّقي،فالتنافس المقصود ليس تنافس الغِلِّ والحقد والكراهية،بل تنافس مَنْ يحب للناس ما يحب لنفسه،تنافس مَنْ لا يشمت لفشل الآخرين. وقد يجد الإنسان هذا الحافز للمنافسة حتى في عدوه،ونحن نرى الكثير منا يغضب وتُثَار حفيظته إنْ كان له عدو،ويراه مصدر شرٍّ وأذى،ويتوقع منه المكروه باستمرار. وهو مع ذلك لو استغل حكمة الله في إيجاد هذا العدو لاتنفع به انتفاعاً لا يجده في الصديق،لأن صديقك قد يُنافقك أو يُداهنك أو يخدعك. أما عدوك فهو لك بالمرصاد،يتتبع سقطاتك،ويبحث عن عيوبك،وينتظر منك كَبْوة ليذيعها ويُسمّع بك،فيحملك هذا من عدوك على الاستقامة والبعد عما يشين. ومن ناحية أخرى تخاف أن يسبقك إلى الخير،فتجتهد أنت في الخير حتى لا يسبقك إليه. |
وما أجمل ما قاله الشاعر في هذا المعنى:
عِدَايَ لَهُمْ فَضْلٌ عليَّ ومِنَّةٌ فَلاَ أبعَدَ الرحْمَنُ عَنّي الأعَادِياَ هُمُو بحثُوا عَنْ زَلّتي فَاجْتنبْتُها وهُمْ نَافَسُـوني فاكْتَسبْتُ المعَالِيا وهكذا نجد لكل شيء في منهج الله فائدة،حتى في الأعداء،ونجد في هذا التنافس المثمر الذي يُثري حركة الحياة دليلاً على أن منهج السماء هو الأقوم والأنسب لتنظيم حركة الحياة. أيضاً لكي يعيش المجتمع آمناً سالماً لا بُدّ له من قانون يحفظ توازنه،قانون يحمي الضعيف من بطش القوي،فجاء منهج الله تعالى لِيُقنّن لكل جريمة عقوبتها،ويضمن لصاحب الحق حَقّه،وبعد ذلك ترك الباب مفتوحاً للعفو والتسامح بين الناس. ثم حذَّر القوي أنْ تُطغيه قوته،وتدعوه إلى ظلم الضعيف،وذكّره أن قوته ليست ذاتية فيه،بل هي عَرَضٌ سوف يزول وسوف تتبدل قوته في يوم ما إلى ضَعْف يحتاج معه إلى العون والمساعدة والحماية. وكأن الحق تبارك وتعالى يقول لنا: أنا أحمي الضعيف من قوتك الآن،لأحمي ضعفك من قوة غيرك غداً.أليس في هذا كله ما هو أقوم؟ ونقف على جانب آخر من جوانب هذه القوامة لمنهج الله في مجال الإنفاق،وتصرُّف المرء في ماله،والمتأمل في هذا المنهج الأقوم يجده يختار لنا طريقاً وسطاً قاصداً لا تبذيرَ فيه ولا تقتير. ولاشك أن الإنسان بطبعه يُحب أن يُثري حياته،وأن يرتقي بها،ويتمتع بترفها،ولا يُتاح له ذلك إنْ كان مُبذّراً لا يُبقي من دخله على شيء،بل لا بُدّ له من الاعتدال في الإنفاق حتى يجد في جعبته ما يمكنه أن يُثري حياته ويرتقي بها ويُوفّر لأسرته كماليات الحياة،فضلاً عن ضرورياتها. جاء هذا المنهج الأقوم في قول الحق تبارك وتعالى:{ وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }[الفرقان: 67] وفي قوله تعالى:{ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً }[الإسراء: 29] فللإنسان في حياته طموحات تتتابع ولا تنتهي،خاصة في عصر كثُرت فيه المغريات،فإنْ وصل إلى هدف تطلع لما هو أكبر منه،فعليه إذن ألاّ يُبدّد كل طاقته،وينفق جميع دَخْله. وكما نهى الإسلام عن التبذير نهى أيضاً عن البُخْل والإمساك؛ لأن البُخْل مذموم،والبخيل مكروه من أهله وأولاده،كما أن البُخْل سبب من أسباب الركود والبطالة والكساد التي تصيب المجتمع،فالممسك لا يتعامل مع المجتمع في حركة البيع والشراء،فيسهم ببُخْله في تفاقم هذه المشاكل،ويكون عنصراً خاملاً يَشْقى به مجتمعه. إذنْ: فالتبذير والإمساك كلاهما طرف مذموم،والخير في أوسط الأمور،وهذا هو الأقوم الذي ارتضاته لنا المنهج الإلهي. وكذلك في مجال المأكل والمشرب،يرسم لنا الطريق المعتدل الذي يحفظ للمرء سلامته وصحته،ويحميه من أمراض الطعام والتُّخْمة،قال تعالى:{ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }[الأعراف: 31] فقد علَّمنا الإسلام أن الإنسان إذا أكل وشرب على قَدْر طاقة الوقود الذي يحتاجه جسمه لا يشتكي ما يشتكيه أصحاب الإسراف في المأكل والمشرب.والمتأمل في حال هؤلاء الذين يأكلون كلّ مَا لَذَّ وطاب،ولا يَحْرمون أنفسهم مما تشتهيه،حتى وإن كان ضاراً،نرى هؤلاء عند كِبَرهم وتقدُّم السِّنِّ بهم يُحْرمون بأمر الطبيب من تناول هذه الملذّات،فترى في بيوت الأعيان الخادم يأكل أطيب الطعام ويتمتع بخير سيده،في حين يأكل سيده أنواعاً محددة لا يتجاوزها،ونقول له: لأنك أكلتها وأسرفتَ فيها في بداية الأمر،فلا بُدَّ أنْ تُحرَم منها الآن. وصدق رسول الله rحين قال: " كُلُوا واشربوا وتصدقوا،والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة " وأيضاً من أسباب السلامة التي رسمها لنا المنهج القرآني،ألاَّ يأكل الإنسان إلا على جوع،فالطعام على الطعام يرهق المعدة،ويجرُّ على صاحبه العطب والأمراض،ونلاحظ أن الإنسان يجد لذة الطعام وحلاوته إذا أكل بعد جوع،فمع الجوع يستطيب كل شيء ولو كان الخبز الجاف. وهكذا نجد المنهج الإلهي يرسم لنا الطريق الأقوم الذي يضمن لنا سلامة الحياة واستقامتها،فلو تدبرْتَ هذا المنهج لوجدته في أيِّ جانب من جوانب الحياة هو الأقوم والأنسب. في العقائد،في العبادات،في الأخلاق الاجتماعية العامة،في العادات والمعاملات،إنه منهج ينتظم الحياة كلها،كما قال الحق سبحانه:{ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ }[الأنعام: 38] هذا المنهج الإلهي هو أَقْوم المناهج وأصلحها؛ لأنه منهج الخالق سبحانه الذي يعلم مَنْ خلق،ويعلم مَا يصلحهم،كما قلنا سابقاً: إن الصانع من البشر يعلم صَنْعته،ويضع لها من تعليمات التشغيل والصيانة ما يضمن لها سلامة الأداء وأمن الاستعمال. فإذا ما استعملْتَ الآلة حَسبْ قانون صانعها أدَّتْ مهمتها بدقة،وسلَمتْ من الأعطال،فالذي خلق الإنسان أعلم بقانون صيانته،فيقول له: افعل كذا ولا تفعل كذا:{ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }[الملك: 14] فآفة الناس في الدنيا أنهم وهم صَنْعةُ الحق سبحانه يتركون قانونه،ويأخذون قانون صيانتهم من أمثالهم،وهي قوانين وضعية قاصرة لا تسمو بحال من الأحوال إلى قانون الحق سبحانه،بل لا وَجْهَ للمقارنة بينهما. إذن: لا تستقيم الحياة إلا بمنهج الله عز وجل. ثم يقول تعالى: { وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } [الإسراء: 9] فالمنفذ لهذا المنهج الإلهي يتمتع باستقامة الحياة وسلامتها،وينعم بالأمن الإيماني،وهذه نعمة في الدنيا،وإن كانت وحدها لكانت كافية،لكن الحق سبحانه وتعالى يُبشِّرنا بما هو أعظم منها،وبما ينتظرنا من نعيم الآخرة وجزائها،فجمع لنا ربنا تبارك وتعالى نَعيمَيْ الدنيا والآخرة. نعيم الدنيا لأنك سِرْتَ فيها على منهج معتدل ونظام دقيق،يضمن لك فيها الاستقامة والسلام والتعايش الآمن مع الخَلْق.ومن ذلك قول الحق سبحانه:{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }[البقرة: 38] وقوله تعالى في آية أخرى:{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى }[طه: 123] ويقول تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }[النحل: 97] وفي الجانب المقابل يقول الحق سبحانه:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذالِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذالِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى }[طه: 124-126] فكما أن الحق تبارك وتعالى جمع لعباده الصالحين السائرين على منهجه خيري الدنيا والآخرة،ففي المقابل جمع لأعدائه المعرضين عن منهجه عذاب الدنيا وعذاب الآخرة،لا ظُلْماً منه،فهو سبحانه مُنَزَّه عن الظلم والجَوْر،بل عَدْلاً وقِسطاً بما نَسُوا آيات الله وانصرفوا عنها. ومعنى: { يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ } [الإسراء: 9] وعمل الصالحات يكون بأن تزيد الصالح صلاحاً،أو على الأقل تبقي الصالح على صلاحه،ولا تتدخل فيه بما يُفسده. وقوله: { أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً } [الإسراء: 9] نلاحظ هنا أن الحق سبحانه وصف الأجر بأنه كبير،ولم يَأْتِ بصيغة أفعل التفضيل منها (أكبر)،فنقول: لأن كبير هنا أبلغ من أكبر،فكبير مقابلها صغير،فَوَصْف الأجر بأنه كبير يدل على أن غيره أصغر منه،وفي هذا دلالة على عِظَم الأجر من الله تعالى. أما لو قال: أكبر فغيره كبير،إذن: فاختيار القرآن أبلغ وأحكم. كما قلنا سابقاً: إن من أسماء الحق تبارك وتعالى (الكبير)،وليس من أسمائه أكبر،إنما هي وصف له سبحانه. ذلك لأن (الكبير) كل ما عداه صغير،أما (أكبر) فيقابلها كبير. ومن هنا كان نداء الصلاة (الله أكبر) معناه أن الصلاة وفَرْض الله علينا أكبر من أي عمل دنيويّ،وهذا يعني أن من أعمال الدنيا ما هو كبير،كبير من حيث هو مُعين على الآخرة. فعبادة الله تحتاج إلى طعام وشراب وإلى مَلْبس،والمتأمل في هذه القضية يجد أن حركة الحياة كلها تخدم عمل الآخرة،ومن هنا كان عمل الدنيا كبيراً،لكن فَرْض الله أكبر من كل كبير. |
ولأهمية العمل الدنيوي في حياة المسلم يقول تعالى عن صلاة الجمعة:{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[الجمعة: 9-10] والمتأمل في هذه الآيات يجد الحق تبارك وتعالى أمرنا قبل الجمعة أن نترك البيع،واختار البيع دون غيره من الأعمال؛ لأنه الصفقة السريعة الربح،وهي أيضاً الصورة النهائية لمعظم الأعمال،كما أن البائع يحب دائماً البيع،ويحرص عليه،بخلاف المشتري الذي ربما يشتري وهو كاره،فتجده غير حريص على الشراء؛ لأنه إذا لم يشْتَرِ اليوم سيشتري غداً. إذن: فالحق سبحانه حينما يأمرنا بترك البيع،فتَرْك غيره من الأعمال أَوْلَى.
فإن ما قُضِيَت الصلاة أمرنا بالعودة إلى العمل والسعي في مناكب الأرض،فأخرجنا للقائه سبحانه في بيته من عمل،وأمرنا بعد الصلاة بالعمل. إذن: فالعمل وحركة الحياة (كبير)،ولكن نداء ربك (أكبر) من حركة الحياة؛ لأن نداء ربك هو الذي سيمنحك القوة والطاقة،ويعطيك الشحنة الإيمانية،فتُقبِل على عملك بهِمّة وإخلاص. وفي الشفاء والرحمة:{ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء 82. وَنُنَزِّلُ عَلَيْكَ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ مِنَ القُرْآنِ مَا يُسْتَشَفَي بِهِ مِنَ الجَهْلِ وَالضَّلاَلِ،وَمَا يُذْهِبُ مَا فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ مِنْ أَْمْرَاضِ الشَّكِّ وَالنِّفَاقِ،وَالشِّرْكِ وَالزَّيْغِ،وَيَشْفِي مِنْهَا،وَهُوَ رَحْمَةُ لِمَنْ آمَنَ بِهِ،وَعَمِلَ بَأَوَامِرِهِ،وَاجْتَنَبَ نَوَاهِيهِ.أَمَّا الكَافِرُونَ الظَّالِمُونَ أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يَزِيدُهُمْ سَمَاعُ القُرْآنِ إِلاَّ بُعْداً عَنِ الإِيمَانِ وَكُفْراً،وَعُتُوّاً وَخَسَاراً،لأَنَّهُمْ قَدْ طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ . وفي التذكير والتقوى:{ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)} الزمر. لَقَدْ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُقَرِّبَ المَعَانِي مِنْ أَفْهَامِ النَّاسِ فَضَرَبَ لَهُمُ الأَمْثَالَ فِي القُرْآنِ،وَنَوَّعَ الأَمْثَالَ فِيهِ زِيَادَةً فِي تَقْرِيبِ المَعَانِي وَإِِيضَاحِهَا،لَعَلَّ النَّاسَ يَفْهَمُونَ وَيُدِرْكُونَ مَا أَرَادَهُ الله تَعَالَى،وَلَعَلَّهُمْ يَعْتَبِرُونَ بِمَا قَصَّهُ عَلَيْهِمْ .وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى القُرْآنَ عَرَبياً وَاضَحاً لاَ لَبْسَ فِيهِ وَلاَ غُمُوضَ،وَلاَ عِوَجَ وَلاَ انْحِرَافَ لِيَفْهَمَ العَرَبُ مَعَانِيَهُ.وَيَعُوا مَرَامِيَهُ،لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ اللهَ،وَيَحْذَرُونَ نِقَمَهُ . وفي الثبات على الحق:{ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)} النحل. قُلْ لَهُمْ:إِنَّ القُرْآنَ قَدْ نَزَلَ عَلَيَّ مِنْ رَبِّي مَعَ جِبْرِيلَ الرُّوحِ الطَّاهِرِ،مُقْتَرِناً بِالحَقِّ وَمُشْتَمِلاً عَلَيْهِ لِيُثَبِّتَ بِهِ المُؤْمِنِينَ،وَلِيَهْدِي بِهِ النَّاسَ إِلَى الخَيْرِ بِمَا فِيهِ مِنْ أَدِلَّةٍ قَاطِعَةٍ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ،وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ،وَبِمَا فِيهِ مِنْ تَشْرِيعٍ وَتَعَالِيمٍ وَأَحْكَامٍ،فَهُوَ هَادٍ لِلْمُؤْمِنِينَ،وَبَشِيرٌ لَهُمْ بِحُسْنِ الثَّوَابِ عِنْدَ اللهِ فِي الآخِرَةِ . وفي زيادة الإيمان:{ وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)} التوبة. إِذَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى سُورَةً مِنْ سُوَرِ القُرْآنِ فَمِنَ المُنَافِقِينَ مَنْ يَقُولُ لإِخْوَانِهِ:( أَوْ يَقُولُ لِمَنْ يَلْقَاهُ مِنَ المُؤْمِنِينَ مُشَكِّكاً ):أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ إِيمَاناً وَيَقِيناً بِحَقِيقَةِ القُرْآنِ وَالإِسْلاَمِ،وَصدْقِ الرَّسُولِ؟ وَيَقُولُ تعالى: أَمَّا الذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ فَتَزيدُهُمُ الآيَاتُ إِيمَاناً،وَيَسْتَبْشِرُونَ بِرِضْوانِ رَبِّهِمْ،وَبِمَا أَعَدَّهُ لَهُمْ مِنْ جَزِيلِ الثَّوابِ . فأما الذين آمنوا فقد أضيفت إلى دلائل الإيمان عندهم دلالة فزادتهم إيمانا وقد خفقت قلوبهم بذكر ربهم خفقة فزادتهم إيمانا وقد استشعروا عناية ربهم بهم في إنزال آياته عليهم فزادتهم إيمانا .. وأما الذين في قلوبهم مرض،الذين في قلوبهم رجس من النفاق،فزادتهم رجسا إلى رجسهم،وماتوا وهم كافرون ..وهو نبأ من اللّه صادق،وقضاء منه سبحانه محقق. ووصفه الذي أنزل عليه rوبيّن آثاره في كثير من أحاديثه الشريفة،منها ما روي فعَنْ عَلِيٍّ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ قَالَ:قُلْتُ فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:كِتَابُ اللهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ،هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ يَرُدَّهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ،وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ هُوَ حَبْلُ اللهِ الْمَتِينُ وَالذَّكَرُ الْحَكِيمُ،وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لاَ تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ وَلاَ تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلاَ يَخْلُقُ عَنْ رَدٍّ،وَلاَ تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ،وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ حِينَ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا:إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا،مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دُعِيَ إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.. رواه البزار. وعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- :« اعْمَلُوا بِالْقُرْآنِ أَحِلُّوا حَلاَلَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ وَاقْتَدُوا بِهِ وَلاَ تَكْفُرُوا بِشَىْءٍ مِنْهُ وَمَا تَشَابَهَ عَلَيْكُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى أُولِى الْعِلْمِ مِنْ بَعْدِى كَمَا يُخْبِرُوكُمْ وَآمِنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ وَلْيَسَعْكُمُ الْقُرْآنُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ أَلاَ وَلِكُلِّ آيَةٍ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنِّى أُعْطِيتُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ مِنَ الذِّكْرِ الأَوَّلِ وَأُعْطِيتُ طَهَ وَطَوَاسِينَ وَالْحَوَامِيمَ مِنْ أَلْوَاحِ مُوسَى وَأُعْطِيتُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتَ الْعَرْشِ ». وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " الْقُرْآنُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ،وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ،مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَجَا،وَمَنْ مَحِلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ " وعن محمد بن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله {r} القرآن أفضل من كل شيء دون الله تعالى وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه فمن وقر القرآن فقد وقر الله ومن لم يوقر القرآن لم يوقر الله وحرمة القرآن عند الله تعالى كحرمة الوالد على ولده القرآن شافع مشفع وما حل مصدق فمن شفع له القرآن شفع ومن محل به القرآن صدق ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار حملة القرآن هم المحفوفون برحمة الله الملبسون نور الله المعلمون كلام الله ومن والاهم فقد والى الله ومن عاداهم فقد عادى الله يقول الله تبارك اسمه يا حملة القرآن استجيبوا لربكم بتوقير كتابه يزدكم حبا ويحببكم إلى عباده يرفع عن مستمع القرآن بلوى الدنيا ويدفع عن تالي القرآن شر الآخرة ومن استمع آية من كتاب الله كان له خيرا من صبر ذهبا ومن قرأ آية من كتاب الله كان أفضل مما تحت العرش إلى التخوم وإن في كتاب الله لسورة تدعى العزيزة يدعى صاحبها الشريف يوم القيامة تشفع لصاحبها أكثر من ربيعة ومضر وهي سورة يس" وقد أمر الله تعالى بتلاوته {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} النمل 91-92. يَأْمُرُ اللهُ رَسُولَهُ rبأَنْ يَقُولَ لِهؤُلاءِ المُكَذِّبينَ:إِنَّهُ أُمِرَ بعِبَادَةِ رَبِّ مَكَّةَ التي جَعَلَهَا بَلَداً حَراماً،لاَ يُسْتَبَاحُ فِيها دًمٌ،وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شيءٍ وَمَلِيكُهُ،لا إٍِلهَ إِلاَّ هُوَ،وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ رَسُولَهُ بأَنْ يَكُونَ مِنَ المُسلِمِينَ لَهُ،المُوَحِّدِينَ المُخْلِصِينَ لِجَلاَلِهِ .وَقُلْ لَقَدْ أَمَرني رَبي بِأَنْ أَتلُوَ القُرآنَ عَلَى النَّاسِ،وَأْلَلِّغَهُمْ إِياهُ،وَلِي أُسْوَةٌ بَِنْ تَقَدَّمَني مِنَ الرُّسُلِ،الذين أَنْذَرُوا أَقوَامَهُمْ،وَقَامُوا بتأْدِيَةِ الرِّسَالةِ،وَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَيَنْتَفِعُ بِهُدَاهُ،وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضُرُّ نَفْسَهُ وَلا يَضُرُّ الله شَيْئاً . ووعد عليها الخير الجزيل:{ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} فاطر. إِنَ عِبَادَ اللهِ المُؤْمِنينَ الذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ،وَيُؤْمِنُونَ بِهِ،وَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ أَوَامِرَ:مِنْ إِقامَةِ الصَّلاةِ وأَدائها بِخُشُوعِها،وَإِتْمَامِها بِرُكُوعِها وسُجُودِها،وَمِنَ الإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ سِراً وَعَلاَنِيةً فِي سَبيلِ اللهِ عَلَى الفُقَراءِ والمُحْتَاجِينَ،وفيمَا فِيهِ خيرُ الجَمَاعَةِ المُسلِمَةِ،إِنَّ هؤلاءِ العِبَادَ المُؤْمِنينَ،الذِينَ يَقُومُونَ بِذَلِكَ،يَرْجُونَ الثَّوَابَ عَلَى أَفْعَالِهِمْ،عِنْدَ اللهِ،وَسَتَكُونُ تِجَارَتُهُمْ رَابِحَةً عِندَ اللهِ،وَلَنْ تَكْسُدَ .وَيَرْجُونَ أَنْ يَحْزِيَهُمُ اللهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى عَلَى أَعْمَالِهِم الصَّالِحَةِ،وَأَنْ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ،فَيَتجَاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ وَهَفَواتِهِمْ،وَيَضَاعِفَ ثَوَابَ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى سَبعِمِئَةِ ضِعْفٍ،وَاللهُ تَعَالى غَفُورٌ لِلذُّنُوبِ،شَكُورٌ لِلْقَلِيلِ مِنَ الأَعمالِ الصَّالِحةِ . كما أمر النبي rبتلاوته وبيّن ما أعد الله سبحانه وتعالى لمن قرأه من أجر عظيم منها شفاعته به،فعَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاَّمٍ يَقُولُ حَدَّثَنِى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِىُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ». قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِى أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ." رواه مسلم. ومنها حصوله على ثروة عريضة من الحسنات التي تضاف إلى رصيده عند تلاوة كل حرف من الكتاب الكريم،فعن مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِىَّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ الم َرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ ». رواه الترمذي. ومنها ارتقاؤه إلى منزلة لا تنتهي رفعتها إلا عندما ينتهي من تلاوته فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ « يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِى الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا ». رواه الترمذي. ومنها نيله شهادة نبوية بتقليده أعلى وسام إلهي،فعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ،فَقِيلَ:مَنْ أَهْلُ اللهِ مِنْهُمْ ؟ قَالَ:أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ.". رواه أحمد. إنه كتاب الله تعالى الدستور الجامع لأحكام الإسلام،والمنبع الصافي للعلم والخير والحكمة والنور والوسيلة المختصرة لمعرفة الله تعالى وقربه ورضاه والوصول إلى حقائق التقوى ومعادن الإيمان. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ،فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ،إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ وَالنُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ،عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ،وَنَجَاةٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ،لاَ يَزِيغُ فَيَسْتَعْتِبُ،وَلاَ يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ،وَلاَ تَنْقَضِى عَجَائِبُهُ،وَلاَ يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ،فَاتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلاَوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ،أَمَا إِنِّى لاَ أَقُولُ الم وَلَكِنْ بِأَلِفٍ وَلاَمٍ وَمِيمٍ. " الدارمي. وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ r،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي،قَالَ:عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فَإِنَّهَا جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ،وَعَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ،فَإِنَّهَا رَهْبَانِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ،وَعَلَيْكَ بِذِكْرِ اللهِ وَتِلاوَةِ كِتَابِهِ،فَإِنَّهُ نُورٌ لَكَ فِي الأَرْضِ وَذِكْرٌ لَكَ فِي السَّمَاءِ،وَاخْزُنْ لِسَانَكَ إِلَّامِنْ خَيْرٍ،فَإِنَّكَ بِذَلِكَ تَغْلِبُ الشَّيْطَانَ." الطبراني إنه رسالة الله العلي القدير،لهذا الإنسان الضعيف الجهول الفقير،لتأخذ بيده وتدله على سبيل النجاة،وتهديه إلى صراط الله،وتمنحه السعادة في الدنيا والفوز في الآخرة. فعَنْ مُحَمَّدِ بن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r،بِالْجُحْفَةِ فَخَرَجَ عَلَيْنَا،فَقَالَ:أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ،وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ،وَأَنَّ الْقُرْآنَ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ؟ قُلْنَا:نَعَمْ،قَالَ:فَأَبْشِرُوا فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ،وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ،فَتَمَسَّكُوا بِهِ،وَلا تُهْلَكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا. رواه الطبراني. ولقد بوأ الله به المسلمين عندما تمسكوا به،وأخلصوا في تطبيق أوامره،وتنفيذ أحكامه ووصاياه،وانتهوا عن كل ما نهى عنه،بوأهم مكانة الصدارة بين الأمم،وجعلهم مخلّصي الشعوب ومعلمي الأمم،وناشري الحضارة التي ما عرف التاريخ لها مثيلا،فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس. وهذا كتاب الله تعالى تكفل بحفظه،وسخر عباده لتوثيقه،ليكون الدستور الخالد إلى يوم القيامة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} الحجر. والقرآن قد جاء بعد كُتب متعددة،وكان كل كتاب منها يحمل منهج الله؛ إلا أن أيَّ كتاب منها لم يَكُنْ معجزة؛ بل كانت المُعْجزة تنزل مع أيِّ رسول سبق سيدنا رسول الله r،وعادة ما تكون المعجزة من صنف ما نبغ فيه القوم الذين نزل فيهم. |
وما دام المنهج مفصولاً عن المعجزة؛ فقد طلب الحق سبحانه من الحاملين لكتب المنهج تلك أنْ يحافظوا عليها،وكان هذا تكليفاً من الحق سبحانه لهم. والتكليف ـ كما نعلم ـ عُرْضة أنْ يُطَاع،وعُرْضة أنْ يُعصى،ولم يلتزم أحد من الأقوام السابقة بحفظ الكُتب المنزّلة إليهم.
ونجد الحق ـ سبحانه وتعالى ـ يقول:{ إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ... }[المائدة: 44] أي: أن الحق ـ سبحانه وتعالى ـ قد كلّفهم وطلب منهم أنْ يحفظوا كتبهم التي تحمل منهجه؛ وهذا التكليف عُرْضة أنْ يطاع،وعُرْضة أنْ يُعصى؛ وهم قد عَصَوا أمر الحق سبحانه وتكليفه بالحفظ؛ ذلك أنهم حرّفوا وبدلوا وحذفوا من تلك الكتب الكثير. فقد قال الحق سبحانه عنهم:{ ...وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[البقرة: 146] بل وأضافوا من عندهم كلاماً وقالوا: هو من عند الله؛ لذلك قال فيهم الحق سبحانه:{ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }[البقرة: 79] وهكذا ارتكبوا ذنوب الكذب وعدم الأمانة،ولم يحفظوا الكتب الحاملة لمنهج الله كما أنزلها الله على أنبيائه ورُسله السابقين على رسول الله r. ولذلك لم يَشَأ الحق سبحانه أن يترك مهمة حفظ القرآن كتكليف منه للبشر؛ لأن التكليف عُرْضة أن يطاع وعُرْضة أنْ يُعصى،فضلاً عن أن القرآن يتميز عن الكتب السابقة في أنه يحمل المنهج،وهو المعجزة الدالة على صِدْق بلاغ رسول الله rفي نفس الوقت.ولذلك قال الحق سبحانه: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] والذِّكْر إذا أُطلِق انصرف المعنى إلى القرآن؛ وهو الكتاب الذي يحمل المنهج؛ وسبحانه قد شاء حِفْظه؛ لأنه المعجزة الدائمة الدالة على صدق بلاغ رسوله r.وكان الصحابة يكتبون القرآن فَوْرَ أن ينزل على رسول الله r،ووجدنا في عصرنا من هم غير مؤمنين بالقرآن؛ ولكنهم يتفنّنون في وسائل حفْظه؛ فهناك مَنْ طبع المصحف في صفحة واحدة؛ وسخَّر لذلك مواهب أُناسٍ غير مؤمنين بالقرآن. وحدث مثل ذلك حين تَمّ تسجيل المصحف بوسائل التسجيل المعاصرة. وفي ألمانيا ـ على سبيل المثال ـ توجد مكتبة يتم حِفْظ كل ما يتعلق بكل آية من القرآن في مكان مُعيّن مُحدّد.وفي بلادنا المسلمة نجد مَنْ ينقطع لحفظ القرآن منذ الطفولة،ويُنهي حِفْظه وعمره سبع سنوات؛ وإنْ سألته عن معنى كلمة يقرؤها فقد لا يعرف هذا المعنى. ومن أسرار عظمة القرآن أن البعض مِمَّنْ يحفظونه لا يملكون أية ثقافة،ولو وقف الواحد من هؤلاء عند كلمة؛ فهو لا يستطيع أن يستكملها بكلمةٍ ذات معنى مُقَارب لها؛ إلى أنْ يردّه حافظٌ آخر للقرآن. ولكي نعرف دِقّة حِفْظ الحق سبحانه لكتابه الكريم؛ نجد أن البعض قد حاول أن يُدخِل على القرآن ما ليس فيه،وحاول تحريفه من مدخل،يروْنَ أنه قريب من قلب كل مسلم،وهو توقير الرسول r؛ وجاءوا إلى قول الحق سبحانه:{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ... }[الفتح: 29] وأدخلوا في هذه الآية كلمة ليست فيها،وطبعوا مصحفاً غيَّروا فيه تلك الآية بكتابتها " محمد رسول الله rوالذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " وأرادوا بذلك أن يسرقوا عواطف المسلمين،ولكن العلماء عندما أمسكوا بهذا المصحف أمروا بإعدامه وقالوا: " إن به شيئاً زائداً "،فردَّ مَنْ طبع المصحف " ولكنها زيادة تحبونها وتُوقّرونها "،فردَّ العلماء: " إن القرآن توقيفيّ؛ نقرؤه ونطبعه كما نزل ".وقامت ضَجَّة؛ وحسمها العلماء بأن أيّ زيادة ـ حتى ولو كانت في توقير رسول الله rومحبته ـ لا تجوز في القرآن،لأن علينا أن نحفظ القرآن كما لقَّنه جبريل لمحمد r. وننظر نحن اليوم من وراء القرون إلى وعد اللّه الحق بحفظ هذا الذكر فنرى فيه المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب - إلى جانب غيرها من الشواهد الكثيرة - ونرى أن الأحوال والظروف والملابسات والعوامل التي تقلبت على هذا الكتاب في خلال هذه القرون ما كان يمكن أن تتركه مصونا محفوظا لا تتبدل فيه كلمة،ولا تحرف فيه جملة،لولا أن هنالك قدرة خارجة عن إرادة البشر،أكبر من الأحوال والظروف والملابسات والعوامل،تحفظ هذا الكتاب من التغيير والتبديل،وتصونه من العبث والتحريف. لقد جاء على هذا القرآن زمان في أيام الفتن الأولى كثرت فيه الفرق،وكثر فيه النزاع،وطمت فيه الفتن،وتماوجت فيه الأحداث. وراحت كل فرقة تبحث لها عن سند في هذا القرآن وفي حديث رسول اللّه - r- ودخل في هذه الفتن وساقها أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود - خاصة - ثم من «القوميين» دعاة «القومية» الذين تسمّوا بالشعوبيين! ولقد أدخلت هذه الفرق على حديث رسول اللّه - r- ما احتاج إلى جهد عشرات العلماء الأتقياء الأذكياء عشرات من السنين لتحرير سنة رسول اللّه - r- وغربلتها وتنقيتها من كل دخيل عليها من كيد أولئك الكائدين لهذا الدين.كما استطاعت هذه الفرق في تلك الفتن أن تؤول معاني النصوص القرآنية،وأن تحاول أن تلوي هذه النصوص لتشهد لها بما تريد تقريره من الأحكام والاتجاهات .. ولكنها عجزت جميعا - وفي أشد أوقات الفتن حلوكة واضطرابا - أن تحدث حدثا واحدا في نصوص هذا الكتاب المحفوظ وبقيت نصوصه كما أنزلها اللّه حجة باقية على كل محرف وكل مؤول وحجة باقية كذلك على ربانية هذا الذكر المحفوظ. ثم جاء على المسلمين زمان - ما نزال نعانيه - ضعفوا فيه عن حماية أنفسهم،وعن حماية عقيدتهم،وعن حماية نظامهم،وعن حماية أرضهم،وعن حماية أعراضهم وأموالهم وأخلاقهم. وحتى عن حماية عقولهم وإدراكهم! وغيّر عليهم أعداؤهم الغالبون كل معروف عندهم،وأحلوا مكانه كل منكر فيهم .. كل منكر من العقائد والتصورات،ومن القيم والموازين،ومن الأخلاق والعادات. ومن الأنظمة والقوانين .. وزينوا لهم الانحلال والفساد والتوقح والتعري من كل خصائص «الإنسان» وردوهم إلى حياة كحياة الحيوان .. وأحيانا إلى حياة يشمئز منها الحيوان .. ووضعوا لهم ذلك الشر كله تحت عنوانات براقة من «التقدم» و«التطور» و«العلمانية» و«العلمية» و«الانطلاق» و«التحرر» و«تحطيم الأغلال» و«الثورية» و«التجديد» ... إلى آخر تلك الشعارات والعناوين .. وأصبح «المسلمون» بالأسماء وحدها مسلمين. ليس لهم من هذا الدين قليل ولا كثير. وباتوا غثاء كغثاء السيل لا يمنع ولا يدفع،ولا يصلح لشيء إلا أن يكون وقودا للنار .. وهو وقود هزيل! .. ولكن أعداء هذا الدين - بعد هذا كله - لم يستطيعوا تبديل نصوص هذا الكتاب ولا تحريفها. ولم يكونوا في هذا من الزاهدين. فلقد كانوا أحرص الناس على بلوغ هذا الهدف لو كان يبلغ،وعلى نيل هذه الأمنية لو كانت تنال! ولقد بذل أعداء هذا الدين - وفي مقدمتهم اليهود - رصيدهم من تجارب أربعة آلاف سنة أو تزيد في الكيد لدين اللّه. وقدروا على أشياء كثيرة .. قدروا على الدس في سنة رسول اللّه - r- وعلى تاريخ الأمة المسلمة. وقدروا على تزوير الأحداث ودس الأشخاص في جسم المجتمع المسلم ليؤدوا الأدوار التي يعجزون عن أدائها وهم سافرون. وقدروا على تحطيم الدول والمجتمعات والأنظمة والقوانين.وقدروا على تقديم عملائهم الخونة في صورة الأبطال الأمجاد ليقوموا لهم بأعمال الهدم والتدمير في أجسام المجتمعات الإسلامية على مدار القرون،وبخاصة في العصر الحديث ..ولكنهم لم يقدروا على شيء واحد - والظروف الظاهرية كلها مهيأة له - .. لم يقدروا على إحداث شيء في هذا الكتاب المحفوظ،الذي لا حماية له من أهله المنتسبين إليه وهم بعد أن نبذوه وراء ظهورهم غثاء كغثاء السيل لا يدفع ولا يمنع فدل هذا مرة أخرى على ربانية هذا الكتاب،وشهدت هذه المعجزة الباهرة بأنه حقا تنزيل من عزيز حكيم. لقد كان هذا الوعد على عهد رسول اللّه - r- مجرد وعد. أما هو اليوم - من وراء كل تلك الأحداث الضخام ومن وراء كل تلك القرون الطوال. فهو المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب،والتي لا يماري فيها إلا عنيد جهول:«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ،وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» .. وصدق اللّه العظيم .. وصدق رسول الله rإذ يقول:" خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. " رواه البخاري. |
قال أحدهم:
قد حوى القرآن نورا وهدى ………فعصى القرآن من لا يعقل قل لقوم نبذوا أحكامه ………ما لكم مما نبذتم بدل فاسألوا التاريخ عن قرآنكم ………يوم ضاءت بسناه السبل فكأن الكون أفق أنتم ………فيه بدر كامل لا يأفل أو كأن الكون منكم روضة ………وعلى الأغصان أنتم بلبل إنه كتاب الله،منزلته كمنزلة منزله،وتعظيمه من تعظيم قائله،والأدب معه أدب مع الله سبحانه وحري بالمسلم أن يتعلم هذه الآداب ليلتزمها مع كتاب الله الكريم. 1- أن يقصد بقراءته وجه الله تعالى،وتعلم أحكام كتابه،وتنفيذ أمر ربه بتلاوة القرآن الكريم. قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة. وهذه هي قاعدة دين اللّه على الإطلاق: عبادة اللّه وحده،وإخلاص الدين له،والميل عن الشرك وأهله،وإقامة الصلاة،وإيتاء الزكاة:«وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» .. عقيدة خالصة في الضمير،وعبادة للّه،تترجم عن هذه العقيدة،وإنفاق للمال في سبيل اللّه،وهو الزكاة .. فمن حقق هذه القواعد،فقد حقق الإيمان كما أمر به أهل الكتاب،وكما هو في دين اللّه على الإطلاق. دين واحد. وعقيدة واحدة،تتوالى بها الرسالات،ويتوافى عليها الرسل .. دين لا غموض فيه ولا تعقيد. وعقيدة لا تدعو إلى تفرق ولا خلاف،وهي بهذه النصاعة،وبهذه البساطة،وبهذا التيسير. فأين هذا من تلك التصورات المعقدة،وذلك الجدل الكثير؟ وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَاصٍّ يَقْرَأُ ثُمَّ سَأَلَ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ فَإِنَّهُ سَيَجِىءُ أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ بِهِ النَّاسَ ». رواه الترمذي. وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ يَتَأَكَّلُ بِهِ النَّاسَ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لَيْسَ عَلَيْهِ لَحْمٌ " " رواه البيهقي. 2- أن يكون على طهارة من الحدثين،فالطهارة من الجنابة والحيض والنفاس فرض لقراءة القرآن أو مس المصحف وحمله. قال تعالى:{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (80)} الواقعة. إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لقرآن عظيم المنافع،كثير الخير،غزير العلم،في كتاب مَصُون مستور عن أعين الخلق،وهو الكتاب الذي بأيدي الملائكة. لا يَمَسُّ القرآن إلا الملائكة الكرام الذين طهرهم الله من الآفات والذنوب،ولا يَمَسُّه أيضًا إلا المتطهرون من الشرك والجنابة والحدث.وهذا القرآن الكريم منزل من رب العالمين،فهو الحق الذي لا مرية فيه. فعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ،قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ،قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَا وَرَجُلانِ:رَجُلٌ مِنَّا،وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ،أَحْسَبُ فَبَعَثَهُمَا وَجْهًا،وَقَالَ:إِنَّكُمَا عِلْجَانِ فَعَالِجَا عَنْ دِينِكُمَا،ثُمَّ دَخَلَ الْمَخْرَجَ ثُمَّ خَرَجَ،فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَسَّحَ بِهَا ثُمَّ جَاءَ،فَقَرَأَ الْقُرْآنَ قِرَاءَةً فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ،فَقَالَ عَلِيّ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ rيَأْتِي الْخَلاءَ فَيَقْضِي الْحَاجَةَ،ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَأْكُلُ مَعَنَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ،وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ،وَلا يَحْجُبُهُ عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ،أَوْ إِلا الْجَنَابَةُ " ابن خزيمة. وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا. وَبِهِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -r- وَالتَّابِعِينَ.قَالُوا يَقْرَأُ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَلاَ يَقْرَأُ فِى الْمُصْحَفِ إِلاَّ وَهُوَ طَاهِرٌ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَالشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وعَنْ أَبِي الْغَرِيفِ،قَالَ:أُتِيَ عَلِيٌّ بِوَضُوءٍ،فَمَضْمَضَ،وَاسْتَنْشَقَ ثَلاثًا،وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا،وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَذِرَاعَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا،ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ،ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ rتَوَضَّأَ،ثُمَّ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ،ثُمَّ قَالَ:هَذَا لِمَنْ لَيْسَ بِجُنُبٍ فَأَمَّا الْجُنُبُ فَلا،وَلاَ آيَةَ." أحمدرواه أحمد. 3- تنظيف الفم بالسواك وغيره،لأنه مجرى كلام الله تبارك وتعالى. فعَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ لِلْقُرْآنِ فَطَيِّبُوهَا بِالسِّوَاكِ." رواه ابن ماجة وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ :« إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ لِلْقُرْآنِ ؛ فَطَهِّرُوهَا بِالسِّوَاكِ » 4- يستحب للقارئ أن يجلس مستقبلا القبلة إذا تمكن من ذلك،فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: أَكْرَمُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ " الطبراني وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا،وَإِنَّ شَرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ،وَمَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ،فَكَأَنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ." وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى،قَالَ:إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا،وَأَشْرَفُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتَقْبَلَ بِهِ الْقِبْلَةَ،وقَالَ:مَا رَأَيْت سُفْيَانَ يَجْلِسُ إلاَّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ." وعَنْ مَكْحُولٍ،قَالَ:أَفْضَلُ الْمَجَالِسِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى،قَالَ:لِكُلِّ شَيْءٍ سَيِّدٌ،وَسَيِّدُ الْمَجَالِسِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. ويجوز أن يقرأ قائما أو ماشيا أو مضجعا أو في فراشه أو في الطريق أو على غير ذلك من الأحوال وله الأجر،وإن كان دون الأول. 5- طهارة المكان والثياب ونظافتهما،والتجمل والتطيب استعدادا لمناجاة الله تعالى بتلاوة كلامه. قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (4) سورة المدثر يحتمل أن المراد بثيابه،أعماله كلها،وبتطهيرها تخليصها والنصح بها،وإيقاعها على أكمل الوجوه،وتنقيتها عن المبطلات والمفسدات،والمنقصات من شر ورياء،[ونفاق]،وعجب،وتكبر،وغفلة،وغير ذلك،مما يؤمر العبد باجتنابه في عباداته. ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة،فإن ذلك من تمام التطهير للأعمال خصوصا في الصلاة،التي قال كثير من العلماء: إن إزالة النجاسة عنها شرط من شروط الصلاة. ويحتمل أن المراد بثيابه،الثياب المعروفة،وأنه مأمور بتطهيرها عن [جميع] النجاسات،في جميع الأوقات،خصوصا في الدخول في الصلوات،وإذا كان مأمورا بتطهير الظاهر،فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن. 6- التعوذ والبسملة قبل البدء بالتلاوة.قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (98) سورة النحل. يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ rوَعِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ،عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ rبِأَنْ يَسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ،إِذَا أَرَادُوا قِرَاءَةَ القُرْآنِ . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّه،فَهُوَ أَقْطَعُ." 7- المداومة على قراءة القرآن،بالتزام ورد يومي وإن قلّ،وتجنب هجران القرآن ونسيان تلاوته. عن الْحَسَنَ،قالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " لَوْ أَنَّ قُلُوبَنَا طَهُرَتْ مَا شَبِعْنَا مِنْ كَلَامِ رَبِّنَا،وَإِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمٌ لَا أَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ " وَمَا مَاتَ عُثْمَانُ حَتَّى خُرِقَ مُصْحَفُهُ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُدِيمُ النَّظَرَ فِيهَا " قال تعالى:{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30)} الفرقان. وَقَالَ الرَّسُولُ مُشْتَكِياً إِلَى رَبِّهِ:يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمي اتَّخُذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً،أَيْ أَنَّ قَوْمِي الّذِينَ بَعَثْتَني إِلَيْهِمْ لأَدْعُوَهُمْ إِلى تَوْحِيدِكَ،وَأَمَرْتَني بِإِبْلاَغِ القُرْآنِ إِلَيْهِم،قَدْ هَجرُوا كِتَابَكَ،وَتَرَكُوا الإِيمانَ بِكَ،وَلَمْ يَأَبَهُوا بِوَعِيدِكَ،بل أعْرَضُوا عنِ استماعِهِ واتِّبَاعِهِ . لقد هجروا القرآن الذي نزله اللّه على عبده لينذرهم. ويبصرهم. هجروه فلم يفتحوا له أسماعهم إذ كانوا يتقون أن يجتذبهم فلا يملكون لقلوبهم عنه ردا. وهجروه فلم يتدبروه ليدركوا الحق من خلاله،ويجدوا الهدي على نوره. وهجروه فلم يجعلوه دستور حياتهم،وقد جاء ليكون منهاج حياة يقودها إلى أقوم طريق وعَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ « تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِى عُقُلِهَا » رواه مسلم. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « عُرِضَتْ عَلَىَّ أُجُورُ أُمَّتِى حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَىَّ ذُنُوبُ أَمَّتِى فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا ». 8- الإقبال بشغف وشوق ومحبة على كلام الله تعالى حتى يتملك عليه مشاعره وأحاسيسه،وقلبه وفكره وروحه،ويعين على ذلك طرح كل ما يشغله من أفكار أو كلام أو هموم الحياة الدنيا،وخصوصا في صلاة الليل.قال تعالى:{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ} الزمر 23. اللهُ تَعَالَى أَنْزَلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ قُرْآناً يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً ( مَثَانِيَ )،وَيَتَرَدَّدُ فِيهِ القَوْلُ،مَعَ المَوَاعِظِ والأَحْكَامِ لِيَفْهَمَ النَّاسُ مَا أَرَادَ رَبُّهُمْ تَعَالَى،وَإِذَا تُلِيَتْ مَعَهُ آيَاتُ العَذَابِ والعِقَابِ اقْشَعَرَّتْ لَهَا جُلُودُ الذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ،وَوَجِلَتْ لَهَا قُلُوبُهُمْ،وَإِذَا تُلِيَتْ آيَاتُ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ والثَّوَابِ تَلِينُ قُلُوبُهُمْ،وَتَطَمئِنُّ نُفُوسُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ.وَمَنْ كَانَتْ هَذَهِ صِفَتُهُ فَقَدْ هَدَاهُ اللهُ،وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ،وَمَنْ أَضَلَّهُ اللهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ سَيُعْرِضُ عَنِ الحَقِّ فَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَهْدِيهِ مِنْ دُونِ اللهِ . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:"مَنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآَنَ وَيُعْجِبُهُ فَهُوَ بِخَيْرٍ". وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ،فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآَنَ فَهُوَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ r". رواه الطبراني. 9- تحسين الصوت وتزيينه عند التلاوة،والتغني بالقرآن ليكون أشد وقعا،وأكبر تأثيرا في القلوب. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ - r- يَقُولُ « مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَىْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِىٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ ».متفق عليه. وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ." ابن حبان. وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r-:" مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا ".رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى. وعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ rيُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ." ابن حبان وعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْد،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنَا إِلَى الرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ،مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ." ابن حبان 10- قراءة القرآن حسب قواعد التجويد،وترتيله على النحو الذي وضعه علماء القرآن بتأديته حرفا حرفا،من غير استعجال،وكما ورد عن السلسلة المتصلة بالنبي rفي تلقي |
قال أحدهم:
قد حوى القرآن نورا وهدى ………فعصى القرآن من لا يعقل قل لقوم نبذوا أحكامه ………ما لكم مما نبذتم بدل فاسألوا التاريخ عن قرآنكم ………يوم ضاءت بسناه السبل فكأن الكون أفق أنتم ………فيه بدر كامل لا يأفل أو كأن الكون منكم روضة ………وعلى الأغصان أنتم بلبل إنه كتاب الله،منزلته كمنزلة منزله،وتعظيمه من تعظيم قائله،والأدب معه أدب مع الله سبحانه وحري بالمسلم أن يتعلم هذه الآداب ليلتزمها مع كتاب الله الكريم. 1- أن يقصد بقراءته وجه الله تعالى،وتعلم أحكام كتابه،وتنفيذ أمر ربه بتلاوة القرآن الكريم. قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة. وهذه هي قاعدة دين اللّه على الإطلاق: عبادة اللّه وحده،وإخلاص الدين له،والميل عن الشرك وأهله،وإقامة الصلاة،وإيتاء الزكاة:«وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ» .. عقيدة خالصة في الضمير،وعبادة للّه،تترجم عن هذه العقيدة،وإنفاق للمال في سبيل اللّه،وهو الزكاة .. فمن حقق هذه القواعد،فقد حقق الإيمان كما أمر به أهل الكتاب،وكما هو في دين اللّه على الإطلاق. دين واحد. وعقيدة واحدة،تتوالى بها الرسالات،ويتوافى عليها الرسل .. دين لا غموض فيه ولا تعقيد. وعقيدة لا تدعو إلى تفرق ولا خلاف،وهي بهذه النصاعة،وبهذه البساطة،وبهذا التيسير. فأين هذا من تلك التصورات المعقدة،وذلك الجدل الكثير؟ وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَاصٍّ يَقْرَأُ ثُمَّ سَأَلَ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ فَإِنَّهُ سَيَجِىءُ أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ بِهِ النَّاسَ ». رواه الترمذي. وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ يَتَأَكَّلُ بِهِ النَّاسَ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَوَجْهُهُ عَظْمٌ لَيْسَ عَلَيْهِ لَحْمٌ " " رواه البيهقي. 2- أن يكون على طهارة من الحدثين،فالطهارة من الجنابة والحيض والنفاس فرض لقراءة القرآن أو مس المصحف وحمله. قال تعالى:{ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (80)} الواقعة. إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لقرآن عظيم المنافع،كثير الخير،غزير العلم،في كتاب مَصُون مستور عن أعين الخلق،وهو الكتاب الذي بأيدي الملائكة. لا يَمَسُّ القرآن إلا الملائكة الكرام الذين طهرهم الله من الآفات والذنوب،ولا يَمَسُّه أيضًا إلا المتطهرون من الشرك والجنابة والحدث.وهذا القرآن الكريم منزل من رب العالمين،فهو الحق الذي لا مرية فيه. فعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ،قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ،قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَا وَرَجُلانِ:رَجُلٌ مِنَّا،وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ،أَحْسَبُ فَبَعَثَهُمَا وَجْهًا،وَقَالَ:إِنَّكُمَا عِلْجَانِ فَعَالِجَا عَنْ دِينِكُمَا،ثُمَّ دَخَلَ الْمَخْرَجَ ثُمَّ خَرَجَ،فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَسَّحَ بِهَا ثُمَّ جَاءَ،فَقَرَأَ الْقُرْآنَ قِرَاءَةً فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ،فَقَالَ عَلِيّ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ rيَأْتِي الْخَلاءَ فَيَقْضِي الْحَاجَةَ،ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَأْكُلُ مَعَنَا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ،وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ،وَلا يَحْجُبُهُ عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ،أَوْ إِلا الْجَنَابَةُ " ابن خزيمة. وعَنْ عَلِىٍّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا. وَبِهِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -r- وَالتَّابِعِينَ.قَالُوا يَقْرَأُ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَلاَ يَقْرَأُ فِى الْمُصْحَفِ إِلاَّ وَهُوَ طَاهِرٌ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِىُّ وَالشَّافِعِىُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وعَنْ أَبِي الْغَرِيفِ،قَالَ:أُتِيَ عَلِيٌّ بِوَضُوءٍ،فَمَضْمَضَ،وَاسْتَنْشَقَ ثَلاثًا،وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا،وَغَسَلَ يَدَيْهِ وَذِرَاعَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا،ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ،ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ rتَوَضَّأَ،ثُمَّ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ،ثُمَّ قَالَ:هَذَا لِمَنْ لَيْسَ بِجُنُبٍ فَأَمَّا الْجُنُبُ فَلا،وَلاَ آيَةَ." أحمدرواه أحمد. 3- تنظيف الفم بالسواك وغيره،لأنه مجرى كلام الله تبارك وتعالى. فعَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ قَالَ إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ لِلْقُرْآنِ فَطَيِّبُوهَا بِالسِّوَاكِ." رواه ابن ماجة وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ :« إِنَّ أَفْوَاهَكُمْ طُرُقٌ لِلْقُرْآنِ ؛ فَطَهِّرُوهَا بِالسِّوَاكِ » 4- يستحب للقارئ أن يجلس مستقبلا القبلة إذا تمكن من ذلك،فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: أَكْرَمُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ " الطبراني وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا،وَإِنَّ شَرَفَ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ،وَمَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ،فَكَأَنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ." وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى،قَالَ:إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا،وَأَشْرَفُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتَقْبَلَ بِهِ الْقِبْلَةَ،وقَالَ:مَا رَأَيْت سُفْيَانَ يَجْلِسُ إلاَّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ." وعَنْ مَكْحُولٍ،قَالَ:أَفْضَلُ الْمَجَالِسِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى،قَالَ:لِكُلِّ شَيْءٍ سَيِّدٌ،وَسَيِّدُ الْمَجَالِسِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ. ويجوز أن يقرأ قائما أو ماشيا أو مضجعا أو في فراشه أو في الطريق أو على غير ذلك من الأحوال وله الأجر،وإن كان دون الأول. 5- طهارة المكان والثياب ونظافتهما،والتجمل والتطيب استعدادا لمناجاة الله تعالى بتلاوة كلامه. قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (4) سورة المدثر يحتمل أن المراد بثيابه،أعماله كلها،وبتطهيرها تخليصها والنصح بها،وإيقاعها على أكمل الوجوه،وتنقيتها عن المبطلات والمفسدات،والمنقصات من شر ورياء،[ونفاق]،وعجب،وتكبر،وغفلة،وغير ذلك،مما يؤمر العبد باجتنابه في عباداته. ويدخل في ذلك تطهير الثياب من النجاسة،فإن ذلك من تمام التطهير للأعمال خصوصا في الصلاة،التي قال كثير من العلماء: إن إزالة النجاسة عنها شرط من شروط الصلاة. ويحتمل أن المراد بثيابه،الثياب المعروفة،وأنه مأمور بتطهيرها عن [جميع] النجاسات،في جميع الأوقات،خصوصا في الدخول في الصلوات،وإذا كان مأمورا بتطهير الظاهر،فإن طهارة الظاهر من تمام طهارة الباطن. 6- التعوذ والبسملة قبل البدء بالتلاوة.قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (98) سورة النحل. يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ rوَعِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ،عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ rبِأَنْ يَسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ،إِذَا أَرَادُوا قِرَاءَةَ القُرْآنِ . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّه،فَهُوَ أَقْطَعُ." 7- المداومة على قراءة القرآن،بالتزام ورد يومي وإن قلّ،وتجنب هجران القرآن ونسيان تلاوته. عن الْحَسَنَ،قالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " لَوْ أَنَّ قُلُوبَنَا طَهُرَتْ مَا شَبِعْنَا مِنْ كَلَامِ رَبِّنَا،وَإِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمٌ لَا أَنْظُرُ فِي الْمُصْحَفِ " وَمَا مَاتَ عُثْمَانُ حَتَّى خُرِقَ مُصْحَفُهُ مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يُدِيمُ النَّظَرَ فِيهَا " قال تعالى:{ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30)} الفرقان. وَقَالَ الرَّسُولُ مُشْتَكِياً إِلَى رَبِّهِ:يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمي اتَّخُذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً،أَيْ أَنَّ قَوْمِي الّذِينَ بَعَثْتَني إِلَيْهِمْ لأَدْعُوَهُمْ إِلى تَوْحِيدِكَ،وَأَمَرْتَني بِإِبْلاَغِ القُرْآنِ إِلَيْهِم،قَدْ هَجرُوا كِتَابَكَ،وَتَرَكُوا الإِيمانَ بِكَ،وَلَمْ يَأَبَهُوا بِوَعِيدِكَ،بل أعْرَضُوا عنِ استماعِهِ واتِّبَاعِهِ . لقد هجروا القرآن الذي نزله اللّه على عبده لينذرهم. ويبصرهم. هجروه فلم يفتحوا له أسماعهم إذ كانوا يتقون أن يجتذبهم فلا يملكون لقلوبهم عنه ردا. وهجروه فلم يتدبروه ليدركوا الحق من خلاله،ويجدوا الهدي على نوره. وهجروه فلم يجعلوه دستور حياتهم،وقد جاء ليكون منهاج حياة يقودها إلى أقوم طريق وعَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ « تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِى عُقُلِهَا » رواه مسلم. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « عُرِضَتْ عَلَىَّ أُجُورُ أُمَّتِى حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَىَّ ذُنُوبُ أَمَّتِى فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا ». 8- الإقبال بشغف وشوق ومحبة على كلام الله تعالى حتى يتملك عليه مشاعره وأحاسيسه،وقلبه وفكره وروحه،ويعين على ذلك طرح كل ما يشغله من أفكار أو كلام أو هموم الحياة الدنيا،وخصوصا في صلاة الليل.قال تعالى:{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ اللَّهِ} الزمر 23. اللهُ تَعَالَى أَنْزَلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ قُرْآناً يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً ( مَثَانِيَ )،وَيَتَرَدَّدُ فِيهِ القَوْلُ،مَعَ المَوَاعِظِ والأَحْكَامِ لِيَفْهَمَ النَّاسُ مَا أَرَادَ رَبُّهُمْ تَعَالَى،وَإِذَا تُلِيَتْ مَعَهُ آيَاتُ العَذَابِ والعِقَابِ اقْشَعَرَّتْ لَهَا جُلُودُ الذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ،وَوَجِلَتْ لَهَا قُلُوبُهُمْ،وَإِذَا تُلِيَتْ آيَاتُ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ والثَّوَابِ تَلِينُ قُلُوبُهُمْ،وَتَطَمئِنُّ نُفُوسُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ.وَمَنْ كَانَتْ هَذَهِ صِفَتُهُ فَقَدْ هَدَاهُ اللهُ،وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ،وَمَنْ أَضَلَّهُ اللهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ سَيُعْرِضُ عَنِ الحَقِّ فَلَيْسَ لَهُ مَنْ يَهْدِيهِ مِنْ دُونِ اللهِ . وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:"مَنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآَنَ وَيُعْجِبُهُ فَهُوَ بِخَيْرٍ". وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ،فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآَنَ فَهُوَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ r". رواه الطبراني. 9- تحسين الصوت وتزيينه عند التلاوة،والتغني بالقرآن ليكون أشد وقعا،وأكبر تأثيرا في القلوب. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ - r- يَقُولُ « مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَىْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِىٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ ».متفق عليه. وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ." ابن حبان. وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r-:" مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا ".رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى. وعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الشِّخِّيرِ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ rيُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ." ابن حبان وعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْد،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنَا إِلَى الرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ،مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ." ابن حبان 10- قراءة القرآن حسب قواعد التجويد،وترتيله على النحو الذي وضعه علماء القرآن بتأديته حرفا حرفا،من غير استعجال،وكما ورد عن السلسلة المتصلة بالنبي rفي تلقي |
القرآن الكريم،قال ابن الجزري:
والأخذ بالتجويد حتم لازم ………من لم يجوّد القرآن آثم لأنه به الإله أنزله ………وهكذا منه إلينا وصله وهذا الواجب يتأدى بالتطبيق العملي للأحكام على ما يقرؤه القارئ،ولو كان لا يعلم قواعد التجويد وأحكامه نظرياً،فالمهم أن يقرأ بالترتيل ما أمره الله تعالى،والترتيل هو تجويد الحروف،ومعرفة الوقوف كما قال أهل العلم ،قال تعالى:{ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)} المزمل. وَاقْرَأ القُرْآنَ مُتَمَهِّلاً فِي قِرَاءَتِهِ،لأَنَّ ذَلِكَ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ مَعَانِيهِ وَتَدَبُّرِهِ،وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ( r) يَقْرَأُ القُرْآنَ وعَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ،قَالَ:سَأَلْتُ أُمَّ سَلَمَةَ عَنْ صَلاَةِ،رَسُولِ اللهِ rبِاللَّيْلِ وَقِرَاءَتِهِ،فَقَالَتْ:مَا لَكُمْ وَلِصَلاَتِهِ وَلِقِرَاءَتِهِ ؟ كَانَ يُصَلِّي قَدْرَ مَا يَنَامُ،وَيَنَامُ قَدْرَ مَا يُصَلِّي،وَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا." أحمد. وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِى يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ ». رواه مسلم. 11- التدبّر: تُسَنُّ الْقِرَاءَةُ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ،فَهُوَ الْمَقْصُودُ الأَْعْظَمُ،وَالْمَطْلُوبُ الأَْهَمُّ،وَبِهِ تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ،وَتَسْتَنِيرُ الْقُلُوبُ.قَال تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (سورة ص / 29 ) وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى إلَيْكَ،يَا مُحَمَّدُ،هَذَا القُرْآنِ،وَفِيهِ خَيرٌ وَبَرَكَةٌ،وَنَفْعٌ وَهُدىً لِلنَّاسِ،لِيُرْشدَهُمْ إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ،وَلِيَتَدَبَّرَهُ أُولُو الأَفْهَامِ والعُقُولِ والأَلْبَابِ.وَتَدَبُّرُ القُرْآنِ لاَ يَكُونُ بِحُسْنِ تِلاَوَتِهِ،وَإِنَّما يَكُونَ بِالعَمَلِ بِمَا فِيهِ،واتِّبَاعِ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ أَوَامِرَ،وَالانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ . وَقَال:{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } (سورة محمد / 24 ) أفَلاَ يَتَدبَّرُ المُنَافِقُونَ مَا في القُرآنِ مِنْ مَواعِظَ وَعِبرٍ لِيَعْلَمُوا خَطأ مَا هُمْ مُقِيمُونَ عَلَيهِ،أمْ أنَّ قُلُوبَهمَ وَضَعَ اللهُ عَليهَا أقفالاً فَهِي تَحوُلُ بَيْنَك وَبَينَ فَهْمِ القُرآنِ وَتَدَبُّرِ عِظَاتِهِ؟ وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَشْغَل قَلْبَهُ بِالتَّفَكُّرِ فِي مَعْنَى مَا يَلْفِظُ بِهِ فَيَعْرِفُ مَعْنَى كُل آيَةٍ،وَيَتَأَمَّل الأَْوَامِرَ وَالنَّوَاهِيَ،وَيَعْتَقِدُ قَبُول ذَلِكَ،فَإِنْ كَانَ مِمَّا قَصَّرَ عَنْهُ فِيمَا مَضَى اعْتَذَرَ وَاسْتَغْفَرَ،وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ اسْتَبْشَرَ وَسَأَل،أَوْ عَذَابٍ أَشْفَقَ وَتَعَوَّذَ،أَوْ تَنْزِيهٍ نَزَّهَ وَعَظَّمَ،أَوْ دُعَاءٍ تَضَرَّعَ وَطَلَبَ . إنَّ القرآن آيات بينات تتنزل على قلوب المؤمنين فتغمرها بالسكينة والطمأنينة،وتملؤها بالثقة والثبات وتدبر آيات الله عز وجل ومعرفة مقاصدها ومراميها والوقوف عند عظاتها وعبرها. قال الحسن البصري رحمه الله: "إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم،فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها في النهار". إنها نعمة عظيمة من النعم التي يوفق إليها العبد المسلم حينما يتدبر آيات ربه،ويتفكر في معانيها وفقهها وأسرارها،قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2]. وعَنْ عَلِيٍّ،قَالَ:أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِالْفَقِيهِ حَقِّ الْفِقْهِ ؟ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ،وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللَّهِ،وَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ مَكَرَ اللَّهِ،وَلَمْ يَتْرُكِ الْقُرْآنَ إِلَى غَيْرِهِ.أَلاَ لاَ خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَقُّهٌ،وَلاَ خَيْرَ فِي فِقْهٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ،وَلاَ خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ . وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ،قَالَ:قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ:إِنِّي سَرِيعُ الْقِرَاءَةِ،وَإِنِّي أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثٍ فَقَالَ:" لَأَنْ أَقْرَأَ الْبَقَرَةَ فِي لَيْلَةٍ فَأَدَّبَّرُهَا وَأُرَتِّلُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ كَمَا تَقُولُ " وفي رواية " أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ أَجْمَعَ هَذْرَمَةً " وعَنْ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:مَنْ أَرَاْدَ الْعِلْمَ فَلْيَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَإِنَّ فِيهِ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ." وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ:حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولُ اللَّهِ rأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ rفَلَا يُجَاوِزُونَ الْعَشْرَ حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ قَالَ:فَتَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ وَالْعَمَلَ جَمِيعاً " وقد بات الكثير من السلف يتلو أحدهم آية واحدة ليلة كاملة،يرددها ليتدبر ما فيها،وكلما أعادها انكشف له من معانيها،وظهر له من أنوارها،وفاض عليه من علومها وبركاتها. وقَالَ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ"عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى الْقُرْآنِ فَلَمْ أَجِدْنِي بِآيَةٍ أَشْبَهُ بِهَذِهِ الآيَةِ " {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (102) سورة التوبة ". قال تعالى:{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (29)} ص. وقال عز وجل:{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} محمد. وقال سبحانه:{ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106)} الإسراء. وَآتَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ قُرْآناً نَزَّلْنَاهُ عَلَيْكَ مُفَرَّقاً وَمُنَجَّماً لِتَتْلُوَهُ عَلَى النَّاسِ،وَتُبَلِّغَهُمْ إِيَّاهُ عَلَى مَهْلٍ ( عَلَى مُكْثٍ )،لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ حِفْظِهِ،وَفَهْمِ أَحْكَامِهِ،وَالتَّمَعُّنِ فِيهَا لِتَرْسَخَ فِي عُقُولِهِمْ وَأَفْهَامِهِمْ.وَقَدْ نَزَّلْنَاهُ شَيْئاً فَشَيْئاً بِحَسَبِ الظُّرُوفِ وَالحَوَادِثِ وَالوَقَائِعِ ( نَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً ) . وَفَرَّقْنَاهُ بِالتَّشْدِيدِ - كَذَلِكَ كَانَ يَقْرَؤُهَا ابْنُ عَبَّاسٍ:وَمَعْنَاهَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ آيَةً فَآيَةً مُفَسَّراً وَمُبَيَّناً لِتَتْلُوَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مَهَلٍ،وَتُبْلِغَهُمْ إِيَّاهُ عَلَى مَهَلٍ . وقال عز من قائل:{ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17)}. وَلَقَدْ جَعَلْنا القُرآنَ سَهْلَ المَعْنى،يَسِيرَ اللَّفْظِ،لِيَقْرأَهُ النَّاسُ وَيَتَدَبَّرُوا مَعَانِيَهُ،وَيَتَّعِظُوا بِما جَاءَ فِيهِ،وَلكِنْ هَلْ مَنْ مُتَّعظٍ بِهِ،مُزْدَجرٍ بِهِ عَنْ مَعَاصِيهِ؟ وعَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِىِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَاصِمَ بْنَ حُمَيْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قُمْتُ مَعَ النَّبِىِّ -r- فَبَدَأَ فَاسْتَاكَ وَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فَبَدَأَ فَاسْتَفْتَحَ مِنَ الْبَقَرَةِ لاَ يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلاَّ وَقَفَ وَسَأَلَ وَلاَ يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلاَّ وَقَفَ يَتَعَوَّذُ ثُمَّ رَكَعَ فَمَكَثَ رَاكِعًا بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِى رُكُوعِهِ « سُبْحَانَ ذِى الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ». ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ رُكُوعِهِ يَقُولُ فِى سُجُودِهِ « سُبْحَانَ ذِى الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ». ثُمَّ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ ثُمَّ سُورَةً ثُمَّ سُورَةً فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ. رواه النسائي. وعن جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ،قَالَتْ:خَرَجْنَا عُمَّارًا فَوَرَدْنَا الرِّبْذَةَ فَأَتَيْنَا أَبَا ذَرٍّ،فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ rذَاتَ لَيْلَةٍ الْعِشَاءَ،ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ،فَلَمَّا تَكَفَّأَتْ عَنْهُ الْعُيُونُ رَجَعَ إِلَى مَقَامِهِ فَجِئْتُ فَقُمْتُ خَلْفَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ،فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِيَدِهِ فَقُمْتُ عَنْ يَمِينِهِ،ثُمَّ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَامَ خَلْفَنَا فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ فَقَامَ عَنْ شِمَالِهِ،فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ rحَتَّى أَصْبَحَ يَتْلُو آيَةً وَاحِدَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِهَا وَيَرْكَعُ بِهَا وَيَسْجُدُ بِهَا يَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ إ{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (118) سورة المائدة،فَلَمَّا أَصْبَحَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ rفَعَلَ اللَّيْلَةَ كَذَا وَكَذَا،فَلَوْ سَأَلْتَهُ عَنْ ذَلِكَ،فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ r،قُمْتَ اللَّيْلَةَ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ بِهَا تَرْكَعُ وَبِهَا تَسْجُدُ وَبِهَا تَدْعُو،وَقَدْ عَلَّمَكَ اللَّهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ،قَالَ:" إِنِّي دَعَوْتُ لِأُمَّتِي ". |
12-خشوع القلب،وإطراق الرأس،وسكون الجوارح،واستحضار عظمة منزلة القرآن،والبكاء من خشية الله تعالى،فإن لم يبك فليستجلب البكاء وليحاول ذلك عندما يكون خاليا فإنه أبعد من الرياء..
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r: " اقْرَأْ عَلَيَّ "،فَقُلْتُ:أَقْرَأَهُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟،قَالَ:إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي،فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا،غَمَزَنِي غَامِزٌ،فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا عَيْنَاهُ تَهْمِلَانِ " وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ:قَالَ:كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ بِالْمِئِينَ ؛ بِالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطَهَ وَاقْتَرَبَ،وَنَحْوِهِنَّ مِنَ السُّوَرِ،فَأَتَيْتُ يَوْمًا مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَأَنَا فِي آخِرِ صُفُوفِ الرِّجَالِ مَا يَلِي النِّسَاءَ،وَهُوَ يَقْرَأُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،فَمَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ،وَكَانَ جَهِيرَ الْقِرَاءَةِ،فَبَكَى حَتَّى انْقَطَعَتْ قِرَاءَتُهُ وَحَتَّى سَمِعْتُ نَحِيبَهُ " وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ:" غَلَبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْبُكَاءُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى سَمِعْتُ نَحِيبَهُ مِنْ وَرَاءِ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ " وَعَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمُرُّ بِالْآيَةِ مِنْ وِرْدِهِ بِاللَّيْلِ فَيَبْكِي حَتَّى يَسْقُطَ وَيَبْقَى فِي الْبَيْتِ حَتَّى يُعَادَ لِلْمَرَضِ " وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:" كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ " قال تعالى:{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (21) سورة الحشر. إِنَّ الجَبَلَ لَوْ فَهِمَ هَذَا القُرْآنَ،وَتَدَبَّرَهُ،لَخَشَعَ وَتَصَدَّعَ مِنْ خَوْفِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالبَشَرِ أَنْ لاَ تَلِينَ قُلُوبُهُمْ،وَلاَ تَخْشَعَ وَتَتَصَدَّعَ مِنْ خَشيَةِ اللهِ وَقَدْ فَهِمُوا مَعَانِيَهُ وَتَدَبَّرُوا مَا فِيهِ؟ وَيَضْرِبُ اللهُ تَعَالَى الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لِيُقَرِّبَ مَعَانِيَ القُرْآنِ إِلَى أَفْهَامِهِمْ،لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا وَيَعْتَبِرُونَ . وقال عز وجل: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (83) سورة المائدة. وَإذَا سَمِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنَ القُرْآنِ،وَتُلِيَ عَلَيْهِمُ القُرْآنَ،تُفيِضُ عُيُونُهُمْ بِالدَّمْعِ ( أَيْ يَبْكُونَ حَتَّى يَسيلَ الدَّمعُ مِنْ عُيُونِهِمْ )،لأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ مَا بَيْنَهُ القُرْآنُ هُوَ الحَقُّ،وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ عُتُوٌّ وَلاَ اسْتِكْبَارٌ وَلا تَعَصُّبٌ كَمَا يَمْنَعُ غَيرَهُمْ.وَحِينَ يَسْمَعُونَ الحَقَّ الذِي جَاءَ بِهِ القُرْآنُ،وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا جَاءَ فِي كُتُبِهِمْ،يَتَضَرَّعُونَ إلى اللهِ بِأنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُمْ إيمَانَهُمْ وَأنْ يَكْتُبَهُمْ مَعْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ الذِينَ جَعَلَهُمُ اللهُ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ،لأنَّهُمْ يَعْلمُونَ مِنْ كُتُبِهِمْ،وَمِمَّا يَتَنَاقََلُونَهُ عَنْ أَسْلاَفِهِمْ،أنَّ النَّبِيَّ الأَخِيرَ الذِي يَكْمُلُ بِهِ الدِّيْنُ،وَيَتمُّ التَّشْرِيعُ،يَكُونُ مُتَّبِعُوهُ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ،وَيَكُونُونَ حُجَّةً عَلَى المُشْرِكِينَ وَالمُبْطِلِينَ . وقال سبحانه :{وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا*} (109) سورة الإسراء. وَيَخِرُّونَ سَاجِدِينَ عَلَى ذُقُونِهِمْ ( لِلأَذْقَانِ ) وَيَبْكُونَ خُشُوعاً وَخُضُوعاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَإِيمَاناً وَتَصْدِيقاً بِكِتَابِهِ،وَبِرَسُولِهِ،وَيَزِيدُهُمْ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ( خُشُوعاً ) . وقال سبحانه: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا*} (58) سورة مريم. هَؤُلاَءِ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ قَصَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ rقَصَصَهُمْ،هُمُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ ذُرِيَّةِ آدَمَ وَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَيَعْقُوبَ،وَمَنْ هَدَاهُمْ وَقَرَّبَهُمْ،وَكَانُوا إِذَا سَمِعُوا كَلاَمَ اللهِ المُتَضَمِّنَ حُجَجَهُ وَدَلاَئِلَهُ وَبَرَاهينَهُ،سَجَدُوا لِرَبِّهِمْ خُضُوعاً وَخُشُوعاً وَحَمْداً وَشُكْراً عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ النَّعَمِ العَظِيمَةِ وَهُمْ يَبْكُونَ . وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ،قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ،فَأَتَيْتُهُ مُسَلِّمًا عَلَيْهِ،فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ ؟ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي بَلَغَنِي أَنَّكَ حَسَنُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ،سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ: " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَابْكُوا،فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا وَتَغَنَّوْا بِهِ،فَمَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِهِ فَلَيْسَ مِنَّا ". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ } [النجم: 60] بَكَى أَصْحَابُ الصُّفَّةِ حَتَّى جَرَتْ دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ،فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللهِ rحَنِينَهُمْ بَكَى مَعَهُمْ فَبَكَيْنَا بِبُكَائِهِ فَقَالَ r: " لَا يَلِجُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللهِ،وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مُصِرٌّ عَلَى مَعْصِيَةٍ،وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ " رواه البيهقي. 13- العمل بالقرآن،ائتمارا بأمره،وانتهاء عن نواهيه،وتنفيذا لوصاياه،ووقوفا عند حدوده. عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ:" كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا إِذَا تَعَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ،لَمْ يُجَاوِزْهُنَّ حَتَّى يُعْرَفَ مَعَانِيَهُنَّ وَالْعَمَلَ بِهِنَّ ".". وعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ:لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَأَحَدُنَا يُؤْتَى الإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ،وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ -r- فَيَتَعَلَّمُ حَلاَلَهَا،وَحَرَامَهَا،وَآمِرَهَا،وَزَاجِرَهَا،وَ مَا يَنْبَغِى أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهَا. كَمَا تَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ الْقُرْآنَ،ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالاً يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الإِيمَانِ فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِى مَا آمِرُهُ وَلاَ زَاجِرُهُ وَلاَ مَا يَنْبَغِى أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهُ فَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ." البيهقي قال تعالى:{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} البقرة 121. وَمِنْ أَهْلِ الكِتاب طَائِفَةٌ يَقْرَؤُونَ التَّورَاةَ بِخُشُوعٍ وَإِمْعَانٍ،وَيَتدبَّرُونَ مَعْنَاهَا،وَيَفْقَهُونَ أَسْرَارهَا وَحِكََمَها،وَأُولئِكَ هُمُ الذِينَ يَعْقِلُونَ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ هُوَ الحَقُّ،فَيُؤْمِنُونَ بِهِ،وَيَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ إِلى سَوَاءِ السَّبِيلِ،( كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلاَّمٍ ).وَمَنْ يَكْفُرْ بِمَا أُنْزِلَ إِليكَ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ الحَقُّ،مِنَ الرُّؤَسَاءِ المَعَانِدِينَ،وَالجُهَّالِ المُقَلِّدِينَ،فَأُولئِكَ هُمُ الذِينَ خَسِرُوا سَعَادَةَ الدُّنْيَا،وَالمَجْدَ وَالسِّيَادَةَ التِي يُعْطِيهَا اللهُ مَنْ يَنْصُرُ دِينَهُ . وعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ r: يَا أَبَا ذَرٍّ،لأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ،خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِئَةَ رَكْعَةٍ،وَلأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ،عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ،خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ." رواه ابن ماجه. وعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ،قَالَ:سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرَ فَقِيهٍ،وَمَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ فِقْهُهُ عِلْمُهُ ضَرَّهُ جَهْلُهُ،اقْرَأِ الْقُرْآنَ مَا نَهَاكَ،فَإِذَا لَمْ يَنْهَكَ فَلَسْتَ تَقْرَؤُهُ " رواه الطبراني. وعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ ». رواه الترمذي. 14- قراءة القرآن مع النظر في المصحف،لتجتمع له عبادتا القراءة والنظر،وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: أديموا النظر في المصحف. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " أَعْطُوا أَعْيُنَكُمْ حَظَّهَا مِنَ الْعِبَادَةِ " قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ،وَمَا حَظُّهَا مِنَ الْعِبَادَةِ ؟ قَالَ: " النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ،وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ،وَالِاعْتِبَارُ عِنْدَ عَجَائِبِهِ " رواه البيهقي. 15- الإصغاء والاستماع والإنصات عند تلاوة القرآن،لأن ذلك أدنى للفهم والتأمل بما في آيات الله من وعد ووعيد،وتبشير وتهديد،وحكمة وموعظة،وأمر ونهي،وأقرب لإحراز رحمة الله تعالى: قال تعالى:{ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)} الأعراف. لَمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ القُرْآنَ بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ،أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِالإِنْصَاتِ إِلَيْهِ عِنْدَ تَلاَوَتِهِ للانْتِفَاعِ بِهُدَاهُ،وَإِعْظَاماً لَهُ وَاحْتِرَاماً.فَإِذَا قَرَأَ الإِمَامُ فِي صَلاَةِ الجَهْرِ فَالمُؤْتَمُّونَ بِهِ يَنْصِتُونَ وَلاَ يَقْرَؤُونَ مَعَه . إن الناس يخسرون الخسارة التي لا يعارضها شيء بالانصراف عن هذا القرآن .. وإن الآية الواحدة لتصنع أحيانا في النفس - حين تستمع لها وتنصت - أعاجيب من الانفعال والتأثر والاستجابة والتكيف والرؤية والإدراك،والطمأنينة والراحة،والنقلة البعيدة في المعرفة الواعية المستنيرة .. مما لا يدركه إلا من ذاقه وعرفه! وإن العكوف على هذا القرآن - في وعي وتدبر لا مجرد التلاوة والترنم! - لينشىء في القلب والعقل من الرؤية الواضحة البعيدة المدى ومن المعرفة المطمئنة المستيقنة ومن الحرارة والحيوية والانطلاق! ومن الإيجابية والعزم والتصميم ما لا تدانيه رياضة أخرى أو معرفة أو تجريب! وإن رؤية حقائق الوجود - من خلال التصوير القرآني - وحقائق الحياة،ورؤية الحياة البشرية وطبيعتها وحاجاتها من خلال التقريرات القرآنية،لهي رؤية باهرة واضحة دقيقة عميقة. تهدي إلى معالجتها وإلى مزاولتها بروح أخرى،غير ما توجه إليه سائر التصويرات والتقريرات البشرية ..وهذا كله أرجى إلى الرحمة .. وهو يكون في الصلاة وفي غير الصلاة. وليس هناك ما يخصص هذا التوجيه القرآني العام بالصلاة كما روى القرطبي عن النحاس. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " مَنْ تَلَا آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَمَنِ اسْتَمَعَ لِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً مُضَاعَفَةً " البيهقي. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ مُضَاعَفَةٌ،وَمَنْ تَلاَهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ." أحمد 16- تجنب كل ما يخل بالخشوع مع جلال القرآن أثناء التلاوة أو السماع،كالضحك والتثاؤب والعبث بالثياب أو الأعضاء،وفرقعة الأصابع،والتحدث إلى الآخرين دون حاجة.. إلخ ويمسك عن القراءة إذا غلبه التثاؤب لأنه في حضرة الخطاب الإلهي،والتثاؤب من الشيطان. |
عن مجاهد قال:« إذا تثاءبت وأنت تقرأ،فأمسك عن القراءة حتى يذهب عنك ».
وعن عكرمة،قال:« إذا تثاءب أحدكم وهو يقرأ القرآن فليسكت،ولا يقل هاها وهو يقرأ » يريد أن في ذلك الفعل إجلالا للقرآن 17- العمل على حفظ القرآن الكريم واستظهاره،وإن من أعظم النعم الإلهية أن جعل الله تعالى قلوب عباده المؤمنين أوعية لكلامه،وصدورهم خزائن لآياته،يتلونها آناء الليل وأطراف النهار. إنَّ حِفْظَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَرْضٌ،وَحِفْظَ الْفَاتِحَةِ مَعَ سُورَةٍ وَاجِبٌ،وَحِفْظَ سَائِرِ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ،وَسُنَّةُ الْعَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّفْلِ،وَعَنْ الْكُبْرَى التَّعَلُّمُ أَوْلَى مِنْ حِفْظِ بِوَاقِي الْقُرْآنِ. وَنِسْيَان الْقُرْآن مِنْ أَعْظَم الْمَصَائِب وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي،حَتَّى الْقَذَاةِ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ،وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي،فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ،أَوْ آيَةٍ،أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا. فِي إِسْنَاده ضَعْف.وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن أَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْه آخَر مُرْسَل عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُغِيثٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: عُرِضَتْ عَلَيَّ الذُّنُوبُ فَلَمْ أَرَ فِيهَا شَيْئًا أَعْظَمَ مِنْ حَامِلِ الْقُرْآنِ وَتَارِكِهِ. وَمِنْ طَرِيق أَبِي الْعَالِيَة مَوْقُوفًا " كُنَّا نَعُدُّ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنَامُ عَنْهُ،(حَتَّى يَنْسَاهُ) " وَإِسْنَاده جَيِّد.وَمِنْ طَرِيق اِبْن سِيرِينَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح الَّذِي يَنْسَى الْقُرْآن كَانُوا يَكْرَهُونَهُ وَيَقُولُونَ فِيهِ قَوْلًا شَدِيدًا،وَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعْد بْن عُبَادَةَ مَرْفُوعًا " مَا مِنْ أَحَدٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ،ثُمَّ يَنْسَاهُ إِلاَّ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ " وَفِي إِسْنَاده أَيْضًا مَقَال،وَقَدْ قَالَ بِهِ مِنْ الشَّافِعِيَّة أَبُو الْمَكَارِم وَالرُّويَانِيّ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْإِعْرَاض عَنِ التِّلَاوَة يَتَسَبَّب عَنْهُ نِسْيَان الْقُرْآن،وَنِسْيَانه يَدُلّ عَلَى عَدَم الِاعْتِنَاء بِهِ وَالتَّهَاوُن بِأَمْرِهِ . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ:مَنْ حَفِظَ الْقُرْآن أَوْ بَعْضه فَقَدْ عَلَتْ رُتْبَته بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظهُ،فَإِذَا أَخَلَّ بِهَذِهِ الرُّتْبَة الدِّينِيَّة حَتَّى تَزَحْزَحَ عَنْهَا نَاسَبَ أَنْ يُعَاقَب عَلَى ذَلِكَ،فَإِنَّ تَرْكَ مُعَاهَدَة الْقُرْآن يُفْضِي إِلَى الرُّجُوع إِلَى الْجَهْل،وَالرُّجُوع إِلَى الْجَهْل بَعْد الْعِلْم شَدِيد.وَقَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ:يُكْرَه لِلرَّجُلِ أَنْ يَمُرّ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا لَا يَقْرَأ فِيهَا الْقُرْآن . قال تعالى:{ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} العنكبوت 49. وَهذا القُرآنُ آياتٌ بَيِّنَاتٌ،وَاضِحَاتُ الدَّلاَلَةِ عَلَى الحَقِّ،يَحْفَظُهُ العُلَمَاءُ،وَقَدْ يَسَّرَهُ اللهُ حِفْظاً وَتِلاَوَةً،وَمَا يُكَذِّبُ بِآيَاتِ اللهِ وَيرْفُضُها،وَيَبْخَسُهَا حَقَّها إلا المُعْتَدُونَ الظَّالِمُونَ،الذِينَ يَعْلَمُونَ الحَقَّ وَيَحيدُونَ عَنْهُ . عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ،حَدَّثَنَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ: " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَاسْتَظْهَرَهُ وَحَفِظَهُ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ وَشَفَّعَهُ فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ،كُلُّهُمْ قَدْ وَجَبَتْ لَهُمُ النَّارُ " رواه الترمذي. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « إِنَّ الَّذِى لَيْسَ فِى جَوْفِهِ شَىْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ ». رواه الترمذي. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:الرَّجُلُ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَربِ." وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " أَشْرَافُ أُمَّتِي حَمَلَةُ الْقُرْآنِ وَأَصْحَابُ اللَّيْلِ " البيهقي رواه البيهقي. 18- التأدب بآداب الحفظة إذا منّ الله عليه بحفظ كتابه،وإلا سلبت منه هذه الفضيلة العظمى،قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ،إِلَى الْخَلِيفَةِ فَمَنْ دُونَ،وَأَنْ تَكُونَ حَوَائِجُ الْخَلْقِ إِلَيْهِ،قَالَ:سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ يَقُولُ:حَامِلُ الْقُرْآنِ حَامِلُ رَايَةِ الْإِسْلَامِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَلْغُوَ مَعَ مَنْ يَلْغُو،وَلَا يَسْهُوَ مَعَ مَنْ يَسْهُو،وَلَا يَلْهُوَ " قَالَ:وَسَمِعْتُ الْفُضَيْلَ يَقُولُ:إِنَّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآَنُ لِيُعْمَلَ بِهِ،فَاتَّخَذَ النَّاسُ قِرَاءَتَهُ عَمَلًا،أَيْ لِيُحِلُّوا حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ،وَيَقِفُوا عِنْدَ مُتَشَابِهِهِ ". وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ:يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إذَا النَّاسُ نَائِمُونَ،وَبِنَهَارِهِ إذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ،وَبِحُزْنِهِ إذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ،وَبِبُكَائِهِ إذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ،وَبِصَمْتِهِ إذَا النَّاسُ يَخْلِطُونَ،وَبِخُشُوعِهِ إذَا النَّاسُ يَخْتَالُونَ،وَيَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ بَاكِيًا مَحْزُونًا حَلِيمًا حَكِيمًا سِكِّيتًا،وَلاَ يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ،قَالَ أَبُو بَكْرٍ ذَكَرَ كَلِمَةً،لاَ صَخَّابًا،وَلاَ صَيَّاحًا،وَلاَ حَدِيدًا.". وعن زَيْدَ بْنِ حُبَابٍ،قَالَ:سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ،يَقُولُ:يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلَهِ إِذَا النَّاسُ نَائِمُونَ،وَبِنَهَارِهِ إِذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ،وَبِبُكَائِهِ إِذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ،وَبِحُزْنِهِ إِذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ " وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،أَنّ رَسُولَ اللَّهِ rقَالَ:مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَقَدِ اسْتَدَرَجَ النُّبُوَّةَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُوحَى إِلَيْهِ،لاَ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ أَنْ يَجِدَّ مَعَ جِدٍّ،وَلا يَجْهَلَ مَعَ جَهْلٍ وَفِي جَوْفِهِ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى " رواه الحاكم. 19- إن مما يعين على حفظ القرآن الكريم الابتداء بحفظه منذ الصغر،وتفريغ الذهن له باعتنام الأوقات المباركة في الأسحار،وترتيله والتغني به في صلاة الليل،وسماعه من أفواه المقرئين المجيدين ومحاولة تقليد أحدهم،وتدبر المعنى ومعرفة أسباب النزول،وتجزيء القرآن إلى أرباع أحزاب ووضع برنامج محدد للحفظ،والمحافظة على الورد اليومي مهما كانت الأعذار،والتزام معلم للقرآن يسمع منه ما حفظه كل يوم،والتكرار الكثير وعدم الملل أو اليأس إذا صعبت عليه بعض الآيات،والحفظ في مصحف معين والالتزام به ويفضل مصحف الحفاظ،وسؤال الله تعالى بالصدق والعزم أن يكرمه بحفظظ كتابه،والتقوى وتطهير النفس والقلب مما سوى الله. عَنْ عُبَيْدَةَ الْمُلَيْكِيِّ،وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ،لَا تَوَسَّدُوا الْقُرْآنَ وَاتْلُوهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَفْشُوهُ،وَتَغَنَّوْهُ وَتَدَبَّرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ،وَلَا تَعْجَلُوا تِلَاوَتَهُ فَإِنَّ لَهُ ثَوَابًا " رواه البيهقي وأبو نعيم. 20 - الحرص على الحفظ من النسيان،بالتلاوة المستمرة،والتكرار اليومي للمحفوظات من القرآن الكريم،واجتناب الذنوب والمحرمات،لأن القرآن لا يستقر في القلوب الغافلة. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « عُرِضَتْ عَلَىَّ أُجُورُ أُمَّتِى حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَىَّ ذُنُوبُ أُمَّتِى فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا ». رواه الترمذي وأبو داود. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِ كَصَاحِبِ الإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ،إِنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أَمْسَكَهَا،وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ." رواه مسلم. 21-إجابة بعض الآيات عند سماعها أو تلاوتها ببعض الأكار أو الكلمات الواردة ومنها بعد { يا أيها الذين آمنوا..} يقول: لبيك ربي وسعديك بعد الفاتحة يقول: آمين بعد البقرة يقول: آمين بعد كل آية {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (13) سورة الرحمن يقول: ولا بشيء من نعمك نكذب فلك الحمد. بعد القيامة يقول: بلى هو قادر. بعد الملك يقول: الله رب العالمين. بعد المرسلات يقول: آمنت بالله. بعد { سبّح اسم ربك الأعلى} يسبّح ثلاثا. بعد { فألهمهما فجورها وتقواها} يقول: اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ rإِذَا مَرَّ بِهَذِهِ الآيَةِ "وَنَفَسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا"[الشمس آية 7] وَقَفَ،ثُمَّ قَالَ:اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا وَخَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا. بعد التين يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ،سَمِعَهُ مِنْ شَيْخٍ،فَقَالَ مَرَّةً:سَمِعْتُهُ مِنْ رَجُلٍ،مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَعْرَابِيٍّ،سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ قَرَأَ:وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا فَقَالَ:{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}،فَلْيَقُلْ:آمَنَّا بِاللَّهِ،وَمَنْ قَرَأَ:{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ}،فَلْيَقُلْ:بَلَى،وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ،وَمَنْ قَرَأَ:{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}،فَلْيَقُلْ:بَلَى. قَالَ إِسْمَاعِيلُ:فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ هَلْ حَفِظَ ؟ وَكَانَ أَعْرَابِيًّا،فَقَالَ:يَا ابْنَ أَخِي،أَظَنَنْتَ أَنِّي لَمْ أَحْفَظْهُ لَقَدْ حَجَجْتُ سِتِّينَ حَجَّةً،مَا مِنْهَا سَنَةٌ،إِلاَّ أَعْرِفُ الْبَعِيرَ الَّذِي حَجَجْتُ عَلَيْهِ." بعد {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (56) سورة الأحزاب،يصلي على النبي r. بعد آية سجدة يسجد إن كان متوضأ،وإلا قال ( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله،والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ثلاثا. وبعد آية تنزيه: يسبح،وبعد آية دعاء يدعو وينيب،وبعد آية استغفار يستغفر ويتوب.. 22-الدعاء بعد كل تلاوة بما يتناسب والآيات التي تلاها،ويتأكد الدعاء بعد ختم القرآن الكريم فهو مظنة الاستجابة،عَنِ الْحَكَمِ،قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ مُجَاهِدٌ،وَعَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ،قَالَا: إِنَّمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ أَنَّا نُرِيدُ أَنْ نَخْتِمَ الْقُرْآنَ،وَكَانَ يُقَالُ: " إِنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ،فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ خَتْمِ الْقُرْآنِ دَعَوْا بِدَعَوَاتٍ " وعَنْ أَنَسٍ،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ: " مَعَ كُلِّ خَتْمَةٍ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ " وعَنِ الْعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"مَنْ صَلَّى صَلاةَ فَرِيضَةٍ فَلَهُ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ،وَمَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فَلَهُ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ" وعَنْ ثَابِتٍ،أَنَّ أَنَسَ بن مَالِكٍ،كَانَ إِذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ،فَدَعَا لَهُمْ ." الطبراني وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَمِدَ الرَّبَّ،وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ r،وَاَسْتَغْفَرَ رَبَّهُ فَقَدْ طَلَبَ الْخَيْرَ مَكَانَهُ " رواه البيهقي. 23- يسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في ختمة جديدة مباشرة ليكون متواصل القراءة دون فترة أو مهلة أو تقاعس بعد الختمة.. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ « الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ ». قَالَ وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ « الَّذِى يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ ». رواه الترمذي. |
فضائل بعض سور القرآن الكريم
سورة الفاتحة: عَنْ أَبِى سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّى فَدَعَانِى النَّبِىُّ - r- فَلَمْ أُجِبْهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى كُنْتُ أُصَلِّى.قَالَ « أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ ( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ ) ثُمَّ قَالَ أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِى الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ ».فَأَخَذَ بِيَدِى فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ لأُعَلِّمَنَّكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ.قَالَ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) هِىَ السَّبْعُ الْمَثَانِى وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِى أُوتِيتُهُ ».رواه البخاري. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ « مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهْىَ خِدَاجٌ - ثَلاَثًا - غَيْرُ تَمَامٍ ». فَقِيلَ لأَبِى هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الإِمَامِ. فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِى نَفْسِكَ فَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِى عَبْدِى وَإِذَا قَالَ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ). قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَثْنَى عَلَىَّ عَبْدِى. وَإِذَا قَالَ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). قَالَ مَجَّدَنِى عَبْدِى - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَىَّ عَبْدِى - فَإِذَا قَالَ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ). قَالَ هَذَا بَيْنِى وَبَيْنَ عَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ). قَالَ هَذَا لِعَبْدِى وَلِعَبْدِى مَا سَأَلَ ». وعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- :« فَاتِحَةُ الْكِتَابِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ ». وتسمى سورة الفاتحة بسورة ( أم الكتاب،وسورة الصلاة،وسورة المناجاة،وسورة الكافية،وسورة الشافية).. سورة البقرة وآل عمران: عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلاَّمٍ يَقُولُ حَدَّثَنِى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِىُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ « اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ». قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِى أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ. رواه مسلم. الغياية: هي ما أظلك من فوقك،البطلة: أي السحرة،فهي حصن منهم. وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا،وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ،مَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْتِهِ لَيْلاً لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلاَثَ لَيَالٍ،وَمَنْ قَرَأَهَا نَهَارًا لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ." وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ r،قَالَ:لاَ تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ،صَلُّوا فِيهَا،فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَفِرُّ مِنَ الْبَيْتِ يَسْمَعُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُقْرَأُ فِيهِ" وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ،قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " اسْمُ اللهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ { الم اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [آل عمران: 2] { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [البقرة: 163] " وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ،أَنَّ النَّبِيَّ rسَأْلَهُ:" أَيَّةُ آيَةٍ فِي الْكِتَابِ أَعْظَمُ؟" قَالَ أُبِيٌّ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ،قَالَ: فَرَدَّهَا مِرَارًا،ثُمَّ قَالَ أُبَيٌّ: آيَةُ الْكُرْسِيِّ،فَقَالَ النَّبِيُّ r:" ليَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ،إِنَّ لَهَا لِسَانًا،وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ" وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " أَبَا الْمُنْذِرِ،أَيَّةُ آيَةٍ مَعَكَ أَعْظَمُ مِنْ كِتَابِ اللهِ ؟ " قَالَ: قُلْتُ: { اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [البقرة: 255] قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي فَقَالَ: " لِيَهْنِ الْعِلْمُ لَكَ أَبَا الْمُنْذِرِ،فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لِهَذِهِ الْآيَةِ لِسَانًا،وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ " وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ وَكَّلَنِى رَسُولُ اللَّهِ - r- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ،فَأَتَانِى آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ،فَأَخَذْتُهُ،وَقُلْتُ وَاللَّهِ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - r-.قَالَ إِنِّى مُحْتَاجٌ،وَعَلَىَّ عِيَالٌ،وَلِى حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ.قَالَ فَخَلَّيْتُ عَنْهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِىُّ - r- « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ».قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً فَرَحِمْتُهُ،فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ.قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ ».فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - r- إِنَّهُ سَيَعُودُ.فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - r-.قَالَ دَعْنِى فَإِنِّى مُحْتَاجٌ،وَعَلَىَّ عِيَالٌ لاَ أَعُودُ،فَرَحِمْتُهُ،فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ،فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - r- « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ،مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ ».قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً،فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ.قَالَ « أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ ».فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ،فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - r-،وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ.قَالَ دَعْنِى أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا.قُلْتُ مَا هُوَ قَالَ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ،فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ.فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ،فَقَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ - r- « مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ».قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِى كَلِمَاتٍ،يَنْفَعُنِى اللَّهُ بِهَا،فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ.قَالَ « مَا هِىَ ».قُلْتُ قَالَ لِى إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِىِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ ( اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ ) وَقَالَ لِى لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ،وَكَانُوا أَحْرَصَ شَىْءٍ عَلَى الْخَيْرِ.فَقَالَ النَّبِىُّ - r- « أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ،تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ».قَالَ لاَ.قَالَ « ذَاكَ شَيْطَانٌ » . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ: " سُورَةُ الْبَقَرَةِ فِيهَا آيَةٌ سَيِّدةُ آيِ الْقُرْآنِ لَا تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ،فِيهِ شَيْطَانٌ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ آيَةُ الْكُرْسِيِّ " وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ،قَالَ:لَقِيتُ أَبَا مَسْعُودٍ فِي الطَّوَافِ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ،فَحَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ." وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ:أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:الآيَتَانِ خُتِمَ بِهِمَا سُورَةُ الْبَقَرَةِ لاَ تُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ،فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ." وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى،حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ،قَالَ:كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ rفَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ:يَا نَبِيَّ اللهِ،إِنَّ لِي أَخًا وَبِهِ وَجَعٌ قَالَ:وَمَا وَجَعُهُ ؟ قَالَ:بِهِ لَمَمٌ،قَالَ:فَأْتِنِي بِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَوَّذَهُ النَّبِيُّ rبِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ،وَأَرْبَعِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ،وَهَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ،وَثَلاَثِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ،وَآيَةٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}،وَآيَةٍ مِنَ الأَعْرَافِ {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}،وَآخِرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}،وَآيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْجِنِّ {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا}،وَعَشْرِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الصَّافَّاتِ،وَثَلاَثِ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ،وَ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ.فَقَامَ الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَشْتَكِ قَطُّ. " سورة الكهف: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّ النَّبِيَّ r،قَالَ:إِنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ " الحاكم. وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ." ابن حبان وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ." وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ: مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ " |
سورة يس:
عَنْ جُنْدُبٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ قَرَأَ يس فِي لَيْلَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ غُفِرَ لَهُ." وعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ قَالَ بَلَغَنِى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ :« مَنْ قَرَأَ يس فِى صَدْرِ النَّهَارِ قُضِيَتْ حَوَائِجُهُ ». وعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- :« إِنَّ لِكُلِّ شَىْءٍ قَلْباً،وَإِنَّ قَلْبَ الْقُرْآنِ يس،مَنْ قَرَأَهَا فَكَأَنَّمَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَشْرَ مَرَّاتٍ ». وعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:مَنْ قَرَأَ يس حِينَ يُصْبِحُ أُعْطِىَ يُسْرَ يَوْمِهِ حَتَّى يُمْسِىَ،وَمَنْ قَرَأَهَا فِى صَدْرِ لَيْلِهِ أُعْطِىَ يُسْرَ لَيْلَتِهِ حَتَّى يُصْبِحَ." سورة الواقعة: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فَاقَةٌ أَبَدًا " وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَأْمُرُ بَنَاتِهِ يَقْرَأْنَ بها كُلَّ لَيْلَةٍ " رواه البيهقي. سورة تبارك: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ r،قَالَ:إِنَّ سُورَةً فِي الْقُرْآنِ ثَلاَثُونَ آيَةً تَسْتَغْفِرُ لِصَاحِبِهَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:] ؟ فَأَقَرَّ بِهِ أَبُو أُسَامَةَ وَقَالَ:نَعَمْ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:سُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ،ثَلاَثُونَ آيَةً،تَسْتَغْفِرُ لِصَاحِبِهَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ:تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ: ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ rخِبَاءً عَلَى قَبْرٍ،وَلا يَحْسَبُ أَنَّهُ قَبْرٌ،فَإِذَا هُوَ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ: "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ"[الملك آية 1]،حَتَّى خَتَمَهَا،فَأَتَى النَّبِيَّ r, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ضَرَبْتُ خِبَائِي عَلَى قَبْرٍ،وَأَنَا لا أَحْسَبُ أَنَّهُ قَبْرٌ،فَإِذَا إِنْسَانٌ يَقْرَأُ: "تَبَارَكَ" حَتَّى خَتَمَهَا،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. سورة قل يا ايها الكافرون : عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيِّ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ rفَقُلْتُ:يَا نَبِيَّ اللهِ،عَلِّمْنِي شَيْئًا أَقُولُهُ إِذَا أَوَيْتُ إِلَى فِرَاشِي،قَالَ:اقْرَأْ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. وعَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:هَلْ لَكَ فِي رَبِيبَةٍ يَكْفُلُهَا رَبِيبٌ ؟ قَالَ:ثُمَّ جَاءَ فَسَأَلَهُ النَّبِيُّ r،فَقَالَ:تَرَكْتُهَا عِنْدَ أُمِّهَا،قَالَ:فَمَجِيءٌ مَا جَاءَ بِكَ ؟ قَالَ:جِئْتُ لِتُعَلِّمَنِي شَيْئًا أَقُولُهُ عِنْدَ مَنَامِي،قَالَ:اقْرَأْ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:]،ثُمَّ نَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا،فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ." سورة الإخلاص: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ:أَنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:] يُرَدِّدُهَا،فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى رَسُولَ اللهِ rفَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ،فَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ r: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ." وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ رَجُلاً،قَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنِّي أُحِبُّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،فَقَالَ النَّبِيُّ r: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ. وعَنْ عَائِشَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rبَعَثَ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ،فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ،فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ r،فَقَالَ:سَلُوهُ لأَيِّ شَيْءٍ صَنَعَ هَذَا ؟ فَسَأَلُوهُ،فَقَالَ:أَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَهَا،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ. وعَنْ أَنَسٍ،أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَلْزَمُ قِرَاءَةَ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:] فِي الصَّلاَةِ مَعَ كُلِّ سُورَةٍ،وَهُوَ يَؤُمُّ بِأَصْحَابِهِ،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ rفِيهِ،فَقَالَ:إِنِّي أُحِبُّهَا،قَالَ:حُبُّهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ. المعوذتان: عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ:تَبِعْتُ النَّبِيَّ rيَوْمًا وَهُوَ رَاكِبٌ،فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى يَدِهِ،فَقُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَقْرِئْنِي مِنْ سُورَةِ هُودٍ وَمِنْ سُورَةِ يُوسُفَ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّكَ لَنْ تَقْرَأَ شَيْئًا أَبْلَغَ عِنْدَ اللهِ مِنْ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ. وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ». رواه مسلم وعَنْ جَابِرٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: اقْرَأْ يَا جَابِرُ،قَالَ:قُلْتُ:مَا أَقْرَأُ بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ ؟ قَالَ:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:] وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:]،فَقَرَأْتُهُمَا،فَقَالَ rاقْرَأْ بِهِمَا،وَلَنْ تَقْرَأَ بِمِثْلِهِمَا.". وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا. " رواه الترمذي. وينبغي لمن لا يطيق حفظ القرآن الكريم كاملا،أن يحاول حفظ بعض السور الفضيلة وقراءتها في الصلوات،وعند الصباح والمساء ومنها: الكهف ويس والدخان والرحمن والواقعة والملك وجزء عم. ____________ -27-آداب ذكر الله تعالى ذكر الله تعالى هو روح جميع العبادات،وهو المقصود من كل الطاعات والقربات،وهو أفضل من جميع الأعمال الصالحات،وهو منتهى حياة المؤمن ونورها وغايتها وخلاصتها في الدنيا والآخرة. قال تعالى:{ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } العنكبوت 45. يَأْمُرُ اللهُ تَعالى المُؤمنينَ،وَهُوَ يُوَجِّهُ خِطَابَهُ لِرَسُولِهِ r،بِتِلاَوَةِ القُرآنِ،وإِقَامَةِ الصَّلاةِ،فَقَالَ تعالى: وَأدِمْ تِلاَوَةَ القُرآنِ تَقَرُّباً إِلى اللهِ تَعَالى بِتلاَوتِهِ،وَتَذكُّراً لمَا فيهِ منَ الأَسْرَارِ والفَوائِدِ،واعْمَلْ بمَا فيهِ من الأوامرِ والآداب وَمَحاسِنِ الأخْلاَقِ،وأقِمِ الصَّلاةَ،وأدِّهَا عَلَى الوَجهِ الأكمْلِ بخُشُوعِها وَرُكُوعِها وسُجُودِهَا،لأَنَّ الصَّلاَةَ إِنْ تَمَّتْ عَلَى الوَجهِ الأكْمَلِ كَانَتْ لَها فَائِدَتَانِ: - أَنها تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ والبَغْيِ وَتَحْمِلُ المُؤْمِنَ عَلى مُجَانِبَتِها،وَتركِها لِمُنَافَاةِ الصَّلاةِ لفِعْلِ الفَاحِشَةِ والمُنكَر والبَغْيِ . - وفِيها فَائِدَةٌ أَعْظَمُ،أَلا وهي ذِكرُ اللهِ لِعِبَادِهِ الذينَ يذكُرُونَهُ،ويُؤدُّونَ الصّلاةَ بشُرُوطِها،ويُسَبِّحُونه ويَحْمَدُونَهُ،واللهُ تَعَالى يَعلَمُ ما تَفْعَلُونَ مِنْ خَيرٍ وشَرٍ،وهوَ مُجَازِيكُمْ بهِ . وقال سبحانه { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } طه 14. إِنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ لِلْمُكَلَّفِ هُوَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ،لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَهُوَ رَبُّ المَخْلُوقَاتِ وَخَالِقُهَا،وَالمُتَصَرِّفُ فِيهَا،فَقُمْ يَا مُوسَى بِعِبَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ،وَأَدِّ الصَّلاَةَ عَلَى الوَجْهِ الأَكْمَلِ الَّذِي أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ،بِكَامِلِ شُرُوطِهَا لِتَذْكُرَ بِهَا رَبَّكَ.وَتَدْعُوهُ دُعاءً خَالِصاً لاَ يَشُوبُهُ إِشْرَاكٌ . وقال:{ وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} البقرة 203. واذكروا الله تسبيحًا وتكبيرًا في أيام قلائل،وهي أيام التشريق: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة. عَنْ سَهْلِ بن مُعَاذِ بن أَنَسٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَن ْرَسُولِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا سَأَلَهُ،فَقَالَ: أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ:"أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا"،قَالَ: وَأَيُّ الصَّائِمِينَ أَعْظَمُ لِلَّهِ أَجْرًا؟ قَالَ:"أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا"،ثُمَّ ذَكَرَ الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ،كُلُّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ rيَقُولُ:"أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا"،فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:"يَا أَبَا حَفْصٍ ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ بِكُلِّ خَيْرٍ"،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"أَجَلْ" رواه الطبراني. وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ -r- « أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِى دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى ». فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضى الله عنه مَا شَىْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ." رواه الترمذي وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ:سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ r: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ ؟ قَالَ:أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ." رواه ابن حبان . ولكل عبادة من العبادات وقت معيبن وشروط محددة،ولكن ذكر الله تعالى لا يحدده مكان،ولا يحدده زمان،ولكنه مطلوب على جميع الأحوال،وفي كل الأوقات،قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (191) سورة آل عمران. يَصِفُ اللهُ تَعَالَى أُوْلِي الأَلْبَابِ فَيَقُولُ عَنْهُمْ:إِنَّهُمُ الذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قَائِمِينَ وَقَاعِدِينَ وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَلاَ يَقْطَعُونَ ذِكْرَ اللهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ،بِسَرَائِرِهِمْ،وَأَلْسِنَتِهِمْ...و َيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لِيَفْهَمُوا مَا فِيهَا مِنْ أَسْرَارِ خَلِيقَتِهِ،وَمِنْ حِكَمٍ وَعِبَرٍ وَعِظَاتٍ،تَدُلُ عَلَى الخَالِقِ،وَقُدْرَتِهِ،وَحِكْمَتِهِ،ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَكَ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا الخَلْقَ عَبَثاً وَبَاطِلاً،رَبَّنَا تَنَزَّهْتَ عَنِ العَبَثِ وَالبَاطِلِ،وَإنَّمَا خَلَقْتَهُ بِالحَقِّ،وَالإِنْسَانِ مِنْ بَعْضِ خَلْقِكَ لَمْ تَخْلُقْهُ عَبَثاً،وَإِنَّمَا خَلَقْتَهُ لِحِكْمَةٍ.وَمَتَى حُشِرَ الخَلْقُ إلَيكَ حَاسَبْتَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ،فَتَجْزِي الذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا،وَتَجْزِي الذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.ثُمَّ يُتِمُّونَ دُعَاءَهُمْ سَائِلِينَ رَبَّهُمْ أنْ يَقِيَهُمْ عَذابَ النَّارِ ولم يطلب الله سبحانه من عبادة الإكثار من شيء،إلا ذكر الله فقال:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)} الأحزاب. يَأْمُرُ اللهُ تَعَالى المُؤْمِنينَ مِنْ عِبَادِهِ بِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ،فَهُوَ المُنْعِمُ المُتَفَضِّلُ عَلَيهِمْ،لِمَا لَهُمْ فِي ذِكْرِ اللهِ مِنْ عَظيمِ الثَّوابِ.وَيَأْمُرُهُمْ تَعَالى أَيضاً بِتَنْزِيهِهِ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بَيْنَ طَرَفَيِ النَّهَارِ:فِي البُكُورِ عِنْدَ القِيامِ مِنَ النَّومِ،وَوَقْتِ الأَصِيلِ،وَقْتِ الانْتِهَاءِ مِنَ العَمَلِ اليَومِيِّ،فَيَكُونُ الذِّكْرُ فِي الصَّبَاحِ شُكْراً للهِ عَلى بَعْثِ الإِنسْانِ مِنْ رُقَادِهِ،وَفِي المَسَاء شُكْراً لَهُ عَلى تِوفِيقِه لأَداءِ العَمَلِ،والقِيَامِ بالسَّعِي لِلْحُصُولِ عَلَى الرِّزْقِ . وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} (45) سورة الأنفال يَحُثُّ اللهُ المُؤْمِنِينَ عَلَى الثَّبَاتِ عِنْدَ لِقَاءِ الأَعْدَاءِ فِي سَاحَةِ الحَرْبِ،وَيَأمُرُهُمْ بِذِكِرِ اللهِ عِنْدَ الشَّدَائِدِ،لِتَقْوَى قُلُوبُهُمْ،وَتَثْبُتَ نُفُوسُهُمْ،وَهَذَانِ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ الفَوْزِ وَالنَّصْرِ عَلَى الأَعْدَاءِ فِي الدُّنْيا،وَمِنْ أَسْبَابِ الفَوْزِ بِالفَلاَحِ وَبِرِضْوَانِ اللهِ فِي الآخِرَةِ . وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (35) سورة الأحزاب. إن المنقادين لأوامر الله والمنقادات،والمصَدِّقين والمصدِّقات والمطيعين لله ورسوله والمطيعات،والصادقين في أقوالهم والصادقات،والصابرين عن الشهوات وعلى الطاعات وعلى المكاره والصابرات،والخائفين من الله والخائفات،والمتصدقين بالفرض والنَّفْل والمتصدقات،والصائمين في الفرض والنَّفْل والصائمات،والحافظين فروجهم عن الزنى ومقدماته،وعن كشف العورات والحافظات،والذاكرين الله كثيرًا بقلوبهم وألسنتهم والذاكرات،أعدَّ الله لهؤلاء مغفرة لذنوبهم وثوابًا عظيمًا،وهو الجنة. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَسِيرُ فِى طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ فَقَالَ « سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ». قَالُوا وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ». رواه مسلم وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ عَلَى شَيْءٍ إِلاَّ سَاعَةً مَرَّتْ بِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا." وعَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا" بل إنه جعل إحدى علامات المنافقين أنهم يذكرون الله تعالى ولكنه الذكر القليل الذي لا يثمر محبة،ولا يورث خشية،ولا يحدث تقوى ولا إيمانا قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} (142) سورة النساء. يَعْتَقِدُ المُنَافِقُونَ،جَهْلاً مِنْهُمْ وَسَفْهاً،أنَّ أُمُورَهُمْ رَاجَتْ عِنْدَ النَّاسِ لِمَا أَظْهَرُوهُ لَهُمْ مِنَ الإِيمَانِ وَأَبْطَنُوهُ مِنَ الكُفْرِ،وَأنَّ نِفَقاَهُمْ سَيَرُوجُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ أَيْضاً،كَمَا رَاجَ عِنْدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا،وَقَدَ جَهَلَ هَؤُلاءِ المَخْدُوعُونَ أنَّ اللهَ عَالِمٌ بِمَسْلَكِهِمْ وَسَرَائِرِهِمْ،وَهُوَ يَخْدَعُهُمْ إذْ يَسْتَدْرِجُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ،وَضَلاَلِهِمْ،وَيَخْدَعُهُمْ عَنِ الحَقِّ وَالوُصُولِ إلَيْهِ،فِي الدُّنْيَا،وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وإذا كان الإيمان شجرة باسقة جذورها العقيدة الصحيحة بالله،وفروعها العمل الصالح النافع،وثمارها الأخلاق الكريمة الطيبة،فإن ماءها الذي تسقى به والذي فيه استمرار حياتها إنما هو ذكر الله تعالى وعَنْ أَبِى بُرْدَةَ عَنْ أَبِى مُوسَى - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r- « مَثَلُ الَّذِى يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِى لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ » رواه البخاري. وعَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ،قَالَ:"مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ،وَلَوْلا ذَلِكَ مَا أَمَرَ النَّاسَ بِالصَّلاةِ وَالْقِتَالِ،أَلا تَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ النَّاسَ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْقِتَالِ ؟ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةٍ فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " ". ومن بين شرائع الإسلام الحقة انتقى منها معلمها الأول أنفعها وأكثرها ضرورة للتمسك به،والثبات عليه،فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضى الله عنه أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَىَّ فَأَخْبِرْنِى بِشَىْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ. قَالَ « لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ». رواه الترمذي). كيف لا وذاكر الله تعالى جليس ربه الذي يفيض عليه من علمه وحكمته ومراقبته بحسب صلته به وقوة توجهه إليه،قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} (152) سورة البقرة. يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَذْكُرُوهُ فِيمَا افْتَرَضَهُ عَلَيهِمْ مِنْ طَاعَةٍ وَحَمْدٍ وَتَسْبِيحٍ وَقِرَاءةِ قُرْآنٍ،لِيَذْكُرَهُمْ فِيمَا أُوْجَبَ لَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ الكَرِيْمَةَ مِنْ إِدَامَةِ النِّعَمِ وَالفَضْلِ،وَلِيُجْزِلَ لَهُمُ الثَّوَابَ،وَيُفِيضَ عَلَيهمِ الخَيْرَاتِ ( أَيِ اذكُرُونِي بِطَاعَتي،أَذْكُرْكُمْ بِمَغْفِرَتي )،وَأَمَرَ اللهُ المُؤْمِنِينَ بِالشُّكْرِ لَهُ،وَوَعَدَ الشَّاكِرِينَ بِمَزِيدٍ مِنَ الخَيْرِ وَالبَرَكَاتِ،وَنَهَاهُمْ عَنِ الكُفْرِ بِالنِّعْمَةِ . عَنْ كَرِيمَةَ بِنْتِ الْحَسْحَاسِ،قَالَتْ:سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فِي بَيْتِ أُمِّ الدَّرْدَاءِ يُحَدِّثُ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ." رواه ابن حبان وعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ " ذِكْرَ اللهِ شِفَاءٌ وَإِنَّ ذِكْرَ النَّاسِ دَاءٌ " رواه البيهقي وعَنْ مَاهَانَ الْحَنَفِيِّ قَالَ: " أَمَا يَسْتَحِي أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ دَابَّتُهُ الَّتِي يَرْكَبُهَا،وَثَوْبُهُ الَّذِي يَلْبَسُ أَكْثَرَ ذِكْرًا لِلَّهِ مِنْهُ قَالَ: وَكَانَ لَا يَفْتُرُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ " وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ: " أَرَى لِسَانَكَ لَا يَفْتُرُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ فَكَمْ تُسَبِّحُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ؟ قَالَ: مِائَةَ أَلْفٍ إِلَّا أَنْ تُخْطِئَ الْأَصَابِعُ " وعن ثَابِتَ الْبُنَانِيِّ،قَالَ: قَالَ فُلَانٌ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ حِينَ يَذْكُرْنِي رَبِّي "،قَالُوا: وَتَعْلَمُ حِينَ يَذْكُرُكَ رَبُّكَ ؟ قَالَ: " نَعَمْ،إِذَا ذَكَرْتُهُ ذَكَرَنِي "،قَالَ: " وَإِنِّي لَأَعْلَمُ حِينَ يَسْتَجِيبُ لِي رَبِّي "،قَالُوا: وَتَعْلَمُ حِينَ يَسْتَجِيبُ لَكَ رَبُّكَ ؟ قَالَ: " نَعَمْ "،إِذَا وَجَلَ قَلْبِي،وَاقْشَعَرَّ جِلْدِي،وَفَاضَتْ عَيْنَايَ،وَفُتِحَ لِي فِي الدُّعَاءِ فَثَمَّ أَعْرِفُ أَنِّي قَدِ اسْتُجِيبَ لِي ". وعَنْ سَلْمَانَ،قَالَ: " إِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَدْعُو اللهَ فِي السَّرَّاءِ،فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاءُ فَيَدْعُو فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مَعْرُوفٌ مِنْ آدَمِيٍّ ضَعِيفٍ،كَانَ يَدْعُو فِي السَّرَّاءِ،فَيَشْفَعُونَ لَهُ ؛ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ لَا يَدْعُو اللهَ فِي السَّرَّاءِ فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاءُ فَدَعَا فَيَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: صَوْتٌ مُنْكَرٌ مِنْ آدَمِيٍّ ضَعِيفٍ كَانَ لَا يَدْعُو فِي السَّرَّاءِ فَنَزَلَتْ بِهِ الضَّرَّاءُ فَلَا يَشْفَعُونَ لَهُ " وذكر الله تعالى هو العاصم من الوقوع في الخطايا،وهو الوازع للنفس يكفها عن غفلتها وميلها إلى الباطل،واتباعها للهوى،قال تعالى { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) } الكهف. وَاجْلِسْ مَعَ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ،وَيَحْمَدُونَهُ وَيُسَبِّحُونَهُ،وَيَسْأَلُونَهُ مِنْ فَضْلِهِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً،وَهُمُ المُؤْمِنُونَ مِنْ عِبَادِ اللهِ،سَواءً كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ ( وَيُقَالُ إِنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ حِينَ طَلَبُوا مِنَ النَّبِيِّ rأَنْ يَجْلِسَ مَعَهُمْ وَحْدَهُمْ،وَأَنْ لاَ يُجَالِسِ الفُقَرَاءَ وَالضُّعَفَاءَ مِنَ المُسْلِمِينَ ).ثُمَّ يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ الكَرِيمَ بِأَنْ لاَ يُجَاوِزَ هؤُلاَءِ المُؤْمِنِينَ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الشَّرَفِ وَالثَّرْوَةِ،وَبِأَنْ لاَ يُطِيعَ مَنْ شُغِلَ بِالدُّنْيا عَنِ الدِّينِ،وَعَنْ عِبَادَةِ اللهِ،وَمَنْ تَجَاوَزَ فِي أَعْمَالِهِ حُدُودَ اللهِ،وَتَمَادَى فِي ارْتِكَابِ المَعَاصِي وَالآثَامِ،وَكَانَ مُفْرِطاً سَفِيهاً فِي أَمْرِهِ . وذكر الله تعالى هو العمل المرتجى للنجاة من عذاب الله تعالى،إذ أن أشد العذاب الذي يصيب الإنسان إنما يأتيه بسبب الغفلة عن الله،وما وقع من وقع،ولا زل من زل،ولا أذنب من أذنب إلا بسبب غفلته عن الله تعالى قال الله عز وجل:{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)} الزخرف وَمَنْ يَتَغَافَلْ وَيَتَعَامَ عَنِ القُرْآنِ،وَعَنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى،وَيَنْهَمِك فِي المَعَاصِي،وَلَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا.. فَإِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ عَلَيْهِ شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ فَيَكُونُونَ لَهُ قُرْنَاءَ،يُزَيِّنُونَ لَهُ ارْتِكَابَ المَعَاصِي،وَالاشْتِغَالَ بِاللَّذَّاتِ،فَيَسْتَرْسِلُ فِيهَا فَيَحِقُّ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ وَعِقَابُهُ . وقال تعالى:{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126)} طه. وَمَنْ خَالَفَ أَمْرِي،وَكَفَرَ بِمَا أَنْزَلْتُ عَلَى رُسُلِي،وَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي وَتَنَاسَاهُ فَسَتَكُونُ مَعِيشَتُهُ فِي الدُّنْيَا ضَنْكاً لاَ طُمَأنِينَةَ لَهُ فِيهَا،وَلاَ يَنْشَرِحُ فِيهَا صَدْرُهُ،بَلْ يَبْقَى صَدْرُهُ ضَيِّقاً حَرِجاً،بِسَبَبِ ضَلاَلِهِ.وَمَا لَمْ يَخْلُصِ الهُدَى وَاليَقِينُ إِلَى قَلْبِهِ،فَإِنَّهُ سَيَبْقَى فِي قَلَقٍ وَحِيرَةٍ وَشَكٍّ،وَيَحْشُرُهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى البَصَرِ وَالبَصِيرَةِ،قَدْ عَمِيَ عَلَيْهِ كُلُّ شَيءٍ إِلاَّ جَهَنَّمَ،لأَنَّ الجَهَالَةَ التِي كَانَ فِيهَا فِي الدُّنْيا تَبْقَى مُلاَزِمَةً لَهُ فِي الآخِرَةِ.فَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا المُتَسَائِلِ مُبَيِّناً:لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ رُسُلَنَا بِآيَاتِنَا فَأَعْرَضْتَ عَنْهَا،وَتَنَاسَيْتَهَا،فَكَذَلِكَ نُعَامِلُكَ اليَوْمَ مُعَامَلَةَ المَنْسِيِّ،فَتُتْرَكَ فِي النَّارِ . وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنَ النَّارِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ،قَالَ:وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ،إلا أن تَضْرِبُ بِسَيْفِكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ،ثُمَّ تَضْرِبُ بِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ ثَلاَثًا." وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ rقَالَ:مَا عَلَى ظَاهِرِ الأَرْضِ مِنْ بُنْيَانٍ هُوَ أَنْجَى لِامْرِئٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ رَجُلٌ:وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ:وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ ضَرَبْتَ بِسَيْفِكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ " وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ r: أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ،وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ،وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ،وَأَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ،وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا:وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ وَقَالَ:ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ،وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ:مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". |
ومجالس الذكر التي يجتمع عليها الذاكرون،فتلتقي أرواحهم في بوتقة واحدة،ويستمد ضعيفها من قويها،وتستمد جميعها من مصدر الخير والكمال والفضل والعطاء،والنور والهدى والإيمان،هي رياض الجنة،ومجالس الرضوان قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف.
واصبر نفسك -أيها النبي- مع أصحابك مِن فقراء المؤمنين الذين يعبدون ربهم وحده،ويدعونه في الصباح والمساء،يريدون بذلك وجهه،واجلس معهم وخالطهم،ولا تصرف نظرك عنهم إلى غيرهم من الكفار لإرادة التمتع بزينة الحياة الدنيا،ولا تُطِعْ من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا،وآثَرَ هواه على طاعة مولاه،وصار أمره في جميع أعماله ضياعًا وهلاكًا. وعَنِ الأَغَرِّ،قَالَ:أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،وَأَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللهِ r،أَنَّهُ قَالَ:مَا جَلَسَ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ،إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ،وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ،وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ،وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. رواه مسلم. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً فُضُلاً عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ،يَمْشُونَ فِي الطُّرُقِ،يَلْتَمِسُونَ الذِّكْرَ،فَإِذَا رَأَوْا أَقْوَامًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَنَادَوْا:هَلُمُّوا إِلَى حَاجَاتِكُمْ،فَيَحُفُّونَ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ،فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ جَلَّ وَعَلاَ،وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ،فَيَقُولُ:عِبَادِي مَا يَقُولُونَ ؟ فَيَقُولُونَ:يَا رَبِّ،يُسَبِّحُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ،فَيَقُولُ:هَلْ رَأَوْنِي ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ،فَيَقُولُ:كَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي ؟ فَيَقُولُونَ:لَوْ رَأَوْكَ لَكَانُوا أَشَدَّ تَسْبِيحًا وَتَمْجِيدًا وَتَكْبِيرًا وَتَحْمِيدًا،فَيَقُولُ:مَاذَا يَسْأَلُونَ ؟ فَيَقُولُونَ:يَسْأَلُونَكَ يَا رَبِّ الْجَنَّةَ،فَيَقُولُ لَهُمْ:هَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ،فَيَقُولُ:كَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لَوْ قَدْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ طَلَبًا وَأَشَدَّ حِرْصًا،فَيَقُولُ:فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ فَيَقُولُونَ:يَتَعَوَّذُونَ بِكَ مِنَ النَّارِ،فَيَقُولُ:فَهَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ،فَيَقُولُ:كَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لَوْ قَدْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ تَعَوُّذًا،فَيَقُولُ:فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ." وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ r،قَالَ:إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً فُضُلاً عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ،يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ،يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ،فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا:هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ،فَيَحُفُّونَ بِهِمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا،فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ،فَيَقُولُ:مَا يَقُولُ عِبَادِي ؟ فَيَقُولُونَ:يُكَبِّرُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ وَيُسَبِّحُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ،فَيَقُولُ:هَلْ رَأَوْنِي ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ،فَيَقُولُ:فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي ؟ فَيَقُولُونَ:لَوْ رَأَوْكَ لَكَانُوا لَكَ أَشَدَّ عِبَادَةً وَأَكْثَرَ تَسْبِيحًا وَتَحْمِيدًا وَتَمْجِيدًا،فَيَقُولُ:وَمَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالَ:فَيَقُولُونَ:يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ،فَيَقُولُ:فَهَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ،فَيَقُولُ:فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا عَلَيْهَا أَشَدَّ حِرْصًا وَأَشَدَّ طَلَبًا،وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً،فَيَقُولُ:وَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ فَيَقُولُونَ:مِنَ النَّارِ،فَيَقُولُ:وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ،فَيَقُولُ:فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ:لَوْ رَأَوْهَا لَكَانُوا مِنْهَا أَشَدَّ فِرَارًا،وَأَشَدَّ هَرَبًا،وَأَشَدَّ خَوْفًا،فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ:أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ.،قَالَ:فَقَالَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ:إِنَّ فِيهِمْ فُلاَنًا لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ،قَالَ:فَهُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى جَلِيسُهُمْ." وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ rيَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ:جُمْدَانَ،فَقَالَ:سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ،سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ،سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ،قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ،مَا الْمُفَرِّدُونَ ؟ قَالَ:الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ." وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،عَنْ رَسُولِ اللهِ r،قَالَ:يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:سَيَعْلَمُ أَهْلُ الْجَمْعِ الْيَوْمَ مَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ،فَقِيلَ:مَنْ أَهْلُ الْكَرَمِ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ:أَهْلُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ فِي الْمَسَاجِدِ." ابن حبان. وأي شرف أعظم لهذا الإنسان الضعيف،من قول الملك العظيم،الكريم الحلي حين يخاطبه في الحديث القدسي،فعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ،فِي قَوْلِ اللَّهِ: " " وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ "،قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: إِذَا ذَكَرَنِي عَبْدِي فِي نَفْسِهِ،ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي،وَإِذَا ذَكَرَنِي عَبْدِي وَحْدَهُ،ذَكَرْتُهُ وَحْدِي،وَإِذَا ذَكَرَنِي فِي مَلإِ،ذَكَرْتُهُ فِي أَحْسَنَ مِنْهُمْ وَأَكْرِمَ". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى: إِذَا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبْرًا،تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا،وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا،تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا،وَإِذَا أَتَانِي مَشْيًا،أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً،وَإِنْ هَرْوَلَ سَعَيْتُ إِلَيْهِ،وَاللَّهُ أَوْسَعُ بِالْمَغْفِرَةِ." متفق عليه وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،عَنِ النَّبِيِّ rيَرْوِيهِ،عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: " مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ " البيهقي وإذا كان الذكر هو الصلة الروحية بين العبد وربه،فلا بد للوصول بها إلى مرتبة القبول،ولتؤتي ثمارها على الوجه الأفضل،من آداب يلتزمها الذاكر بين يدي خالقه ومولاه نذكر منها: الوضوء قبل الذكر،الجلوس باتجاه القبلة ساكنا خاشعا،استعدادا لمناجاة الله تعالى . إرادة وجه الله تعالى بذكره،وامتثال أمره وطاعته،وابتغاء مرضاته،دون الالتفاف إلى شيء من حظوظ النفس،أو مراءاة الناس،أو مراقبة الآخرين.قال تعالى: {قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ |
قَدِيرٌ} (29) سورة آل عمران.
يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأنَّهُ يَعْلَمُ سَرَائِرَهُمْ وَضَمَائِرَهُمْ وَظَوَاهِرَهُمْ،وَأنَّهُ لا يَخْفَى عَلَيهِ شَيءٌ مِنْ أمْورِهِمْ،وَيَعْلَمُ مَا فِي الكَوْنِ جَمِيعاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ،وَأنَّهُ قَادِرٌ عَلَى عُقُوبَةِ المُخَالِفِينَ عَنْ أَمْرِهِ،وَالمُوَالينَ أَعْدَاءَهُ،فَمَا مِنْ مَعْصِيَةٍ خَفِيّةٍ،أوْ ظَاهِرَةٍ إلاّ وَهُوَ مُطَّلعٌ عَليها،وَقَادِرٌ عَلَى عِقَابِ فَاعِلِهَا عَلَيهَا . وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،قَالَ:خَرَجَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ،فَقَالَ:مَا يُجْلِسُكُمْ ؟ قَالُوا:جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ،قَالَ:آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ ؟ قَالُوا:وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَلِكَ،قَالَ:إِنَّ رَسُولَ اللهِ rخَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ،فَقَالَ:مَا يُجْلِسُكُمْ ؟ قَالُوا:جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِهِ،قَالَ:آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ ؟ قَالُوا:وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَلِكَ،قَالَ:أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ،وَلَكِنْ جِبْرِيلُ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ. رواه مسلم. وَمِنْ هُنَا قال النَّوَوِيُّ:يُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ فِي حِلَقِ الذِّكْرِ الابتداء بتطهير النفس بالاستغفار والتوبة إلى الله من كل الذنوب والخطايا والغفلات.قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135) سورة آل عمران. وَمِنْ صِفَاتِ أَهْلِ الجَنَّةِ أَنَّهُمْ إذَا صَدَرَ عَنْهُمْ فِعْلَ قَبيحٌ يَتَعَدَّى أثرُهُ إلَى غَيْرِهِمْ ( كَغَيبَةِ إِنْسَانٍ )،أَو صَدَرَ عَنْهُمْ ذَنْبٌ يَكُونُ مُقْتَصِراً عَلَيْهِمْ ( كَشُرْبِ خَمْرٍ وَنَحْوَهُ )،ذَكَرُوا اللهَ تَعَالَى وَوَعِيدَهُ،وَعَظَمَتَهُ وَجَلاَلَهُ،فَرَجَعُوا إلَى اللهِ تَائِبِينَ،طَالِبِينَ مَغْفِرَتَهُ،وَلَمْ يُقِيمُوا عَلى القَبِيحِ مِنْ غَيْرِ اسْتِغْفَارٍ،لِعِلْمِهِمْ أنَّ اللهَ هُوَ الذِي يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً،وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى الذَّنْبِ،لأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أنَّ مَنْ تَابَ إلَى اللهِ،تَابَ اللهُ عَلَيهِ،وَغَفَرَ لَهُ . وعَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِىِّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِى وَإِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ ». رواه مسلم. يفضل إغماض العينين،لئلا يشتغل بشيء من متاع الدنيا،ولصرف القلب والفكر إلى تدبر معاني الذكر،ومراقبة الله سبحانه وتعالى. إختيار الأوقات المناسبة لذكر الله تعالى،والتي يكون فيها المرء خاليا من الشواغل،ونفسه مستعدة لتلقي النور والفيض الإلهي،وقلبه مشتاق لمناجاة الله تعالى،كأوقات السحر،والأصيل،وعقب الصلوات المكتوبة،وفي الليالي المباركة،والأيام الفضيلة.. قال تعالى:{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25)} الإنسان. وَدُمْ عَلَى ذِكْرِ رَبِّكَ وَتَسْبِيحِهِ في البُكُورِ وَفِي الأَصَائِلِ أَيْ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ . وقال سبحانه:{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26)} الإنسان. هذا هو الزاد. اذكر اسم ربك في الصباح والمساء،واسجد له بالليل وسبحه طويلا .. إنه الاتصال بالمصدر الذي نزّل عليك القرآن،وكلفك الدعوة،هو ينبوع القوة ومصدر الزاد والمدد .. الاتصال به ذكرا وعبادة ودعاء وتسبيحا .. ليلا طويلا .. فالطريق طويل،والعبء ثقيل. ولا بد من الزاد الكثير والمدد الكبير. وهو هناك،حيث يلتقي العبد بربه في خلوة وفي نجاء،وفي تطلع وفي أنس،تفيض منه الراحة على التعب والضنى،وتفيض منه القوة على الضعف والقلة. وحيث تنفض الروح عنها صغائر المشاعر والشواغل،وترى عظمة التكليف،وضخامة الأمانة. فتستصغر ما لاقت وما تلاقي من أشواك الطريق! إن اللّه رحيم،كلف عبده الدعوة،ونزل عليه القرآن،وعرف متاعب العب ء،وأشواك الطريق. فلم يدع نبيه - r- بلا عون أو مدد. وهذا هو المدد الذي يعلم - سبحانه - أنه هو الزاد الحقيقي الصالح لهذه الرحلة المضنية في ذلك الطريق الشائك .. وهو هو زاد أصحاب الدعوة إلى اللّه في كل أرض وفي كل جيل. فهي دعوة واحدة. ملابساتها واحدة. وموقف الباطل منها واحد،وأسباب هذا الموقف واحدة.ووسائل الباطل هي ذاتها وسائله. فلتكن وسائل الحق هي الوسائل التي علم اللّه أنها وسائل هذا الطريق. والحقيقة التي ينبغي أن يعيش فيها أصحاب الدعوة إلى اللّه هي هذه الحقيقة التي لقنها اللّه لصاحب الدعوة الأولى - r- هي أن التكليف بهذه الدعوة تنزل من عند اللّه. فهو صاحبها. وأن الحق الذي تنزلت به لا يمكن مزجه بالباطل الذي يدعو إليه الآثمون الكفار. فلا سبيل إلى التعاون بين حقها وباطلهم،أو الالتقاء في منتصف الطريق بين القائم على الحق والقائمين على الباطل. فهما نهجان مختلفان،وطريقان لا يلتقيان. فأما حين يغلب الباطل بقوته وجمعه على قلة المؤمنين وضعفهم،لحكمة يراها اللّه .. فالصبر حتى يأتي اللّه بحكمه. والاستمداد من اللّه والاستعانة بالدعاء والتسبيح - ليلا طويلا - هي الزاد المضمون لهذا الطريق .... إنها حقيقة كبيرة لا بد أن يدركها ويعيش فيها رواد هذا الطريق .. وقال سبحانه:{ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)} آل عمران. وَهؤلاءِ العِبَادُ المُتَّقُونَ هُمُ:الصَّابِرُونَ عَلَى قِيَامِهِمْ بِطَاعَةِ رَبِّهِمْ،وَتَرْكِ مُحَرَّمَاتِهِ،وَهُمُ الصَّادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ إيمَانِهِمْ بِمَا التَزَمُوا بِهِ مِنَ الأعْمَالِ الشَّاقَّةِ،والمُلْتَزِمُونَ بِطَاعَةِ اللهِ،وَالخُضُوعِ لَهُ ( القَانِتُونَ )،وَهُمْ المُنْفِقُونَ مِنْ أمْوالِهِمْ فِي جَمِيعِ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ،وَصِلَةِ الأرْحَامِ وَمُوَاسَاةِ ذَوِي الحَاجَاتِ،وَهُمُ المُسْتَغْفِرُونَ رَبَّهُمْ فِي أوْقَاتش السَّحَرِ،حِينَما يَكُونُ النَّاسُ نَائِمِينَ.وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ:" يَنْزِلُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى اللَّيْلِ الأخِيرِ فَيَقُولُ:هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأسْتَجِيبَ لَهُ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأغْفِرَ لَهُ؟ " وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ r؛ " فِيمَا يَذْكُرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ:" ابْنَ آدَمَ،اذْكُرْنِي بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ سَاعَةً أَكْفِيكَ مَا بَيْنَهُمَا ". وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِى جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ». قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ ». رواه الترمذي. وعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: مَنْ صَلَّى صَلاةَ الْفَجْرِ،ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ،وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" وعَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ حَدَّثَنِى عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -r- يَقُولُ « أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِى جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِى تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ ». رواه الترمذي استحضار عظمة الله وجلاله،وأسمائه الحسنى،وصفاته العليا،بحسب حالة الذكر والفتح الذي يفتح عليه فيه،والتفكير في كل لفظ يذكره،ومراقبة القلب يردده مع اللسان،حتى يصل إلى الهيبة والتضرع والعبودية الحقة،ولا يفرغ حتى يشعر بطمأنينة القلب بذكر الله تعالى . قال الراغب: ذكر اللّه تارة يكون لعظمته فيتولد منه الهيبة والإجلال وتارة لقدرته فيتولد منه الخوف والحزن وتارة لفضله ورحمته فيتولد منه الرجاء وتارة لنعمته فيتولد منه العز فحق المؤمن أن لا ينفك أبداً عن ذكره على أحد هذه الوجوه.. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (2) سورة الأنفال. يُعَرِّفُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمُ:الذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ فَزِعَتْ قُلُوبُهُمْ وَخَافَتْ ( وَجِلَتْ )،وَعَمِلَتْ بِمَا أَمَرَ اللهُ،وَتَرَكَتْ مَا نَهَى عَنْهُ.فَالمُؤْمِنُونَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَهُمُّوا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ يَظْلِمُوا،وَقِيلَ لَهُمْ:اتَّقُوا اللهَ،ارْتَدَعُوا عَمَّا هَمُّوا بِهِ خَوْفاً مِنَ اللهِ.وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ عَلَيْهِمْ رَسَّخَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ وَزَادَ فِيهِ،وَهُمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ،لاَ يَرْجُونَ سِوَاهُ،وَلاَ يَلُوذُونَ إِلاَّ بِجَناَبِهِ،وَلاَ يَسْأَلُونَ غَيْرَهُ . وقال تعالى:{ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ (205)} الأعراف. يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِذِكْرِهِ كَثِيراً فِي أَوْلِ النَّهَارِ وَفِي آخِرِهِ،كَمَا أَمَرَ عِبَادَه بِعِبَادَتِهِ فِي هَذينِ الوَقْتَينِ،( وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ ).وَيَأْمُرُ اللهُ بِأَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ فِي النَّفْسِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً،وَبِالقَوْلِ خُفْيَةً وَسِرّاً،لاَ جَهْراً،وَلِذَلِكَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الذِّكْرُ خَفِيّاً لاَ نِدَاءً وَلاَ جَهْراً بَلِيغاً،وَبِأنْ لاَ يَكُونَ الإِنْسَانُ غَافِلاً عَنْ ذِكْرِ اللهِ،وَأَنْ يَسْتَشْعِرَ قَلْبُهُ الخُضُوعَ لَهُ،وَالخَوْفَ مِنْ قُدْرَتِهِ . وقال تعالى:{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} الرعد. وَهؤلاَءِ الذِينَ يَهْدِيهِمُ اللهُ هُمُ المُؤْمِنُونَ،الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ،وَتَطيبُ قُلُوبُهُمْ،وَتَهْدَأُ إِلَى جَانِبِ اللهِ،وَتَسْكُنُ عِنْدَ ذِكْرِهِ،وَتَرْضَى بِهِ مَوْلًى وَنَاصِراً.وَفِي الحَقِيقَةِ إِنَّ القُلُوبَ المُؤْمِنَةَ تَطْمَئِنُّ وَتَسْكُنُ وَتَهْدَأُ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى . ومعنى الاطمئنان سكونُ القلب واستقراره وأُنْسُه إلى عقيدة لا تطفو إلى العقل ليناقشها من جديد. ونعلم أن الإنسانَ له حواسٌّ إدراكية يستقبل بها المُحسَّات؛ وله عقل يأخذ هذه الأشياء ويهضمها؛ بعد إدراكها؛ ويفحصها جيداً،ويتلمس مدى صِدْقها أو كَذِبها؛ ويستخرج من كل ذلك قضية واضحة يُبقِيها في قلبه لتصبح عقيدة،لأنها وصلت إلى مرحلة الوجدان المحب لاختيار المحبوب. وهكذا تمرُّ العقيدة بعدة مراحلَ؛ فهي أولاً إدراك حِسِّي؛ ثم مرحلة التفكّر العقلي؛ ثم مرحلة الاستجلاء للحقيقة؛ ثم الاستقرار في القلب لتصبح عقيدة.ولذلك يقول سبحانه: { وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ... } [الرعد: 28] فاطمئنان القلب هو النتيجة للإيمان بالعقيدة؛ وقد يمرُّ على القلب بعضٌ من الأغيار التي تزلزل الإيمان،ونقول لمن تمرُّ به تلك الهواجس من الأغيار: أنت لم تُعْطِ الربوبية حقها؛ لأنك أنت الملوم في أي شيء يَنَالُكَ. فلو أحسنتَ استقبال القدر فيما يمرُّ بك من أحداث،لَعلِمْتَ تقصيرك فيما لك فيه دَخْل بأيِّ حادث وقع عليك نتيجة لعملك،أما مَا وقع عليك ولا دَخْل لك فيه؛ فهذا من أمر القَدَر الذي أراده الحقُّ لك لحكمة قد لا تعلمها،وهي خير لك. إذن: استقبال القدر إن كان من خارج النفس فهو لك،وإن كان من داخل النفس فهو عليك. ولو قُمْتَ بإحصاء ما ينفعك من وقوع القدر عليك لَوجدتَّه أكثرَ بكثير مما سَلَبه منك. والمَثَل هو الشاب الذي استذكر دروسه واستعدَّ للامتحان؛ لكن مرضاً داهمه قبل الامتحان ومنعه من أدائه. هذا الشاب فعلَ ما عليه؛ وشاءَ الله أن ينزل عليه هذا القدر لحكمة ما؛ كأنْ يمنع عنه حسَد جيرانه؛ أو حسدَ مَنْ يكرهون أًمه أو أباه،أو يحميه من الغرور والفتنة في أنه مُعتمِد على الأسباب لا على المُسبِّب. أو تأخير مرادك أمام مطلوب الله يكون خيراً. وهكذا فَعَلى الإنسان المؤمن أن يكون موصولاً بالمُسبِّب الأعلى،وأنْ يتوكل عليه سبحانه وحده،وأن يعلم أنْ التوكل على الله يعني أن تعمل الجوارح،وأنْ تتوكَّل القلوب؛ لأن التوكل عملٌ قلبي،وليس عملَ القوالب. ولينتبه كُلٌّ مِنّا إلى أن الله قد يُغيب الأسباب كي لا نغتر بها،وبذلك يعتدل إيمانك به؛ ويعتدل إيمان غيرك. |
وقد ترى شاباً ذكياً قادراً على الاستيعاب،ولكنه لا ينال المجموع المناسب للكلية التي كان يرغبها؛ فيسجد لله شكراً؛ مُتقبِّلاً قضاء الله وقَدَره؛ فَيُوفِّقه الله إلى كلية أخرى وينبغ فيها؛ ليكون أحدَ البارزين في المجال الجديد.
ولهذا يقول الحق سبحانه:{ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }[البقرة: 216] وهكذا نجد أن مَنْ يقبل قَدر الله فيه،ويذكر أن له رباً فوق كل الأسباب؛ فالاطمئنان يغمرُ قلبه أمام أيِّ حدَثٍ مهْمَا كان.وهكذا يطمئن القلب بذكر الله؛ وتهون كُلّ الأسباب؛ لأن الأسباب إنْ عجزتْ؛ فلن يعجز المُسبِّب. وقد جاء الحق سبحانه بهذه الآية في مَعرِض حديثه عن التشكيك الذي يُثيره الكافرون،وحين يسمع المسلمون هذا التشكيك؛ فقد توجد بعض الخواطر والتساؤلات: لماذا لم يَأْتِ لنا رسول الله rبمعجزة حِسِّية مثل الرُّسُل السابقين لتنفضّ هذه المشكلة،وينتهي هذا العناد؟ ولكن تلك الخواطر لا تنزع من المؤمنين إيمانهم؛ ولذلك يُنزِل الحق سبحانه قوله الذي يُطمئِن: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ... } [الرعد: 28] والذِّكْر في اللغة جاء لِمَعَانٍ شتّى؛ فمرّة يُطلق الذِّكر،ويُرَاد به الكتاب أي: القرآن:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر: 9] ويأتي الذكر مرّة،ويُرَاد به الصِّيت والشهرة والنباهة،يقول تعالى:{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ }[الزخرف: 44] أي: أنه شَرَفٌ عظيم لك في التاريخ،وكذلك لقومك أنْ تأتي المعجزة القرآنية من جنس لغتهم التي يتكلمون بها. وقد يطلق الذكر على الاعتبار؛ والحق سبحانه يقول:{ ...وَلَـاكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّى نَسُواْ الذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً }[الفرقان: 18] أي: نسوا العِبَر التي وقعتْ للأمم التي عاشتْ من قبلهم؛ فنصَر الله الدينَ رغم عناد هؤلاء. وقد يطلق الذكر على كُلِّ ما يبعثه الحق سبحانه على لسان أيِّ رسول:{ ...فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ }[النحل: 43] وقد يُطلق الذِّكْر على العطاء الخيّر من الله. ويُطْلق الذِّكْر على تذكر الله دائماً؛ وهو سبحانه القائل:{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ... }[البقرة: 152] أي: اذكروني بالطاعة أذكرْكُم بالخير والتجليّات،فإذا كان الذِّكْر بهذه المعاني؛ فنحن نجد الاطمئنان في أيٍّ منها،فالذكر بمعنى القرآن يُورثِ الاطمئنان. ويقول الحق سبحانه:{ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً }[الأحزاب: 41ـ43] فكُلُّ آية تأتي من القرآن كانت تُطمئِنُ الرسول rأنه صادقُ البلاغِ عن الله؛ فقد كان المسلمون قلة مُضطهدة،ولا يقدرون على حماية أنفسهم،ولا على حماية ذَوِيهم. ويقول الحق سبحانه في هذا الظرف:{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ }[القمر: 45] ويتساءل عمر رضي الله عنه: أيُّ جمع هذا،ونحن لا نستطيع الدفاع عن أنفسنا؛ وقد هاجر بعضنا إلى الحبشة خوفاً من الاضطهاد؟ ولكن رسول الله rيسير إلى بدر،ويُحدِّد أماكن مصارع كبار رموز الكفر من صناديد قريش؛ ويقول: " هذا مصرع فلان،وهذا مصرع فلان "؛ بل ويأتي بالكيفية التي يقع بها القتل على صناديد قريش؛ ويتلو قول الحق سبحانه:{ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ }[القلم: 16] وبعد ذلك يأتون برأْس الرجل الذي قال عنه رسول الله ذلك؛ فيجدون الضربة قد جاءت على أنفه.فمنْ ذَا الذي يتحكم في مواقع الموت؟ إن ذلك لا يتأتى إلاَّ من إله هو الله؛ وهو الذي أخبر محمداً rبهذا الخبر:{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ }[القمر: 45] وقد طمأنَ هذا القولُ القومَ الذين اتبعوا رسول الله rالذي لا يعلم الغيب،ولا يعلم الكيفية التي يموت عليها أيُّ كافر وأيُّ جبار؛ وهو rيخبرهم بها وهُمْ في منتهى الضَّعْف.وهذا الإخبار دليل على أن رصيده قويّ عند علاَّم الغيوب. إذن: فقول الحق سبحانه: {...أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28] يعني: أن القلوب تطمئن بالقرآن وما فيه من أخبار صادقة تمام الصدق،لتؤكد أن محمداً rمُبلِّغ عن ربِّه؛ وأن القرآن ليس من عند محمد rبل هو من عند الله. وهكذا استقبل المؤمنون محمداً rوصَدَّقوا ما جاء به؛ فها هي خديجة ـ رضي الله عنها وأرضاها ـ لم تكُنْ قد سمعت القرآن؛ وما أنْ أخبرها رسول الله rبمخاوفه من أنَّ ما يأتيه قد يكون جناً،فقالت: " إنك لتَصِلُ الرَّحِم،وتحمل الكَلَّ،وتَكسِب المعدوم،وتَقْري الضَّيْف،وتُعينَ على نوائب الحق،واللهِ ما يخزَيك الله أبداً ". وهاهو أبو بكر ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ يصدق أن محمداً رسول من الله،فَوْرَ أن يخبره بذلك. وهكذا نجده rقد امتلك سِمَاتاً؛ وقد صاغ الله لرسوله أخلاقاً،تجعل مَنْ حوله يُصدِّقون كُلَّ ما يقول فَوْر أنْ ينطق. ونلحظ أن الذين آمنوا برسالته r؛ لم يؤمنوا لأن القرآن أخذهم؛ ولكنهم آمنوا لأن محمداً rلا يمكن أن يَكْذِبهم القول،وسيرته قبل البعثة معجزة في حَدِّ ذاتها،وهي التي أدَّتْ إلى تصديق الأوَّلين لرسول الله r. أما الكفار فقد أخذهم القرآن؛ واستمال قلوبهم،وتمنَّوا لو نزل على واحد آخر غير محمد r. وحين يرى المؤمنون أن القرآن يُخبرهم بالمواقف التي يعيشونها،ولا يعرفون لها تفسيراً؛ ويخبرهم أيضاً بالأحداث التي سوف تقع،ثم يجدون المستقبل وقد جاء بها وِفْقاً لما جاء بالقرآن،هنا يتأكد لهم أن القرآنَ ليس من عند محمد،بل هو من عند رَبِّ محمد r. ولذلك فحين يُثير الكفار خزعبلاتهم للتشكيك في محمد rيأتي القرآن مُطَمْئِناً للمؤمنين؛ فلا تؤثر فيهم خزعبلات الكفار. والمؤمن يذكر الله بالخيرات؛ ويعتبر من كل ما يمرُّ به،وبكل ما جاء بكتاب الله؛ وحين يقرأ القرآن فقلبه يطمئِنُّ بذكر الله؛ لأنه قد آمن إيمانَ صِدْقٍ. وقد لمس المؤمنون أن أخبار النبي التي يقولها لهم قد تعدَّتْ محيطهم البيئيّ المحدود إلى العالم الواسع بجناحَيْه الشرقي في فارس،والغربي في الروم.وقد أعلن لهم رسول الله rـ على سبيل المثال ـ خبر انتصار الروم على الفرس،حين أنزل الحق سبحانه قوله:{ الـم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ.. }[الروم: 1-4] فأروني أيّ عبقرية في العالم تستطيع أن تتحكم في نتيجة معركة بين قوتين تصطرعان وتقتتلان؛ وبعد ذلك يحدد مِنَ الذي سينتصر،ومنِ الذي سَيُهزم بعد فترة من الزمن تتراوح من خَمْس إلى تِسَع سنوات؟ وأيضاً تأتي الأحداث العالمية التي لا يعلم عنها رسول الله rشيئاً،وتوافق ما جاء بالقرآن. وكُلُّ ذلك يجعل المؤمنين بالقرآن في حالة اطمئنان إلى أن هذا القرآن صادق،وأنه من عند الله،ويُصدّق هذا قول الحق سبحانه: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28] ونعلم أن الكون قد استقبل الإنسان الأول ـ وهو آدم عليه السلام ـ استقبالاً،وقد هُيِّئ له فيه كُلُّ شيء من مُقوِّمات الحياة؛ وصار الإنسانُ يعيش في أسباب الله،تلك الأسباب المَمْدودة من يَدِ الله؛ فنأخذ بها وتترقَّى حياتنا بِقَدْر ما نبذل من جَهْد. وما أنْ نموتَ حتى نصِلَ إلى أرْقى حياة؛ إنْ كان عملُنا صالحاً وحَسُنَ إيماننا بالله؛ فبعد أنْ كُنّا نعيش في الدنيا بأسباب الله الممدودة؛ فنحن نعيش في الآخرة بالمُسبِّب في جنته التي أعدَّها للمتقين. وقول الحق سبحانه: {...أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28] يعني: أن الاطمئنان مُستْوعِب لكل القلوب؛ فكل إنسان له زاوية يضطرب فيها قلبه؛ وما أنْ يذكر الله حتى يجِدَ الاطمئنان ويتثبتَ قلبه. وقد حاول المستشرقون أن يقيموا ضَجَّة حول قوله تعالى: {...أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28] وتساءلوا: كيف يقول القرآن هنا أن الذِّكْر يُطمئِن القلب؛ ويقول في آية أخرى:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ... }[الأنفال: 2] فأيُّ المعنيَيْنِ هو المراد؟ ولو أن المستشرقين قد استقبلوا القرآن بالمَلَكة العربية الصحيحة لَعلِموا الفارق بين: {...أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28] وبين قول الحق سبحانه:{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ... }[الأنفال: 2] فكأنه إذا ذُكِر الله أمام الناس؛ وكان الإنسان في غَفْلة عن الله؛ هنا ينتبه الإنسان بِوجَلٍ.أو: أن الحق سبحانه يخاطب الخَلْق جميعاً بما فيهم من غرائز وعواطف ومواجيد؛ فلا يوجد إنسان كامل؛ ولكُلِّ إنسان هفوة إلا مَنْ عصم الله.وحين يتذكر الإنسانُ إسرافه من جهة سيئة؛ فهو يَوْجَل؛ وحين يتذكر عَفْو الله وتوبته ومغفرته يطمئن. إنَّ القلوب تطمئن بإحساسها بالصلة باللّه،والأنس بجواره،والأمن في جانبه وفي حماه. تطمئن من قلق الوحدة،وحيرة الطريق. بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير. وتطمئن بالشعور بالحماية من كل اعتداء ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما يشاء،مع الرضى بالابتلاء والصبر على البلاء. وتطمئن برحمته في الهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة :«أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» .. ذلك الاطمئنان بذكر اللّه في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة يعرفها الذين خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم،فاتصلت باللّه. يعرفونها،ولا يملكون بالكلمات أن ينقلوها إلى الآخرين الذين لم يعرفوها،لأنها لا تنقل بالكلمات،إنما تسري في القلب فيستروحها ويهش لها ويندى بها ويستريح إليها ويستشعر الطمأنينة والسلام،ويحس أنه في هذا الوجود ليس مفردا بلا أنيس. فكل ما حوله صديق،إذ كل ما حوله من صنع اللّه الذي هو في حماه. وليس أشقى على وجه هذه الأرض ممن يحرمون طمأنينة الأنس إلى اللّه. ليس أشقى ممن ينطلق في هذه الأرض مبتوت الصلة بما حوله في الكون،لأنه انفصم من العروة الوثقى التي تربطه بما حوله في اللّه خالق الكون. ليس أشقى ممن يعيش لا يدري لم جاء؟ ولم يذهب؟ ولم يعاني ما يعاني في الحياة؟ ليس أشقى ممن يسير في الأرض يوجس من كل شيء خيفة لأنه لا يستشعر الصلة الخفية بينه وبين كل شيء في هذا الوجود. |
ليس أشقى في الحياة ممن يشق طريقه فريدا وحيدا شاردا في فلاة،عليه أن يكافح وحده بلا ناصر ولا هاد ولا معين.
وإن هناك للحظات في الحياة لا يصمد لها بشر إلا أن يكون مرتكنا إلى اللّه،مطمئنا إلى حماه،مهما أوتي من القوة والثبات والصلابة والاعتداد .. ففي الحياة لحظات تعصف بهذا كله،فلا يصمد لها إلا المطمئنون باللّه :«أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» .. وعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " إِذَا اقْشَعَرَّ جِلْدُ الْعَبْدِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ تَحَاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا يَتَحَاتُّ عَنِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ وَرَقُهَا ". يستحب البكاء مصاحبا لذكر الله تعالى،ويساعد عليه التوجه الكلي إلى الله عز وجل حتى يمتلئ القلب من خشية الله،أو ذكر تقصيره في جنب الله وما مضى من عمره وهو في الغافلين. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: عَيْنَانِ لا تَمَسُّهُمَا النَّارُ أَبَدًا:عَيْنٌ بَاتَتْ تَكْلأُ الْمُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" رواه أبو يعلى. وعن بَهْزِ بِ حَكِيمٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"ثَلاثَةٌ لا تَرَى أَعْيُنُهُمُ النَّارَ: عَيْنٌ حَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ،وَعَيْنٌ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ" وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ:سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ:إِمَامٌ عَادِلٌ،وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى،وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ،وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسْجِدِ،وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا،وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتَ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا فَقَالَ:إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ،وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ." متفق عليه. وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:"لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَطْرَتَيْنِ وَأَثَرَيْنِ: قَطْرَةُ دُمُوعٍ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ،وَقَطْرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَأَمَّا الأَثَرَانِ: فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ". رواه الطبراني. أفضل الذكر ما كان خفيا في القلب،وسريّا في أعمالق النفس،وذلك بملاحظة القلب بذكر اسم الله تعالى مع كل نبضة من نبضاته،وملاحظة نور الله تعالى يتدفق إليه مع كل قطرة تفد إليه. وقال أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ،يَقُولُ وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ:مَا تَقُولُ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فِي الذِّكْرِ الْخَفِيِّ ؟ مَا هُوَ الَّذِي لَا تَعْلَمُهُ الْحَفَظَةُ ؟ وَمِنْ أَيْنَ زَادَ عَمَلُ السِّرِّ عَلَى عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ سَبْعِينَ ضِعْفًا ؟ فَأَجَابَهُ فَقَالَ:" وَفَقَّنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِأَرْشَدِ الْأُمُورِ وَأَقْرَبِهَا إِلَيْهِ،وَاسْتَعْمَلَنَا وَإِيَّاكُمْ بِأَرْضَى الْأُمُورِ وَأَحَبِّهَا إِلَيْهِ وَخَتَمَ لَنَا وَلَكُمْ بِخَيْرٍ،فَأَمَّا الذِّكْرُ الَّذِي يَسْتَأْثِرُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ مَا اعْتَقَدَتْهُ الْقُلُوبُ وَطُوِيَتْ عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ مِمَّا لَا تُحَرَّكُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَالْجَوَارِحُ وَهُوَ مِثْلُ الْهَيْبَةِ لِلَّهِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ وَالْإِجْلَالِ لِلَّهِ وَاعْتِقَادِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ يَعْلَمُ الْغَيْبَ،وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ،وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَهَذِهِ أَشْيَاءُ امْتِدِحَ اللَّهُ بِهَا فَهِيَ لَهُ وَحْدَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ،وَأَمَّا مَا تَعْلَمُهُ الْحَفَظَةُ فَمَا وُكِّلَتْ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ:مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ،وَقَوْلُهُ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ فَهَذَا الَّذِي وُكِّلَ بِهِ الْمَلَائِكَةُ الْحَافِظُونَ مَا لَفِظَ بِهِ وَ بَدَا حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ هَارُونَ قَالَ:سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ،يَقُولُ وَسَأَلَهُ جَعْفَرٌ:مَا تَقُولُ أَكْرَمَكَ اللَّهُ فِي الذِّكْرِ الْخَفِيِّ ؟ مَا هُوَ الَّذِي لَا تَعْلَمُهُ الْحَفَظَةُ ؟ وَمِنْ أَيْنَ زَادَ عَمَلُ السِّرِّ عَلَى عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ سَبْعِينَ ضِعْفًا ؟ فَأَجَابَهُ فَقَالَ:" وَفَقَّنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِأَرْشَدِ الْأُمُورِ وَأَقْرَبِهَا إِلَيْهِ،وَاسْتَعْمَلَنَا وَإِيَّاكُمْ بِأَرْضَى الْأُمُورِ وَأَحَبِّهَا إِلَيْهِ وَخَتَمَ لَنَا وَلَكُمْ بِخَيْرٍ،فَأَمَّا الذِّكْرُ الَّذِي يَسْتَأْثِرُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَهُوَ مَا اعْتَقَدَتْهُ الْقُلُوبُ وَطُوِيَتْ عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ مِمَّا لَا تُحَرَّكُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَالْجَوَارِحُ وَهُوَ مِثْلُ الْهَيْبَةِ لِلَّهِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ وَالْإِجْلَالِ لِلَّهِ وَاعْتِقَادِ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا مَنْ يَعْلَمُ الْغَيْبَ،وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ،وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَهَذِهِ أَشْيَاءُ امْتِدِحَ اللَّهُ بِهَا فَهِيَ لَهُ وَحْدَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ،وَأَمَّا مَا تَعْلَمُهُ الْحَفَظَةُ فَمَا وُكِّلَتْ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ:مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ،وَقَوْلُهُ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ فَهَذَا الَّذِي وُكِّلَ بِهِ الْمَلَائِكَةُ الْحَافِظُونَ مَا لَفِظَ بِهِ وَ بَدَا مِنْ لِسَانِهِ،وَمَا يُعْلِنُونَ وَيَفْعَلُونَ هُوَ مَا ظَهَرَ بِهِ السَّعْيُ،وَمَا أَضْمَرَتْهُ الْقُلُوبُ مِمَّا لَمْ يَظْهَرْ عَلَى الْجَوَارِحِ وَمَا تَعْتَقِدُهُ الْقُلُوبُ فَذَلِكَ يَعْلَمُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ،وَكُلُّ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ مَا عُقِدَ لَا يُجَاوِزُ الضَّمِيرَ فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ،وَمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ مِنْ فَضْلِ عَمَلِ السِّرِّ عَلَى عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ وَأَنَّ عَمَلَ السِّرِّ يَزِيدُ عَلَى عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ سَبْعِينَ ضِعْفًا فَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ مَنْ عَمِلَ لِلَّهِ عَمَلًا فَأَسَرَّهُ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يَنْفَرِدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِلْمِ ذَلِكَ الْعَمَلِ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ أَنْ يسْتَغْنَى بِعِلْمِ اللَّهِ فِي عَمَلِهِ عَنْ عِلْمِ غَيْرِهِ وَإِذَا اسْتَغْنَى الْقَلْبُ بِعِلْمِ اللَّهِ أَخْلَصَ الْعَمَلَ فِيهِ،وَلَمْ يَعْرُجْ عَلَى مَنْ دُونَهُ فَإِذَا عَلِمَ جَلَّ ذِكْرُهُ بِصِدْقِ قَصْدِ الْعَبْدِ إِلَيْهِ وَحْدَهُ،وَسَقَطَ عَنْ ذِكْرِهِ مَنْ دُونَهُ أَثْبَتَ ذَلِكَ الْعَمَلَ فِي أَعْمَالِ الْخَالِصِينَ الصَّالِحِينَ الْمُؤْثِرِينَ لِلَّهِ عَلَى مَنْ سِوَاهُ وَجَازَاهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ بِصِدْقِهِ مِنَ الثَّوَابِ سَبْعِينَ ضِعْفًا عَلَى مَا عَمِلَ مَنْ لَا يَحِلُّ مَحَلَّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ " . وقال النووي: الذكر يكون بالقلب،ويكون باللسان،والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعا،فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل،ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفا من أن يظن به الرياء،بل يذكر بهما جميعا ويقصد به وجه الله تعالى،وقد قدمنا عن الفضيل رحمه الله:أن ترك العمل لأجل الناس رياء.. قال تعالى:{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8)} المزمّل. وَدُمْ عَلَى ذِكْرِ رَبِّكَ لَيْلاً وَنَهَاراً،بِالَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ،وَالتَّحْمِيدِ،والصَّلاَةِ،وَقِرَاء َةِ القُرْآنِ،وَانْقَطِعْ إِلَيهِ بِالعِبَادَةِ،وَجَرِّدْ نَفْسَكَ إِلَيهِ،وَأَعْرِضْ عَمَّنْ سِوَاهُ . وقال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ} (205) سورة الأعراف. واذكر -أيها الرسول- ربك في نفسك تخشعًا وتواضعًا لله خائفًا وجل القلب منه،وادعه متوسطًا بين الجهر والمخافتة في أول النهار وآخره،ولا تكن من الذين يَغْفُلون عن ذكر الله،ويلهون عنه في سائر أوقاتهم. وقال سبحانه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف وعن سَعْدَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ،قَالَ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ r،يَقُولُ:خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ،وَخَيْرُ الرِّزْقِ،أَوِ الْعَيْشِ،مَا يَكْفِي. رواه ابن حبّان. وعَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " اذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرًا خَامِلًا " قَالَ:فَقِيلَ:وَمَا الذِّكْرُ الْخَامِلُ ؟ قَالَ:" الذِّكْرُ الْخَفِيُّ " رواه ابن المبارك. وقال أحدهم: بقلب فاذكر الله خفيّا ………عن الخلق بلا حرف وقال وهذا الذكر أفضل كل ذكر ………بهذا قد جرى قول الرجال مطالبة النفس بثمرات الذكر بعد الفراغ منه،وذلك بالمحافظة على الطاعات،ومجانبة اللهو واللغو والإثم والمحرمات،والاستقامة في الأقوال والأفعال والمعاملات. قَالَ بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ: " الذِّكْرُ ذِكْرَانِ ذِكْرُ اللهِ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ جَمِيلٌ،وَذِكْرُ اللهِ عِنْدَ مَا أَحَلَّ أَوْ حَرَّمَ أَفْضَلُ " وعَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: " الذِّكْرُ ذِكْرَانِ فَذِكْرُ اللهِ بِاللِّسَانِ وَكُلُّ ذِكْرٍ حَسَنٌ وَذِكْرٌ عِنْدَ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فَذَاكَ أَفْضَلُ " وقال أحد العارفين: المؤمن يذكر الله تعالى بكله،لأنه يذكر الله بقلبه فتسكن جميع جوارحه إلى ذكره فا يبقى منه عضو إلا وهو ذاكر في المعنى،فاذا امتدت يده إلى شيء ذكر الله فكف يده عما نهى الله عنه،وإذا سعت قدمه إلى شيء ذكر الله فغض بصره عن محارم الله،وكذلك سمعه ولسانه وجوارحه مصونة بمراقبة الله تعالى،ومراعاة أمر الله،والحياء من نظر الله،فهذا هو الذكر الكثير الذي أشار الله إليه بقوله سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (42)} الأحزاب. يَأْمُرُ اللهُ تَعَالى المُؤْمِنينَ مِنْ عِبَادِهِ بِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ،فَهُوَ المُنْعِمُ المُتَفَضِّلُ عَلَيهِمْ،لِمَا لَهُمْ فِي ذِكْرِ اللهِ مِنْ عَظيمِ الثَّوابِ.وَيَأْمُرُهُمْ تَعَالى أَيضاً بِتَنْزِيهِهِ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بَيْنَ طَرَفَيِ النَّهَارِ:فِي البُكُورِ عِنْدَ القِيامِ مِنَ النَّومِ،وَوَقْتِ الأَصِيلِ،وَقْتِ الانْتِهَاءِ مِنَ العَمَلِ اليَومِيِّ،فَيَكُونُ الذِّكْرُ فِي الصَّبَاحِ شُكْراً للهِ عَلى بَعْثِ الإِنسْانِ مِنْ رُقَادِهِ،وَفِي المَسَاء شُكْراً لَهُ عَلى تِوفِيقِه لأَداءِ العَمَلِ،والقِيَامِ بالسَّعِي لِلْحُصُولِ عَلَى الرِّزْقِ . وقال سبحانه: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (45) سورة العنكبوت. يَأْمُرُ اللهُ تَعالى المُؤمنينَ،وَهُوَ يُوَجِّهُ خِطَابَهُ لِرَسُولِهِ r،بِتِلاَوَةِ القُرآنِ،وإِقَامَةِ الصَّلاةِ،فَقَالَ تعالى: وَأدِمْ تِلاَوَةَ القُرآنِ تَقَرُّباً إِلى اللهِ تَعَالى بِتلاَوتِهِ،وَتَذكُّراً لمَا فيهِ منَ الأَسْرَارِ والفَوائِدِ،واعْمَلْ بمَا فيهِ من الأوامرِ والآداب وَمَحاسِنِ الأخْلاَقِ،وأقِمِ الصَّلاةَ،وأدِّهَا عَلَى الوَجهِ الأكمْلِ بخُشُوعِها وَرُكُوعِها وسُجُودِهَا،لأَنَّ الصَّلاَةَ إِنْ تَمَّتْ عَلَى الوَجهِ الأكْمَلِ كَانَتْ لَها فَائِدَتَانِ: |
- أَنها تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ والبَغْيِ وَتَحْمِلُ المُؤْمِنَ عَلى مُجَانِبَتِها،وَتركِها لِمُنَافَاةِ الصَّلاةِ لفِعْلِ الفَاحِشَةِ والمُنكَر والبَغْيِ .
- وفِيها فَائِدَةٌ أَعْظَمُ،أَلا وهي ذِكرُ اللهِ لِعِبَادِهِ الذينَ يذكُرُونَهُ،ويُؤدُّونَ الصّلاةَ بشُرُوطِها،ويُسَبِّحُونه ويَحْمَدُونَهُ،واللهُ تَعَالى يَعلَمُ ما تَفْعَلُونَ مِنْ خَيرٍ وشَرٍ،وهوَ مُجَازِيكُمْ بهِ . وعَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ،قَالَ:" مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ:ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ،أَذْكُرْكَ حِينَ أَغْضَبُ،وَلَا أَمْحَقْكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ،يَا ابْنَ آدَمَ إِذَا ظُلِمْتَ فَاصْبِرْ،فَإِنَّ لَكَ نَاصِرًا خَيْرًا مِنْكَ لِنَفْسِكَ نَاصِرًا ". وعن وهيب بن الورد.قال: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي إِذَا غَضِبْتَ أَذْكُرُكَ إِذَا غَضِبْتُ،فَلَا أُمْحِقُكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ،وَإِذَا ظُلِمْتَ فَاصْبِرْ،وَارْضَ بِنُصْرَتِي،فَإِنَّ نَصْرِي لَكَ خَيْرٌ مِنْ نُصْرَتِكَ لِنَفْسِكَ وعن صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ مَعْدَانَ يَقُولُ:" قَالَ اللَّهُ تعالى: يَا ابْنَ آدَمَ،إِنْ ذَكَرْتَنِي فِي نَفْسِكَ ذَكَرْتُكَ فِي نَفْسِي،وَإِنْ ذَكَرْتَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُكَ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنَ الْمَلَأِ الَّذِي ذَكَرْتَنِي فِيهِمْ،وَإِنْ ذَكَرْتَنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرْكَ حِينَ أَغْضَبُ فَلَمْ أَمْحَقْكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ "." وعَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَائِذِ اللَّهِ قَالَ:" إِنَّ رَبَّكُمْ تَعَالَى قَالَ:ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرْكَ حِينَ أَغْضَبُ،فَلَمْ أَمْحَقْكَ فِيمَنْ أَمْحَقُ ". وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: " يَا رَبِّ،أَيُّ خَلْقِكَ أَكْرَمُ عَلَيْكَ ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَزَالُ لِسَانُهُ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِي قَالَ: يَا رَبِّ،أَيُّ خَلْقِكَ أَعْلَمُ ؟ قَالَ: الَّذِي يَلْتَمِسُ إِلَى عِلْمِهِ عِلْمَ غَيْرِهِ قَالَ: يَا رَبِّ،فَأَيُّ خَلْقِكَ أَعْدَلُ ؟ قَالَ: الَّذِي يَقْضِي عَلَى نَفْسِهِ كَمَا يَقْضِي عَلَى النَّاسِ قَالَ: يَا رَبِّ،فَأَيُّ خَلْقِكَ أَعْظَمُ ذَنْبًا ؟ قَالَ: الَّذِي يَتَّهِمُنِي قَالَ: يَا رَبِّ،وَهَلْ يَتَّهِمُكَ أَحَدٌ ؟ قَالَ: الَّذِي يَسْتَخِيرُنِي ثُمَّ لَا يَرْضَى بِقَضَائِي " وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r- أَنَّهُ قَالَ « مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ ». رواه أبو داود. اختتام الذكر بالصلاة على النبي rوبالدعاء. يستحب الاجتماع على الذكر،لما فيه من حث الهمم على الطاعة،وتقوية الضعيف وإعانته على نفسه،والتقاء القلوب وتغذية ذاكرها لغافلها،وإشاعة جو الألفة والمحبة في الله،واكتساب بركة الجماعة،وإظهار لشعائر الله وأركان الدين. قال تعالى:{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} المائدة 2. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r- « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِى بِى،وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِى،فَإِنْ ذَكَرَنِى فِى نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِى نَفْسِى،وَإِنْ ذَكَرَنِى فِى مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِى مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ،وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا،وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا،وَإِنْ أَتَانِى يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ».رواه البخاري. وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r-:" لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ أَقْوَامًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي وُجُوهِهِمُ النُّورُ،عَلَى مَنَابِرِ اللُّؤْلُؤِ،يَغْبِطُهُمُ النَّاسُ،لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ ".قَالَ:فَجَثَا أَعْرَابِيٌّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،حَلِّهِمْ لَنَا نَعْرِفْهُمْ.قَالَ:هُمُ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ،مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى،وَبِلَادٍ شَتَّى،يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ يَذْكُرُونَهُ.رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي مَجْلِسٍ،فَتَفَرَّقُوا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللهِ،وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ r،إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ." ابن حبان. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَإِنْ أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ لِلثَّوَابِ. بعض الأذكار المسنونة أستغفر الله: قال تعالى:{ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً (11)} نوح. ثُمَّ أَعْلَنْتُ الدَّعْوَةَ لَهُمْ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ،ثُمَّ أَسْرَرْتُهَا لَهُمْ فِي أَحْوَالٍ أُخْرَى،وَطَوْراً كُنْتُ أَجْمَعُ بَيْنَ الجَهْرِ والإِسْرَارِ لَعَلَّ وَاحِداً مِنَ أَسَالِيبِ الدَّعْوَةِ يَنْجَحُ فِي إِقْنَاعِهِمْ .وَقُلْتُ لَهُمْ:اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ وَاسْأَلُوهُ العَفْوَ عَنْ ذُنُوبِكُمْ،وَمَا فَرطَ مِنْكُمْ مِنَ السَّيِّئَاتِ والآثَامِ،فَرَبُّكُمْ غَفَّارٌ لِذُنُوبِ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ،وَرَجَعَ إِلَيْهِ مُخْلِصاً مُنِيباً .وَإِنَّكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ،وَاسْتَغْفَرْتُمُوهُ،فَإِنَّهُ تَعَالَى يُرْسِلُ المَطَرَ عَلَيْكُمْ مُتَتَابِعاً،لِتُنْبِتَ أَرْضُكُمْ بِالزُّرُوعِ وَالخَيْرَاتِ .وَيُكَثِّرُ لَكُمُ الأَمْوَالَ وَالخَيْرَاتِ،وَيُكَثِّرُ لَكُمُ الأَوْلاَدَ،وَيَجْعَلُ لَكُمْ بَسَاتِينَ تُنْتِجُ الثِّمَارَ،وَيَجْعَلُ لَكُمْ أَنْهَاراً جَارِيَةً تَرْوِي الزُّروعَ وَالبَسَاتِينَ والأَشْجَارَ والمَوَاشِيَ فَتَزْدَادُ الخَيْرَاتُ . وقال تعالى:{ كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} الذاريات. كَانُوا يَنَامُونَ القَلِيلَ مِنْ سَاعَاتِ الْلِّيلِ،وَيَقُومُونَ لِلصلاةِ وَالعِبَادةِ في مُعْظَمِهِ .وَكَانُوا يُحيُون الْلِّيلَ مُتَهَجِّدِينَ،فَإذا جَاءَ وَقْتُ السَّحَرِ أخَذُوا في الاسْتِغْفَارِ كَأنَّهمْ أسْلَفُوا في ليلتِهِم الذُّنُوبَ . وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ». رواه أبو داود. وعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- إِذَا انصرف مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ « اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ». رواه مسلم. لا اله إلا الله: قال تعالى:{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} محمد. يَأْمُرُ اللهُ تَعَالى رَسُولَهُ الكَريمَ rبالثَّبَاتِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيهِ مِنَ الإِيمَانِ بأنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،وَمن دَوامِ الاسْتِغفَارِ لِنَفسِهِ وَللْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ،واللهُ يَعْلَمُ تَصَرُّفَ العِبَادِ في نَهَارِهِمْ،وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهُمْ في لَيلِهِمْ،فَعَلَيهمْ أَنْ يَتَّقُوهُ وَيَسْتَغْفِرُوهُ وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِىَّ -r- قَالَ « خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ». رواه الترمذي. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ. فِى يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ. كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِىَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِى يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ». وعَنِ الرَّبِيعِ بن خُثَيْمٍ،قَالَ:مَنْ قَالَ:لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ،قَالَ:فَقُلْتُ لِلرَّبِيعِ بن خُثَيْمٍ:مِمَّنْ سَمِعْتَهُ ؟ قَالَ:مِنْ عَمْرِو بن مَيْمُونٍ،فَأَتَيْتُ عَمْرَو بن مَيْمُونٍ،فَقُلْتُ:مِمَّنْ سَمِعْتَهُ ؟ قَالَ:مِنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى،فَأَتَيْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى،فَقُلْتُ:مِمَّنْ سَمِعْتَهُ ؟ قَالَ:مِنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ يُحَدِّثُهُ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r.. التسبيح والتحميد والتكبير: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ،ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ:سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ،سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ. " متفق عليه. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « لأَنْ أَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ ». رواه مسلم. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَحَمَدَهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،وَكَبَّرَهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،فَتِلْكَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ،وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،لَهُ الْمُلْكُ،وَلَهُ الْحَمْدُ،وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ،غُفِرَتْ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ." رواه مسلم. لا حول ولا قوة إلا بالله: عَنْ أَبِي مُوسَى،قَالَ:أَخَذَ الْقَوْمُ فِي عَقَبَةٍ أَوْ ثَنِيَّةٍ،فَكُلَّمَا عَلاَهَا رَجُلٌ،قَالَ:لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،وَاللَّهُ أَكْبَرُ،وَالنَّبِيُّ rعَلَى بَغْلَةٍ يَعْرِضُهَا فِي الْجَبَلِ،فَقَالَ:يَا أَيُّهَا النَّاسُ،إِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا،ثُمَّ،قَالَ:يَا أَبَا مُوسَى،أَوْ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ،أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ:بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ." رواه مسلم. وعَنْ أَبِي ذَرٍّ،قَالَ:كُنْتُ أَمْشِي خَلْفَ النَّبِيِّ r،فَقَالَ:يَا أَبَا ذَرٍّ أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ:بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ،فَقَالَ:لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. وعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ،قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ صَاحِبُ رَسُولِ اللهِ r،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rلَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ،فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِجِبْرِيلَ:مَنْ مَعَكَ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ جِبْرِيلُ:هَذَا مُحَمَّدٌ r،فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ:يَا مُحَمَّدُ مُرْ أُمَّتَكَ أَنْ يُكْثِرُوا غِرَاسَ الْجَنَّةِ،فَإِنَّ تُرْبَتَهَا طَيِّبَةٌ،وَأَرْضُهَا وَاسِعَةٌ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ rلِإِبْرَاهِيمَ:وَمَا غِرَاسُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ:لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ النَّبِيَّ r،قَالَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ،فَقَالَ:بِسْمِ اللهِ،تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ،لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ،فَيُقَالُ لَهُ:حَسْبُكَ قَدْ كُفِيتَ وَهُدِيتَ وَوُقِيتَ. فَيَلْقَى الشَّيْطَانُ شَيْطَانًا آخَرَ فَيَقُولُ لَهُ:كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ كُفِيَ وَهُدِيَ وَوُقِيَ. وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،قَالَ:شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ rالرَّمْضَاءَ،فَلَمْ يَشْكُنَا،وَقَالَ:أَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِ:لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّابِاللهِ،فَإِنَّهَا تَدْفَعُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ بَابًا مِنَ الضُّرِّ أَدْنَاهَا الْهَمَّ " الصلاة على رسول الله r: قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)} الأحزاب. إن الله تعالى يثني على النبي rعند الملائكة المقربين،وملائكته يثنون على النبي ويدعون له،يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه،صلُّوا على رسول لله،وسلِّموا تسليمًا،تحية وتعظيمًا له. وصفة الصلاة على النبي rثبتت في السنة على أنواع،منها: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى،قَالَ:قَالَ لِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ:أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً ؟ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللهِ r،فَقُلْنَا:يَا رَسُولَ اللهِ،قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ،فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ ؟ قَالَ:قُولُوا:اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ،كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ،كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ." وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « مَنْ صَلَّى عَلَىَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ». " رواه مسلم. وعَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ ». وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً." رواه ابن حبان. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ،فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ،وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ،فَلَمْ يُدْخِلاَهُ الْجَنَّةَ،وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ،ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ.". وعَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ،عَنْ أَبِيهِ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:إِنَّ الْبَخِيلَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ،فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ. وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- قَالَ « مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِى وَعَدْتَهُ،حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».رواه البخاري وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَىَّ إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَلَىَّ رُوحِى حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ ». رواه أبو داود. وعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،فِيهِ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ،وَفِيهِ قُبِضَ،وَفِيهِ النَّفْخَةُ،وَفِيهِ الصَّعْقَةُ،فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ،فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ،قَالُوا:وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ ؟ فَقَالَ:إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَامَنَا. _____________ |
-28-آداب الدعاء
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ « الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ ». رواه الترمذي،ويطلق المخ على الخالص من الشيء،ذلك أن كل عابد لله سبحانه ربما سما قلبه،وغفل لبه،إلا الذي يدعو ربه فإنه حاضر معه،متضرع بين يديه،خاشع له ظاهره وباطنه،وهذه غاية العبودية لله تعالى،وهي أشرف أحوال الإنسان،وأفضلها،وأسعدها.. وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -r- يَقُولُ « الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ». ثُمَّ قَرَأَ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ولقد جاء رجل إلى النبي rفقال: أقريب ربنا فنناجيه،أم بعيد فنناديه،فسكت عنه،فأنزل الله تعالى:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} البقرة. وقد بشّر سبحانه وتعالى عباده بسعة فضله،وعظيم جوده وكرمه،باستجابة لدعائهم،وسماعه لطللبهم،فقال:{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} غافر. يَحُثُّ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَلَى دُعَائِهِ،وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالإِجَابَةِ عَلَى دُعَائِهِمْ؛ وَدُعَاءُ العَبْدِ رَبِّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِيْمَانِهِ بِرَبِّهِ،وَخَوْفِهِ مِنْهُ،وَطَمَعِهِ فِي ثَوَابِهِ وَكَرَمِهِ،وَرَحْمَتِهِ،وَمَنْ اسْتَكْبَرَ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَهْتَمُّ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ لأَنَّهُ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ،وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ،وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الخَلاَئِقِ،وَتَصْرِيفِ شُؤُونِهِمْ،وَإحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ،وَإِعَادَةِ بَعْثِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَيْهَا،وَيَجْزِيَهُمْ بِهَا .وَلِذَلِكَ قَالَ تعالى: إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ فَإِنَّهُ سَيُدْخِلُهُمُ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَهُمْ أَذِلاءُ صَاغِرُونَ . بل حذر سبحانه عباه من نسيان الدعاء،وترك التضرع،والإعراض عن الالتجاء إلى الله،فقال:{ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (77)} الفرقان. قُلْ يا محمدُ لهؤلاءِ الذينَ أُرْسِلْتَ إليهم:إنَّ الفائزينَ بِنِعَمِ الله الجَليلةِ،التي يَتَنَافَسُ فيها المُتنافِسُونَ إِنما نَالُوها بما ذُكِرَ من الصِّفاتِ الحميدةِ التي اتَّصَفُوا بها،وَلَوْلاها لم يَهْتَمَّ بهم ربُّهم،ولم يَعْتَدَّ.ولذلكَ فإنَّهُ لا يَعْبَأُ بِكُمْ إذا لم تَعْبُدُوه،فما خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ إِلا لِيَعْبُدُوا ربَّهُمْ ويُطِيعُوه وحْدَه لا شريكَ له،وما دُمْتُمْ قد خَالَفْتُم أمرَ ربِّكم،وَعَصَيْتُمْ حُكْمَهُ،وكَذَّبْتُم رَسُولَهُ،فَسَوْفَ يَلْزَمُكُمْ أَثَر تَكْذِيبِكُمْ،وهو العقابُ الذي لا مَنَاصَ منهُ،فاسْتَعِدُّوا له،وهَيِّئُوا أنفسَكُمْ لذلكَ اليومِ العصيبِ،وهو آتٍ قَريبٌ . وإذا كان الخلاف في الدعاء وهل يرد القضاء،أو يغير في قوانين الله ونواميسه شيئا،فإنه مما لا خلاف فيه أنه التجاء الضعيف إلى القوي،ورجاء الفقير من الغني،وتضرع من لا يملك من الأمر سببا إلى مفتح الأبواب ومسبب الأسباب. عَنْ مُعَاذٍ،عَنْ رَسُولِ اللهِ r: لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ،وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ،فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ عِبَادَ اللَّهِ." رواه أحمد. وعن عائشة،رضي الله عنها قالت:قال رسول الله r: « لا يغني حذر من قدر،والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل،وإن الدعاء والبلاء ليعتلجان إلى يوم القيامة » وامتثال أمر الله تعالى وأمر رسوله بالدعاء،والمسارعة إلى ما يحبه الله سبحانه،ومما يحبه من عباده التوسل اليه والضراعة بين يديه،أفضل من الجدال العقيم،في فائدة الدعاء،وجدوى الرجاء،وهل ترد من قضاء الله شيئا،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ r،أَنَّهُ قَالَ:"لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الدُّعَاءِ ". والقرآن الكريم،والأحاديث النبوية،ملأى بنماذج من الدعاء،ورقائق من الاتجاء،وفرائد من مناجاة الأنبياء،وصلتهم مع ربهم،تلك الصلة التي لا تنقطع ما دام يربطها حبل الدعاء والنداء. فهذا آدم عليه السلام يقع في الخطيئة فلا يجد موئلا ولا ملجأ إلا في هذا الدعاء الحزين:{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} الأعراف. قَالَ آدَمُ وَزَوْجُهُ نَادِمَيْنِ مُتَضَرِّعَيْنِ:رَبَّنَا إِنَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا بِطَاعَتِنَا لِلشَّيْطَانِ،وَمَعْصِيَتِنا لأَمْرِكَ،وَقَدْ أَنْذَرْتَنَا،وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا مَا ظَلَمْنَا بِهِ أَنْفُسَنَا،وَتَرْحَمْنَا بِالرِّضا عَنَّا،وَتُوَفِقْنَا لِلهِدَايَةِ،وَتَرْكِ الظُّلْمِ،لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ لأَنْفُسِنَا.( وَهَذِهِ هِيَ الكَلِمَاتُ التِي تَلَقَّاهَا آدَمُ مِنْ رَبِّهِ مُعْتَذِراً لِيَغْفِرَ لَهُ ) . وهذا نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما،حتى إذا يئس من هدايتهم،نادى ربه :{ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) [القمر:10 - 12] . فَدَعَا نُوحٌ رَبَّهُ قَائِلاً:يَا رَبِّ إِنَّ قَومِي غَلَبُونِي،وَإِنَّني ضَعِيفٌ لاَ أَسْتَطِيعُ مُقَاوَمَتَهُمْ فَانْتَصِرْ أَنْتَ مِنْهُمْ لِدِينِكَ،بِعِقابٍ مِنْ عِنْدِكَ،عَلَى كُفْرِهِمْ بِكَ،وَعَلى تَكْذِيبِهِمْ رَسُولَكَ.فأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَطَراً غَزِيراً يَنْهَمِرُ انْهِمَاراً.وَأَمَرْنَا الأَرْضَ بِأَنْ تَتَفَجَّرَ عُيُوناً وَيَنابيعَ،فَالتَقَى مَاءُ السَّماءِ مَعَ مَاءِ الأَرْضِ،عَلَى أَمْرٍ قَدْ قَدَّرَهُ،اللهُ،وَهُوَ إِحْدَاثُ طُوفَانٍ يُهْلِكُ هؤُلاءِ الكَفَرَةَ الفَجَرَةَ . وهذا سيدنا إبراهيم يناجي ربه بهذا الدعاء المؤثر النابع من أعماق القلب المتصل بالله العارف به:{ رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} الشعراء. ولنتدبر هذا المقطع القرآني الرقيق يحدثنا عن أكرم رسله وهم يلوذون بخالقهم،ويلتجئون إليه:{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} الأنبياء. يذْكُرُ اللهُ تَعالى مَا أَصابَ عَبْدَهُ أَيُّوبَ عَليْه السلامُ،مِنَ البَلاءِ في مَالِهِ وولَدِهِ وجَسَدِهِ،ولِبثَ فِي ذلِكَ البلاءِ مُدَّةً طَويلةً فَنادَى رَبَّه:يَا رَبِّ لَقَدْ مَسَّنِي الضُّرُّ فَارْحَمْنِي،وأفِضْ عَليَّ مِنْ جُودِكَ وَرَحْمَتِكَ مَا يُسْعِفُنِي،ويَدْفَعُ الضُّرُّ عَنِّي،وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.وإِنَّ إسْمَاعيلَ وإدريسَ وذا الكفْلِ،كلَّهُم مِنَ الرُّسُل الكِرَامِ،الذين صَبَروا على ما ابْتَلاهُمْ بِهِ اللهُ،وأَخْبتُوا لِرَبِّهم،فَنَالُوا رِضَاهُ.يَذْكُرُ اللهُ تَعالى قِصَّةَ يونُسَ عليهِ السلامُ ( وهوَ ذو النُّونِ أيْ صاحبُ الحُوت )،وكانَ اللهُ قَدْ بَعَثَهُ نَبِياً إلى أَهْل نينَوَى فَدَعَاهُمْ إلى عِبَادةِ اللهِ وَحدَهُ فَأَبَوْا،وَتَمَادَوْا في كُفْرِهم،فَخَرَجَ يُونُسُ مِنْ بَيْنِهِم مُغَاضِباً لَهُمْ،وأَتْذَرَهُمْ بأنَّ العَذَابَ وَاقِعٌُ بِهِمْ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّام،فَلما تَحَقَّقُوا مِنْ ذَلِكَ،وَعِلمُوا أنَّ النبيَّ لا يَكْذِبُ،خًَرَجُوا مِنَ البلدِ بأطْفَالِهم وأنْعامِهم ومَوَاشِيهِم،ثُمَّ تَضَرَّعُوا إلى اللهِ تَعَالى،وَجأَرُوا إليهِ بالدُّعَاءِ،فَرَفَعَ اللهُ عَنْهُمْ العَذابَ،وصَرَفَهُ عَنْهُم،كَمَا جَاءَ في آيةٍ أُخْرى . أمَّا يونسُ فإنَّه تَرَكَ قَوْمَه مُغَاضِباً لَهُم،وذَهَبَ فَرَكِبَ في سَفِينَةٍ فَاضْطَرَبَتْ وَخافَ مَنْ فِيها مِنْ غَرَقِها،فاقْتَرعُوا على رَجُل يُلقُونهُ مِنْ بينِهم في الماءِ يَتَخفَّفُونَ مِنهُ،فوقَعَتِ القُرْعَةُ على يُونُسَ،فَأَبَوْا أنْ يُلْقُوهُ،ثُمَّ أعادُوا القُرْعَةَ فَوَقَعَتْ علَيْهِ،فَأَبَوْا،ثمَّ أعَادُوا للمرةِ الثّالثةِ فَوَقَعَتْ عليه،فَتَجَرَّدَ يُونُسُ مِنْ ثِيَابِهِ،وأَلْقَى بِنَفْسِهِ في المَاءِ،فالْتَقَمَهُ الحُوتُ،ولِذَلِكَ سُمِّيَ بصَاحِبِ الحُوتِ ( ذُو النُّونِ ) . وكانَ يُونسُ يَظُنُّ أنَّ الله لَنْ يُضَيِّقَ عليْهِ في بَطْنِ الحُوتِ،( أو أنهُ تَعالى لنْ يَقْدِرَ عليه أَنْ يَكُونَ فِي بَطْن الحُوتِ ) فَكَانَ في بَطْنِ الحوتِ في ظُلْمَةٍ،وفي أعْمَاقِ البَحْرِ في ظُلمَةٍ،وفي ظَلاَمِ الليلِ في ظُلْمَةٍ،ولذلك قَالَ تعالى: { فنادى فِي الظلمات } ودَعاَ رَبَّهُ قائلاً:لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَك إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . يُخْبِرُ اللهُ تعالى عَنْ زَكَريَّا عَليهِ السَّلامُ حينما تَقَدَّمَتْ بِهِ السِّنُ،وطَلبَ مِنَ اللهِ أَنْ يَهَبَهُ وَلَداً يَرثُ النُبُوَّةَ من بَعْدِهِ،فَنَادَى رَبَّه نِدَاءً خَفِيّاً عَنْ قَوْمِهِ،وقَالَ:رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً بِلا وَلَدٍ،وَلاَ وَارِثٍ،يَقُومُ بَعْدِي في النَّاسِ،وأَنْتَ يَا رَبِّ خَيْرُ مَنْ وَرِثَ العِبَادَ ( وفي هذا الدُّعَاءِ إشَارَةٌ إِلى قِيَامِ السَّاعةِ،وهَلاَكِ البشَرِ جَمِيعاً،وَبَقَاءِ اللهِ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ . وهكذا كان شأن خاتم النبيين وسيد المرسلين،فقد أتحفتنا كتب السيرة والحديث الشريفة،بباقة عطرة،من دعائه r،وفيها ما تهتز له القلوب،وتتزكى به النفوس،وتفيض له العيون،وتخشع عنده الجوارح،وتلتقي بخالقها الأرواح على بساط العبودية الصحيحة. والله سبحانه أكرم الأكرمين،لا يخيّب راجيه،ولا يرد سائله،ولا يحرم من فضله بره وكرمه داعيه،قال سبحانه: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (62) سورة النمل. |
واسأَلهُم هَلِ الذِينَ تُشرِكُونَهُم في العِبَادَةِ مَعَ اللهِ خَيرٌ،وَهُمْ لا يَضُرُّونَ وَلا يَنفعُونَ،أَمْ مَنْ يُجيبُ دَعوَةَ المُضْطَرِّ عِنْدَ الشَّدَّةِ إِذا دَعَاهُ لِيَكشِفَ عَنْهُ مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ،وَمَنْ يَجْعَلُ أُمَما في الأَرْضِ قَرْناً بَعْدَ قَرنٍ،وَجيلاً بَعْدَ جِيل،وَلو شَاءَ لخَلَقَهُمْ أَجمَعِين،ولَمْ يَجْعَلْ بعضَهُم مِنْ ذُرِّيَّةِ بعضٍ،ولو فَعَلَ ذَلِك لضَاقَتِ الأرضُ بالبَشَرِ،ولضَاقَتْ عَليهِم مَعَايِشُهُمْ وَأَرزَاقُهُمْ،ولكِنّ حِكمَتَهُ اقتَضَتْ أن يَخْلُقَهُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ،وَأ،يَجْعَلَهُمْ أُمماً يَخْلُفُ بَعْضُهُم بَعْضاً،حَتَّى يَنْقَضِيَ الأَجَلُ وَيَعُودَ النَّاسُ إِلى اللهِ تَعَالى يَومَ القِيامَةِ،وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ غيرُ اللهِ تَعَالى؟ فَهَلْ هُنَاكَ إِلهٌ مَعَ اللهِ،وَهَلْ تَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلهاً غَيرَهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُهُ اللهُ؟ فَمَا أقَلَّ تَذَكُّرَكُمْ أنْعُمَ اللهِ عَلَيكُم التِي يُرشِدُكُم بِها إِلى الحَقِّ،وَيَهدِيكُمْ بِها إلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ؟
وعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ:إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا." وقال أحدهم: لا تسألن بنّي آدم حاجة ………وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله………وبنيّ آدم حين يسأل يغضب وقد أرشد rإلى كيفية الدعاء وأحواله وأوقاته وآدابه في جملة تعاليمه الكريمة نختار منها هذه النفحات: الإخلاص لله تعالى،والوضوء،واستقبال القبلة،والجثو على الركب،والتوبة إلى الله. والاستغفار ورد المظالم إلى أهلها.قال تعالى:{ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) } هود. وَأَمَرَ هُودٌ قَوْمَهُ بِاسْتِغْفَارِ رَبِّهِمْ مِنَ الشِّرْكِ،وَمِمَّا أَسْلَفُوا مِنْ ذُنُوبِهِمْ،وَبِإِخْلاَصِ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ عَمَّا يَسْتَقْبِلُونَهُ،وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ مَنْ تَابَ إِلَى رَبِّهِ وَاسْتَغْفَرَهُ،يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ،وَسَهَّلَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ،وَحَفِظَ شَأْنَهُ،وَأَرْسَلَ السَّمَاءَ عَلَيْهِ بِالمَطَرِ المُتَتَابِعِ،وَالإِسَاءَةِ إلى النَّاسِ . وعن عَامِرَ بْنِ خَارِجَةَ بْنِ سَعْدٍ،عَنْ جَدِّهِ سَعْدٍ،أَنَّ قَوْمًا شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ rقَحْطَ الْمَطَرِ،قَالَ: فَقَالَ: اجْثُوا عَلَى الرُّكَبِ،ثُمَّ قُولُوا: يَا رَبِّ،يَا رَبِّ،قَالَ: فَفَعَلُوا،فَسُقُوا حَتَّى أَحَبُّوا أَنْ يَكُفَّ عَنْهُمْ." رواه أبو عوانة. رفع اليدين حذو المنكبين،وبسطهما مكشوفتان إلى السماء،بقصد التذلل والتمسكن والاستجداء،ثم مسح الوجه بهما بعد انتهاء الدعاء.عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىِّ حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « .. سَلُوا اللَّهَ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ وَلاَ تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا فَإِذَا فَرَغْتُمْ فَامْسَحُوا بِهَا وُجُوهَكُمْ ». رواه أبو داود. عَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ r،لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ،فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.". رواه البخاري. وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِى الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى فِى حَدِيثِهِ لَمْ يَرُدَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ. رواه الترمذي. حضور القلب مع الله،وتحسين الظن والرجاء به سبحانه،والخضوع بين يديه،والتيقن من استجابته وكرمه وأنه سميع قريب مجيب.. قال تعالى:{ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)} الأعراف. يُرْشِدُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ إلى دُعَائِهِ بِتَضَرُّعٍ وَبِصُورَةٍ خَفِيَّةٍ.( أَيْ بِخُشُوع وَصِحَّةِ يَقِينٍ بِوَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَبُرُبُوبِيَّتِهِ ) لاَ جَهَاراً وَلاَ مُرَاءَاةً،فَاللهُ لاَ يُحِبُّ أَنْ يَتَجَاوَزُوا فِي الدُّعَاءِ حُدُودَ مَا أُمِرُوا بِهِ ( كَالمُبَالَغَةِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الدُّعَاءِ،أَوْ طَلَبِ العَوْنِ مِنَ اللهِ عَلَى ارْتِكَابِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ،أَوْ التَّوجُّهِ بِالدُّعَاءِ إلَى غَيْرِ اللهِ لِيَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ...) وعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتعالى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي،فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ.. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ r،قَالَ:إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ يَقُولُ:أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي،إِنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ،وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ. وعَنْ حَيَّانَ أَبِي النَّضْرِ،قَالَ خَرَجْتُ عَائِدًا لِيَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ فَلَقِيتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ وَهُوَ يُرِيدُ عِيَادَتَهُ،فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ،فَلَمَّا رَأَى وَاثِلَةَ،بَسَطَ يَدَهُ،وَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْهِ،فَأَقْبَلَ وَاثِلَةُ حَتَّى جَلَسَ،فَأَخَذَ يَزِيدُ بِكَفَّيْ وَاثِلَةَ،فَجَعَلَهُمَا عَلَى وَجْهِهِ،فقَالَ لَهُ وَاثِلَةُ:كَيْفَ ظَنُّكَ بِاللَّهِ ؟ قَالَ:ظَنِّي بِاللَّهِ وَاللَّهِ حَسَنٌ،قَالَ:فَأَبْشِرْ،فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r،يَقُولُ:قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ:أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي إِنْ ظَنَّ خَيْرًا،وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا." وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ ». رواه الترمذي . قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ:مَعْنَى قَوْلِهِ:" وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ " أَيْ:كُونُوا عَلَى حَالَةٍ تَسْتَحِقُّونَ الْإِجَابَةَ أَيْ بِحُضُورِ السِّرِّ،وَصِحَّةِ الْحَالِ،حَتَّى يَكُونَ مَعْرُوفًا فِي الْمَلَكُوتِ،حَتَّى يُقَالَ:صَوْتٌ مَعْرُوفٌ،وَهُوَ أَنَّ يَكُونَ تَعَرَّفَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَدَاءِ أَوَامِرِهِ،وَاجْتِنَابِ مَنَاهِيهِ،وَقَبُولِ أَحْكَامِهِ غَيْرَ مُتَسَخِّطٍ،ثُمَّ يَدْعُوهُ،وَلَا يَكُونُ فِي سِرِّهِ غَيْرُهُ إِلَّا سِوَاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ أَيْ:رَاجِعٍ إِلَيْهِ عَمَّا سِوَاهُ،ثُمَّ يَكُونُ مُضْطَرًا إِلَيْهِ،فَقَدِ انْقَطَعَ رَجَاؤُهُ عَمَّا سِوَاهُ،لَا يَرْجِعُ إِلَّا حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ،وَلَا إِلَى أَفْعَالِهِ تَعَالَى،قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ،قَالَ بَعْضُهُمُ:الْمُضْطَرُّ الَّذِي إِذَا رَفَعَ إِلَيْهِ يَدَهُ لَمْ يَرَ لِنَفْسِهِ عَمَلًا،فَإِذًا كَذَلِكَ أَيْقَنَ بِإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ،لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ إِجَابَةَ مَنْ دَعَاهُ،وَهَذِهِ شَرَائِطُ مَنْ يُجِيبُ دُعَاءَهُ،وَمَنْ أَتَى بِهَا فَاللَّهُ مُنْجِزٌ لَهُ وَعْدَهُ،وَاللَّهُ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ " وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ:مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ،وَلاَ قَطِيعَةُ رَحِمٍ،إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاَثٍ:إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ،وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ،وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا:إِذًا نُكْثِرُ،قَالَ:اللَّهُ أَكْثَرُ." رواه أحمد. لزوم الدعاء والإكثارمنه،والاتجاء إلى الله في كل الأمور،كبيرها وصغيرها،جليلها ودقيقها.. لأن الدعاء هو غاية الاستعانة بالله،ومطلق العبودية لله،وإظهار الفاقة إلى الله.. قال تعالى حكاية عن عباده الصالحين: {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} (28) سورة الطور. لَقَدْ كُنَّا في الدُّنيا نَسَأَلُ اللهَ تَعَالى أَنْ يَمُنَّ عََلَينا بالرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ فَاسْتَجَابَ لِدُعَائِنَا وَأَعْطَانا سُؤْلَنَا،لأَنَّهُ هُوَ المُحْسِنُ المُتَفَضِّلُ،ذُو الرَّحمةِ الوَاسِعَةِ،وَالفَضْلِ العَظِيمِ . وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (15) سورة فاطر. يَا أَيُّها النَّاسُ أَنْتُم مُحْتَاجُونَ إِلى اللهِ تَعَالى فِي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ،وَهُوَ سُبْحَانَهُ غَنِيٌّ عَنْكُم،وَعَنْ عِبَادَتِكُمْ،فَكُلُّ نِعْمَةِ بِكُمْ فَهِيَ مِنْهُ،فَلَهُ الحَمْدُ والشُّكرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ . يخاطب تعالى جميع الناس،ويخبرهم بحالهم ووصفهم،وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه: فقراء في إيجادهم،فلولا إيجاده إياهم،لم يوجدوا. فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح،التي لولا إعداده إياهم [بها]،لما استعدوا لأي عمل كان. فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة،فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور،لما حصل [لهم] من الرزق والنعم شيء. فقراء في صرف النقم عنهم،ودفع المكاره،وإزالة الكروب والشدائد. فلولا دفعه عنهم،وتفريجه لكرباتهم،وإزالته لعسرهم،لاستمرت عليهم المكاره والشدائد. فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية،وأجناس التدبير. فقراء إليه،في تألههم له،وحبهم له،وتعبدهم،وإخلاص العبادة له تعالى،فلو لم يوفقهم لذلك،لهلكوا،وفسدت أرواحهم،وقلوبهم وأحوالهم. فقراء إليه،في تعليمهم ما لا يعلمون،وعملهم بما يصلحهم،فلولا تعليمه،لم يتعلموا،ولولا توفيقه،لم يصلحوا. |
فهم فقراء بالذات إليه،بكل معنى،وبكل اعتبار،سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا،ولكن الموفق منهم،الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه،ويتضرع له،ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين،وأن يعينه على جميع أموره،ويستصحب هذا المعنى في كل وقت،فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه،الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها.
{ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } أي: الذي له الغنى التام من جميع الوجوه،فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه،ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق،وذلك لكمال صفاته،وكونها كلها،صفات كمال،ونعوت وجلال. ومن غناه تعالى،أن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة،الحميد في ذاته،وأسمائه،لأنها حسنى،وأوصافه،لكونها عليا،وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة،وفي أوامره ونواهيه،فهو الحميد على ما فيه،وعلى ما منه،وهو الحميد في غناه [الغني في حمده]. وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: الدُّعَاءُ سِلاحُ الْمُؤْمِنِ،وَعِمَادُ الدِّينِ،وَنُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ " رواه الحاكم. يعني أنه يدافع البلاء ويعالجه كما يدافع عدوه بالسلاح وللدعاء مع البلاء ثلاث مقامات أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه أو يكون أضعف منه فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد لكنه قد يخففه أو يتقاومان فيمنع كل منهما صاحبه فبين المصطفى rبتنزيله الدعاء منزلة السلاح أن السلاح بضارب به لا بحده فقط فمتى كان السلاح تاماً لا آفة به والساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحد من الثلاثة تخلف التأثير فإذا كان الدعاء في نفسه غير صالح والداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه أو كان ثمة مانع من الإجابة لم يحصل التأثير وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لِيَسْأَلَ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا،حَتَّى شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ." ابن حبان. وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ،أَوْ حَوَائِجَهُ كُلَّهَا،حَتَّى يَسْأَلَهُ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ،وَحَتَّى يَسْأَلَهُ الْمِلْحَ." لأن طلب أحقر الأشياء من أعظم العظماء أبلغ من طلب الشيء العظيم منه ومن ثم عبر بقوله ليسأل وكرره ليدل على أنه لا مانع ثم ولا راد لسائل ولأن في السؤال من تمام ملكه وإظهار رحمته وإحسانه وجوده وكرمه وإعطائه المسؤول ما هو من لوازم أسمائه وصفاته واقتضائها لآثارها ومتعلقاتها فلا يجوز تعطيلها عن آثارها وأحكامها فالحق سبحانه وتعالى جواد له الجود كله يحب أن يسأل ويطلب أن يرغب إليه فخلق من يسأله وألهمه سؤاله وخلق ما يسأله فهو خالق السائل وسؤاله ومسؤوله. وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:إذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُكْثِرْ فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ." وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - r: " إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُكْثِرْ ; فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ".رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ خفض الصوت بالدعاء،وغضّ البصر وعدم رفعه إلى السماء.قال تعالى:{ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) } مريم. الذكْر: له معانٍ متعددة،فالذكْر هو الإخبار بشيء ابتداءً،والحديث عن شيء لم يكُنْ لك به سابق معرفة،ومنه التذكير بشيء عرفته أولاً،ونريد أن نُذكِّرك به،كما في قوله تعالى:{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ }[الذاريات: 55].ويُطلَق الذكْر على القرآن:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[الحجر: 9] وفي القرآن أفضل الذكر،وأصدق الأخبار والأحداث. كما يُطلق الذكر على كل كتاب سابق من عند الله،كما جاء في قوله تعالى:{ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ }[النحل: 43]. والذكْر هو الصِّيت والرِّفْعة والشرف،كما في قوله تعالى:{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ }[الزخرف: 44] وقوله تعالى:{ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ }[الأنبياء: 10] أي: فيه صِيتكم وشرفكم،ومن ذلك قولنا: فلان له ذِكْر في قومه. ومن الذكْر ذِكْر الإنسان لربه بالطاعة والعبادة،وذكْر الله لعبده بالمثوبة والجزاء والرحمة ومن ذلك قوله تعالى:{ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }[البقرة: 152]. فقوله تعالى: { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ } [مريم: 2] أي: هذا يا محمد خبر زكريا وقصته ورحمة الله به. والرحمة: هي تجليّات الراحم على المرحوم بما يُديم له صلاحه لمهمته،إذن: فكلُّ راحم ولو من البشر،وكلُّ مرحوم ولو من البشر،ماذا يصنع؟ يعطى غيره شيئاً من النصائح تُعينه على أداء مهمته على أكمل وجه،فما بالك إنْ كانت الرحمة من الخالق الذي خلق الخلق؟ وما بالك إذا كانت رحمة الله لخير خَلْقه محمد؟ إنها رحمة عامة ورحمة شاملة؛ لأنه rأشرف الأنبياء وأكرمهم وخاتمهم،فلا وَحْيَ ولا رسالة من بعده،ولا إكمال. إذن فهو أشرف الرسل الذين هم أشرف الخَلْق،ورحمة كل نبي تأخذ حظها من الحق سبحانه بمقدار مهمته،ومهمة محمد أكرم المهمات. وكلمة (رَحْمَة) هنا مصدر يؤدي معنى فعله،فالمصدر مثل الفعل يحتاج إلى فاعل ومفعول،كما نقول: آلمني ضَرْب الرجل ولدَه،فمعنى: { رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [مريم: 2] أي: رحم ربُّك عبده زكريا. لذلك قال تعالى: { رَحْمَةِ رَبِّكَ } [مريم: 2] لأنها أعلى أنواع الرحمة،وإن كان هنا يذكر رحمته تعالى بعبده زكريا،فقد خاطب محمدا rبقوله:{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }[الأنبياء: 107] فرحمة الله تعالى بمحمد ليست رحمة خاصة به،بل هي رحمة عامة لجميع العاملين،وهذه منزلة كبيرة عالية. فالمراد من { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [مريم: 2] يعنى هذا الذي يُتلَى عليك الآن يا محمد هو ذِكْر وحديث وخبر رحمة ربك التي هي أجلُّ الرحمات بعبده زكريا. وسبق أن أوضحنا أن العبودية للخَلْق مهانة ومذلَّة،وهي كلمة بشعة لا تُقبل،أما العبودية لله تعالى فهي عِزٌّ وشرف،بل مُنتهَى العِزّ والشرف والكرامة،وعللنا ذلك بأن العبودية التي تسوء وتُحزِن هي عبودية العبد لسيد يأخذ خيره،أما العبودية لله تعالى فيأخذ العبد خير سيده. لكن،ما نوع الرحمة التي تجلى الله تعالى بها حين أخبر رسوله rبخبر عبده زكريا؟ قالوا: لأنها رحمة تتعلق بطلاقة القدرة في الكون،وطلاقة القدرة في أن الله تبارك وتعالى خلق للمسبِّبات أسباباً،ثم قال للأسباب: أنت لست فاعلة بذاتك،ولكن بإرادتي وقدرتي،فإذا أردتُك ألاَّ تفعلي أبطلْتُ عملك،وإذا كنت لا تنهضين بالخير وحدك فأنا أجعلك تنهضين به. ومن ذلك ما حدث في قصة خليل الله إبراهيم حين ألقاه الكفار في النار،ولم يكن حظ الله بإطفاء النار عن إبراهيم،أو بجَعْل النار بَرْداً وسلاماً على إبراهيم أن يُنجي إبراهيم؛ لأنه كان من الممكن ألاَّ يُمكّنَ خصوم إبراهيم عليه السلام من القبض عليه،أو يُنزِل مطراً يُطفئ ما أوقدوه من نار،لكن ليست نكاية القوم في هذا،فلو أفلتَ إبراهيم من قبضتهم،أو نزل المطر فأطفأ النار لقالوا: لو كُنَّا تمكنّا منه لفعلنا كذا وكذا،ولو لم ينزل المطر لفعلنا به كذا وكذا. إذن: شاءت إرادة الله أنْ تكيد هؤلاء،وأن تُظهِر لهم طلاقة القدرة الإلهية فتُمكّنهم من إبراهيم حتى يلقوه في النار فعلاً،ثم يأتي الأمر الأعلى من الخالق سبحانه للنار أن تتعطل فيها خاصية الإحراق:{ قُلْنَا يانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }[الأنبياء: 69]. وكذلك في قصة رحمة الله لعبده زكريا تعطينا دليلاً على طلاقة القدرة في مسألة الخَلْق،وليلفتنا إلى أن الخالق سبحانه جعل للكون أسباباً،فمَنْ أخذ بالأسباب يصل إلى المسبِّب،ولكن إياكم أنْ تُفتَنوا في الأسباب؛ لأن الخالق سبحانه قد يعطيكم بالأسباب،وقد يُلغيها نهائيا ويأتي بالمسبِّبات دون أسباب. وقد تجلَّتْ طلاقة القدرة في قصة بَدْء الخَلْق،فنحن نعلم أن جمهرة الناس وتكاثرهم يتم عن طريق التزاوج بين رجل وامرأة،إلا أن طلاقة القدرة لا تتوقف عند هذه الأسباب والخالق سبحانه يُدير خلقه على كُلِّ أوجه الخَلْق،فيأتي آدم دون ذكر أو أنثى،ويخلق حواء من ذكر دون أنثى،ويخلق عيسى من أنثى بدون ذكر. فالقدرة الإلهية ـ إذن ـ غير مُقيَّدة بالأسباب،وتظلّ طلاقة القدرة هذه في الخَلْق إلى أنْ تقومَ الساعة،فنرى الرجل والمرأة زوجين،لكن لا يتم بينهما الإنجاب وتتعطل فيهما الأسباب حتى لا نعتمد على الأسباب وننسى المسبِّب سبحانه،فهو القائل:{ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }[الشورى: 49ـ50]. وطلاقة القدرة في قصة زكريا عليه السلام تتجلى في أن الله تعالى استجاب لدعاء زكريا في أنْ يرزقَه الولد. قال تعالى: { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } [مريم: 2]. أي: رحمه الله،لكن متى كانت هذه الرحمة؟ يقول الحق تبارك وتعالى: { إِذْ نَادَى رَبَّهُ } أي: في الوقت الذي نادى فيه ربه نداءً خفياً. والنداء لَوْن من ألوان الأساليب الكلامية،والبلاغيون يقسمون الكلام إلى خبر،وهو أن تخبر عن شيء بكلام يحتمل الصدق أو الكذب. وإنشاء،وهو أنْ تطلب بكلامك شيئاً،والإنشاء قَوْلٌ لا يحتمل الصدق أو الكذب. والنداء من الإنشاء؛ لأنك تريد أن تنشىء شيئاً من عندك،فلو قُلْت: يا محمد فأنت تريد أن تنشئ إقبالاً عليك،فالنداء ـ إذن ـ طلبُ الإقبال عليك،لكن هل يصح أن يكون النداء من الله تعالى بهذا المعنى؟ إنك لا تنادى إلا البعيد عنك الذي تريد أن تستدنية منك. فكيف تنادى ربك ـ تبارك وتعالى ـ وهو أقرب إليك من حبل الوريد؟ وكيف تناديه سبحانه وهو يسمعك حتى قبل أن تتكلم؟ فإذا كان إقباله عليك موجوداً في كل وقت،فما الغرض من النداء هنا؟ نقول: الغرض من النداء: الدعاء.ووَصْف النداء هنا بأنه: { نِدَآءً خَفِيّاً } [مريم: 3] لأنه ليس كنداء الخَلْق للخَلْق،يحتاج إلى رَفْع الصوت حتى يسمع،إنه نداء لله ـ تبارك وتعالى ـ الذى يستوي عنده السر والجهر،وهو القائل:{ وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }[الملك: 13]. ومن أدب الدعاء أنْ ندعوَه سبحانه كما أمرنا:{ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً }[الأعراف: 55]. وهو سبحانه{ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى }[طه: 7] أي: وما هو أَخْفى من السر؛ لأنه سبحانه قبل أن يكون سِرّاً،علم أنه سيكون سراً. لذلك،جعل الحق سبحانه أحسن الدعاء الدعاء الخفي؛ لأن الإنسان قد يدعو ربه بشيء،إنْ سمعه غيره ربما استنقصه،فجعل الدعاء خَفياً بين العبد وربه حتى لا يُفتضحَ أمره عند الناس. أما الحق سبحانه فهو ستَّار يحب الستر حتى على العاصين،وكذلك ليدعو العبد رَبَّه بما يستحي أنْ يذكره أمام الناس،وليكون طليقاً في الدعاء فيدعو ربه بما يشاء؛ لأنه ربُّه ووليه الذي يفزع إليه. وإنْ كان الناس سيحزنون ويتضجرون إن سألتهم أدنى شئ،فإن الله تعالى يفرح بك أن سألته.لكن لماذا أخفى زكريا دعاءه؟ دعا زكريا ربه أنْ يرزقه الولد،ولكن كيف يتحقق هذا المطلب وقد بلغ من الكبر عتياً وامرأته عاقر؟ فكأن الأسباب الموجودة جميعها مُعطَّلة عنده؛ لذلك توجه إلى الله بالدعاء: يا رب لا ملجأ لي إلا أنت فأنت وحدك القادر على خَرْق الناموس والقانون،وهذا مطلب من زكريا جاء في غير وقته. أخفاه أيضا؛ لأنه طلب الولد في وجود أبناء عمومته الذين سيحملون منهجه من بعده،إلاّ أنه لم يأتمنهم على منهج الله؛ لأن ظاهر حركتهم في الحياة غير متسقة مع المنهج،فكيف يأمنهم على منهج الله وهم غير مؤتمنين على أنفسهم؟ فإذا دعا زكريا ربه أنْ يرزقه الولد ليرث النبوة من بعده،فسوف يغضب هؤلاء من دعاء زكريا ويعادونه؛ لذلك جاء دعاؤه خفياً يُسِرُّه بينه وبين ربه تعالى. |
سؤال آخر تنبغي الإجابة عليه هنا: لماذا يطلب زكريا الولد في هذه السن المتأخرة،وبعد أن بلغ من الكبر عتياً،وأصبحت امرأته عاقراً؟
لقد أوضح زكريا عليه السلام العلة في ذلك في الآيات القادمة فقال:{ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ }[مريم: 6].إذن: فالعِلَّة في طلب الولد دينية مَحْضة،لا يطلبه لمغْنَم دنيوي،إنما شغفه بالولد أنه لم يأمن القوم من بعده على منهج الله وحمايته من الإفساد. لذلك قوله: (يرثني) هنا لا يفهم منه ميراث المال كما يتصوره البعض؛ لأن الأنبياء لا يورثون،كما قال النبي r" نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " وبذلك يخرج النبي من الدنيا دون أن ينتفع أحد من أقاربه بماله حتى الفقراء منهم. فالمسألة مع الأنبياء خالصة كلها لوجه الله تعالى؛ لذلك قال بعدها:{ وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ }[مريم: 6] أي: النبوة التي تناقلوها. فلا يستقيم هنا أبداً أن نفهم الميراث على أنه ميراث المال أو متاع الدنيا الفاني.ومن ذلك قوله تعالى:{ وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ }[النمل: 16] ففي أيِّ شئ ورثه؟ أورثه في تركته؟ إذن: فما موقف إخوته الباقين؟ لا بد أنه ورثه في النبوة والملك،فالمسألة بعيدة كل البعد عن الميراث المادي. وعَنْ عَائِشَةَ { وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} (110) سورة الإسراء أُنْزِلَتْ فِى الدُّعَاءِ ". متفق عليه. وعَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ - رضى الله عنه - قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - r-،فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا،فَقَالَ النَّبِىُّ - r- « يَا أَيُّهَا النَّاسُ،ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ،فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا،إِنَّهُ مَعَكُمْ،إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ،تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ » متفق عليه. الإلحاح في الدعاء،وتكراره ثلاثا. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،قَالَ: " بَيْنَا رَسُولُ اللهِ rيُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ عِنْدَ الْبَيْتِ وَقَدْ نَحَرُوا جَزُورًا بِالْأَمْسِ،قَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَذْهَبُ إِلَى سَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ،فَيَأْخُذَهُ،فَيَضَعَهُ عَلَى كَتِفَيْ رَسُولِ اللهِ rإِذَا سَجَدَ،فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ،فَأَخَذَهُ،فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ r،وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ،فَاسْتَضْحَكُوا،وَجَعَلُوا بَعْضُهُمْ يُقْبِلُ عَلَى بَعْضٍ،وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ،لَوْ كَانَتْ لِي مَنْعَةٌ لَطَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ r،وَالنَّبِيُّ rسَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ،حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ،فَجَاءَتْ وَهِيَ جَارِيَةٌ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ،ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ،فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ rصَلَاتَهُ،رَفَعَ صَوْتَهُ،ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ،وَكَانَ إِذَا دَعَا،دَعَا ثَلَاثًا،وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا،ثُمَّ قَالَ: " اللهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ،فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمُ الضَّحِكُ،وَخَافُوا دَعْوَتَهُ ثُمَّ قَالَ: " اللهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ،وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ،وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ،وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ،وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ،وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ " وَذَكَرَ السَّابِعَ فَلَمْ أَحْفَظْهُ،وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا rبِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ،ثُمَّ سُحِبُوا فِي الْقَلِيبِ،قَلِيبِ بَدْرٍ "." وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ rيُعْجِبُهُ مِنَ الدُّعَاءِ الثَّلاَثُ،إِذَا دَعَا دَعَا ثَلاَثًا،أَوْ سَأَلَ سَأَلَ ثَلاَثًا. الجزم بالدعاء،والثقة بالله،والعلم بأنه سبحانه يجيب الدعاء مهما كان عظيما أو صعبا،فهو القادر أن يجعل من كل هم فرجا،ومن كل ضيق مخرجا،ومن كل شدة ظفرا ونصرا. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ « لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ إِذَا دَعَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى إِنْ شِئْتَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى إِنْ شِئْتَ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ ».مالك وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- قَالَ « لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى،اللَّهُمَّ ارْحَمْنِى،إِنْ شِئْتَ.لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ،فَإِنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ » .. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيُعْظِمِ الرَّغْبَةَ،فَإِنَّهُ لاَ يَتَعَاظَمُ عَلَى اللهِ شَيْءٌ. رواه ابن حبان. فذنوب العباد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها وأعظم،فهي صغيرة في جنب عفو الله ومغفرته،فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r،فَقَالَ: وَاذُنُوبَاهُ وَاذُنُوبَاهُ،فَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا،فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ r: " قُلِ: اللهُمَّ مَغْفِرَتُكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي،وَرَحْمَتُكَ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلِي "،فَقَالَهَا ثُمَّ قَالَ: " عُدْ "،فَعَادَ،قَالَ: ثُمَّ قَالَ: " عُدْ "،فَعَادَ قَالَ: " قُمْ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ " عدم التكلف في الدعاء،وترك السجع فيه،وتعلم المأثور منه في الكتاب والسنة. فعَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ. رواه أبو داود. افتتاح الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله،والصلاة والسلام على نبيه rواختتام الدعاء بمثل ذلك. حكى الطرطوشي رحمه الله عن أبي سليمان الداراني رضي الله عنه أنه قال:إذا سألت الله تعالى حاجة فابدأ بالصلاة على النبي rثم ادع بما شئت ثم اختم بالصلاة عليه فإن الله سبحانه بكرمه يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما" وقال النووي رحمه الله: أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء ثم الصلاة على رَسُوْل اللهِ صَلًَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قال وكذا يختم الدعاء بهما". عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجَنْبِيِّ،أَنَّهُ سَمعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ: سَمعَ رَسُولُ اللهِ rرَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ،لَمْ يُمَجِّدِ اللهَ،وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ r،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي،ثُمَّ عَلَّمَهُمْ رَسُولُ الله r،وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ rرَجُلاً يُصَلِّي،فَمَجَّدَ اللهَ،وَحَمِدَهُ،وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ r،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: ادْعُ تُجَبْ،وَسَلْ تُعْطَ." رواه أبو داود والنسائي. وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ،إِنَّ الرَّاكِبَ يَمْلَأُ قَدَحَهُ مَاءً ثُمَّ يَضَعُهُ،ثُمَّ يَأْخُذُ فِي مَعَالِيقِهِ حَتَّى إِذَا فَرَغَ جَاءَ إِلَى الْقَدَحِ،فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الشَّرَابِ شَرِبَ،وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الشَّرَابِ تَوَضَّأَ،فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْوُضُوءِ أَهْرَاقَهُ،وَلَكِنِ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ وَفِي آخِرِ الدُّعَاءِ " البيهقي. وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،قَالَ: " كُلُّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ عَنِ السَّمَاءِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ،وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ r" التأمين على دعاء النفس وعلى دعاء الغير. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله rقال:" إذا دعا أحدُكم فَلْيُؤَمِّنْ على دعاءِ نفسِهِ " رواه ابن عدي. وعَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيُّ وَكَانَ مُسْتَجَابًا أَنَّهُ أُمِّرَ عَلَى جَيْشٍ فَدَرَّبَ الدُّرُوبَ،فَلَمَّا لَقِيَ الْعَدُوَّ قَالَ لِلنَّاسِ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ rيَقُولُ:" لَا يَجْتَمِعُ مَلَأٌ فَيَدْعُو بَعْضُهُمْ وَيُؤَمِّنُ سَائِرُهُمْ إِلَّا أَجَابَهُمُ اللَّهُ "،ثُمَّ إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ:اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَاجْعَلْ أُجُورَنَا أُجُورَ الشُّهَدَاءِ،فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ الْهِنْبَاطُ أَمِيرُ الْعَدُوِّ فَدَخَلَ عَلَى حَبِيبٍ سُرَادِقَهُ.قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ:" الْهِنْبَاطُ بِالرُّومِيَّةِ صَاحِبُ الْجَيْشِ " رواه الطبراني. تجنب الاعتداء في الدعاء،والحذر من الدعاء على النفس أو الأهل أو الولد أو أحد المخلوقات. قال تعالى:{ وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11)} الإٌسراء. يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ عَجَلَةِ الإِنْسَانِ،وَدُعَائِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ بِالشَّرِّ حِينَ الغَضَبِ،كَمَا يُسَارِعُ إِلَى الدُّعَاءِ فِي الخَيْرِ،فَلَوِ اسْتَجَابَ اللهُ لَهُ لأَهْلَكَهُ وَأَهْلَكَ أَهْلَهُ.وَالَّذِي يَحْمِلُ الإِنْسَانَ عَلَى ذلِكَ هُوَ قَلَقُهُ،وَعَجَلَتُهُ،وَقِلَّةُ صَبْرِهِ . وقال عز وجل: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (11) سورة يونس. يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ حِلْمِهِ وَلُطْفِهِ بِعِبَادِهِ،وَيَقُولُ إِنَّهُ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ بِالشَّرِّ فِي حَاَل ضَجَرِهِمْ وَغَضَبِهِمْ،لأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لاَ يُرِيدُونَ ذَلِكَ،فَلِذَلِكَ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ لُطْفاً مِنْهُ،وَرَحْمَةً بِهِمْ . أَمَّا إِذَا دَعَوا لأَنْفُسِهِمْ وَأَوْلاَدِهِمْ بِالخَيْرِ وَالبَرَكَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ.وَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَوِ اسْتَجَابَ لَهُمْ فِي كُلِّ دَعْوَةٍ تَجْرِي عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ لأَهْلَكَهُمْ.وَيَتْرُكُ اللهُ تَعَالَى الذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ،وَلاَ يَرْجُونَ لِقَاءَهُ فِي الآخِرَةِ،سَادِرِينَ فِي غَيِّهِمْ،مُسْتَمِرِّينَ فِي طُغْيَانِهِمْ،مُتَحَيِّرِينَ لاَ يَهْتَدُونَ إِلَى الخُرُوجِ مِمَّا هُمْ فِيهِ،حَتَّى يَجِيءَ اليَوْمُ الذِي وَعَدَهُمُ اللهُ بِهِ . ( وَقَدْ يَكُونُ المَعْنَى:لَوْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُعَجِّلُ لِلنَّاسِ إِجَابَةَ دُعَائِهِمْ وَاسْتِعْجَالِهِمْ فِي الشَّرِّ فِيمَا فِيهِ مَضَرَّتُهُمْ،فِي النَّفْسِ وَالمَالِ وَالوَلَدِ - كَمَا اسْتَعْجَلَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ رَسُولَ اللهِ بِالعَذَابِ الذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ - كَاسْتِعْجَالِهِمْ بِالخَيْرِ الذِي يَطْلُبُونَهُ بِدُعَائِهِمْ اللهَ،لَقَضَى إِلَيْهِمْ أَجَلَهُمْ قَبْلَ وَقْتِهِ الطَّبِيعِيِّ المُحَدَّدِ لَهُمْ،كَمَا أَهْلَكَ الذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ،وَاسْتَعْجَلُوا بِالعَذَابِ مِنْ قَبْلِهِمْ ) . وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ rوَهُوَ يَطْلُبُ الْمَجْدِيَّ بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيَّ،وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْتَقِبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ،وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ،فَدَنَا عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ،فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ،ثُمَّ بَعَثَهُ،فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ،فَقَالَ:شَأْ لَعَنَكَ اللَّهُ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ هَذَا اللاَّعِنُ بَعِيرَهُ ؟ قَالَ:أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ،قَالَ:انْزِلْ عَنْهُ،فَلاَ تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ،لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ،وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ،وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ،لاَ تُوَافِقُوا مِنَ السَّاعَةِ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ." وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ،قَالَتْ:دَخَلَ رَسُولُ اللهِ rعَلَى أَبِي سَلَمَةَ،وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ وَقَالَ:إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ،تَبِعَهُ الْبَصَرُ،فَصَاحَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ،فَقَالَ:لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ،فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا تَقُولُونَ،ثُمَّ قَالَ:اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَةَ،وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمُقَرَّبِينَ،وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ،وَاغْفِرْ لَهُ وَلَنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ،اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ،وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ. بجنب استبطاء الإجابة،واليأس والقنوط من قضاء حاجته،ثم استصغار شأن الدعاء،وعدم الاهتمام به،ثم تركه بعد ذلك. عَنْ جَابِرٍ،عَنِ النَّبِيِّ rأَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُوَكَّلٌ بِحَاجَاتِ الْعِبَادِ،فَإِذَا دَعَاهُ عَبْدُهُ الْمُؤْمِنُ قَالَ لَهُ: يَا جِبْرِيلُ،احْبِسْ حَاجَةَ عَبْدِي هَذَا،فَإِنِّي أُحِبُّهُ وَأُحِبُّ صَوْتَهُ،وَإِذَا دَعَاهُ عَبْدُهُ الْكَافِرُ قَالَ: يَا جِبْرِيلُ اقْضِ حَاجَةَ عَبْدِي هَذَا فَإِنِّي أَبْغَضُهُ وَأَبْغَضُ صَوْتَهُ ". وعن ثَابِتَ،قَالَ: " أَخَذَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ ابْنَ أَخِي صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ فَحَبَسَهُ فِي السِّجْنِ،فَلَمْ يَدَعْ صَفْوَانُ أَحَدًا مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا تَجَمَّلَ بِهِ عَلَيْهِ،فَلَمْ يَرَ لِحَاجَتِهِ نَجَاحًا،فَبَاتَ فِي مُصَلَّاهُ فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ،فَقَالَ: قُمْ يَا صَفْوَانُ فَاطْلُبْ حَاجَتَكَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهَا،قَالَ: فَقَامَ فَزِعًا،فَتَوَضَّأَ،ثُمَّ صَلَّى،ثُمَّ دَعَا،فَإِذَا بِابْنِ أَخِيهِ يَضْرِبُ الْبَابَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ: أَنَا فُلَانٌ،- يَعْنِي ابْنَ أَخِيهِ - فَقَالَ: وَأَيُّ هَذِهِ السَّاعَةِ ؟ قَالَ: انْتَبَهَ الْأَمِيرُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَدَعَا بِالنِّيرَانِ وَالشُّرَطِ وفُتِحَتْ أَبْوَابُ السُّجُونِ وَنُودِيَ: أَيْنَ ابْنُ أَخِي صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ ؟ أَخْرِجُوهُ،فَإِنِّي قَدْ مُنِعْتُ النَّوْمَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ " |
وعن يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ الرَّازِيِّ ,قالَ: " عِيلَ صَبْرِي،وَضَاقَ صَدْرِي،وَاشْتَدَّتْ فَاقَتِي إِلَى مَغْفِرَتِكَ وَعَظُمَ رَجَائِي لِرَحْمَتِكَ،أَلْحَحْتُ فِي الدُّعَاءِ اضْطِرَارًا وَأَنْتَ تُجِيبُنِي إِذَا شِئْتَ اخْتِيَارًا،أَمَا تَرْحَمُنِي مُحْتَاجًا إِلَيْكَ وَمُعْتَمِدًا فِي حَاجَتِي عَلَيْكَ،لَيْسَ لِي إِلَهٌ سِوَاكَ فَأَلْتَجِئُ إِلَيْهِ،وَلَا لَكَ شَرِيكٌ فَأَعْتَمِدُ عَلَيْهِ بِنُورِ جَلَالِ وَجْهِكَ،أَسْأَلُكَ إِلَّا عَجَّلْتَ فَرَجِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ "
وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ،قَالَ:" كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r،إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرٍ،فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ جُلَسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ r،فَاعْتَنَقَهُ،وَقَبَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَبِينَ صَاحِبِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ،وَالنَّبِيُّ rيَنْظُرَ إِلَيْهِمَا مُبْتَسِمًا،فَقَالَ تَمِيمٌ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَا تَقُولُ فِي الِاعْتِنَاقِ لِلْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " نَعَمْ يَا تَمِيمُ،إِنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا الْتَقَيَا،فَتَصَافَحَا،وَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ،وَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ هَذَانِ تَحَاتَّتْ ذُنُوبُهُمَا عَنْهُمَا،كَمَا تَحَاتُّ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرِ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ يَا تَمِيمُ،بَيْنَمَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ،يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِذْ هُوَ بِصَوْتِ رَجُلٍ يُسَبِّحُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ،فَذَهَلَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ غَنَمِهِ،وَقَصَدَ الصَّوْتَ،فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ طُوَالٍ يُسَمَّى:أَهْلَثُ الْعَابِدُ،طُولُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا،فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ،وَقَالَ لَهُ:يَا أَهْلَثُ،بَعْدَ أَنْ عَرَفَ اسْمَهُ،هَلْ بَقَيَ مِنْ قَوْمِكَ غَيْرُكَ ؟ قَالَ:لَا،قَالَ:فَمَنْ رَبُّكَ ؟ قَالَ:رَبُّ السَّمَاءِ،قَالَ:فَمَنْ رَبُّ السَّمَاءِ ؟ قَالَ:رَبُّ السَّمَاءِ اللَّهُ،قَالَ:مَا دِينُكَ ؟ قَالَ:الْإِسْلَامُ،قَالَ:فَأَيْنَ قِبْلَتُكَ ؟ قَالَ:فَأَوْمَى بِيَدِهِ نَحْوَ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ،فَسُرَّ إِبْرَاهِيمُ بِذَلِكَ،فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:فَأَيْنَ مَسْكَنُكَ ؟ فَقَالَ:فِي جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ:فَأُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ،قَالَ:لَنْ تَسْتَطِيعَ،قَالَ:وَلِمَ ؟ قَالَ:إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَهْرًا مِنْ مَاءٍ،بَعِيدًا غَوْرُهُ،كَثِيرًا مَاؤُهُ،قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:فَأَيْنَ مَمْشَاكَ ؟ قَالَ:عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:فَإِنَّ الَّذِي ذَلَّلَهُ لَكَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُسَخِّرَهُ لِي،فَمَضِيَا يَمْشِيَانِ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى بَيْتِ أَهْلَثَ،فَإِذَا قِبْلَتُهُ،قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ،فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:أَيُّ يَوْمٍ أَشَدُّ عَلَى النَّاسِ يَا أَهْلَثُ ؟ قَالَ:يَوْمُ يَنْزِلُ الْجَبَّارُ جَلَّ جَلَالُهُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ،فَتُوضَعُ الْمَوَازِينُ،وَتُنْشَرُ الدَّوَاوِينُ،قَالَ إِبْرَاهِيمُ:صَدَقْتَ يَا أَهْلَثُ إِنَّهُ لِيَوْمٌ عَظِيمٌ،إِلَّا مَنْ هَوَّنَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ،قَالَ إِبْرَاهِيمُ:يَا أَهْلَثُ،ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُهَوِّنَ عَلَيْنَا هَوْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ،قَالَ أَهْلَثُ:هَذَا إِلَيْكَ،يَرْحَمُكَ اللَّهُ،إِنَّ لِي عَشَرَ سِنِينَ،أَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَمْ أَرْ لَهَا إِجَابَةً،قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ:يَا أَهْلَثُ،إِنَّ اللَّهُ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا،وَكَانَ دَعَّاءً،فَدَعَا:يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:صَوْتٌ أُحِبُّهُ لَا أُنْكِرُهُ،امْكُثُوا لِقَضَاءِ حَاجَةِ عَبْدِي،وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ غَيْرَ دَعَّاءٍ،فَدَعَا،يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:صَوْتٌ أَبْغَضُهُ،وَأُنْكِرُهُ،اقْضُوا حَاجَةَ عَبْدِي،وَمَا كَانَ مِنْ دُعَاءه،قَالَ:بَيْنَا أَنَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي رَأَيْتُ،رَأَيْتُ وَجْهًا عَلَيْهِ ذُؤَابَتَانِ تَضْرِبَانِ خُضْرَةً يَرْعَى غَنَمًا حِسَانًا،وَبَقَرًا سِمَانًا،فَلَا أَدْرِي أَيُّ الْأَشْيَاءِ أَحْسَنَ،الْغُلَامُ أَمْ رَعِيَّتُهُ فَإِذَا هُوَ يُسَبِّحُ اللَّهَ،وَيَحْمَدُهُ،وَيُهَلِّلُهُ،وَيُكَبِّرُهُ،و َدُمُوعُهُ تَسِيلُ،فَدَنَوْتُ مِنْهُ،فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ،قَالَ أَهْلَثُ:فَقُلْتُ:يَا غُلَامُ،لِمَنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ وَالْغَنَمِ ؟ قَالَ:لِإِبْرَاهِيمَ،قَال:وَمَنْ إِبْرَاهِيمُ ؟ قَالَ:إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ،قُلْتُ:وَمَا أَنْتَ مِنْهُ ؟ قَالَ:ابْنُ ابْنِهِ،وَهُوَ جَدِّي فَأَنَا مُبْتَهِلٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِنْ كَانَ لَهُ فِي الْأَرْضِ خَلِيلٌ أَنْ يُرِينَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ قَالَ:فَتَبَسَّمَ إِبْرَاهِيمُ،ثُمَّ قَالَ:يَا أَهْلَثُ،أَنَا إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ،وَالْخَلِيلُ:هُوَ الصَّدِيقُ،فَقَامَ أَهْلَثُ قَائِمًا يَبْكِي،فَاعْتَنَقَ إِبْرَاهِيمَ،وَقَبَّلَ مَوْضِعَ السُّجُودِ،عِنْدَ ذَلِكَ شَهَقَ أَهْلَثُ شَهْقَةً حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا،وَتَوَلَّى إِبْرَاهِيمُ أَهْلَثَ حَتَّى أَجَنَّهُ فِي حُفْرَتِهِ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ وَلَدِهِ " وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ r،قَالَ:لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ،أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ،مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ،قِيلَ:يَا رَسُولَ اللهِ،كَيْفَ يَسْتَعْجِلُ ؟ قَالَ:يَقُولُ:قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي،فَيَنْحَسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ،فَيَتْرُكُ الدُّعَاءَ. رواه مسلم. ترصّد الأوقات المباركة والأزمان الكريمة،واعتنام المواسم والحالات الشريفة والأمكنة الطاهرة المقدسة،للتضرّع والدعاء،كأوقات السحر،والجمع،ورمضان،وعشر ذي الحجة،ويوم عرفة،وبعد الصلوات،وعند الإفطار،وفي السجود.. وحالات رقة القلب وإقباله على الله تعالى:وفي المسجد الحرام والمسجد النبوي وبيوت الله.. قال تعالى:{ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} الذاريات. { وَبِالأسْحَارِ } التي هي قبيل الفجر { هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } الله تعالى،فمدوا صلاتهم إلى السحر،ثم جلسوا في خاتمة قيامهم بالليل،يستغفرون الله تعالى،استغفار المذنب لذنبه،وللاستغفار بالأسحار،فضيلة وخصيصة،ليست لغيره،كما قال تعالى في وصف أهل الإيمان والطاعة: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ } عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:يَنْزِلُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلاَ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ:مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي أَغْفِرُ لَهُ ؟. " متفق عليه. وعن أبي هُرَيْرَةَ،عَنْ رَسُولِ اللهِ r،قَالَ:إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلاَ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ:مَنْ ذَا الَّذِي يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَدْعُونِي أَسْتَجِيبُ لَهُ ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَرْزِقُنِي أَرْزُقُهُ ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي أَغْفِرُ لَهُ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ. وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ،وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالاَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ،نَزَلَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ جَلَّ وَعَلاَ:هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ. عَنْ أَبِي أُمَامةَ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r،قَالَ:"تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ،وَيُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ: عِنْدَ الْتِقَاءِ الصُّفُوفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَعِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ،وَعِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلاةِ،وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ". رواه الطبراني. وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- :« ثِنْتَانِ لاَ تُرَدَّانِ أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ». وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: سَاعَتَانِ لاَ تُرَدُّ عَلَى دَاعٍ دَعْوَتُهُ،حِينَ تُقَامُ الصَّلاَةُ وَفِي الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللهِ. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إِلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِى آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنِ الْوُضُوءَ ثُمَّ لْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لْيُثْنِ عَلَى اللَّهِ وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِىِّ -r- ثُمَّ لْيَقُلْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلاَمَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ لاَ تَدَعْ لِى ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ وَلاَ حَاجَةً هِىَ لَكَ رِضًا إِلاَّ قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ». وعَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ،قَالَ:دَخَلْتُ عَلَى الْحَجَّاجِ فَقَالَ لِي:أَلَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ حَسَنٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ؟ قُلْتُ:بَلَى حَدِّثْنِي،قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(( مَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةٌ فَلْيَدْعُ بِهَا دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ )) .. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ:إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ،فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ. " رواه مسلم. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ:الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ،وَالإِمَامُ الْعَادِلُ،وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ." ابن حبان وعن سَعْدَ الطَّائِيَّ،قَالَ:حَدَّثَنِي أَبُو الْمُدِلَّةِ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ مَوْلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ،أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ،يَقُولُ:قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللهِ،إِنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ رَقَّتْ قُلُوبَنَا،وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ،وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا،وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ،فَقَالَ:لَوْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ بِأَكُفِّكُمْ،وَلَوْ أَنَّكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ،وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ،قَالَ:قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللهِ،حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا ؟ قَالَ:لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ،وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَمِلاَطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ،وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ أَوِ الْيَاقُوتُ،وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ،مَنْ يَدْخُلْهَا يَنْعَمْ،فَلاَ يَبْؤُسُ،وَيَخْلُدْ لاَ يَمُوتُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُ،وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُ،ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ:الإِمَامُ الْعَادِلُ،وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ،وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاوَاتِ،وَيَقُولُ الرَّبُّ:وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ." ابن حبان الإكثار من الدعاء والتوسل إلى الله تبارك وتعالى في أوقات اليسر والرخاء،ليستجيب الله تعالى له في أوقات العسر والشدة والضراء. قال تعالى: { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) } [الأنبياء:89،90] |
واذكر - أيها الرسول - قصة عبد الله زكريا حين دعا ربه أن يرزقه الذرية لما كَبِرت سنُّه قائلا رب لا تتركني وحيدًا لا عقب لي،هب لي وارثًا يقوم بأمر الدين في الناس من بعدي،وأنت خير الباقين وخير مَن خلفني بخير.فاستجبنا له دعاءه ووهبنا له على الكبر ابنه يحيى،وجعلنا زوجته صالحة في أخلاقها وصالحة للحمل والولادة بعد أن كانت عاقرًا،إنهم كانوا يبادرون إلى كل خير،ويدعوننا راغبين فيما عندنا،خائفين من عقوبتنا،وكانوا لنا خاضعين متواضعين.
أقول لمن يُعاني من العقم وعدم الإنجاب وضاقتْ به أسباب الدنيا،وطرق باب الأطباء أن يلجأ إلى الله بما لجأ به زكريا - عليه السلام - وأهله { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } [الأنبياء: 90] خذوها (روشتة) ربانية،ولن تتخلف عنكم الاستجابة بإذن الله.لكن،لماذا هذه الصفة بالذات: { إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ.. } [الأنبياء: 90]؟ قالوا: لأنك تلاحظ أن أصحاب العُقْم وعدم الإنجاب غالباً ما يكونون بُخَلاء مُمْسِكين،فليس عندهم ما يُشجِّعهم على الإنفاق،فيستكثرون أن يُخرجوا شيئاً لفقير؛ لأنه ليس ولده.فإذا ما سارع إلى الإنفاق وسارع في الخيرات بشتى أنواعها،فقد تحدَّى الطبيعة وسار ضدها في هذه المسألة،وربما يميل هؤلاء الذين ابتلاهم الله بالعُقْم إلى الحقد على الآخرين،أو يحملون ضغينة لمن ينجب،فإذا طرحوا هذا الحقد ونظروا لأولاد الآخرين على أنهم أولادهم،فعطفوا عليهم وسارعوا في الخيرات،ثم توجَّهوا إلى الله بالدعاء رَغَباً ورَهَباً،فإن الله تعالى وهو المكوِّن الأعلى يخرق لهم النواميس والقوانين،ويرزقهم الولد من حيث لا يحتسبون. ومعنى: { وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ } [الأنبياء: 90] يعني: راضين بقدرنا فيهم،راضين بالعُقْم على أنه ابتلاء وقضاء،ولا يُرفع القضاء عن العبد حتى يرضى به،فلا ينبغي للمؤمن أنْ يتمرَّد على قدر الله،ومن الخشوع التطامن لمقادير الخَلْق في الناس. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِى الرَّخَاءِ ». رواه الترمذي . وقال الشعراني رحمه الله:" أخذ علينا العهد العام من رسول الله r) أن نحسن ظننا في ربنا،وأنه يجيب دعاءنا ولا نترك الدعاء أبدا استنادا إلى السوابق،فإن في ذلك تعطيلا للأوامر الشرعية،ولو تأمل العبد وجد نفس دعائه من الأمور السوابق،ونحن نعلم من ربنا جل وعلا أنه يحب من عبده إظهار الفاقة والحاجة،ويثيب عبده على ذلك سواء أعطاه أو منعه،وأكثر من يخل بهذا العمل العهد من سلك الطريق بغير شيخ،فيترك الوسائل كلها ويقول: إن كان سبق لي قضاء هذه الحاجة فلا حاجة للدعاء،وإن لم يقسم لي قضاء تلك الحاجة فلا فائدة في الدعاء،وقد مكثت أنا في هذا المقام نحو شهر ثم أنقذني الله منه على يد شيخي الشيخ محمد الشناوي رحمه الله،وفي القرآن العظيم: {قُلْ مَايَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ}. فأخبر أن العبد من أدبه مع الله أن يدعوه في كل شدة ولا يعوِّل على السوابق،فإن العبد لا يعلمها نفيا ولا إثباتا،وقد دعت الأكابر من الأنبياء والأولياء ربهم سبحانه وتعالى ولم ينظروا إلى السوابق. {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} والله يتولى هداك." تجنّب الحرام في المطعم أو الملبس أو المسكن أو المشرب،فإن الله سبحانه وتعالى طيب ولا يقبل إلا طيبا. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: أَيُّهَا النَّاسُ،إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا،وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ،فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (51) سورة المؤمنون،وَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (172) سورة البقرة،ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ،ثُمَّ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ:يَا رَبِّ،يَا رَبِّ،وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ،وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ،وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ،وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ،فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ. " رواه مسلم سؤال الله تعالى ودعاؤه بأسمائه الحسنى،والثناء عليه وتمجيده بصفاته العليا. قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (180) سورة الأعراف وَللهِ،دُونَ غَيْرِهِ،جَمِيعُ الأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى أَحْسَنِ المَعَانِي،وَأَكْمَلِ الصِّفَاتِ،فَاذْكُرُوهُ وَنَادُوهُ بِهَا،إِمَّا لِلْثَنَاءِ عَلَيْهِ،وَإِمَّا لِسُؤالِهِ العَوْنَ وَالمَغْفِرَةَ،وَمَا أَنْتُمْ بِحَاجَةٍ إِلَيْهِ.وَادْعُوهُ يَا أَيُّها المُؤْمِنُونَ،وَاتْرُكُوا جَمِيعَ الذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ بِالمَيْلِ فِي أَلْفَاظِهَا،أَوْ مَعَانِيهَا عَنْ نَهْجِ الحَقِّ،مِنْ تَحْرِيفٍ أَوْ تَأْوِيلٍ أَوْ شْرِكٍ أَوْ تَكْذِيبٍ،أَوْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ،أَوْ مَا يَنْفِي وَصْفَها بِالحُسْنَى،لأنَّ هَؤُلاَءِ المُلْحِدِينَ سَيُجْزَوْنَ جَزَاءً وِفَاقاً عَلَى أَعْمَالِهِمْ،وَتَنْزِل بِهِم العُقُوبَةُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ.فَاجْتَنِبُوا إِلْحَادَهُمْ فِي أسْمَاءِ اللهِ لِكَيْلا يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ . وقال سبحانه: {قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} (110) سورة الإسراء قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ المُنْكِرِينَ صِفَةَ الرَّحْمَن ِللهِ عَزَّ وَجَلَّ،المُعَارِضِينَ تَسْمِيَتَهُ بِالرَّحْمَنِ:لاَ فَرْقَ بَيْنَ دُعَائِكُمْ لَهُ بِاسْمِ اللهِ،أَوْ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ،فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى ذُو الأَسْمَاءِ الحُسْنَى .وَلاَ تَجْهَرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ بِصَلاَتِكَ،وَلاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ بِالقُرْآنِ فَيَسْمَعُكَ المُشْرِكُونَ،فَيَسُبُّوا القُرْآنَ.وَلَا تُخَافِتْ بِهَا عَنْ أَصْحَابِكَ،فَلاَ تُسْمِعَهُمُ القُرآنَ،لِيَأْخُذُوا عَنْكَ،وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً وَسَطاً . وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِىَّ -r- قَالَ « أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ » رواه الترمذي. وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ،قَالَ:مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ rيَسْتَفْتِحُ دُعَاءً إِلاَّ اسْتَفْتَحَهُ:بِسُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَلِيِّ،الأَعْلَى الْوَهَّابِ " رواه الحاكم. وعن إِيَاسِ بِ سَلَمَةَ بن الأَكْوَعِ،عَنْ أَبِيهِ،قَالَ: قَلَّمَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ rيَسْتَفْتِحُ بِدُعَاءٍ إِلا سَمِعْتُهُ:"يَسْتَفْتِحُ بِسُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى الْوَهَّابِ" . وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ،قَالَ:مَرَّ النَّبِيُّ rبِرَجُلٍ وَهُوَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الصَّبْرَ.فَقَالَ:قَدْ سَأَلْتَ الْبَلاَءَ فَسَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ قَالَ:وَمَرَّ بِرَجُلٍ يَقُولُ:يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِِكْرَامِ.قَالَ:قَدْ اسْتُجِيبَ لَكَ فَسَلْ،وَمَرَّ بِرَجُلٍ يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ تَمَامَ النِّعْمَةِ.قَالَ:يَا ابْنَ آدَمَ أَتَدْرِي مَا تَمَامُ النِّعْمَةِ ؟ قَالَ:دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا أَرْجُو بِهَا الْخَيْرَ.قَالَ:فَإِنَّ تَمَامَ النِّعْمَةِ فَوْزٌ مِنَ النَّارِ،وَدُخُولُ الْجَنَّةِ." وعَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ،قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ rبِرَجُلٍ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي إلى الإِسْلَامِ،وَجَعَلَنِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: " شَكَرْتَ عَظِيمًا "،وَمُرَّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ،فَقَالَ: " قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكَ فَسَلْ " الإكثار من الدعاء لأهله وأرحامه وإخوانه وجيرانه وأصدقائه ولمن أوصاه بالدعاء لينال مثل ما دعا به دعوة من الملك. قال تعالى حكاية عن سيدنا موسى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (151) سورة الأعراف. لَمَّا تَحَقَّقَ مُوسَى مِنْ بَرَاءَةِ هارُونَ،وَأَنَّهُ قَامَ بِوَاجِبِهِ كَامِلاً نَحْوَ قَوْمِهِ،دَعَا رَبَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا فَرَطَ مِنْهُ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ،فِيهما غِلْظَةٌ وَجَفَاءٌ،بِحَقِّ أَخيهِ،وَأَنْ يَغْفِرَ لأَخِيهِ مَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَصَّرَ فِيهِ مِنْ نَهيِ القَوْمِ عَنْ فِعْلِ مَا فَعَلُوهُ،مِنْ عِبَادَةِ العِجْلِ،وَأَنْ يُدْخِلهُمَا فِي رَحْمَتِهِ التِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ،وَأَنْ يَغْمُرَهُما بِجُودِهِ وَفَضْلِهِ،فَهُوَ تَعَالَى أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ جَمِيعاً بِعِبَادِهِ . عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ،وَكَانَ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ،قَالَ: أَتَيْتُ الشَّامَ فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَلَمْ أَلْقَهُ،وَلَقِيتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ فَقَالَتْ: تُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ ؟،قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ،قَالَتْ: فَادْعُ لَنَا بِخَيْرٍ،فَإِنَّ النَّبِيَّ rيَقُولُ: " دُعَاءُ الْمُسْلِمِ يُسْتَجَابُ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ،عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ،مَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ إِلَّا قَالَ: آمِينَ،وَلَكَ بِمِثْلٍ ".قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ.أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ . وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلاَّ،قَالَ الْمَلَكُ:وَلَكَ بِمِثْلٍ،وَلَكَ بِمِثْلٍ " |
مختارات من أدعية القرآن الكريم
سورة الفاتحة. 2-{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)} البقرة. 3-{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)} البقرة. 4-{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8)} آل عمران. 5-{رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)} آل عمران. 6-{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء (40)} إبراهيم. 7-{رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً (80)} الإسراء. 8-{رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً (10)} الكهف. 9-{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)} طه. 10-{رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً (114)} طه. 11-{لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} الأنبياء. 12-{رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ (98))}الأنبياء. 13-{رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)} المؤمنون. 14-{رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66)} الفرقان. 15-{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74)} الفرقان. 16-{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)} النمل. 17-{قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)} الزمر. 18-{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (10)} الحشر. 19-{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} نوح 28. المعوذتان. مختارات من الأدعية النبوية الشريفة عَنْ عَبْدِ اللهِ،أَنَّ النَّبِيَّ rكَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى،وَالتُّقَى،وَالْعَفَافَ،وَالْغِنَى." مسلم . وعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْحُبُلِيِّ،أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ:إِنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا،بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَانِ،كَقَلْبٍ وَاحِدٍ،يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ.ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ r: اللَّهُمَّ،مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ،صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ." مسلم وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:يَقُولُ الرَّجُلُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ،ثُمَّ يَسْكُتُ،فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ:إِلَّا بَلَاءً فِيهِ عَلَاءٌ " وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ rكَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلاَءِ،وَدَرْكِ الشَّقَاءِ،وَسُوءِ الْقَضَاءِ،وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ.. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ rيَقُولُ :اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِيَ الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي،وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي،وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي،وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ،وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ." مسلم وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ r: " اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ،وَمِنْ تَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ،وَمِنْ فَجْأَةِ نِقْمَتِكَ،وَمِنْ جَمِيعِ سَخَطِكَ وَغَضَبِكَ ".رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،أَنَّ النَّبِيَّ rكَانَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ،وَالْهَرَمِ وَالْبُخْلِ،وَالْجُبْنِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ،وَشَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ. وعَنْ أَنَسٍ،قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ rيَدْعُو،يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ،وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ،وَالْقَسْوَةِ وَالْغَفْلَةِ،وَالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْكُفْرِ،وَالشِّرْكِ وَالنِّفَاقِ،وَالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ،وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الصَّمَمِ وَالْبَكَمِ،وَالْجُنُونِ،وَالْبَرَصِ وَالْجُذَامِ،وَسَيِّيءِ الأَسْقَامِ. وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاَّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -r- يَقُولُ كَانَ يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا ». وعَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ عَنْ عَمِّهِ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ -r- يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ ». وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ،أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:إذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاةِ:اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ الْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ،اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالْجَوَارَ مِنَ النَّارِ،اللَّهُمَّ لاَ تَدَعْ ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْته،وَلا هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْته،وَلا حَاجَةً إِلاَّ قَضَيْتهَا. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ:كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ r: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ،وَقَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ،وَدُعَاءٍ لاَ يُسْمَعُ،وَنَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ،وَمِنَ الْجُوعِ،فَإِنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ،وَمِنَ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بِئْسَتِ الْبِطَانَةُ،وَمِنَ الْكَسَلِ،وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ،وَمِنَ الْهَرَمِ،وَمِنْ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ،وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ،وَعَذَابِ الْقَبْرِ،وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ،اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ قُلُوبًا أَوَّاهَةً مُخْبِتَةً مُنِيبَةً فِي سَبِيلِكَ،اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ،وَمُنْجِيَاتِ أَمْرِكَ،وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ،وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ،وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ،وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ " وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ،وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ،وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ،اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي،وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ،قَالَ:وَكَانَ رَسُولُ اللهِ rإِذَا ذَكَرَ دَاوُدَ يُحَدِّثُ عَنْهُ،قَالَ:كَانَ أَعْبَدَ الْبَشَرِ." الترمذي وعَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ،أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ:احْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ rذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى قَرْنَ الشَّمْسِ،فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ rسَرِيعًا،فَثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ وَصَلَّى وَتَجَوَّزَ فِي صَلاَتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ.قَالَ:كَمَا أَنْتُمْ عَلَى مَصَافِّكُمْ.ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْنَا.فَقَالَ:إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الْغَدَاةَ إِنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ،فَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي فَنَعَسْتُ فِي صَلاَتِي حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ،فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ.فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ أَتَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى ؟ قُلْتُ:لاَ أَدْرِي يَا رَبِّ،قَالَ:يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى ؟ قُلْتُ:لاَ أَدْرِي رَبِّ،قَالَ:يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى ؟ قُلْتُ:لاَ أَدْرِي يا رَبِّ،فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ صَدْرِي فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى ؟ قُلْتُ:فِي الْكَفَّارَاتِ.قَالَ:وَمَا الْكَفَّارَاتُ ؟ قُلْتُ:نَقْلُ الأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ،وَجُلُوسٌ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَواتِ،وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْكَرِيهَاتِ.قَالَ:وَمَا الدَّرَجَاتُ ؟ قُلْتُ:إِطْعَامُ الطَّعَامِ،وَلِينُ الْكَلاَمِ،وَالصَّلاَةُ وَالنَّاسُ نِيَامٌ.قَالَ:سَلْ.قُلْتُ:اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ،وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ،وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي،وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ،وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ،وَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا وَتَعَلَّمُوهَا." وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ،سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ:كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ rالْوَحْيُ يُسْمَعُ عِنْدَ وَجْهِهِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ،فَمَكَثْنَا سَاعَةً،فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ،فَقَالَ:اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تَنْقُصْنَا،وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا،وَأَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا،وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَيْنَا،وَارْضَ عَنَّا وَأَرْضِنَا ثُمَّ قَالَ:لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ عَشْرُ آيَاتٍ،مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} حَتَّى خَتَمَ الْعَشْرَ آيَاتٍ.". وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rكَانَ يَقُولُ:اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي شَكُورًا،وَاجْعَلْنِي صَبُورًا،وَاجْعَلْنِي فِي عَيْنَيَّ صَغِيرًا،وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ كَبِيرًا.". وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ؛ قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللهِ rلَا يَكَادُ يَقُومُ مِنْ مَجْلِسٍ ؛ إِلَّا دَعَا بِهَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ:« اللهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ،وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ إِلَى رَحْمَتِكَ،وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا،وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا،وَاجْعَلْ ذَلِكَ الْوَارِثَ مِنَّا،وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا،وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينَنَا،وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا،وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا ». وعَنْ عَلِيٍّ،قَالَ:ما مِنْ كَلِمَاتٍ أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَنْ يَقُولَهُنَّ الْعَبْدُ:اللَّهُمَّ لاَ إلَهَ إِلاَّ أَنْتَ اللَّهُمَّ لاَ أَعْبُدُ إِلاَّ إيَّاكَ،اللَّهُمَّ لاَ أُشْرِكُ بِكَ شَيْئًا،اللَّهُمَّ إنِّي قَدْ ظَلَمْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي،إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ. وعَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ - r- أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى خَطِيئَتِى وَجَهْلِى وَإِسْرَافِى فِى أَمْرِى،وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى،اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى هَزْلِى وَجِدِّى وَخَطَاىَ وَعَمْدِى،وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِى » ____________ |
-29-آداب الجمعة
يوم الجمعة يوم عظيم عند الله تعالى،أفرد في القرآن الكريم سورة سميت "سورة الجمعة" بينت أحكام صلاة الجمعة كأهم ما في هذا اليوم المبارك،وتوالت الأحاديث النبوية الشريفة تشرح قدر الجمعة،ووظائف المسلم فيه. عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا ». وعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ،أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ rفَقَالَ:أَخْبِرْنَا عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَاذَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ ؟ قَالَ:فِيهِ خَمْسُ خِلاَلٍ:فِيهِ خُلِقَ آدَمُ،وَفِيهِ هَبَطَ آدَمُ،وَفِيهِ تُوُفِّيَ آدَمُ،وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يَسْأَلُ اللَّهَ عَبْدٌ فِيهَا شَيْئًا إِلاَّ آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ مَأْثَمًا،أَوْ قَطِيعَةَ رَحِمٍ،وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ،وَلاَ سَمَاءٍ وَلاَ أَرْضٍ وَلاَ جِبَالٍ وَلاَ حَجَرٍ إِلاَّ وَهُوَ يُشْفِقُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّهُ قَالَ:خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ،فَلَقِيتُ كَعْبَ الأَحْبَارِ،فَجَلَسْتُ مَعَهُ،فَحَدَّثَنِي عَنِ التَّوْرَاةِ،وَحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ r،فَكَانَ فِيمَا حَدَّثَتْهُ،أَنْ قُلْتُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ،فِيهِ خُلِقَ آدَمُ،وَفِيهِ أُهْبِطَ،وَفِيهِ مَاتَ،وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ،وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ،وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،مِنْ حِينِ تُصْبِحُ،حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ،شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلاَّ الْجِنَّ،وَالإِنْسَ،وَفِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ،وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ قَالَ كَعْبٌ:ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ فَقُلْتُ:بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ،قَالَ:فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ،فَقَالَ:صَدَقَ رَسُولُ اللهِ r. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ،فَقَالَ:مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ ؟ فَقُلْتُ:مِنَ الطُّورِ،فَقَالَ:لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ إِلَيْهِ،سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ r،يَقُولُ:لاَ تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ:إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا،وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ،أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ - شَكَّ أَيُّهُمَا -. قَالَ:قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلاَمٍ،فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الأَحْبَارِ،وَمَا حَدَّثَتْهُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ،فَقُلْتُ لَهُ:قَالَ كَعْبٌ:وَذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ،فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ:كَذَبَ كَعْبٌ،قُلْتُ:ثُمَّ قَرَأَ التَّوْرَاةَ،فَقَالَ:بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ،فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ:صَدَقَ كَعْبٌ،ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ:قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ ؟ قَالَ:ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:فَقُلْتُ لَهُ:فَأَخْبِرْنِي بِهَا وَلاَ تَضِنَّنَ عَلَيَّ،فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ:هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ،قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:وَكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ،وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ r: لاَ يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي،وَتِلْكَ سَاعَةٌ لاَ يُصَلَّى فِيهَا،فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلاَمٍ:أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ فَهُوَ فِي صَلاَةٍ،حَتَّى يُصَلِّيَهَا،قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:بَلَى،قَالَ:فَهُوَ ذَاكَ." وقد خصّ الله المسلمين بهذا اليوم وجعله عيدهم الأسبوعي،وفرض فيه صلاة الجمعة،وخطبتها وأمر المسلمين بالسعي إليها جمعا لقلوبهم،وتوحيدا لكلمتهم،وتعليما لحاهلهم،وتنبيها لغافلهم،وردا لشاردهم،بعد أسبوع كامل من العمل والإكتساب،كما حرّم فيه الاشتغال بأمور الدنيا،وبكل صارف عن التوجه إلى صلاة الجمعة عند الدعوة إليها. فإذا سلمت الجمعة كانت كفارة لما سبقها خلال أيام الأسبوع،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ النَّبِيَّ rقَالَ:الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لَمَّا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ. وقد ورد الوعيد الشديد على ترك الجمعة،فعَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلاَثًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ،فَهُوَ مُنَافِقٌ." وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ جُمَعٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى. وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ ». وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،وَابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللهِ r،أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ:لَيَنْتَهِيَنَّ قَوْمٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ،أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ،وَلَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ." وقد أتى على بعض الناس زمن،غفلوا عن واجباتهم الإسلامية،ومنها حقوق يوم الجمعة،فحسبوه يوم الراحة الأسبوعية،ويوم العطلة بعد العمل ينطلقون فيه إلى الملاعب والمنتزهات،وبأيديهم أدوات اللهو واللغو واللعب والغفلات،وصنوف الأطعمة والأشربة والملذات،في يوم جاء فيه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:عُرِضَتِ الْجُمُعَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r،جَاءَ جِبْرِيلُ فِي كَفِّهِ كَالْمِرَآةِ الْبَيْضَاءِ فِي وَسَطِهَا كَالنُّكْتَةِ السَّوْدَاءِ،فَقَالَ:" مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ:هَذِهِ الْجُمُعَةُ يَعْرِضُهَا عَلَيْكَ رَبُّكَ لِتَكُونَ لَكَ عِيدًا وَلِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ،وَلَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ تَكُونُ أَنْتَ الْأَوَّلُ،وَيَكُونُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ،وَفِيهَا سَاعَةٌ لَا يَدْعُو أَحَدٌ رَبَّهُ بِخَيْرٍ هُوَ لَهُ قَسْمٌ إِلَّا أَعْطَاهُ،أَوْ يَتَعَوَّذُ مِنْ شَرٍّ إِلَّا دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ،وَنَحْنُ نَدْعُوهُ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْمَزِيدِ،وَذَلِكَ أَنَّ رَبَّكَ اتَّخَذَ فِي الْجَنَّةِ وَادِيًا أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ،فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ نَزَلَ مِنْ عِلِّيِّينَ،فَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ،وَحَفَّ الْكُرْسِيَّ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةٍ بِالْجَوَاهِرِ،وَجَاءَ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ فَجَلَسُوا عَلَيْهَا،وَجَاءَ أَهْلُ الْغُرَفِ مِنْ غُرَفِهِمْ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَى الْكَثِيبِ،وَهُوَ كَثِيبٌ أَبْيَضُ مِنْ مِسْكٍ أَذْفَرَ،ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ فَيَقُولُ:أَنَا الَّذِي صَدَقْتُكُمْ وَعْدِي،وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي،وَهَذَا مَحَلُّ كَرَامَتِي،فَسَلُونِي،فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا،فَيَقُولُ:رِضَايَ أُحِلُّكُمْ دَارِي،وَأَنَالَكُمْ كَرَامَتِي،فَسَلُونِي،فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضَا،فَيَشْهَدُ عَلَيْهِمْ عَلَى الرِّضَا،ثُمَّ يَفْتَحُ لَهُمْ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ،وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ،إِلَى مِقْدَارِ مُنْصَرَفِهِمْ مِنَ الْجُمُعَةِ،وَهِيَ زَبَرْجَدَةٌ خَضْرَاءُ أَوْ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ،مُطَّرَدَةٌ فِيهَا أَنْهَارُهَا،مُتَدَلِّيَةٌ،فِيهَا ثِمَارُهَا،فِيهَا أَزْوَاجُهَا وَخَدَمُهَا،فَلَيْسَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ بِأَشْوَقَ مِنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِيَزْدَادُوا نَظَرًا إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وَكَرَامَتِهِ،وَلِذَلِكَ دُعِيَ يَوْمَ الْمَزِيدِ " . ولقد أخبرنا سبحانه أنه حرم العمل على اليهود يوم السبت،وأمرهم بالتفرغ لعبادته،فعملوا الحيل،استهزاء بأمر الله تعالى واعتداء على حدوده،فغضب عليهم ولعنهم وجعل منهم القردة والخنازير. |
قال تعالى: { وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) }[الأعراف:163-166]
اسْأَلْ يَا مُحَمَّدُ،هَؤُلاءِ اليَهُودَ الذِينَ بِحَضْرَتِكَ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِهِم الذِينَ خَالَفُوا أَمْرَ رَبِّهِمْ،فَأصَابَهُمْ بِنَقْمَتِهِ عَلَى اعْتِدَائِهِمْ وَاحْتِيَالِهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِمْ أمْرَ رَبِّهِمْ وَحَذِّرْهُمْ مِنْ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِأَصْحَابِهِمْ،أَصْحَابِ القَرِيَةِ التِي كَانَتْ عَلَى سَاحِلِ البَحْرِ ( وَهِيَ أَيْلَةُ أَوْ العَقَبَةُ اليَوْمَ )،فَقَدْ كَانَ اليَهُودُ فِيهَا يَعْتَدُونَ عَلَى حُرْمَةِ السَّبْتِ،وَيَتَجَاوُزُونَ حُكْمَ اللهِ الذِي يُحِرِّمُ عَلَيهِم الصَّيْدَ فِيهِ،فَقَدْ كَانَتِ الأَسْمَاكُ ( حِيتَانُهُمْ ) تَأتِيِهِمْ ظَاهِرَةً عَلَى سَطْحِ المَاءِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ الذِي كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ،فَلاَ يَصِيدُونَ فِيهِ،أَمَّا فِي اليَوْمِ الذِي لا يَسْبِتُونَ،وَلاَ يُعَظِّمُونَ حُرْمَةَ السَّبْتِ،فَكَانَتِ الحِيتَانُ لا تَظْهَرُ لَهُمْ،وَكَانَ ذَلِكَ اخْتِبَاراً مِنَ اللهِ لَهُمْ،فَكَانَ اليَهُودُ المُعْتَدُونَ يَنْصِبُونَ الشِّبَاكَ لِلأَسْمَاكِ لِتَقَعَ فِيهَا،وَيَتْرُكُونَهَا فِي الشِّبَاكِ حَتَّى يَنْتَهِيَ السَّبْتُ فَيَأخُذُوهَا،فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ انْتِهَاكاً لِمَحَارِمِ اللهِ التِي فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ،وَمِنْهَا تَعْظِيمُ حُرْمَةِ السَّبْتِ.فَكَانَ تَصَرُّفُهُمْ هذا احْتِيالاً يُخْفِي نِيَّتَهُمْ فِي الاعْتِدَاءِ عَلَى السَّبْتِ،وَفِسْقاً عَنْ طَاعَةِ اللهِ . يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أنَّ أََهْلَ هَذِهِ القَرْيَةِ صَارُوا ثَلاثَ فِرَقٍ: - فِرْقَةٍ ارْتَكَبَتِ المُحَرَّمَ،وَاحْتَالَتْ فِي صَيْدِ السَّمكِ . - فِرْقَةٍ نَهَتِ المُتَجَاوِزِينَ عَنْ فِعْلِهِمْ هَذا وَاعْتَزَلَتْهُمْ . - فِرْقَةٍ سَكَتَتْ فَلَمْ تَفْعَلْ شَيْئاً وَلَمْ تَنْهَ،وَلَكِنَّهَا قَالَتْ لِلْفِرْقَةِ المُنْكِرَةِ:لِمَ تَنْهَوْنَ قَوْماً تَعْلَمُونَ أنَّ اللهَ مُهْلِكُهُمْ لاسْتِحقَاقِهِمْ عُقُوبَتَهُ وَسَخَطَهُ؟ فَلاَ فَائِدَةَ مِنْ نَهْيكُمْ إِيَّاهُمْ.فَرَدَّتْ عَلَيهِمْ الفِرْقَةُ النَّاهِيَةُ قَائِلَةً:إنَّ اللهَ أمَرَنَا بِأنْ نَأمُرَ بِالمَعْرُوفِ،وَنَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ،وَنَحْنُ نُذَكِّرُهُمْ لِنَقُومَ بِأمْرِ اللهِ أوَّلاً ( مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ )،ثُمَّ إنَّنا نَرْجُو أنْ يَنْتَهِيَ هَؤُلاءِ المُتَجَاوِزُونَ حُدُودَ اللهِ عَنْ غَيِّهِمْ،وَيَعُودُوا إلى الصَّوابِ،لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ الاعْتِدَاءَ الذي اقْتَرَفُوهُ.فَلَمْ يَهْتَمَّ هَؤُلاءِ بِأمْرِ اللهِ،وَلاَ بِتَذْكِيرِ إِخْوانِهِمْ،فَجَاءَ أَمْرُ اللهِ فَأخَذَهُمْ بِعَذَابٍ شَدِيدٍ ( بِئَيسٍ ) بِسَبَبِ فِسْقِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ عَنْ طَاعَةِ اللهِ،وَنَجّى اللهُ تَعَالَى الذِينَ قَامُوا مِنْهُمْ بِأمْرِهِ بِالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ . وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ - قَالَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ - فَالْيَوْمُ لَنَا وَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى » رواه مسلم. وعن أبي هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - r- يَقُولُ « نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا،ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ،فَهَدَانَا اللَّهُ،فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ،الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ » وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ:اخْتَلَفَ إلَيْهِ رَجُلٌ شَهْرًا يَسْأَلُهُ عَنْ رَجُلٍ يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ،وَلاَ يَشْهَدُ جُمُعَةً،وَلاَ جَمَاعَةً،مَات ؟قَالَ:فِي النَّارِ.. وهذه باقة من الآداب الإسلامية والتي هي بعض من حقوق هذا اليوم الكريم: الاستعداد للجمعة من يوم الخميس،بغسل ثيابه وإعداد طيبه،وتفريغ قلبه من الشواغل الدنيوية،والاشتغال بالتوبة والاستغفار،والذكر والتسبيح من عشية يوم الخميس،والعزم على التكبير إلى المسجد،ويستحسن قيام ما تيسر من ليلة الجمعة بالصلاة وقراءة القرآن. قال بعض السلف: أوفى الناس نصيبا من الجمعة من انتظرها ورعاها من الأمس. الابتداء بالغتسال بعد صلاة فجر يوم الجمعة مع الجماعة،ويمتد وقت الغسل حتى النداء. عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- قَالَ « غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ » رواه البخاري. المراد بالمحتلم: البالغ. وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- « مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ ». رواه الترمذي. وعن أَوْسَ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ،قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ:مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ،وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ،وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ،فَدَنَا مِنَ الإِمَام وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عَمَلُ سَنَةٍ،أَجْرُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا.". وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- قَالَ « إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ » النظافة العامة بحلق الشعر وقص الأظافر والسواك،والتطيب ولبس أحسن الثياب. عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - r- « لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ،وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ،أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ،فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ،ثُمَّ يُصَلِّى مَا كُتِبَ لَهُ،ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ،إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى » رواه البخاري. التبكير إلى الصلاة،ساعيا إليها بالسكينة والوقار،والتواضع والخشوع،ناويا إجابة أمر الله سبحانه والمسارعة إلى مغفرته ورضوانه،وليغتنم ثواب الصف الأول،ولا يكونن مع دينه أقل همة من أصحاب الدنيا إذ يبكرون إلى أسواقهم. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (9) سورة الجمعة. يَحُثَّ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنينَ عَلَى تَرْكِ البَيْعِ وَالشِّرَاءِ،وَعَلَى السَّعْيِ بِسَكِينَةٍ وَوِقَارٍ إِلَى المَسَاجِدِ،حِينَما يُؤَذِّنُ المُؤَذِّنُ لِصَلاَةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ،لِلاسْتِمَاعِ إِلَى مَوَاعِظِ الخُطَبَاءِ،وَلأَداءِ الصِّلاَةِ مَعَ الجَمَاعَةِ.وَذِلكَ السَّعْيُ إِلَى الصَّلاَةِ خَيْرٌ لِلمُؤْمِنِينَ وَأَبْقَى مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ،هَذَا إِنْ كَانَ المُخَاطَبُونَ مِنْ ذَوِي العِلْمِ الصَّحِيحِ بِمَا يَذِرُّ وَيْنْفُعُ . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r،قَالَ:مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ،ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً،وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ،فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً،وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا،وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ،فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً،وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ،فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً،فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ." متفق عليه. الدخول إلى المسجد مراعيا آدابه،مجتنبا تخطي رقاب الناس،أو المرور بين أيديهم،إلا أن يرى فرجة فيأوي إليها،ويجلس حيث ينتهي الصف،ولا يفرق بين اثنين ليجلس بينهما،ويتقرب إلى الخطيب ما أمكنه ليستمع إليه. |
وعَنْ عَبَّادٍ الْأَسَدِيِّ،أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ: بَيْنَا عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخْطُبُنَا يَوْمَ جُمُعَةٍ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ،وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ خَلْفِي،إِذْ رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ،حَتَّى دَنَا فَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ،فَغَضِبَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ غَضَبًا شَدِيدًا،حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ،ثُمَّ جَاءَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى دَنَا،فَقَالَ: " غَلَبَتْنَا هَذِهِ الْحَمْرَاءُ عَلَى وَجْهِكَ،فَغَضِبَ عَلِيٌّ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ،ثُمَّ قَالَ: " مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ هَذِهِ الضَّيَاطِرَةِ،يَتَضَجَّعُونَ عَلَى فُرُشِهِمْ،وَيَرُوحُ أَقْوَامٌ إِلَى ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ،فَيَأْمُرُونِي أَنْ أَطْرُدَهُمْ فَأَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ،وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ،وَبَرَأَ النَّسَمَةَ،لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ rيَقُولُ: " لَيَضْرِبُنَّكُمْ عَلَى الدِّينِ عَوْدًا كَمَا ضَرَبْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ بَدْءًا " فَضَرَبَ زَيْدٌ عَلَى مَنْكِبِيَّ،ثُمَّ قَالَ: لَيُظْهِرَنَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْعَرَبِ الْيَوْمَ أَمْرًا كَانَ يَكْتُمُهُ ".
وعَنِ الْحَسَنِ،قَالَ:بَيْنَا النَّبِيُّ rيَخْطُبُ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،حَتَّى جَلَسَ قَرِيبًا مِنَ النَّبِيِّ r،فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ،قَالَ لَهُ النَّبِيُّ r: يَا فُلاَنُ،أَمَا جَمَّعْتَ ؟ قَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،أَمَا رَأَيْتُنِي ؟ قَالَ:قَدْ رَأَيْتُك آنَيْتَ وَآذَيْتَ." الاستماع والإنصات للخطبة،والانتباه واليقظة لما فيها من العلم والحكمة،وتفريغ القلب من الشواغل لما يرد من الموعظة والذكرى،والعزم على العمل بما سمع من أحكام الدين الحنيف. ولا يتكلم حتى مع من يريد أن ينبهه إلى وجوب الإنصات وإنما يشير له ليكف عن كلامه،ولا يجيب مسلما،ولا يشمّت عاطسا.. قال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (11) سورة الجمعة. إذا رأى بعض المسلمين تجارة أو شيئًا مِن لهو الدنيا وزينتها تفرَّقوا إليها،وتركوك -أيها النبي- قائمًا على المنبر تخطب،قل لهم-أيها النبي-: ما عند الله من الثواب والنعيم أنفع لكم من اللهو ومن التجارة،والله- وحده- خير مَن رزق وأعطى،فاطلبوا منه،واستعينوا بطاعته على نيل ما عنده من خيري الدنيا والآخرة. وعَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ rقَالَ:إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،وَالإِِمَامُ يَخْطُبُ:أَنْصِتْ،فَقَدْ لَغَا. وعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ؛ أَنَّ النَّبِيَّ r،قَالَ:مَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ،وَالإِمَام يَخْطُبُ،فَقَدْ لَغَا. تجنب العبث باليدين أو بالسجاد أو بالسبحة أثناء الخطبة فهو من اللغو،وتجنب التغافل عن الخطبة والانشغال بغيرها أو النوم خلالها فإنه يذهب ثوابها. يكره الاحتباء أثناء الخطبة لأنه يجلب النوم ويفوت استماع الخطبة ومدعاة لانتقاض الوضوء. عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِىِّ عَنْ أَبِيهِ:أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- نَهَى عَنْ الْحَبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ. رواه أبو داود والترمذي. صلاة أربع ركعات قبل الصلاة وأربع ركعات بعدها. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا. رواه مسلم. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ rأَنَّهُ قَالَ:إِذَا صَلَّيْتَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَصَلِّ أَرْبَعًا.وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ rكَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ." وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا. الإكثار يوم الجمعة من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله r. فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،فِيهِ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ،وَفِيهِ قُبِضَ،وَفِيهِ النَّفْخَةُ،وَفِيهِ الصَّعْقَةُ،فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ،فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ،قَالُوا:وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ ؟ فَقَالَ:إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَامَنَا." ابن حبان وعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،فِيهِ خُلِقَ آدَم،وَفِيهِ النَّفْخَةُ،وَفِيهِ الصَّعْقَةُ،فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَة فِيهِ،فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ،فَقَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللهِ،كَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ ؟ يَعْنِي بَلِيتَ،فَقَالَ:إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ. الانتشار في الأرض بعد الصلاة،قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (10) سورة الجمعة فَإِذَا أَدَّيْتُمُ الصَّلاَةَ فَتَفَرَّقُوا لِمُبَاشَرَةِ مَصَالِحِكُمْ الذُّنْيَوِيَّةِ،وَاسْأَلُوا اللهَ الرِّزْقَ الحَلاَلَ،واذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً أَثْنَاءَ بَيْعِكُمْ وَشِرَائِكُمْ،وَلاَ تَتْركُوا الدُّنْيَا تَشْغَلُكُمْ عَمَّا يَنْفَعُكُمْ فِي الآخِرَةِ،لَعَلَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ تُفْلِحُونَ،وَتَفُوزُونَ بِرِضَا اللهِ،وَحُسْنِ ثَوَابِهِ . وعَن عَبدِ اللهِ بْنِ بُسرٍ الحُبرَانِي. قَالَ:رَأَيتُ عبد الله بْنَ بُسرٍ صَاحِبَ رَسُولِ الله،r،إِذَا صَلَّى الجُمُعَةَ،خَرَجَ مِنَ الْمَسجِدِ قَدرًا طَوِيلاً،ثُم رَجَعَ إِلَى الْمَسجِدِ،فَيُصَلِّي مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يصَلي،فَقُلْتُ لَهُ،يَرحمُكَ الله،لأيِّ شَيءٍ تَصْنَعُ هَذَ ؟ قَالَ:لأني رَأَيْتُ سَيدَ الْمُسلِمِينَ،r،هَكَذَا يَصْنَعُ،يَعْنِي النبِي،r،وَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ:(فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاَةُ فَاَنتَشِرُوا فِي الأرضِ،وَاَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله) إِلَى آخِرِ الآيَةِ. هذا هو التوازن الذي يتسم به المنهج الإسلامي. التوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض،من عمل وكد ونشاط وكسب. وبين عزلة الروح فترة عن هذا الجو وانقطاع القلب وتجرده للذكر. وهي ضرورة لحياة القلب لا يصلح بدونها للاتصال والتلقي والنهوض بتكاليف الأمانة الكبرى. وذكر اللّه لا بد منه في أثناء ابتغاء المعاش،والشعور باللّه فيه هو الذي يحول نشاط المعاش إلى عبادة. ولكنه - مع هذا - لا بد من فترة للذكر الخالص،والانقطاع الكامل،والتجرد الممحض. كما توحي هاتان الآيتان. وكَانَ عَرَّاكُ بْنُ مَالِكٍ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انصرف،فَوَقَفَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ،فَقَالَ:"اللَّهُمَّ،أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ وَصَلَّيْتُ فَرِيضَتَكَ،وَانْتَشَرْتُ كَمَا أَمَرْتَنِي فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ،وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ"(رواه ابن أبي حاتم) .. وهذه الصورة تمثل لنا كيف كان يأخذ الأمر جدا،في بساطة تامة،فهو أمر للتنفيذ فور سماعه بحرفيته وبحقيقته كذلك! الإكثار من قراءة القرآن وخصوصا سورة الكهف،وقد تقدم فضيلة قراءتها يوم الجمعة. الإكثار من ذكر الله تعالى،وعموم العبادات الأخرى كالصلوات والصدقات والدعوة إلى الله،وجعل يوم الجمعة عملا يدخره في رصيده لحساب يوم الحساب. عَنْ مُحَمَّدِ بن مَسْلَمَةَ الأَنْصَارِيِّ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :"إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٌ،فَتَعَرَّضُوا لَهُ،لَعَلَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْهَا،فَلا تَشْقَوْنَ بَعْدَهَا أَبَدًا" رواه الطبراني. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ اللَّهِ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ فَلَنْ تَشْقُوا بَعْدَهَا أَبَدًا " ترقب الساعة المباركة التي أشار إليها النبي rبأنها لا ترد فيها دعوة،وذلك بالانشغال يوم الجمعة بأصناف القربات،والتزود من التقوى والنوافل والأذكار والدعوات.. أَمَّا سَاعَةُ الْجُمُعَةِ فَقَال الشَّوْكَانِيُّ:تَوَاتَرَتِ النُّصُوصُ بِأَنَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لاَ يَسْأَل الْعَبْدُ فِيهَا رَبَّهُ شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ.. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُحَدِّثُونَ فِي تَعْيِينِ السَّاعَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلاً عَدَّدَهَا الشَّوْكَانِيُّ وَنُقِل عَنِ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ قَال:أَصَحُّ الأَْحَادِيثِ فِي تَعْيِينِهَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ rيَقُول فِي سَاعَةِ الْجُمُعَةِ:هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِْمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلاَةُ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا وقد قيل إنها مبهمة في جميع اليوم حكمة من الله تعالى ليعكف الداعي على مراقبتها ويجتهد في الدعاء في جميع اليوم كما قيل في ليلة القدر والصلاة الوسطى والاسم الأعظم وساعة الإجابة في الليل وهذا القول ضعيف لتعيين وقتها والتصريح به في الأحاديث المتقدمة والله أعلم وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - r- ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ « فِيهِ سَاعَةٌ لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ،وَهْوَ قَائِمٌ يُصَلِّى،يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ».وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا.رواه البخاري. يكره السفر يوم الجمعة إن استطاع تأجيله إلا لمضطر،حتى تقضي صلاة الجمعة. فعن ابْنِ عُمَرَ أنه- رجلاً - وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ:" لَا تَرُحْ حَتَّى تُجَمِّعَ ثُمَّ تُسَافِرَ إِنْ شِئْتَ " وعَنْ عَائِشَةَ،قَالَتْ:" إِذَا أَدْرَكْتَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَلَا تَخْرُجْ حَتَّى تُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ " وعَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:أَبْصَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلاً عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ فَسَمِعَهُ يَقُولُ:لَوْلاَ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لَخَرَجْتُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ:اخْرُجْ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لاَ تَحْبِسُ عَنْ سَفَرٍ." وعَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ،عَنْ أَبِيهِ،أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى رَجُلًا يُرِيدُ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ،فَقَالَ عُمَرُ:" إِنَّ الصَّلَاةَ لَا تَحْبِسُ عَنْ سَفَرٍ " وَرَوِيَتْ أَخْبَارٌ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ،وَمُجَاهِدٍ،وَغَيْرِهِمَا تَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْخُرُوجِ فِي الْأَسْفَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،قَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ:قَلَّ مَا خَرَجَ رَجُلٌ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَّا رَأَى مَا يَكْرَهُ،فَلَوْ نَظَرْتَ كَذَلِكَ وَجَدْتَهُ كَذَلِكَ.وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ:وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ السَّفَرَ لَمْ أُحِبَّ لَهُ فِي الِاخْتِيَارِ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ،وَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ قَبْلَ الْفَجْرِ،وَقَالَ:إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَلَا يُسَافِرْ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ،وَسُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ،عَنْ مُسَافِرٍ سَمِعَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ أَسْرَجَ دَابَّتِهِ وَحَمَلَ ثِقَلَهُ قَالَ:فَلْيَمْضٍ،وَقِيلَ لِأَحْمَدَ:تُسَافِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ؟ قَالَ:مَا يُعْجِبُنِي،وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ فِي تِجَارَةٍ وَغَيْرِهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ:لَا أَعْلَمُ خَبَرًا ثَابِتًا يَمْنَعُ مِنَ السَّفَرِ أَوَّلَ نَهَارِ الْجُمُعَةِ إِلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ،وَيُنَادِيَ الْمُنَادِي،فَإِذَا نَادَى الْمُنَادِي وَجَبَ السَّعْيُ إِلَى الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ،وَلَمْ يَسَعْهُ الْخُرُوجُ عَنْ فَرْضٍ لَزِمَهُ،فَلَوْ أَبْقَى الْخُرُوجَ فٍي يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَى أَنْ يَمْضِيَ الْوَقْتُ كَانَ حَسَنًا،وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ rخَبَرًا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الْخُرُوجِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْوَقْتُ " فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ rوَجَّهَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ الْأَنْصَارِيَّ،وَجَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ،وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ،فَتَخَلَّفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: مَا خَلَّفَكَ ؟ قَالَ:الْجُمُعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ،أُجَمِّعُ ثُمَّ أَرُوحُ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا،فَرَاحَ مُنْطَلِقًا " يكره إفراد يوم الجمعة بصوم النفل. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - r- يَقُولُ « لاَ يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ،إِلاَّ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ » .. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ r،قَالَ: لا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْلَيَالِ،وَلا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ،إِلا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ. |
-30-آداب العيدين
سمي العيد بهذا الاسم لعوده بالخير والغبطة والسرور على أهله بعد قيامهم بواجب دؤوب يتكرر كل مدة من الزمن،أو احتفالا بذكرى غالية على نفوسهم،أو حصولهم على غاية عزيزة على قلوبهم. وللمسلمين عيدان أساسيان هما: عيد الفطر وعيد الأضحى،الأول بعد أداء فريضة الصوم في شهر رمضان ويكون يوم الفطر الأول من شوال يوم فرح وسعادة وحبور للصائمين إذ وفقهم الله لطاعته،ومنحهم شهادة التقوى بما قدموه من صيام وقيام،ومخالفة لشهوات النفس وحظوظها وأهوائها،فعَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ،أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ،يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r: قَالَ اللَّهُ تعالى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ فَهُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ،وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ،لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ:إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ،وَإِذَا لَقِيَ اللَّهَ فَرِحَ بِصَوْمِهِ. متفق عليه. والثاني بعد أدء فريضة الحج،ويكون يوم النحر اليوم العاشر من ذي الحجة يوم احتفال وبهجة وسرور للحجاج بما أنعم الله عليهم من أداء النسك،وتلبية أمر الله،وإكرام الله لهم بالمغفرة والرضوان،وفتح صفحة نقية من صفحات العمر،ولكافة المسلمين فرحا بما يسر الله تعالى لحجاج بيته من أداء فريضتهم،وتذكرا لعهد التضحية والفداء بالروح والنفس والمال والولد طاعة لله وامتثالا لأمره،والذي كان بطله أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام: { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) } [الصافات:100 - 111]. وَلَمَّا هَاجَرَ مِنْ أَرْضِهِ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَهَبَ لَهُ ذُرِّيةً مِنَ الصَّالِحِينَ المُطِيعِينَ الذِينَ يُعِينُونَهُ عَلَى القِيَامِ بِأَمْرِ الدَّعْوَةِ وَيَتْولَّونَهَا بَعْدَهُ.فَبَشَّرَهُ اللهُ تَعَالَى بِمَولُودٍ لَهُ يَبْلُغُ الحُلْمَ،وَيَكُونُ حَلِيماً - وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ عَلَى أَصَحِّ الأَقْوَالِ .فَلَمَّا كَبُرَ وَتَرَعْرَعَ،وَصَارَ يَذْهَبُ مَعَ أَبِيهِ،وَيَسْعَى فِي أَشْغَالِهِ،وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِ قَالَ لَهُ أَبُوهُ:يَا بُنَيَّ إِنِّي رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَمَا رَأْيُكَ؟ وَقَدْ قَصَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِيَعْلَمَ صَبْرَهُ،وَمَا يَرَاهُ فِيمَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِنَ الابْتِلاَءِ،وَلِيوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى الذَّبْحِ اكْتِسَابا لِلمَثُوبَةِ مِنَ اللهِ تَعَالَى . فَرَدَّ إِسْمَاعِيلُ عَلَى أَبِيهِ قَائِلاً:يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ رَبُّكَ،وَسَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ عَلَى الابْتِلاَءِ،وَعَلَى قَضَاءِ اللهِ . فَلَمَّا اسْتَسْلَمَا وَانْقَادَا لأَمْرِ اللهِ،وَفَوَّضَا إِلَيْهِ سُبْحَانَه الأَمْرَ فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ،أَكَبَّ إِبْرَاهِيمُ ابنَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ( تَلَّهُ لِلْجَبِينِ )،حَتَّى لاَ يَرَى وَجْهَهُ فَيُشْفِقَ عَلَيْهِ،وَيَضْعُفَ عَنْ إِنْفَاذِ أَمْرِ اللهِ تَعَالَى .وَعَلِمَ اللهُ تَعَالَى صِدْقَ إِبْرَاهِيمَ وَابْنِه فِي الاخْتِبَارِ،فَنَادَى اللهُ إِبْرَاهِيمَ عِنْدَ ذَلِكَ.وَقَالَ:يَا إِبْرَاهِيمُ لَقَدْ صَدَّقْتَ الرُؤْيَا بِعَزْمِكَ عَلَى ذَبْحِ ابْنِكَ إِطَاعَةً لأَمْرِ رَبِّكَ،فَحَصَلَ المَقْصُودُ .وَهَكَذَا يَجْزِي اللهُ المُحْسِنِينَ المُطِيعِينَ،فَيَصْرِفُ عَنْهُمُ المَكَائِدَ والشَّدَائِدَ،وَيَجْعَلُ لَهُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ فَرَجاً وَمَخْرَجاً . وَهَذَا الابْتِلاَءُ الذِي ابْتَلَيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَابْنَهُ لَهُوَ الابْتِلاَءُ الذِي أَبَانَ جَوْهَرَ إِيْمَانِهِمَا وَيَقِيِنِهِمَا بِرَبِّ العَالَمِينَ،إِذْ أمَرَهُ رَبُّهُ بِذَبْحِ ابْنِهِ فَسَارَعَ هُوَ وابْنُهُ إِلَى ذَلِكَ مُسْتَسْلِمَيْنِ،خَاضِعَيْنِ مُنْقَادَيْنِ لأَمْرِ رَبِّهِمَا . وَفَدَى اللهُ تَعَالَى إِسْمَاعِيلَ بِكَبْشٍ سَمِينٍ ضَخْمٍ قَامَ إِبْرَاهِيمُ بِذَبْحِهِ بَدَلاً مِنْ ذَبْحِ ابْنِهِ.وَتَرَكَ اللهُ تَعَالَى لَهُ ذِكْراً حَسَناً عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا،وَجَعَلَهُ مُحَبَّباً لِلنَّاسِ جَمِيعاً.وَقَالَ اللهُ تعالى: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ فِي المَلاَئِكَةِ وَالإِنْسِ والجِنِّ .وَيَجْزِي اللهُ تَعَالَى المُحْسِنِينَ الصَّابِرِينَ مِنْ عِبَادِهِ مِثْلَ هَذَا الجَزَاءِ الحَسَنِ . ولقد شرع النبي rهذين العيدين لأمته،فعن أَنَسَ بْنِ مَالِكٍ،قَالَ:قَدِمَ رَسُولُ اللهِ rالْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا،فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟ قَالُوا:كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ،قَالَ:إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا:يَوْمَ الْفِطْرِ،وَيَوْمَ النَّحْرِ." أحمد. والعيد يوم شكر لله على ما أنعم من فضله،وما وفق من طاعته،ويوم راحة نفسية بعد أداء الفريضة،ويوم مكافأة إلهية كريمة ليعرف المسلم قدر ما قدم،وقيمة ما عمل،وتشجيعا له على متابعة أمر الله،والسير على منهجه حتى يلقى يوم عيده الأكبر بلقاء وجه ربه الكريم.. ولقد أباح الإسلام أيام العيد إظهار الفرح،والأخذ من الطيبات،والراحة والاستجمام من عناء العمل،وشيئا من اللهو المباح الذي يكون كإعادة شحن لقوى النفس،ومحطة لمواصلة الطريق على صراط الله المستقيم. وللعيد آداب إسلامية على المسلم أن لا يتجاوزها،وأعرافا عليه ألا يتعداها،فيطلق للنفس العنان لتستبيح ما حرم الله،ولتفسد أياما قضاها في الطاعة والعبادة من أجل شهوة رخيصة،وهوى متبع. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (33) سورة محمد. يَأمُرُ اللهُ تَعَالى المُؤْمِنينَ بإطِاعَةِ اللهِ،وَإطَاعَةِ رَسُولِهِ فِيما يأمُرانِهِمْ بِهِ،وَفيما يَنْهَيانِهِمْ عَنْهُ،وَيَنْهَاهُمْ عَنْ إبْطَالِ أَعْمَالِهِم الحَسَنةِ،بارِتكَابِ المَعَاصِي،وَفِعْلِ الكَبَائِرِ والنِّفَاقِ،وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأعْمَالِ التي تُبْطِلُ الحَسَناتِ وَتُذْهِبُها . ومن هذه الآداب نذكر ما يلي: |
الساعة الآن 05:10 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.