![]() |
|
في جِبال لهمومِ، أنبتتَّ أغصاني، ( أبو القاسم الشابي ) في جِبال لهمومِ، أنبتتَّ أغصاني، فَرَقّتْ بينَ الصُّخُورِ بِجُهْدِ وَتَغَشَّانيَ الضَّبَابُ..، فأورقتُ وأزهرتُ للعواضف، وحْدي وتمايلتُ في الظَّلام، وعطَّرتُ فضاءَ الأَسى بأنفاس وردي وبمجد الحياة ِ، والشوقِ غّنَّيْتُ..، فلم تفهم الأعَاصيرُ قصدي وَرَمَتْ للوهادِ أفنانيَ الخضْرَ، وظلّتْ في الثَّلْجِ تحفر لَحْدِي ومَضتْ بالشَّذى فَقُلْتُ: «ستبني في مروجِ السّماءِ بالعِطْر مَجْدي» وَتَغَزَلْتُ بالرَّبيعِ، وبالفجرِ فماذا ستفعلّ الرّيحُ بَعدِي؟ |
في سكونِ الليل لما ( أبو القاسم الشابي ) في سكونِ الليل لما عانقَ الكونَ الخشُوع وَاخْتَفَى صَوْتُ الأَمَانِي خَلْفَ آفَاقِ الهُجُوعْ رَتَّلَ الرَّعْدُ نَشِيداً رَدَّدَتْهُ الكَائِنَاتْ مِثْلَ صَوْتِ الحَقِّ إنْ صَا حَ بأعماقِ الحيَاة يتهَادى بضَجيجٍ في خلاَيا الأودَيهْ أَمْ هِيَ القُوَّة ُ تَسْعَى بِاعْتِسَافٍ واصْطِخَابْ صَوْتِهَا رُوحُ العَذَابْ؟» مِثْلَ جَبَّارِ بَنِي الجِنِّ بأَقْصَى الهَاوِيَة ْ |
قد سكرنا بحبنا واكتفَيْنا ( أبو القاسم الشابي ) قد سكرنا بحبنا واكتفَيْنا يا مديرَ الكؤوس فاصرفْ كؤوسَكْ واسكبِ الخمرَ للعَصَافيرِ والنَّحْلِ وَخَلِّ الثَّرى يَضُمُّ عروسَكْ مالنا والكؤوس، نطلبُ منها نشوة ً والغَرامُ سِحْرٌ وسُكْرُ! خَلِّنا منكَ، فَالرّبيعُ لنا ساقٍ وهذا الفضاءُ كاسٌ وخمرُ! نحن نحيا كالطّيرِ، في الأفُق السَّاجي وكالنَّحْلِ، فوق غضِّ الزُّهُورِ لا ترى غيرَ فتنة ِ العالم الحيِّ وأحلامِ قلبها المسحورِ... نحن نلهو تحتَ الظلالِ، كطفلينِ سعيدين، في غُرورِ الطُّفولة ْ وعلى الصخرة ِ الجميلة ِ في الوادي وبين المخاوفِ المجْهولَهْ نحن نغدو بين المروج ونُمسى ونغنِّي مع النسيم المعنِّي ونناجي روحَ الطبيعة ِ في الكون ونُصغي لِقَلْبها المتغنّي نحنُ مثلُ الرَبيعِ: نمشي على أرضٍ مِنَ الزَّهرِ، والرُّؤى ، والخَيالِ فوقَها يرقصُ الغرامُ، ويلهو ويغنّي، في نشوة ٍ ودلالِ نحن نحيا في جَنَّة ٍ مِنْ جِنَانِ السِّحْرِ في عالمٍ بعيدٍ...،بعيدِ...، نحنُ في عُشِّنا الموَرَّدِ، نتلو سُوِرِ الحُبِّ للشَّبابِ السّعيدِ قد تركنا الوُجودَ للنَّاس، ـضُوا عليه الحياة َ كيفَ أرادُوا وذهبنا بِلبِّه، وَهْوَ رُوحٌ وَتَركنا القُشُورَ، وَهْيَ جَمادُ قد سِكْرنا بحبّنا، واكتَفْينا طفَحَ الكأسُ، فاذهَبُوا يا سُقاة ُ نحن نحيا فلا نريدُ مزيداً حَسْبُنا ما مَنَحْتِنَا يا حَياة ُ حَسْبُنا زهرُنَا الَّذي نَتَنَشَّى حَسْبُنا كأسُنا التي نترشّفْ إنَّ في ثغرِنا رحيقاً سماويَّا وفي قلبنا ربيعاً مُفَوَّفْ أيُّها الدَّهْرُ، أيُّها الزَّمَنُ الجاري إلى غيرِ وُجهة ٍ وقرارِ! أيُّها الكونُ! أيّها القَدَرُ الأَعمى ! قِفُوا حيثُ أنتُمُ! أو فسيرُوا وَدَعُونا هنا: تُغنِّي لنا الأحْلامُ والحبُّ، والوجودُ، الكبيرُ وإذا ما أبَيْتُمُ، فاحْمِلُونا ولهيبُ الغَرامِ في شَفَتْينا وزهورُ الحياة ، تعبقُ بالعطرِ وبالسِّحْرِ، والصِّبا في يديْنَا |
قضَّيتُ أدْوارَ الحياة ِ، مُفَكِّراً ( أبو القاسم الشابي ) قضَّيتُ أدْوارَ الحياة ِ، مُفَكِّراً في الكَائِناتِ، مُعَذَّباً، مَهْمُوما فَوَجَدْتُ أعراسَ الوُجود مآتماً ووجدتُ فِرْدَوسَ الزَّمانِ جَحيمَا تَدْوي مَخَارِمُهُ بِضَجَّة ِ صَرْصَرٍ، مشبوبَة ٍ، تَذَرُ الجيالُ هشيمَا وحضرتُ مائدة َ الحياة ، فلم أجدْ إلاّ شراباً، آجناً، مسموماً وَنَفضْتُ أعماقَ الفَضَاءِ، فَلَمْ أجِدْ إلا سكوناً، مُتْعَباً محمومَا تتبخَّرُ الأَعْمارُ في جَنَباتِهِ وتموتُ أشواقُ النّفوس وَجومَا ولمستُ أوتارَ الدهور، فلم تُفِضْ إلا أنيناً، دامياً، مَكْلُوما يَتْلُو أقاصيصَ التَّعاسة ِ والأسى ويصيرُ أفراح الحياة همومَا شُرِّدْتُ عنن وَطَنِي السَّماويِّ الذي ما كانَ يوْماً واجمَا، مغمومَا شُرِّدْتُ عَنْ وطني الجميل.. أنا الشَّقِـ شقيّ، فعشت مشطورَ الفؤاد، يتيمَا.. في غُربة ٍ، رُوحيَّة ٍ، مَلْعُونة ٍ أشواقُها تَقْضِي، عِطاشاً، هِيما... يا غُربة َ الرُّوحِ المفكِّر إنّه في النَّاسِ يحيا، سَائماً، مَسْؤُوما شُرِّدتُ لِلدنيا.. وَكُلٌّ تائهٌ فيها يُرَوِّعُ رَاحلاً ومقيما يدعو الحياة ، فلا يُجيبُ سوى الرَّدى ليدُسَّهُ تَحْتَ التُّرابِ رَميما وَتَظَلُّ سَائِرة ً، كأنّ فقيدها ما كان يوماً صاحباً وحميمَا يا أيُّها السّاري! لقد طال السُّرى حَتَّام تَرْقُبُ في الظَّلامِ نُجُوما..؟ أتخالُ في الوادي البعيدِ المُرْتَجى ؟ هيهاتَ! لَنْ تَلْقى هناكَ مَرُوما سرْ ما اسْتَطَعْتَ، فَسَوْفَ تُلقي ـ مثلما خلَّفتَ ـ مَمشُوقَ الغُصونِ حَطِيما |
قَدَّس اللَّهُ ذِكْرَهُ مِن صَبَاحٍ ( أبو القاسم الشابي ) قَدَّس اللَّهُ ذِكْرَهُ مِن صَبَاحٍ سَاحِرٍ، في ظِلال غابٍ جميلِ كان فيه النّسيم، يرقصُ سكراناً على الوردِ، والنّباتِ البَليلِ وضَبابُ الجبالِ، يَنْسَابُ في رفقٍ بديعٍ، على مُروج السُّهولِ وأغاني الرعاة ِ، تخفقُ في الأغوارِ والسّهلِ، والرّبا، والتّلولِ ورحابُ الفضاءِ، تَعْبُقُ بالألحانِ والعطرِ، والذّياءِ الجميلِ والمَلاَكُ الجميلُ، ما بين ريحانٍ وعُشْبٍ، وسِنديانٍ، ظَليلِ يتغنَّى مع العَصَافيرِ، في الغاب ويرنو إلى الضَّباب الكَسُولِ وشعورُ الملاك ترقصُ بالأزهار والضوءِ، والنَّسيمِ العَليل حُلُمٌ ساحرٌ، به حَلُمَ الغابُ فَوَاهاً لِحُلْمِهِ المَعْسُولِ! مثلُ رؤيا تلوحُ للشّاعر الفنَّان في نشوة ِ الخيال الجليلِ قد تملَّيْتُ سِحرَهُ في أناة ٍ وحنانٍ، وَلَذَّة ٍ، وَذُهولِ ثُمَّ ناديتُ، حينما طفحَ السِّحرُ بأرجاءِ قَلبي المبتولِ يا شعورٌ تميد في الغَاب بالر يحانِ، والنّور، والنّسيم البليلِ كَبَّليني بهاتِهِ الخِصَلِ المرخَاة ِ في فتنة ِ الدَّلال المَلُولِ كبّلي يا سَلاسلَ الحبِّ أفكا ري، وأحلامَ قلبيَ الضَّلِّيلِ كبِّليني بكل ما فيكِ من عِطْرٍ وسحرٍ مُقَدّسٍ، مَجْهولِ كبِّليني، فإنَّما يُصْبِحُ الفنّان حرّاً في مثل هذي الكبولِ ليت شعري! كَمْ بينَ أمواجِكِ السّو دِ، وطيّاتِ ليلِكِ المسدولِ من غرامٍ، مُذَهَّبِ التاجِ، ميْتٍ وفؤادٍ، مصفَّدٍ، مغلولِ وزهورٍ من الأمانيِّ تَذوِي في شُحُوبٍ، وخيبة ٍ، وخمولِ أنتِ لا تعلمين..، واللَّيلُ لا يعلَمُ كم في ظلامِه من قَتيلِ أنتِ أُرْجُوحَة ُ النسيمِ فميلي بالنسيمِ السعيدِ كِلَّ مَمِيلِ ودَعي الشَّمسَ والسماءَ تُسَوِّي لكِ تاجاً، من الضياء الجميلِ ودِعي مُزْهِرَ الغُصُونِ يُغَشِّيـ ـكِ بأوراقِ وَردِه المطلولِ للشّعاع الجميلِ أنتِ، وللأنسا مِ، والزَّهر، فالعبي، وأطيلي ودعي للشقيِّ أشواقَه الظمْأى وأَوهامَ ذِهْنه المعلولِ يا عروسَ الجبالِ، يا وردة َ الآ مالِ، يا فتنة َ الوجودِ الجليل ليتني كنتُ زهرة ً، تتثنَّى بين طيّات شَعْرِكِ المصقولِ! أو فَراشاً، أحومُ حولكِ مسحوراً غريقاً، في نشوتي، وَذُهُولي! أو غصوناً، أحنو عليكِ بأوراقي حُنُوَّ المُدَلَّهِ، المتْيولِ! أو نسيماً، أضمُّ صدركِ في رِفقٍ، إلى صَدْرِيَ الخفوقِ، النَّحيلِ آهِ! كم يُسْعِدُ الجمالُ، ويُشْقي |
كان قلبِيَ فجرٌ، ونجومْ، ( أبو القاسم الشابي ) كان قلبِيَ فجرٌ، ونجومْ، وبحارٌ، لا تُغَشّيها الغيومْ وأناشيدٌ، وأطيارٌ تَحُومْ وَرَبيعٌ، مُشْرِقٌ، حُلْوٌ، جَميلْ كانَ في قلبي صباحٌ، وإياهْ، وابتِسَامَاتٌ ولكنْ... واأسَاهْ! آه! ما أهولَ إعْصَارَ الحياة ْ! آه! ما أشقى قُلُوبَ النّاسِ! آه! كان في قلبيَ فجرٌ، ونجومْ، فإذا الكلُّ ظلامٌ، وسديمْ..، كان في قلبيَ فجرٌ، ونجومْ يا بني أمِّي! تُرى أينَ الصّباحْ؟ قد تقضَّى العُمْرُ، والفجْرُ بعيدْ وَطَغى الوادي بِمَشْبُوبِ النواحْ وانقَضَتْ أنشودة ُ الفَصْل السَّعيدْ أين نايي؟ هل ترامتْه الرياحْ؟ أين غابي؟ أين محرابُ السُّجُودْ..؟ خبِّروا قلبي. فما أقسى الجراحْ! كيف طارتْ نشوة ُ العيشِ الحَميدْ! يا بني أمِّي! تُرى أين الصَّباح؟ أوراءَ البحر؟ أم خلفَ الوُجود؟ يا بني أمي؟ ترى أينَ الصباح؟ ليت شعري! هل سَتُسَلِيني الغَداة ْ وتعزِّيني عن الأمسِ الفَقِيدْ وتُريني أن أفراحَ الحياة زُمَرٌ تمضي، وأفواجٌ تعود فإذا قلبي صياح، وإيّاه..، وإذا أحلاميَ الأولى وَرُودْ..، وإذا الشُّحْرورُ حُلْوُ النَّغماتْ..، وإذا الغَابُ ضِيَاءٌ وَنَشِيدْ..؟ أم ستنساني، وتُبْقيني وحيد؟ ليتَ شِعْري! هل تُعَزِّيني الغَدَاة ْ؟ |
كانَ الربيعُ الحُيُّ روحاً، حالماً ( أبو القاسم الشابي ) كانَ الربيعُ الحُيُّ روحاً، حالماً غضَّ الشَّبابِ، مُعَطَّرَ الجلبابِ يمشي على الدنيا، بفكرة شاعرٍ ويطوفها، في موكبٍ خلاَّبِ والأُفقُ يملأه الحنانُ، كأنه قلبُ الوجود المنتِجِ الوهابِ والكون من مظهرِ الحياة كأنما هُوَ معبدٌ، والغابُ كالمحرابِ والشّاعرُ الشَّحْرورُ يَرْقُصُ، مُنشداً للشمس، فوقَ الوردِ والأعشابِ شعْرَ السَّعادة والسَّلامِ، ونفسهُ سَكْرَى بسِحْر العالَم الخلاّبِ ورآه ثعبانُ الجبالِ، فغمَّه ما فيه من مَرَحٍ، وفيْضِ شبابِ وانقضّ، مضْطَغِناً عليه، كأنَّه سَوْطُ القضاءِ، ولعنة ُ الأربابِ بُغتَ الشقيُّ، فصاح في هزل القضا متلفِّتاً للصائل المُنتابِ وتَدَفَّق المسكين يصرخُ ثائراً: «ماذا جنيتُ أنا فَحُقَّ عِقابي؟» لاشيءِ، وإلا أنني متعزلٌ بالكائنات، مغرِّدٌ في غابي «أَلْقَى من الدّنيا حناناً طاهراً وأَبُثُّها نَجْوَى المحبِّ الصّابي» «أَيُعَدُّ هذا في الوجود جريمة ً؟! أينَ العدالة ُ يا رفاقَ شبابي؟» «لا أين؟، فالشَّرْعُ المقدّسُ ههنا رأيُ القويِّ، وفكرة ُ الغَلاّبِ!» «وَسَعَادة ُ الضَّعفاءِ جُرْمُ..، ما لَهُ عند القويِّ سوى أشدِّ عِقَاب!» ولتشهد- الدنيا التي غَنَّيْتَها حُلْمَ الشَّبابِ، وَرَوعة َ الإعجابِ «أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقة ٌ، مَكْذُوبة ٌ والعَدْلَ فَلْسَفَة ُ اللّهيبِ الخابي» «لا عَدْلَ، إلا إنْ تعَادَلَتِ القوَى وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهاب» فتَبَسَّمّ الثعبانُ بسمة َ هازئٍ وأجاب في سَمْتٍ، وفرطِ كِذَابِ: «يا أيُّها الغِرُّ المثرثِرُ، إنَّني أرثِي لثورة ِ جَهْلكَ التلاّبِ» والغِرُّ بعذره الحكيمُ إذا طغى جهلُ الصَّبا في قلبه الوثّابِ فاكبح عواطفكَ الجوامحَ، إنها شَرَدَتْ بلُبِّكَ، واستمعْ لخطابي» أنِّي إلهٌ، طاَلَما عَبَدَ الورى ظلِّي، وخافوا لعنَتي وعقابي» وتقدَّوموا لِي بالضحايا منهمُ فَرحينَ، شأنَ العَابدِ الأوّابِ» «وَسَعَادة ُ النَّفسِ التَّقيَّة أنّها يوماً تكونُ ضحيَّة َ الأَربابِ» «فتصيرُ في رُوح الألوهة بضعة ً، قُدُسية ٌ، خلصت من الأَوشابِ أفلا يسرُّكَ أن تكون ضحيَّتي فتحُلَّ في لحمي وفي أعصابي» وتكون عزماً في دمي، وتوهَّجاً في ناظريَّ، وحدَّة ً في نابي «وتذوبَ في رُوحِي التي لا تنتهي وتصيرَ بَعََض ألوهتي وشبابي..؟ إني أردتُ لك الخلودَ، مؤلَّهاً في روحي الباقي على الأحقابِ.. فَكِّرْ، لتدركَ ما أريدُ، وإنّه أسمى من العيش القَصيرِ النَّابي» فأجابه الشحرورُ ، في غُصًَِ الرَّدى والموتُ يخنقه: «إليكَ جوابي»: لا أرى للحقِّ الضعيف، ولا صدّى ، الرَّأيُ، رأيُ القاهر الغلاّبِ «فافعلْ مشيئَتكَ التي قد شئتَها وارحم جلالَكَ منت سماع خطابي" وكذاك تتَّخَذُ المَظَالمُ منطقاً عذباً لتخفي سَوءَة َ الآرابِ |
كلُّ قلبٍ حملَ الخسفَ، وما ( أبو القاسم الشابي ) كلُّ قلبٍ حملَ الخسفَ، وما ملَّ من ذلِّ الحياة ِ الأرْذلِ كُلُّ شَعْبٍ قَدْ طَغَتْ فِيهِ الدِّمَا دونَ أن يثْأَرَ للحقّ الجلي خَلِّهِ لِلْمَوْتِ يَطْوِيهِ!.. فَمَا حظُّه غيرُ الفَناء الأنكلِ |
كلُّ ما هبَّ، وما دبَّ، وما ( أبو القاسم الشابي ) كلُّ ما هبَّ، وما دبَّ، وما نامَ، أو حامَ على هذا الوجود مِنْ طيورٍ، وَزُهورٍ، وشذًى وينابيعَ. وأغصانٍ تَميدْ وبحارٍ، وكهوفٍ، وذُرًى وبراكينَ، ووديانٍ، وبيدْ وضياءٍ، وظِلالٍ ودجى ، وفصولٍ، وغيولٍ، ورعودْ وثلوجٍ، وضباب عابرٍ، وأعاصيرَ وأمطارٍ تجودْ وتعاليمَ، وَدِينٍ، ورؤى وأحاسيسَ، وَصَمْتٍ، ونشيدْ كلُّها تحيْا، بقلبي حرَّة ً غَضة َ السّحر، كأطفال الخلودْ ههُنا، في قلبيَ الرحْبِ، العميقْ يرقُصُ الموتُ وأطيافُ الوجودْ ههُنا، تَعْصِفُ أهوالُ الدُّجى ههنا، تخفُقُ أحلامُ الورودْ ههنا، تهتُفُ أصداءُ الفَنا ههنا، تُعزَفُ ألحانُ الخلودْ ههنا، تَمْشي الأَماني والهوى والأسى ، في موكبٍ فخمِ النشيد ههنا الفجْرُ الذي لا ينتهي ههنا اللَّيلُ الذي ليسَ يَبيدْ ههنا، ألفُ خِضَمٍّ، ثَائرٍ خالدِ الثَّورة ِ، مجهولِ الحُدودْ ههنا، في كلِّ آنٍ تَمَّحي صُوَرُ الدُّنيا، وتبدو من جَديدْ |
لا ينهضُ الشعبُ إلاَّ حينَ يدفعهُ ( أبو القاسم الشابي ) لا ينهضُ الشعبُ إلاَّ حينَ يدفعهُ عَزْمُ الحياة ِ، إذا ما استيقظتْ فيهِ والحَبُّ يخترقُ الغَبْراءَ، مُنْدفعاً إلى السماء، إذا هبَّتْ تُناديهِ والقيدُ يأَلَفُهُ الأمواتُ، ما لَبِثوا أمَّا الحيَاة ُ فيُبْلها وتُبْليهِ |
لو كَانَتِ الأَيّامُ في قبضتي ( أبو القاسم الشابي ) لو كَانَتِ الأَيّامُ في قبضتي أذريتها للريح، مثل الرمال وقلتُ: «يا ريحُ، بها فاذهبي وبدِّديها في سَحيقِ الجبالُ "بل في فجاج الموت.. في عالَمٍ لا يرقُصُ النُّورُ بِهِ والظِّلالْ.. لو كان هذا الكونُ في قبضتي ألقيْتُه في النّار، نارِ الجحيمْ ما هذا الدنيا، وهذا الورى وذلكَ الأُفْقُ، وَتِلْكَ النُّجُومْ؟ النَّارُ أوْلى بعبيدِ الأسى ، ومسرحِ الموتِ، وعشِّ الهمومْ يا أيّها الماضِي الذي قد قَضَى وضمَّهُ الموتُ، وليلُ الأَبَدْ يا حاضِرَ النَّاس الذي لم يَزُل! يا أيُّها الآتي الذي لم يَلِدْ سَخَافة ٌ دنياكُمُ هذه تائهة ٌ في ظلمة ِ لا تُحَدْ.. |
ليتَ لي أن أعيشَ هذهِ الدنيّا ( أبو القاسم الشابي ) ليتَ لي أن أعيشَ هذهِ الدنيّا سَعيداً بِوَحْدتي وانفرادي أَصرِفُ العْمْرَ في الجبالِ، وفي الغاباتِ بينَ الصنوبّر الميّادِ ليس لي من شواغل العيش ما يصرفُ نفسي عن استماعِ فؤادي أرقبُ الموتَ، والحياة َ وأصغي لحديثِ الآزال والآبادِ وأغنيّ مع البلاد البلابل في الغابِ، وأصغيِ إلى خرير الوادي وَأُناجي النُّومَ والفجرَ، والأَطيارَ والنّهرَ، والضّياءَ الهادي عيشة ً للجمالِ، والفنِ، أبغيها بعيداً عَنْ أمتَّي وبلادي لا أغنِّي نفسي بأحزانيِ شعبي فهو حيٌّ يعيشُ عيشَ الجمالِ! وبحسبي مِنَ الأسى ما بنفسي من طريفٍ مُسْتَحْدَثٍ وتِلادِ وبعيداً عن المدينة ، والنّاس، بعيداً عن لَغْوِ تلك النّوادي فهو من معدنِ السّخافة والإفك ومن ذلك الهُراء العادي أين هوَ من خريرِ ساقية الوادي وخفقِ الصدى ، وشدوِ الشادي وَحَفيفِ الغصونِ، نمَّقها الطَّلُّ وَهَمْسِ النّسيمِ للأوْراد؟ هذهِ عِيشة ٌ تقدِّسُها نفسي وأدعُو لمجدها وأنادي |
لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ، ( أبو القاسم الشابي ) لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ، أَوْ لِربعٍ غَدَا العَفَاءُ مَرَاحهْ إنَّما عَبْرَتِي لِخَطْبٍ ثَقِيلٍ، قد عَرانا، ولم نجد من أزاحهُ كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ، مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ ألبسُ روحَهُ قميصَ اضطهادٍ فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ وتوخَّوْاطرائقَ العَسف الإِرْ هَاقِ تَوًّا، وَمَا تَوَخَّوا سَمَاحَهْ هكذا المخلصون في كلِّ صوبٍ رَشَقَاتُ الرَّدَى إليهم مُتَاحَهْ غيرَ أنَّا تناوبتنا الرَّزايا واستباحَتْ حَمانا أيَّ استباحَهْ أَنَا يَا تُوْنُسَ الجَمِيلَة َ فِي لُجِّ الهَوى قَدْ سَبَحْتُ أَيَّ سِبَاحَهْ شِرْعَتي حُبُّكِ العَمِيقُ وإنِّي قَدْ تَذَوَّقْتُ مُرَّهُ وَقَرَاحَهْ لستُ أنصاعُ للوَّاحي ولو مـ ـتُّ وقامتْ على شبابي المناحَة ْ لا أبالي.., وإنْ أُريقتْ دِمائي فَدِمَاءُ العُشَّاق دَوْماً مُبَاحَهْ وبطولِ المَدى تُريكَ الليالي صَادِقَ الحِبِّ وَالوَلاَ وَسَجاحَهْ إنَّ ذا عَصْرُ ظُلْمَة ٍ غَيْرَ أنِّي مِنْ وَرَاءِ الظَّلاَمِ شِمْتُ صَبَاحَهْ ضَيَّعَ الدَّهْرُ مَجْدَ شَعْبِي وَلكِنْ سَتَرُدُّ الحَيَاة ُ يَوماً وِشَاحَهْ |
ما قدَّسَ المَثلَ الأعلى وجمَّلَه ( أبو القاسم الشابي ) ما قدَّسَ المَثلَ الأعلى وجمَّلَه في أعيُنِ النّاسِ إلاّ أنّه حُلُمُ! ولو مشى فيهم حيّاً لحطَّمه قومٌ، وقالوا بخبثٍ: «إنّهُ صنَمُ»! لا يعبدُ النَّاسُ إلا كلَّ منعدمٍ مُمنَّعٍ، ولمنْ حابَاهُمُ العَدَمُ! حتَّى العَبَاقرة ُ الأفذاذُ، حُبُّهُمُ يلقى الشقاءَ وتَلقَى مجدَها الرِّمَمُ! النَّاسُ لا يُنْصِفُونَ الحيّ بينهمُ حتّى إذا ما توارى عنهمُ نَدِموا! الويْل للنَّاسِ من أَهْوائهمْ أبداً يمشي الزَّمانُ وريحُ الشَّرِّ تحتدمُ.. |
ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك يا أبي ( أبو القاسم الشابي ) ما كنتُ أحْسَبُ بعدَ موتَك يا أبي ومشاعري عمياء بأحزانِ- أني سأظمأُ للحياة ِ، وأحتسي مِنْ نهْرها المتوهِّجِ النّشوانِ وأعودُ للدُّنيا بقلبٍ خَافقٍ للحبِّ، والأفراحِ، والألحانِ ولكلِّ ما في الكونِ من صُوَرِ المنى وغرائبِ الأهُواء والأشجانِ حتى تحرّكتِ السّنون، وأقبلتْ فتنُ الحياة ِ بسِحرِها الفنَّانِ فإذا أنا ما زلتُ طفِْلاً، مُولَعاً بتعقُّبِ الأضواءِ والألوانِ وإذا التشأوُمُ بالحياة ِ ورفضُها ضرْبٌ من الُبهتانِ والهذيانِ إنَّ ابنَ آدمَ في قرارة ِ نفسِهِ عبدُ الحياة ِ الصَّادقُ الإيمانَ |
من حديث الشيوخ ( أبو القاسم الشابي ) من حديث الشيوخ وتطهرَ أروحنا في الحياة ِ بنارِ الأسى ... اللَّيْلِ، فِي تِلْكَ النَّوَاحي وتلك الأغاني، وذاك النشيدْ ؟ بَعْدَ إضْرَامِ الكِفَاحِ يسمعُ الأحزانَ تبكي وقال ليَ الغابُ في رقَّة ٍ سَعْيَ غَيْدَاءَ، رَدَاحِ ألماً علمني كرهَ الحياة ْ وتربدُّ تلكَ الوجوهُ الصباحُ فَرَنَتْ نَحْوَ جَلاَلِ الكَوْ وضياءٍ، وظلالٍ، ودجى ، وهل ينطفي في النفوسِ الحنينُ وانقِبَاضٍ، وانْشِرَاحِ وفتنة َ هذا الوجودِ الأغَرْ» والهمومْ في دولة ِ الأَنْصَابِ والأَلقابِ» أيامَ كانتْ للحياة ِ حلاوة ُ الروضِ المطيرْ غُدُوٍ، وَرُوَاحِ من الكون ـ وهو المقيم الأبيدْ ـ ؟ أخرسَ العصفورَ عني، يَهْجَعُ الكَوْنُ، في طمأنينة ِ الْعُصْـ نِ، جَوْنَاءُ اللِّيَاحِ نظامٌ، دقيقٌ، بديعٌ، فريدْ ههنا، تمشي الأماني، والهوى ، والأسى ، في موكبٍ فخمِ النشيدْ ولولا شقاءُ الحياة ِ الأليمِ وبدرٌ يضيءُ ، وغيمٌ يجودْ ؟ ضمَّتِ الميْتَ تلكَ الحُفرْ» وسلامهْ «ظمئتُ إلى الكون! أين الوجودُ نَحْوَ رَبّاتِ الجَنَاحِ كأنّ صدَاها زئيرُ الأسودْ فَاحْتَسَتْ خَمْرَ نَدَى الدَّا لوعة ُ اليومِ، فتبكي وتئنُّ لشقاها إنَّمَا الدَّهْرُ وَمِيثَا كما تنثرُ الوردَ ريحٌ شرودْ ـسِ فِي العَرْشِ الفُسَاحِ وعيشٍ، غضيرٍ، رخيٍّ، رغيدْ ؟ |
نحنُ نمشي، وحولنا هاته الأكـوان ( أبو القاسم الشابي ) نحنُ نمشي، وحولنا هاته الأكـ ـوانُ تمشي ...، لكنْ لأية ِ غايهْ ؟ هاته، يا فؤادُ إنَّا غَريبا هاتهِ فالظلام حولي كثيفٌ بين الخرائبِ يُمسِي أنتَ جبلتَ بين جنبيّ قلباً سرمديّ الشعورِ والإنتباهِ ويرى الأعشابَ وقدْ سمقتْ بينَ الأشجارِ تشاهدهُ ويرى الأعشابَ وقدْ سمقتْ بينَ الأشجارِ تشاهدهُ ويرى الأعشابَ وقدْ سمقتْ بينَ الأشجارِ تشاهدهُ ثمَّ لما حصدتُ لمْ أجنِ إلا الشوكَ ، ما ترى فعلتُ ؟ إلهي ! ثمَّ لما حصدتُ لمْ أجنِ إلا الشوكَ ، ما ترى فعلتُ ؟ إلهي ! ثمَّ لما حصدتُ لمْ أجنِ إلا الشوكَ ، ما ترى فعلتُ ؟ إلهي ! يا إله الوجود ! ما لكَ لا ترثي لحزنِ المعذبِ الأواه ؟ يا إله الوجود ! ما لكَ لا ترثي لحزنِ المعذبِ الأواه ؟ ثمَّ لما حصدتُ لمْ أجنِ إلا الشوكَ ، ما ترى فعلتُ ؟ إلهي ! يا إله الوجود ! ما لكَ لا ترثي لحزنِ المعذبِ الأواه ؟ جفَّ سحرُ الحياة ِ، يا قلبيَ البا إنَّ الدُّهورَ البَواكي يرددهُ حزننا في سكونٍ على قبرنا، الصامتِ المطمئنْ وزرعتُ الأحلامَ في قلبيَ الدا مي، ولا أستطيعُ حتّى بكاها؟ ثمَّ لما حصدتُ لمْ أجنِ إلا الشوكَ ، ما ترى فعلتُ ؟ إلهي ! مَ واليأسَ، والأسى ، حيثُ شِينا ـهم، ويرنو لهم بعطفٍ إلهي |
نشيد الجبار ( هكذا عنى بروميثيوس ) ( أبو القاسم الشابي ) سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِ كالنِّسْر فوقَ القِمَّة ِ الشَّمَّاءِ أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة ِ..،هازِئاً بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ..، ولا أَرى ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ... وأسيرُ في دُنيا المشاعِر، حَالماَ، غرِداً- وتلكَ سعادة ُ الشعراءِ أُصغِي لموسيقى الحياة ِ، وَوَحْيها وأذيبُ روحَ الكونِ في إنْشائي وأُصِيخُ للصّوتِ الإلهيِّ، الَّذي يُحيي بقلبي مَيِّتَ الأصْداءِ وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني عن حرب آمالي بكل بلاءِ: "-لا يطفىء اللهبَ المؤجَّجَ في دَمي موجُ الأسى ، وعواصفُ الأرْزاءِ «فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ، فإنَّهُ سيكون مثلَ الصَّخْرة الصَّمَّاءِ» لا يعرفُ الشكْوى الذَّليلة َ والبُكا، وضَراعَة َ الأَطْفالِ والضُّعَفَاء «ويعيشُ جبَّارا، يحدِّق دائماً بالفَجْرِ..، بالفجرِ الجميلِ، النَّائي واملأْ طريقي بالمخاوفِ، والدّجى ، وزَوابعِ الاَشْواكِ، والحَصْباءِ وانشُرْ عليْهِ الرُّعْبَ، وانثُرْ فَوْقَهُ رُجُمَ الرّدى ، وصواعِقَ البأساءِ» «سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً قيثارتي، مترنِّما بغنائي» «أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ في ظُلمة ِ الآلامِ والأدواءِ» النّور في قلبِي وبينَ جوانحي فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ» «إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ» «وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ، ليس تزيدُهُ إلا حياة ً سَطْوة ُ الأنواءِ» أمَّا إذا خمدَتْ حَياتي، وانْقَضَى عُمُري، وأخرسَتِ المنيَّة ُ نائي» «وخبا لهيبُ الكون في قلبي الذي قدْ عاشَ مثلَ الشُّعْلة ِ الحمْراءِ فأنا السَّعيدُ بأنني مُتَحوِّلٌ عَنْ عَالمِ الآثامِ، والبغضاءِ» «لأذوبَ في فجر الجمال السرمديِّ وأَرْتوي منْ مَنْهَلِ الأَضْواءِ" وأقولُ للجَمْعِ الذينَ تجشَّموا هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنائي ورأوْا على الأشواك ظلِّيَ هامِداً فتخيّلوا أنِّي قَضَيْتُ ذَمائي وغدوْا يَشُبُّون اللَّهيبَ بكلِّ ما وجدوا..، ليشوُوا فوقَهُ أشلائي ومضُوْا يمدُّونَ الخوانَ، ليأكُلوا لحمي، ويرتشفوا عليه دِمائي إنّي أقول ـ لَهُمْ ـ ووجهي مُشْرقٌ وَعلى شِفاهي بَسْمة اسْتِهزاءِ-: "إنَّ المعاوِلَ لا تهدُّ مَناكِبي والنَّارَ لا تَأتي عَلَى أعْضائي «فارموا إلى النَّار الحشائشَ..، والعبوا يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي» «وإذا تمرّدتِ العَواصفُ، وانتشى بالهول قَلْبُ القبّة ِ الزَّرقاءِ» «ورأيتموني طائراً، مترنِّماً فوقَ الزّوابعِ، في الفَضاءِ النائي «فارموا على ظلّي الحجارة َ، واختفوا خَوْفَ الرِّياحِ الْهوجِ والأَنواءِ..» وهُناك، في أمْنِ البُيوتِ،تَطارَحُوا عثَّ الحديثِ، وميِّتَ الآراءِ» «وترنَّموا ـ ما شئتمُ ـ بِشَتَائمي وتجاهَرُوا ـ ما شئتمُ ـ بِعدائي» أما أنا فأجيبكم من فوقِكم والشمسُ والشفقُ الجميلُ إزائي: مَنْ جاشَ بِالوَحْيِ المقدَّسِ قلبُه لم يحتفِلْ بحجارَة ِ الفلتاء" |
هَهُنا في خمائل الغابِ، ( أبو القاسم الشابي ) هَهُنا في خمائل الغابِ، تَحْت الزَّا والسِّنديانِ، والزْيتونِ أنتِ أْشهى منَ الحياة ِ وأبْهى من جمالِ الطَّبيعة ِ الميمونِ ما أرقَّ الشّبابَ، في جسمكِ الغضِّ وفي جيدكِ البَديعِ، الثَّمينِ! وأدقّ الجمالَ في طرفِك السَّاهي، وفي ثغرِكِ الجميلِ، الحَزين! وألذَّ الحياة َ حينَ تغنّيـ ـن فَأُصْغِي لصوتِكِ المحزُونِ وأرى رُوحَكِ الجميلة َ عِطْراً ضايعاً في حلاوة التَّلحينِ! قَدْ تَغَنَّيْتِ منذُ حينِ بصوتٍ ناعمٍ، حالمٍ، شجيٍّ حنونِ نَغَماً كالحَياة ِ عذباً عميقاً في حنانٍ، ورقة ٍ وحنينِ فإذا الكون قطعة ٌ من تشيد علويِّ، منغّمٍ موزونِ فَلِمَنْ كنتِ تُنشدين؟ فقالتْ: «للضياءِ البَنفسجيِّ الحزينِ» «للضّباب المورّد، المتلاشي كخيالات حالمٍ، مفتونِ «للمساءِ المطلِّ لشَّفَق السّا لسحْرالأسى ، وسحْر السكونِ للعبير الذي يرفرف في الأفقِ ـقِ ويفنى ، مثلَ المنى ، في سكونِ» للأَغاني التي يُردِّدُها الرّا بمزماره الصّغيرِ، الأمينِ وبنى اللَّيلُ والرّبيعُ حواليـ نيا حَيَاة َ الهوى ، وروحَ الحنينِ ويوشِّي الوجودَ بالسحر، والحلام والزهر، والشَّذى ، واللُّحونِ للحياة ِ التي تغنّي حوالَيَّ، على السَّهْلِ، والرُّبى والحُزُونِ للينابيعِ، للعصافير، للظلّ لهذا الثّرى ، لتلكَ الغصونِ «للنَّسيمِ الذي يضمِّخُ أحلا بعطر الأقاح والليمونِ «للجَمال الذي يفيضُ على الدُّ لأشواق قلبيَ المَشحونِ للزّمان الذي يوشِّح أيّامي مي بِضَوءِ المنى وظلِّ الشُّجونِ للشباب السكران، للأملِ المعبودِ، لليأسِ، للأسى ، للمُنونِ فَتَنهَّدْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: «وقلبي مَنْ يغنّيه؟ مَنْ يُبيد شُجوني؟ قالت:الحُبُّ ثم غنّتْ لقلبي قُبَلاً عبقرية َ التلحينِ قبلاً، علَّمتْ فؤادي الأغاني، وأنارتْ لهُ ظَلامَ السنينِ قبلاً، تَرقصُ السعادة ُن والحبُّ على لحنِها العَميقِ الرّصينِ ..وأفقنا، فقلتُ كالحالم المسحور: ـحورِ: قولي، تَكَلَّمي، خَبِّريني أيُّ دنيا مسحورة ، أي رؤيا طالَعَتْني في ضوء هذي العُيونِ:» زمرٌ من ملائكِ املأِ الأعلى يغنّون في حُنُوِّ حَنونِ «وصبايا رواقصٌ، يتراشقْـ بزهر التُّفاحِ واليَاسمينِ في فضاءٍ، مُوَرَّدٍ، حالمٍ ساهٍ هٍ أطافتْ به عذارى الفُنونِ» «وجحيمٍ تَؤُجُّ تَحْتَ فرادِيـ كأحلامِ شاعرٍ مَجنونِ؟ «أيُّ خمرٍ مؤجَّجٍ ولهيبٍ مُسكرٍ؟ أيّ نشوة ، وجنونِ؟ أي خمرٍ رشفتُ، بل أيّ نارٍ في شفاهٍ، بديعة ِ التَّكْوينِ» «واسمعي الغابَ، فهو قيتارة ُ الكو ....... أي إثمٍ مقدَّسٍ، قد لبسنا بُرْدَهُ في مسائنا الميمونِ؟» فبَدَا طيفُ بسمة ٍ، ساحرٌ عذبٌ، على ثَغرِها، قويُّ الفتونِ ......... وأجابتْ- وكلّها فتنة ٌ تُغوي، ـوي، وتُغري بالحبِّ، بلْ بالجنونِ ـ: كلُّ زهرِ يَضُوعُ منه أريجٌ من بخُورِ الرّبيعِ، جَمُّ الفُتونِ ونجومُ السماء فيه شموعٌ أَوْقَدَتْها للحُبِّ رُوحُ القرونِ طهَّري يا شقيقة َ الروحِ ثَغْري بلهيبِ الحياة ِ، بَلْ قبِّليني» «قبِّليني، وَأَسْكِري ثغريَ الصَّا وقلبي، وفِتنتي، وجنوني علَّني أستطيعُ أَنْ أتغنّى لجمال الدّجى بوَحي العُيونِ «آه ما أجملَ الظَّلامَ! وأقوى وحيه في فُؤادي المَفْتونِ! أنظري الليلَ فهو في حلّة ـلام يمشي على الذُّرى والحُزُونِ» واسمعي الغاب،فهو قيثارة ُ الكونِ نِ تغنّي لحبنا الميمونِ» إن سِحْرَ الضَّباب، واللّيلِ، والغَا بِ، بعيدُ المدى ، قويُّ الفُتونِ وجمالُ الظّلام يعبقُ بالأحلامِ والحبّ... فابسمي، والثميني... آه: ما أعذَبَ الغرامَ! وأحلى رَنَّة َ اللَثمِ في خشوع السَكونِ! .. وَسَكِرْنا هناك.. في عالم الأحـ تحتَ السَّماء، تحتَ الغُصونِ... وتوارى الوجودُ عنّا بما فيـ وغبْنا فيعالَم مَفْتونِ... ونسينا الحياة ، والموتَ، والسُّكو وما فيه مِنْ مُنّة ومَنونِ |
وأوَدُّ أن أحيا بفكرة ِ شاعرٍ ( أبو القاسم الشابي ) وأوَدُّ أن أحيا بفكرة ِ شاعرٍ فأرى الوجودَ يضيقُ عن أحلامي إلاّ إذا قَطَّعتُ أسْبابي مَعَ الدُّ نيا وَعِشْتُ لِوَحْدتي وَظَلامي في الغابِ، في الجبلِ البعيدِ عن الورى حيثُ الطبيعة ُ، والجمالُ السامي وأعيشُ عيشة َ زاهدٍ مُتَنَسِّكٍ ما إنْ تُدَنِّسه الحَياة ُ بِذَامِ هجرَ الجماعة َ للجبا، تورُّعاً عنها وعن بَطْشِ الحياة الدَّامي تمشي حواليه الحياة ُ كأَنَّها الحلمُ الجميل، خفيفة َ الأقدامِ وتَخَرُّ أمواجُ الزَّمانِ بهَيْبة ٍ قدسيَّة ٍ، في يميِّها المُترامي فأعيش في غابِ حياة ً، كلّها للفنِّ للأَحلامِ، للإلهامِ لكِنَّني لا أستطيعُ، فإنَّ لي أمَّا، يصدُّ حنانُها أوهامي وصغارَ إخوانٍ، يرون سلامهمَ في الكَائناتِ مُعَلَّقاً بسَلامي فقدوا الأب الحاني، فكنتُ لضعفهم كهفاً، يَصدُّ غوائلَ الأيامِ وَيَقِيهمُ وَهَجَ الحياة ، وَلَفْحَها ويذودُ عنهم شرّة َ الآلامِ فأنا المكبَّلُ في سَلاسِلَ، حيَّة ٍ، ضَحَّيْتُ مِنْ رَأَفي بها أحلامي وأنا الذي سكنَ المدينة َ، مكرهاً ومشى إلى الآتي بِقَلْبٍ دامِ يُصْغي إلى الدُّنيا السَّخيفة ِ راغماً ويعيشُ مثلَ النَّاسِ بالأَوهامِ وأنا الذي يحيا يأرض، قفرة ً مدحوَّة ً للشكِّ والآلامِ... هَجَمَتْ بيَ الدُّنيا على أهوالها وخِضمَّها الرَّحْبِ، العميقِ الطَّامي من غير إنذَارٍ فَأحْمِلَ عُدَتي وأخوضَهُ كالسَّابحِ العَوَّامِ فتحطّمتْ نفسي على شُطْآنهِ وتأجّجتْ في جَوِّه آلامي الويلُ للدّنيا التي في شرعها فأسُ الطَّعام كريشة ِ الرّسّامِ؟ |
والشَّقَا لَوْ تَرَفَّقَا ( أبو القاسم الشابي ) والشَّقَا لَوْ تَرَفَّقَا فيصبحُ ما قد شيد اللهُ والورى خراباً، كأنّ الكلَّ في أمسهِ وهمُ ! ما قدسَ المثلَ الأعلى وجملهُ عوائدُ تُحيي في البلاد نوائباً تَضُجُّ، وها إنّ الفَضاءَ مَآثِمُ ثُمَّ مِنْ وَصْلِهِ الجَمِيـ وغام الفضا فأينَ بروقكْ ؟ " أيها الطائرُ الكئيبُ تغردْ وطرفُهُ يَرْمُقُ النَّجْمَ " وأجبني فدتْكَ نفسيَ ـ ماذا ؟ حتى تحركت السنون، وأقبلتْ فتنُ الحياة ِ بسحرها الفتانِ يُصوِّبها نَحْوَ الدِّيانَة ِ ظَالِمُ حتى إذا ما توارى عنهمُ ندموا ! ـان جمٌ أحزانُهُ وهمومُهْ " " خذ الحياة َ كما جاءتْك مبتسماً في كفها، الغارُ أو في كفها العدمُ " وغادة ُ الحبِّ ثكلى ، لا تغنيني فمنْ تألمَ لمْ ترحمْ مضاضتهُ وسحاباً منَ الرؤى ، يتهادى ـقِ تراباً إلى صميمِ الوادي تَقُول واللَّيل سَاجٍ " واقطفِ الوردَ من خدودي، وجيدي يا قلبُ نَهْنِهْ دموعَ وأمانيَّ، يغرقُ الدمعُ أحلاها، صَارَ ذا جِنَّة ٍ بِهِ عبقرُّ السحرِ، ممراحٌ وديعٌ في سماهْ وانسَ في الحياة َ ..، فالعمرُ قفرٌ، مرعبٌ إنْ ذوى وجفّ نعيمهْ " ـي مسراتها، ويبقي أساها كَمْ قُلُوبٍ تَفَطَّرَتْ نَاحَتْ عَليهِ فتاة ٌ: نَ بلْ لبُّ فنها وصميمهْ" ليتني لم يعانقِ الفجْرُ أحلامي، فرماها بنظرة ٍ، غشيتها والقبرُ مصغٍ إليها: نحوَ السماءِ، وها أنا في الأرضِ تمثالُ الشجونْ ولربّ صبحٍ غائمٍ، متحجبٍ في كلة ٍ من زعزعٍ وغمامِ جفتْ به أمواجُ ذياك الغرامِ الآفلِ |
والضَّجَرْ ( أبو القاسم الشابي ) والضَّجَرْ أيُّ طَيْر لَيْتَ شِعْري! يَسْمَعُ الأَحْزَانَ تَبْكِي وذا جنونٌ ، لعمري، كلهُ جزعٌ حَاكُوا لَكُمْ ثَوْبَ عِزٍّ فَأَرى صَوْتي فَرِيدْ! يهيجُ فيها غبارا تبقي الأديبَ حمارا قد كبلَ القدرُ الضاري فرائسهْ فما استطاعوا له دفعاً، ولا حزروا لا يعرفُ المرءُ منها ليلاً رأى أمْ نهارا يخالُ كلَّ خيالٍ ـنوى قلى ً، وصغارا لبستم الجهلَ ثوباً تخذتموهُ شعارا كَالكَسِيرْ؟ قطنتمُ الجهلَ دارا ؟ لَسْتُ أدري خلعتموهُ احتقارا يا ليتَ قومي أصاخوا لما أقولُ جهارا وَأَعْقَبَتْهُمْ خُمَارا كالموتِ، لكنْ إليها الوردُ والصدرُ يا شعرُ! أسمعتَ لكنْ فلا تبالِ إذا ما أعطوا نداكَ ازورارا |
ولكن إذا ما لَبسنا الخلودَ ( أبو القاسم الشابي ) ولكن إذا ما لَبسنا الخلودَ وَنِلنا كمالَ النُّفوسِ البعيدْ فهل لا نَمَلُّ دوامَ البقاء؟ وهل لا نَوَدُّ كمالا جديد وكيف يكوننَّ هذا "الكمالُ": ماذا تراه؟ وكيف الحدود وإنّ جمالَ «الكمال» «الطُّموحُ» وما دامَ «فكراً» يُرَى من بعيدْ فما سِحْرُهُ إنْ غدا «واقعاً» يُحَسُّ، وأصبحَ شيئاً شهيدْ؟ وهل ينطفي في النفوس الحنينُ وتصبحُ أشواقُنا في خُمودْ فلا تطمحُ النَّفْسُ فوقَ الكمالِ إذا لم يَزُل شوْقُها في الخلودِ فذاكَ لعمري شقاءُ الجدود وحربٌ، ضروسٌ،_ كاقد عهدتُ_ وَنَصْرٌ، وكسرٌ وهمُّ مديدْ وإن زال عنُها فذاك الفَناءُ وإن كانَ في عَرَصات الخُلود |
يا إلهَ الوجودِ! هذي جراحٌ ( أبو القاسم الشابي ) يا إلهَ الوجودِ! هذي جراحٌ في فؤادي، تشْكو إليْك الدّواهي هذه زفرة ٌ يُصعِّدها الهمُّ إلى مَسْمَعِ الفَضَاء السَّاهي فلقد جرّعني صوتُ الظّلام هَذِهِ مُهْجَة ُ الشَّقَاءِ تُنَاجيكَ فهلْ أنتَ سامعٌ يا إلهي؟ أنتَ أنزلتني إل ظلمة ِ الأرض وقد كنتُ في صباحٍ زارهِ أَلَماً علّمني كرِهَ الحياة كَجَدْولٍ في مَضَايِقِ السُّبُلُ كالشّعاع الجميل، أَسْبَحُ في الأفق وأُصْغي إلى خرير المياهِ وأُغنِّي بينَ الينابيعِ للفَجْر وأشدو كالبلبلِ التَّيَّاهِ أَنَا كَئيبْ، أنتَ أوصلتَني إلى سبل الدنيا وهذي كثيرة ُ الأشتباهِ ثم خلَّفَتَني وحيداً، فريداً فَهْوَ يا ربِّ مَعْبَدُ الحقِّ، أنتَ أوقفتَني على لُجَّة الحزْنِ وجَرَّعتني مرارة َ آهِ! أنت أنشأتني غريباً بنفسي بين قوميْ، في نشْوتي وانتباهي ـامي، وآياتِ فنِّهِ المتناهي وحبَّبْتَني جُمَودَ السَّاهي وتلاشت في سكون الأكتئاب أنتَ جَبَّلتَ بين جنبيَّ قلباً سرمديَّ الشُّعور والانتباهِ عبقريَّ الأسى : تعذِّبه الدنيا وتُشْجيه ساحراتُ الملاهي! أيها العصفورْ أنتَ عذّبتني بِدِقَّة حِسِّي وتعقَّبْتَني بكلّ الدَّواهي بالمنايا تَغْتال أشْهى أمانيَّ وتُذوِي محاجري، وَشِفاهي فإذا من أحبُّ حفنة ُ تُرْبٍ تافهٍ، مِنْ تَرائبٍ وَجِبَاهِ أنَّة َ الأوتار..! غَرِيبَة ٌ فِي عَوَالِمِ الحَزَن يتلاشى فوق الخضَمِّ: ويبقى الـ ـيمُّ كالعهدِ مُزْبدَ الأمواه... مرّت ليالٍ خبَتْ مع الأمدِ يا إلهَ الوجودِ! مالكَ لا تَرثي لحزن المُعَذَّب الأوَّاهِ؟ قد تأوَّهتُ في سكونِ اللّيالي ثم أطبقتُ في الصّباح شِفاهي رُوحِي، وَتَبْقَى بِها إلى الأَبَدِ يَا رِياحَ الوجود! سيري بعنفٍ وتغنِّيْ بصوتك الأوَّاه وانفحيني مِنْ رُوحِكِ الفَخْم ما يُبْـ ـلغُ صَوْتي آذَانَ هذا الإلهِ وانثُري الوَرْدَ للثُّلوجِ بدَاداً واصعقي كلّ بُلبلٍ تَيَّاه فالوجودُ الشقيُّ غيرُ جديرٍ وَهْوَ نايُ الجمالِ، والحبِّ، والأحْـ فالإله العظيم لميخلق لدنيا سوى للفناءِ تَحْتَ الدّواهي مَشَاعِرِي فِي جَهَنَّمَ الأَلمِ |
يا صَميمَ الحياة ِ! إنّي وَحِيدٌ ( أبو القاسم الشابي ) يا صَميمَ الحياة ِ! إنّي وَحِيدٌ مُدْبجٌ، تائهٌ. فأين شروقُكْ؟ ضَائعٌ، ظامىء ٌ، ف َأَيْنَ رَحِيقُكْ؟ يا صميمَ الحياة ِ! قد وَجَمَ النَّايُ وغام الفضا. فأين بروقُكْ؟ يا صميمَ الحياة ِ! إنّي فؤادٌ فتحت النجومُ يُصغِي مَشوقُكْ كُنْتُ في فجركَ، الموشَّحِ بالأحلامِ، عِطْراً، يَرِفُّ فَوْقَ وُرودِكْ حالماً، ينهل الضياءَ، ويُصغي لكَ، في نشوة ٍ بوحي نَشِيدِكْ ثمَّ جاءَ الدّجى ..، فَأمسيتُ أوراقاً، بداداً، من ذابلاتِ الورودِ بين هولِ الدُّجى وصمتِ الوُجودِ كنتُ في فجرك المغلَّف بالسِّحرِ، فضاءَ من النّشيد الهادي وسحاباً من الرَّؤى ، يتهادى في ضميرِ الآزال والآبادِ يا صميمَ الحياة ! كم أنا في الدُّنيا غَريبٌ أشقى بغُرْبَة ِ نفسي بين قومٍ، لا يفهمونَ أناشيدَ فؤادي، ولا معاني بؤسي فاحتضِنِّي، وضُمَّني لك- كالماضي- فهذا الوجودُ علَّة ُ يأسي وأمانيَّ، يُغرق الدمعُ أحلاها،ويُفنى يمُّ الزّمان صداها وأناشيدَ، يأكُلُ اللَّهَبُ الدّامي مَسَرَّاتِها، ويُبْقِي أَساها وَوُروداً، تموت في قبضة ِ الأشْواكِ ما هذه الحياة ُ المملَّة ْ؟ سأَمٌ هذهِ الحياة ِ مُعَادٌ وصباحٌ، يكرُّ في إثرِ ليلِ ليتني لم أزل- كما كنت- ضوءاً، شائعاً في الوجود، غيرَ سجين! سأَمٌ هذهِ الحياة ِ مُعَادٌ وصباحٌ، يكرُّ في إثرِ ليلِ ليتني لم أزل- كما كنت- ضوءاً، شائعاً في الوجود، غيرَ سجين! |
يا عذارى الجمال، والحبِّ، والأحلامِ، ( أبو القاسم الشابي ) يا عذارى الجمال، والحبِّ، والأحلامِ، بَلْ يَا بَهَاءَ هذا الوُجُودِ قد رأَيْنا الشُّعُورَ مُنْسَدِلاتٍ كلّلَتْ حُسْنَها صباحُ الورودِ ورَأينا الجفونَ تَبْسِمُ..، أو تَحْلُمُ بالنُّورِ، بالهوى ، بِالنّشيدِ وَرَأينا الخُدودَ، ضرّجَها السِّحْرُ، فآهاً مِنْ سِحْرِ تلكَ الخُدود ورأينا الشِّفاه تبسمُ عن دنيا من الورد غضّة ٍ أملُود ورأينا النُّهودَ تَهْتَزُّ، كالأزهارِ في نشوة الشباب السعيدِ فتنة ٌ، توقظ الغرام، وتذكيه وَلكنْ مَاذا وراءَ النُّهُودِ ما الذي خلف سحرها الحالي، السكران، في ذلك القرارِ البعيدِ..؟ أنفوسٌ جميلة ٌ، كطيور الغابِ تشدوُ بساحر التغريدِ طاهراتٌ، كأَنَّها أَرَجُ الأَزَهارِ في مَوْلِدِ الرّبيعِ الجَديد؟ وقلوبٌ مُضيئة ٌ، كنجوم الليل ضَوَاعة ٌ، كغضِّ الورودِ؟ أم ظلامٌ، كأنهُ قِطَعُ الليل، وهولٌ يُشيبُ قلبَ الوليدِ وخِضَمُّ، يَمُوج بالإثْمِ والنُّكْ رِ، والشَّرِّ، والظِّلالِ المَديدِ؟ لستُ أدري، فرُبّ زهرٍ شذيِّ قاتل رغمَ حسنه المشهودِ صانَكنَّ الإلهُ من ظُلمة ِ الرّوحِ وَمِنْ ضَلّة الضّميرِ المُرِيدِ إن ليلَ النّفوسِ ليلٌ مُريِعٌ سرمديُّ الأسى ، شنيع الخلودِ يرزَحُ القَلْبُ فيه بالأَلَم المرّ، ويشقي بعِيشة المنكودِ وَربيعُ الشَّبابِ يُذبِلُهُ الدُّهْرُ، ويمضي بِحُسْنِهِ المَعْبُودِ غيرَ باقٍ في الكونِ إلا جمالُ الرُّوح غضًّا على الزَّمانِ الأَبيدِ |
يا قلبُ! كم فيكَ من دُنْيا محجَّبة ٍ ( أبو القاسم الشابي ) يا قلبُ! كم فيكَ من دُنْيا محجَّبة ٍ كأنَّها، حين يبدو فجرُها «إرَمُ» يا قلبُ! كم فيكَ من كونٍ، قد اتقدَتْ فيه الشُّموسُ وعاشتْ فَوقُه الأممُ يا قلبُ! كمْ فيكَ من أفقٍ تُنَمِّقْهُ كواكبٌ تتجلَّى ، ثُمَّ تَنعِدمُ يا قلبُ! كمْ فيكَ من قبرٍ، قد انطفَأَتْ فيهالحياة ُ، وضجَّت تحتُه الرِّمَمُ يا قلبُ! كمْ فيكَ من كهفٍ قد انبَجَسَتْ منه الجداولُ تجري مالها لُجُمُ تمشي..، فتحملُ غُصناً مُزْهِراً نَضِراً أو وَرْدَة ً لمْ تشَوِّهْ حُسنَها قَدَمُ أو نَحْلة ً جرَّها التَّيارُ مُندَفِعاً إلى البحارِ، تُغنّي فوقها الدِّيَمُ أو طائراً ساحراً مَيتْاً قد انفجرتْ في مُقْلَتَيْهِ جِراحٌ جَمَّة ٌ وَدَمُ يا قلبُ! إنَّك كونٌ، مُدهِشٌ عَجَبٌ إنْ يُسألِ الناسُ عن آفاقه يَجِمُوا كأنَّكَ الأبدُ المجهولُ...، قد عَجَزَتْ عنكَ النُّهَى ، واكْفَهَرَّتْ حَوْلَكَ الظُّلَمُ يا قلبُ! كمْ من مسرَّاتٍ وأخْيِلة ِ ولذَّة ٍ، يَتَحَامَى ظِلَّها الألمُ غَنَّتْ لفجرِكَ صوتاً حالماً، فَرِحاً نَشْوَانَ ثم توارتْ، وانقضَى النَّغمْ وكم رأي لَيْلُك الأشباحَ هائمة ً مذعورة ً تتهاوى حولها الرُّجُمُ ورَفْرَفَ الألمُ الدَّامِي، بأجنحة ٍ مِنَ اللَّهيبِ، وأنَّ الحُزْنُ والنَّدَمُ وكمْ مُشَتْ فوقكَ الدُّنيا بأجمعها حتَّى توارتْ، وسار الموتُ والعدمُ وشيَّدتْ حولك الأيامُ أبنية ً مِنَ الأناشيدِ تُبْنَى ، ثُمّ تَنْهدمُ تمضي الحياة ُ بما ضيها،وحاضِرها وتذْهَبُ الشمسُ والشُّطآنُ والقممُ وأنتَ، أنتَ الخِضمُّ الرَّحْبُ، لا فَرَحٌ يَبْقَى على سطحكَ الطَّاغي، ولا ألمُ يا قلبُ كم قد تملَّيتَ الحياة َ، وككمْ رقَّيتَها مَرَحاً، ما مَسَّك السَأمُ وكمْ توشَّحتَ منليلٍ، ومن شَفَقٍ ومن صباحٍ تُوَشِّي ذَيْلَهُ السُّدُمُ وكم نسجْتَ من الأحلام أردية ً قد مزَّقّتْها الليالي، وهيَ تَبْتَسِمُ وكم ضَفَرتَ أكاليلاً مُوَرَّدة ً طارتْ بها زَعْزَعٌ تدوي وتَحْتَدِمُ وَكَمْ رسمتَ رسوماً، لا تُشابِهُهَا هذي العَوَالمُ، والأحلامُ، والنُّظُمُ كأنها ظُلَلُ الفِردَوْسِ، حافِلة ً بالحورِ، ثم تلاشَتْ، واختفى الحُلُمُ تبلُو الحياة َ فتبلِيها وتخلَعُها وتستجدُّ حياة ً، ما لها قِدمُ وأنت أنتَ: شبابٌ خالدٌ، نضِرٌ مِثلُ الطَّبيعة ِ: لا شَيْبٌ ولا هرَمُ |
يا ليلُ! ما تصنعُ النفسُ التي سكنتْ ( أبو القاسم الشابي ) يا ليلُ! ما تصنعُ النفسُ التي سكنتْ هذا الوجودَ، ومِنْ أعدائها القَدَرُ؟ ترضى وَتَسْكُتُ؟ هذا غيرُ محتَمَلٍ! إذاً، فهل ترفضُ الدنيا، وتنتحرُ؟ وذا جنونٌ، لَعَمْري، كلُّه جَزَعٌ باكٍ، ورأيٌ مريضٌ، كُلُّه خَوَرُ! فإنما الموتُ ضَرْبٌ من حَبائِله لا يُفلتُ الخلقُ ما عاشوا، فما النَّظرُ؟ هذا هو اللّغْزُ، عَمَّاهُ وعَقَّدَهُ على الخليقة ِ، وحْشٌ، فاتكٌ حذِرُ قد كَبَّلَ القدرُ الضّاري فرائسَه فما استطاعُو له دفْعاً، ولا حَزَروا وخاطَ أعينَهم، كي لا تُشَاهِدَهُ عينٌ، فتعلمَ ما يأتي وما يذرُ وَحَاطَهُمْ بفنونٍ من حَبَائِلِهِ فما لَهُمْ أبداً مِنْ بطشِه وَزرُ لا الموتُ يُنقذُهم من هَوْل صولَتهِ ولا الحياة ُ، تَسَاوَى النّاسُ والحَجَرُ! حَارَ المساكينُ، وارتاعُوا، وأَعْجَزَهم أن يحذروهُ، وهَلْ يُجْديهمُ الحذرُ وَهُمْ يعيشونَ في دنيا مشيَّدة ٍ منَ الخطوب، وكونٍ كلَّه خَطرُ؟ وكيف يحذرُ أعمَى ، مُدْلِجٌ، تَعِبٌ هولَ الظَّلامِ، ولا عَزمٌ ولا بَصَرُ؟ قد أيقنوا أنه لا شيءَ يُنقذهُم فاستسلموا لِسُكُونِ الرُّعْبِ، وانتظروا.. ولو رأوه لسَارتْ كي تحارِبَه مِنَ الورى زُمَرٌ، في إثرِهَا زُمَرُ وثارت الجنّ، والأملاك ناقمة ً والبحرُ، والبَرُّ، والأفلاكُ، والعُصُر لكنه قوَّة ٌ تُملي إرادتها سِرَّا، فَنَعْنو لها قهراً، ونأتمرُ حقيقة مُرَّة ، يا ليلُ، مُبْغَضَة ٌ كالموت، لكنْ إليها الوِرْدُ والصَّدَرُ تَنَهَّدَ اللَّيْلُ، حتَّى قلتُ: «قد نُثِرَتْ تلك النجومُ، ومات الجنُّ والبشرُ وَعَاد للصّمتِ..، يُصغي في كآبته كالفيلسوف-إلى الدنيا، ويفتكرُ.. وقَهْقَهَ القَدرُ الجبّارُ، سخرية ً بالكائنات. تَضَاحَكْ أيّها القدرُ! تمشي إلى العَدَمِ المحتومِ، باكية ً طوائفُ الخلق، والأشكالُ والصورُ وأنتَ فوقَ الأسى والموت، مبتسمٌ ترنو إلى الكون، يُبْنَى ، ثمّ يندَثِرُ |
يا موتُ! قد مزَّقتَ صدري وقصمْتَ بالأرزاءِ ظَهْري ( أبو القاسم الشابي ) يا موتُ! قد مزَّقتَ صدري وقصمْتَ بالأرزاءِ ظَهْري وَقَصَمْت بالأرزَاءِ ظَهْرِي ورميْتَني من حَالقٍ وسخرتَ منِّي أيَّ سُخْرِ فَلَبِثْتُ مرضوضَ الفؤادِ أَجُرُّ أجنحتي بِذُعْرِ... وَقَسَوْتَ إذ أبقيتني في الكَوْن أذْرَعُ كُلَّ وَعْرِ وفجعتني فيمَن أحبُّ ومنْ إليه أبُثُّ سرّي وَأَعُدُّهُ، فَجْرِي الجميلَ، إذا کدْلَهَمَّ عليَّ دَهْرِي |
ياربَّة َ الشّعرِ والأحلامِ، غنِّيتي ( أبو القاسم الشابي ) ياربَّة َ الشّعرِ والأحلامِ، غنِّيتي فقد سئمت وجومَ الكَوْنِن من حينِ إن اللَّيالي اللَّواتي ضمَّختْ كَبِدي بالسِّحْر أضْحتْ مع الأيَّامِ ترميني ناخت بنفسي مآسيها، وما وجدتْ قلباً عطوفاً يُسَلِّيها، فَعزِّيني وَهَدّ مِنْ خَلَدِي نَوْحٌ، تُرَجِّعُه بَلوى الحياة ِ، وأحزانُ المساكينِ على الحياة أنا أبكي لشقوتِها فَمَنْ إذا مُتُّ يبكيها ويبكيني؟ يا ربة السِّعرِ، غنِّني، فقد ضجرت نفسي من النّاس أبناء الشياطين تَبَرَّمَتْ بَيْنيَ الدُّنيا، وَأَعوزَهَا في مِعزفِ الدَّهرِ غرِّيدُ الأَرانينِ وَرَاحَة ُ اللَّيل ملأى مِنْ مَدَامِعِهِ و غادة ُ الحُبّ ثكلى ، لا تغنِّنيني فهل إذا لُذت بالظلماء منتحباً أسلو؟ وما نفعُ محزونٍ لمَحزونِ؟ يا ربة َ الشعر! إن يبَائسٌ، تعسٌ عَدِمْتُ ما أرتجي في العالَم الدُّونِ وفي يديكِ مزاميرٌ يُخَالِجُها وحي السَّما فهاتيها وغنّيني ورتِّلي حولَ بيتِ الحُزْن أغْنِيَة ً تجلُو عن النَّفسِ أحوانَ الأحايينِ فإن قلبي قبرٌ، مظلمٌ،قُبرتْ فيه الأمانِي، فما عادتْ تناغيني لولاك في هذه الدنيا لما لمست أوتارَ رُوحِيَ أَصْواتُ الأفَانينِ ولا تغنَّيتُ مأخوذاً..، ولا عذُبتْ لي الحياة ُ لدى غضِّ الرياحينِ ولا ازدهى النَّفْسَ في أشْجَانَها شَفَقٌ يُلوِّنُ الغيمَ لهواً أيَّ تلوينِ ولا استخفَّ حياتي وهي هائمة ٌ فجرُ الهوى في جفون الخُرَّدِ العِينِ |
يودُّ الفَتَى لو خاضَ عاصفة َ الرّدى ( أبو القاسم الشابي ) يودُّ الفَتَى لو خاضَ عاصفة َ الرّدى وصدَّ الخميسَ المَجْرَ، والأسَدَ الوَرْدَا لِيُدْرِكَ أمجادَ الحُروبِ، وَلَوْ دَرى حَقِيقَتَها مَا رام مِنْ بيْنها مَجْدا فَما المجدُ في أنْ تُسْكِرَ الأرضَ بالدِّما وتركَبَ في هيجائها فرَساً نهْدَا ولكنّه في أن تَصُدَّ بهمَّة ٍ عن العالَمِ المرزوءِ، فيْضَ الأسى صدَّا |
يَا أيُّها الشَّادِي المغرِّدُ ههُنا ( أبو القاسم الشابي ) يَا أيُّها الشَّادِي المغرِّدُ ههُنا ثَمِلاً بِغِبْطة ِ قَلْبِهِ المَسْرُورِ مُتَنَقِّلاً بينَ الخَمائلِ، تَالِياً وحْيَ الربيعِ السّاحرِ المسحورِ غرّدْ، ففي تلك السهول زنابقٌ تَرْنُو إليكَ بِنَاظرٍ مَنْظُورِ غرِّدْ، ففي قلبي إليْك مودَّة ٌ لكن مودَّة طائر مأسورِ هَجَرَتْهُ أَسْرابُ الحمائمِ، وانْبَرَتْ لِعَذَابِهِ جنِّية ُ الدَّيْجُورِ... غرِّد، ولا ترهَبْ يميني، إنّني مِثْلُ الطُّيورِ بمُهْجَتي وضَمِيري لكنْ لقد هاضَ الترابُ ملامعي فَلَبِثْتُ مِثْلَ البُلبلِ المَكْسُورِ أشدُو برنّاتِ النِّياحَة ِ والأسى مشبوبة بعواطفي وشعوري غرِّدْ، ولا تحفَلْ بقلبي، إنّهُ كالمعزَفِ، المتحطِّمِ، المهجورِ رتِّل عَلى سَمْع الرَّبيعِ نشيدَهُ واصدحْ بفيضِ فؤادك المسجورِ وکنْشِدْ أناشيدَ الجَمال، فإنَّها روحُ الوجود، وسلوة المقهورِ أنا طَائرٌ، مُتَغرِّدٌ، مُتَرنِّمٌ لكِنْ بصوتِ كآبتي وَزَفيري يهتاجُني صوتُ الطّيور، لأنَّه مُتَدَفِّقٌ بحرارة وطَهورِ ما في وجود النَّاس مِنْ شيءٍ به يَرضَى فؤادي أو يُسَرُّ ضميري فإذا استمعتُ حديثَهم أَلْفَيْتُهُ غَثّاً، يَفِيض بِركَّة ٍ وَفُتُورِ وإذا حَضَرْتُ جُمُوعَهُمْ ألْفَيتَنِي ما بينهم كالبلبل المأسورِ متوحِّداً بعواطفي، ومشاعري، وَخَوَاطِري، وَكَآبتي، وَسُروري يَنْتَابُنِي حَرَجُ الحياة كأنّني مِنْهمْ بِوَهْدَة جَنْدلٍ وَصُخورِ فإذا سَكَتُّ تضجَّروا، وإذا نَطَقْتُ تذمَّروا مِنْ فكْرَتي وَشُعوري آهٍ مِنَ النَّاسِ الذين بَلَوْتُهُمْ فَقَلَوْتُهُمْ في وحشتي وَحُبُوري! ما منهم إلا خبيثٌ غادرٌ متربِّصٌ بالنّاس شَرَّ مصيرِ وَيَودُّ لو مَلَكَ الوُجودَ بأسره ورمى الوَرى في جاحِمٍ مسجورِ لِيُبلَّ غُلَّتَهُ التي لا ترتوي ويكظّ نهمة قلبه المغفورِ وإذا دخلتُ إلى البلاد فإنَّ أفكا ـكاري تُرَفْرِفُ في سُفوح الطُّورِ حيثُ الطبيعة ُ حلوة ٌ فتَّانَة ٌ تختال بين تَبَرُّجِ وَسُفُورِ ماذا أودُّ من المدينة ، وهي غارقة ٌ بموَّار الدَّم المهْدورِ ماذا أودُّ من المدينة ، وهي لا ترثي للصوتِ تَفجُّع المَوْتُورِ؟ ماذا أودُّ من المدينة ، وهي لا تَعْنو لِغَير الظَّالمِ الشَّرِّيرِ؟ ماذا أودُّ من المدينة ، وهي مُرْتادٌ لكل دعارة وفجورِ؟ يا أيُّها الشَّادي المغرِّدُ ههنا ثَمِلاً بغبطة قَلْبهِ المسرورِ! قبِّلْ أزاهيرَ الربيعِ، وغنِّها رنَمَ الصّباحِ الضَاحكِ المحبورِ واشربْ مِنَ النَّبع، الجميل، الملتوي ما بين دَوْحِ صنوبر وغدير وکتْرُكْ دموعَ الفَجْرِ في أوراقِها حتَّى تُرشِّفَهَا عَرُوسُ النُّورِ فَلَرُبَّما كانتْ أنيناً صاعداً في اللَّيل مِنْ متوجِّعٍ، مَقْهورِ ذرفته أجْفان الصباح مدامعاً ألاّقة ، في دوحة وزهورِ... |
يَقُولونَ: «صَوْتُ المُسْتَذِلِّين خَافِتٌ ( أبو القاسم الشابي ) يَقُولونَ: «صَوْتُ المُسْتَذِلِّين خَافِتٌ وسمعَ طغاة الأرض "أطرشُ" أضخم وفي صَيْحَة ِ الشَّعْبِ المُسَخَّر زَعْزَعٌ تَخُرُّ لَهَا شُمُّ العُرُوشِ، وَتُهْدَمُ ولعلة ُ الحقّ الغضوضِ لها صدى ً وَدَمْدَمَة ُ الحَربِ الضَّروسِ لَهَا فمُ إذَا التَفَّ حَوْلَ الحقِّ قَوْمٌ فَإنّهُ يُصَرِّمُ أحْدَاثُ الزَّمانِ وَيُبْرِمُ لَكَ الوَيْلُ يَا صَرْحَ المَظَالمِ مِنْ غَدٍ إذا نهضَ المستضعفونَ، وصمّموا! إذا حَطَّمَ المُسْتَعبِدُونَ قيودَهُمْ وصبُّوا حميمَ السُّخط أيَّان تعلمُ..! أغَرّك أنَّ الشَّعْبَ مُغْضٍ عَلَى قَذًى وأنّ الفضاءَ الرَّحبَ وسنانُ، مُظلمُ؟ ألاّ إنَّ أحلام البلادِ دفينة ٌ تُجَمْجِمُ فِي أعْماقِهَا مَا تُجَمْجِمُ ولكن سيأتي بعد لأي نشورها وينبث اليومُ الذي يترنَّمُ هُوَ الحقُّ يَغْفَى .. ثُمَّ يَنْهَضُ سَاخِطاً فيهدمُ ما شادَ الظلاّمُ، ويحطمُ غدا الرّوعِ، إن هبَّ الضعيف ببأسه، ستعلم من منّا سيجرفه الدمُّ إلى حيث تجنى كفَّهُ بذرَ أمسهِ وَمُزْدَرعُ الأَوْجَاع لا بُدَّ يَنْدَمُ ستجرعُ أوصابَ الحياة ، وتنتشي فَتُصْغِي إلى الحَقِّ الذي يَتَكَلَّمُ إذا ما سقاك الدهرُ من كأسِهِ التي قُرَارَتُها صَابٌ مَرِيرٌ، وَعَلْقَمُ إذا صعق الجبّارُ تحتَ قيوده يُصِيخُ لأوجاعِ الحَياة ِ وَيَفْهَمُ!! |
يَنْقَضِي العَيْشُ بَيْنَ شَوْقٍ وَيَأْسِ ( أبو القاسم الشابي ) يَنْقَضِي العَيْشُ بَيْنَ شَوْقٍ وَيَأْسِ والمُنَى بَيْنَ لَوْعة ٍ وَتَأَسِّ هذه سُنَّة ُ الحياة ، ونفسي لا تَوَدُّ الرَّحيقَ فِي كَأْسِ رِجْسِ مُلِىء الدهر بالخداعِ، فكم قد ضلَّلَ الناسَ من إمام وقَسِّ كلَّما أَسْأَلُ الحياة َ عَنِ الحقِّ تكُفُّ الحياة ُ عن كل هَمْسِ لمْ أجِدْ في الحياة ِ لحناً بديعاً يَسْتَبِيني سِوى سَكِينَة ِ نَفْسي فَسَئِمْتُ الحياة َ، إلا غِرَاراً تتلاشى بِهِ أَناشِيدُ يَأْسِي ناولتني الحياة ُ كأساً دِهاقاً بالأماني، فما تناولْتُ كأسِي وسقتْني من التعاسَة أكواباً تجرعْتُها، فيأشدّ تُعْسي إنّ في روضة ِ الحياة ِ لأشواكاً بها مُزِّقتْ زَنابِقُ نفسي ضَاعَ أمسي! وأينَ مِنِّي أَمْسِي؟ وقضى الدهرُ أن أعيش بيأسي وقضى الحبُّ في سكون مريعٍ سَاعَة َ الموتِ بين سُخْط وَبُؤْسِ لم تُخَلِّفْ ليَ الحياة من الأمس سِوَى لَوْعَة ٍ، تَهُبُّ وَتُرسي تتهادى ما بين غصّات قلبي بِسُكونٍ وبين أوجاعِ نَفْسي كخيال من عالم الموْت، ينْساب بِصَمْتٍ ما بينَ رَمْسٍ وَرَمْسِ تلك أوجاعُ مهجة ٍ، عذَّبتْها في جحيم الحياة أطيافُ نحسِ |
الساعة الآن 11:22 PM |
|
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.