![]() |
أن تكتب عمّا تعرفه ..ستيفن كوتش
( ترجمة : د.سمر طلبة) إن أكثر النصائح شيوعًا في مجال الكتابة تتلخص في ذلك الكليشيه القديم الذي كثيرًا ما سمعناه في حجرات الدرس، ألا وهو “اكتب ما تعرفه”. وأكرر: إن هذه النصيحة كليشيه، ولسوف نتعامل معها بكثير من الشك، إلا أنها -كمعظم الكليشيهات- فيها شيء من الصحة. بمعنى آخر: إذا ما حاولنا تفسير هذه النصيحة تفسيرًا حرفيًّا فسيتضح لنا أنها محض هراء، وإذا ما حاولنا تطبيقها دون إعمال خيالنا فلن يعدو ما نكتبه أن يكون سيرة ذاتية سمجة ثقيلة على النفس، أما إذا ما فهمت ذلك الرابط السحري الحميم الذي يجمع بين “ما نعرف” وما نتخيل، فعندئذ فقط يكون لذلك الكليشيه قيمة ومعنى. فلتصغ معي إلى غابرييل غارسيا ماركيز ، الكاتب الكبير الذي لا يستطيع أحد أن يتهمه بأنه من أتباع الحرفية في تفسير ذلك الكليشيه، إذ يقول: “لو طلِبَ مني إسداء النصح لبعض الكتاب الناشئين فإنني سأنصحهم بأن يكتبوا عن أشياء حدثت لهم بالفعل، فمن السهل على القارئ أن يعرف إذا ما كان الكاتب يكتب عن شيء قد وقع له أو شيء سمعه أو قرأه وحسب.. وإنه لمما يروقني ويضحكني أن قرائي يعجبون جل الإعجاب بما يرونه وليد الخيال في أعمالي، في حين إنه ما من سطر كتبته إلا و فيه شيء من الواقع!”. وقد قال سومرست موم كلامًا مشابهًا إذ قال: ” لم أزعم مطلقًا أنني ابتكرت أي شيء في أعمالي ابتكارًا بحيث يمكن اعتباره منبت الصلة بالواقع، بل على العكس؛ إنني أحتاج دومًا إلى حادثة حقيقية، أو شخصية لها وجود في العالم الواقعي، كنقطة بداية، ثم أضيف الخيال والإبداع، وشيئًا من الدراما كي أجعل ذلك الشيء الحقيقي يَحمِل بَصْمَتي”. بيد أن مقولة “اكتب ما تعرفه” تلك تبدو مضللة، إذ إننا نعرف أكثر بكثير مما يمكننا قوله، وكذا فإن ما يمكننا تخيله هو أكثر بكثير مما “نعرفه”. وهو ما يلخصه إي. إل. دوكتورو إذ يقول: “إن المعلمين يطلبون من تلاميذهم أن يكتبوا ما يعرفونه -هكذا وحسب، لكن أنّى لإنسان أن يعرف طبيعة ما يعرفه ما لم يقم بكتابته أولًا؟ إن الكتابة هي المعرفة. فمثلًا ما الذي كان كافكا يعرفه؟ طبيعة العمل في مجال التأمين؟ إن هذا يبين مدى سذاجة هذه النصيحة، لأنها تعني أنك كي تكتب عن الحرب مثلًا فعليك أن تشترك في الحرب. وهو الأمر الذي لا يتأتى لكل إنسان بطبيعة الحال.” وقد تحدث هنري جيمس عن أهمية الكتابة من واقع الخبرات الشخصية -بأسلوبه الذي صار عَلمًا عليه- فقال: “ما نوع الخبرات الشخصية المقصودة؟ وأين تبدأ تلك الخبرات وإلى أين تنتهي؟ إن الخبرة ليست شيئًا محدودًا، كما إنها ليست مما يمكن وصفه بأنه شيء تم واكتمل وانتهى الأمر. إن الخبرة هي حساسية هائلة. إنها شبكة عنكبوت هائلة شاسعة مغزولة من أدق وأنعم خيوط الحرير، ومعلقة في حجرات الوعي حيث تلتقط كل ذرة يحملها الهواء ويمر بها من خلالها. إنها المناخ الذي يخيم على العقل فيكسبه طبيعته الخاصة.” ويقول ستيفن كينج كلامًا مشابهًا، بطريقته الخاصة، إذ يقول: “أعتقد أننا في البداية نقوم بتفسير هذه المقولة تفسيرًا شموليًّا واسعًا حيث يشمل “ما نعرفه” أقصى قدر ممكن من معارفنا. فمثلًا إذا ما كنت تعمل سباكًّا فأنت بالتأكيد تعرف الكثير عن السباكة، لكن معلوماتك عن السباكة ليست هي أقصى ما تعرف، إذ إن القلب يعرف أشياء، وكذلك الخيال.” حين تكتب فأنت تستخدم الكلمات لتحويل ما لا تعرفه إلى ما تعرفه. بعبارة أخرى أنت تخترع، وتعيد اختراع “ما تعرفه”، وهو ما تلخصه “إيديث وارتون” ببراعة إذ تقول: “أما عن الخبرة، سواء الفكرية أو الأخلاقية، فإن الخيال يمكنه بسط ما كان محدودًا منها ومده حيث يخلق منه شيئًا عظيمًا، بشرط أن تكون تلك الخبرة قد مكثت طويلًا في العقل واستمر الكاتب في التفكير بها طويلًا. فمثلًا إذا ما تعرض الشاعر لصدمة عاطفية قوية حطمت قلبه فيمكنه أن يكتب العديد من القصائد من وحي تلك الصدمة، كما يمكن أن تلهم مثل تلك الصدمة الروائي بعدة روايات، بشرط أن يكون للشاعر والروائي قلوبًا قابلة للتحطم أولًا وقبل كل شيء.” إذن فمربط الفرس أن يستطيع المرء أن يتحرك بثبات وثقة منطلقًا مما يعرف، مهما كان ما يعرفه ضئيلًا وقليلًا. فلنفترض أنك قد بدأت من موقف حقيقي أو شخصية تعرفها، فكيف يمكنك تحويل الواقع إلى خيال أدبي؟ إن هذا موضوع يستحق أن نفرد الفصل السادس من هذا الكتاب له، لكن لا ضير من نصيحة موجزة يسديها إلينا -مؤقتا وحتى نصل إلى الفصل السادس- جون إيرفنج، والذي يبدأ من خبرات حقيقية، وفي نيته كتابة سيرته الذاتية، ثم ما يلبث أن يأخذ الأمر مسارًا مختلفًا. يقول إيرفنج: “أبدأ بقول الحقيقة، وذلك بتذكر الناس الحقيقيين، من أقارب وأصدقاء. وغالبًا ما تكون التفاصيل المكانية جيدة، إلا إن الناس لا يكونون مثيرين بما فيه الكفاية، إذ لا يكون هناك ما يكفي لربطهم ببعضهم البعض. وما يؤرقني ويصيبني بالضجر هو غياب الحبكة التي توحد بينهم، وهكذا فإنني أشرع بالمبالغة، قليلًا قليلًا، وهكذا فبالتدريج أجد السيرة الذاتية تتحول شيئًا فشيئًا إلى كذبة، وبالطبع فإن الكذبة تكون أكثر إثارة من الحقيقة، وهكذا أجدني وقد صرت أكثر اهتمامًا بذلك الجزء من القصة الذي اختلقته بنفسي.. بقريبي الذي لم يكن قريبي في الواقع، وصديقي الذي لا وجود له سوى في الخيال، ثم أبدأ في التفكير في العمل باعتباره رواية، لا يوميات. ثم أقول لنفسي إنني سأقوم بكتابة يومياتي ما أن أنتهي من كتابة الرواية، إلا إن الأمر يسير على المنوال ذاته، إذ دائمًا.. دائمًا ما تصير الكذبة أكثر إثارة من الحقيقة”. |
ماهو منطق الرواية؟.. نحن الروائيون، والقراء، ماذا نريد من الرواية؟
بدر السماري-الإمارات الثقافية لنمضي نحو الإجابة إبتداءً من الإجابة الأسهل، الروائي يكتب الرواية من أجل الفن، مدرسة الفن للفن كما يقال، والقارئ في المقابل يقرأ العمل الروائي من أجل المتعة فقط لا لشئ آخر، ولا يريد شيئاً آخر سوى المتعة. هذه الإجابة بالمناسبة ليست سيئة، بل إنها إجابة شافية لمن لا يرغب في عصف ذهنه بالأفكار العميقة، وقد يكتفي بها من يود وضع الأمور في مكانها الطبيعي. لكن النفس البشرية الشغوفة بالرواية والسرد لا تركن وتكتفي بهذه الأفكار البسيطة، بل تمضي في البحث والتقصي محاولة الوصول لجوهر الأشياء، فما هو جوهر الرواية ومنطقها؟ لنبدأ من كلام الروائي التشيكي / ميلان كونديرا، والذي يقول في كتابه فن الرواية؛ “الرواية التي لا تحاول اكتشاف سر من أسرار الوجود، هي رواية فاشلة”، كان بالطبع يستند على مقولة بروخ؛ “الرواية؛ هي كتابة الشيء الذي لا يمكن قوله سوى بالرواية، ولا شئ غير الرواية يعبر عنه”. من هنا، قد يختلط على البعض أن إحدى مهمات الرواية محصورة في كشف المستور، وهو خطأ شائع في ظني وقع فيه الكثير خصوصاً في المجتمعات المدنية الناشئة، والأخرى المحافظة، أو المجتمعات الحديثة على معرفة فن الرواية، إذ في هذا العالم الذي يضج بكل وسائل التقنية الحديثة والمواقع الإجتماعية من اليوتيوب، لموقع كيك، للإنستقرام… إلى آخره من المواقع التي توفر صورة بصرية وتسجيلية، وبثاً حيًا لشتى الصور الإجتماعية، وبإمكاننا القول لكل شئ على الأرض، وأنا بالفعل أعني كل شئ هنا، فلا حدود لما يمكن نقله عبر هذه المواقع، من المستور حد الفجاجة والهامشي البسيط جداً، إذن ماذا بقي للرواية لكي تنقله؟ هل تموت الرواية؟ بالطبع لا، أنا مؤمن جداً أن فن الرواية ما خلق ليموت، الناس كما يقول الروائي الأميركي المعاصر بول أوستر؛ “إن البشر تحتاج للقصة والرواية بقدر حاجتها للغذاء”. كما أنني أؤمن تماماً بأن الرواية ما خلقت من الأصل لكشف المستور، وسأحاول مداولة الأمر والإنطلاق من جملة للروائي الياباني هاروكي موراكامي؛ “إن الروائي بقصه وحيله السردية وأكاذيبه يأتي بالحقيقة تحت المجهر، يسلّط عليها الضوء من جديد، وفي الكثير من الحالات؛ يكاد أن يكون من المستحيل فهم هذه الحقيقة في شكلها الأصلي، وهنا يأتي الروائي ليجسدها ويعيد بعثها من جديد بشكل أكثر دقة، هذا هو السبب في أننا (معشر الروائيين) في محاولة دائمة لإنتزاع أطراف الحقائق، نستدرجها لتمضي معنا فتختبئ في مكان جيد من القصّ”. انتهى حديث هاروكي هنا، وأود أن أوافقه في هذه النقطة بالذات، إنها مفارقة عدم الوصول للحقيقة سوى بسرد الأكاذيب، هذا هو الروائي والذي مع أنه يجيد فن الكذب في سرد حكاياته، إلا أنه يكتب بصدق. أكرر كلمة الصدق هنا، إذ أن الصدق يختلف عن الحقيقة، لا أحد يمتلك الحقيقة، لا الروائي ولا الباحث ولا المؤرخ، بل أننا حتى لا نضمن أن لا يأتي لنا عالم فيزياء جديد ويعيد تشكيل بعض القوانين الفيزيائية ليفسر بعض الأسرار الميتافيزيائية والماورائيات، نحن نكتفي بالصدق من الرواية الجيدة، الرؤية الصادقة الناتجة عن تأمل للأشياء، الرؤية التي تقدم معنى جديد لشيء واحد من الحياة. يقولون، الحياة لا تحتاج لمنطق لتبرير الأحداث، لكن في السرد، المنطق وحده هو من يقود الأحداث، الرواية كانت وما زالت أحد أهم الوسائل الفنية لتفكيك المنطق، من خلال التحليل التأملي العالي، وقبل ذلك مزاوجة هذا التأمل بالجهد البحثي العالي والذي صرف عليه الروائي وقتاً طويلاً لفك أسراره. لنتذكر بعض الأمثلة على مدى تاريخ الرواية الحديث، إذ لا أحد يدرك كمية الجهد البحثي والعلمي المبذول في مجال العطريات من الروائي الألماني باتريك زوسكيند قبل كتابة رواية العطر، ومن الصعب التكهن بأبحاث التركي أورهان باموك التاريخية عن أسرار الرسم والنقش قبل وأثناء كتابة رواية اسمي أحمر، وكذا جهد الإيطالي أمبرتو إيكو في التراث المسيحي اثناء إعداده لرواية اسم الوردة، ومن منا ينسى الجهد المضني للبيروفي ماريو فارجاس يوسا في قراءة التاريخ والتماس مع المكان لكي يعيد قراءة الديكتاتور/ تروخيو في روايته حفلة التيس.. إنه جهد بحثي عميق، وحفر في التاريخ والعلم معاً، في التأمل والتحليل الذاتي وهي المهارة الأولى للروائي، ومن ثم المضي في التخييل السردي لبناء الحكاية، والتي تستمر طيلة مسيرة الكتابة في فتح أبوابها للروائي للعبور لأماكن كانت مجهولة قبل بدء الرواية، وتفتحت للروائي والقراء.. إنها عظمة الفن الروائي، ثلاثية العلم والفلسفة والتأمل، لتنسكب معاً في قالب فني خلًاق ومشوق. لنمضي في البحث؛ ما هو الأهم في الرواية؛ الشخصية؟ أم المكان؟ أو تدوين ظاهرة أو حدث ما؟ ولمحاولة الإجابة، لنعيد السؤال الأزلي، ما هو الشئ الذي لا يمكن قوله سوى بالرواية؟ لنتذكر أن المكان والأحداث والظواهر كلها تحت المجهر الآن، ولكن تبقى الشخصية وما بداخلها هي الأكثر غموضاً، هي الشئ الذي يحتاج قول ما لا يمكن قوله سوى بالرواية، إنها الشخصية، إنه الإنسان بكافة أبعاده وغموضه ووجوده في هذه الحياة، والسرد الذي يحلل ثيمة ما من خلال هذه الشخصية، ومن خلال تدوين حكايتها وزرع المضامين الفلسفية بين ثنايا الحكاية. في منطق الرواية الحديثة، لم يعد يعول على لغة جيدة بلا مضمون وحكاية متماسكة، اللغة وسيلة لنقل الحكاية فقط، وتدوين المضامين، ورسم الشخصيات، وتحليل الثيمة الرئيسية في الرواية، ومهما حلقت فهي مرهونة بما تنقله، فإن تردى ما تنقله فلن ينفع تجلي هذه اللغة. في الرواية الحديثة، يظن البعض أن المدرسة الواقعية (على سبيل المثال) ما هي إلا محاكاة لما يحدث في الواقع، وهذا تسطيح فج للرواية، إذ حينئذ، فلتعلموا أن السرد سوف يصبح قشورياً بلا عمق، بلا إيغال في جوهر الأشياء، ولا نفاذ لداخل الشخصية وتفكيك أزمتها وفلسفتها الخاصة للأشياء، ولن يكون بمقدور الروائي أن يصل لرؤية جديدة عن ثيمة أراد فحصها واختبارها. لنتذكر أن الرواية الواقعية حين كتبت بصدق، نشأت منها الرواية النفسية والكابوسية، وأسست أهم النظريات في علم التحليل النفسي، بل وحتى الطب النفسي، هنا تكون الرواية قد وصلت لمرتبة اكتشاف سر من أسرار الوجود الكثيرة، والفضل يعود للرواد وفي مقدمتهم الروسي دوستوفسكي، والذي رسم شخصيات على الحافة دائماً، وتمكن من تحقيق فهم عميق للنفس البشرية وتحليلها، مروراً بمن جاء بعده كالتشيكي كافكا والذي أخذ الرواية نحو طريق آخر وضمن سرده بما يسمى بالكابوسية، وصولاً لسبر تيار الوعي بدءاً من الإيرلندي جيمس جويس والإنجليزية فرجينيا وولف.. حتى وصلنا إلى الوقعية السحرية عند الكولومبي ماركيز ورفاقه من أميركا اللاتينية. إنها رحلة باهرة في مراحل تطور الفن الروائي. لنعد نحو منطق الرواية؟ قلنا أن مهمة الرواية لم تعد في كشف المستور، بل أن قناعتي الشخصية تقول بأنها ما كانت ذلك منذ البدء. في الرواية الحديثة، ما عادت الرواية معنية بنقل هذه الصورة البصرية، بل صارت مهمتها أكبر في كشف النفس البشرية. لم تعد مهمة الرواية في تسليط الضوء على الهامش، بل تجاوز ذلك إلى عرض فلسفة الهامش ومحاولة إستيعابه وفهمه. لم تعد من مهام الرواية الكشف، بل تجاوزتها للفحص والإختبار، أكبر خطأ فني اقترفه بعض كتاب الرواية في بداياتهم هي اعتبارها منصة عرض، لا أداة تحليل واكتشاف، حولوا الرواية إلى منبر، وشرعوا بالوعظ والنصح والإرشاد، وهذا بالطبع ليس منطق الرواية.. ولنكوّن قاعدة عامة حيال هذا الأمر، لنقل؛ كل جملة مباشرة من الروائي فيها إرشاد للقارئ ليست من منطق الرواية. بمقدور الروائي أن يصعد على المنبر ويكتب خطبة عصماء، ويختزل فيها كل رؤيته في الحياة وفلسفته الخاصة، لكنه اختار طريق السرد، وزرع الفلسفة في وسط الحكايا المتراصة في الرواية، اختار أن يقطف الحكمة من أفواه أبطال النص، القارئ يرغب في حكاية مسلية قبل أي شئ، يرغب في المتعة اليسيرة، يرغب في الإبداع الخالص، في المتعة من الفن، وللروائي أن يقدم ما يشاء بعد أن يضمن التسلية والمتعة للقارئ. الرواية الحديثة أصبحت عالماً بلا حدود، صارت أداة بحث سردية بعيداً عن الطرق التقليدية للبحث والتقصي، بحث في جوهر الوجود، عن الإنسان، مساءلة التاريخ، وإعادة قراءة كل النصوص أحد البدائل التي اخترعها الإنسان، لكنه بديل في غاية الأهمية إن تم بطريقة عالية من الإبداع، ففي الرواية يمضي البحث عن طريق المنطق السردي للحكاية، والذي بدوره يختلط مع المرجعيات العلمية النصية. ما الشعرة الفاصلة إذن بين الرواية ووسائل البحث الأخرى؟ إنها المحافظة على لب الحكاية، والتي بصدق أقولها لم تعد تشبه الحكاية التقليدية الكلاسيكية كما بدأها رواد السرد، لكنها حكاية تشتبك بكل مناحي الحياة، لا تهمل زاوية من زواياها، وهنا يأتي الروائي المبدع ليصب كل هذا الإبداع في نص واحد خالد. لنعد إلى البحث عن منطق الرواية؟ لم نجمع أجوبة كثيرة تشفي الغليل بعد، هي محاولات لن تنتهي ما دام الإنسان يسير على هذه الأرض، ولكن، إحدى المعضلات التي تسببت في خلط كبير لمنطق الرواية هو النجاح الذي تحققه بين الفينة والأخرى بعض الروايات “الضعيفة فنياً”، وتصدّرها لمشهد الكتب الأكثير مبيعاً، إنها شبيهة بمعضلة الأفلام السينمائية التي تحصد الجوائز والأخرى التي تحصد التفوق الفلكي في مبيعات دور السينما، ومن الخطأ اعتبار أن كل الروايات التي تتصدر المبيعات هي الأفضل، بل عاماً إثر عام، نرى كيف تتوارى بعض الروايات الجيدة فنياً وتقبع في الصف الخلفي لمشهد الأكثر مبيعاً، فيما تتقدم روايات ضعيفة فنياً ومضموناً إلى الصف الأول، وثمة أسباب كثيرة يطول شرحها لهذا الأمر ليس هذا مجالها، الأهم أن نركن للبعد الزمني الممتد لعمر الرواية، وكم بمقدورها أن تحيا، وهو المحرك الحقيقي لجودة النص الروائي، ولعلنا في مقالة قادمة نتحدث عن تصدر بعض الروايات الضعيفة فنياً للكتب الأكثر مبيعاً.. لكن، لنتذكر حديث كونديرا؛ “الرواية التي لا تحاول اكتشاف سر من أسرار الوجود، هي رواية فاشلة”. |
كيف تُكتب الرواية؟..غابرييل غارسيا ماركيز
هذا هو دون شك أحد الأسئلة الكثيرة التي كثيرًا ما توجّه إلى الروائي. ولدى المرء دوماً إجابة مرضية، تناسبُ من يوجه السؤال. لكن الأمر أبعد من ذلك: فمن المجدي محاولة الإجابة عنها لا لمتعة التنويع وحسب، كما يقال، وإنما لأنه يمكن الوصول من خلاله الى الحقيقة. ولأن هناك أمراً مؤكداً على ما أظن، وهو أن أكثر من يسألون أنفسهم كيف تكتب الرواية، هم الروائيون بالذات. ونحن نقدم لأنفسنا أيضًا إجابة مختلفة في كل مرة. وأنا أعني بالطبع الكتاب الذين يظنون أن الأدب هو فن موجّه لتحسين العالم. أما الأخرون، ممن يرون أنه فنٌ مكرّسٌ لتحسين حساباتهم المصرفية، فلديهم معادلات للكتابة ليست صائبة وحسب، بل ويمكن حلها بدقة متناهية وكأنها معادلات رياضية. والناشرون يعرفون ذلك. فقد كان أحدهم يتسلى منذ وقت قريب موضحًا لي سهولة الطريقة التي تكسب بها داره للنشر الجائزة الوطنية للآداب: قبل كل شيء لابد من دراسة أعضاء لجنة التحكيم – من خلال تاريخهم الشخصي – وأعمالهم وذوقهم الأدبي. ويرى الناشر أن محصلة جميع هذه العناصر توصله إلى حد وسطي لذوق لجنة التحكيم الأدبي. ويقول:” لهذا وجدت الحاسبات الالكترونية”. وبعد الوصول إلى نوع الكتاب الذي يتمتع بأكبر الاحتمالات للفوز بالجائزة، يتوجب التصرف بطريقة معاكسة لما يجري في الحياة: فبدلاً من البحث أين هو هذا الكتاب، يجري البحث عمن هو هذا الكتاب – سواء أكان جيداً أم رديئاً – المؤهل أكثر من سواه لفبركته. وما سوى ذلك ليس إلا التوقيع على عقدٍ معه ليجلس ويكتب المواصفات المحددة، الكتاب الذي سيفوز في السنة التالية بالجائزة الوطنية للآداب. والمخيف في الأمر هو أن الناشر قد أخضع هذه اللعبة لمطحنة الحاسبات الالكترونية، وأعطته الحاسبات أن احتمال النجاح سبعة وثمانون بالمئة. المسألة ليست إذا في كتابة رواية – أو قصة قصيرة – وإنما في كتابتها بجدية، حتى ولو لم تبع فيما بعد ولم تنال أية جائزة. هذه هي الاجابة التي لا وجود لها، واذا كان هناك من يملك الأسباب لمعرفة ذلك في هذه الايام، فهو من يكتب الآن هذه السطور محاولا من أعماقه إيجاد حلّه الخاص لهذه الأحجية. فقد عدتُ مؤخرًا إلى مكتبي الخاص في مكسيكو، حيث تركت منذ سنة كاملة عددًا من القصص القصيرة غير المكتملة ورواية كنتُ قد بدأت بكتبتها وأحسست أني لم أجد طرف الخيط كي تكر اللفافة. بالنسبة للقصص القصيرة، لم أجد أية مشكلة: لقد صارت إلى سلة المهملات. فبعد قراءتها إثر سنة من الغياب الصحي، أتجرأ على أن أقسم – وربما كنت محقاً – بأنني لست كاتبها. إنها تشكل جزءًا من مشروع قديم يتألف من ستين قصة قصيرة أو أكثر تتناول حياة الأميركيين اللاتينيين في أوروبا، وكان عيب هذه القصص الأساسي والسبب في تمزيقها هو أني أنا نفسي لم اقتنع بها. ليس لديّ من التبجّح ما يجعلني أقول أن يدي لم ترتعش حين مزقتها، ثم حيث بعثرت القصصات لأحول دون جمعها إلى بعضها بعضاً من جديد. لقد ارتعشت، ولم تكن يداي وحدهما هما اللتان ارتعشتا، لأني أحتفظ لعملية تمزيق الأوراق هذه بذكرى قد تكون مشجعة، لكنها تبدو لي مربكة. إنها ذكرى ترجع إلى ليلة حزيرانية من عام 1955، عشية سفري إلى أوروبا كموفد خاص من صحيفة الاسبيكتادور، حين جاء الشاعر خورخي غيتان دوران إلى غرفتي في بوغتا ليطلب مني أن أترك له شيئاً ينشره في مجلة ميتو. كنت قد انتهيت من مراجعة أوراقي، فوضعت في مكان أمين ما رأيت أنه جدير بالحفظ، ومزقت ما هو ميؤوس منه. بدأ غيتان دوران بالبحث في سلة المهملات عن الأوراق الممزقة، بنهمه الذي لا يرتوي نحو الأدب، وخصوصًا نحو اكتشاف قيم مغمورة. وفجأة وجد شيئاً لفت انتباهه، فقال لي: “لكن هذا صالح جداً للنشر”، فأوضحت له لماذا مزقته: إنه فصل كامل انتزعته من روايتي الأولى عاصفة الأوراق – وكانت الرواية قد نشرت في ذلك الحين – ولا يمكن له أن يلقى مصيراً مشرفاً إلا في سلة المهملات. لم يتفق غيتان دوران مع وجهة نظري، ورأى أن النص قد يكون فائضاً عن الحاجة في مسار الرواية ولكن له قيمة مختلفة بذاته. فخوّلته – ليس لقناعتي بوجهة نظره بقدر ما كان ذلك لإرضائه – صلاحية ترقيع الأوراق الممزقة بشريط لاصق، ونشر الفصل على أنه قصة قصيرة. “وأي عنوان نضع له؟”، سألني مستخدماً صيغة جمع قلما كانت دقيقة كما هي في تلك الحالة. فقلت له: “لست أدري، فهاذا لم يكن سوى مونولوج لإيزابيل وهي ترى هطول المطر في ماكوندو”، وكتب غيتان دوران في الهامش العلوي للورقة الأولى، وفي الوقت نفسه الذي كنت اقول فيه: “مونولوج ايزابيل وهي ترى هطول المطر في ماكوندو”. وهكذا استعيدت من القمامة احدى قصصي القصيرة التي قوبلت بأفضل إطراء من جانب النقد، ومن جانب القرّاء على وجه الخصوص. ومع ذلك، لم تفدني هذه التجربة في عدم مواصلة تمزيق أصول المخطوطات التي تبدو لي غير صالحة للنشر، بل انها علمتني ضرورة تمزيقها بطريقة لا يمكن معها اعادة ترقيعها ثانية. إن تمزيق القصص القصيرة أمرٌ لا مناص منه، لأن كتابتها أمرًا أشبه بصبّ الإسمنت المسلح. أما كتابة الرواية فهي أشبه ببناء الآجر. وهذا يعني أنه إذا لم تنجح القصة القصيرة من المحاولة الاولى فالأفضل عدم الاصرار على كتابتها. بينما الأمر في الرواية أسهل من ذلك: إذ من الممكن العودة للبدء فيها من جديد. وهذا ماحدث معي الان. فلا الإيقاع، ولا الأسلوب، ولا تصوير الشخصيات كانت مناسبة للرواية التي تركتها نصف مكتملة. وتفسير هذه الحالة هو واحد ايضاً: فحتى أنا نفسي لم أقتنع بها. وفي محاولة للبحث عن حل عدت إلى قراءة كتابين اعتقدت أنهما مفيدان. أولهما هو التربية العاطفية لفلوبير، ولم أكن قد قرأته منذ أرق الجامعة البعيد، فلم يفدني إلا في تفادي التشابهات التي كانت ستبدو مريبة، لكنه لم يحل لي المشكلة. أما الكتاب الآخر الذي عدت إلى قراءته فهو بيت الجميلات النائمات لياسوناري كواباتا، الذي صفع روحي قبل ثلاث سنوات، ومازال كتاباً جميلاً. لكنه لم ينفعني هذه المرة في شيء، لأنني كنت أبحث عن أساليب التصرف الجنسي لدى المسنين، وما وجدته في الكتاب هو سلوك المسنين اليابانيين، الذي يبدو شاذاً مثل كل ماهو ياباني، وليس له أدنى علاقة دون ريب بالسلوك الجنسي لمسنّي منطقة الكاريبي. حين تحدثت عما يقلقني على المائدة، قال لي أحد ابنيّ – وهو صاحب التوجه العملي -: “انتظر بضع سنوات أخرى وستتعرف على الأمر من خلال تجربتك الشخصية”. أما الآخر وهو فنان فقد كان أكثر دقة وتحديداً: “عد إلى آلام فارتر”، قال لي ذلك دون أي أثر للسخرية في صوته. فحاولتُ قراءته فعلاً، ليس لأني أبٌ مطيع جداً وحسب، وإنما لأني فكرت كذلك بأن رواية غوته الشهيرة قد تفيدني. لكنني لم أنته هذه المرة إلى البكاء في جنازة الشاب فارتر، كما جرى لي في المرة السابقة، وإنما لم أستطع تجاوز الرسالة الثامنة، وهي تلك التي يروي فيها الشاب المنكوب لصديقه غيليرم كيف أنه بدأ يشعر بالسعادة في كوخه المتوحد. ووجدتُ نفسي ما أزال في مكاني، حتى أنني لم أجد غرابة في اضطراري لعضّ لساني كي لا أسأل كل من التقي به: ” قل لي يا اخي، اللعنة كيف يمكن كتابة رواية؟”. |
هاروكي موراكامي: أهم صفة يجب أن يمتلكها الروائي؟
ترجمة: ميادة خليل أثناء المقابلات يطرح عليّ أحياناً السؤال التالي: “ما هي أهم صفة يجب أن يمتلكها الروائي؟” وأهم صفة يجب أن يمتلكها الكاتب؟ هل يجب أن أقول هذا؟ الموهبة. إذا افتقر الكاتب للموهبة، لن يكون كاتباً أبداً، مهما اجتهد في ذلك، بدلاً من أنها صفة ضرورية يمكن القول بأنها شرط أساسي. بدون قطرة وقود لا يمكن حتى للسيارات الرائعة أن تعمل. المشكلة مع الموهبة هي في كيفية السيطرة على النوعية والكمية. ليس من السهولة أن تضيف قليلاً إذا كان المخزون غير ملائم، أو تمط صلاحية الاستخدام من خلال الاختصار والقفز أو على الأقل لتكون على حق. الموهبة لا تجذب توقعاتنا، تشرب الجملة إذا رَغِبت في ذلك، وعندما تَشرب كل شيء وتجف، عندها يكون الأمر قد أنتهى. وإذا سألتني ماذا بعد الموهبة، عندها سيكون جوابي بدون تردد: التركيز. القدرة على توجيه كمية الموهبة المحدودة التي تمتلكها على نقطة جوهرية واحدة. إذا لم تمتلك هذه القدرة، فسوف لن تضيف شيئاً مميزاً للكتابة. إذا كنت تمتلكها وتعاملت معها بكفاءة، عندها يمكنك تعويض نقص الموهبة. من عادتي أن أقضي ثلاث الى أربع ساعات يومياً في التركيز على عملي. أجلس الى مكتبي وأكرس انتباهي على ما أكتبه فقط. لا أفكر بأي شيء آخر. لا أنظر الى أي شيء آخر. والصفة المهمة الأخرى التي يجب أن يمتلكها الروائي بعد التركيز هي الصبر. حتى لو كنت تكتب بتركيز ثلاث أو أربع ساعات كل يوم، لن يكون لديك رواية بدينة إذا تعبت بعد أسبوع. الروائي ــ أو أولئك الذين يرغبون بكتابة حجم معين ــ يحتاجون الى القوة من أجل التركيز يومياً طوال نصف سنة، نعم، وحتى سنة أو سنتين على رواية واحدة. من حسن الحظ أن هناك الى جانب الموهبة التركيز والصبر. وعلى هذا الأساس من الممكن تعلم الموهبة باكراً من خلال التمرين أو تحسين نوعية الموهبة. تجلس كل يوم الى المكتب وتركز على موضوع واحد، عندها ستنمو لديك قوة التركيز، والتحمّل. "المصدر: كتاب “عن ماذا أتحدث عندما أتحدث عن العدو” 2007 |
رؤى عبد الرحمن منيف عن الرواية: رحلة ضوء. كتب زيد الفضلي "نظرة في كتاب عبدالرحمن منيف": يأخذنا الكاتب السعودي الراحل عبدالرحمن منيف عبر كتابه “رحلة ضوء” إلى نزهة جميلة عبر مراحل تدرج الرواية العربية. ويسرد لنا أهم المرتكزات التي يجب أن يتكئ عليها الكاتب خلال مرحلة كتابة الرواية، كما يسهب منيف في تفصيل أهم الاسباب التي تؤدي إلى نجاح أو فشل الرواية، فضلاً عن مراحل تطورها وارتباطها بعدة عوامل مثل المدن والسير الذاتية والتاريخ وغيرها. (في البدءِ كانت المغامرة).. اتجه الكتّاب في البداية إلى رواية المغامرة التي تعتبر هي اللبنة الأول لكتابة الرواية بشكل عام حيث اكتسب مفهوم البطولة في البدايات ملامح محددة جعلت الاحداث و المناخات والاشخاص تأخذ مسارات تصب في النهاية لخدمة البطل المركزي فقط. وهذا الأمر جعل أي اشخاص آخرين في الرواية هم ظل للبطل الرئيسي من خلال اقتصار ادوارهم على تهيئة “المسرح” للبطل حتى يظهر مواهبة وجوانب العظمة والقوة فيه، وحتى العنصر النسائي حين يظهر كثيراً في مثل هذه الرويات فهو يكون تعبير عن المكافأة أو تتويج للبطولة المركزية فيها. وفي سياق تطور الرواية برزت الرواية التاريخية التي لعبت دوراً في إضفاء قدر من المصداقية على دور البطولة من خلال اختيار النماذج الاكثر حضورا وإيحاء واعادة تكوينها ما جعل البطل التاريخي بديلا مناسباً، لما تحفل به المخيلة الشعبية من صفات لهذا البطل فهو يشكل تعويضا لنمط معين من احلام ورغبات مكبوتة. وبهذه الطريقة تم استخراج ابطال لا عدد لهم من التاريخ واعادة تصنيعهم عبر استغلال الضباب التاريخي الذي يخيم على ذاكرة الكثيرين. ولأن البيئة التاريخية لأبطال من هذا النوع بعيدة وتكاد تكون مجهولة فأن من السهل اعادة صناعتهم وفق ما يخدم قناعات وأهدافاً معينة. وقد يظهر في الرواية التاريخية شخصيات اخرى غير البطل مثل الوزراء والمغنين والجواسيس والخدم والمحظيات ورجال الدين والمستشارين ورغم اختلاف ادوار هؤلاء عن الشخصيات في رواية المغامرات لكن الأضواء ظلت مسلطة على البطل/ المحور. (أنماط جديدة).. ونتيجة للتطورات الكبيرة والمتواصلة أخذت تظهر انماط جديدة من البطولات الروائية ولم يعد هناك البطل الأوحد بل اصبحت الرواية تتضمن العديد من الأبطال الذي يدورن في الفلك ذاته، كما اصبح الصراع في الرواية عنواناً اساسياً مثلما يحدث في الحياة، و أكثر من ذلك إذ لم تعد البطولة تقتصر على البشر وحدهم بل اصبحت الاماكن والحيوانات والأشياء مادة للبطولة الروائية ومثال على ذلك رواية الكاتب اليوغسلافي إيفو اندريتش “جسر على نهر دارينا”، و “الشيخ والبحر” لـ الأميركي ارنيست هيمنغواي وغيرها الكثير. يمكن لرواية واحدة أن تحتمل عدداً كبيرا من الأبطال سواء من البشر أو الحيوانات أو الزمان او المكان او الأشياء. إن خمسين أو ستين سنة من حياة الإنسان، أي إنسان، تستحق أن تمنح بضع صفحات، أو عددا من الدقائق، لكي تلخص ومن خلال هذا التلخيص قد يضاء عالم باكمله. (الحوار أهم التحديات).. يرى منيف أن من جملة التحديات التي تواجه كتابة الرواية: لغة الحوار، فالحوار في الرواية ركن اساسي من اركانها لأنه بمثابة الدماء التي تجري في الشرايين وتمد الرواية بالحياة وتجعلها تأخذ ملامحها وتميزها وألقها. لذلك يحتاج الكاتب أن يفصل نفسه عن لغة عمله لأن القراء يرون الشخصية عبر الكلمات التي تقولها والأفعال التي تقدم عليها مما يتطلب أن يضع الكاتب مسافة بين لغته الخاصة ولغة شخصياته. كذلك على الكاتب ان يضع بعين الاعتبار كيف يمكن أن يصور على سبيل المثال لغة شخص بسيط من الطبقة الدنيا لأي مجتمع، كيف يمكنه أن يصيغ حوارات هذه الشخصيات البسيطة بلغة غير متكلفة ولا جامدة وبعيدا عن اللغة العامية ودون أن يكون الحوار يابساً ومفتقداً للحرارة والصدق. ولأن الحوار هو الطاقة المحركة التي تدفع الاحداث إلى الامام فأن على الكاتب أن يجد لغة شخصياته الخاصة بعيدا عن اللهجة المغرقة في محليتها والتي تشكل حاجزا بين الرواية ومداها العربي، وأيضا عن اللغة الفصيحة المقعرة القاموسية كتلك التي تجري على ألسنة شخصيات المسلسلات المكسيكية المدبلجة. ويخلص منيف في هذا الجانب إلى أن الرواية العربية تحتاج إلى نسّاك متفرغين لها تكون علاقتهم بها أشبه بالزواج الكاثوليكي. ويضرب مثالاً على ذلك،ما حصل على يد الأديب المصري نجيب محفوظ إذ انصرف محفوظ منذ وقت مبكر إلى الرواية، وبدأب لايعرف التوقف أو التعب واصل تجاربه سواء باختيار الموضوعات والشخصيات والاماكن وهو ما مكنه من أن يقدم انجازات بارزة للرواية العربية أصبحت الاساس لما بني عليه فيما بعد. (الشخصية وحياتها المستقلة).. إن الشخصية الروائية بقدر ماهي من خلق الكاتب، حتى لو كان لها جذر واقعي في إحدى المراحل، فإنها ما أن تبدى اولى خطواتها في الرواية حتى تصبح لها حياة مستقلة، وبالتالي تعتبر الشخصية في مراحل عديدة خالقة لنفسها ومسؤولة عن تصرفاتها. من الضروري أن تكتسب الشخصية الروائية صفاتها نتيجة الممارسة وبشكل متدرج، أي ان تصل إليها عن جدارة، وبسبب الأفعال التي يولدها الحدث الروائي، لا نتيجة مايضفيه الروائي عليها من صفات، لأنه في النهاية الرواية كما الحياة لا تتكون دفعة واحدة أو بشكل كامل، الأمر الذي يجعل الصفات تكتسب فترة بعد أخرى، حدثاً وراء الأخر، وبهذا الطريقة تتكامل الشخصية الروائية وتكتسي ملامح انسانية وتكون أكثر تأثيرا ورسوخا في العقل والوجدان. ان الشخصية الروائية يمكن أن تكون كبيرة ومؤثرة وتصبح لها حياة بعد أن تنطوي صفحات الرواية ويمكن أن تتحول هذه الصفحات ذاتها مقبرة للشخصية، وهذا هو التحدي بين شخصية روائية ولدت لتبقى وأخرى ولدت لتموت. (الخلاصة).. القى منيف الضوء في رحلته على العديد من الأمور الأخرى التي أثرت في تطور الرواية العربية، كما انه اسدى الكثير من النصح إلى الروائين الشباب الساعين إلى اكتشاف عوالم الرواية شديدة التعقيد. فهو يرى أن على الكاتب أن يمتلك ذاكرة تلتصق بالأشياء و ترصد كل ما تشاهد بعين المتفحص حتى يتكون مخزون كبيرة من الصور والمشاعر والتأملات يلجأ إليها الكاتب في رحلته الضوئية عبر كتابة الرواية. إن الكتابة بإختصار رحلة مليئة بالمتعة والعذاب وحتى تستطيع ان تصل من خلالها إلى هدفك المنشود عليك أن تشعر بكلتا الحالتين حتى النفس الأخير. |
عشر نصائح للكتابة من جويس كارول أوتس:ترجمة : بثينة العيسى.
جويس كارول أوتس هي روائية أميركية معاصرة وكاتبة قصص قصيرة وشاعرة وكاتبة مسرحية وناقدة أدبية، عرفت بكونها المرشحة الدائمة لجائزة نوبل، قدمت للمكتبة العالمية رصيداً هائلاً من الروايات والقصص القصيرة والمقالات والشعر والمسرحيات وكتب الأطفال وكتب النقد، وأصدرت ثماني روايات تحت اسم روزاموند سميث. تصدر بالاشتراك مع زوجها ريموند سميث مجلة «أونتاريو ريفيو». من نصائح جويس كارول أوتس للكتاب الشباب: 1) اكتب قلبك. 2) لا يمكن كتابة الجملة الأولى إلا بعد كتابة الجملة الأخيرة. المسودات الأولى هي الجحيم. المسودات النهائية: الجنة! 3) أنت تكتب لمعاصريك، وليس للأجيال القادمة. إذا كنت محظوظا، فإن معاصريك سيصحبون الأجيال القادمة. 4) احفظ ما قاله أوسكار وايلد: القليل من الصدق خطر، الكثير من الصدق هو بالتأكيد قاتل. 5) عندما تحتار في كيفية إنهاء فصل، أحضر رجلا بمسدس “هذه نصيحة ريموند تشانلدر، لا أنا. أنا لن أجرب ذلك. 6) ما لم تكن تجرّب في الأشكال (جريء، معقد، وغامض). انتبه إلى الاحتمالات في الفقرات. 7) كن محرّر نفسك، وناقد نفسك. متعاطف ولكن عديم الرحمة. 8) لا تحاول أن تتوقع قارئا مثاليا، أو أي قارئ. هو (أو هي) قد يكون موجودا، ولكنه يقرأ لشخص آخر. 9) اقرأ، لاحظ، اسمع بشدة. كما لو أن حياتك تعتمد على ذلك. 10) اكتب قلبك. |
سبع نصائح من سكوت فيتزجيرالد لكتابة الرواية:
ترجمة: موسى بهمن سكوت فيتزجيرالد غالبًا ما يتم تعريفه بأنه كاتب منذ الولادة. “موهبته”، كما يقول إرنست همنغواي: طبيعية مثل لوحة صنعها الغبار على أجنحة فراشة. لكن فيتزجيرالد يرى نفسه بشكل مختلف. فيقول “كم هو قليل إنجازي”، وقال: لقد كان من أكثر الأعمال شقاءً وإرهاقًا. لقد اخترنا سبعة اقتباسات عن الكتابة من سكوت فيتزجيرالد، والتي تم تحريرها من قبل لاري دبليو فيليبس ونشرت في عام 1985 ضمن كتاب همنغواي. 1) ابدأ بتدوين الملاحظات. تعوّد فيتزجيرالد على تسجيل أفكاره وملاحظاته الضالة في دفاتره. قام بترتيب الملاحظات إلى فئات مثل “المشاعر والعواطف”، “المحادثات وأشياء مسموعة”، “أوصاف الفتيات”. وعندما كان يعطي عشيقته شيلا غراهام نصائح للكتابة في أواخر الثلاثينيات، نصحها بأن تفعل الشيء نفسه. وفي مذكراتها عام 1940، شيلا غراهام تقتبس عن فيتزجيرالد: يجب أن تبدأ بتدوين الملاحظات. قد تطول كتابة الملاحظات لسنوات.. عندما تفكر في شيء ما، أو عندما تتذكر شيئًا، سجّل ما تفكر به حالًا. قد لا تستطيع استعادة ذلك الشعور بنفس الوضوح في المرة القادمة. 2) قم بعمل مخطط تفصيلي لقصتك. عندما كان فيتزجيرالد يعمل على رواية جديدة، دائمًا يحيط نفسه بمخططات يحدد فيها جميع تحركات شخصياته وتاريخها. في رسالة إلى الروائي جون أوهارا في عام 1936، قال إنه ينصح الروائي الصغير أن يبدأ بمخطط كبير: اِبتكر نظامًا زولَويًّا*.. لكن اشتر ملفًا أولاً. وعلى الصفحة الأولى من الملف قم بكتابة الخطوط العريضة للرواية بشكل مبالغ فيه (لا تقلق، فإن هذه الخطوط العريضة ستتداخل مع بعضها البعض) واعمل على هذه الخطة لمدة شهرين. خذ النقطة المركزية للملف كما لو كانت هي الحبكة واتبع خطتك من هذه النقطة إلى ما قبلها وما بعدها لمدة ثلاثة أشهر أخرى. ثم قم بوضع حدث معقّد في قصتك وحدد لنفسك جدولًا زمنيًا. 3) لا تخبر أحدًا عن فكرتك. كانت سياسة فيتزجيرالد عدم التحدث مع أشخاص آخرين عن الكتاب الذي يعمل عليه. في رسالة 1940 إلى ابنته سكوتي، قال: أعتقد أنها قاعدة رائعة ألّا تخبري أحدًا ما هو الشيء الذي تعملين عليه لحين الانتهاء منه. إذا تحدثتِ عنه فستفقدين بعضًا منه. ولن يبدوَ أنه ينتمي لك بعد ذلك. 4) اخلق بشرًا، لا أنماطًا. كان معروفًا عن فيتزجيرالد خلقه لشخصيات رمزية، لكنه قال بأنها كانت مصادفة. “لم أكن أملك أية فكرة عن المرأة الأميريكية التي كتبت عنها عندما بدأت في الكتابة”، وفي مقابلته عام 1923 مع مجلة متروبوليتان قال: “أخذت ببساطة الفتيات اللواتي كنت أعرفهن جيدًا جدًا، واللواتي أثرن اهتمامي بتفردهن، فاستخدمتهن لصناعة أبطالي.” في عام 1926 كتب فيتزجيرالد في افتتاحية قصته القصيرة “الولد الثري”: “تبدأ بالشخص، وتكتشف أنك قد خلقت نمطًا. تبدأ بالنمط، وتجد أنك خلقت لا شيء.” 5) استخدم كلمات مألوفة. في عام 1929 كتب فيتزجيرالد رسالة إلى زميل دراسته، الكاتب جون بييل يقول فيها: “يجب عليك ألّا تستخدم كلمة غير مألوفة، إلا إذا اضطررت للبحث عنها وإعادة توظيفها لكي تعبّر فيها عن حساسية الواقع. اللعنة، إنها قاعدة جيدة للنثر…” استثناءات: (أ) يجب تجنب التكرار. (ب) تحتاج إلى إيقاع. (ج) إلخ… 6) استخدم الأفعال، لا الصفات، لتتحرك جُملك. في عام 1938 أرسل فيتزجيرالد رسالة لابنته: “يستند النثر على الأفعال التي توصل الجُمل. تُحرِّك الجُمل. كمثال؛ أروع قصيدة ربما في اللغة الإنجليزية لـ جون كيتس ‘عشية سانت أغنيس’ وجملة مثل ‘خرج الأرنب يعرج مرتجفًا من العشب المجمد.’ جملة ​​حية لدرجة تجعلك تتبعها، تلاحظها بجهد. فقد لوَّنت القصيدة بحركته العرجاء. ارتجافه وتجمده يظهرون أمام عينيك.” 7) كن قاسيًا. على الكاتب أن يتخذ بعض القرارات الصعبة. فيتزجيرالد يحذر من خطر الارتباط بشيء قمت بكتابته. أبقِ نظرتك موضوعية تجاه ما تنجزه، وكما يقول: “إذا كان هناك شيء غير مناسب، تخلّص منه”. في عام 1933 كتب مقالاً بعنوان “100 بداية خاطئة”، يقول فيه: “هذا مجرد عناد. عليك رميه والبدء من جديد.” التراجع هذا واحد من أصعب القرارات التي يجب على الروائي القيام بها. ليجعل منجزه فلسفيًا. قبل أن يجهد نفسه لمائة ساعة في محاولة إحياء جثة، أو فقرات متسرعة لا حصر لها في عمله. وهذا اختبار أكثر منه مهنية. في المراحل الأخيرة من الرواية، حينها، مسألة التراجع لا تعد ذات أهمية، إلا عندما تريد سحب شخصيتك المفضلة من كعبها، لتصرخ، وتجر معها نصف دزينة من المشاهد الجيدة. |
ألان شوِس: هذا تمريني المفضل في الكتابة الإبداعية:
ترجمة : جهاد الشبيني لقد ساعدت الكتابة، بطريقة المحاكاة أو عن طريق تقليد أعمال كُتَّاب جيدين، طلابي عند كل منعطف تقريبًا في بداية عملهم بالكتابة. نظرت دومًا إلى الرسامين باعتبارهم نماذج؛ يرسلون تلاميذهم إلى المتاحف، حيث يمكنهم نسخ أجزاء من لوحات كبار الفنانين المرسومة على الأقمشة المخصصة للوحات الزيتية، أو نسخ رسومات كاملة في بعض الأحيان. بهذه الطريقة، يتعلمون، من بين طرق أخرى، كيف يستخدمون أرساغهم في إطلاق إبداعهم. المحاكاة ليست نسخًا بالضبط. (عندما نقرأ قصة بورخيس “بيير مينارد، مؤلف دون كيخوت”، نرى إلى أين يمكن أن يقود النسخ). إلا أن الأمر يتطلب من الكاتب/ـة الجديد/ة أن يـ(تـ)شق طريقه/ـا كما لو كان محترفًا، أن يضع نفسه مكانهم ويرى بأعينهم. يطلب صديقي آل يونج في بعض الأحيان إلى تلاميذه أن ينسخوا صفحة من كاتب كبير، مع الإبقاء على بناء الجملة فقط واستخدام مصادر الأفعال التي يفضلونها وكذلك الأفعال وأجزاء أخرى من الخطاب. هذا الأمر مفيد. الأمر نفسه بالنسبة إلى الأسلوب، على سبيل المثال، لنقل: منظر الأرض في” إلى الفنار”، أو المرعى في” أنطونيا الجميلة” للكاتبة الأمريكية ويلا كاثر، إذ يبتكر طلبة الكتابة مشاهدهم الخاصة بدلًا من المؤلف. أحد أكثر التمرينات التي نجحت نجاحًا بالغًا مع تلاميذي كان تغيير الصفحات الأولى من رواية “شارع السردين المعلب”، للكاتب جون شتاينبك، التي مثلت نموذجًا جيدًا تمامًا مثلما كانت “شرق عدن” نموذجًا جيدًا في الاستفادة من مقومات شبابهم. تقدم الرؤى المختلفة لمشاهد رائعة في الرواية العصرية طريقةً جيدةً أيضًا لأن يستخدم التلاميذ خيالهم في إطار الحدود الصارمة التي يضعها محترف. في تمرين مثل هذا، أطلبُ إلى التلاميذ أن يقرأوا قصة “القبلة” لتشيكوف وأن يكتبوا المشهد المفرد- الجندي في الغرفة المظلمة يحصل على قبلة من امرأة غامضة- من وجهة نظر المرأة. في تمرين آخر، أطلب إليهم أن يكتبوا رؤية بديلة لقصة تشيكوف العظيمة “السيدة صاحبة الكلب” من وجهتي نظر: زوج آنا، وزوجة حبيبها من موسكو. كل هذا نجح في بسط حس الطلبة بشأن ما يمكنهم محاولته وما يمكنهم تحقيقه بأسلوبهم النثري الخاص. -التمرين: عد إلى قصة تحبها، واستبدل بمحتوى المؤلف محتوى من خبرتك أو خيالك الخاص. أو عد إلى قصة تحبها واروِ جانبًا مختلفًا من القصة من خلال اختبار الأحداث أو وضعها في إطار درامي، عبر وجهة نظر شخصية مختلفة. |
فيرونيكا روث: لا تهتم بنصائح الكتابة، فقط اجلس واكتب: ترجمة : مصطفى عبد ربه لا تقلق. هذا طبيعي. لا تظل حيث أنت، ولا تتسلق نزولا. هناك كثير من نصائح الكتابة تطفو في فضاء الإنترنت، وأيضا كلها أحكام وقوانين فيها كثير من “لا تهتم بنصائح الكتابة، فقط اجلس واكتب”. (في الحقيقة، كان هذا شعاري على مدار السنة والنصف الماضية) وبعض هذه النصائح يتضمن: تمارين التعرف على شخصيتك الرئيسية: الاستبيانات، الاختبارات القصيرة، الكتابة الحرة .. إلخ تمارين التخطيط للحبكة: قسّم روايتك على الرسم البياني أعلاه؛ خطط لكل مشهد، وكن متأكدا من كل تحولات الرواية، سواء من موضع إيجابي إلى موضع سلبي أو العكس. “اكتب واقرأ” – تمارين (اقرأ مخطوطتك بصوت عالٍ – لا تستخدم الأحوال – بادِلْ بين الجمل الطويلة والقصيرة .. إلخ) هناك نقاشات عديدة حول ما إذا كنتَ “مرتجلا” أم “مخططا”. الشخص الذي يكتب من البداية إلى النهاية، أو الشخص الذي يقفز هنا وهناك. بعضكم يعرف جيدًا أيّ من هؤلاء هو (لديك خطّ، وأنت تعرف أي أجزاء النصيحة سوف يفيدك. لديك روتين) وبعضكم قد يشعر بأنه ضائع بلا أمل. نصيحتي لكلا المعسكرين، من خلال خبرتي، تسلق جبل المخطوطة هو نفس الشيء: دعك من خط سيرك. اترك القلق بشأن سير العملية. دعك من محاولة إيجاد مسار خاص بك. اترك كل ما سبق. عندما تصل إلى تلك النقطة في المخطوطة التي تجعلك تعترف بالهزيمة، وأن الأدوات التي استخدمتها لم تعد مفيدة بقدر ما، ضع في اعتبارك استخدام أدوات شخص آخر. هل أنت مرتجل؟ جرب التخطيط. هل أنت مخطط؟ جرب، حرفيًا، حرق المخطط التفصيلي! (بطريقة آمنة! في سلة المهملات مثلا). هل أنت ساعٍ إلى الكمال؟ جرب أن تكتب أسوأ مشهد تستطيع كتابته. هل أنت صارم من البداية للنهاية؟ اكتب أي مشهدٍ يُلهبُ فجوة في رأسك وسدَّ الفراغات بعد ذلك. مهما فعلت لا تقبض بإحكام شديد مهما كانت هويتك ككاتب قد تشكلت، جربّ وغيّر وسوف تنمو. ليس من المهم أن تظل نفس الكاتب الذي أنت عليه الآن، وليس مهما أن يكون لديك روتين واضح أو نموذج. لقد بدأت روايتي الأولى من المنتصف، دون مخطط تمهيدي، وأنهيت كتابي الثالث بمخطط تفصيلي كُتب من البداية للنهاية. أظن أنني عرفتُ أي نوع من الكُتّاب كنت، ولكن في النهاية وجدت أن هذه التعريفات تحدّ أكثر مما تُحرر. لو استطعت أن أصرف هذه التعريفات من ذهني، لاستطعتُ أن أكون الكاتب الذي يكون كما تريده القصة أن يكون. والأهم من التعريفات التي نتشبث بها هو أن ننهي القصص التي نتحرق كي نرويها. إذن؛ املأ صندوقك ككاتب بالعديد من الأدوات قدر ما تستطيع، حتى لو تراءى لك أنها سخيفة أو ليست مفيدة. أنت غير مضطر لأن تصنع مخطًطا تفصيليًا، أو تملأ استبيانات شخصية، أو أن تكتب كتابة حرة، أو تحتفظ بدفتر يوميات، أو ترسم خرائط لا تحتاجها. ولكن هذه الأدوات تساعدك كي تستأنف الكتابة، إذا لم تعد الأدوات القديمة غير صالحة للعمل. وضع في اعتبارك أنك ستصاب باليأس. اليأس من الكتابة، اليأس من إخراج الرواية على الورق، اليأس من السماح للشخصية الرئيسية بالكلام، واليأس من الانتهاء. الوصول إلى غاية اليأس سوف يجعلك تجرب أي شيء وتعمل على إنجاحه. لديك ميعاد نهائي. 30 نوفمبر. يمكنك أن تفعلها. ولكن عليك أن تلقي أفكارك المسبقة عن نفسك وعن كتابتك من النافذة. لا توجد مخطوطة مثالية من أول مرة. لا تقلق حيال الكمال من الآن. لكنك ستشارك في هذا الشهر السحري سوف تبتعد عن الناس تماما، وتأخذ جرعات مفرطة من الكافيين، لأنك تصدق أن هذا يدفع مخطوطتك قدما في شهر وسوف يساعدك بطريقة ما. هذا يعني أنك تحتاج إلى الجموح، حرية عطشى لكاتب يريد أن يصل إلى النهاية. لا تكن مدرعا ولا مخططا، لا صارما ولا مؤدٍ لتمرينات، لا حريصا على البداية والنهاية، ولا قافزا، لا تكن شيئا باستثناء أن تستمر في التسلق. |
نصيحة إرنست همنغواي لكاتب شاب:
ترجمة : ميادة خليل في 1925 كتب الكاتب الشاب إرنست همنغواي رسالة الى كاتبٍ كندي شاب أصغر منه سناً اسمه: مورلي كالاهان. كالاهان كان محبطاً من حياة الكتابة، فكتب لصديقه همنغواي :“لدي الكثير من الوقت وأستطيع الكتابة بشكل جيد إذا كنت أعرف كيف أتحّمل.” ردُّ همنغواي هذا نشر في كتاب “رسائل إرنست همنغواي” الذي صدر هذا الشهر، والاقتباس التالي من الرسالة يعتبر نصيحة عظيمة لكل الكتّاب من كل الأعمار: “لا تكن حماراً وتقول بأنك لا تستطيع الاستمرار وتكتب عندما تعرف كيف تتحمل والخ.. الله يعلم بأنك في أكثر الأوساط كآبة وإحباطاً – لكن هذا هو ما يجعل منك كاتباً. عليك أن تمسك بالجحيم. عليك أن تتقبل العقوبة. اكتب كثيراً، وفكر أكثر. أبقِ على عينيك وأذنيك مفتوحتين وحاول أن تجعل حواراتك صحيحة طوال الوقت”. |
آندريه دوبوس الثالث: لا تفكّر، احلم!
ترجمة : ميادة خليل أندريه دوبوس الثالث لا يحبذ المخطط التفصيلي. في تحذيره لمواجهة أدلجة العمل ــ “لا تفكر، احلم” ــ أصرّ على أن الرواية تعيش عندما تكفّ عن محاولة السيطرة عليها من خلال العمل على إنهاء المخطط بسرعة. “نحن نولد مع المخيّلة. كل أنسان يمتلك مخيّلة. وأعتقد ــ وهذا نتيجة سنوات من الكتابة اليومية ــ بأن القصة الجيدة وأحلامنا تأتي من نفس المكان. أعتقد بأن الرغبة في أن تنتقل لحلم شخص آخر، هو دافع كوني نشترك فيه جميعاً. هذا هو الخيال. كمدرب للكتابة الإبداعية، لو لم أقل أي شيء لطلابي إلا هذا فقط، لكان كافياً. بدأتُ معرفة أن الشخصيات تعيش إذا تراجعتُ. وهذا هو الفرق. هناك فرق عميق بين صنع شيء وتخيّله. أنت تصنع شيئا عندما تفكر خارج المشهد، عندما تكون منطقياً بشأنه. أنت تعتقد: “أحتاج هذا ليحدث شيء آخر من الممكن حدوثه.” هناك جانب من السيطرة على المواد التي لا أعتقد بأنها متقنة. لا أعتقد بأنها تؤدي الى عمل مبدع، بصراحة، كتابتها بشكل جميل غير مهم. يمكنك سماع النبرة السيئة في هذا النوع من الكتابة. كانت هذه مشكلتي الأساسية عندما بدأت في الكتابة: كنت أحاول قول شيء ما. عندما بدأت الكتابة، كنت واعياً لذاتي بشكل عميق. كنت أكتب القصص على أمل أن تقول شيئا موضوعيا، أو تعالج أمرا كنت أتصارع معه فلسفياً. تعلمت، بالنسبة لي على الأقل، أنه طريق الموت. الكتابة من الخارج بدلاً من الداخل. لكن خلال كتابتي المبكرة، وبالتأكيد قبل أن أبدأ النشر، بدأت أعرف أن الشخصيات تعيش إذا تراجعت. كان هذا مثيراً، ومرعب قليلاً. عندما تسمح لهم أن يفعلوا ما ينوون القيام به، التفكير والشعور بما يفكرون ويشعرون به، أشياء تبدأ بالحدوث من تلقاء نفسها. إنها كيمياء جميلة ورائعة. وفي كل السنوات اللاحقة، كنت أكتب لأحصل على التشويق: لأشعر بأشياء تحدث من تلقاء نفسها. لهذا تعلمت على مدى السنوات السقوط الحر فيما يحدث. ما حدث بعد ذلك، هو أن تكتب شيئا لا تريد في الحقيقة الكتابة عنه. أشياء تحدث تحت قلمك الرصاص لا تريدها أن تحدث، أو لا تفهمها. لكن هذا يحدث فقط عندما يمتلك العمل قلب ينبض.” |
عشر نصائح لرواية جيّدة من ميشيل موروك:
ترجمة: موسى بهمن "ميشيل موركوك، أحد كتّاب الخيال العلمي المذهلين في عصرنا، كتب العشرات من الروايات والقصص القصيرة. بما في ذلك سلسلته الشهيرة(Elric)العديد من كتبه تتضمّن شخصية رئيسة تسمّى (البطل الخالد) الموجود في جميع الأزمنة والاتجاهات. كما سوف يشهد له جمهوره الكبير، بأنه يعرف جيداً كيفية رواية القصة." 1) نصيحتي الأولى أُعطيت لي من قِبل (تيرينس وايت) مؤلف (السيف في الحجر)، وكتّاب روايات الخيال العلمي الآخرين أيضاً، كانت: اقرأ. اقرأ كل ما يمكن أن يقع بين يديك. دائماً ما أنصح الذين يرغبون بكتابة رواية خيالية أو رومانسية بأن يتوقفوا عن قراءة هذه الأنواع ويقوموا بقراءة جميع الأجناس الأدبية. 2) ابحث عن مؤلفين تعجبك كتاباتهم (أنا كنت معجباً بـ كونراد) وانسخ حبكاتهم وشخصياتهم لتروي قصتك أنت. تماماً كما يتعلّم الناس الرسم من خلال نسخ أعمال العظماء. 3) قدّم شخصياتك ومواضيعك في الثلث الأول من روايتك. 4) إذا كنت تكتب رواية تقودها حبكة المؤامرة، تأكد بأن معطيات مواضيعك/ الحبكة الرئيسة يتم تقديمها في الثلث الأول من الرواية، وهذا ما سنطلق عليه التقديم / المقدمة. 5) قم بتطوير شخصياتك ومواضيعك في الثلث الثاني من الرواية، التطور / لنمو. 6) قم بحل جميع المواضيع والألغاز وما إلى ذلك في الثلث الأخير، الحل. 7) لترك تأثير جيّد في القارئ، قم بمراجعة ” Lester Dent master plot formula ” التي تستطيع إيجادها على الإنترنت. وهي لكتابة القصة القصيرة، لكنها فعّالة وناجحة لكتابة رواية بأي حجم أو نوع. 8) إذا كان بإمكانك أن توصّل من خلال شخصياتك بعض المعارضة أو الفلسفة، سوف يساعدك هذا في الحفاظ على التوتر الدرامي. 9) جزرة وعصا – اجعل البطل ملاحقا (من قبل مهووس أو مجرم)، واجعله يلاحق (فكرة، هدف، شخص، لغز). 10) انسَ كل النصائح السابقة وقم بإنشاء طريقتك الخاصة، المناسبة لما تودُّ أن تقوله أنت. |
كيف تطوّر شخصياتك الروائية؟
ترجمة : نور الهدى سامي 1. قم بإجراء دراسة عن ملامح شخصيتك، وحدد السمات الخمس محل النقاش: الاسم، والعمر، والمظهر، والعلاقات، والشخصية. 2. مستعينا بنسخة نظيفة من مخطوطتك، استخدم قلم تمييز ملون مختلف لكل شخصية. اقرأ المخطوطة لكل شخصية على حدة. ظلل بالقلم على جميع ما يصدر عن تلك الشخصية من كلام وأفعال. إذا كنت تحاول تحليل الكثير من الشخصيات في نفس الوقت، أو الانتقال من لون إلى الآخر، فأنا أضمن بأنك سوف ترتكب خطأ مرة واحدة على الأقل. 3. الآن فقط اقرأ الحوار وتصرفات كل سمة شخصية محددة بلون معين. هل يبدو وكأن كل شيء يصدر عن شخصيتك حقيقي وسليم؟ ماذا عن تصرفاتها؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، قم بإعادة كتابة العبارات التي تبدو مزيفة أو مصطنعة. 4. هل لاحظت شخصية واحدة، أو ربما عدة سمات شخصية تظهر في بداية الأمر ولكنها تتلاشى في نهاية المطاف، أو العكس بالعكس؟ إذا كان الأمر كذلك، فربما تكون هذه السمات الشخصيات غير ضرورية لما تفعله. حاول حذفها أو ربما دمجها مع شخصية أخرى. |
أورهان باموق: التخطيط قبل الكتابة ..
ترجمة: ميادة خليل من خلال قراءة السير الذاتية للكتّاب ومذكراتهم، والتحدث مع روائيين آخرين، أدركت أنني ــ بالمقارنة مع كتّاب آخرين ــ أبذل جهداً كبيراً في التخطيط قبل أن أضع قلمي على الورقة. أولي اهتماماً أكبر نسبياً إلى تقسيم الكتاب الى فصول وبناءها. عندما أكتب فصلاً، مشهدًا، أو لوحة صغيرة (هل لاحظت ذلك؟ مفردات الرسم تأتي لي بشكل طبيعي)، أراها أولاً بالتفصيل في عقلي. بالنسبة لي، الكتابة هي عملية تخيّل هذا المشهد، هذه الصورة. أُحدق من خلال النافذة تماماً بقدر ما أنظر إلى الورقة التي أمامي، وأنا أكتب عليها بقلم الحبر. عندما أستعد لتحويل أفكاري إلى كلمات، أسعى جاهداَ إلى تصور كل مشهد كمتسلسلة فيلم، وكل جملة كلوحة. |
عن أدوات الكتابة وعدة الكاتب: أحمد بن عبد المحسن العسّاف: معرفة مكامن الخبرة، ثم التوجه إليها بالطرق الملائمة، واستخلاص عصارة تجربتها، ولباب معرفتها، يختصر الزمن، ويعين الناشئ، ويزيد تمهير السالك، ويفيد حتى الخبير المتمرس، وهذا أمر مشاهد في كل فن، وعلم، ومهارة. وقد حملت منصة الكتابة الإبداعية، المنبثقة عن مشروع تكوين للكتابة الإبداعية، مسؤولية هذا العبء الثقيل فيما يختص بالكلمة، والكتابة، والأسلوب، والتقنيات، وذللت عقبات كثيرة في طريقها، وقدمت مع الدار العربية للعلوم ناشرون أنموذجًا جميلًا من العمل الجماعي، المنظم، الذي يخلط عالم الثقافة الجميل؛ بأبعاد العمل الاجتماعي الحنون. ومن أعمالها، موقع رائد، وحسابات بارعة على مواقع التواصل الاجتماعي، مع جلسات، وحوارات، وورش عمل، وبرامج تدريبية، ومكتبة آسرة، ولقاءات قصصية للأطفال والناشئة، وترجمات متقنة، وإصدارات تخدم فن الكتابة، رأينا منها ثلاثة، وسبق لي استعراض أولها الذي يجيب عن سؤال قائم كان ولا يزال وهو: لماذا يكتب الكتَّاب؟ وأقف اليوم مع ثالثها، وهو أغزرها فائدة فيما يبدو لي، عنوانه: أدوات الكتابة: 49 استراتيجية ضرورية لكل كاتب، تأليف روي بيتر كلارك، ترجمه أربعة وعشرون مترجمًا، وراجعتها هدى صالح الدخيل، وصدرت طبعته الأولى عن الدار العربية للعلوم ناشرون عام (1438=2017م)، وعدد صفحاته (311) صفحة من القطع المتوسط. ويشتمل على مقدمة عربية، وأخرى للمؤلف، ثم أربعة أجزاء مفرقة على عناوين داخلية، تعبر عن هذه الأدوات، وتجتمع أدوات كل جزء في قاسم مشترك يوضحه عنوان الجزء، وتحت كل أداة تدريبات، وورش عمل. ولتعليم الأطفال المعسرين، كما قالت الكاتبة والروائية بثينة العيسى في مقدمة الطبعة العربية، يذهب ريع الكتاب. وأشارت سيدة تكوين إلى أن هذا الإصدار الثالث يتعاطى مباشرة مع الأدوات الكتابية، ويخرج عن إطار التجارب الذاتية كما في سابقيه. ولأن الكتَّاب أصحاب هموم مشتركة، جعل المؤلف عنوان مقدمته الرائعة، أمَّة من الكتَّاب. وبصراحة مباشرة، يرفض كلارك، التحجج بعناء الكتابة، ويعدها اعتذرًا غير مقبول عن ترك الكتابة، وله رأي إيجابي في حبسة الكاتب، يأتي لاحقًا. وحتى يتخلص المرء من أوهامه، فعليه أن ينظر للكتابة على أنها صنعة، وليست موهبة استثنائية، وبالتالي فهي كالنجارة، تحتاج إلى أدوات نعمل بها ومن خلالها. وستعينك هذه الأدوات على تبديد عوائق الكتابة الداخلية، وتجعل منها حرفة مركزية، فترى العالم على أنه مخزن أفكار للكتابة، ومن فعل ذلك سيحتاج لمساحة تخزين كبيرة. حظي الكتاب بالترجمة إلى عدَّة لغات، وهو ما يشِعر أيَّ مؤلف بالغبطة، ويؤكد لكل قارئ بأنه يمسك بصيد ثمين. وأوضح الكاتب أنه جمع هذه الأدوات من عدة مصادر هي:
*صواميل ومسامير من الجزء الأول:
مؤثرات خاصة من الجزء الثاني:
المخططات من الجزء الثالث:
|
25 ملاحظة عن بناء الشخصيات من جاستن مكلكلهان:
ترجمة: موسى بهمن كونك كاتبًا، ابتكار الشخصيات هو أكثر الأشياء أهمية بالنسبة لك. إنْ قمت به بشكل خاطئ، ستصبح القصة بأكملها خاطئة مهما كانت حبكتك محكمة. هنا، خمسٌ وعشرون ملاحظة عليك معرفتها. 1. الشخصيات التي تملك كل ما تحتاجه وترغب به في الحياة، هي شخصيات مملة جدًا. 2. في العالم الحقيقي، الشخصيات الأنثوية القوية تمرّ باسمٍ آخر: النساء. حاول الكتابة عنهن. 3. لا تحتاج كل الشخصيات إلى صدمة في ماضيها لتكون مثيرة للاهتمام. حتى الناس ذوي الماضي الخالي من الصدمات، يمكن أن يكونوا عميقين ومعقدين إذا أُعطِيت لهم الأهداف الصحيحة. 4. هنالك اختلاف بين الشخصية المتطوّرة والشخصية الكارتونية، وهو ليس بالاختلاف الكبير. 5. مراقبة فشل الشخصية مع استمرارية محاولتها، أكثر تأثيرًا من مراقبتها تنجح. 6. لا تحكم على شخوصك، حتى الأشرار منهم. وإذا فعلت هذا، سوف تفتقر إلى الحقيقة. بدلاً من ذلك، حاول استكشاف سبب تصرفاتهم، وتقبّلهم كما هم. 7. غالباً، أكثر ما نتذكره عن الشخصيات التي لا تُنسى، هو كيفية تفاعلها مع الآخرين؛ مولدر وسكالي، روميو وجولييت، لوسي واثيل. التفاعل، العلاقة، هذه هي الصفات في حد ذاتها. 8. الأناس الحقيقيون أحيانًا يحبون أشياء فاسقة وفاجرة مثلًا: الإباحية أو تدخين الحشيشة أو العربدة، أو إباحية وحشيشة وعربدة. لذا، لمَ لا تستطيع شخصياتك فعل مثل هذه الأمور، أيضاً؟ 9. أحيانا يجب أن تموت الشخصيات. 10. الاسم شيء أهم من أن تضيّعه، حيث يمكنه أن يشكل شخصيتك أكثر مما تظن. اختره بحكمة. 11. ليس هناك وصفة جاهزة لصنع شخصيات عظيمة، لكن إن وجدت هذه الوصفة، فإن الطاهي سيصنع شيئًا بسيطًا مع قليل من المكونات الجديدة والطازجة، بدلاً من كثير من الهراء الذي تمّت معالجته بإفراط. 12. النماذج الجاهزة هي للذين يخشون من أن يكونوا خلّاقين. 13. حتى الشخصية الشريرة التي يتأصل فيها الشر من أجل الشر، لديها صفات إيجابية تسمح لنا بالتعاطف معها. قم بالعثور على هذه الصفات وتلاعب بها. 14. لا بأس إذا كان جنس الشخصية هو آخر شيء تقوم باختياره. 15. على المستوى الأساسي، لكل الشخصيات مطالب متشابهة: الغذاء والمأوى والجنس – وكيفية تفاعل هذه الغرائز الأولية -الهوية إذا صح التعبير- مع الأنا (الهوية الشخصية). يمكن أن يكون هذا مصدرًا لا ينضب للاكتشاف. 16. لمجرد أنَّ الشخصية تعيش في الماضي فهذا لا يعني بأنها يجب أن تتوافق مع الصورة النمطية التي عفا عليها الزمن. 17. جميعهم لديهم هفوات، وهذه الهفوات هي التي تجعلهم على ما هم عليه في الحياة الحقيقية. 18. في الحياة الواقعية، نحن نسعى لتجنب الصراع، ولكن في الخيال الروائي، الشخصيات التي تقوم بالموافقة دائماً ليس لديها حياة، أو على الأقل، لا تستحق أن يقرأها أحد. 19. ماضي الشخصية هو الشيء الأقل أهميّة في القصّة. 20. لا تتفاجأ عندما تقوم الشخصية التي خلقتَها بفعل شيءٍ لا تتوقعه. هذا ما يسمى بالسحر، وعليك أن تتنحى عن طريقه. 21. الشيء الذي تريده شخصيتك بشدة قد لا يظهر في القصة، لكنه لا يزال يدفعها لفعل كلما تقوم به. 22. الناس الحقيقيون نادرًا ما يهتمون لخلق شخصيات عظيمة. 23. اخلق، لا تقلد. 24. إنهم لا يقولون الحقيقة دائماً، وبالمثل، فإنهم لا يقولون ما يدور في عقولهم على الدوام. 25. عندما تُرسَم الشخصية بشكل صحيح، عندما تُعطى الأهداف أو حتى بعض الصفات، كل التفاصيل الأخرى تقع في الطريق |
سرّ الكتابة الجيدة: وليم زنسر
ترجمة: حنين النشوان الفوضى هي داء الكتابة الأمريكية. نحن مجتمع مختنق بكلمات غير ضرورية، وإنشاءٌ يلف ويدور، وكشكشة رنانة، ومصطلحات لا معنى لها. من يستطيع أن يفهم اللغة المستخدمة كل يوم في التجارة الأمريكية: كالمذكرة، وتقرير الشركة، وخطاب العمل، وإشعار يشرح أحدث كشف حساب “مبسط” من المصرف؟ مَن مِن أعضاء التأمين أو البرنامج الطبي يستطيع حل شفرة الكتيب الذي يشرح التكاليف والفوائد؟ ماذا يستطيع الأب والأم أن يستخلصوا من تعليمات لعبة طفلهم على العلبة؟ لدينا نزعة وطنية بالتكلف في الكتابة لكي يبدو ما كتبناه مهما. لذا كابتن الطائرة الذي يعلن أنه يتوقع أن نشهد هطولًا غزيرًا للأمطار لن يفكر بقول إنها قد تمطر. الجملة بسيطة للغاية ــ لابد أن ثمة خطأً ما. لكن سر الكتابة الجيدة هو أن نجرد كل جملة حتى نصل إلى أنظف أجزائها. فأي كلمة ليس لها دور، أو كلمة طويلة بإمكاننا أن نستبدلها بقصيرة، أو حال يعني مثل ما يعني الفعل، أو مبني للمجهول يترك القارئ في حيره من أمره ــ هذه هي المُعكرات الألف وواحد التي تضعف من قوة الجملة. وهي غالبًا ما تحدث بما يتناسب مع المرحلة التعليمية. كتب مدير جامعتي في الستينات خطابًا ليهدئ الخريجين بعد فترة من البلبلة في الحرم الجامعي. “أنتم على الأرجح مدركون،” هكذا ابتدأ المدير، “أننا واجهنا الكثير من ردود الفعل التي قد تكون انفعالية بعض الشيء عن عدم الرضا على مسائل ليست مرتبطة سوى ارتباطًا طفيفًا.” كان يقصد أن الطلاب يتشاحنون معهم في عدة مواضيع. كنت مستاء من إنجليزية المدير أكثر من ردود فعل الطلاب التي قد تكون انفعالية بعض الشيء عن عدم الرضا. كنت أفضل أن يقوم فرانكلين دي روزفلت بدلا منه بالأسلوب الإداري عندما حاول أن ينقل مذكراته الحكومية إلى الإنجليزية، كأمر قطع الكهرباء مثلا في عام 1942: “مثل هذه التحضيرات يجب أن تؤدى لكي تحجب الرؤية تمامًا عن كل المباني الفدرالية والمباني غير الفدرالية التي احتلتها الحكومة الفدرالية خلال الغارة الجوية لأي مدة زمنية مطلوبة بموجب الإضاءة الداخلية أو الخارجية”. قال روزفلت: “أخبرهم أن يضعوا شيئًا على النوافذ في المباني التي يعملون بها.” بسِّط.. بسِّط. قالها ثورو، كما ينصحوننا دائمًا. لكن لا يوجد كاتب أمريكي واحد يمارس باستمرار ما يدعوا إليه. افتح أي صفحة من كتاب “والدن” وسوف تجد شخصًا يقول ما يدور في رأسه بوضوح وترتيب: “ذهبت إلى الغابات لأنني تمنيت أن أعيش بتروٍّ، ولأُجابه فقط الحقائق المهمة في الحياة، وأرى إن لم أكن استطعت التعلم ماذا ستعلمني الغابات، وحتى لا أكتشف عندما أكون على وشك الموت، أنني لم أعِش”. كيف يمكن للبقية منا أن يتحرروا من الفوضى اللغوية تحررًا يغبطون عليه؟ الجواب هو أن نصفي رؤوسنا من هذه الفوضى. التفكير الصافي يؤدي إلى الكتابة الصافية. شيئان لا ينفصلان. من المستحيل أن يكتب ذو التفكير المشوش بإنجليزية جيدة. وقد ينجح لبضع أسطر، ولكن حالما يتسبب في تيهان القارئ. ولا يوجد ذنب أكبر من ذلك لأنه من الصعب إغواء القارئ للعودة مرة أخرى. من هذا المخلوق المراوغ، أهو القارئ؟ القارئ هو شخص ذو قوة انتباه تصل إلى 30 ثانية ــ هو شخص تهاجمه عدة قوى تتنافس حتى تحظى بانتباهه. في فترة من الزمان كانت هذه القوى قليلة نسبيًّا: صحف، ومجلات، ومذياع، وزوجة، وأطفال، وحيوانات أليفة. اليوم هي تشمل العديد من الأجهزة الالكترونية للتسلية وللمعلومات ــ التلفاز، أجهزة الفيديو، وأقراص الفيديو الرقمية dvd، والأقراص المدمجة، وألعاب الفيديو، والإنترنت، والبريد الإلكتروني، والجوالات، والبلاكبيري، ومشغلات الموسيقى ــ إضافة إلى برامج اللياقة البدنية، وحوض السباحة، والحديقة، ثمَّ أكثر المنافسين فاعلية؛ النوم. إن المرأة أو الرجل الذي يغفوا على الكرسي ممسكًا بمجلة أو كتاب هو شخص ألقى عليه الكاتب الكثير من المتاعب التي لا لزوم لها. لن ينفع أن نقول إن القارئ مغفل جدًّا أو كسول جدًّا لأنه لم يستطع أن يتماشى مع حبل الأفكار. إذا ضاع القارئ فذلك غالبًا لأن الكاتب لم يكن يقظًا بما فيه الكفاية. تأخذ هذه اللامبالاة عدة أشكال: قد تكون الجملة فوضوية جدًّا لدرجة أن القارئ يخترق هذا الحشو من الكلام غير مدرك ماذا يعني. أو قد يكون تركيب الجملة رديئًا لدرجة أن القارئ يقرأها على عدة أوجه. أو قد يبدل الكاتب الضمائر في منتصف الجملة، أو تصريف الأفعال، وبالتالي لم يعد القارئ يدري من الذي يتحدث ومتى وقعت الأحداث. قد لا ترتبط جملة (ب) منطقيًّا بجملة (أ)، لأن الكاتب، والذي يكون الترابط في رأسه واضح، لم يكلف نفسه عناء توفير الحلقة المفقودة. أو ربما استخدم الكاتب كلمة استخدامًا خاطئًا لأنه لم يتكبد عناء البحث عن معناها في القاموس. عندما يواجه القراء مثل هذه العقبات يصبحون عنيدين في البداية. فهم يلومون أنفسهم ــ لابد أنهم غفوا عن شيء ما، ويعودون لقراءة الجملة المثيرة للحيرة، أو لكل الصفحة، فيركبها كالأحرف الرونية القديمة.. يخمن ثم يمضي. ولكنهم لن يفعلوا ذلك طويلًا. فالكاتب جعلهم يقرؤون بمشقة هائلة لذا سيبحثون عن أحدٍ أفضل في هذه الصنعة. ولذلك على الكتّاب أن يسألوا أنفسهم باستمرار: ما الذي أحاول قوله؟ الغريب أنهم غالبًا لا يعلمون. يجب بعدئذ أن يعودوا إلى ما كتبوه ويسألوا أنفسهم: هل قلته فعلًا؟ هل هو واضح لشخص يقرأ عن هذا الموضوع لأول مرة في حياته؟ إن لم يكن كذلك، فلابد أن بعض الضباب قد شق طريقه نحو كتابته. الكاتب الواضح ذو الذهن المنظم يرى هذه الأمور على حقيقتها: كالضباب. أنا لا أعني أن بعض الناس يولدون هكذا بذهن منظم وبالتالي هم كتاب بالفطرة، والآخرون مشوشون بطبيعتهم وليس بإمكانهم إطلاقًا الكتابة جيدًا. فالتفكير بوضوح هو عمل واع يجب على الكتاب أن يجبروا أنفسهم على فعله، وكأنهم يعملون على أي مشروع آخر يتطلب المنطق: ككتابة قائمة المشتريات أو حل مسألة رياضيات. الكتابة الجيدة لا تأتي بالفطرة، على الرغم أن غالبية الناس تظن ذلك. فالناس الذين يقولون أنهم يودون “أن يجربوا الكاتبة بعض الأحيان” يمثلون تحديًا للكتاب المحترفين ــ فهم يقصدون ذلك عندما يتقاعدون من مهنتهم الأساسية، كالتأمينات أو العقارات، مهن صعبة بطبيعة الحال. أو يقولون: “أنا أستطيع أن أؤلف كتابًا عن ذلك”. أشك في هذا. الكتابة عمل شاق. الجملة الواضحة ليست واضحة بمحض الصدفة. القليل جدًا من الجمل التي تأتي صائبة من المرة الأولى، أو المرة الثالثة. تذكر هذا إذا أُحبطت. إذا وجدت أن الكتابة صعبة، فذلك لأنها صعبة. |
للفائدة : معظم المقالات التي أختارها من موقع " تكوين " ... لمن يرغب بالاستزادة.
|
- الكتابة تحتاج إلى مزاج خاص، ومكان مخصص ، حين يجذبك الحنين إليه تجد جميع أدواتك وعدتك..
- الوقت أهم ما يحتاجه الكاتب ، لذلك الكاتبة الأم تعيش بين صراعات مختلفة ، لديها أدوار عديدة يجب أن تؤديها ، ربّة البيت والأم والزوجة .. العازبات اغتنموا الوقت للكتابة قبل بدأ هذا الصراع المتعب.. - وسائل التواصل الاجتماعي من أكثر وسائل التشويش على الكاتب ، حين تقرر البدء ابتعد عن جميعها وأغلق هاتفك لساعات. -وضع خطوط عريضة في ملاحظاتك ،وبخط يدك حول الفكر التي تريد تجسيدها في قصتك ، سيكون بمثابة الإشارة الخضراء لتعبر إلى الضفة الأخرى وتبدأ بالكتابة. - حين يسوء مزاجك وتجد القلم يجف بين يديك ،ابتعد عن الكتابة لأيام، وخذ قسطاً من قراءة القصص التي تحب ، أو استمع لموسيقاك المفضلة مع المشروب الأحب لقلبك، سيعاودك الحنين للقلم بالتأكيد ،وتجد أن الحبر لازال بانتظارك.. ملاحظات بسيطة... صبا :) |
معلومات قيمة جداً بخصوص فن الرواية وعلى امل ان يتسع الحوار بحيث ىيشمل ويغطي اليات كتابة الرواية وكيفية التغلب على المصاعب مثل نضوج الفكرة واختيار الشخصيات والحدث وهل تختمر الفكرة بكليتها اي الحبكة قبل البدء بالكتابة ام يكون هناك فسحة لتطور الحدث باتجاهات غير متوقعة اثناء الكتابة ؟
وايضا أيها اسهل الكتابة الواقعية ام الخيالية ؟ وما هو اقل عدد من الشخوص المطلوب لفن الرواية ؟ وهل الحدث هو الذي يحدد طبيعة السرد ام هو عدد الشخوص ؟ ولا بد ان هناك اسئلة كثيرة لكل من غاص في بحر فن الرواية مجربا هذا الفن الذي يتطلب الكثير من الجهد والجلد فليس من السهل ان يتمكن الكاتب من وضع تصور متكامل ومن ثم يقوم على عملية ترجمته. * |
شكراً لمرورك على الموضوع أستاذ أيوب ، أتمنى المشاركة والإفادة من جميع الأعضاء لإغناء النقاش..
|
الرواية عمل عملاق ... يحتاج روحا محلقة .. و هاذي الروح تريد أن تقول شيئا يختلف .. وصلت لإدراك عقلي كبير .. و تريد أن تشاركه مع البقية .. و هذا هو فحوى الأدب .. مشاركة الخبرات بالدرجة الأولى .. الرواية تحتاج للنضج العقلي و الروحي .. لذلك تجد الكتاب يحتاجون وقتا لكتابة رواية .. ناهيك عن التجربة الوجدانية المتفجرة التي تجعل الكاتب يكتب دون توقف .. الآن ما الأفضل ؟؟ خيالي / ميتافيزيقي ؟ واقعي / يومي ؟؟ تاريخي / ملحمي ؟؟ الكاتب من يقرر ذلك وفقا لما سوف يكتب .. الرواية تحتاج نفسا طويلا .. لغة جزلة قوية .. و أفكار لا تنتهي قطعا .. و خبرات مفيدة تنقل للقارئ .. لتجعله يستمر بالقراءة .. و لا يغلق الرواية ليقول / فاشلة .. . . . شكرا أ. صبا |
مرحباً استاذة جليلة ماجد أظن ان اهم عنصر من عناصر نجاح الرواية هو وجود فكرة قابلة لان تتحول الى حبكة . ويجب ان تتكامل هذه الحبكة اي ان يعرف بداية الاحداث وكيف ستتطور وكيف ستنتهي ولو على شكل سكتش blue print قبل البدء بالكتابة. ثم يتم الاهتمام بالتفاصيل اثناء الكتابة. * |
شكراً أستاذة جليلة
شكراً أستاذ أيوب منكما نستفيد ونستزيد .. أنرتما |
أثناء بحثي عن أي طريق يولج لكتابة الرواية ، التقيت مصادفة بمدونة جميلة للغاية ، للمعماري والشاعر اليمني " محمود قحطان " ، خصص باباً -من بين الأبواب المفيدة الأخرى - للكتابة الإبداعية ، قمت بقراءة جميع المقالات التي أوردها الأستاذ محمود في هذا الباب ، ولعدم إمكانية نسخها ، حاولت تلخيص بعض الأفكار ، وجعلها كمخطط مبدئي ، يمكن لأي كاتب من خلاله وضع فكرته على الورق والعمل عليها ، عوض إبقائها في مخيلته وتحمّل ما ينجم عنها من إرهاق وتوتر ، أي حان الوقت للتحرر من الخيال والترجمة الفعلية على الورق.
1- -الرواية عبارة عن فكرة . -أمسك قلمك واكتب ملخصاً لهذه الفكرة في صفحتين أو ثلاث. -حاول تفكيكها في أحداث بارزة. -قسّمها إلى فصول ( على أن يحتوي كل فصل على حدث أو اثنين) -اكتب سيرة ذاتية عن كل شخصية في بطاقة خاصة ( البطاقات التي تستخدم في مرحلة الماجستير تفي بالغرض) -مراعاة أسماء الشخصيات وألقابها (أن يكون الاسم مناسباً للعرق ، السن ، و الطبقة الاجتماعية ) ، ولا يمنع أن يكون لكل شخصية أكثر من اسم ( وهنا يشير الكاتب لتنوع علاقات الشخصية بين خاص وعام) 2- الفصول : من عشرين إلى ثلاثين فصل ، وعدد الصفحات في كل فصل مساوٍ للفصل الآخر . 3- مراعاة مكان الرواية ، مع الوصف من خلال أحداث الرواية . 4 عناصر مهمة: -الحبكة : وهي الأحداث المكونة للرواية ، وترتبط بالشخصيات . - الإطار : البيئة التي نشأت فيها الشخصية. -الأسلوب: يتم السرد بأسلوبين ، غائب أو ضمير المتكلم. -الحوار: مهم لإبراز جوانب لا يريد الكاتب التصريح بها مباشرة.( من الجيد إبراز التعابير خلال الحوار). من الجيد أن تسأل نفسك ؛ - ما هي الحبكة التي تشعل خيالي؟ - ما هي الشخصيات التي تجذبك؟ - هل تراها متغيرة أما ثابتة من بداية الرواية إلى نهايتها؟ وعليه تكون عناصر الخطة لكتابة الرواية : -التصور الأولي للرواية -تقاطع الشخصيات -الصراع في الرواية في كتابة المسودة الأولية للرواية من المهم أن: - تصمم مشاهد الرواية الحوار -تطور الشخصيات -ذروة الصراع في الحبكة - تدوين ما يظهر في مخيلتك ، اخلق شخصياتك ( احتفظ بكراسة خاصة بالشخصيات ، تدوّن فيها أفكارك وملاحظاتك حول كل شخصية ) ابدأ :) |
كيف تُكتب الرواية ؟
لا زال النقاش بحاجة للكثير .. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بوركت على هذا الطرح أستاذة صبا الرواية، إنها كون غامض و كبير فيها الكثير من المتاهات و العوالم، مَن يقدم على كتابة رواية يجب أن يكون صاحب خبرة كبيرة و عنده نظرة ثاقبة، شخص بسيط و عميق في آن، تلقائي غير متكلف، يستطيع أن يكون حيادي في كل المواقف و يشاهد الحدث من كل الزوايا، من زاوية كل شخص سيقرأها، يجب أن يكون ثابت مثل ماء راكد و كأنه مرآة الأشياء. من يقرر أن يكتب رواية، عليه أن يستعد لحرب نفسية قد لا تحمد عقباها، فلن تنجح برأيي أي رواية أو حتى قصة مالم تعيشها أنت أولا، بكل مجرياتها، يجب أن تمر كل الأحداث من خلالك و قد تترك في نفسك شرخ كبير، أنها الحرب بينك وبين الكلمة و يجب أن تنتصر على كل سطر، حتى آخر كلمة. |
أهلاً بالأستاذة صفاء ..
شكراً لإضافتك ومرورك .. فعلاً الرواية تحتاج إلى عمق ونظرة لا تطفو على السطح .. |
رفع ......
|
عليك بممارسة الكتابة مرارًا وتكرارًا..
عندما طُلِبَ من هنري سنكلير لويس الكاتب الأمريكي الروائي والمسرحي الحاصل على نوبل عام 1930 إلقاء محاضرة حول كيفية الكتابة، سأل الحاضرين: ”كم واحد منكم يريد أن يصبح كاتباً؟ وعندما ارتفعت كل الأيادي إلى أعلى، نظر إليهم لويس وقال: إذًا اذهبوا إلى بيوتكم واشرعوا في الكتابة؛ ثم تركهم وانصرف. لن يعلمك أحد كيف تكتب رواية، كتابة الرواية تأتي بالممارسة والمحاولة والخطأ.. ابدأ بالكتابة، أو لتكف عن الحلم... |
محن الحياة تصنع أديبًا عظيمًا..
تذكّر لا شيء يمنعك من أن تكون روائيًا... لا ظروفك الاجتماعية أو الأسرية أو المادية.. يقول الأديب الأمريكي الراحل إرنست هيمنجواي على الكاتب أن يمر بمرحلة مريرة في حياته أو على الأقل يتخيل أنه مر بها!! هيمنجواي نفسه مرّ بالكثير من التعقيدات الأسرية والعاطفية والاجتماعية .. ربما حساسيته المفرطة واكتئابه الوراثي كانا أحد أسباب انتحاره، لكنه قدّم للأدب العالمي الكثير من الروائع أشهرها العجوز والبحر ، ووداعًا للسلاح وغيرها.. لو أخبرتكم أن البعض يعتقد أن الكتابة نوع من الرفاهية، وأن الكتاب أشخاص مرفهين منفصلين عن الواقع، لديهم من الإستقرار المادي والأسري ما يجعلهم يمارسون الكتابة والإبحار في عالم الخيال انفصالاً أو هروبًا من الواقع... بربكم هل ستصدقون؟! بتتبع واقع وتاريخ معظم الروائيين سنجد أنهم عاشوا حياة بائسة فقيرة، كأبناء العمال، أو أبناء الطبقة الوسطى والقليل منهم من الأرستقراطيين الذين ينتمون للطبقات العليا في المجتمع. نجيب محفوظ رائد الرواية العربية كانت نشأته في الحي الشعبي هي مفتاح كتابة روائعه، من قلب الحارة المصرية وعن أهلها البسطاء، وغيره كثيرين، عبقري الرواية العربية الطيب صالح، تعرّض للكثير من الصعاب وعاش مغتربًا عن بلاده وكانت رواياته لا معبرة عن الإنسان السوداني فحسب، بل والأفريقي والشرقي عمومًا... في الواقع الأدب الجيد لابدّ له من أن ينضج في بوتقة الألم ويولد من رحم المعاناة.. حتى لو كانت معاناة الكاتب وهو بعد طفل صغير. خوزيه ساراماجو الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب، وصاحب رواية العمى ... والده كان فلاحاً بسيطاً، والدته كانت لا تقرأ ولا تكتب، بدأ حياته العملية كعامل أجير بأحد المصانع، التحق بالخدمة العسكرية، ثم بعد ذلك أصبح محرراً في إحدى دور النشر، أربعون عاماً مرّوا من عمره، أربعون عاماً من المعاناة. يحكي ساراماجو عن طفولته، حينما ذهب لقضاء إحدى العطلات مع جده في قريته، وفي إحدى الأيام أصيب جده بجلطة انتقل على إثرها إلى "لشبونة" للعلاج، وحينما شعر ساراماجو بالوحدة والحزن على جده وقف في حديقة المنزل ليناجي أشجارها شاكيًا لها من الحزن الذي يعتمل بقلبه، كان يشعر أنه لن يعود إلى هذا المكان مرة أخرى، شرع بمعانقة الأشجار مودعاً. يقول ساراماجو: "إن لم تؤثر فيك مثل تلك الأشياء فأنت لا تصلح أن تكون أديبًا" ويقول: "لا راحة أبدا في الدنيا ، وإن عرف أحد الراحة في يوم ما، فلا بد أنه يوم وفاته". أما من يتحدثون عن ضرورة توفر الاستقرار الأسري كي ينجح الكاتب، اضرب لهم مثلا بدين كونتاز أديب الخيال العلمي أمريكي الجنسية الذي لم يعرف معنى الإستقرار يومًا فلم يشاهد والدته إلا وهي طريحة الفراش، وأبيه كان سكيرًا حاول الانتحار أكثر من مرة، ربما كان عدم الاستقرار هو الصفة الوحيدة المستقرة في حياته. في النهاية أهمس لك: أيًا كانت حياتك مؤلمة أو صعبة لا شيء يمنعك من أن تكون كاتبًا، وأن تكتب رواية ناجحة، المهم أن تكتب و تكتب وتكتب، وقبل هذا أن تقرأ وتقرأ وتقرأ. وأن تتقبّل حياتك وظروفك كيفما كانت، ما يدريك؟ لعلّها وسيلتك ودافعك كي تبدع فيما تكتبه. |
رائع لا إبداع بدون الم .
|
مرورك الأروع أستاذ أيوب..
|
اكتب بشغف، عمّا تحب وليس عن ما تعرف!
اكتب بجرأة لتعبر عن نفسك وعمّا تريد أن تقول ولا تخش الفشل، وتذكر دائمًا أن العمر لم يمضِ بعد... * اكتب عن شيء تحبه لأنك ستكتب أفضل مما تكتب عن شيء تعرفه، نجيب محفوظ عندما كتب رائعته "اللصّ والكلاب" كان مُحِبًّا لسعيد مهران ونقل لنا حبه هذا فأحببنا البطل وتعاطفنا معه. وعميد الأدب العربي طه حسين، نقل لنا حبه للكروان في روايته "دعاء الكروان" ليس هذا فحسب، بل جعل من رَجِع صوته كرمزية القصة، ليعُبّر الكروان عن آمنة وعمّا يتردد صداه بداخلها ويناوشها من أفكار . الكاتب الصحفي بي وايت قال أثناء تسلمه للجائزة الوطنية للآداب: "جرأة الكاتب قد تسبب له الفشل…و أنا معجب بأي شخص يتجرأ على كتابة أي شيء". هل سمعتم عن "جيسي لي براون"؟! في عام 1979، وفي عمر الثمانين، بدأت جيسي في كتابة قصة حياتها. كتبت قصة بسيطة عن أجمل أيام عمرها وعن جدتها الطيبة وعمتها العدوانية التي كانت تمضغ التبغ بشراهة وتبصق دائماً على قطتها الصغيرة. كانت تجلس على الطاولة بمطبخ منزلها بمانهاتن وتكتب، استعانت بالخطابات القديمة والصور وقصاصات الأوراق البالية. انتهت من كتابة قصتها، وقد ذكرت فيها مجموعة من الأحداث الهامة، الفيضان الكبير الذي طغى على مدينتها، ولادات ووفيّات، أقوى حب بحياتها، خيالها، أفكارها، أشياء مسكوت عنها في مجتمعها. ثم أرسلت جيسي قصتها إلى برنامج تنموي لرعاية كبار السن اسمه حصاد العمر يشرف عليه أستاذ جامعي يدعى تشارلي كيمباثرون، والذي قام بطبع ونشر القصة بمساعدة الكلية الوطنية تحت عنوان "حياة جيسي لي براون من الميلاد وحتى سن الثمانين". عشرون نسخة فقط وزعت على أقاربها وعلى بعض الطلبة المتفوقين بالكلية. بعد مرور عشرين عاماً أعيد نشر القصة عام 1997 من دار نشر وارنر بوكس في كتاب بعنوان: "حياة وزمان جيسي لي براون: ذكريات أمريكا في القرن العشرين" أما جيسي نفسها فأصدرت كتابين فيما بعد اخرهم صدر عام 93 وكانت قد كتبت رسالة لتشارلي، شكرته فيها لأنه ساعدها رغم أنها على حدّ قولها ليست بكاتبة محترفة لكن تجاربها هي التي صنعت الاختلاف في حياتها. * حدد نوع الروايات التي تستهويك، والتي ترغب في الكتابة مثلها. وإذا بدأت في الكتابة تذكر أنك في البداية ولا ضيّر من أن تقُلّد أو تحاكي من قرأت لهم من الكُتّاب،ولكن لا تقلد صوتًا واحداً بل عدة أصوات ومع الوقت سيتضح صوتك أنت ومعالم أسلوبك أنت، لأنك تكتب من واقع خبرتك الشخصية، فهي الشيء الوحيد الذي يصنع التفرّد. تذّكر أن: "الكاتب الحقيقي ليس الشخص الذي لا يقلد الآخرين بل هو الشخص الذي لا يستطيع الآخرون تقليده". يقول جون براين: "إذا صار صوتك مسموعًا بين آلاف الأصوات، إذا أصبح اسمك له معنى بين آلاف الأسماء، فهذا لأنك قمت بعرض تجربتك الشخصية بصدق". الروائية " أليس مونرو" من أفضل كُتّاب القصة القصيرة في الأدب الإنجليزي باعتراف النقاد، فحجم مبيعات كتبها يفوق ثلاثين ألف نسخة سنوياً، أيضاً مونرو من الكُتّاب الذي يتميز أسلوبهم بالوضوح والعمق، و يميزها أنها على تعتمد على أسلوب مغايِر لما اعتاده غيرها من الكُتّاب، فمعظم قصصها تبدأ من النقطة التي يتوقع القرّاء أنها نقطة النهاية. فهي تتلاعب بالزمن كيفما تشاء، تارة تعود بالقارىء إلى الوراء عشر سنوات، وفجأة تأخذه من جديد إلى الحاضر. ما سِرّ نجاح مونرو؟ هل هو نوعية القصص التي تكتبها بألغازها وغموضها؟! أم لأن قصصها تدور حول أناس عاديين، أم لأنها متفرّدة الأسلوب؟! أم كُلّ هذا معًا؟! إنّ ما تحبه، و ما أنت مشغول و شغوف به، و ما تتجرأ لتكتب عنه دون الخوف من الفشل، و كيفما ستكتب وبأي أسلوب وفي أي قالب ستصيغ كتابتك!! تلك معايير هامة عليك أن تضعها باعتبارك قبل أن تبدأ الكتابة. ثم اكتب واكتب واكتب ولا تتوقف!!! |
المقالات التي أضعها حاليا ..للأستاذة عبير عواد
|
الموهبة... الصبر والإرادة... خطة العمل وبناء الشخصيات ... طريقة الزهرة الثلجية(نجمة الثلج) في الكتابة..
نعم الموهبة أساس جيد وقوي لكل عمل يقوم به الإنسان، وخاصة إذا ما كان عملاً إبداعيًا... لكن هل تكفي الموهبة وحدها؟! * كورت فونيجت روائي أمريكي، وُلِد عام 41 وتوفي عام 2007، تناولت كتاباته الإنسان والثورة الصناعية وخطر التطور الصناعي على الإنسانية... من أشهر أعماله البيانو الآلي، و مهد القطة.. يرى أن خلاصة الأدب العظيم ان تقول بعد أن تقرأ... يالها من مأساة أن تكون إنسانًا.. تحدث كورت في مؤلفه كيف تكتب قصة عن أن : "الموهبة شيء متوفر بكثرة لكن الشيء النادر هو الإرادة على تحمل حياة كحياة الكاتب، وذلك لأن الكاتب يشبه شخص يحاول أن يكسو الهرم الأكبر بورقة حائط واحدة!" * نعم لا يوجد أحد يمكنه تعليمك كيفية تأليف رواية؛ فكتابة الرواية عمل يحتاج إلى ممارسة وخبرة حياتية كبيرة، إذا أردت أن تكتب روايتك الأولى عليك قبل أن تمارس الكتابة، أن تقرأ مئات الروايات، قبل أن تكتب روايتك أن تكتب عشرات المسودات لروايتك قبل أن تفكر في نشرها، أن تستمع لنصائح من سبقوك، فهي سترشدك إلى نقطة البداية الصحيحة التي ستنطلق منها، ستدلك على مكامن القوة والضعف فيما يخص الصنعة الأدبية، ستبين لك الصعوبات التي مروا هم بها والتي ستمر بها أنت حتماً، أثناء رحلتك الصعبة! بل شديدة الوعورة أحيانًا.. * اتفق أغلب الكتاب والأدباء على حقيقة أن الإصرار هو العنصر الأول الذي يجب أن يتوفر فيك لتكون كاتباً ناجحاً، يقول هارلن إليسون: "إذا استطاعت أي شخصية من أن تمنعك من الكتابة، إذاً فأنت بلا شخصية" فالشخص القوي هو الذي يفكر، ويقرر ثم ينطلق ولا يستطيع أحد في الكون من أن يكبح جماحه. تذكّر ليست فقط مهاراتك الكبيرة في الكتابة ودرجة إجادتك اللغة واستبطان معاني الكلمات هي التي تمكنك من كتابة الرواية، ليست فقط قدرتك الاستقرائية الفائقة هي التي ستجعلك روائياً ناجحاً، الذي سيجعلك روائياً بالفعل هو الإصرار. يقول الكاتب ريك باس: "كُتّاب الرواية مثل البنائين يحتجون إلى قوة ودقة لكي يشيدوا قصة جيدة، وأنت كبناء، يجب عليك أن تضع حجر فوق حجر بشكل متناسق، لكن يجب عليك في نفس الوقت أن تمتلك قوة كافية تمكنك من رفع هذه الأحجار". * تذكّر أنه يجب أن يكون لديك خطة للعمل وبناء الشخصيات... طريقة نجمة الثلج التي تتكون من تراكيب متراصة فوق بعضها البعض لو قمنا بتفكيكها أوليًا سنجدها عبارة عن مثلثات ومربعات شكلت البنية الأساسية للنجمة المتشعبة الزاويا والأركان، وهكذا الرواية.. حدد تركيبة روايتك، كيف ستكونها؟! وكيف ستعدها؟! .. ما الغرض من روايتك؟! ما هي فكرتك الأساسية؟! و ما هي الأفكار المحورية.. تركيبة روايتك هي خيارك المميز، صنعتك الخاصة، كل رواية لابد وأن يكون لها تركيب معين وهذا التركيب هو أنت وما تريد أن تصنع. * لا تسخر مما كتبت في الماضي بل ابعث فيه الحياة، راجعه .. نقحه.. اكتبه من جديد.. لا تقلق حينما تكتب عدة مشاهد أو صفحات لا تؤدي إلى أي مكان معلوم، لا تقم بتمزيق أي شيء كتبته حتى ولو كان هذا الشيء بلا ملامح، ولا تحذف ما كتبته من على جهازك بحجة أنك غير راضٍ عنه.. الروائية الأمريكيةجوان ديديون اعتادت كتابة أفكارها على قصاصات ورقية ولصقها على لوحة خشبية لتعود وتستخدمهم من جديد.. في احدى رواياتها استعارت شخصية كانت قد رسمت ملامحها وشكلتها بقصة من قصصها القصيرة، وكانت تحب هذه الشخصية، لم تجد لها مكانًا ملائمًا بالرواية فحياة الشخصية لم تتجاوز مشهدًا واحدًا داخل الرواية، فتوقفت عن الكتابة، لكنها عادت من جديد لتجد مكانًا لها بثغرة في منتصف الرواية، تقول جوان: "حقاً في بعض الأحيان يمكنك أن تجد مخرجاً في منتصف روايتك يغير أحداثها وإيقاعها". وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى... شخصيات الرواية * اجعل شخصياتك الروائية مفعمة بالحياة، ارسم ملامح كل شخصية، الاسم المقترح لها، دورها في الرواية، تفاصيل حياتها، صفاتها، طبائعها الخاصة،مميزاتها، عيوبها، هل سيكون دورها ثانويًا أم محوريًا! وهل لوجودها بالرواية سببًا أم أنه يبدو كحشو بلا معنى يجعل من إيقاع الرواية بطيئًا مملاً.... الخ. وتذكر أن ترسم شخصيات روايتك والحبكة الدرامية في وقت متزامن، فلا يمكنك رسم واحدة دون الأخرى، الشخصيات ليست مجرد دمى خشبية سقطت من السماء فجأة، و أن العلاقة بين الحبكة والشخصيات عبارة عن عناصر درامية معقدة لذا يجب على الشخصيات أن تقوم بأفعال تتناسب مع طبيعة الحبكة التي تصنعها، أن تتحرك الشخصيات بصورة طبيعية إلى الذروة، فلا توجد شخصيات مستقلة عن الحبكة الدرامية للرواية. يقول سكوت فيتزجيرالد: "الشخصية هي مجرد تصرّف،والشخصيات في الرواية لا تتصرف من فراغ، فتصرفاتهم تتداخل حتماً مع تصرفات أناس آخرين وهذا التداخل هو ما نسميه التفاعل، والتفاعل هو الذي يخلق المشاهد، والمشاهد الكاملة وأنصاف المشاهد وطرق السرد هي الأحجار التي يتكون منها البناء الروائي". وفي النهاية كن بسيطاً وإيجابياًولا تنس نصائح هيمنجواي: - استخدم جملاً قصيرة - استخدم فقرات قصيرة - استخدم لغة سهلة - كن إيجابياً ولا تكن سلبياً إنها أفضل القواعد التي تعلمها هيمنجواي طوال مشوار حياته الأدبية، ولم يتخلَ عنهم أبداً، فأي شخص يريد أن يعبر عما بداخله من خلال الكتابة لن ينجح إلا إذا التزم بهذه القواعد.... |
أسبابك لكتابة رواية والهدف منها... إيمانك بما تصنعه، بأهميتك واحترامك لكيانك ككاتب... لغة كتابة الرواية ومضمونها وتفاصيلها وما الذي يُشكّل دعامات قوة الرواية في سرديتها ووصفها... ماهية المصادر التي تعتمد عليها للاستعانة بها عند كتابتك الرواية...
* لماذا تكتبها؟! ما الذي تعتقد أنك ستضيفه للقارىء بكتابة رواية؟! ما الشيء المميز بروايتك؟! أغمض عينيك وفكّر معي.. في الروايات التي صنعت علامة فارقة في تاريخ الأدب، هل هناك رواية تشبه أنا كارنينا؟! هل هناك رواية نافست رواية ذهب مع الريح؟! هل هناك من يشبه سعيد مهران في اللص والكلاب؟! وهل هناك من يشبه مصطفى سعيد في موسم الهجرة للشمال؟! إذا تذكرنا يُتم الأطفال والمآسي التي يتعرضون لها في الملاجىء، فهل سنجد أكثر صدقًا من أوليفر تويست للروائي تشارلز ديكنز؟! وجين إير في رواية شارلوت برونتي؟! إن الروايات الخالدة التي تَعُلق أسماء شخصيات أبطالها بأذهاننا، التي نتذكرها كلما صادفنا موقفًا بالحياة يشبه موقفًا وصفته الرواية، هي الروايات التي أصبحت علامة فارقة في تاريخ الأدب، هي الروايات التي أضافت شيئًا لمن قرأوها.. هل لديك ما تضيفه بروايتك التي تقرر كتابتها؟! إذا كانت نعم هي إجابتك، فلا تتردد، اسرع فورًا في الكتابة وأخبرنا به. نعم قد يكون هناك من هو أكثر بؤسًا من چان فالچان في بؤساء هوجو، وقد يكون هناك من هو أشدّ قدرة على الانتقام من هيثكليف في مرتفعات وذرينج لإيميلي برونتي، وقد تكون هناك من هي أقوى تصميمًا من سكارليت في ذهب مع الريح.. أنت تعرف من هم هكذا، إذًا لماذا لاتكتب وتخبرنا عنهم... اكتب وأضف إلينا الجديد القابع بانتظار الاكتشاف. * كن مؤمنًا بدورك وأهميتك ككاتب، لا تبيع نفسك ولا تلتفت لسخرية الآخرين.. امنح عقلك وجسدك الراحة ليتحسن انتاجك. في اخر محاضراته كشاعر مقيم بجامعة كارولينا الجنوبية وقبل وفاته بستة أيام، قال الشاعر والروائي جيمس لافاييت ديكي لطلابه ناصحًا: ”لا تبيع نفسك ككاتب رغم ما ستواجه من صعوبات، فالكثيرين لا يقدرون الكُتاب، لا يدركون قيمتهم الحقيقية، لا يعرفون جدوى كلماتهم. نحن معشر الكُتاب الفئة الوحيدة التي تعرف أسرار الحياة الكبرى، وليس هم، وليس هم، تذكر هذا جيداً وأنت تكتب“. وأقول لك عليك أن تؤمن بما تكتبه، تؤمن بقيمتك وأهميتك، وأهمية ما سوف تكتبه، فلا تكتب ما يريدونك أن تكتبه، لا تكتب للانتشار، ولا تكتب ما يستهوي القراء، بل ما يلفت انتباههم ويغير أمزجتهم وميولهم القراءية، اجعلهم يقرأون ما تكتبه، طالبين له.. لا تلتفت للسخرية، ولا تصاب باليأس فقط تناول قلمك واكتب.. بين وقت وآخر اترك الكتابة، ومارس نشاطًا بدنيًا كالمشي أو الصيد، استمع للموسيقى وأنت مسترخٍ، لا ترهق عقلك ولا تجبره على الكتابة كُلّ الوقت، عندما تجد أنه بحاجة إلى التوقف عن الكتابة امنحه ما يريد.. ليمنحك ما تبغي عندما تعود لمواصلة الكتابة. قال أحد الكتاب ذات مرة: ” على الكاتب أن تكون له هواية أو عمل بدني، لأن العمل البدني يعلم الكاتب أساليب جديدة ويحفزه على مواصلة الكتابة“. * لغة الرواية، الوصف بالرواية، أهمية تفاصيلها - استخدم لغة سهلة ومباشرة. يقول مارك توين: ” اختر الكلمة الصحيحة، اكتب اللفظة الأكثر دقة ولا تكتب شبيهتها، وتذكر دائماً أن الأفعال أقوى جزء في أي جملة“. وتقول ريتا ماي براون الروائية الأمريكية: ”الأفعال تسير بك بانسيابية على الطريق السريع“. عليك ككاتب أن تبتعد قدر الإمكان عن التحذلق والتباهي بالألفاظ الغريبة، ابتعد عن المحسنات البديعية التي لا تضيف للمعنى شيئًا، اجعل ما تكتبه حيًا وشخوصك نابضة بالحياة، قدم فكرًا، وعبّر عن مشاعر ولا تقدم للناس أوثانًا من الألفاظ البائدة، فأنت تكتب لأبناء عصرك لا الماضي أو المستقبل، اكتب لأجلهم من بالحاضر، وستخلد كتاباتك لغتك التي كتبتها بها، فقط لا تكن مبتذلاً في ألفاظك كتب بلغة يفهمها الجميع. في كتاب The elements of Style (عناصر الصنعة الأدبية) تأليف وليام سترانك و إي بي وايت عبارة تقول: ” إذا حدث واتفق دارسو فن الكتابة على رأي واحد، فسيكون مفاده أن الطريقة الوحيدة التي من خلالها يستطيع الكاتب جذب انتباه القراء هو أن يكون أسلوبه محدد وواضح وملموس“. - وأنت تكتب لا تُخبر بل صوّر حاول أن تستخدم بعض الصور الجمالية في كل صفحة، لا تخبرنا عن الغضب بل صوره، أرينا إياه واجعلنا نشعر به، حينئذ سنقرأ ونشعر بالغضب، لا تخبر القراء عما تشعر به من غضب أو ندم أو حتى خوف، بل أصنع لهم الشخصيات والمواقف التي تنقل هذا الشعور. لا تحدث القارىء عن الظلم بل اجعله يراه كلما تعمّق بقراءة الرواية. - لا تذكر شيئًا في روايتك دون غرض قال تشيكوف: ” إذا كانت هناك بندقية معلقة على الحائط في بداية المسرحية، فيجب عليها أن تطلق النار قبل نهايتها“. يجب أن تنظر إلى عملك نظرة مجملة وتطبق عليه هذه النصيحة، قم ببتر أي شيء يُعيق القصة من أن تكمل نفسها. لا تقدم شخصيات في الرواية أو أشياء بلا أهمية، لا تملأ روايتك بما تستطيع الاستغناء عنه ولا يخلّ بمحتوى الرواية أو مضمونها. * اهتم بدقة مصادرك، وتذكر أن الخيال لا يعني تزييف الحقائق يمكنك أن تتخيل وتتصور لكن أبداً لا تحرف ما هو معلوم من التاريخ. نعم الرواية ضرب من ضروب الخيال، لكن هذا لا يعني أن تكتب رواية فيها حقائق محرفة أو ملتوية. استخدم الحقائق والتفاصيل الموثقة والموثوقة فهي التي تنعم على العمل الأدبي بالمصداقية والجاذبية. استخدم الإنترنت للحصول على الوثائق والمعلومات اللازمة لروايتك فهو سريع، سهل، وستجد ما تريد من معلومات موثقة.. لو أتيحت لك الفرصة للحصول على الجرائد والمجلات القديمة أو نسخها الأرشيفية المحفوظة على الانترنت استعملها وتوخى الدقة واحرص على الإشارة إلى مصادرك بما يعطي مصداقية للعمل. مما يروى عن الكاتب الأمريكي يوجين جور فيدال أنه استخدم طبعة قديمة من مجلة ”هاربر“ للحصول على تفاصيل ومعلومات حول رواياته التاريخية. |
الآن أنت أنهيت روايتك، إذًا ماذا بعد؟!
انظر إليها اقرأها، هل انتهت بالفعل؟! نعم ... اممممم لا أعتقد... دعها بعيدًا قليلاً، وعد إليها مرة أخرى.. ما رأيك؟! تلك الفقرة تبدو دخيلة! هذه الشخصية تبدو سطحية وتافهة! ليست بالعمق الذي تريد أن تكون عليه... تأمل بعض الألفاظ والكلمات في الرواية، ألا تبدو مبالغًا فيها؟! أو ألا تبدو مكررة بشكل ما!! بعض الكتاب يقولون أنهم لا يقرأون أعمالهم بعد إنهائها ويعتمدون على المحررين والمراجعين، أو انهم لا يعيدون تصحيح ما كتبوه من فقرات حتى لا ينزلقون لمطب إعادة كتابة الرواية مرة أخرى، ربما هذا ينطبق على بعض الكتاب وبعض الأعمال بالفعل، لكن هي روايتك الأولى، عملك الأول ربما يحتاج إعادة تنقيح، ما الضير في أن تعيد قراءتها وتعيد كتابتها أكثر من مرة. أقرا الرواية بالكامل، قم بتحديد العبارات والأسطر المبهمة أو الركيكة، ولا تعدل فيها، فقط ضع خطًا تحتها أو ظللها باستخدام highlights واستمر في القراءة، فإعادة التحرير لم يأتِ وقتها بعد. بعد المراجعة الأولى، قم بإعادة التحرير، تخلص من الإفراط وإن كان عزيزًا عليك. الأديب والشاعر الأمريكي وليام فولكنر صاحب رواية (وردة لإيميلي) له عبارة مشهورة بهذا المضمون: ” تخلص من النثر المفرط“. الآن راجع روايتك مرة ثالثة، تخلص من التشبيهات والاستعارات الموجودة في كل صفحة، في عملية تنقية للراوية تشبه تنقية الحديقة من الحشائش الضارة وإن كانت جميلة المنظر، لكن انتبه فلا تقوم بحذف أي شيء من روايتك قد تندم عليه لاحقًا. كما قال الأديب الامريكي فرانسيس سكوت فيتزجيرالد مؤلف رواية (جاتسبي العظيم). ولأننا غالبًا ما نكتب الآن باستعمال الحاسوب، لذلك أنصحك بالابقاء على نسخة من العمل دون تعديل كما كتبته أول مرة، فربما تعود إليها ثانية، كما أن التكنولوجيا ليست دائمًا صديقة لك كما تتخيل، احتفظ بالنسخة في مكان آخر غير جهازك الشخصي، باستخدام وسائط التخزين المساعدة، لن يضيرك وجود نسختين احتياطتيين، وثالثة بآخر تعديل. وإذا كنت تدوّن ورقيًا بعض ما تكتبه من مشاهد روايتك، احتفظ بالأوراق ولا تتخلص منها، إنها إرهاصاتك الأولى ومحاولاتك المختلفة، يحضرني في هذا السياق ما قام به كريستوفر تولكين، ابن الأديب الإنجليزي جي أر أر تولكين من مراجعة ما يقرب من مليون ورقة من مسودات الملحمة الشهيرة (سيد الخواتم) والتي كتبها والده، وأعاد نشرها في عدة أجزاء يجد القارىء لها أحداث أخرى ونهايات مختلفة وعشرات المشاهد التي لم تتضمنها الرواية الأصلية. بالطبع نحن نتحدث عن عمل استغرقت كتابته ما يقرب من عشرون عامًا وتم تغييره وتعديله من قِبَل مؤلفه نفسه عشرات المرات. الفكرة المحورية هنا أن كل ما تكتبه له أهمية بشكل ما رغم قيامك بتنقيحه وغربلته في النهاية. راجع عملك للمرة الرابعة، ثم تخلص من النعوت والأحوال المتكررة والتي تحمل نفس المعنى، فكلمة واحدة تكفي. ثم ابحث عن الصور المبتذلة وتخلص منها ومن العبارات التي لا تؤدي معنى أو العبارات المبهمة التي لا تحدد الهدف منها. واهتم بافتتاحية الرواية لأن الصفحات الأولى من الرواية ستقدمك للناشرين فعرّف نفسك جيدًا من خلالها. وقم بإعادة كتابة المشهد الأول من روايتك أكثر من مرة وسوف تلاحظ الفرق بعد تكرار المراجعة والتحرير وأن مستواك في الكتابة صار أفضل. اقرأ بصوت مسموع لنفسك، أو استمع لما تقرأ داخل ذهنك، ستكتشف مواطن الجماليات والقوة في الرواية كما الضعف، كما قد تكتشف أخطاءً نحوية ولغوية. أنهيت المراجعة وإعادة التحرير! أنت راضٍ الآن عن روايتك.. لقد قدمت كل ما لديك، أنت تستشعر إحساسك بالعمل، صوت الشخوص وأبعاد أحداث الرواية.. إنها روايتك الأولى ... طفلك الأول... إبداعك الأول ورهانك على نفسك... انت الآن قدر الرهان، نعم ثق بما أقول وثق أنك ستشعر بهذا.... هنيئًا لك ... ماذا تفعل الآن؟! هل هذا سؤال ... حان وقت النشر ... انتظرني فقط لأخبرك في الجزء الأخير، عن مشوارك الصعب .. مشوار النشر ... لكن لا تخش شيئًا ولا تيأس .. أنت قادر على فعلها، على مساعدة روايتك الأولى للخروج إلى النور. لقد قمت بالكثير من العمل، يكفي أنك تحملت ثرثرتي ونصائحي.... فتحملنّي قليلاً حتى النهاية. |
وها نحن ذا معًا في الجزء الأخير من سباعية كيف تكتب رواية؟!
ربما عليّ أن أخبرك الآن أنك حتمًا ستواجه صعوبات في النشربحيث يصبح العنوان هنا " كيف تنشر روايتك؟".. أعلم أن اغلبنا يتحدث عن الصعوبات التي تواجه الكتاب الشباب، ممن يحاولون شق طريقهم في عالم الأدب، نعم واقعنا مؤلم، نعم هناك صعوبات متضاعفة تواجه كل صاحب حلم أيًا كان هذا الحلم، رغم قناعتي بهذا لكن لي الحق أن أتساءل، بربكم هل تعتقدون أن هناك طريقًا للنجاح كان ممهدًا ومفروشًا بالورود؟! نعم ربما تعاني في البداية فيما يخص النشر، وخاصة في منطقتنا العربية التي لا توفر مساحة عادلة ومنصفة للجيل الحالي من شباب الكتاب، لا تجعلون هذا الأمر محبطًا، تذكروا أن أغلب الكُتاب المشهورين، قد تم رفض أعمالهم في بداية حياتهم الأدبية، فالمتابع لقصص نجاح الأدباء الذين أوجدوا لأنفسهم مكانًا بين ظهرانينا، ليكونوا علامات نقتدي بها، سيجد أنهم جميعًا نالهم الكثير من الإحباطات والخيبات وقوبلوا بالرفض والتهكم والسخرية، وسيّر حياتهم تحكي طرفًا عن معاناتهم التي كابدوها قبل أن يصبحوا كتابًا كبار يذكرهم تاريخ الأدب وتترجم أعمالهم ويسعى الناس لقراءتها بمختلف اللغات. فكاتبة مثل مارجرت ميتشل صاحبة رواية (ذهب مع الريح)، قد تم رفض روايتها هذه من قبل دور النشر، وأخبروها أنها لا تصلح وليس لها جدوى اقتصادية، جوزيف هيلر وستيفن كينج وأول أربع روايات له. نجيب محفوظ الذي رفض الناشر نشر ثلاثيته الشهيرة بدعوى أنها ألف صفحة ولن يقرأها أحد فقام بتجزئتها لثلاث روايات (بين القصرين/ قصر الشوق/ السكرية) وغيرهم كثيرين. حاول أن تجرب أكثر من سبيل، ولا تستسلم بسهولة وخاصة أننا أصبحنا في عصر الإنترنت، يمكنك أن تنشر عملك إلكترونياً وأن تحاول نشره ورقياً أيضاً. وقد حدثتكم عن تجربة أماندا هوكينج من قبل في مقالي عن النشر الإلكتروني والمنشور على صفحات جيل جديد.. وسأشارككم رابط المقال بأول تعليق للإفادة. وهناك بالفعل مواقع تقدم خدماتها لمساعدة الكُتاب على نشر أعمالهم الأدبية على منصات النشر العالمية الشهيرة مثل أمازون وسماش ووردز وأبل بوك ستورز وغيرها. هل تعتقد أن روايتك القابعة الآن على مكتبك، أو المحفوظة بصمت داخل حاسوبك، لا تستحق منك المحاولة؟! أعلم أن الكلمات تنتظر كي ترى النور، أن تقرأها الأعين، أن تجد حروفها طريقها للعقول والقلوب فلا تتأخر، ولا تيأس، عليك أن تحاول.. ألا زلت مترددًا؟! حائرًا؟! فلنتفق سأتوقف عن الحديث، وسأكف عن حثّك للسعي لكن بعد أن احكي لك حكاية.. ألا تحب الحكايات؟! كُلّنا نحب الحكايات... بعد أن أقصها عليك أعلم أنك ستجد طريقك ولن تتوقف إلا عندما تصل لهدفك.. تناول الكاتب الراحل عبد الوهاب مطاوع قصة أرسكين كالدويل الأديب الأمريكي في واحد من كتبه التي تعرضت لنماذج إنسانية يُقتدى بها، قال عنه في إحدى الفقرات: ”قصة كالدويل والبطاطس بما ترمز إليه من القدرة على الكفاح وقوة الإرادة وتحمل جفاف الحياة خلال صعوبات البداية فلقد عاش سنوات يزرع البطاطس في الأرض المحيطة بالبيت الحجري الذي استأجره في مقاطعة فيرنون، بولاية مين الأمريكية ويأكلها وحدها بلا إدام .. ويكتب طوال الليل في غرفة باردة تتجمد فيها أصابعه وهو يدق بها على الآلة الكاتبة .. ويرسل القصة وراء القصة إلى المجلات الأدبية.. فتعيدها إليه ملصقًا عليها بطاقة رفض مطبوعة حتى تجمعت لديه من هذه البطاقات مجموعة كبيرة احتفظ بها في ألبوم ضخم كألبوم الطوابع ! ومع هذا فلم ييأس ولم يتوقف عن الكتابة .. بل ولم يندم على قراره المصيري الذي اتخذه وهو في الثانية والعشرين من عمره بالاستقالة من وظيفته كمحرر صحفي بجريدة محلية يتقاضى أجرًا مضمونًا ليتفرغ لكتابة القصة ، وليس في جيبه سوى بضع دولارات يشتري بها الورق وبذور البطاطس وطوابع البريد لإرسال القصص للمجلات، فيطول انتظاره سنوات وسنوات وتصاب أصابعه بقرح البرد ويفقد عشرين كيلو جرامًا من وزنه فلا يثنيه كل ذلك عن مواصلة المشوار“. يقولون أن البدايات تشير في بعض الأحيان إلى النهايات، والمؤكد أن بدايات هذا الروائي كانت توحي بقوة الإرادة والقدرة على الكفاح والصبر على تحقيق الأهداف. حكى كالدويل في مذكراته الأدبية بعنوان ”كيف أصبحت كاتبًا روائيًا“ عن مشواره الذي بدأ وهو في المرحلة الثانوية عندما قرر العمل في معصرة للزيوت، فعمل بها سرًا بغير علم والديه وراح يدخل فراشه مساء كل يوم وينتظر حتى يستغرق أبواه في النوم ثم يتسلل إلى المعصرة البعيدة ليقضي الليل كله في العمل بها مقابل دولار واحد، واستمر بضعة أسابيع حتى انكشف أمره فمنعه أبوه من العمل رحمة بصحته، وانتهت تجربة العمل الأولى في حياته لكنها تركت في حياته أثرًا شديد الأهمية ، فلقد اشترى بمدخراته من هذا العمل آلة كاتبة مستعملة ارتبط مصيره بها بعد ذلك لسنوات طويلة وبدأ يستخدمها في كتابة القصص الإخبارية التي يبعث بها للصحف المحلية ثم أنهى دراسته الثانوية والتحق بالجامعة في مدينة أخرى فحمل معه هذه الآلة المستعملة وواصل هوايته في كتابة الصور الأدبية ونشرها بمجلة الجامعة، ثم هجر دراسته الجامعية قبل التخرج وعمل بصحيفة محلية في ولاية أتلانتا، وحقق في عمله الجديد نجاحًا طيبًا وارتفع معه أجره الأسبوعي واستقرت أحواله المادية. لكن شيئًا ما في داخله كان يتطلع إلى ما هو أكثر من العمل الصحفي العادي، فراح يكتب القصص القصيرة ويرسل بها إلى المجلات الأدبية ، وقبلت إحدى الصحف أن يقوم بكتابة تعليقات قصيرة على الكتب الجديدة بلا أجر مقابل احتفاظه بما ترسله من هذه الكتب. وبعد عام واحد من عمله هذه الصحيفة وجد لديه حوالي ألفي كتاب جديد ، وأربعين أو خمسين قصة قصيرة أرسلها للمجلات الأدبية ورفضتها ومائتي دولار وفرها من أجره فأقدم على أخطر خطوة في حياته وهي أن يستقيل من عمله الصحفي ويتفرغ لتحقيق هدف محدد هو أن يصبح كاتبًا محترفًا، قرر ألا يعمل بأية وظيفة أخرى إلا مضطرًا ولفترة مؤقتة حتى يحمي نفسه من الجوع والضياع إلى أن يرجع للتفرغ للأدب من جديد، وحدد لنفسه فترة خمس سنوات لتحقيق أمله في أن يصبح كاتبًا معروفًا تدفع له الصحف أجرًا مقابل ما ينشره فيها من تعليقات على الروايات. يعترف كالدويل في مذكراته تلك، أنه لم يكن يدري كيف سيعيل نفسه وأسرته فقيرة لكنها لا تستطيع مساعدته، لكنه غامر وسافر إلى فيرنون وهناك استأجر بيتًا حجريًا لمدة عام دفع إيجاره مائة دولار مقدمًا ثم شحن كتبه في صناديق كبيرة عن طريق النهر وركب القطار إليها وكان البيت قديمًا جميلاً كبيت صيفي، أما خلال الشتاء الطويل فقد كانت الإقامة به محنة قاسية، وكان أول درس تعلمه من أحد جيرانه هو أن يزرع على الفور بذور البطاطس في الأرض المحيطة ليجد ما يطعمه خلال الصيف، وأن يقطع عددًا كبيرًا من أشجار الغابة القريبة ليجد ما يكفيه من أخشاب للتدفئة طوال محنة الشتاء . وبالفعل قام كالدويل بزراعة البطاطس وقطع الأشجار للحصول على أخشاب التدفئة والكتابة بالليل على آلته الكاتبة حتى الفجر لكنه فقد مخزونه من الخشب بأسرع مما توقع، وصور حاله حينذاك قائلاً : ”مع مجيء يناير كان معظم الخشب المخزون قد نفد وكان الثلج يرتفع في الخارج بضعة أقدام فأبقيت مدفأة المطبخ وحدها مشتعلة، ورحت أكتب في الليل في غرفة باردة بالطابق العلوي بلا مدفأة مرتديًا سويترًا من الجلد فوق البيجامة وأنا ألفّ ساقي ببطانية وأنفخ في أصابعي المتجمدة من حين لآخر، وأكتب من 10 إلى 12 ساعة كل ليلة“. وكلما عجز عن احتمال البرد سافر إلى الجنوب طلبًا للدفء وأقام في كوخ صغير زهيد الإيجار لبعض الوقت إلى أن يتحسّن الجو يعود بعدها إلى بيته الحجري ومع مجئ الصيف التالي كان قد تعلم الدرس، فبدأ يقطع كمية أكبر من الأخشاب وراح يعزق الأرض لإخراج ثمار البطاطس، وجد أنه لم يكسب طوال هذا العام دولارًا واحدًا من الأدب، وكان كل ما كسبه من بيع الكتب التي يكتب التعليقات المجانية عليها فكان كلما نفدت نقوده ملأ حقيبة كبيرة بعدد منها ثم ذهب إلى المدينة ليبيعها ويشتري بثمنها الورق وطوابع البريد والخبز. وأخيرًا وبعد عامين من التفرغ الكامل لكتابة القصة تلقى خطابًا من مجلة أدبية متخصصة تصدر من نيويورك اسمها ”كارفان“ تبلغه فيها بقبول أول قصة له للنشر مقابل 25 دولارًا ! وزار المجلة التي قبلت قصته ، وعددًا آخر من المجلات ودور النشر فقبلت إحداها نشر قصة أخرى طويلة له ، ثم رجع إلى فيرنون بعد نفاد نقوده ليواصل أكل البطاطس وكتابة القصص وإرسالها للمجلات متعلقًا بأمل جديد ! وقبل أن يفترسه الجوع والإجهاد والعمل الشاق كل ليلة أنقذته مجلة أدبية أخرى بقبول نشر قصتين وإرسال 350 دولار ثمنًا لهما إليه، ثم قبلت مجلة ”كارفان“ نشر أول مجموعة قصصية له فبدأت معالم الطريق تتضح أمامه بعض الشيء وبدأ مرحلة جديدة من حياته حيث راح ينتقل خلالها من مدينة إلى مدينة بحثًا عن تجربة إنسانية يسجلها في قصة جديدة، فيقيم في الفنادق الصغيرة الرخيصة ويكتب طوال الوقت ويعيش على الخبز والجبن، فإذا نفدت نقوده تمامًا أخرج تذكرة العودة بالأتوبيس ورجع إلى البيت الحجري ينتظر بيع إحدى قصصه ليرجع إلى التجوال من جديد . وصدرت مجموعته القصصية الأولى بعنوان ”الأرض الأمريكية“ فلم يحسن النقاد استقبالها، وانهمك في كتابة رواية طويلة لأول مرة منقطعًا لها تمامًا لمدة ثلاثة شهور مقسمًا يومه إلى ثلاث فترات محددة 8 ساعات للنوم ، 8 ساعات للعمل اليدوي الشاق في جني البطاطس وزراعة البذور الجديدة وقطع الأخشاب و 8 ساعات للكتابة . وصدرت روايته الأولى (طريق التبغ) تلك الرواية الشهيرة، والتي قُدِّمت على مسارح برودواي بنيويورك لسنوات، لم يرحب بها معظم النقاد لكنه لم يُحرم من بعض التعليقات المتعاطفة معها وتعرف بوكيل أدبي تحمس لتسويق مؤلفاته فكتب رواية أخرى، وأصبح يرسل إليه قصصه القصيرة ليتعاقد هو مع المجلات على نشرها مقابل نسبة مئوية له، وبعد أربع سنوات من الانقطاع للكتابة الأدبية كان دخله السنوي من الأدب قد بلغ 700 دولار فدفع إيجار البيت الحجري لمدة عام آخر وبقي معه ما يكفي ليعول به نفسه وأبويه الذين لحقا به للإقامة معه في البيت وكتب عن ذلك يقول: ”تناولنا اللحم المشوي لأول مرة منذ سنة وتركنا نسبة كبيرة من البطاطس تتعفن في باطن الأرض في ذلك الخريف وأملت أن يكون ما أكلته منها ومن اللفت الذي كنت أزرعه معها هو آخر ما آكله منهما في حياتي!“ وبالفعل .. ودع أرسين كالدويل سنوات الجوع والبرد والحرمان بعد ست سنوات حافلة بالعناء وتوالى صدور كتبه ورواياته ومجموعاته القصصية، وقدمت له السينما الأمريكية عددًا من الأفلام الناجحة عن رواياته الشهيرة، كرواية (أرض الله الصغيرة) وصدرت طبعات من كتبه في بريطانيا وترجمات لها في فرنسا، وصدرت له أربع مجموعات قصصية وعدة كتب من أدب الرحلات لاقت رواجًا كبيرًا في أمريكا وسافر إلى الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية فتهافتت عليه الصحف الأمريكية والإنجليزية على نشر مقالاته عن ”روسيا في الحرب“ وعندما عاد إلى أمريكا طلبت منه شركة ”وارنر“ بإلحاح أن يكتب لها مسودة قصة فيلم روسيا في الحرب، مقابل الإقامة الكاملة في جناح فاخر بفندق كبير ودفع أجر سكرتيرته أو مساعدته و 1200 دولار في الأسبوع طوال فترة العمل، واشترى كالدولة بيتًا صيفيًا في ولاية أريزونا الدافئة ربما رغبة في نسيان ذكريات البرد القارص في بيت فيرنون الحجري . أعيد طبع رواية ”أرض الله الصغيرة“ في طبعة شعبية فوزعت مليوني نسخة، وهي التي لم توزع في طبعتها الأولى سوى ثلاثة آلاف نسخة! وتنافست الصحف والمجلات على طلب القصص القصيرة له لنشرها فيتراوح أجره على نشر القصة الواحدة منها ما بين 500 و 1500 دولار، ومنها بعض ما كان من بين القصص التي كتبها في بيت فيرنون الحجري البارد وهو يعيش على حساء البطاطس وأرسلها للمجلات الأدبية فأرجعتها إليه بالبريد تحمل بطاقة تقول: مرفوض لضعف المستوى ! انتهت الحكاية.. ما رأيكم؟! يقال” أن أعظم الأعمال لا تتحقق بالرغبة وحدها وإنما بالمثابرة والدأب والاستمرار في بذل الجهد المخلص لتحقيقها ، ولو تحمل الإنسان في سبيل ذلك.... البرد والحرمان ومرارة الرفض لفترة طويلة“. |
الرواية:
تدور بشكل رئيسي حول الشخصيات. الكتابة والتي هي بالأساس محاولة أن تجد و تخترع شخصيات يمكن أن تكون مليئة بالمفاجآت،ويكون خيال الكاتب هو القوة الأكثر فعالية استفد من كل ما عرفت وقرأت، وشكّله بأحسن طريقة. مادتك الفريدة وأدواتك لاختراع الشخصيات هي: 1_ تجربتك الشخصية بما فيها ما قرأته سابقا. 2_ ذاكرتك وتاريخك الشخصي. 3_ مشاعرك ورغباتك. 4_ توقعاتك، لغتك، تخيلاتك، أفكارك. تختلف قوة هذه الأدوات من شخص لآخر، وكل روائي يستطيع أن يكتشف أيها تناسبه أكثر من خلال تجاربه الكتابية |
الساعة الآن 03:03 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.