منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر ديوان العرب (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=48)
-   -   من روائع بدر شاكر السياب (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=1328)

ناريمان الشريف 09-20-2010 07:58 AM

الباب تقرعه الرياح
( بدر شاكر السياب )


الباب ما قرعته غير الريح في الليل العميق
الباب ما قرعته كفك
أين كفك و الطريق
ناء بحار بيننا مدن صحارى من ظلام
الريح تحمل لي صدى القبلات منها كالحريق
من نخلة يعدو إلى أخرى و يزهو في الغمام
الباب ما قرعته غير الريح
آه لعل روحا في الرياح
هامت تمر على المرافيء أو محطات القطار
لتسائل الغرباء عني عن غريب أمس راح
يمشي على قدمين و هو اليوم يزحف في انكسار
هي روح أمي هزها الحب العميق
حب الأمومة فهي تبكي
آه يا ولدي البعيد عن الديار
ويلاه كيف تعود وحدك لا دليل و لا رفيق
أماه ليتك لم تغيبي خلف سور من حجار
لا باب فيه لكي أدق و لا نوافذ في الجدار
كيف انطلقت على طريق لا يعود السائرون
من ظلمة صفراء فيه كأنها غسق البحار
كيف انطلقت بلا وداع فالصغار يولولون
يتراكضنون على الطريق و يفزعون فيرجعون
و يسائلون الليل عنك و هم لعودك في انتظار
الباب تقرعه الرياح لعل روحا منك زار
هذا الغريب هو ابنك السهران يحرقه الحنين
أماه ليتك ترجعين
شبحا و كيف أخاف منه و ما امحت رغم السنين
قسمات وجهك من خيالي
أين أنت أتسمعين
صرخات قلبي و هو يذبحه الحنين إلى العراق
الباب تقرعه الرياح تهب من أبد الفراق
من ليالي السهاد
1- ليلة في لندن
كما ينسل نور خائف من فرجة الباب
إلى الظلماء في غرفة
سمعت هتافه المجروح يعبر نحوي الشرفه
ليرفع من سماوة لندن الليل المطل بلونه الكابي
على الطرقات ترقد في دثار الثلج ملتفه
و أمس سمعت في إيران صوت الديك في الفجر
و من أفق المنائر في الكويت وزرقه البحر
أهاب فرش جفني بالنعاس ( رنين أكواب
بماء البصرة الرقراق تملأ ثم تسقيني )
نداء راح ينثره المؤذن أطفيء الفانوس رف ضياؤه رفه
وبعثره الظلام
و ليلي الأواه في بيروت يحييني
لأبصر فيه وجه الموت راح يذيبه نبع من اللهفه
تدفق من فؤاد البلبل المسكوب بين غصون لبلاب
ليال من عذاب من سنام لست أنساها
غريبا كنت حتى حين أحلم لست في جيكور
و لا بغداد أمشي في صحارى قلبي المسعور
يريد الماء فيها ماء أين الماء و هي تريه أفواها
على آفاقها الربداء ظمآى تشرب الديجور
فلا تروى أأقصى العمر في صحراء في ليل من العطش
أفتش عن عيون الماء عن إشراقه الغبش
كأعمى نال منه السكر صاح ورفرفت كفاه بين مساند الماخور
ليبحث عن رفيق أين جاري أين داري أين أواها
أميرتي التي كانت تناولني كؤوس النور
فيبصر قلبي الدنيا و يلقاها
كأن الصبح أشرق في العراق و تعبر الرؤيا
بحارا بي و تطوي ألف درب في الدجى تاها
تراجع عالم و أطل ثان عالم يحيا
على الأقمار تولد ثم تكمل ثم تندثر
و ما لبس الجديد بغير يوم العيد يدخر
ويجمع ثم ينفق ثم يضحك و هو يفتخر
بأن الله يرزق حين يرزق هكذا الدنيا
شتاء ثم صيف ليس في جيكور محتكر
و لا فيها مصارف أو جرائد ليل كوريا
يرى شفقا من النيرا
فالنيران فيها حين تستعر
تضيء لحى الشيوخ يحدثون و أعين النسوه
تحدق في الطعام و ترقب الأطفال في نشوة
أعدني يا إله الشرق و الصحراء و النخل
إلى أيامي الحلوة
إلى داري إلى غيلان ألثمه إلى أهلي

ناريمان الشريف 09-20-2010 07:59 AM

الشاعر الرجيم
( بدر شاكر السياب )


حملت للنزال سيفك الصديء
يهتز في يد تكاد تحرق السماء
من دمها المتقد المضيء
تريد أن تمزق الهواء
وتجمع النساء
في امرأة شفاهها دم على جليد
و جسمها المخاتل البليد
أفعى إذا مشت وسادة على الفراش
لا تريد
أن تفتح الكوى ليدخل الضيّاء
كي لا تحسّ أنها خواء
و يرفع الشّرق أمام عينيك الستور
توشك أن تعانق الجمال عند سدّة الإله
تكاد أن تراه
يهفّ وسط غيمة من عبق و نور
تراه في حلمه نهد توقد النجوم
بحمرة لها
؟أريته يقوم
من قبره تحمله سحابة الدّخان
ينام تحت ظلّها الفقير و الشريد
فهو أمير حوله الكؤوس و القيان
و بيته العتيد
جزيرة من جزر المرجان
كأن بحرا غاسلا لسبوس بالأجاج
تشربه روحك من صدى إلى القرار
كأن سافو أورثتك من العروق نار
و أنت لا تضم غير حلمك الأبيد
كمن يضم طيفه المطلّ من زجاج
حرقة نرسيس و تنتلوس و الثمار
كأن أفريقية الفاترة الكسول
( أنهارها العراض و الطبول
وغابها الثقيل بالظلال و المطر
وقيظها الندى و القمر )
تكورت في امرأة خليعة العذار
رضعت منها السمّ و اللهيب
قطرت فيها سمّك الغريب
كأنّها سحابة الدخان و الخدر
أقمت منها بين عالم تشده نوابض النضار
و بين عالم من الخيال و الفكر
من نشوة جدار
تقبع خلف ظله فلا ينالك البشر
دخلت من كتابك الأثيم
حديقة الدم التي تؤج بالزّهر
شربت من حروفه سلافة الجحيم
كأنّها أثداء ذئبة على القفار
حليبها سعار
وفيئها نعيم
غرقت فيه صكّني العباب
يقذفني من شاطيء لشاطيء قديم
حملت من قراره محارة العذاب
حملتها إليك
فمدّ لي يديك
وزحزح الصخور و التراب

ناريمان الشريف 09-20-2010 07:59 AM

الشاهدة
( بدر شاكر السياب )


يا قارئا كتابي
ابك على شبابي
شاهدة بين القبور تبكي
تستوقف العابر يا صحابي
غضوا الخطى و لتصمتواإن القرون تحكى
في جملة خطت على التراب
من نام في القبر ودود القبر
يسأل لا ينطق بالجواب
سيان عنده ائتلاق الفجر
و ظلمة الليل بلا ثياب
بلا طعام لا هوى لا حقد
أفقر أهل الفقر
فيه و أغنى الأغنياء تعدو
في قبره الجرذان و هو غاف
نام من الديدان في لحاف
**
لي نومة مع التراب في غد
صباحها أول ليل الأبد
يمر بي الشيوخ و الشبان
يثرثرون يدها فوق يدي
و عينها وينفث الدخان
رب فتى مورّد
يقرأ من شعري على الصحاب
يقرأ في كتابي
قصيدة خضراء عن جيكور
غافية تحت غصون النور
تحلم بالسحاب
مرّ على قبري فقال قبر
و أين من هذا الرميم الشعر
يدفق بالعواطف
كهبّة العواصف القواصف
مر على قبري فكاد الصّخر
يصرخ تحتي نام هذا الشاعر
صاحب هذه القوافي يسمع
ما قلتموه فالعيون تدمع
في عالم لا يرجع المسافر
منه و لا للنوم فيه آخر
رفقا به دعوة في رقدته
تؤنسه الديوان في وحدته
كان له قلب و كان أمس
حتى إذا استنزف من مدته
توسد الترابا
لا تقرأوا الكتابا
ثمّ تغيب الشمس
**

ناريمان الشريف 09-20-2010 08:00 AM

العش المهجور
( بدر شاكر السياب )


بمنحى من مراقبة العيون
و منأى عن متابعة الظنون
و في ظل النخيل حطام عش
تلفع بالأزاهر و الغصون
ترحل طائراه فبارت خلوا
عميق الحزن متصل السكون
يكاد نسيجه عشبا وزهرا
يبوح بما يسر من الأنين
يحن إلى الجداول و الروابي
و ضاكة السهول و الحزون
لقد ذهب الذي سلاه عنها
فعاد إلى التشوق و الحنين
كأن العش حين خلا و أقوى
و متا به صدى النغم الحنون
غدير جف غاربه و ماتت
أغاني موجه المرح المعين
كأن قشاشة أوتار عود
مكفنة بها جثث اللحون
و أبدل من ظعين قد تولى
بما لم يسله حب الظعين
إذا متع النهار أوت إليه
ظلال النخل ناعسة الجفون
و يطرقه شعاع النجم و هنا
و ضوء البدر حينا بعد حين
طروق الذكريات فؤاد صب
كثير الشجو منقطع الوتين
تمر به النسائم هامسات
فتنشر فيه عطر الياسمين
و توقظ في جوانبه الأغاني
عذاب الجرس فاتنة الرنين
و كم غمرته أنفاس الخزامى
قد امتزجت بدمع ندي هتون
و ربة وحشة تأوي إليه
إذا أوت الطيور إلى الوكون
ليشبهني مثل حالي
و شأن في الغرام حكى شؤون
فقلبي لا يزال قرين شجو
متى هفت القلوب إلى قرين
إذا الأحلام زرن عيون غيري
تزور العبرة الحرى عيوني
يكاد العش إن هتفت صدوح
يبادلها غناء شج حزين
و ليل نام سامره اكتئابا
أثار له الخفي من الشجون
و أذكره ليالي ذاهبات
فغص من الكآبة بالدجون

ناريمان الشريف 09-20-2010 08:00 AM

العودة لجيكور
( بدر شاكر السياب )


على جواد الحلم الأشهب
أسريت عبر التلال
أهرب منها من ذراها الطوال
من سوقها المكتظ بالبائعين
من صبحها المتعب
من ليلها النابح و العابرين
من نورها الغيهب
من ربها المغسول بالخمر
من عارها المخبوء بالزهر
من موتها الساري على النهر
يمشي على أمواجه الغافية
أواه لو يستيقظ الماء فيه
لو كانت العذراء من وارديه
لو أن شمس المغرب الداميه
تبتل في شطيه أو تشرق
لو أن أغصان الدجى تورق
أو يوصد الماخور عن داخليه
-2-
على جواد الحلم الأشهب
و تحت شمس المشرق الأخضر
في صيف جيكور السخي الثرى
أسريت أطوي دربي النائي
بين الندى و الزهر و الماء
أبحث في الآفاق عن كوكب
عن مولد للروح تحت السماء
عن منبع يروي لهيب الظماء
عن منزل للسائح المتعب
-3-
جيكو جيكور أين الخبز و الماء
الليل وافى و قد نام الأدلاّء
و الركب سهران من جوع و من عطش
و الريح صر و كل الأفق أصداء
بيداء ما في مداها ما يبين به
درب لنا و سماء الليل عمياء
جيكور مدّي لنا بابا فندخله
أو سامرينا بنجم فيه أضواء
-4-
من الذي يسمع أشعاري
فان صمت الموت في داري
و الليل في ناري
من الذي يحمل عبء الصليب
في ذلك الليل الطويل الرهيب
من الذي يبكي و من يستجيب
للجائع العاري
من ينزل المصلوب عن لوحه
من يطرد العقبان عن جرحه
من يرفع الظلماء عن صبحه
و يبدل الأشواك بالغار
أواه يا جيكور لو تسمعين
أواه يا جيكور لو توجدين
لو تنجبين الروح لو تجهضين
كي يبصر الساري
نجما يضيء الليل للتائهين
-5-
نزع و لا موت
نطق و لا صوت
طلق و لا ميلاد
من يصلب الشاعر في بغداد
من يشتري كفيه أو مقلتيه
من يجعل الأكليل شوكا عليه
جيكور يا جيكور
شدّت خيوط النور
أرجوحة الصبح
فألمي للطيور
و النمل من جرحي
هذا طعامي أيها الجائعون
هذي دموعي أيها البائسون
هذا دعائي أيها العابدون
أن يقذف البركان نيرانه
أن يرسل الفرات طوفانه
كي نشرق الظلمة
كي نعرف الرحمة
جيكور يا جيكور
شدت خيوط النور
أرجوحة الصبح
فألمي للطيور
و النمل من جرحي
-6-
هذا حرائي حاكت العنكبوت
خيطا إلى بابه
يهدي إلي الناس إني أموت
و النور في غابه
يلقي دنانير الزمان البخيل
من شرفات في سعفات النخيل
جيكور يا جيكور خلّ و ماء
ينساب من قلبي
من جرحي الواري
من كل أغواري
أواه يا شعبي
جيكور يا جيكور هل تسمعين
فلتفتح الأبواب للفاتحين
و لتجمعي أطفالك اللاعبين
في ساحة القرية هذا العشاء
هذا حصاد السنين
الماء خمر و الخوابي غذاء
هذا ربيع الوباء
-7-
أقوى من الأسوار هذا الجواد
أقوى جواد الحلم الأشهب
لأن الحديد المغتذي بالحداد
و انخذل الموكب
جيكور ماضيك عاد
................................
هذا صياح الديك ذاب الرقاد
و عدت من معراجي الأكبر
الشمس أم السنبل الأخضر
خلف المباني رغيف
لكنها في الرصيف
أغلى من الجوهر
و الحبّ هل تسمعين
هذا الهتاف العنيف
مذا علينا إن عبد اللطيف
يدري بأنّا ما الذي تحذرين
و انخطفت روحي وصاح القطار
ورقرقت في مقلتيّ الدموع
سحابة تحملني ثم سار
يا شمس أيامي أما من رجوع
...........................
جيكور نامي في ظلام السنين

ناريمان الشريف 09-20-2010 08:01 AM

الغيمة الغريبة
( بدر شاكر السياب )


المومس الأجيرة الحقيرة
أكثر من حبيبتي سخاءا
أتيتها مساءا
معانقا أعانق الهواءا
هبّ من القطب على الظهيرة
مقبلا عيونها الخواءا
كأنني كيشوت في الأصيل
يركض خلف ظله الطويل
و يطعن السنابل الكسيرة
يظنها الأعداء
ضممت منها جثة بيضاءا
تكفنت من داخل و قبرها
في جوفها تناءى
حملت منها صخرة صماءا
تشدني إلى الثرى
أرفعها لتلثم الجوزاءا
الحب أن تبذل أن تنال ما تريد
كالنبع إذ يدفق لا كالبئر
كالنار تطوي نحوك السماءا
لا شرر الزناد
أستزيد
فألتقى دمعي كغيمة تعيد نفسها للبحر
أتعلم السحابة المرعدة المبرقة المجلجلة
بأن ماءها سيستحيل غيمة إليها مقبلة
تبذله في الفجر
و تلتقي به قبيل العصر
أريد أن أضمّ أن أقّبل
الدم الذي ينبض في الشفاه
كأنما القلب الذي يقّبل
الجسد الموات لا يحس شهقة الأله
تغور كالمدية حين تقتل
فتعبث الحياة القتيل
أريد أن أحرق كالحريق من أخيل :
في القلب و اليدين و الكعبين
و يأكل النار لظى في عيني
لو كان ما تحسه الحبيبة
الألم الدوار لا الخواءا
ماكنت مثل غيمة غريبة ترعد حتى تشعل الهواءا
رعدا
و تأبى الأرض أن تجيبه

ناريمان الشريف 09-20-2010 08:02 AM

القصيدة و العنقاء
( بدر شاكر السياب )


جنازتي في الغرفة الجديدة
تهتف بي أن أكتب القصيدة
فأكتب
ما في دمي و أشطب
حتى تلين الفكرة العنيدة
و غرفتي الجديدة
واسعة أوسع لي من قبري
إذا اعتراني تعب
من يقظة فالنوم منها أعذب
ينبع حتى من عيون الصّخر
حتى من المدفأة الوحيدة
تقوم في الزاوية البعيدة
**
و ترفع الجنازة اليابسة المهدّمه
من رأسها ترنو إلى الجدران
و السفق و المرآه و القناني
ما للزوايا مظلمة
كأنهنّ الأرض للأنسان
تريد أن تحطّمه
بالمال و الخمور و الغواني
و الكذب في القلب و في اللسان
تريد أن تعيده
للغاية البليده
وصفحة المرآة ما لها تطلّ خاوية
ما أثمرت بغانية
بالشفة المرجان
تنيرها كالشفق العينان
و بالهنود العرية
كهذه المرآه
ستصبح الأرض بلا حياة
و في الليالي الداجية
في ذلك السكون فيه
إلا الرياح العاوية
سيفرغ الله من الأموات
و يسحب الموت و يغفو فيه
مثل دثار الليالي الشاتيه
**
و هكذا الشاعر حين يكتب القصيدة
فلا يراها بالخلود تنبض
سيهدم الذي بنى يقوّض
أحجارها ثم يملّ الصمت السكون
و حين تأتي فكرة جديدة
يسحبها مثلّ دثار يحجب العيونا
فلا ترى إن شاء أن يكونا
فليهدم الماضي فالأشياء ليس تنهض
إلا على رمادها المحترق
منتثرا في الأفق
وتولد القصيدة

ناريمان الشريف 09-20-2010 08:02 AM

القن و المجرة
( بدر شاكر السياب )


و لولا زوجتي و مزاجها الفوار لم تنهد أعصابي
و لم ترتد مثل الخيط رجلي دونما قوة
و لم ترتج فهو يسحبني إلى هوه
و لا فارقت أحبابي
و لا خلفت اودسيوس يضرب في حبي الغاب
و تقذفه البحار إلى سواها دونما مرسى
هناك تركته و طويت عنه كتابي المهجور
سأكمل سفرتي معه ستحملني إلى جيكور
سيفته و لن أنسى
بأن وراء رغو البحر قلبا هده القلق
و عينا كلما زرع الغروب حدائق الديجور
بأنجمها الصبايا شد من حملاقها الشفق
على الأفق البعيد لعل خفقا من شراع أو سنا مصباح
على اللجج الضواري لاح
فأه لو كبنلوب الحزينه زوجتي تترقب الأنسام
لعل جناح طياره
كمحراث من الفولاذ شقق بينها الأثلام
ليزره ثم أزهاره
ألا تبا لحب هذه الآلام من عقباه
كأن شفاهنا حين التقت رسمت من القبل
سريرا نمت فيه أنث منه الآه بعد الآه
و عكازا عليه مشيت ثم هويت من ثقل
كأن حجارة السور الذي ما بيننا قاما
لها من هذه القبلات طين شدها شدا
أدهرا كان أم سبعا من النكبات أعواما
و لكن ما عليها من جناح كنت معتدا
بذهني أو شبابي
سوف أصهرا أغيرها كطين في يد الفنان
و قد غيرت لكن الذي غيرت ماذا كان
فؤادا ضيقا كاللحد كيف أوسع اللحدا
و نفسا حدها بين السرير و بين قائمة الحساب كأنها قن
من الأقنان
مداه يمد بين البيت و الحقل
حبالا قيدت قدميه و هو يردد الألحان
و لم يك يفهم الكلمات ( ليس لقطرة الطل
مكان إذ يجوع البطن يا لتلهف الظمآن
أترويه المجرة و هي بحر هكذا زعموا على الشطآن
منه تناثرت كسر الكواكب فهي كالرمل
هنالك و المحار أكل هذا يشبع الجوعان
و لكني أحن فهل أعود غدا إلى أهلي
نعم سأعود
أرجع لا إليها بل إلى غيلان

ناريمان الشريف 09-20-2010 08:03 AM

اللعنات
( بدر شاكر السياب )


1 الى النار
لا ترجفي يا بنان القارىء الأنا
لا انشق باب ولا صافحت شياطانا
لا ترجفي وانشري سفرا صحائفه
درب الى النار لولا هن ما كانا
أفضى الى عالم ناء الى ظلم
كانت حياة على الدنيا وأزمانا
حاك الخيال المدمى بعضها قصصا
والواقع المر انباء وألحانا
عذراء ما وطئت رجل مدراجها
كالبحر قاعا وغيب الله شطآنا
واد من النار داج لا ألم به
شيخ المعرة يستوحيه غفرانا
ولا تخطى بدانتي بابه بصر
خاض الجحيم دما يغلي ونيرانا
وادي حزانا ومظلومين تملؤه
أطياف أحيائنا الغضبى وموتانا
ضجوا لدى الله بالشكوى فرق لها
قلبا وهز النجوم الزهر غضبانا
وانثال كالغيث لو أن لظى
صوت سرى زعزعا وانشق بركانا
ويل الطغاة السكارى من عقاب غد
ان زلزل الكوكب المنكود ايذانا
فزمزم الحشد والنكباء تنشره
حينا وتطويه كف الله أحيانا
رباه لو أن في طول انتظار غد
جدوى لما أسمعتك الريح شكوانا
ما كان حتما علينا أن يعذبنا
طاغ وان يشهد الرحمن بلوانا
النار أشهى فهات النار تصهرنا
يوم الحساب ومتعنا بدنيانا
ان كان لا يدخل الجنات داخلها
الا شقيا على الأواى وغرثانا
وكان أمرك أن نرضى بما صنعوا
فاحفظ عبيدك فالشيطان مولانا

ناريمان الشريف 09-20-2010 08:04 AM

اللقاء الأخير
( بدر شاكر السياب )


والتف حولك ساعداي ومال جيدك في اشتهاء
كالزهرة الوسني فما أحسست إلا والشفاة
فوق الشفاة وللمساء
عطر يضوع فتسكرين به وأسكر من شذاه
في الجيد والفم والذراع
فأغيب في أفق بعيد مثلما ذاب الشراع
في أرجوان الشاطيء النائي وأوغل في مداه
.
شفتاك في شفتي عالقتان والنجم الضئيل
يلقى سناه على بقايا راعشات من عناق
ثم ارتخت عني يداك وأطبق الصمت الثقيل
يا نشوة عبرى وإعفاء على ظل الفراق
حلواَ كإغماء الفراشة من ذهول وانتشاء
دوما إلى غير انتهاء
.
يا همسة فوق الشفاة
ذابت فكانت شبه آه
يا سكرة مثل ارتجافات الغروب الهائمات
رانت كما سكن الجناح وقد تناءى في الفضاء
غرقي إلى غير انتهاء
مثل النجوم الآفلات
لا لن تراني لن أعود
هيهات لكن الوعود
تبقى تلحّ فخفّ أنت وسوف آتي في الخيال
يوما إذا ما جئت أنت وربما سال الضياء
فوق الوجوه الضاحكات وقد نسيت وما يزال
بين الأرائك موضع خال يحدق في غباء
هذا الفراغ أما تحس به يحدق في وجوم
هذا الفراغ أنا الفراغ فخف أنت لكي يدوم !
.
هذا هواليوم الاخير ؟!
واحسرتاه! أتصدقين؟ ألن تخفّ إلى لقاء؟
هذا هو اليوم الأخير فليته دون انتهاء !
ليت الكواكب لا تسير
والساعة العجلى تنام على الزمان فلا تفيق!
خلفتني وحدي أسير إلى السراب بلا رفيق
.
يا للعذاب أما بوسعك أن تقولي يعجزون
عنا فماذا يصنعون
لو أنني حان اللقاء
فاقتادني نجم المساء
في غمرة لا أستفيق
ألا وأنت خصري تحت أضواء الطريق ؟!
.
ليل ونافذة تضاء تقول إنك تسهرين
أني أحسّك تهمسين
في ذلك الصمت المميت ألن تخف إلى لقاء
ليل ونافذة تضاء
تغشى رؤاي وأنت فيها ثم ينحل الشعاع
في ظلمة الليل العميق
ويلوح ظلك من بعيد وهو يومئ بالوداع
وأظل وحدي في الطريق

ناريمان الشريف 09-20-2010 08:04 AM

المبغى
( بدر شاكر السياب )


بغداد مبغى كبير
احظ المغنّية
كساعة تتكّ في الجدار
في غرفة الجلوس في محطّة القطار
يا جثة على الثرى مستلقية
الدود فيها موجة من اللهيب و الحرير
بغداد كابوس ( ردي فاسد
يجرعه الراقد
ساعاته الأيام أيامه الأعوام و العام نير
العام جرح ناغر في الضمير )
عيون المها بين الرصافة و الجسر
ثقوب رصاص رقشت صفحة البدر
و يسكب البدر على بغداد
من ثقبي العينين شلالا من الرماد
الدور دار واحدة
و تعصر الدروب كالخيوط كلّها
في قبضة ماردة
تمطّها تشلّها
تحيلها دربا إلى الهجير
و أوجه الحسان كلهنّ وجه ناهده
حبيبتي التي لعابها عسل
صغيرتي التي أردافها جبل
و صدرها قلل
و نحن في بغداد من طين
يعجنه الخزّاف تمثالا
دنيا كأحلام المجانين
و نحن ألوان على لجها المرتجّ أشلاء و أوصالا
بالأمس كان العيد عيد الزهور
الزاد تحثوه الربى و الخمور
و الرقص و الأغنيات
و الحب و الكركرات
ثم انتهى إلا بقايا طيور
تلتقط الحبّ و إلاّ دماء
مما نماه الحقل طير وشاء
و غير أطفال يطوفون أور
العيد من قال انتهى عيدنا
فلتملأ الدنيا أناشيدنا
فالأرض ما زالت بعيد تدور
بالأمس كان العيد عيد الزهور
و اليوم ما نفعل
نزرع أم نقتل
أهذه بغداد
أم أن عاموره
عادت فكان المعاد
موتا و لكنني في رنّة الأصفاد
أحسست ماذا صوت ناعوره
أم صيحة النّسغ الذي في الجذور

ناريمان الشريف 09-20-2010 08:05 AM

المخبر
( بدر شاكر السياب )


أنا ما تشاء أنا الحقير
صبّاغ أحذية الغزاة و بائع الدم و الضمير
للظالمين أنا الغراب
يقتات من جثث الفراخ أنا الدمار أنا الخراب
شفة البغيّ أعفّ من قلبي و أجنحة الذباب
أنقى و أدفأ من يدي كما تشاء أنا الحقير
لكن لي من مقلتي إذا تتبعتا خطاك
و تقرتا قسمات وجهك و ارتعاشك إبرتين
ستنسجان لك الشراك
و حواشي الكفن الملطخ بالدماء و جمرتين
تروعان رؤاك إن لم تحرقاك
و تحول دونهما ودونك بين كفيّ الجريدة
فتندّ آهتك المديده
و تقول أصبح لا يراني بيد أن دمي يراك
إني أحسّك في الهواء و في عيون القارئين
لم يقرأون لأن تونس تستفيق على النضال
و لأن ثوار الجزائر ينسجون من الرمال
و من العواصف و السيول و من لهاث الجائعين
كفن الطغاة ؟ و ما تزال قذائف المتطوعين
يصفرن في غسق القنال
لم يقرأون و ينظرون إليّ حينا بعد حين
كالشامتين ؟
سيعلمون من الذي هو في ضلال
و لأيّنا صدأ القيود لأينا صدأ القيود
لأيّنا
نهض الحقير
و سأقتفيه فما يفرّ سأقتفيه إلى السعير
أنا ما تشاء أنا اللئيم أنا الغبيّ أنا الحقود
لكنّما أنا ما أريد أنا القويّ أنا القدير
أنا حامل الأغلال في نفسي أقيد من أشاء
بمثلهنّ من الحديد و أستبيح من الخدود
ومن الجباه أعزهن أنا المصير أنا القضاء
الحقد كالتنور في إذا تلهّب بالوقود
الحبر و القرطاس أطفأ في وجوه الأمّهات
تنورهنّ و أوقف الدم عن ثدي المرضعات
في البدء كان يطيف بي شبح يقال له الضمير
أنا منه مثل اللص يسمع وقع أقدام الخفير
شبح تنفّس ثمّ مات
و اللص عاد هو الخفير
في البدء لم أك في الصراع سوى أجير
كالبائعات حليبهنّ كما تؤجّر للبكاء
و لندب موتى غير موتاهنّ في الهند النساء
قد أمعن الباكي على مضض فعاد هو البكاء
الخوف و الدم و الصغّار فأي شيء أرتجيه
فعلى يديّ دم و في أذنيّ وهوهة الدماء
و بمقلتيّ دم و للدم في فمي طعم كريه
أثقل ضميرك بالآثام فلا يحاسبك الضمير
و انس الجريمة بالجريمة و الضحية بالضحايا
لا تمسح الدم عن يديك فلا تراه و تستطير
لفرط رعبك أو لفرط أساك و احتضن الخطايا
بأشدّ ما وسع احتضان تنج من وخز الخطايا
قوتي و قوت بني لحم آدمي أو عظام
فليحقدن علي كالحمم المستعرّة الأنام
كي لا يكونوا إخوة لي آنذاك و لا أكون
و ريث قابيل اللعين سيسألون
عن القتيل فلا أقول
أأنا الموكل و يلكم بأخي فإن المخبرين
بالآخرين موكّلون
سحقا لهذا الكون أجمع و ليحلّ به الدمار
مالي و مالي و ما للناس لست ابا لكل الجائعين
و أريد أو أروى و أشيع من طوى كالآخرين
فليترلوا بي ما استطاعوا من سباب و احتقار
لي حفنة القمح التي بيدي و دانية السنين
خمس و أكثر و أو أقل هي الربيع من الحياه
فليحلموا هم بالغد الموهوم يبعث في الفلاة
روح النماء و بالبيادر و انتصار الكادحين
فليحملوا إن كانت الأحلام تشبع من يجوع
إني سأحيا رجاء و لا اشتياق و لا نزوع
لا شيء غير الرعب و القلق الممض على المصير
ساء المصير
ربّاه إن الموت أهون من ترقّبه المرير
ساء المصير
لم كنت أحقر ما يكون عليه إنسان حقير

ناريمان الشريف 09-20-2010 08:05 AM

المساء الأخير
( بدر شاكر السياب )


برب الهوى يا شمس لا تتعجلي
لعلي أراها قبل ساع الترحل
سريت فأفق الغرب يلقلك باسما
طروبا و أفق الشرق بادي التذلل
كأن السنا إذ فارق الأرض و اعتلى
رؤوس الروابي و النخيل المسبل
أحاسيس أخفاها الفؤاد وصانها
زمانا ففاضت من عيون و مقول
و صفصافة مخضوبة الرأس بالسنا
تراع بزفزاف من الريح معول
تبين كعذراء من الريف أقبلت
بجرتها من دافق الماء سلسل
نعى لي و للناس النهار ( مؤذن )
وقد كان ينعي لي قؤادي و مأملي
تمنيته لا يسمع الصوت أخرسا
تمنيت لو يهوي إلى الأرض من عل
ألا وقرت آذان من يسمعونه
بأشلاء قلب في ضلوعي مقتل
ألا نثرت من تحت أقدامه أسى
حجارة ذاك المسجد المتبتل
أطرت عصافير الربى حين غادرت
كأن بتغريد العصافير مقتلي
رأيت بها بدهر مجنح
فأبغضت أشباه العدو المنكل
كأنى به لما يمد جناحه
يمد لأكباد الورى حد فيصل
ألا ليت عمر اليوم يزداد ساعة
ليزداد عمر الوصل نظرة معجل

ناريمان الشريف 09-20-2010 08:06 AM

المسيح بعد الصلب
( بدر شاكر السياب )


بعدما أنزلوني سمعت الرياح
في نواح طويل تسف النخيل
و الخطى و هي تنأى إذن فالجراح
و الصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل
لم تمتني و أنصتّ كان العويل
يعبر السهل بيني و بين المدينة
مثل حبل يشدّ السفينة
و هي تهوي إلى القاع كان النواح
مثل خيط من النور بين الصباح
و الدجى في سماء الشتاء الحزينة
ثم تغفو على ما تحسّ المدينة
حينما يزهر التوت و البرتقال
حيت تمتدّ جيكور حتى حدود الخيال
حين تخضرّ عشبا يغنّي شذاها
و الشموس التي أرضعتها سناها
حين يخضرّ حتى دجاها
يلمس الدفء قلبي فيجرى دمي في ثراها
قلبي الشمس إذ تنبض الشمس نورا
قلبي الأرض تنبض قمحا وزهرا و ماء نميرا
قلبي الماء قلبي هو السنبل
موته البعث يحيا بمن يأكل
في العجين الذي يستدير
ويدحى كنهد صغير كثدي الحياه
متّ بالنار أحرقت ظلماء طيني فظلّ الإله
كنت بدءا و في البدء كان الفقير
متّ كي يؤكل الخبز باسمي لكني يزرعوني مع الموسم
كم حياة سأحيا ففي كل حفرة
صرت مستقبلا صرت بذره
ذرت جيلا من الناس في كل قلب دمي
قطرة منه أو بعض قطرة
هكذا عدت فاصفرّ لما رآني يهوذا
فقد كنت سره
كأن ظلا قد اسود مني و تمثال فكره
جمّدت فيه و استلّت الروح منها
خاف أن تفضح الموت في ماء عينيه
عيناه صخرة
راح فيها يواري عن الناس قبره
خاف من دفنها من محال عليه فخبّر عنها
أنت أم ذاك ظلي قد أبيضّ وارفضّ نورا
أنت من عالم الموت تسعى هو الموت مرّه
هكذا قال آباؤنا هكذا علمونا فهل كان زورا
ذاك ما ظنّ لما رآني و قالته نظرة
قدم تعدو قدم قدم
القبر يكاد بوقع خطايا ينهدم
أترى جاءوا من غيرهم
قدم قدم قدم
ألقيت الصخر على صدري
أو ما صلبوني أمس فها أنا في قبري
فليأتوا إني في قبري
من يدري أني من يدري
ورفاق يهوذا من سيصدق ما زعموا
قدم قدم
ها أنا الأن عريان في قبري المظلم
كنت بالأمس ألتف كالظن كالبرعم
تحت أكفاني الثلج يخضل زهر الدم
كنت كالظل بين الدجى و النهار
ثم فجرت نفسي كنوزا فعرّيتها كالثمار
حين فصلت جيبي قماطا و كمّي دثار
حين دفأت يوما بلحمي عظام الصغار
حين عريت جرحي و ضمدت حرجا سواه
حطم السور بيني و بين الإله
فاجأ الجند حتى جراحي و دقات قلبي
فاجأوا كل ما ليس موتا و إن كان في مقبرة
فاجأوني كما فاجأ النخلة المثمرة
سرب من الطير في قرية مقفرة
أعين البندقيات يأكلن دربي
شرع تحلم النار فيها بصلبي
إن تكن من حديد و نار فأحداق شعبي
من ضياء السماوات من ذكريات و حب ّ
تحمل العبء عني فيندى صليبي فما أصغر
ذلك الموت موتي و ما أكبره
بعد أن سمّروني و ألقيت عينيّ نحو المدينة
كدت لا أعرف السهل و السور و المقبرة
كان شيء مدى ما ترى العين
كالغابة المزهرة
كان في كلّ مرمى صليب و أم حزينة
قدس الربّ
هذا مخاض المدينة

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:30 PM

المعبد الغريق
( بدر شاكر السياب )


خيول الريح تصهل و المرافىء يلمس الغرب
صواريها بشمس من دم و نوافذ الحانة
تراقص من وراء خصاصها سرج و جمع نفسه الشّرب
بخيط من خيوط الخوف مشدودا إلى قنينة و يمدّ آذانه
إلى المتلاطم الهدّار عند نوافذ الحانه
و حدّث و هو يهمس جاحظ العينين مرتعدا
يعبّ الخمر شيخ عن دجى ضاف و أدغال
تلامح وسطها قمر البحيرة يلثم العمّدا
يمسّ الباب من جنبات ذاك المعبد الخالي
طواه الماء في غلس البحيرة بين أحراش مبعثرة و أدغال
هنالك قبل ألف حين مج لظاه من سقر
فم يفتّح البركان عنه فتنفض الحمّى
قرارة كل ما في الواد من حجر على حجر
تفجّر باللظى رحم البحيرة ينثر الأسماك و الدم مرغيا سمّا
وقر عليه كلكل معبد عصفت به الحمّى
تطفّأ في المباخر جمرها و توهج الذّهب
ولاح الدرّ و الياقوت أثمار من النور
نجوما في سماء تزحف دونما السّحب
تمرغ فوقها التمساح ثم طفا على السّور
ليحرس كنزه الأبدي حتى عن يد الظلماء و النور
و أرسى الأخطبوط فنار موت يرصد البابا
سجا في عينه الصوراء صبح كان في الأزل
تهزّأ بالزمان يمرّ ليل بعد ليل و هو ما غابا
ففيم غرور هذا الهالك الإنسان هذا الحاضر المشدود بالأرجل ؟
أعمّر ألف عام ؟ ليته شهد الخلائق و هي تعبر شرفة الأول
ألا يا ليته شهد السلاحف تستحق الدّنيا
قياصرها و يمنع درعها ما صوّب الزمن
إليها من سهام الموت
لكنّ الذي يحيا
بقلب يعبر الآباد يكسر حدّه الوهن
فيصمت عمره أزل يمس حدوده أبد من الأكوان في دنيا
هنالك ألف كنز من كنوز العالم الغرقي
ستشبع ألف طفل جائع و تقيل آلافا من الداء
و تنقذ ألف شعّب من يد الجلاّد لو ترقى
إلى فلك الضمير
أكل هذا المال في دنيا الأرقاء
و لا يتحررون ؟ و كيف و هو يصفّد الأعناق
يربطها إلى الداء
كأن الماء في ثبج البحيرة يمنع الزّمنا
فلا يتقحم الأغوار لا يخطو إلى الغرف
كأن على رتاح الباب طلّسما فلا وسنا
ولكن يقظة أبد و لا موت يحدّ حدود ذاك الحاضر الترف
كأن تهجّد الكهّان نبع في ضمير الماء يدفق منه الغرف
إذن ما عاد من سفر إلى أهله عوليس
إذن فشراعه الخفاق يزرع فائر الأمواج
بما حسب الشهور وعدّ حتى هدّه البؤس
فيا عوليس شاب فتاك مبسم زوجك الوهّاج
غدا حطبا ففيم تعود تفري نحو أهلك أضلع الامواج
هلم فماء شيني في انتظارك يحبس الأنفاس
فما جرحته نقرة طائر أو عطرته أنامل النّسم
هلم فانّ وحشا فيه يحلم فيك دون الناس
و يخشى أن تفجّر عينه الحمراء بالظلم
و أن كنوزه العذراء تسأل عن شراعك خافق النسم
أما فجعتك في طروادة الآهات من جرحي
و محتضرين
يا لدم أريق فلطّخ الجدران
وردّ ترابها الظمآن طينا ردّه جرحا
كبيرا واحدا جرحا تفتح في حشا الإنسان
ليصرخ بالسماء
فيا لصوت ردّدته نوافذ الحجرات و الجدران
لأجل فجور أنثى و اتّقاد متوّج بالثار
تخصب من دم المهجات حتى سلّم الأفن
وحل بلا أوان يومنا و تساوت الأعمار
كزرع منه ساوى منجل
وهناك في الشفق
تنوح نساءنا المترمّلات يولول الأطفال عند مدارج الأفق
هلم فقد شهدت كما شهدت دما و أشلاءا
تفجّر في بلادي قمقم ملأته بالنار
دهور الجوع و الحرمان
أي خليفة قاءا ؟
رأينا أنّ أفئدة التتار و أذؤب الغار
أرقّ من الرعاع القالعين نواظر الأطفال و الشاوين بالنار
شفاه الحلمة العذراء
يا نهرا من الحقد
تدفّق بالخناجر و العصي بأعين غضبى
نجوما في سماء شدها قابيل بالزند
فليتك حين هزّ الموصل الأعصار ( دربا
و لا بيتا و لا قبرا نجا فيها ) شهدت الأعين الغضبى
و ليتك في قطار مر حين تنفس السحر
فقصّ على سرير السكة الممدود أمراسا
تعلق في نهايتينّ جسم يحصد النّظر
عليه الجرح بعد الجرح بعد الجرح أكداسا
ليهوي جسم حفصة لابسا فوق النجيع دما
و أمراسا
و فيم نخاف في ثبج البحيرة أو حفافيها
كواسج ضاريات أو تماسيح التظت لهبا
نواجذها الحديدة فيم تخشى كل ما فيها
فإن عقارب الرقّاع يضمر سمّها العطبا
وتزرع في الجسوم أزاهر الدم و الجراح بلا دم لهبا
هلم نشقّ في الباهنج حقل الماء بالمجذاف
ز ننثر أنجم الظلماء نسقطها إلى القاع
حصى ما ميزته العين فيروزه الرفّاف
و لؤلؤة المنقّط بالظلام
سنرعب الراعي
فيهرع بالخراف إلى الحظيرة خوف أن يغرقن في القاع
هلم فليل آسية البعيد مداه يدعونا
بصوت من نعاس من ردى من سجع كهان
هلمّ فما يزال الدهر بين أيدينا
لنطو دجاه قبل طلوع شمس دون ألوان
تبدد عالم الأحلام تخفت إذ يرن التبر فيها
سجع كهان
**
يجول التبر فيها مثل وحش يأكل الموتى
و يشرب من دم الأحياء يسرق زاد أطفال
ليتقد اللظى في عينه ليعيره صوتا
يحطّم صوت كل الأنبياء هناك
يا لرنين أغلال
و يا لصدى من الساعات بالأكفان مسّ رؤوس أطفال
وفلّ عناق كل العاشقين و دسّ في القبلة
مدى من حشرجات الموت ردّ أصابع الأيدي
أشاجع غاب عنها لحمها و ستائر الكله
يحوّلها صفائح تحتها جثث بلا جلد
هلمّ فبعد ما لمح المجوس الكوكب الوهّاج تبسط نحوه الأيدي
و لا ملأت حراء و صبحة الآلات و السّور
هلمّ فما يزال زيوس يصبح قمّة الجبل
بخمرته و يرسل ألف نسر نز من أحداقها الشرر
لتخطف من يدير الخمر يحمل أكؤس الصهباء و العسل
هلمّ نزور آلهة البحيرة
ثم نرفعها لتسكن قمّة الجبل

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:31 PM

المعمول الحجري
( بدر شاكر السياب )


رنين المعمول الحجري في المرتج من نبضي
يدمر في خيالي صورة الأرض
ويهدم برج بابل يقلع الأبواب يخلع كل آجره
ويحرق من جنائنها المعلقة الذي فيها
فلا ماء ولا ظل ولا زهره
وينبذني طريدا عند كهف ليس تحمي بابه صخره
لا تدمي سوادالليل نار فيه يحييني وأحييها
يا كواسر يا أسود ويا نمور ومزقي الانسان
اذ أخذته رجفة ما يبث الليل من رعب
فضحجي بالزئير وزلزلي قبره
دماغي وارث الأجيال عابر لة الأكوان
سيأكل مته داء شل من قدمي وشديدا على قلبي
كلام ذاك أصدق من نبؤة أي عراف
تريه مسالك الشهب
حمى الأسرار تطلعه على المتربص الخافي
اذا نطق الطبيب فأسكتوا العراف والفوال
رنين المعول الحجري يزحف نحو أطرافي
سأعجز بعد حين عن كتابة بيت شعر في خيالي جال
فدونك يا خيال مدى وآفاق وألف سماء
وفجر من نجومك من ملايين الشموس من الأضواء
وأشعل في دمي زلزال
لأكتب قبل موتي أو جنوني أو ضمور يدي من الاعياء
خوالج كل نفسي ذكرياتي كل أحلامي
وأوهامي
وأسفح نفسي الشكلى على الورق
سيقرأها شقي بعد أعوام وأعوام
ليعلم أن أشقى منه عاش بهذه الدنيا
وآلى رغم وحش الداء والآلام والأرق
ورغم الفقر أن يحيا
ويا مرضي قناع الموت أنت وهل ترى لو أسفر الموت
أخاف ألا التكشير الصفراء والثقبين
حيث امتصت العينين
جحافل من جيوش الدود يجثم حولها الصمت
تلوح لناظري ودع الدماء تسح من أنفي من الثقبين
فأين أبي وأمي أين جدي أين آبائي
لقد كتبوا أساميهم على الماء
ولست براغب حتى بخط اسمي على الماء
وداعا يا صحابي يا أحبائي
اذا ما شئتمو أن تذكروني فاذكروني ذات قمراء
ولا فهو محض اسم تبد بين اسماء
وداعا يا أحبائي

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:31 PM

الموعد الثالث
( بدر شاكر السياب )


فرالنهار من البيوت النائيات إلى السحاب
من شرفة زرقاء تحلم بالكواكب و الضباب
من مقلتين على الطريق و مقلتين على كتاب
الدرب تحرقه النوافذ و النجوم المستسرة
سكران تزحمه الظلال و تشرب الأوهام خمره
هيهات لا تأتي و تهمس فيم تأتي شبه فكرة
**
قد أذكرتني مقلتاك رؤى رسبن إلى الظلام
زرقاء تسبح في ضباب من شحوب و ابتسام
الليلة القمراء تركض بين أشباح الغمام
**
أفق يذوب على الحنين يكاد يغرق في صفائه
يطويه ظل من جناح ضاع فيه صدى غنائه
أهدابك السوداء تحملني فأومض في انطفائه
**
من أنت؟! سوف تمر تمر أيامي و أنسجها ستارا
هيهات تحرقه شفاهك و هي تستعر استعارا
لا تلمسيه فانت ظل ليس يخترق القرارا
**
مات الفضاء سوى بقايا من مصابيح الطريق
مبهورة الأضواء تنصب في جداول من بريق
صفراء تخنقها الظلال على فم الليل العميق
**
فيم انتظاري كالفراغ و فيم يأسي كالرماد؟
لن يسمع الدرب الملول و إن أصاخ سوى فؤادي
أماد فؤادك ويح نفسي أين أنت؟ و من أنادي ؟

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:32 PM

المومس العمياء
( بدر شاكر السياب )


الليل يطبق مرة أخرى، فتشربه المدينه
والعابرون، إلى القرارة... مثل أغنية حزينه.
وتفتحت كأزاهر الدفلي، مصابيح الطريق،
كعيون ""ميدوزا""، تحجر كل قلب الضغينه،
وكأنها نذر تبشر أهل ""بابل"" بالحريق
من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف
من أي وجر للذئاب؟
من أي عش في المقابر دف أسفع كالغراب؟
""قابيل"" أخف دم الجريمة بالأزاهر والشفوف
وبما تشاء من العطور أو ابتسامات النساء
ومن المتاجر والمقاهي وهي تنبض بالضياء
عمياء كالخفاش في وضح النهار، هي المدينة،
والليل زاد لها عماها.
والعابرون:
الأضلع المتقوّسات على المخاوف والظنون،
والأعين التعبى تفتش عن خيال في سواها
وتعد آنية تلألأ في حوانيت الخمور:
موتى تخاف من النشور
قالوا سنهرب، ثم لاذوا بالقبور من القبور!
أحفاد ""أوديب"" الضرير ووارثوه المبصورن.
جوكست أرملة كأمس، وباب ""طيبة"" ما يزال
يلقي ""أبو الهول"" الرهيب عليه، من رعب ظلال
والموت يلهث في سؤال
باق كما كان السؤال، ومات معناه القديم
من طول ما اهترأ الجواب على الشفاه.
وما الجواب؟
""أنا"" قال بعض العابرين...
وانسلّت الأضواء من باب تثاءب كالجحيم
يبحثن في النيران عن قطرات ماء... عن رشاش.
لا تنقلن خطاك فالمبغى ""علائي"" الأديم:
أبناؤك الصرعى تراب تحت نعلك مستباح،
يتضاحكون ويعولون.
أو يهمسون بما جناه أب يبرّؤه الصباح
مما جناه، ويتبعون صدى خطاك إلى السكون
الحارس المكدود يعبر متعبات،
النون في أحداقهن يرف كالطير السجين،
وعلى الشفاه أو الجبين
تترنح البسمات والأصباغ ثكلى، باكيات،
متعثرات بالعيون وبالخطى والقهقهات،
أوصال جندي قتيل كللوها بالزهور،
وكأنها درج إلى الشهوات، تزحمه الثغور
حتى تهدم أو يكاد. سوى بقايا من صخور.
جيف تستّر بالطلاء، يكاد ينكر من رآها
أن الطفولة فجّرتها ذات يوم بالضياء
كالجدول الثرثار - أو أن الصباح رأى خطاها
في غير هذا الغار تضحك للنسائم والسماء،
ويكاد ينكر أن شقا لاح من خلل الطلاء
قد كان - حتى قبل أعوام من الدم والخطيئة -
ثغرا يكركر، أو يثرثر بالأقاصيص البريئه
لأب يعود بما استطاع من الهدايا في المساء:
لأب يقبل وجه طفلته الندي أو الجبين
أو ساعدين كفرختين من الحمائم في النقاء.
ما كان يعلم أن ألف فم كبئر دون ماء
ستمص من ذاك المحيا كل ماء للحياء
حتى يجف على العظام - وأن عارا كالوباء
يصم الجباه فليس تغسل منه إلا بالدماء
سيحل من ذاك الجبين به ويلحق بالبنين -
والساعدين الأبيضين، كما تنور في السهول
تفاحة عذراء، سوف يطوقان مع السنين
كالحيتين، خصور آلاف الرجال المتعبين
الخارجين خروج آدم، من نعيم في الحقول
تفاحة الدم والرغيف وجرعتان من الكحول
والحية الرقطاء ظل من سياط الظالمين
أتريد من هذا الحطام الآدمي المستباح
دفء الربيع وفرحة الحمل الغرير مع الصباح
ودواء ما تلقاه من سأم وذل واكتداح
المال، شيطان المدينه
إبر تسل بها خيوط من وشائع في الحنايا
وتظل تنسج، بينهن وبين حشد العابرين،
شيئا كبيت العنكبوت يخضه الحقد الدفين:
حقد سيعصف بالرجال
والأخريات، النائمات هناك في كنف الرجال
والساهرات على المهود وفي بيوت الأقربين
حول الصلاء بلا اطراح للثياب ولا اغتسال
في الزمهرير، ودون عد لليالى والسنين!
ويمر عملاق يبيع الطير، معطفه الطويل
حيران تصطفق الرياح بجانبيه، وقبضتاه
تتراوحان: فللرداء يد وللعبء الثقيل
يد، وأعناق الطيور مرنحات من خطاه
تدمي كأثداء العجائز يوم قطعها الغزاه
خطواته العجلي، وصرخته الطويلة ""يا طيور
هذي الطيور، فمن يقول تعال...""
أفزعها صداه
وتحسسته كأن باصرة تهم ولا تدور
في الراحتين وفي الأنامل وهي تعثر بالطيور،
وتوسلته: ""فدى لعينك - خلني. بيدي أراها"".
ويكاد يهتك ما يغلف ناظريها من عماها
قلب تحرق في المحاجر واشرأب يريد نور!
وتمس أجنحة مرقطة فتنشرها يداها،
وتظل تذكر - وهي تمسحهن - أجنحة سواها
كانت تراها وهي تخفق... ملء عينيها تراها:
سرب من البط المهاجر، يستحث إلى الجنوب
أعناقه الجذلى... تكاد تزيد من صمت الغروب
صيحاته المتقطعات، وتضمحل على السهوب
بين الضباب، ويهمس البريد بالرجع الكئيب
ويرج وشوشة السكون
طلق... فيصمت كل شيء... ثم يلغط في جنون.
هي بطة فلم انتفضت؟ وما عساها أن تكون؟
ولعل صائدها أبوك، فإن يكن فستشبعون.
وتخف راكضة حيال النهر كي تلقى أباها:
هو خلف ذاك التل يحصد. سوف يغضب إن رآها.
مر النهار ولم تعنه... وليس من عون سواها
وتظل ترقى التل وهي تكاد تكفر من أساها.
يا ذكريات علام جئت على العمى وعلى السهاد؟
لا تمهليها فالعذاب بأن تمري في اتئاد.
قصي عليها كيف مات وقد تضرّج بالدماء
هو والسنابل والمساء -
وعيون فلاحين ترتجف المذلّة في كواها
والغمغمات: ""رآه يسرق""... ""واختلاجات الشفاه
يخزين ميتها، فتصرخ يا إلهي، يا إلهي
لو أن غير ""الشيخ""، وانكفأت تشد على القتيل
شفتين تنتقمان منه أسى وحبا والتياعا
وكأن وسوسة السنابل والجداول والنخيل
أصداء موتى يهمسون رآه يسرق في الحقول
حيث البيادر تفصد الموتى فتزداد اتساعا
وتحس بالدم وهو ينزف من مكان في عماها
كالماء من خشب السفينة، والصديد من القبور،
وبأدمع من مقلتيها كالنمال على الصخور
أو مثل حبات الرمال مبعثرات في عماها
يهوين منه إلى قرارة قلبها آها فآها.
ومن الملوم وتلك أقدار كتبن على الجبين؟
حتم عليها أن تعيش بعرضها، وعلى سواها
من هؤلاء البائسات وشاء رب العالمين
ألا يكون سوى أبيها - بين آلاف - أباها
وقضى عليه بأن يجوع
والقمح ينضج في الحقول من الصباح إلى المساء
وبأن يلص فيقتلوه... (وتشرأب إلى السماء
كالمستغيثة وهي تبكي في الظلام بلا دموع)
والله - عز الله - شاء
أن تقذف المدن البعيدة والبحار إلى العراق
آلاف آلاف الجنود ليستبيحوا، في زقاق
دون الأزقة أجمعين
ذاك اسم جارتها الجديد، فليتها كانت تراها
هل تستحق اسما كهذا: ياسمين وياسمين؟
يا ليت حمالا تزوجها يعود مع المساء
لكن بائسة سواها حدثتها منذ حين
عن بيتها وعن ابنتيها، وهي تشهق بالبكاء
كالغيمة السوداء تنذر بالمجاعة والرزايا،
أزراره المتألقات على مغالق كل باب
مقل الذئاب الجائعات ترود غابا بعد غاب
وخطاه مطرقة تسمر، في الظلام، على البغايا
أبوابهن، إلى الصباح - فلا تجاهر بالخطايا
ويظل يخفرهن من شبع وينثر في الرياح
أغنية تصف السنابل والأزاهر والصبايا،
وتظل تنتظر الصباح وساعديه مع الصباح
تصغى - وتحتضن ابنتيها في الظلام - إلى النباح
وإلى الريح تئن كالموتى وتعول كالسبايا
وتجمع الأشباح من حفر الخرائب والكهوف
ومن المقابر والصحاري بالمئات وبالألوف..
فتقف من فزع وتحجب مقلتيها بالغطاء،
ويعود والغبش الحزين يرش بالطل المضاء
سعف النخيل... يعود من سهر يئن ومن عياء
- كالغيمة اعتصرت قواها في القفار، وترتجيها
عبر التلال قوي تجوع - لكي ينام إلى المساء:
عيش أشقّ من المنيّة، وانتصار كالفناء
وطوى يعب من الدماء وسمّ أفعى في الدماء
وعيون زان يشتهيها، كالجحيم يشعّ فيها
سخر وشوق واحتقار، لاحقتها كالوباء
والمال يهمس أشتريك وأشتريك فيشتريها
يا ليتها إذن انتهى أجل بها فطوى أساها!
لو أستطيع قتلت نفسي.. همسة خنقت صداها
أخرى توسوس: والجحيم؟ أتبصرين على لظاها؟
وإذا اكفهر وضاق لحدك، ثم ضاق، إلى القرار
حتى تفجر من أصابعك الحليب رشاش نار
وتساءل المكان فيم قتلت نفسك يا أثيمه؟
وتخطفاك إلى السعير تكفرين عن الجريمه.
أفتصرخين أبي فينفض راحتيه من الغبار
ويخف نحوك وهو يهتف قد أتيتك يا سليمه؟
حتى اسمها فقدته واستترت بآخر مستعار
هي - منذ أن عميت - ""صباح""...
فأي سخرية مريره!
أين الصباح من الظلام تعيش فيه بلا نهار
وبلا كواكب أو شموع أو كوى وبدون نار؟
أو بعد ذلك ترهبين لقاء ربك أو سعيره؟
القبر أهون من دجاك دجى وأرفق، يا ضريره
يا مستباحة كالفريسة في عراء يا أسيره
تتلفتين إلى الدروب ولا سبيل إلى الفرار؟
وتحس بالأسف الكظيم لنفسها: لم تستباح؟
ألهر نام على الأريكة قربها... لم تستباح؟
شبعان أغفى، وهي جائعة تلم من الرياح
أصداء قهقهة السكارى في الأزقة، والنباح
وتعد وقع خطى هنا وهناك: ها هو
هو ذا يجيء - وتشرئبّ، وكاد يلمس ... ثم راح
وتدقّ في أحد المنازل ساعة... لم تستباح؟
الوقت آذن بانتهاء والزبائن يرحلون.
كالدرب تذرعه القوافل والكلاب إلى الصباح؟
الجوع ينخر في حشاها، والسكارى يرحلون،
مروا عليها في المساء وفي العشية ينسجون
حلما لها هي والمنون:
عصبات مهجتها سداه وكل عوق في العيون،
والآن عادوا ينقضون -
خيطا فخيطا من قرارة قلبها ومن الجراح -
ما ليس بالحلم الذي نسجوا ما لا يدركون ...
شيئا هو الحلم الذي نسجوا وما لا يعرفون،
هو منه أكثر: كالحفيف من الخمائل والرياح،
والشعر من وزن وقافية ومعنى، والصباح -
من شمسه الوضاء... وانصرفواسكارى يضحكون!
ستعيش للثأر الرهيب
والداء في دمها وفي فمها. ستنفث من رداها
في كل عرق من عروق رجالها شبحا من الدم واللهيب
شبحا تخطف مقلتيها أمس، من رجل أتاها
سترده هي للرجال، بأنهم قتلوا أباها
وتلقفوها يعبثون بها وما رحموا صباها،
لم يبتغوها للزواج لأنها امرأة فقيره،
واستدرجوها بالوعود لأنها كانت غريره،
وتهامس المتقولون فثار أبناء العشيره
متعطشين - على المفارق والدروب - إلى دماها.
وكأن موجة حقدها ورؤى أساها.
كانت تقرب من بصيرة لبها صورا علاها
صدأ المدينة وهي ترقد في القرارة من عماها:
كل الرجال؟ وأهل قريتها؟ أليسوا طيبين؟
كانوا جياعا - مثلها هي أو أبيها - بائسين،
هم مثلها - وهم الرجال - ومثل آلاف البغايا
بالخبز والأطمار يؤتجرون، والجسد المهين
هو كل ما يتملكون، هم الخطاة بلا خطايا
ليس الذين تغصبوها من سلالة هؤلاء:
كانوا مقطبة الجباه من الصخور
ثمتص من فزع الضحايا زهوها ومن الدماء
متطلعين إلى البرايا كالصواعق من علاء!
وتحس، في دمها، كآبة كل أمطار الشتاء
من خفق أقدام السكارى، كالأسير وراء سور
يصغي إلى قرع الطبول يموت في الشفق المضاء.
هي والبغايا خلف سور، والسكارى خلف سور،
دميت أصابعهن: تحفر والحجارة لا تلين،
والسور يمضغهن ثم يقيئهن ركام طين:
وطلول مقبرة تضم رفات ""هابيل"" الجنين!
سور كهذان حدثوها عنه في قصص الطفوله:
""يأجوج"" يغرز فيه، من حنق أظافره الطويله
ويعض جندله الأصم، وكف ""مأجوج"" الثقيله
تهوي، كأعنف ما تكون على جلامده الضخام.
والسور باق لا يثل... وسوف يبقي ألف عام،
الطفل شاب وسورها هي ما يزال كما رآه
من قبل يأجوج البرايا توأم هو للسعير!
لص الحجارة من منازل في السهول وفي الجبال
يتواثب الأطفال في غرفاتها ويكركرون...
والأمهات يلدن والآباء للغد يبسمون،
لم يبق من حجر عليها فهي ريح أو خيال.
وأدار من خطم البلاد رحى، وساط من البطون
ما ترتعيه رحاه من لحم الأجنة والعظام،
وكشاطئين من النجوم على خليج من ظلام
يتحرقان ولا لقاء ويخمدان سوى ركام -
شق الرجال عن النساء سلالتين من الأنام
تتلاقيان مع الظلام وتفصلان مع الشروق:
لو يقطعون الليل بحثا والنهار - على سواها
في حسنها هي؟ في غضارة ناهديها أو صباها
وبسعرها هي ؟ أي شيء غير هذا يبتغون؟
عمياء أنت وحظك المنكود أعمى يا سليمه.
وتلوب أغنية قديمه
في نفسها وصدى يوشوش: يا سليمه، سليمه
نامت عيون الناس. آه... فمن لقلبي كي ينيمه؟
ويل الرجال الأغبياء، وويلها هي، من عماها!
لم أصبحوا يتجنبون لقاءها؟
عيونها، فيخلفوها وحدها إذ يعلمون
بأنها عمياء؟ فيم يكابرون ومقلتاها
أدري وتعرف أي شيء في البغايا يشتهون
بنظرة قمراء تغصبها من الروح الكسيره
لترش أفئدة الرجال بها، وكانوا يلهثون
في وجهها المأجور، أبخرة الخمور، ويصرخون
كالرعد في ليل الشتاء
ولعل غيره ""ياسمين"" وحقدها سبب البلاء
فهي التي تضع الطلاء لها وتمسح بالذرور
وجها تطفأت النواظر فيه....
كيف هو الطلاء؟
وكيف أبدو؟
- وردة ... قمر... ضياء!
زور.. وكل الخلق زور،
والكون مين وافتراء
لو تبصر المرآة - لمحة مقلتيها - لو تراها
- لمح النيازك - ثم تغرق من جديد في عماها!
برق ويطفأ... ثم تحكم فرقها بيد، وفاها
بيد، وترسم بالطلاء على الشفاه لها شفاها
شفتاك عارية وخدك ليس خدك يا سليمه،
ماذا تخلف منك فيك سوى الجراحات القديمه؟
وتضم زهرة قلبها العطشى على ذكرى أليمه:
تلك المعابثة اللعوب... كأنها امرأة سواها!
كالجدولين تخوض ماءهما الكواكب - مقلتاها،
والشعر يلهث بالرغائب والطراوة والعبير
وبمثل أضواء الطريق نعسن في ليل مطير،
تقتات بالعسل النقي وترتدي كسل الحرير.
ليت النجوم تخر كالفحم المطفأ والسماء
ركام قار أو رماد، والعواصف والسيول
تدك راسية الجبال ولا تخلف في المدينة من بناء!
أن يعجز الإنسان عن أن يستجير من الشقاء
حتى بوهم أو برؤيا، أن عيش بلا رجاء...
أو ليس ذاك هو الجحيم؟ أليس عدلا أن يزول؟
شبع الذباب من القمامة في المدينة، والخيول
سرحن من عرباتهن إلى الحظائر والحقول،
والناس ناموا -
هذا الذي عرضته كالسلع القديمة: كالحذاء،
أو كالجرار الباليات، كأسطوانات الغناء...
هذا الذي يأبي عليها مشتر أن يشتريه
قد كان عرضا - يوم كان - ككل أعراض النساء!
كان الفضاء يضيق عن سعة، وترتخص الدماء
إن رنق النظر الأثيم عليه. كان هو الإباء
والعزة القعساء والشرف الرفيع. فشاهديه
يا أعين الظلماء، وامتلئي بغيظك وارجميه
بشواظ عارك واحتقارك يا عيون الأغبياء!
للموت جوعا، بعد موتي - ميتة الأحياء - عارا.
لا تقلقوا.. فعماي ليس مهابة لي أو وقارا.
مازلت أعرف كيف أرعش ضحكتي خلل الرداء
كالقمح لونك يا ابنة العرب،
كالفجر بين عرائش العنب
أو كالفرات، على ملامحه
دعة الثرى وضراوة الذهب.
عربية أنا: أمتى دمها
خير الدماء... كما يقول أبي.
تجري دماء الفاتحين. فلوثوها، يا رجال
أواه من جنس الرجال... فأمس عاث بها الجنود
الزاحفون من البحار كما يفور قطيع دود
يا ليت للموتى عيونا من هباء في الهواء
ترى شقائي
إلا العفاة المفلسين.
أنا زهرة المستنقعات، أعب من وحل وطين
وأشع لون ضحى...
وذكرا بجعجعة السنين
سعالها. ذهب الشباب!!
ذهب الشباب!! فشيعيه مع السنين الأربعين
ومع الرجال العابرين حيال بابك هازئين.
وأتي المشيب يلف روحك بالكآبة والضباب،
فاستقبليه على الرصيف بلا طعام أو ثياب،
يا ليتك المصباح يخفق ضوءه القلق الحزين
في ليل مخدعك الطويل، وليت أنك تحرقين
دما يجف فتشترين
سواه: كالمصباح والزيت الذي تستأجرين.
عشرون عاما قد مضين، وشبت أنت، وما يزال
يذرذر الأضواء في مقل الرجال.
لو كنت تدخرين أجر سناه ذاك على السنين
أثريت..
ها هو ذا يضيء فأي شيء تملكين؟
ويح العراق! أكان عدلا فيه أنك تدفعين
سهاد مقتلك الضريره
ثمنا لملء يديك زيتا من منابعه الغزيره؟
كي يثمر المصباح بالنور الذي لا تبصرين؟
عشرون عاما قد مضين، وأنت غرثى تأكلين
بنيك من سغب، وظمأى تشربين
حليب ثديك وهو ينزف من خياشيم الجنين!
وكزارع له البذور
وراح يقتلع الجذور
من جوعه، وأتى الربيع فما تفتحت الزهور
ولا تنفست السنابل فيه...
ليس سوى الصخور
سوى الرمال، سوى الفلاه -
خنت الحياة بغير علمك، في اكتداحك للحياه!
كم رد موتك عنك موت بنيك. إنك تقطعين
حبل الحياة لتنقضيه وتضفري حبلا سواه،
حبلا به تتعلقين على الحياة: تضاجعين
ولا ثمار سوى الدموع، وتأكلين،
وتسهرين ولا عيون، وتصرخين ولا شفاه،
وغدا. وأمس ... وألف أمس - كأنما مسح الزمان
حدود ما لك فيه من ماض وآت
ثم دار، فلا حدود
ما بين ليلك والنهار، وليس، ثم، سوى الوجود
سوى الظلام، ووطء أجساد الزبائن، والنقود،
ولا زمان، سوى الأريكة والسرير، ولا مكان!
لم تسحبين ليالى السأم المسهدة الرتيبه؟
ما العمر؟ ما الأيام؟ عندك، ما الشهور؟ وما
السنين؟
ماتت ""رجاء"" فلا رجاء ثكلت زهرتك الحبيبه!
بالأمس كنت إذا حسبت فعمرها هي تحسبين.
كانت عزاءك في المصيبه،
وربيع قفرتك الجديبه.
كانت نقاءك في الفجور، ونسمة لك في الهجير،
وخلاصك الموعود، والغبش الكبير!
ما كان حكمه أن تجيء إلى الوجود وأن تموت؟
ألتشرب اللبن المرنق بالخطيئة واللعاب:
أو شال ما تركته في ثدييك أشداق الذئاب؟
مات الضجيج وأنت، بعد، على انتظارك
تتنصتين، فتسمعين
رنين أقفال الحديد يموت، في سأم، صداه:
الباب أوصد
ذاك ليل مر...
فانتظري سواه.

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:33 PM

النبوءة الزائفة
( بدر شاكر السياب )


و كانت تجمع في خاطري
خيوط ضبابيّة قاتمة
نهايتها في المدى عائمة
و أعراقها السود في ناظري
ودارت خيوط ولفت سواها
فعانقهن أفقا
ووسوسن غيما على الريح ملقى
تجمع من كل صوب ، و رعدا و برقا
لقد أغضب الآثمون الإلها
و حق العقاب
يا أفراس الله استبقي
يا خيلا من نار و سحاب
من وقع سنابك الرعد
و البرق الأزرق في الأفق
و صهيلك صور لظى و عذاب
الوعد لقد أزف الوعد
فيا قبضة الله يا عاصفات
و يا قاصفات و يا صاعقة
ألا زلزلي ما بناه الطغاة
بنيرانك الماحقة
وتلتمّ في خاطري
خيوط السحاب
و تلقى الأفق الدائر
وراء القباب
و أحسست أن الغيوم انتظار
و أن انتظاراً يشد التراب
و أصدى بماذا
بصوت انفجار
على الشطّ واد وزمّ الشرار
و رقعت بالنظرة الشامته
ثقوب الكوى الصامته
سيندكّ سور ستنصبّ نار
و كان انتظار
و جّمعت الأرض أطباقها
سيندكّ سور ستنصبّ نار
و عصرت السحب أعراقها
فبلّ الثرى عاصف ممطر

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:34 PM

النهر و الموت
( بدر شاكر السياب )


بويب
بويب
أجراس برج ضاع في قرار البحر
الاء في الجرار و الغروب في الشجر
و تنضح الجرار أجراسا من المطر
بلورها يذوب في أنين
بويب يا بويب
فيدلهم في دمي حنين
إليك يا بويب
يا نهري الحزين كالمطر
أود لو عدت في الظلام
أشد قبضتي تحملان شوق عام
في كل إصبع كأني أحمل النّذور
إليك من قمح و من زهور
أود لو أطل من أسرّة التلال
لألمح القمر
يخوض بين ضفتيك يزرع الظلال
و يملأ السّلال
بالماء و الأسماك و الزهر
أود لو أخوض فيك أتبع القمر
و أسمع الحصى يصل منك في القرار
صليل آلاف العصافير على الشجر
أغابة من الدموع أنت أم نهر
و السمك الساهر هل ينام في السّحر
و هذه النجوم هل تظل في انتظار
تطعم بالحرير آلافا من الإبر
و أنت يا بويب
أود لو عرفت فيك ألقط المحار
أشيد منه دار
يضيء فيها خضرة المياه و الشّجر
ما تنضح النجوم و القمر
و أغتدي فيك مع الجزر إلى البحر
فالموت عالم غريب يفتن الصّغار
و بابه الخفي كان فيك يا بويب
عشرون قد مضين كالدّهور كل عام
و اليوم حين يطبق الظلام
و أستقرّ في السرير دون أن أنام
و أرهف الضمير دوحة إلى السّحر
مرهفة الغصون و الطيور و الثمر
أحسّ بالدّماء و الدموع كالمطر
ينضحهنّ العالم الحزين
أجراس موتى في عروقي ترعش الرنين
فيدلهم في دمي حنين
إلى رصاصة يشق ثلجها الزّؤام
أعماق صدري كالجحيم يشعل العظام
أود لو عدوت أعضد المكافحين
أشدّ قبضتيّ ثم اصفح القدر
أود لو غرقت في دمي إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
و أبعث الحياة إن موتى انتصار
لأحمل العبء مع البشر
و أبعث الحياة إن موتى انتصار

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:35 PM

الهديه
( بدر شاكر السياب )


يقول المحبون ان الهدايا
طعام الهوى ذاك ما أسمع
واني لأهواك حتى لأقسو
بحبي وتدمي به الأضلع
وأهواك حتى اللقاء اشتياق
وحتى يضيق المدى الأوسع
فماذا سأهديك يوم اللقاء
وماذا سأهديك يوم النوى
أيرضيك ما يشتريه انحداري
الى حيث يأبى علي الهوى
فما المال الا دماء تباع
كعرض البغايا لدرء الطوى
سأصحو مع الفجر قبل الطيور
ولمسة كفيك في خاطري
ألم الندى حقول الربيع
وأشدو مع القبر الطائر
وأجمع من زهرها باقة
لعينك يا زهرة الشاعر
وهيهات هيهات ان الرياح
يذرين أزهاري الذابله
ويبقين في مقلتيك انكسارا
كمن يتبع الأنجم الآفله
سأهديك أغنية كنسيم
المدينة يستقبل القافله
وماذا أغنيك والحشرجات
وعصف اللظى كل ما اسمع
كأن البرايا دم في عروقي
تصدى له الخنجر المشرع
فيا قبضة من رماد الحريق
على سلم دكه المدفع
سأهديك من ساعدي الحياه
ومن قلبي الضحكة الصافية
سأهديك ما في عبوس السحاب
من النور للدوحة العاريه
سأهديك أن لا تكوني رمادا
على مدرج الزعزع العاتيه
سأهيد دنيا يرين السلام
عليها كحشد من الأنجم
تنامين فيها وتستيقظين
بلا ريبة في الغد المبهم
ولا خوف من أن يعز الرغيف
وأن تستباحي وأن تهرمي

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:35 PM

الوصية
( بدر شاكر السياب )


من مرضي
من السرير الأبيض
من جاري انهار على فراشه وحشرجا
يمصّ من زجاجة أنفاسه المصفّره
من حلمي الذي يمدّ لي طريق المقبرة
و القمر الريض و الدجى
أكتبها وصيّة لزوجتي المنتظرة
و طفلي الصارخ في رقاده أبي أبي
تلم في حروفها من عمري المعذّب
لو أنّ عوليس و قد عاد ألى دياره
صاحت به الآلهة الحاقدة المدمّرة
أن ينشر الشراع أن يضل في بحاره
دون يقين أن يعود في غد لداره
ما خضّه النذير و الهواجس
كما تخضّ نفسي الهواجس المبعثرة
اليوم ما على الضمير من حياء حارس
أخاف من ضبابة صفراء
تنبع من دمائي
تلفني فما أرى على المدى سواها
أكاد من ذلك لا أراها
يقص جسمي الذليل مبضع
كأنه يقص طينة بدون ماء
و لا أحس غير هبة من النسيم ترفه
من طرف الستائر الضبّاب
ليقطر الظلام لست أسمع
سوى رعود رنّ في اليباب
منها صدى و ذاب في الهواء
أخاف من ضبابة صفراء
أخاف أن أزلق من غيبوبة التخدير
إلى بحار ما لها من مرسى
و ما استطاع سندباد حين أمسى
فيهن أن يعود للعود و للشراب و الزهور
صباحها ظلام
و ليلها من صخرة سوداء
من ظل غيبوبتي المسجور
إلى دجى الحمام
ليس سوى انتقالة الهواء
من رئة تغفو إلى الفضاء
أخاف أن أحس بالمبضع حين يجرح
فأستغيث صامت النّداء
أصيح لا يرد لي عوائي
سوى دم من الوريد ينضح
و كيف لو أفقت من رقادي المخدّر
على صدى الصور على القيامة الصغيرة
يحمل كل ميّت ضميرة
يشعّ خلف الكفن المدثر
يسوق عزرائيل من جموعنا الصّفر إلى جزيرة
قاحلة يقهقه الجليد فيها
يصفر الهواء في عظامنا ويبكي
ماذا لو أن الموت ليس بعده من صحوه
فهو ظلام عدم ما فيه من حسّ و لا شعور
أكل ذاك الأنس تلك الشقوه
و الطمع الحافر في الضمير
و الأمل الخالق من توثّب الصغير
ألف أبي زيد تفور الرغوة
من خيلة الحمراء كالهجير
أكلّها لهذه النهاية
ترى الحمام للحياة غاية ؟
إقبال يا زوجتي الحبيبة
لا تعذليني ما المنايا بيدي
ولست لو نجوت بالمخلّد
كوني لغيلان رضى وطيبه
كوني له أبا و أما و ارحمي نحيبه
وعلميه أن يذبل القلب لليتيم و الفقير
و علميه
ظلمة النعاس
أهدابها تمس من عيوبي الغريبة
في البلد الغريب في سريري
فترفع اللهيب عن ضميري
لا تحزني إن مت أي باس
أن يحطم الناي و يبقى لحنه حتى غدي
لا تبعدي
لا تبعدي
لا

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:36 PM

بور سعيد
( بدر شاكر السياب )


يا حاصد النار من أشلاء قتلاننا
منك الضحايا و إن كانوا ضحايانا
كم من ردى في حياة و انخذال ردى
في ميته و انتصار جاء خذلانا
إنّ العيون التي طفّأت أنجمها
عجلنّ بالشمس أن تختار دنيانا
و امتد كالنور في أعماق تربتنا
عرس لنا من دم و اخضلّ موتانا
فازّلزلي يا بقايا كاد أولنا
يبقي عليها من الأصنام لولانا
نحن الذين اقتلعنا من أسافلها
لاة و عزّى و أعليناه أنسانا
حييت بورت سعيد من مسيل دم
لولا افتداء لما يغليه ماهانا
عاناك في الليّل داج من جحافلها
نورا من الله أعماها و نيرانا
ما عاد ليل قد استخفى بأقنعة
من أوجه الناس لولا أنت عريانا
ليل تعيد الكعوف السود آنية
فيها وفكا لموتاها و صوّانا
من بعض ما فيه من ظلماء ما عرفت
باسم لها فهي قبل اسم إذا كانا
حييت من قلعة ما آد كاهلها
عبء السماوات الا خفّ ايمانا
أمسكتها أن يميد الظالمون بها
دينا لنا وانتصارات وعنوانا
يا مرفأ النور ما أرجعت وادعة
من غير زاد ولا آويت قرصانا
ولا تلفظت من مرساك معتديا
الا مدمى ذليل الهام خزيانا
جمعت من شط صور لمح أحرفها
واخترت من بابل واحتزت مروانا
والنيل ساق العذارى من عرائسه
للخصب في موكب الفادين قربانا
فالويل لو كان للعادين ما قدروا
لانهدّ من حاضر ماض فأخزانا
فلا ابتنى هرما بان ولالبست
تيجانها في انتظار الروح موتانا
ولا تفجّر في ذي قار فتيتها
ولا تنفست الصحراء قرآنا
حييت موتى وأحياء وأبنية
مستشهدات أو استعصين أركانا
والنار والباذرون النار كم زرعوا
من كل ثكلى لعزرائيل بستانا
من كلّ وجه لطفل فيه زنبقة
تدمى وتلتم فيه الريح غربانا
الجوّ مما يلزّون الحديد به
قاع الجحيم التظى وانصبّ طوفانا
سقّاك من كل غيم فيه أحرزه
جوف الثرى واشتهته النار أزمانا
كأس الرّصاص التى غنى بتوأمها
سقراط وابتل منها جرح وهرانا
من أيّما رئة من أي قيثثارة
تنهلّ أشعاري
من غابة النار
أم من عويل الصبايا بين أحجار
منها تتر المياه السود و اللبن المشويّ كالقار
من أي أحداق طفل فيك تغتصب
من أي خبز و ماء فيك ما صلبوا
من أيّما شرفة من أيّما دار
تنهلّ أشعاري
كالثار
كالنور في رايات ثوّار
من مائك السهران أوتاري
أم برجك الهاري
يبكي دما من جرح بحّار
أطفالك الموتى على المرفأ
يبكون في الريح الشمالية
و النور من مصباحه المطفأ
قد غار كالمديه
في صدري العاري
أطفالط الأموات عار الحديد
في عرسه الدامي و ذل الرصاص
مالوا بملك شقاء العبيد
و استترلوا أربابه للقصاص
في ساحة النار
يبكون في الريح الشمالية
أسرى على السّفن الصليبية
و الريح كالمدية
تجتثّ أظفاري
يبكون في داري
بالقشّ و الطين سدّوا كوّة القمر
و الريح في الشجر
قد كمّموا فاها
كي لا تصيح اخبئوا عن أعين الغجر
أطفالكم فهي ما ترتدّ أحداها
إلا و حال الذي تلقى إلى حجر
الريح قيثاري
قد كمّموا فاها
هاويك أعلى من الطاغوت فانتصبي
ماذلّ غير الصفا للنار و الخشب
حيّيت من قلعة شقّ الفضاء بها
أس لها في صدور الفتية العرب
الطين فيها دم منا و جندلها
من عزمة و الحديد الصاد من غضب
أنت السماوات و الأرض التي خلقت
في عشرة تحسب الأيام بالحقب
و الصخر فيك استمد الروح إذ لمست
عقم الجمادات فيه إصبع اللّهب
في كل أنقاض دار من صفاه يد
جبّارة تصفح العادين كالشعب
ما انهد إلا و أعلى في ضمائرنا
سدّا من الثار أعيى حيلة النوب
و الماء حتى زلال الماء فيك مدى
من فضة الله توهي جحفل الذهب
ما بل للجحفل المأجور غلته
حتى جبى قدر ماء من دم سرب
أملى على كل شيء فيك جوهرة
حلف لجيشين ذي قربى و ذي أرب
إن الحديد الذي صنت الحياة به
غير الحديد الذي وافاك بالعطب
و الخير في بندقيات قذائفها
حتف المغيرين و الميلاد في قضب
لكنه الشر في خبز حقائبه
عون لأعدائك الجوعى و في قرب
ليت المسيح الذي داجى بشرعته
من باع مثواه راء فيك عن كثب
خرس نواقيسك الثكلى و دامية
فيك الأناجيل و الموتى بلا صلب
و الحابس الماء عن جرحاك حملها
عبء الصليبيين من حمّى و من خشب
و استنطق الأم ثكلى أين جيرتها
من فتية لاصطياد العسكر اللجب
فالتم في مقلتيها و هي تنظره
كل المخاضات و التسهيد و النصب
كأنما استودعتها كل والدة
آجال كل الذراري طيلة الحقب
فاختارت الموت معلوكا مراضعها
معروكة في رحى تترى من الرّكب
تفدي بما يستبيح الجند من دمها
و النار أعراض كل الخرد العرب
أبناء جنكيز في روح و إن بعدوا
في نسبة رب قربى دون منتسب
شر اللصوص إذا عف التتار فما
عفوا عن الريش و الأمال و اللّعب
فلتنفخ الصّور في أفريقيا أمم
بالأمس قد أنزلوها أسفل الرّتب
و لتسمعنّ الزنوج البيض صيحتها :
إنا إلى الله أدنى منك في نسب
حييت فالوحش أوهى فيك مخلبه
يا غابة النار قد أثمرت بالغلب
من أي عبء على روحي و مسما
من أعين في صليب تحت أسواري
تأتيك أشعاري
حمراء خضراء من جرح و من غار
خضراء من راية حمراء من نار
خضراء كالماء في فردوسك الجاري
يا ليت أوتاري
خضراء حمراء من قلبي و من ثاري
يا ليت أبواب قلبي منك تلتهب
يا ليتها فقل ليتها خشب
أو خرب الجند قلبي فهي تنتحب
في كل إعصار
سود كما اسودّت الأموات أنهاري
فالطين فيها فم يمتصّ أسفاري
و الريح في داري
سوداء ما رفّ منها بالّلظى عصب
لا تسألي بعد عنها إنها عشب
أعواده السود غذى عجله الذهب
منها فخبأت في عينيّ قيثاري
كوني لأشعاري
وحيا و شدّي ببأس منك أوتاري
يا مرفأ النور كن مرسى لأفكاري
يا مرفأ النار
الهبت أغواري
بالثار
مزّقت عنها سود أستار
فانهلت الشمس على داري
كم من دفين كل ماء القنال
في مده العاتي و في جزره
يلقى على صدره
عبئا من الظلماء كان القتال
من أجل أن يرتاح في قبره
ما كان إلاّ من دموع الرجال
و النسوة الباكين في قعره
هذا الذي بين العبابين سال
كالليل هذا الماء فوق القبور
كالنار كالإعصار كالداء
تختضّ في ليل الخليج الصدور
و الشمس تحسو كل ماء الصدور
في عالم لم تمش فيه العصور
من ملتقى للماء بالماء
كالليل هذا الماء ند الحياة
الموت و الميلاد بوّابتاه
في قاعة الموتى قد استبدلوا
بالنبض ما يرغي به المرجل
في موقرات من سفين الغزاه
بالموت مما يصنع المعمل
حتى إذا ما رش عار العتاه
بالدمع من عينيه و النار
من قالبه المورق بالغار
أنسانك العملاق ظلّ الإله
ظل الملايين التي مقلتاه
عنها ترى ما في خيال تراه
هذا الذي أعصابها في قواه
أحيي دم الموتى فخرّ الطغاة
فليحرس الأحياء باب الحياة
غاص المغيرون عن واديك و انحسروا
فالأرض تدمى بقتلاها و تزدهر
و ازدارك الموت لا ملسا ملامحه
بيضا كما تهلك الأنعام و الشجر
حاشاك فالموت توري فيك حدّته
طعم الدم الحيّ ما يرقى به البشر
أخفاه عنك التزام فيك و اشتباك يد
في مثلها فهو حيث اجتازه البصر
حتى إذا ارتد و استبشعت صورته
أدركت أي انتصار ذلك الظّفر
أدركت أن الضحايا رد كاثرها
فيك الأقل المضحي أنها كثر
من سدد النار في أيديك يوردها
كيد المغيرين منه الظنّ و النظر
و احتاز في قليه الأحقاب يزرعها
في جانب منه و استبسالك الثمر
و استنفر الشرق حتى كاد ميته
يسعى أهذا صلاح الدين أم عمر
هذا الذي حدثتنا عنه أنفسنا
في كل دهياء نبلوها و ننتظر
هذا الذي كل عن سحق لبذرته
بالخيل و الذابلات الروم و التتر
يا أمة تصنع الأقدار من دمها
لا تيأسي أن سيف الدولة القدر
أعطى لكل انتصار فيك جدته
فاخضل واخضلت الآيات و السّور
في مسجد أم مشاء بأمته
فيه المصلين حتى كبّر الحجر
و استشرف الساح ناء عنه يحمله
ما بين جنبيه رام فيه منتصر
عين لسيناء ترقى كل رابية
فيها و عين النيل تنحدر
أو تنفض الأفق حتى ضاء من لهب
حملاقها فهي ممّا راء تستعر
جاؤوك جاء الصليبيون قاصفة
تنقض في أثر أخرى فاللظى مطر
في كل فانوس موتى من قذائفها
نور له اختضّت الأبعاد و العصر
فالشرق عار مدى عينيه منبسط
كالراحة الدور و الأكواخ و الحفر
يكاد يبصر ما أبقاه مكتدح
في جبهة و اغتذى من مقلة سهر
إيماضة البرق ألا أنها حقب
تطوى و مستقبل يبنى و يدّخر
المجد لله و الإنسان أن يدا
تحيي و قلبا يداوي منها أثر
يا قلعة النور تدمي كل نافذة
فيها و تلظى و لا تستلم الحجر
أحسست بالذل أن يلقاك دون دمي
شعري و أني بما ضحّيت أنتصر
لكنها باقة أسعى أليك بها
حمراء يخضل فيها من دمي زهر

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:37 PM

بين الروح والجسد
( بدر شاكر السياب )


قصة شاعرين
يستفاد من مختلف المصادر أن بين الروح والجسد ملحة للشاعر تقع في
ألف ونيف من الأبيات وكان قد أرسلها كاملة مع السيد فيصل جري
السامر وهو يستعد للدكتوراه فسلمها بمصر كما ذكر الى المرحوم الشاعر
المصري علي محمود طه المهندس ولم يعرف مصيرها بعد
وفيما يلي مائة وعشرون بيتا متها جمعت من مسودة للشاعر ومن مجموعة
اقبال التي صدرت له بعد وفاته ثم من احدى الصحف العراقية التي كانت
تصدر يومئذ
أوحى اليه الشعر من آياته
سحرا تحل به النفوس وتعقد
باتت تلحق في الأعالي روحه
نشوى وبات خياله يتصعد
واهي الكيان كأن خطبا هذه
ذاوي الشفاه لطول ما يتنهد
وهو المعطل من قوام فارع
يسبي العيون ووجنة تتورد
لم يعط من مال سوى أحلامه
وكفى بها من ثروة لا تنفد
ما زوال صرف الدهر أبقى أمه
تأسو الجراح بكفها أو تضمد
كم بات يلتمس الحنان فما رأى
طيف الحنان وفاته ما ينشد
وأحب من جاراته فتانة
ما زال صائد طرفها يتصيد
عف الغرام بحسبه من حبه
نظر يعف عن الآثام ويبعد
شاعر الشهوة
غض الاهاب تظل تبرق عينه
سحرا تلوذ به القلوب وتحتمي
جم الثراء سبى العذارى بالغنى
والحسن حتى ما يجدن لمغرم
قد كان يحسبها مثالا للتقى
والطهر والخلق الرفيع الأكرم
ما زال يروي الشعر عن شيطانه
متحلبا شرا صبيغا بالدم
وأحب غانية فهيأ سمه
سرا وخبا صارما في المبسم
المحبوبة
حسناء تسفر عن محيا شاحب
ما زال يغلب كل طرف غالب
رمقت صباها وهي في ريعانه
بنواظر عبرى وقلب ناصب
في الريف بين نخيله المتعانق
وعلى جوانب كل نهر دافق
عسب يجاذبه النسيم ظلاله
وندى يصفق بالأريج العابق
وأزهر غيناء رف نديها
فرحا بأجنحة الفراش العاشق
شاعر الروح
حيتك أنفاس الربيع الباكر
ورعتك آلهة الهوى من شاعر
مرت ليال كنت فيها غائبا
عني فأظلمت الحياة بناظري
لم يلق شعري منك قلبا راضيا
فلقد سقته9 مآثمي حتلى ارتوى
فلتهتفن بكل نغم ساحر
مما تفيض عليك أيام النوى
أو ما تفيض عليك ساعدات اللقا
بين النخيل وعند ذاك الملتوى
شاعر الروح
أتحب صاحبتي وحبي طاهر
وهواك حب فاجر لم يشرف
نزهتها عن قول هجر قلته
كادت تغص به لهاة المعزف
شاعر الشهوة
هيهات لست بتارك هذا الهوى
لا الصد يورثني السلو ولا النوى
مالي ومالك أن تظل رفيقها
ان نلت بعد سويعة تطويقها
أهوي على تلك الشفاه فأرتوي
حينا وأرشف كيف شئت رحيقها
وأمد كفي أينما شاء الهوى
فأعود أقطف نورها وشقشقها
شاعر الروح
زورا لعمرك ما نطقت وخدعة
تأبى علي محبتي تصديقها
شاعر الشهوة
وأطوع الخصر النحيل بضمة
من ساعد ما خلته ليطيقها
شاعر الروح
لا تفجعن فؤاد باك موجع
بتصورات زوقت تزويقها
شاعر الروح
رحماك ما أبقيت لي من ملجأ
ان كنت تطمح أن تكون رفيقها
شاعر الشهوة
طال الثواء وحان أن نتفرقا
فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة
جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة
وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح
لا تقسون ورحمة يا صاحبي
فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع
لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا
بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها
روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا
ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة
لو كان في وسع المشوق العاشق
ترك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا
فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة
جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة
وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح
لا تقسون ورحمة يا صاحبي
فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع
لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا
بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها
روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا
ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة
لو كان في وسع المشوق العاشق
ثرك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا
فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة
جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة
وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح
لا تقسون ورحمة يا صاحبي
فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع
لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا
بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها
روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا
ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة
لو كان في وسع المشوق العاشق
ثرك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا
فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة
جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة
وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح
لا تقسون ورحمة يا صاحبي
فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع
لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا
بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها
روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا
ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة
لو كان في وسع المشوق العاشق
ثرك الهوى لصرفت عنها خافقي
طال الثواء وحان أن نتفرقا
فالى اللقاء وياله من ملتقى
فغدا أعود محدثا عن قبلة
جن الفؤاد لها وخصر طوقا
ونواظر متفترات نشوة
وصبابة متلذذات باللقا
شاعر الروح
لا تقسون ورحمة يا صاحبي
فالقلب يوشك من ضنى أن يحرقا
أمخلفي أشكو لظى الحب أرجع
لا تقسون على الفؤاد الموجع
بالماضيات الزهر من أيامنا
بالمهجة الحرى بفيض الأدمع
لا تعدون على التى ملكتها
روحي ودونك غيرها فاستمتع
لو شئت جاءتك الغواني خشعا
ينظرني نظرة وامق متطلع
شاعر الشهوة
لو كان في وسع المشوق العاشق
ثرك الهوى لصرفت عنها خافقي

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:38 PM

تحية القرية
( بدر شاكر السياب )


شفني من ربوعك النضرات
فتنة تستعيدها نظراتي
في رياض النخيل يجمع فيها الفجر
شمل الضياء بعد شتات
فإذا الروض فتنة تتجلى
من صناع الأنامل المبدعات
أخذت جليها الطبيعة فيه
وبدت في غلائل عطرات
توجت بالزهور مفرقها
الجدول رب الخمائل الهامسات
و انثنت تستحث ماشطة الريح
و تبدي النجيل للماشطات
و المروج الحسان هامت عليها
حرق من تنهدات الرعاة
و العذارى بين الربى يتهادين
ندي النوار و الزهرات
و الغدير الوسنان ظلله الكرم
و اصبى امواجه الموهنات
منظر تستخف ألوانه الطير
فتزجي ألحانها الساحرات
و هدوء الحقول تلقى لديه
النفس ما ترتجيه من غايات
فهو نور يهدي سفائن فكاري
ألى ما وراء بحر الحياة
قترى المبدع المصور فيما
حولها من جنائن موثقات
في ابتسام الرياض للمد و الجزر
لطوفان عذبى النغمات
يحملان الحديث عن مرقص البحر
و حور الشواطىء اللاعبات
و عن الشط و النخيل السكارى
في الليالي القمراء و المظلمات
رنحتها الأنسام لما سقتها العطر
في أكؤس الندى المترعات
وقروط الأغداق تهتز أغراق
لفلك شوارع جاريات
صور تسجد النفوس لديها
وتضج القلوب بالصلوات
أينما دار ناظري طالعتني
فتنة تستعيدها نظراتي

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:38 PM

تسديد الحساب
( بدر شاكر السياب )


-2
تلك الرواسي كم انحطّ النهار على
أقصى ذراها و كم مرّت بها الظلم
فما فرحن بآلاف الشموس و لا
من ألف نجم تردى مسّها ألم
صماء بكماء لم تأخذ و لا وهبت
و لا ترصدها موت و لا هرم
لو أدع الله إياها أمانته
لنالهنّ على إستيداعها ندم
و لاقتسمن مع الأحياء ما دفعت
من جزية لا توفى حين تقتسم
عن كل قهقهة من صرخة ثمن
و ما استجد دم إلا وضاع دم
و ما تحمل آلام المخاض و لم
يقرب من النور إلا الفكر و الرحم
و إن يكن أسعد الأحياء أكملها
فإنما هو أشقاهن لا جرم
قابيل باق و ان صارت حجارته
سيفا و إن عاد نارا سيفه الخدم
ورد هابيل ما قضاة بارئه
عن خلقه ثم ردت باسمه الأمم
و اليوم في حين وفى الدين غارمة
إلا بقايا و كادت تخلص الذّمم
و كاد يرجع للدنيا بشاشتها
ما قربته الضحايا و هي تبتسم
مشى على الأرض خلق عاش في دمه
من وحشها في المخاض الأول الضرم
خلق تراءى ليحيى ساعة افترست
عينيه رؤيا لها من هؤلاء فم
لو يقبض النور بالأيدي لسورة
دون الورى و لتعمم العالم الظلم
ريان عطشان لا يروي بلا فرح
جذلان باد عليه الجوع و البشم
كأنه و هو ماض في غوايته
من نفسه اقتص فهو الماء و الحمم
تفجر الضحك المسلوب من رئة
منخوبة بعد أخرى هدها السقم
عن ضحكة أطلقوها فهي صاعقة
أصابهم و الورى من رجعها صمم
و استترفوا متعة الأحياء ما دفعوا
عنها و لا غارما ما استترفوا رحموا
ثم استزادوا فإن لم يذهبوا دية
أو يقصروا عن طماح يرجح العدم

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:39 PM

تعتيم
( بدر شاكر السياب )


حين يذرّ النّور
يلقى به التنور
عن وجهك الظلماء
و يهمس الديجور
آهاته السمراء
على محيّاك
تهجس عيناك
بكل حزن الدهور
وكل أعيادها
أفراح ميلادها
و غمغمات النذور
وزهرها و الخمور
ألنور و الظلماء
أسطورة منحوتة في الصخور
كم ذاد بالنار
من أسد ضاري
وكم أخاف النمور
إنسان تلك العصور
بالنور و النار
فأطفئي مصباحنا أطفئيه
و لنطفيء التنور
و ندفن الخبز فيه
كي لا تعيد الصخور
أسطورة للنار ظلت تدور
حتى غدا أول ما فيها
آخر ما فينا و ليل القبور
أول ما فيها
و لنبق في الديجور
كي لا ترانا نمور
تجوس في الظلماء
لترحم الأحياء
من غابة في السماء
بالصخر و النار
و تسبيح القبور

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:40 PM

تموز جيكور
( بدر شاكر السياب )


1- ناب الخنزير يشقّ يدي
و يغوص لظاه إلى كبدي
و دمي يتدفق ينساب
لم يغد شقائق أو قمحا
لكنّ ملحا
عشتار و تخفق أثواب
و ترف حيالي أعشاب
من نعل يخفق كالبرق
كالبرق الخلب ينساب
لو يومض في عرقي
نور فيصيء لي الدنيا
لو أنهض لو أحيا
لو أسقي آه لو أسقي
لو أن عروقي أعناب
و تقبل ثغري عشتار
فكأن على فمها ظلمة
تنثال علي و تنطبق
فيموت بعيني الألق
أنا و الهتمة
2- جيكور ستولد جيكور
النور سيورق و النور
جيكور ستولد من جرحي
من غصة موتي من ناري
سيفيض البيدر بالقمح
و الجرن سيضحط للصبح
و القرية دارا عن دار
تتماوج أنغاما حلوة
و الشيخ ينام على الربوه
و النخل يوسوس أسراري
جيكور ستولد لكنّي
لن أخرج فيها من سجني
في ليل الطين الممدود
لن ينبض قلبي كاللحن
في الأوتار
لن يخفق فيه سوى الدود
-3-
هيهات أتولد جيكور
إلا من خضة ميلادي ؟
هيهات أينبثق النور
و دمائي في الوادي ؟
أيسقسق فيها عصفور
و لساني كومة أعواد ؟
و الحقل مت يلد القمحا
و الورد و جرحي مغفور
و عظامي ناضحة ملحا
لا شيء سوى العدم العدم
و الموت هو الموت الباقي
يا ليل أظلّ مسيل دمي
و لتعد تربا أعراقي
هيهات أتولد جيكور
من حقد الخنزير المدثّر بالليل
و القبلة برعمة القتل
و الغيمة رمل منثور
يا جيكور

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:40 PM

تنهدات
( بدر شاكر السياب )


سعف النخيل على الممر تهدل
و أحجب بظلك ما يراه المجتلى
من كنت أحذر أن تحجب طيفها
عن ناظري نزلت بأبعد منزل
سيان عندي اليوم قفر موحش
و ظلال روض مستطاب المنهل
فسل النسائم أن تكف عن السرى
ما للفؤاد بسيرها من مأمل
إن أقبلت بشذى الزهور و لم يكن
عطر الحبيبة فيه فلتتحول
أبدا تذكرني المروج بمن نأت
وربابة الراعي تهيج الشوق لي
في كل زاوية نظرت رأيت من
آثارها ما خلفته لمقلتي
فإذا سهوت على ثغاء قطيعها
يشكو أساه بلوعة و تذلل
قد ودعته فما شفاه وداعها
من حرقة في صدره لم ترحل
ألقت بمسمعه ثمالة شدوها
فرنا بغرب دموعها المترسل
حففت لو ودعتها بعض الأسى
و مسحت بعض دموع قلب مثقل
و الدوح عصفره الخريف ورده
كالعاشق المتحرق المتذلل
نشر الأصيل عليه عمق سكونه
فمضى يحن لأغنيات البلبل
فكأنما الورقات مرآة له
تجلو اصفرار سمائه للمجتلي
أأروح و هو يظلني و حبيبتي
و أعوذ وحدي وهو غير مظللي
سعف النخيل سواك خان مودتي
و بقيت تحفظها لمن لا ينسلي
أشكو إليك أذى الفؤاد و إن تكن
لا ترجع الشكوى لصب مبتلى
تمضي الحبيبة و الزمان كلاهما
و أظل أندبها و تصغي أنت لي

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:41 PM

ثعلب الموت
( بدر شاكر السياب )


كم يمضّ الفؤاد أن يصبح الإنسان صيدا لررمية الصياد
مثل أيّ الظباء أيّ العصافير ضعيفا
قابعا في ارتعادة الخوف يختضّ ارتياعا لأن ظلا مخفيا
يرتمي ثمّ يرتمي في اتّئاد
ثعلب الموت فارس الموت عزرائيل يدنو و يشحذ
النصل . أه
منه آه يصكّ أسنانه الجوعى و يرنو مهددا يا إلهي
ليت أن الحياة كانت فناء
قبل هذا الفناء هذي النهاية
ليت هذا الختام كان ابتداء
واعذاباه إذ ترى أعين الأطفال هذا المهدد المستبيحا
صابغا بالدماء كفّيه في عينيه نار و بين فكيه نار
كم تلوّت أكفّهم و استجاروا
و هو يدنو كأنه احتثّ ريحا
مستبيحا
مستبيحا مهدّدا مستبيحا
من رآها دجاجة الريف إذ يمسي عليها المساء في بستانه
حين ينسل نحوها الثعلب الفرّاس يا للصريف من أسنانه
و هي تختص شلّها الرعب أبقاها بحيث الردى
كأنّ الدروب
استلّها مارد كأنّ النيوبا
سور بغداد موصد الباب لا منجى لديه و لا خلاص ينال
هكذا نحن حينما يقبل الصياد عزريل
رجفة فاغتيال

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:42 PM

ثورة 14 رمضان
( بدر شاكر السياب )


االف لسان جاء عندك يشكر
لأيفاء ما اسديت هيهات يقدر
بعثت حيلة من رداها و نفضت
أياديك عنها كل ما كان يوقر
جزاك الأله الخير عن أم صبية
أعدت لها البعل الذي كاد يقبر
فصار اليتامى من جداك ذوي أب
فداك الأب الفاديه در و جوهر
أسير فيكسو شارق الشمس جبهتي
فيعلو دعائي ظللت بالله تنصر
ألست الذي أحيا وقد ثار شعبه
فصاح ابتهاجا منه الله اكبر
وقام الكسيح المبتلى من فراشه
يسير على ساق يعدو ويطفر
تقحمت أو كان المنيات والسنا
يئن وآلاف الشاياطين تصفر
فما هي ألا ضربة الثأر وانجلى
ظلام من البلوى وبغداد تنظر
فمن ير بغداد التى أنت نورها
يقل عاد هارون وقد مات جعفر
ثأرت لشواف وأمطرت ناظما
بما قد روى القبر الذي كاد يطمر
وسد من التهريج أعلاه قاسم
وما كان كاسمه فهو يشطر
يحن ألى النيل الفرات ودونه
صحارى وقد قالوا لنا تلك كوثر
ألوف الضحايا سامها الخسف والأذى
غلوم ورقاع وبخش وقنبر
ولولاه ما عاد الشيوعي حاكما
كما شاء أو كان الشيوعي ينحر
فكنت الجواب المرتجى من دعائه
وكنت لنا النور الذي فيه نبصر
فيا جيش لا نلت الأذى دونك الذي
هبطنا ألى الأعماقأذ كبان يهذر
يمن بمال الشعب أعطاه عاجزا
ومن ظلمة الداء الذي فيه ينخر
لقد جاع حتى حطم الجوع جسمه
وطورد حتى ما على المشي يقدر
لك الحمد أذ أرويت بالثأر أرضنا
فسرنا على الدرب الذي كاد يطمر

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:43 PM

ثورة الأهلة
( بدر شاكر السياب )


أما زلت تصبو إلى قربها
رويدا فما أنت من صحبها
تخطيت سبعا من المثقلات
بما لست تدري إلى حبها
تركت الأهلة عن جانبيك
حيارى تشكى إلى ربها
أكانت سدى كل تلك السنين
و قد هدنا السير في دربها
أيطوي مداها إلى حبه
فتى ما رأيناه في ركبها
تخطيت سبعا فكم من ضحى
و كم من مساء و ليل بها
و كم نبضة من فؤاد التي
تشوقت للعطف من قلبها
أما زلت مستسلما للأنين
رويدا فعهدي بها لا تلين
و هل تسمع الشهر إن قلته
و في مسمعيها ضجيج السنين
أطلت على السبع من قبل عش
رين عاما و ما كنت إلا جنين
و أمسى و لم تدر أنت الغرام
هواها حديث الورى أجمعين
لقد نبأوها بهذا الهوى
فقالت و ما أكثر العاشقين
أما زلت في غفلة يا حزين
أحبت سواك ففيم الحنين
حرام عليها هنيء الرقاد
أتغفو و ما أنت في النائمين

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:43 PM

جيكور أمي
( بدر شاكر السياب )


تلك أمي و إن أجئها كسيحا
لأثما أزهارها و الماء فيها و الترابا
و نافضا بمقلتي أعشاشها و الغابا
تلك أطيار الغد الزرقاء و الغبراء يعبرن السطوحا
أو ينشرن في بويب الجناحين كزهرة يفتح الأفوافا
ها هنا عند الضحى كان اللقاء
و كانت الشمس على شفاهها تكسر الأطيافا
و تسفح الضياء
كيف أمشي أجوب تلك الدروب الخضر فيها و أطرق
الأبوابا
أطلب الماء فتأتيني من الفخار جره
تنضح الظل للبرود الحلو قطرة
بعد قطره
تمتد بالجرة لي يدان تنشران حول رأسي الأطيابا
هالتي تلك أم (وفيقة ) أم ( إقبال )
لم يبق لي سوى أسماء
من هوى مر كرعد في سمائي
دون ماء
كيف أمشي خطاي مزقها الداء كأني عمود
ملح يسير
أهي عامورة الغوية أو سادوم
هيهات إنها جيكور
جنة كان الصبي فيها و ضاعت حين ضاعا
آه لو أن السنين السود قمح أو ضخور
فوق ظهري حملتهن لألقيت بحملي فنفضت جيكور
عن شجيراتها ترابا يغشيها و عانقت معزفي ملتاعا
يجهش الحب به لحنا فلحنا
و لقاء فوداعا
آه لو أن السنين الخضر عادت يوم كنا
لم نزل بعد فتيين لقبلت ثلاثا أو رباعا
و جنتي ( هالة ) و الشهر الذي نشر أمواج الظلام
في سيول من العطور التي تحمل نفسي إلى بحار عميقة
و لقبلت برعم الموت ثغرا من وفيقة
و لأوصلتك يا ( إقبال ) في ليلة رعد و رياح وقتام
حاملا فانوسي الخفاق تمتد الظلال
منه أو تقصر إذ برعش في ذاك السكون
ذلك الصمت سوى قعقعة الرعد
سوى خفق الخطى بين التلال
و حفيف الريح في ثوبك أو وهوهة الليل مشى بين
الغصون
و لعانقتك عند الباب ما أقسى الوداع
أه لكن الصبى و لى و ضاع
الصبى و الزمان لن يرجعا بعد
فقري يا ذكريات و نامي

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:44 PM

جيكور شابت
( بدر شاكر السياب )


ما نفضت الندى عن ذرى العشب فيها
ما لثمت الضباب الذي يحتويها
جئتها و الضّحى يزرع الشمس في كل حقل و سطع
مثل أعواد قمح
فر قلبي إليها كطير إلى عشّه في الغروب
هل تراه استعاد الذي مر من عمره كل جرح
و ابتسام ؟
أبعد انطفاء اللهيب
يستطيع الرماد اتّقادا ؟ و من ؟أين ؟ من أيّ جمرة ؟
يا صباي الذي كان للكون عطرا و زهوا و تيها
كان يومي كعام تعد المسرّة
فيه نبضا لقلبي تفجّر منها على كلّ زهرة
كانت الأرض تلقى صباحا لأوّل مرّه
كان قابيلها بذرة مستسرة
كان للأرض قلب أحسّ به في الدروب
في البساتين في كل نهر يروّي بنيها
آه جيكور جيكور
ما للضحى كالأصيل
يسحب النّور مثل الجناح الكليل ؟
ما لأكواخك المقفرات الكئيبة
يحبس الظل فيها نحيبه ؟
أين أين الصبايا يوسوسن بين النخيل
عن هوى كالتماع النجوم الغريبة
أو يجرّرن أذيالهن التي لونتهن أقمار صيف
أو شموس خريفيّة عند شط ظليل و الشفاه ابتسامات حب و خوف
عجائز أو في القبور
عجائز يغزلن حول الصّلاء
و يروين عبر الكرى و الفتور
أقاصيص عن جنة في بيوت خواء
لأحفادهنّ اليتامى
و جيكور شابت وولى صباها
و أمسى هواها
رمادا إذا ما
تأوّهن هزّته ريح
أثارته حتى ارتمى في صداها
هباءا و ذرّا تضيق الصدور
به عن مداها
أين جيكور
جيكور ديوان شعري
موعد بي ألواح نعشي و قبري
كركرات المياه التي كسّر الشمس منها ارتجاف
و الأنين الذي منه كنا نخاف
صاعدا مثل مدّ تتر القبور
عنه و الشمس تمتصّ من كل نهر
و درابك في الأرض تنقرهنّ البذور
و هي تنشقّ في كل فجر
ذكريات كما يترك الصوت من ميّت
في خيال رنينه
مثل ناي تشظّى و أبقى أنينه
ايه جيكور عندي سؤال أما تسمعينه
هل ترى أنت في ذكرياتي دفينة
أم ترى أنت قبر لها ؟ فابعثيها
و ابعثيني
وهيهات ما للصّبى من رجوع
إن ماضيّ قبري و إني قبر ماضي
موت يمدّ الحياة الحزينة
أم حياة تمدّ الرّدى بالدموع
ما نفضت الندى عن ذرى العشب فيها

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:45 PM

جيكور و أشجار المدينة
( بدر شاكر السياب )


أشجارها دائمة الخضرة
كأنها أعمدة من رخام
لا عرى يعروها و لا صفره
و ليلها لا ينام
يطلع من أحداقه فجره
لكن في جيكور للصيف ألولنه كما للشتاء
حقل يمص الماء
أزهاره السكرى غناء الطيور
ناحلة كالصدى
أنغامه البلور
كأن فيها مدى
يجرحن قلبي فيستترفن منه النور
و تغرب الشمس و هذا المساء
أمطر في جيكور
أمطر ظلا نث صمتا مساء
غاف على جيكور
و الليل في جيكور
تهمس فيه النجوم
أنغامها تولد فيه الزهور
و تخفق الأجنحة
في أعين الأطفال في عالم للنوم مرت غيوم
بالدرب مبيضا بنور القمر
تكاد أن تمسحه
تسرق منه الزهر

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:46 PM

جيكور و المدينة
( بدر شاكر السياب )


و تلتفّ حولي دروب المدينة
حبالا من الطين يمضغن قلبي
و يعطين عن جمرة فيه طينة
حبالا من النار يجلدن عرى الحقول الحزينة
و يحرقن جيكور في قاع روحي
و يزرعن فيها رماد الضغينة
دروب تقول الأساطير عنها
على موقد نام ما عاد منها
و لا عاد من ضفة الموت سار
كأن الصدى و السكينة
جناحا أبي الهول فيها جناحان من ضخرة في ثراها دفينة
ومن يرجع الله يوما إليها
و في الليل فردوسها المستعاد
إذا عرّش الصخر فيها غصونه
ورصّ المصابيح تفاح نار
و مد الحوانيت أوراق تينه
فمن يشعل الحبّ في كل در و في كلّ مقهى و في كل دار
و من يرجع المخلب الآدميّ يدا يمسح الطفل فيها جبينه
و تخضل من لمسها من ألوهية القلب فيها عروق الحجار
و بين الضّحى و انتصاف النهار
إذا سبّحت باسم ربّ المدينة
بصوت العصافير في سدرة يخلق الله منها قلوب صغار
رحى معدن في أكفّ التجار
لها ما لأسماك جيكور من لمعة و اسمها من معان كثار
فمن يسمع الروح ؟ من يبسط الظل في لافح من هجير النضار
و من يهتدي في بحار الجليد إليها فلا يستبيح السفينة
و جيكور من غلق الدور فيها و جاء ابنها يطرق
الباب دونه
و من حول الدرب عنها فمن حيث دار اشرأبت إليه المدينة
و جيكور خضراء مس الأصيل ذرى النخل فيها
بشمس حزينة
يمدّ الكرى لي طريقا إليها
من القلب يمتدّ عبر الدهاليز عبر الدجى و القلاع الحصينة
و قد نام في بابل الراقصون
و نام الحديد الذي يشحذونه
و غشى على أعين الخازنين لهاث النّضار الذي يحرسونه
حصاد المجاعات في جنتيها
رحى من لظى مر دربي عليها
و كرم من عساليجه العاقرات شرايين تموز عبر المدينة
شرايين في كل دار و سجن و مقهى
و سجن و بار و في كل ملهى
و في كل مستشفيات المجانين
في كل مبغى لعشتار
يطلعن أزهارهن الهجينة
مصابيح لم يسرج الزيت فيها و تمسسه نار
و في كل مقهى و سجن و مبغى و دار
دمي ذلك الماء هل تشربونه
و لحمي هو الخبز لو تأكلونه
و تموز تبكيه لاة الحزينة
ترفع بالنواح صوتها مع السّحر
ترفع بالنواح صوتها كما تنهّد الشجر
تقول يا قطار يا قدر
قتلت إذ قتلته الربيع و المطر
و تنشر ( الزمان ) و ( الحوادث ) الخبر
و لاة تيسغيث بالمضمّد الحفر
أن يرجع ابنها يديه مقلتيه أيما أثر
و ترسل النواح يا سنابل القمر
دم ابني الزجاج في عروقه انفجر
فكهرباء دارنا أصابت الحجر
و صكه الجدار خضه رماه لمحة البصر
أراد أن ينير أن يبدد الظلام فانحدر
و ترسل النواح
ثم يصمت الوتر
و جيكور خضراء
مسّ الأصيل
ذرى النخل فيها
بشمس حزينة
و دربي إليها كومض البروق
بدا و اختفى ثم عاد الضياء فأذكاه حتى أنار المدينة
و عرى يدي من وراء الضماد كأن الجراحات فيها حروق
و جيكور من دونها قام سور
و بوابه
و احتوتها سكينة
فمن يخترق السور من يفتح الباب يدمي على كل قفل يمينه
و يمناي لا مخلب للصراع فأسعى بها في دروب المدينة
و لا قبضة لابتعاث الحياة من الطين
لكنها محض طينه
و جيكور من دونها قام السور
و بوابه
واحتوتها سكينة

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:46 PM

حامل الخرز الملون
( بدر شاكر السياب )


ماذا حملت لها سوى الخرز الملّون و الضباب
ما خضت في ظلمات بحر أو فتحت كوى الصخور
و الريح ما خطفت قلوعك و السحاب
ما بل ثوبك ما حملت لها سوى الدم و العذاب
في سجنها هي خلف السور
في سجنها هي و هو من ألم و فقر و اغتراب
عشر من السنوات مرت و هي تجلس في ارتقاب
أطفالها المتوثبون مع الصباح
صمتوا و كفّوا عن مراح
زجرتهم لتحسّ وقع خطاك برعمت الزهور
و أتى الربيع و ما أتيت و جاء صيف ثم راح
ماذا يعيقك في سواحل نائيات ؟ في قصور
قفر يعيش الغول فيها كلما رمت الرياح
بحطام صارية تحفّز ؟ ما يعيقك عن الرجوع ؟
لم تبق للغد من دموع
في مقلتيها لا و لم يبق ابتسام للقاء
ستعود حين تعود بالخرز الملوّن و الهباء
ستضم منها طيف أمس فلا يجيبك في الضلوع
منها سوى دمك المفجّع و الخواء

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:47 PM

حب وشاعر
( بدر شاكر السياب )


سالتني ذات يوم عابره
عن غرامي وفتاتي الساحره
لم تكن تعلم أني شاعر
ملهم أهوى فتون الطاهره
وحبيب لست أهوى عاتبا
أنما أهوى العيون الآسره
وقواما أهيفا جلفني
ساهما خلف روحي سادره
ووفاء لم أكن أنكره
أترى ينكر غصن طائره
سألتني والربى مزدانة
في شروق والأماني زاهره
ليتها تدرك أني ها هنا
شاعر لابد لي من شاعره
قلت يا أختاه لا لا تسالي
أنا ذاك الصب أهوى نادره

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:48 PM

حدائق وفيقة
( بدر شاكر السياب )


لوفيقة
في ظلام العالم السفليّ حقل
فيه مما يزرع الموتى حديقة
يلتقي في جوها صبح و ليل
و خيال و حقيقة
تنعكس الأنهار فيها و هي تجرى
مثقلات بالظلال
كسلال من ثمار كدوال
سرّحت دون حبال
كل نهر
شرفة خضراء في دنيا سحيقة
ووفيقة
تتمطى في سرير من شعاع القمر
زنبقي أخضر
في شحوب دامع فيه ابتسام
مثل أفق من ضياء و ظلام
و خيال و حقيقة
أي عطر من عطور الثلج و انِ
صعّدته الشفتان
بين أفياء الحديقة
يا وفيقة ؟
و الحمام الأسود
يا له شلال نور منطفي
يا له نهر ثمار مثلها لم يقطف
يا له نافورةً من قبر تموز المدمّي تصعد
و الأزاهير الطوال الشاحبات الناعسة
في فتور عصّرت أفريقيا فيه شذاها
ونداها
تعزف النايات في أظلالها السكرى عذارى لا نراها
روّحت عنها غصون هامسة
وفيقة
لم تزل تثقل جيكور رؤاها
آه لو روّى نخيلات الحديقة
من بويب كركرات لو سقاها
منه ماء المد في صبح الخريف
لم تزل ترقب بابا عند أطراف الحديقة
ترهف السمع إلى كل حفيف
ويحها ترجو و لا ترجو و تبكيها مناها
لو أتاها
لو أطال المكث في دنياه عاما بعد عام
دون أن يهبط في سلّم ثلج و ظلام
ووفيقة
تبعث الأشذاء في أعماقها ذكرى طويله
لعشيش بين أوراق الخميله
فيه من بيضاته الرزق اتقاد أخضر
أي أمواج من الذكرى رفيقة
كلما رفّ جناح أسمر
فوقها والتم صدر لامعات فيه ريشات جميله
أشعل الجوّ الخريفيّ الحنان
واستعاد الضمّة الأولى و حواء الزمان
تسأل الأموات من جيكور عن أخبارها
عن بباها الربد عن أنهارها
آه و الموتى صموت كالظلام
أعرضوا عنها و مروا في سلام
و هي كالبرعم تلتف على أسرارها
و الحديقة
سقسق الليل عليها في اكتئاب
مثل نافورة عطر و شراب
و خيال و حقيقة
بين نهديك ارتعاش يا وفيقة
فيه برد الموت باك
و اشرأبّت شفتاك
تهمسان العطر في ليل الحديقة

ناريمان الشريف 10-06-2010 09:48 PM

حفار القبور
( بدر شاكر السياب )


ضوء الأصيل يغيم كالحلم الكئيب على القبور
واه كما ابتسم اليتامى أو كما بهتت شموع
في غيهب الذكرى يهوم ظلهن على دموع
والمدرج النائي تهب عليه أسراب الطيور
كالعاصفات السود كالأشباح في بيت قديم
برزت لترعب ساكنيه
من غلرفة ظلماء فيه
وتثاءب الطلل البعيد يحدق الليل البهيم
من بابه الأعمى ومن شباكه الخرب البليد
والجو يملؤه النعيب
فتردد الصحراء في يأس واعوال رتيب
أصداءه المتلاشيات
والريح تذروهن في سأم على التل البعيد
وكأن بعض الساحرات
مدت أصابعها العجاف الشاحنات الى السماء
تومي الى سرب من الغربان تلويه الرياح
في آخر الأفق المضاء
حتى تعال ثم فاض على مراقيه الفساح
فكأن ديدان القبور
فارت لتلتهم الفضاء وتشرب الضوء الغريق
وكأنما أزف النشور
فاستيقظ الموتى عطاشى يلهثون على الطريق
وتدفع السرب الثقيل
يطفو ويرسب في الأصيل
لجبا يرنق بالظلام على القبور الباليات
وظلاله السوداء تزحف كالليالي الموحشات
بين الجنادل والصخور
وعلى القبور
وتنفس الضوء الضئيل
بعد اختناق بالطيوف الراعبات وبالجثام
ثم ارتخت تلك الظلال السود وانجاب الظلام
فانجاب عن ظل طويل
يلقيه حفار القبور
كفان جامدتان أبرد من جباه الخاملين
وكأن جولهما هواء كان في بعض اللحود
في مقلة جوفاء خاوية يهوم في ركود
كفان قاسيتان جائعتان كالذئب السجين
وفم كشق في جدار
مستوحد بين الصخور الصم من أنقاض دار
عند المساء ومقلتان تحدقان بلا بريق
وبلا دموع في الفضاء
هو ذا المساء
يدنو وأشباح النجوم تكاد تبدو والطريق
خال فلا نعش يلوح على مداه ولا عويل
الا النعيب
وتنهد الريح الطويل
وعلام تنعب هذه الغربان والكون الرحيب
باق يدور يعج بالأحياء مرضى جائعين
بيض الشعور كأعظم الأموات لكن خالدين
لا يهلكون علام تنعب ان عزرائيل مات
وغدا أموت غدا أموت
وهز حفار القبور
يمناه في وجه السماء وصاح رب أما تثور
فتبيد نسل العار تحرق بالرجوم المهلكات
أحفاد عاد باعة الدم والخطايا والدموع
يا رب ما دام الفناء
هو غاية الأحياء فأمر يهلكوا هذا المساء
سأموت من ظماء وجوع
ان لم يمت هذا المساء الى غد بعض الأيام
فابعث به قبل ااالظلام
يا رب أسبوع طويل مر كالعام الطويل
والقبر خاو يفغر الفم في انتظار في انتظار
ما زلت أحفرةه وبطمر الغبار
تتثاءب الظلماء فيه ويرشح القاع البليل
مما تعصر أعين الموتى وتنضحه الجلود
تلك الجلود الشاحبات وذلك اللحم النثير
حتى الشفاءه يمص من دمها الثرى حتى النهود
تذوي ويقطر في ارتخاء من مراضعها المغير
واها لهاتيك النواهد والمآقي والشفاه
واها لأجساد الحسان أيأكل الليل الرهيب
والدود منها ما تمناه الهوى واخيبتاه
كم جثة بيضاء لم تفتضها شفتا حبيب
هل كان عدلا أن أحن إلى السراب و لا أنال
إلا الحنين و ألف أنثى تحت أقدامي تنام
أفكلما اتقدت رغاب في الجوانح شح مال
ما زلت أسمع بالحروب فأين أين هي الحروب
أين السنابك و القذابف و الضحايا في الدروب
لأظل أدفنها فلا تسع الصحارى
فأدس في قمم التلال عظامهن و في الكهوف
فكأن قعقهة المنازل في اللظى نقر الدفوف
أو وقع أقدام العذارى
يرقص حولي لا عبات بالضصنوج و بالسيوف
نبئت عن حرب تدور لعل عزرائيل فيها
في الليل يكدح و النهار فلن يمر على قرانا
أو بالمدينة و هي توشك أن تضيق بساكنيها
نبئت أن القاصفات هناك ما تركت مكانا
إلا وحل به الدمار فأي سوق للقبور
حتى كأن الأرض من ذهب يضاحك حافريها
حتى كأن معاصر الدم دافقات بالخمور
أواه لو أني هناك أسد باللحم النثير
جوع القبور و جوع نفسي في بلاد ليس فيها
إلا أرامل أو عذارى غاب عنهن الرجال
وافتضهن الفاتحون إلى الذماء كما يقال
مازلت أسمع بالحروب فما لأعين موقديها
لا تستقر على قرانا ليت عيني تلتقيها
و تخضهن إلى القرار و كالنيازك و الرعود
تهوي بهن على النخيل على الرجال على المهود
حتى تحدق أعين الموتى كآلاف اللآلي
من كل شبر في المدينه ثم تنظم كالعقود
في هذه الأرض الخراب فيا لأعينها و يا لي
رباه إني أقشعر أكاد أسمع في الخيال
أغنية تصف العيون
تنثال من مقهى فأنصت في الزحام و ينصتون
و كأن ما بيني و بين الآخرين من الهواء
ثدي سخي بالحليب و بالمحبة و الأخاء
يا رب أسبوع يمر و لست أسمع من غناء
إلا النعيب
و تنهد الريح الرتيب
واخيبتاه ألن أعيش بغير موت الآخرين
و الطيبات من الرغيف إلى النساء إلى البنين
هي منة الموتى علي فكيف أشفق بالأنام
فلتمطرنهم القذائف بالحديد و بالضرام
و بما تشاء من انتقام
من حميات أو جذام
نذر علي لئن تشب لازرعن من الورود
ألفا تروى بالدماء و سوف أرصف بالنقود
هذا المزار وسوف أركض في الهجير بلا حذاء
و أعد أحذية الجنود
و أخط في وحل الرصيف وقد تلطخ وقد تلطخ بالدماء
أعدادهن لأستبيح عدادهن من النهود
و سأدفن الطفل الرمي و أطرح الأم الحزينة
بين الصخور على ثراه
و لسوف أغرز بين ثدييها أصابعي اللعينة
و يكاد يحنقها لهاثي و هي تسمع في لظاه
قلبي ووسوسة النقود نقودها و اخجلتاه
أنا لست أحقر من سواي و إن قسوت فلي شفيع
أني كوحش في الفلاء
لم أقرأ الكتب الضخام و شافعي ظمأ و جوع
أو ما ترى المتحضرين
المزدهين من الحديد بما يطير و ما يذيع
مهما ادنأت فلن أسف كما أسفوا لي شفيع
أني نويت و يفعلون و إن من يئد البنين
و الأمهات و يستحل دم الشيوخ العاجزين
لأحط من زان انتهك الغزاة و ما استباحوا
و القاتلون هم الجناه و ليس حفار القبور
و هم الذين يلونون لي البغايا بالخمور
و هم المجاعة و الحرائق و المذابح و النواح
و هم الذين سيتركون أبي وعمته الضريره
بين الخرائب ينبشان ركامهن عن العظام
أو يفحصان عن الجذور و يلهثان من الأورام
و الصخر كالمقل الضريرة
و سيوثقون بشسعر أختي قبضتي و كالظلام
و كخضة الحمى تسمرها على دمها صدور
تعلو و تهبط باللهاث كأنهن رحى تدور
يا مجرمون إلى الوراء فسوف تنتفض القبور
و تقيء موتاها و يا موتي على اسم الله ثورا
رباه عفوك إن قابيل المكبل بالحديد
في نفسي الظلماء هب وقر يعصره الملال
فالليل جاء و ما أزال
مستوحدا أرعى القبور و أنفض الدرب البعيد
و كأن يا بشرى كأن هناك في أقصى الجنوب
خطا كأذيال الظلام و لمعة كدم الغروب
لكأنه ضيف جديد
و بدا الجناز و راح يشهق و هو يدنو في ارتخاء
الأوجه المتحجرات يضيئها الشفق الكئيب
و الغمغمات الخافتات من انفعال أو رياء
و النعش يحجبه غطاء
ألوانه المترنحات كأنما اعتصر المغيب
فيها قواه و ذاب فيها كوكب واهي الضياء
حتى إذا انهال التراب و صفح القبر الجديد
و تراعش الألق الضئيل على الظهور المتعبات
حتى اضمحل و غيبتها ظلمة الأفق البعيد
كانت مصابيح السماء تذر ضوءا كالضباب
بين القبور الموحشات
و على الخرائب و الرمال و كان حفار القبور
متعثر الخطوات يأخذ دربه تحت الظلام
يرعى مصابيح المدينه و هي تخفق في اكتئاب
وز يظل يحلم بالنساء العاريات و بالخمور
و تحسست يده النقود و هيأ الفم لابتسام
حتى تلاشى في الظلام
2- النور ينضح من نوافذ حانه عبر الطريق
و تكاد رائحة الخمور
تلقى على الضوء المشبع بالدخان و بالفتور
ظلا كألوان حيارى واهيات من حريق
ناء توهم في الدجى الضافي على وجه حزين
و تلوح أشباح عجاف
خلف الزجاج تهيم في الضوء السرابي الغريق
و يشد حفار القبور على الزجاجة باليمين
و كمن يحاذر أو يخاف
يرنو إلى الدرب المنقط بالمصابيح الضئال
و تحركت شفتاه في بطء و غمغم في انخذال
أظننت أنك سوف تقتحم المدينه كالغزاه
كالفاتحين و تشتريها بالذي ملكت يداك
بأقل من ثمن الطلاء القرمزي على شفاه
أو في أظافر لاحقتها ذات يوم مقلتاك
سأعود لانهد تعصره يدي حتى الذهول
حتى التأوه و الأنين و صرخة الدم في العروق
و السكرة العمياء و الخدر المضعضع و الأفول
و الأذرع المتفترات يلون الضوء الخفوق
هزاتها المستسلمات و ينفح الدم و العبير
ظل لهن على السرير
الأذرع المتفترات و زهرتان على الوساد
نسجتهما كف مخضبة الأظافر زهرتان
تتفتحان على الوسادة كالشفاه و تهمسان
نغما يذوب إلى رقاد
و تألق الجيد الشهي و لفحة النفس البهير
قلقا كمصباح السفينه راوحته صبا لعوب
و تخافق الأظلال في دعة ووسوسة الحرير
و الحلمتان أشد فوقهما بصدري في اشتهاء
حتى أحسهما بأضلعي و أعتصر الدماء
باللحم و الدم و الحنايا منهما لا باليدين
حتى تغيبا في صدري إلى غير انتهاء
حتى تمصا من دماي و تلفظاني في ارتخاء
فوق السرير
و تشرئبا
ثم نثوي جثتين
لولا التماعات الكواكب و انعكاس من ضياء
تلقيه نافذة ووقع خطى تهاوى في عياء
يصدى له الليل العميق و حارس تعب يعود
و سنان يحلم بالفراش و زوجه تذكي السراج
و تؤجج التنور صامته و أخيلة اللهيب
تضفي عليها ما تشاء من اكتئاب و ابتهاج
ثم اضمحل الحارس المكدود و النغم الرتيب
وقع الخطى المتلاشيات كأنه الهمس المريب
ما زال يخفق من بعيد
و تململت قدمان و ارتفعت يد بعد انتظار
و هوت على الباب العتيق فأرسل الخشب البليد
صوتا كإيقاع المعاول حين إدبار النهار
بين القبور الموحشات و أطبق الصمت الثقيل
و أطل من إحدى النوافذ و هي تفتح و ارتياب
وجه حزين ثم غاب
و تحرك الباب المضعضع و هو يجهش بالعويل
و تقول أنثى في اكتئاب
ضيف جديد ثم تفرك مقلتيها في فتور
و يظل يزحف كالكسوف يحجب الألق الضئيل
عن وجهها ظل يقيدها بحفار القبور
-4-
في زهوة الشفق الملون حيث يحترق النهار
في عودة الرعيان أشباحا يظللها الغبار
في ساعة الشوق الكئيب إلى شواطيء كالضباب
و إلى أكف مخلصات
و إلى أغان مبهمات هائمات في شعاب
أنأى من الأصداء تغشاها نجوم ساهمات
في ساعة الشفق الملون كان إنسان يثور
بين الجنادل و القبور
نفس معذبه تثور
بين الجنادل و القبور
أأظل أحلم بالنعوش و أنفض الدرب البعيد
بالنظرة الشزراء و اليأس المظلل بالرجاء
يطفو و يرسب و السماء كأنها صنم بليد
لا مأمل في مقلتيه و لا شواظ و لا رثاء
لو أنها انفجرت تقهقه بالرعود القاصفات
لو أنها انكمشت وصاحت كالذئاب العاويات
فات الأوان فخط لحدك واثو فيه إلى النشور
لو أنها انطبقت علي كأنها فم أفعوان
لو أنها اعتصرت قواي
و مات ظل الأرجوان
في آخر الأفق البعيد و لألأت قطرات نور
مما تبعثره المدينة و هي تبسم في فتور
و كأنما رضعت مصابيح المدينة مقلتاه
فسرت لهيبا في دماه و ألغمتها بالرغاب
و كأنهن على المدى المقرور آلاف الشفاه
تدعوه ظمأى لاهثات مثل أحداق الذئاب
ما زلت تحترقين من فرح و أحتراق انتظار
أنا انتهينا
يا سماء و يا قبور أما أراها
لا بد من هذا وصوب مقلتيه إلى السماء
حنقا يزمجر ثم أطرق و هو يحلم بالقاء
باب تفتح في الظلام و ضحكة و شذى ثقيل
ويدان تجتذبان أغطية السرير و ترخيان
إحدى الستائر
ثم تنطفئان في الضوء الضئيل
و تغيم أخيلة و تجلى ثم تبرز حلمتان
ويطل وجه شاحب القسمات مختلج الشفاه
و تغيم أخيلة و تحلى ثم تفتح مقلتاه
فيرى القبور
و يرى المصابيح البعيدة كالمجامر في اتقاد
و يرى الطريق إلى القبور
يكتظ بالأشباح زاحفة إليه على اتئاد
فيصيح من فرح سألقاها فإن الطريق
نعشا و إن حف النساء به و أملق حاملوه
إني سألقاها و ينهض و هو يرفع باليمين
فانوسة الصدىء العتيق
يلقي سناه على الوجوه
و على الدثار القرمزي و في عيون القادمين
لو أنه اخترق الدثار بمقلتيه و بالضياء
لو حدث التابوت عمن فيه أو رفعت يداها
أو هبة للزعزع النكباء حاشية الغطاء
تحت النجوم الساهمات
لكاد ينكر من رآها
و تظل أنوار المدينة و هي تلمع من بعيد
و يظل حفار القبور
ينأى عن القبر الجديد
معتثر الخطوات يحلم باللقاء و بالخمرو


الساعة الآن 07:43 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team