![]() |
|
|
|
|
|
|
أما في الدول العادية لا سيما بمنطقة الشرق الأوسط فهذه الرتب تكون غالبا رتبا سياسية وهى أحد أوجه السلب الكبري في الواقع , فالمشير عبد الحكيم عامر عندما تولى قيادة القوات المسلحة تمت ترقيته من رتبة الرائد إلى رتبة اللواء دفعة واحدة ثم تمت ترقيته لرتبة المشير دون أن يضيف لثقافته العسكرية شيئا يذكر عن معارفه في رتبة الرائد !! واختلف الأمر في حرب أكتوبر بالطبع حيث تمت إعادة تنظيم الجيش المصري وأصبحت قيادته عسكرية محترفة على أعلى المستويات العلمية , وكان المشير أحمد إسماعيل هو أول ضابط مصري يحمل هذه الرتبة عن استحقاق وجدارة بعد معارك حرب أكتوبر التي لم تكتف بالإضافة إلى العلوم العسكرية بل غيرت مفاهيم العلوم العسكرية أصلا وألغت نظريات عريقة في قتال المدرعات سادت وانتشرت بعد الحرب العالمية الثانية وبالإضافة إلى التقسيمات النوعية السابقة للقوات المسلحة توجد فى القوات المسلحة مجموعات مستقلة , وهى المجموعات التى يتم تشكليها بحيث لا تتبع فرقة معينة , مثل اللواءات المستقلة والفرق المستقلة فى بعض الدول وهذه اللواءات لا تتبع قيادة أى جيش ميدانى بل تتبع القيادة العامة وهى التى تخصص لها المهام والدولة من الممكن أن يكون لها جيش واحد فقط أى فرقتان أو ثلاث , حسب إمكانياتها , ومن الممكن أن يرتفع عدد الجيوش حسب قدرة الدولة , ولهذا فالدول العظمى لها ست جيوش أو أكثر تصاحبها مجموعة من الأساطيل التى تعجز الدول الصغري عن مضاهاتها , وأرقام الجيوش الميدانية تبدأ من رقم 2 , ولا يوجد جيش رقم 1 لأن الجيش الأول له اصطلاح آخر وهو المنطقة المركزية التى تضم قوات احتياط القيادة العامة ومركزها العاصمة أيضا هناك ملاحظة هامة , وهى أن الجيوش المكونة من فرق إنما تنطبق على قوات المشاة والمدرعات فقط أى القوات البرية التى تسمى سادة المعارك , أما الأسلحة الأخرى فتقع خارج نطاق قيادة الجيوش الميدانية ويكون لها قيادات مستقلة تتبع القيادة العامة وهيئة الأركان فى القوات المسلحة , وهذه الأسلحة هى القوات الجوية والبحرية وقوات الصاعقة والمظلات وسلاح المخابرات الحربية والإستطلاع وسلاح حرس الحدود والمدفعية والدفاع الجوى فهذه الأسلحة تعمل كجيوش مستقلة تتلقي أوامرها من القيادة العامة للقيام بمهام منفصلة عن مهمة الجيوش الميدانية أو تتدخل لمعاونة الجيوش بناء على طلب قادتها من القيادة العامة وبالنسبة للجيش المصري أثناء حرب أكتوبر فيتكون من المنطقة المركزية فى القاهرة بقيادة اللواء عبد المنعم خليل وجيشين ميدانيين هما الجيش الثانى الميدانى ومقره السويس والجيش الثالث ومقره الإسماعيلية , وكان الجيشان فى حرب أكتوبر تحت قيادة اللواء عبد المنعم واصل واللواء سعد مأمون وقوامهما خمس فرق مشاة بتعداد حوالى مائة ألف جندى وفرقتان مشاة ميكانيكية وفرقتان مدرعتان احتياطى للقيادة العامة بالإضافة إلى ألوية الحرس الجمهورى التي عملت أيضا كاحتياطى وتم التخطيط لتدخلها في الثغرة وقد عبرت هذه القوات للضفة الشرقية أثناء الحرب , بينما عبرت الفرقتان الإحتياطى أثناء تطوير الهجوم , وباقي تشكيل القوات المسلحة فى حرب أكتوبر كان يتكون من وزير الدفاع أحمد إسماعيل ورئيس الأركان سعد الدين الشاذلى ورئيس هيئة العمليات محمد عبد الغنى الجمسي وقائد القوات الجوية حسنى مبارك وقائد البحرية فؤاد أبو ذكرى وقائد الدفاع الجوى محمد على فهمى وقائد المخابرات الحربية فؤاد نصار ومدير سلاح المدفعية اللواء محمد سعيد الماحى والعميد نبيل شكرى قائد قوات الصاعقة والعميد محمود عبد الله قائد المظلات واللواء كمال حسن على مدير سلاح المدفعية ومن مبادئ العلم العسكري أن أضعف النقاط التى من الممكن أن يخترقها العدو أثناء القتال فى أى معركة هى نقاط الفصل بين الوحدات المختلفة , فكل وحدة من وحدات الجيوش تجاورها وحدة مماثلة , وتتوزع مسئولية المناطق بينهما , ومن هنا فإن أضعف نقطة ليس عليها التركيز هى النقطة التى تفصل بين لواء ولواء آخر أو بين فرقة وأخرى أو بين جيش وآخر , وكانت نقطة الفصل بين الجيشين المصريين تقع فى منطقة الدفرسوار وهى منطقة ضيقة لا تقع تحت مسئولية أى جيش من الجيشين بل هى فراغ جزئي طبيعى بين قوات الجيشين , ومن عوامل التفوق فى أى قيادة عسكرية أن تسد ثغرات الإختراق المتوقعة للعدو أثناء الإشتباك لكونها نقاط تفوق يستطيع العدو من خلالها النفاذ والقيام بحركة إلتفاف وتطويق قوات الخصم من الخلف حيث تقع أضعف المراكز وهى الخطوط الخلفية التى لا تقاتل وتقع بها الوحدات الإدارية والطبية ومراكز القيادة |
|
|
|
ونظرا لفشل شارون في مهمته لتأمين معبر الدفرسوار ودبت الخلافات بين القادة وبين شارون الذى كان يري عدم انتظار جسور العبور والتأمين والإنطلاق للعبور مباشرة على المعديات والأطواف بحجة أن لواء المظلات الذى عبر منطقة الدفرسوار لم يواجه أى قوات مصرية في نقطة الإنزال ومن ثم فإن مهمة التأمين التي فشل فيها وكلفته لواءه المدرع ليس لها داع , وعبر الجنرال جونين عن شعوره تجاه شارون بقوله : ( لقد خيب آمالنا جميعا , أنا لست أدرى ماذا أصابه في هذه الحرب ؟! ) وفى منتصف نهار 16 أكتوبر تم إجراء تعديلات جوهرية في الخطة بعد النتائج التي منيت بها قوات شارون وصدرت الأوامر لفرقة إبراهام آدان بمهمة التطهير والتأمين بينما تتولى فرقة شارون منطقة المزرعة الصينية بعد منحه الفرصة لتجديد الكفاءة القتالية لفرقته عقب الخسائر الجسيمة التي تكبدتها قواته في ليلة أمس وزادت عن 70 دبابة و300 قتيل بخلاف المصابين وتقدمت فرقة إبراهام آدان المدرعة والتى تم تزويدها بلواء مظلات كامل لتصبح قوة جبارة , إلى أداء المهمة التي فشل فيها شارون , وكان لواء المظلات بقيادة الكولونيل عوزى الذى وضع نفسه تحت قيادة الجنرال آدان والذي كلفه بمهمة التقدم على محورين لتطهير محورى أكافيش وأبو طرطور على أن تصحب المظليين قوة كتيبة مدرعة للإضافة , وبنفس السيناريو السابق تقريبا ما إن تقدمت كتيبة الدبابات كطليعة لقوة المظلات حتى تعرضت لنيران كتيبة اليسار في قطاع اللواء 16 مشاة وخرجت رسميا من المعركة , وخلفها هذه القوة نحو المزرعة الصينية الذين تقدموا إلى المنطقة وفوجئوا بعشرة رشاشات ( جرينوف ) تطلق رصاصاتها بغزارة شديدة لتحيل المنطقة إلى جحيم , وتناثرت حطام كتيبة الدبابات وإلى جوارها عشرات من جثث المظليين على طول خط الدفاعات المصرية بعد أن تمكن المصريون من اصطيادهم وهم من مواقع حصينة , وحاول باقي المظليين الإنسحاب من طريق طرطور إلى طريق أكافيش لكنهم فشلوا حتى في مجرد رفع رءوسهم من وضع الإنبطاح بعد أن تكفلت الرشاشات المصرية بحصارهم من كافة الإتجاهات وأصيب إبراهام آدان بالإحباط وهو يري نفسه عاجزا في نفس موقف شارون السابق , فضلا على أنه في ضوء هذا الموقف كان سيفقد يوما آخر كاملا دون أن يتم إنشاء أى جسر للعبور فيه مما كان يعرض القوة التي عبرت القناة من المظلات إلى خطر الإبادة بعد أن انعزلت تماما ليومين كاملين , ولكنه تلقي برقية مشجعة من قائد سرية الإستطلاع التي دفعها من فرقته بإتجاه محور أكافيش واكتشفت سرية الإستطلاع خلال عبورها إلى معبر الدفرسوار أن الطريق خال تماما , واكتشف برن أن قوة المظلات التي تتعرض للإبادة في طريق طرطور كانت قد شغلت المقاومة المصرية تماما عن الطريق الآخر وبالتالى أصبح طريق أكافيش مفتوحا ولكن على جثث المظليين الذين تم إبادتهم إلا قليلا وتدمير سائر معداتهم وتمكنت فرقة إبراهام آدان من إقامة أول جسر للعبور صباح يوم 17 أكتوبر |
رد الفعل المصري على عملية الثغرة : جرت كل المعارك السابق شرحها في إطار ظن القوات المصرية أن العدو يقوم بمحاولة لتدمير رءوس كباري الجيش الثانى ولم تنم إلى معلومات القيادة حقيقة الخطة التي أعدها العدو بغرض عبور القناة إلى الجانب الغربي بقوة ثلاث فرق كاملة , ولهذا فقد ظلت القيادة في معزل عن هذه الأنباء طيلة يوم 16 أكتوبر وهو اليوم الذى عبرت فيه قوة المظلات المدعمة بسرية دبابات , وعندما تم اكتشاف بوادر وجود هذه القوة ظل الظن أنها قوة صغيرة للعدو لا تزيد عن سبعة دبابات وهدفها هو التخريب وإشاعة الفوضي في الخطوط الخلفية , ولهذا قام قائد الجيش الثانى بالنيابة اللواء تيسير العقاد والذي تولى القيادة خلفا للواء سعد مأمون بإصدار أوامره لكتيبة دبابات بتدمير هذه القوة التي ظنها قوة صغيرة مما تسبب في عجز الكتيبة عن أداء مهمتها , ولا شك أن تغيير قيادة الجيش الثانى الميدانى في هذا التوقيت ساهمت في أن تكون بيانات قيادة الجيش الثانى عن مدى قوة العدو في الضفة الغربية بيانات غير دقيقة , وعزا الخبراء هذا الخلل في المعلومات إلى تقصير في مهمات المخابرات الحربية والإستطلاع التي عجزت عن استطلاع القوة الحقيقية للعدو في الوقت المناسب , فضلا على خطأ التصور من القيادة وعجزها خلال يومى 16 و17 أكتوبر من إدراك الهدف الحقيقي للعملية وأنها عملية عبور كبيرة , ولهذا ظلت القيادة المصرية مطمئنة إلى الأنباء التي وصلتها باعتبار القوة العابرة قوة هينة لم تلبث أن تتعرض للإبادة , وهو ما ثبت خطؤه فيما بعد ولم يتم استغلال انعزال قوة المظلات المدعمة بالدبابات عن قيادتها ليومين كاملين , ولو وصلت معلومات صحيحة عنها إلى القيادة في الوقت المناسب لتحققت مخاوف الإسرائيليين من إبادة لواء المظلات العابر بالكامل مع دباباته بنفس الطريقة التي واجهت بها قوات اللواء 16 مشاة والفرقة 21 المدرعة قوات فرقة شارون شرق القناة وقوات إبراهام آدان التي حاولت تأمين منطقة العبور , وفى تلك الظروف أيضا تم تعيين اللواء عبد المنعم خليل والذي كان قائدا للمنطقة المركزية قائدا للجيش الثانى الميدانى بدلا من اللواء تيسير العقاد ريس أركان حرب الجيش ! ولا شك أن هذا القرار خدم العملية الإسرائيلية من حيث لا يتوقعون حيث أن اللواء عبد المنعم خليل كان بعيدا عن الجبهة ولم يحتك بأحوال الجيش الثانى وعندما طلب القائد الجديد المعلومات التفصيلية عن أحوال المعارك أحاله الفريق الشاذلى إلى اللواء محمد غنيم نائب رئيس هيئة العمليات والذي أحاطه علما بالأوضاع وفق ما وصلت للقيادة من معلومات مغلوطة , فلم يعلم القائد الجديد عبد المنعم خليل شيئا عن عمق الإختراق وتلقي المعلومات على أساس أنها قوة صغيرة لا تزيد عن سبع دبابات لا أكثر ! وكان قرار تغيير القيادة بعبد المنعم خليل قرارا غير موفق نظرا لأن اللواء تيسير العقاد كان رئيسا لأركان الجيش وهو الأكثر احتكاكا بأحواله والأقدر من غيره في تلك الظروف , وهذا دون الإقلال من قيمة وكفاءة كليهما , لا سيما وأن الأسباب التي دعت القيادة لهذا الإختيار أن اللواء عبد المنعم خليل كان قائدا سابقا للجيش الثانى لمدة ثلاث سنوات قبل الحرب , ولكن القيادة السابقة لا تعنى بالضرورة لزوم القيادة أثناء المعارك والعمليات لا سيما في ظل ظرف كالإختراق الحادث , وهذه هى وجهة نظر اللواء جمال حماد وكثير من المحللين وهى وجهة نظر صحيحة , إذ أن القيادة في الجبهة وأثناء العمليات أقدر من غيرها ـ حتى لو فاقتها كفاءة ـ في حسن إدارة المواقف الطارئة وقد وصل اللواء عبد المنعم خليل لمركز قيادته مساء 16 أكتوبر وهو الموعد الذى علم فيه المشير أحمد إسماعيل والرئيس السادات بأمر القوات الإسرائيلية في الغرب من خلال خطاب جولدا مائير في مساء نفس اليوم , وعندما طلبا المعلومات حول هذا الخصوص جاءتهما المعلومات المنقوصة بأن القوات العابرة قوة صغيرة فقط , وعليه أكد المشير إسماعيل للواء عبد المنعم خليل أن يقوم بتدمير هذه القوة عقب انتهائه من دراسة موقف جيشه في العمليات , وللأسف استمرت وجهة نظر القيادة المصرية في الإستهانة بأمر القوة الإسرائيلية العابرة للغرب وكان داعى الإستهانة هو قوة الهجوم الإسرائيلي المكثف على الفرقة 16 مشاة والذي كانت تهدف منه القيادة الإسرائيلية إلى شغل القوات المصرية عن نيتها الأصلية وهى فتح الفرصة أمام الفرق الثلاث المعدة للعبور للغرب ولهذا ظلت القيادة المصرية تعتقد أن مهمة القوة الإسرائيلية التي عبرت كطليعة لبقية الفرق ما هى إلا مهمة نفسية وتخريبية هدفها إشاعة الفوضي في خلفية الجيش الثانى وإحداث أثر نفسي يمكنها من نجاح الهجوم في الشرق , ولهذا ركزت قيادة الجيش الثانى على ضرب الهجوم الإسرائيلي في الشرق وتمكنت من إلحاق الخسائر الفادحة المتوالية بالقوات الإسرائيلية والتى تعجب المصريون من تكرار هجومها رغم الخسائر , ولكن كان رهان القوات الإسرائيلية قائما على أن تتم عملية العبور إلى الغرب في غفلة من القوات المصرية عن هدفها الرئيسي وفى سبيل ذلك الهدف ضحت القوات الإسرائيلية بهذه الخسائر على أمل تحقيق النجاح المطلوب , |
وكانت النقطة الخطرة التي وقعت فيها القيادة المصرية هى ضآلة معلومات الإستطلاع وظروف تغيير القيادات التي جاءت بمصادفة قدرية لكى تمنح الخطة الإسرائيلية دماء الحياة بعد أن كانت محاولتها تُمنى بفشل ذريع يتمثل في خسارتها لجميع قواتها المشاركة في العملية شرق وغرب القناة , فمن شرق القناة كانت الفرقة 16 مشاة قد تكفلت بكل القوات الإسرائيلية المهاجمة وفى غرب القناة في يوم 16 لو كانت المعلومات التي وصلت عن القوة الإسرائيلية صحيحة لتم القضاء عليها قضاء مبرما عن طريق القوة المناسبة , وقد استمر غياب المعلومات الدقيقة قائما حتى بعد يوم 17 أكتوبر وعليه كانت معالجة ثغرة الإختراق من وجهة نظر المصرية لا زالت تتركز على المعالجة من شرق القناة لا غربها , ونظرا لأن المعلومات كانت تشير لمحدودية القوة العابرة فقد صدرت الأوامر بالقضاء على ثغرة الإختراق عن طريق تكليف اللواء 25 المدرع المستقل بهذه المهمة , على أن تتم في مواجهة ثغرة الإختراق من الشرق لا الغرب وكان اللواء 25 المدرع المستقل قد عبر من الغرب إلى الشرق ليكون ملحقا بالفرقة 7 مشاة أثناء تطوير الهجوم , وتم تعويض الفرقة 7مشاة بكتيبة دبابات من الفرقة 4 المدرعة , وكانت الخطة التي أعدتها القيادة سليمة نظريا ـ على حد تعبير اللواء جمال حماد ـ ولكنها كانت مخالفة للواقع حيث أن قوة الإختراق في الشرق عند معبر الدفرسوار كانت بقوة ثلاثة ألوية مدرعة أى ثلاثة أمثال قوة اللواء 25 المدرع بينما القوات الإسرائيلية في الغرب كانت لا تتعدى كتيبة دبابات ملحقة بلواء مظلات , ولو تم دفع اللواء 25 المستقل إلى غرب القناة بدلا من شرقها لتمكن من القضاء على الثغرة بسهولة عن طريق تدميرها من الغرب , وهو ما عارضه الرئيس السادات وأصر على عدم سحب هذا اللواء وأن يقوم بمهاجمة قوات الثغرة وتدميرها في شرق القناة , متأثرا بمعلومات صغر القوة الإسرائيلية في الغرب وكان اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميدانى قد استقرأ الأحداث وعارض المهمة التي تم تكليف اللواء 25 المدرع مستقل بها وحاول تعطيلها بكل السبل إلا أوامر القيادة فى المركز رقم 10 كانت صارمة بوجوب تنفيذها وثبت أن اللوا واصل كان على حق تماما في توقعاته من أن اللواء 25 المدرع سيواجه خطر التدمير نظرا لفارق القوة بينه وبين فرقة المدرعات الإسرائيلية التي تواجهه بقيادة إبراهام أدان عند معبر الدفرسوار واندفع اللواء إلى مهمته الإنتحارية لمواجهة فرقة إبراهام المتأهبة والتى تزيد على ثلاثة أمثاله في القوة وهو يواجهها منفردا فضلا على تسلح فرقة إبراهام بعدد كثيف من صواريخ تاو المضادة للدبابات والتى وصلت مع الجسر الجوى الأمريكى , واشتبك اللواء 25 المدرع مع الفرقة دون أى معاونة متوقعة من الفرقة 21 المدرعة والتى كان من المفروض أن تعاون اللواء في مهمته غير أن خسائرها في حروبها السابقة ضد قوات العدو منعتها من المعاونة المطلوبة , وهكذا تم تدمير ثلثي دبابات قوة اللواء 25 المدرع المستقل في هذه المواجهة مع فرقة إبراهام أدان نظرا لقصور المعلومات الشديد وعدم إدراك اللواء لحقيقة حجم قوات العدو عند معبر الدفرسوار , وتم سحب باقي الدبابات وارتداد اللواء إلى الخلف عقب خسائره الكبيرة واتخاذ الأمر بإعادة تأهيله وتنظيمه وتجديده , وكان هذا الخطأ ـ خطأ دفع اللواء 25 المدرع المستقل منفردا ـ لهذه المهمة هو الخطأ السياسي الثانى الذى ترتكبه القيادة المصرية بعد عملية قرار تطوير الهجوم للشرق بالمخالفة لرأى رئيس الأركان وقادة الجيوش , وأثبتت التجربة أن إهمال آراء قادة الميدان والقيادة العسكرية المحترفة أمر بالغ الخطورة وأثبت التاريخ عدة حوادث لها شأن في هذا المجال لا سيما في ظل معركة يونيو 67 والتى ساهمت القيادة السياسية فيها بقرارات لم يكن للقيادة العسكرية القدرة على تحمل نتائجها , وأهمها فتح حرب في جبهتين فضلا على صدور الأوامر بتلقي الضربة الأولى , وكان السادات عقب توليه الرياسة حريصا على ألا يتدخل في سير المعركة عسكريا , وطبق ذلك بنجاح حتى يوم 13 أكتوبر الذى أصدر فيه الأوامر بتطوير الهجوم بالمخالفة لرأى القادة الميدانيين وأيضا بمخالفة رأى عبد المنعم واصل في دفع اللواء 25 المدرع لخوض مهمة انتحارية دون تزويده بالمعلومات الضرورية عن حجم قوة العدو المتوقع مواجهتها والتى نجم عنها مواجهة غير متكافئة بين اللواء 25 المدرع وفرقة كاملة من القوة الإسرائيلية , وقد عبر اللواء عبد المنعم واصل في مذكراته عن أسفه الشديد لقرار القيادة المخالفة لوجهة نظره وهو يصف معركة هذا اللواء وكانت هذه هى المحاولة الأولى للقضاء على الثغرة ولكن دون الإستناد لمعلومات حقيقية مما تسبب في فشلها , |
|
وبعد أن تمت هذه المهمة ونظرا لأن القوات الإسرائيلية لم تنشئ إلا جسر المعديات فقط , |
|
|
|
|
|
وكان شارون قد بدأ الإتجاه بأقصي سرعته نحو الشمال بعد حلول وقف إطلاق النار على أن يكون اقتحامه الإسماعيلية من خلال عبوره ترعة الإسماعيلية وقطع الإمدادات الرئيسية القادمة من القاهرة وشرق الدلتا إلى قوات الجيش الثانى الميدانى , ولكن أحلام شارون بالإستيلاء على الإسماعيلية والسيطرة على طريق الإمدادات لم تلبث أن تبخرت بسبب طبيعة الأرض الزراعية التي أعاقت تقدم قواته من ناحية , ومن ناحية أخرى وقوف المقاومة المصرية كحائط صد فولاذى أمام قوات شارون التي تحاول عبور الترعة , ومن ثم توقفت قوات شارون المدرعة جنوب الترعة دون أن تتمكن من العبور إلى الأرض الشمالية وفى نفس الوقت قامت قوات الجيش الثانى الميدانى بالدفاع عن مدينة الإسماعيلية وشنت الهجمات المضادة على قوات شارون باستخدام عدة جبهات للهجوم , كان أولها استخدام مدفعية الجيش الثانى والتى كان يتولاها العميد عبد الحليم أبو غزالة ـ وزير الدفاع فيما بعد ـ وقامت المدفعية بجهود جبارة وموفقة في وقف العدو ومنعه من عبور ترعة الإسماعيلية بقوة نيران ضخمة تجاوزت 10 كتائب مدفعية في نفس الوقت الذى تم تكليف اللواء 118 ميكانيكى بمهمة الدفاع أمام ترعة الإسماعيلية بالتنسيق مع مدفعية الجيش الثانى كما أصدر اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثانى أوامره إلى اللواء 182 مظلات باحتلال موقع جبل مريم وكانت أوامر قائد الجيش الثانى لقائد قوة المظلات بالتمسك بموقع جبل مريم حتى آخر طلقة وآخر رجل ونفذت قوة المظلات مهمتها بكفاءة ونجحت في الدفاع عن موقع جبل مريم الذى يعتبر مفتاح مدينة الإسماعيلية كما تم تلغيم طرق تقدم العدو ووضع الكمائن في طريق اقتراب العدو , إضافة إلى تكوين قوة احتياط تكون مهمتها استرداد موقع جبل مريم لو نجح العدو في اختراقه , كما قامت المجموعة (139) صاعقة بمهمة عمل الإغارات والكمائن واستنزاف قوة العدو وبعدها تم تكليفها بمهمة التمركز أيضا على طول خط المواجهة وعمل الكمائن في طريق جنوب ترعة الإسماعيلية , وقام شارون بالهجوم المتعدد الجوانب على كل الطرق التي فرشها أمامه الجيش الثانى بالفخاخ والكمائن واشتعلت معركة من أقوى المعارك على أبواب الإسماعيلية تكبدت فيها قوات شارون خسائر فادحة دعته إلى طلب النجدة السريعة من الجنرال حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلي , ولكن بارليف رفض طلبه فقد كانت الليلة مظلمة تماما وعبور طائرات الهليكوبتر لإنقاذ الجرحى وإخلائهم أمر مستحيل فضلا على أن الطائرات ستقع في الكمائن المصرية , وأمر بارليف شارون بأن تتولى قواته إخلاء جرحاه وفق إمكانياته , ونفذ شارون الأمر طيلة أربع ساعات كاملة حتى طلوع النهار استهلكها في إخلاء جرحاه من ميدان المعركة حتى بزغ الفجر ووجد رجال المظلات الإسرائيليين القائمين بمهمة إخلاء الجرحى على بعد 20 مترا من مواقع قوات المظلات المصرية , فتراجعوا للخلف وبهذا فشلت إلى الأبد مهمة شارون بالإستيلاء على الإسماعيلية أو تطويق طريق الإمدادات وتبخرت أحلام المجد التي راودته منذ بدء العمليات , |
|
المعالجات الإعلامية لمعارك الثغرة , كما قلنا من البداية كانت عملية الثغرة عملية تليفزيونية الهدف الرئيسي منها إعلامى بنشر البلبلة وخفض الروح المعنوية للقوات المصرية , ومحاولة إدراك ما تبقي من سمعة الجيش الإسرائيلي فى العالم والهدف الثانى تحقيق مكاسب على الأرض تجبر القوات المصرية على التخلى عن مكاسبها في الشرق , ولهذا شهدت تلك الفترة عمليات تزوير إعلامى واسعة النطاق قام بها الإعلام الإسرائيلي بمعاونة أبواقه في سائر أنحاء العالم في مواجهة غير متكافئة مع الإعلام العربي والمصري الذى يفتقر إلى إمكانيات المواجهة , هذا رغم أن عملية التزوير كان عمرها قصيرا جدا لم يتعد الأشهر حيث أن الصورة الحقيقية للأحداث لم يتم تزييفها طويلا لا سيما بعد وقف إطلاق النار الفعلى وبدء محادثات فض الإشتباك حيث فوجئ العالم أجمع بأن الطنطنة الإسرائيلية حول ما حققته قواتها غرب القناة ليس لها أثر فعلى على الأرض , وأن هذه القوات تم سحبها تدريجيا بعد فض الإشتباك دون أن تكسب إسرائيل من هذا الإجراء مترا واحدا في الشرق حيث قبعت القوات المصرية العابرة على خطوطها التي استولت عليها دون تغيير , ودون أن تستبقي تحت سيطرتها مترا واحدا فى الغرب ! أى أن العالم فوجئ بالنهاية الفعلية لمعارك حرب أكتوبر على نفس صورة التفوق العربي الذى ظلت قائمة منذ اجتياح القناة واحتلال القوات المصرية للمواقع التي كان يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي قبل 6 أكتوبر بعمق 20 كيلومترا , هذا فضلا على الإنسحاب الكامل غير المشروط لقوات غرب القناة مرة أخرى وبقاء قوات الجيش الثالث ورءوس الكباري الخاصة به كما هى دون أن يتم الإلتفاف حوله وتدميره أو حصاره وتصفية رءوس الكباري في الشرق ! بالإضافة إلى قبول إسرائيل الإنسحاب التدريجى بعد ذلك حتى خط المضايق عام 1975 م , ثم تتويج هذا كله بالإنسحاب من سيناء وإتمامه في عام 1982 م , لذلك كان السؤال القائم في العالم كله , أين هى المكاسب الطبيعية التي حققتها إسرائيل من عملية الإختراق في الثغرة , وأين ما كانت تردده جولدا مائير من أن أوضاع قواتها في الحرب مطمئنة شرق وغرب القناة ولا تدفعها للعجلة في قبول وقف إطلاق النار ؟! وبالطبع كان الخبراء العسكريون هم أقدر الناس على فهم الإشكالية واكتشاف الخداع الإعلامى الإسرائيلي بمنتهى البساطة لأن مبادئ الإختراق في العلم العسكري لها هدف واضح محدد وهى القيام بحركة التفاف حول القوات المعادية من الخلف وحصارها وخنقها واستخدام الحصار لتحقيق مكاسب إقليمية أو إبادة هذه القوات , وهذا ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه على المستويين وغادرت قواتها مواقعها كما لو كانت هى التي كانت في الحصار دون أى مكسب يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل يوم 6 أكتوبر وبالتالى كان من السهل على الخبراء أمثال الجنرال بوفر أو المحلل العسكري ديبويه أو قادة الجيش المصري إدراك الفشل التام للقوات الإسرائيلية , ليس هذا فقط .. بل ضاعت فرصة من أعظم الفرص أمام الجيش المصري لتدمير فيلق إسرائيلي كامل بكل ما يعنيه هذا الأمر من هزيمة ساحقة لوجود الدولة اليهودية وهو ما منعته الولايات المتحدة بالتدخل المباشر من هنرى كيسنجر ومن أغرب الغرائب أن جولدا مائير خرجت بعد ذلك تقول أن الفرصة أفلتت من الجيش الإسرائيلي لتدمير القوات المصرية بسبب تدخل القوى الكبري وفرضها لإطلاق النار , وهو إدعاء لا يخدع طفلا بالطبع لأنه لا يصمد أمام عدة أسئلة بديهية منها : أولا : قبلت إسرائيل علنا وطواعية قرار وقف إطلاق النار في يوم 22 أكتوبر وأعلنت للعالم هذا القبول دون أى ضغط أمريكى لأن الضغط الأمريكى جاء بعد ذلك بأيام بعد تفاقم الأزمة وأنكرت إسرائيل أنها قامت بخرق وقف إطلاق النار وادعت أنها واصلت إطلاق النار بسبب خرق القوات المصرية لقرار الأمم المتحدة , والسؤال هنا : لو كان كلام جولدا مائير منطقيا فهذا معناه أن قواتها في الغرب قامت بأداء مهمتها كاملة وإلا ما هو الداعى لإعلانها قبول وقف إطلاق النار طواعية دون ضغط في 22 أكتوبر ؟! فهل نجحت إسرائيل في تحقيق أى هدف يوم 22 أكتوبر وحتى يوم 28 أكتوبر عندما استمرت في خرق وقف إطلاق النار متعمدة طمعا في تحقيق أى مكسب أو على حد اعترافها بنفسها في محادثتها لهنرى كيسنجر أن جنرالتها رجوها في ساعات إضافية لتحسين وضع هذه القوات ! وبالطبع كانت جولدا مائير تعتمد في تصريحاتها الرنانة على سرية هذه الإعترافات التي دارت بينها وبين هنرى كيسنجر وهى السرية التي رُفعت بعد ثلاثين عاما من الحرب ثانيا : لو كانت القوات الإسرائيلية أوضاعها مطمئنة كما ادعت جولدا مائير فما هو الدافع الذى دعاها لقبول سحب قواتها جميعا في الغرب دون أن تفاوض على مكاسب أرضية في الشرق فتشترط انسحاب القوات المصرية عن شرق القناة وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 6 أكتوبر كمقابل للانسحاب الإسرائيلي من غرب القناة ؟! وهو الأمر الذى لم يحدث ولم تتخل القوات المصرية عن أى أرض اكتسبتها خلال العمليات وظلت يدها على أرضها المحررة حتى تمام تحرير سيناء جميعها ثالثا : ادعت جولدا مائير أن القوى العظمى منعتها من تحقيق أهدافها وهى تشير صراحة بهذا الكلام إلى أن كلامها السابق كله كان عبارة عن افتراء مكشوف لأنها وقعت في تناقض بادعائها أن قواتها حققت أهدافها تارة وتارة أخرى تدعى أن قواتها لم تسنح لها الفرصة لتحقيق مكاسبها في الغرب ! بالإضافة إلى حقيقة هامة يعلمها كل من له علاقة بالشئون السياسية والعسكرية في العالم وهى أن إسرائيل تفعل ما تشاء وقتما تشاء دون أن تلقي بالا للقوى العظمى , حتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها , وهذا إذا سنحت لها فرصة تحقيق أى مكسب مهما بلغت ضآلته , فما بالنا بهدف رهيب كهذا الذى كانت تطمح إليه إسرائيل ألا وهو رد الهزيمة إلى القوات المصرية واستعادة سمعة الجيش الإسرائيلي والإحتفاظ بسيناء والتاريخ خير دليل على أن إسرائيل عجزت عجزا كاملا عن تحقيق أى هدف من هذه الأهداف وأنها قبلت الإنسحاب لهذا السبب وليس بسبب الضغوط الأمريكية والسوفياتية فبداية : فمسألة عدم اكتراثها بالإتحاد السوفياتى أمر ثابت لا جدال فيه ثبت في معارك عام 1967 م عندما أقدمت على خرق وقف إطلاق النار بعد قبول جميع الأطراف له ـ بمن فيهم إسرائيل ـ يوم 9 يونيو واجتاحت الجولان السورية وأتمت إحتلالها دون أن تخشي وقف إطلاق النار أو تدخل الإتحاد السوفياتى , هذا فضلا على إقدام موشي ديان على احتلال بورفؤاد المصرية بعد قرار وقف إطلاق النار وهى المحاولة التي فشلت فيما بعد عندما نجحت وحدة خفيفة من الصاعقة المصرية لا تزيد عن ثلاثين رجلا في رد كتيبة المدرعات الإسرائيلية بخسائر فادحة في معركة رأس العش الشهيرة وهددها الإتحاد السوفياتى في معارك حرب أكتوبر ولم تحفل للتهديد واعتمدت على الحماية الأمريكية وبالفعل لم يستطع الإتحاد السوفياتى أن يفعل شيئا ونفذت إسرائيل هدفها بخرق وقف إطلاق النار لمدة ستة أيام في تحد مبالغ فيه , وعندما هددت إسرائيل العاصمة السورية دمشق ولم يكن في نيتها احتلالها بطبيعة الحال خرجت التصريحات السوفياتية تشير إلى أن وقوع عاصمة عربية في يد إسرائيل هو خط أحمر لن يسكت عليه الإتحاد السوفياتى ونحن نؤكد أن إسرائيل لو كان باستطاعتها أو من أهدافها تحقيق ذلك لما حفلت بالإتحاد السوفياتى لأنه سكت وغض الطرف عن سقوط عاصمة عربية أخرى بعد ذلك وهى بيروت في يد الإسرائيليين عام 1982 م , فأين هو خوف إسرائيل أو خشيتها أو تراجعها أمام الإتحاد السوفياتى ؟! |
|
|
|
وعندما لمعت في ذاكرة الشعوب العربية حقيقة إنتمائها الإسلامى وخاضت حرب أكتوبر بكلمة ( الله أكبر ) والسعى خلف المبدأ الإسلامى العتيد ( النصر أو الشهادة ) لم يعجب القوميون هذا الإنتصار ولا هذه النتيجة لأنها خالفت ما درجوا على تضليل الأمة به ردحا طويلا من الزمن , ووقف بعضهم يعيب مقولة ( أن نصر أكتوبر من الله ) باعتبار أنه إنجاز حضاري إنسانى !! ثم اختلقوا العيوب في نصر أكتوبر من عند أنفسهم بينما الأعداء الذين تلقوا الهزيمة أشادوا بالنصر ! وهكذا كان الصراع كله مبنيا على الأهواء ودفعت ثمنه الأوطان التي تشوهت أحداث تاريخها تحت ذريعة الإنتصار لعبد الناصر أو الإنتصار للسادات , وبالمثل في سائر العالم العربي .. لعبت القومية العنصرية لعبتها في النفوس وأصبحت الدول العربية ـ على حد تعبير المفكر الكويتى د. عبد الله النفيسي ـ شظايا جغرافية محتلة بالكامل وتدعى أنها دولة ولها كيان وسيادة على أرضها وشعبها ! وكما انقسم جيل السبعينات والثمانينات حول عبد الناصر والسادات , توزع العالم العربي زمرا حول الزعامات المظهرية , وكرسوا المنطق القبلي , ودافعوا عن الحكام العرب ـ رغم سياستهم المعروفة ـ دفاعا مريرا , ليس له هدف إلا التعصب العرقي وحده ! وكما اعتبر الناصريون عبد الناصر نبي آخر الزمان , وكما اعتبر الساداتيون أنور السادات بطل الحرب والسلام , اعتبرت الشعوب العربية حكامها المنبطحين من سلالة الخلفاء الراشدين !! وأصبح المصري يهاجم السورى والسعودى يهاجم الإماراتى والمغربي يهاجم الجزائري , وكل هذه الخلافات بسبب التعصب لجنسية الحكام وعدم الإنتباه لحظة واحدة إلى طبيعة سياسة هؤلاء الحكام الذين يقول عنهم المفكر الكبير عبد الله النفيسي أنهم يضاجعون الشيطان منذ مطلع الخمسينيات ! والدفاع عن أى نظام عربي اليوم خطيئة لا تغتفر لأنها تكرس لسياسة الإستقطاب والتعصب العرقي وتساهم دون وعى في أن يصبح الجيل الثالث ـ جيل مواليد السبعينات ـ والذي عليه أملٌ معقود في الإستقلال والإنتماء الحر للإسلام وحده , أصبح هذا الجيل معرضا لأن يصبح صورة مشوهة واستنساخ مريض من نفس صورة جيل الستينات والسبعينات الذين كان زعماؤهم وجماهيرهم يتراشقون العداء والحروب فيما بينهم بدلا من أن يطبقوا مبادئ القومية والوحدة التي اعتادوا ترديد شعاراتها دون العمل بمضامينها ! فأين هى القومية العربية وتجربتها على أرض الواقع , وهى التى تعتبر الآن السبب الرئيسي في اضمحلال العرب بعد أن تعبدوا بالشعارات والوحدة بينما كان عصر الخمسينيات والستينات عصر الحروب العربية ـ العربية , وتفننت الأنظمة من مصر إلى الخليج في تبادل أقذع الشتائم والتهم والمؤامرات , واستعانوا بتحالفات مع إسرائيل نفسها لتحقيق مكاسب إقليمية ! ويكفينا مثال واحد فقط تحدث عنه واعترف به أحد أكبر دعاة الناصرية الأستاذ محمد حسنين هيكل , في كتابه ( المفاوضات السرية ـ الجزء الثالث ) عندما كشف عن كنه حرب التوريط وهى مؤامرة حرب 67 , والتى ساهمت في إشعالها فصائل عربية رأت أنه من مصلحتها العليا توريط مصر في حرب بأى شكل مع إسرائيل بغض النظر عن النتيجة لأن مصر في نظرهم كانت في ذلك الوقت تعطى أولوية للتنمية الداخلية وبناء مؤسسات الدولة , ونسيت القضية الفلسطينية , فشاركت بعض هذه الفصائل في إشعال الأمور على الحدود السورية ـ الإسرائيلية , والحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية حتى ترد إسرائيل ويصبح اشتراك مصر في الدفاع عن سوريا ولبنان أمرا مؤكدا ! فاكتفت إسرائيل بالتهديد الكلامى لسوريا , ورد عبد الناصر بتهديدات فعلية رغم أنه أوفد الفريق محمد فوزى رئيس الأركان إلى الجبهة السورية لتقصي خبر الحشود الإسرائيلية هناك , واكتشف فوزى كذب هذه الأخبار ! ورغم هذا تمادى عبد الناصر ـ طبقا لمقتضيات زعامته التي رفضت اتهامات الصحف اللبنانية بأنه يختبئ خلف قوات الطوارئ الدولية ـ فأعلن سحب قوات الطوارئ وغلق خليج العقبة وحشد قوات الجيش المصري حشدا علنيا في سيناء , ولم تكن إسرائيل تتمنى أكثر من ذلك انطلق الإعلام اليهودى كالطوفان الهادر يستصرخ العالم أن يتعاطف مع إسرائيل التي يهددها العرب المتوحشون ! واستجاب الغرب لهذا النداء لأنه رأى أمامه واقعا يصعب تكذيبه , ولهذا التمسوا العذر لإسرائيل في الهجوم الذى نفذته في يونيو باعتباره دفاعا عن النفس واقتنعت القوى العظمى في العالم بهذا المبرر الذى أحسنت إسرائيل إخراجه بمسرحية لعبت فيها النظم العربية دور قطع الشطرنج , ولم تتحرك القوى الكبري لترد اعتداء إسرائيل كما حدث في عام 1956 م , والذي كان العالم فيه شاهدا على عدوان ثلاثي صريح بينما مصر تدافع دفاعا شرعيا عن أرضها أما في عام 1967 م , فالعالم أجمع كان شاهدا على أن مصر والعرب هم البادئون بالعدوان !! وكل هذا بسبب الزعامة العنترية والإستجابة للاستفزاز الطفولى الذى ربته تيارات القومية في العالم العربي , وجاء السادات , وحاول أن يفتح صفحة جديدة بعد أكتوبر تتسم بالعقلانية والتحرك السياسي المحسوب للفخاخ , لكنه وقع رهن مجده الشخصي أيضا وعندما رفض العرب الإنضمام إليه استدعى إلى ذاكرته تجربة مصر القومية التي كانت في نظره سببا في خراب مصر بالزعامات الصوتية , لأنها كانت تقتضي عمل مصر بإستنزاف سياسي واقتصادى مستمر لحدود تفوق إمكانياتها الفعلية لمجرد تأكيد الزعامة القومية وبدلا من أن يصلح هذه السياسة بسياسة متوازنة لا تتنازل عن دور مصر المحورى أعلن التمرد وأخرج نفسه وبلده من معادلة الصراع لاعنا القومية ودعاتها !! وهو بتصرفه هذا لم يخرج عن كونه نتيجة طبيعية لتيار القومية , لأنه تيار عنصري ضيق بطبيعته , جعل لكل قطعة جغرافية استقلال قومى منفرد بينما كانت المنطقة العربية كلها متوحدة أساسا بفعل التاريخ والواقع حتى جاء الإستعمار , وبدلا من أن يأتى الثوار لإعادة الوضع القديم نابذين الخلافات فيما بينهم , ومتبرئين من حدود اتفاقية ( سايكس بيكو ) انطلق الثوار بالتيار القومى يكرسون هذه الحدود كنتيجة طبيعية للنداء بالوحدة بين أوطان مختلفة ! واليوم , وبعد انتهاء عصر عبد الناصر والسادات .. آن الوقت اليوم لجيل مستقل في الثقافة العربية لينظر بعين الواقعية والحياد للتجربتين , لا ليصدر الأحكام , بل ليطلق الأقلام في معالجة التجارب المختلفة والإستفادة من التاريخ في التنظير للمستقبل , ويكفي أن إنتصار أكتوبر الخالد في تاريخ الأمة , لم يخرج إلى اليوم عنه فيلم وثائقي عربي ناجح ومحايد وخالى من الأغراض , ولم يخرج كتاب واحد عنه يقيّم التجربة تقييما حقيقيا ويروى الأحداث ويصحبها بتحليل محايد مستعينا بموقف الأعداء والأصدقاء , ومنزها نفسه عن صراعات جيل السبعينات , وسنتعرض لبعض كتابات أصحاب التيار القومى والناصري , والذين أساءوا لأنفسهم قبل أن يسيئوا للأمة عندما انتقصوا وانتقدوا بمكيالين في تجربة أكتوبر وحاولوا بشتى الوسائل أن يدمروا الصورة الأسطورية لملحمة أكتوبر لمجرد تصفية الحسابات ! في نفس الوقت الذى خرج فيه الغرب بمئات ـ وليس عشرات ـ المؤلفات والدراسات تحلل وتدرس إنتصارات أكتوبر وتؤرخ لها فضلا على عشرات الأفلام الوثائقية التي تتناول حرب أكتوبر كأحد الأحداث المفصلية في القرن العشرين |
|
|
|
|
|
وإذا بدعاة الصمود والتصدى من المتاجرين القوميين بالقضية الفلسطينية يتورطون فى مفاوضات واعترافات متوالية منذ عام 1982 ـ أى بعد أقل من عام من رفضهم للمفاوضات ـ وأعلنوا في قمة فاس الثانية خيار السلام والتفاوض ! |
|
|
|
|
الساعة الآن 07:54 AM |
|
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.