![]() |
|
الفائدة الحادية والأربعون
تحقيق التوحيد تحقيق التوحيد: تخليصه من الشرك، ولا يكون إلا بأمور ثلاثة: الأول: العلم؛ فلا يمكن أن تحقق شيئًا قبل أن تعلمه؛ فلا بد من تصوره بعلمه قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]. الثاني: الاعتقاد: فإذا علمت ولم تعتقد، واستكبرت، لم تحقق التوحيد؛ قال الله تعالى عن الكافرين {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5] فما اعتقدوا انفراد الله بالألوهية. الثالث: الانقياد: فإذا علمت واعتقدت ولم تنقد لم تحقق التوحيد، قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 35، 36]( ). |
الفائدة الثانية والأربعون
أقسام الدعاء الأول: جائز، وهو أن تدعو مخلوقًا بأمر من الأمور التي يمكن أن يدركها بأشياء محسوسة معلومة؛ فهذا ليس من دعاء العبادة بل هو من الأمور الجائزة، قال : «وإذا دعاك فأجبه»( ). الثاني: أن تدعو مخلوقًا مطلقًا سواء كان حيًا، أو ميتًا فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أكبر مثل: يا فلان اجعل ما في بطن امرأتي ذكرًا. الثالث: أن تدعو مخلوقًا ميتًا لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة فهذا شرك أكبر أيضًا ( ). *** |
الفائدة الثالثة والأربعون
أقسام التعلق بغير الله الأول: ما ينافي التوحيد من أصله؛ وهو أن يتعلق بشيء لا يمكن أن يكون له تأثير، ويعتمد عليه اعتمادًا كاملاً معرضًا عن الله؛ مثل تعلق عُبّاد القبور بمن فيها عند حلول المصائب، ولهذا إذا مستهم الضراء الشديدة يقولون: يا فلان أنقذنا، فهذا لا شك أنه شرك أكبر مخرج من الملة. الثاني: ما ينافي كمال التوحيد: أن يعتمد على سبب شرعي صحيح من الإعراض عن المسبب، وهو الله عز وجل، وعدم صرف قلبه إليه فهذا نوع من الشرك ولا نقول شرك أكبر؛ لأن هذا السبب جعله الله سببًا. الثالث: أن يتعلق بالسبب تعلقًا مجردًا؛ لكونه سببًا فقط، مع اعتماده الأصلي على الله؛ فيعتقد أن هذا السبب من الله وأن الله لو شاء لأبطل أثره، ولو شاء لأبقاه، وأنه لا أثر لسبب في مشيئة الله عز وجل فهذا لا ينافي التوحيد لا كمالاً ولا أصلاً. ومع وجود الأسباب الشرعية الصحيحة ينبغي للإنسان أن لا يُعلّق نفسه بالسبب بل يعلّقها بالله. فالموظف الذي يتعلق قلبه بمرتبه تعلقًا كاملاً مع الإعراض عن الاعتقاد في المسبب وهو الله نوع من الشرك؛ أما إذا اعتقد أن المرتب سبب، والمسبب هو الله سبحانه وتعالى، وجعل الاعتماد على المسبب وهو يشعر أن المرتب سبب فهذا لا ينافي التوكل. والرسول كان يأخذ بالأسباب مع اعتماده على المسبب وهو الله عز وجل؛ أمّا إذا تعلّق بسبب لا تأثير له؛ كالذي يتعلق بميت في حصول رزق أو تسهيل أمر، أو دفع ضر، فهذا شرك أكبر ( ). |
الفائدة الرابعة والأربعون
أقسام الناس في موضوع الكرامات انقسم الناس في موضوع الكرامات إلى ثلاثة أقسام: - قسم غلوا في نفيها، حتى أنكروا ما هو ثابت في الكتاب والسنة من الكرامات الصحيحة التي تجري على وفق الحق لأولياء الله المتقين. - وقسم غلوا في إثبات الكرامات، حتى اعتقدوا أن السحر والشعوذة والدجل من الكرامات، واستغلوها وسيلة للشرك والتعلق بأصحابها من الأحياء والأموات حتى نشأ عن ذلك الشرك الأكبر بعبادة القبور وتقديس الأشخاص والغلو فيهم لما يزعمون لهم من الكرامات والخرافات. -والقسم الثالث: وهم أهل السنة والجماعة توسطوا في موضوع الكرامات بين الإفراط والتفريط فأثبتوا منها ما أثبته الكتاب والسنة ولم يغلوا في أصحابها ولم يتعلقوا بهم من دون الله ولا يعتقدون فيهم أنهم أفضل من غيرهم بل هناك من أولياء الله من هو أفضل منهم ولم تجر على يده كرامة ونفوا ما خالف الكتاب والسنة من الدجل والشعوذة والنصب والاحتيال واعتقدوا أنه من عمل الشيطان وليس هو من كرامات الأولياء فلله الحمد والمنة على وضوح الحق وافتضاح الباطل {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 42]( ). |
الفائدة الخامسة والأربعون
التبرك التبرك: طلب البركة، وطلب البركة لا يخلو من أمرين: 1- أن يكون التبرك بأمر شرعي معلوم، مثل القرآن؛ قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} [ص: 29]؛ فمن بركته أن من أخذ به حصل له الفتح، فأنقذ الله بذلك أممًا كثيرة من الشرك، ومن بركته أن الحرف الواحد بعشر حسنات، وهذا يوفر للإنسان الوقت والجهد، وغير ذلك من بركاته الكثيرة. 2- أن يكون بأمر حسِّيٍّ معلوم مثل: العلم والدعاء ونحوه، فهذا الرجل يتبرك بعلمه، ودعوته إلى الخير؛ فيكون هذا بركة؛ لأننا نلنا منه خيرًا كثيرًا. ومن ذلك الفأل؛ فقد كان النبي يعجبه الفأل، قال أسيد بن خضير: «ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر». فإن الله يجري على بعض الناس من أمور الخير ما لا يجريه على يد الآخر. وهناك بركات موهومة باطلة مثل ما يزعمه الدّجَّالون أن فلانًا الميت الذي يزعمون أنه وليّ أنزل عليكم من بركته وما أشبه ذلك، فهذه بركة باطلة، لا أثر لها وقد يكون للشيطان أثر في هذا الأمر، لكنها لا تعدو أن يكون آثارًا حسيّة بحيث أن الشيطان يخدم هذا الشيخ فيكون في ذلك فتنة ( ). |
الفائدة السادسة والأربعون
مواضع الشكر والشكر فسَّروه بأنه: طاعة المنعم، وقالوا: إنه يكون في ثلاثة مواضع: 1- في القلب: وهو أن يعترف بقلبه أن هذه النعمة من الله فيرى الله متفضلاً عليه بها قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، وأعظم نعمة هي نعمة الإسلام؛ قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17] وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ} [آل عمران: 164]. 2- اللسان: وهو أن يتحدث بها على وجه الثناء على الله والاعتراف وعدم الجحود لا على سبيل الفخر والخيلاء والترفع على عباد الله فيتحدَّث بالغنى لا ليكسر خاطر الفقير بل لأجل الثناء على الله، وهذا جائز كما في قصة الأعمى من بني إسرائيل لما ذكرهم الملك بنعمة الله قال: «نعم كنت أعمى فردَّ الله عليَّ بصري، وكنت فقيرًا فأعطاني الله المال». فهذا من باب التحدُّث بنعمة الله، والنبي تحدَّث بنعمة الله عليه بالسيادة المطلقة فقال: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة»( ). 3- الجوارح: وهو أن يستعملها بطاعة المنعم، وعلى حسب ما يختص بهذه النعمة. فمثلاً: شرك الله على نعمة العلم: أن تعمل به، وتعلمه الناس، وشكر الله على نعمة المال: أن تصرفه بطاعة الله وتنفع الناس منه. وشكر الله على نعمة الطعام: أن تستعمله فيما خلق له، وهو تغذية البدن، فلا تبني من العجين قصرًا مثلاً فهو لم يخلق لهذا الشيء( ). *** |
الفائدة السابعة والأربعون
أقسام الحقوق واعلم أنَّ الحقوق ثلاثة أقسام وهي: الأول: حق لله لا يشرك فيه غيره لا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، وهو ما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. الثاني: حق خاص للرسل، وهو إعانتهم وتوقيرهم وتبجيلهم بما يستحقون. الثالث: حق مشترك وهو: الإيمان بالله ورسله وهذه الحقوق موجودة في الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الفتح: 9] فهذا حق مشترك {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] هذا خاص بالرسول : {وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 9] هذا خاص بالله سبحانه وتعالى ( ). *** |
الفائدة الثامنة والأربعون
حكم الاحتفال بعيد الميلاد للأطفال فائدة: كل شيء يتّخذ عيدًا يتكرر كل أسبوع أو كل عام فهو من البدع، والدليل على ذلك: أن الشارع جعل للمولود العقيقة ولم يجعل شيئًا بعد ذلك، واتخاذهم هذه الأعياد تتكرر كل أسبوع أو كل عام معناه أنهم شبهوه بالأعياد الإسلامية، وهذا حرام ولا يجوز، وليس في الإسلام شيء من الأعياد إلا الأعياد الشرعية الثلاثة. وليس هذا من باب العادات لأنه يتكرر، ولهذا لما قدم النبي فوجد للأنصار عيدين يحتفلون بهما قال: «إن الله أبدلكما بخير منهما عيد الأضحى وعيد الفطر»( ). مع أن هذا من الأمور العادية عندهم ( ). |
الفائدة التاسعة والأربعون
السحر وأقسامه السحر لغة: ما خفي ولطف سببه، ومنه سمي السحر لآخر الليل، لأن الأفعال التي تقع فيه تكون خفية، وكذلك سمي السَّحور لما يؤكل في آخر الليل، لأنه يكون خفيًا، فكل شيء خفي سببه يسمى سحرًا. وأما في الشرع فإنه ينقسم إلى قسمين: الأول: عُقد ورقُى؛ أي قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد لتضرر المسحر؛ قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} [البقرة: 102] إلى قوله: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]. الثاني: أدوية وعقاقير تؤثر على بدن المسحور وعقله وإرادته وميله فتجده ينصرف ويميل، وهو ما يسمى عندهم بالصرف والعطف. فيجعلون الإنسان ينعطف على زوجته أو امرأة أخرى، حتى يكون كالبهيمة تقوده كما تشاء، والصرف بالعكس من ذلك. فيؤثر في بدن المسحور: بإضعافه شيئًا فشيئًا حتى يهلك. وفي تصوره بأن يتخيل الأشياء على خلاف ما هي عليه. وفي عقله فربما يصل إلى الجنون، والعياذ بالله ( ). |
الفائدة الخمسون
أقسام على النجوم وعلم النجوم ينقسم إلى قسمين: الأول: علم التأثير وهو ما يستدل به على الحوادث الأرضية، فهذا محرم باطل؛ لقول النبي : «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر». [رواه أبو داود وإسناده صحيح]. وقوله في حديث زيد بن خالد «من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب». أخرجه البخاري ومسلم. لأنه لا علاقة بينها وبين الحوادث الأرضية. الثاني: علم التسيير، وهو ما يستدل به على الجهات والأوقات، فهذا جائز، وقد يكون واجبًا أحيانًا كما قال الفقهاء: إذا دخل وقت الصلاة يجب على الإنسان أن يتعلم علامات القبلة من النجوم والشمس والقمر؛ قال تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [النحل: 15] فلما ذكر الله العلامات الأرضية انتقل إلى العلامات السماوية فقال تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16]؛ فالاستدلال بهذه النجوم على الأزمان لا بأس به، مثل أن يقال: إذا طلع النجم الفلاني دخل وقت السيل، ودخل وقت الربيع ( ). *** |
الفائدة الحادية والخمسون
الصبر وأقسامه الصبر في اللغة: الحبس ومنه قولهم: قتل صبرًا أي محبوسًا مأسورًا. وفي الاصطلاح: حبس النفس وذلك بحبس القلب عن التسخط المحرم، واللسان عن القول المحرم، والجوارح عن الفعل المحرم. أقسام الصبر ثلاثة: الأول: الصبر على طاعة الله؛ قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]، وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا * فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان: 23، 24]. وهذا يشمل الصبر على الأوامر لأنه إنما نزل عليه القرآن ليبلغه فيكون مأمورًا بالصبر على الطاعة وقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28] وهذا صبر على طاعة الله. الثاني: الصبر على معصية الله؛ كصبر يوسف عليه السلام عن إجابة امرأة العزيز حيث دعته إلى نفسها في مكان لها فيه العزة والقوة والسلطان عليه ومع ذلك صبر وقال: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف: 33] فهذا صبر عن معصية الله. الثالث: الصبر على أقدار الله: قال تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} [الإنسان: 24] فيدخل في هذه الآية حكم الله القدري ومنه قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف: 35]؛ لأن هذا صبر على تبليغ الرسالة وعلى أذى قومه، ومنه قوله لرسول إحدى بناته: «مرها فلتصبر ولتحتسب»( ). إذن الصبر ثلاثة أنواع أعلاها الصبر على طاعة الله، ثم الصبر عن معصية الله، ثم الصبر على أقدار الله ( ). *** |
الفائدة الثانية والخمسون
مراتب الناس حال المصيبة والناس حال المصيبة على مراتب أربع: الأولى: التسخط، وهو إما أن يكون بالقلب كأن يسخط على ربه ويغضب على ما قدر الله عليه، وقد يؤدي إلى الكفر قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ} [الحج: 11] وقد يكون باللسان كالدعاء بالويل والثبور وما أشبه ذلك، وقد يكون بالجوارح كلطم الخدود وشق الجيوب ونتف الشعور وما أشبه ذلك. الثانية: الصبر وهو كما قال الشاعر: الصبر مثل اسمه مر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل فيرى الإنسان أن هذا الشيء ثقيل عليه ويكرهه، لكنه يتحمله وليس وقوعه وعدمه سواء عنده، بل يكره هذا ولكن إيمان يحميه من السخط. الثالثة: الرضا وهو أعلى من ذلك وهو أن يكون الأمران عنده سواء، لأنه رجل يسبح في القضاء والقدر أينما ينزل به القضاء والقدر فهو نازل به على سهل أو جبل، إن أصيب بنعمة أو أصيب بضدها؛ فالكل عنده سواء؛ لا لأن قلبه ميت؛ بل لتمام رضاه بربه سبحانه وتعالى يتقلب في تصرفات الرب عز وجل ولكنها عنده سواء؛ إذ إنه ينظر إليها باعتبارها قضاء لربه وهذا الفرق بين الرضا والصبر ( ). *** |
الفائدة الثالثة والخمسون
حكم اتباع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرّم الله أو العكس واعلم أن اتباع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرّم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: أن يتابعهم في ذلك راضيًا بقولهم مقدمًا له ساخطًا لحكم الله، فهو كافر؛ لأنه كره ما أنزل الله فأحبط الله عمله ولا تحبط الأعمال إلا بالكفر فكل من كره ما أنزل الله فهو كافر. الثاني: أن يتابعهم في ذلك راضيًا في حكم الله وعالمًا بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد ولكن لهوى في نفسه اختاره كأن يريد مثلاً وظيفة لهذا لا يكفر ولكنه فاسق. الثالث: أن يتابعهم جاهلاً فيظن أن ذلك حكم الله فينقسم إلى قسمين: أ- أن يمكنه أن يعرف الحق بنفسه فهو مفرط أو مقصر فهو آثم، لأن الله أمر بسؤال أهل العلم عند عدم العلم. ب- أن لا يكون عالمًا ولا يمكنه التعليم فيتابعهم تقليدًا ويظن أن هذا هو الحق فهذا لا شيء عليه لأنه فعل ما أمر به وكان معذورًا بذلك ولذلك ورد عن رسول الله أنه قال: «إن من أفتي بغير علم فإنما إثمه على من أفتاه». أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما، ولو قلنا بإثمه بخطأ غيره للزم من ذلك الحرج والمشقة ولم يثق الناس بأحد لاحتمال خطئه. فإن قيل لماذا لا يكفر أهل القسم الثاني؟ أجيب: أننا لو قلنا بكفرهم لزم من ذلك تكفير كل صاحب معصية يعرف أنه عاص لله ويعلم أنه حكم الله ( ). *** |
الفائدة الرابعة والخمسون
الاقتناع بالحلف بالله والاقتناع بالحلف بالله لا يخلو من أمرين: الأول: أن يكون ذلك من الناحية الشرعية؛ فإنه يجب الرضا بالحلف بالله فيما إذا توجهت اليمين على المدعي عليه فحلف؛ فيجب الرضا بهذا الحكم الشرعي. الثاني: أن يكون ذلك من الناحية الحسية فإن كان الحالف موضع صدق وثقة فإنك ترضى بيمينه وإن كان غير ذلك فلك أن ترفض الرضا بيمينه، ولهذا لما قال النبي لحويصة ومحيصة: «تبرئكم يهود بخمسين يمينًا. قالوا: كيف نرضى يا رسول الله بأيمان اليهود!» أخرجه البخاري ومسلم، فأقرهم النبي على ذلك ( ). |
الفائدة الخامسة والخمسون
سب الدهر وسب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: أن يقصد الخبر المحض دون اللوم، فهذا جائز مثل أن يقول: تعبنا من شدة حر هذا اليوم، أو برده وما أشبه ذلك؛ لأن الأعمال بالنيات واللفظ صالح لمجرد الخبر ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77]. الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل: كأن يعتقد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقًا لأنه نسب الحوادث إلى غير ذلك وكل من اعتقد أن مع الله خالقًا فهو كافر كما أن من اعتقد أن مع الله إلهًا يستحق أن يعبد فإنه كافر. الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاد أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل لكن يسبه؛ لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده؛ فهذا محرم، ولا يصل إلى درجة الشرك، وذلك لأنه سبُّه إياه لا يخلو إما أن يعتقد أنه هو الفاعل وهذا شرك، وإما ألا يعتقد أن الله هو الفاعل فتكون حقيقة السب لله عز وجل؛ لأن الله تعالى هو الذي يصرفه ويكون فيه ما أراد من خير أو من شر فليس الدهر فاعلاً فسبه في الحقيقة يعود إلى سب الله عز وجل، فيكون هذا محرمًا وليس بشرك لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة ( ). |
الفائدة السادسة والخمسون
استعمال (لو) على عدة أوجه الوجه الأول: أن تستعمل في الاعتراض على الشرع. وهذا محرم؛ قال تعالى: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 168] في غزوة أحد حينما تخلف أثناء الطريق عبد الله بن أبيٍّ في نحو ثلث الجيش فلما استشهد من المسلمين سبعون رجلاً اعترض المنافقون على تشريع الرسول وقالوا: لو أطاعونا ورجعوا كما رجعنا ما قتلوا فرأيُنا خير من شرع محمد وهذا محرم وقد يصل إلى الكفر. الثاني: أن تستعمل في الاعتراض على القدر. وهذا محرم أيضًا؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} [آل عمران: 156]؛ أي لو أنهم بقوا ما قتلوا؛ فهم يعترضون على قدر الله. الثالث: أن تستعمل للندم والتحسر. وهذا محرم أيضًا؛ لأن كل شيء يفتح الندم عليك فإنه منهي عنه؛ لأن الندم يكسب النفس حزنًا وانقباضًا والله يريد منا أن نكون في انشراح وانبساط قال : «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا فإن "لو" تفتح عمل الشيطان»( ). مثال ذلك: رجل حريص أن يشتري شيئا يظن أن فيه ربحا فخسر فقال: لو أني ما اشتريته ما حصل لي خسارة. فهذا ندم وتحسر ويقع كثيرا وقد نهي عنه. الرابع: أن تستعمل في التمني. وحكمه حسب المتمني إن كان خيرًا فخير وإن كان شرًا فشر، وفي الصحيح عن النبي في قصة النفر الأربعة قال أحدهم: «لو أن عندي مال فلان لعملت فيه عمل فلان». فهذا تمنى خيرًا، وقال الثاني: «لو أن عندي مال فلان الذي ينفقه في غير مرضاة الله». فهذا تمنى شرًا، فقال النبي في الأول: «فهو بنيته فهما بالأجر سواء». وقال في الثاني: «فهو بنيته فهما في الوزر سواء». الخامسة: أن تستعمل في الخير المحض. وهذا جائز، مثل: لو حضرت الدرس لاستفدت. ومنه قوله : «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم»( ). فأخبر النبي أنه لو علم أن هذا الأمر سيكون من الصحابة ما ساق الهدي ولأحل، وهذا هو الظاهر لي. وبعضهم قال: إنه من باب التمني؛ كأنه قال: ليتني استقبلت من أمري ما استدبرت حتى لا أسوق الهدي؛ فالظاهر أنه خبر؛ لما رأى من أصحابه، والنبي لا يتمنى شيئًا قدر الله خلافه ( ). |
الفائدة السابعة والخمسون
فوائد الإيمان بالقدر وللإيمان بالقدر فوائد عظيمة منها: 1- أنه من تمام توحيد الربوبية. 2- أنه يوجب صدق الاعتماد على الله عز وجل؛ لأنك إذا علمت أن كل شيء بقضاء الله وقدره صدق اعتمادك على الله. 3- أنه يوجب للقلب الطمأنينة إذا علمت أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. 4- منع إعجاب المرء بعمله إذا عمل عملاً يشكر عليه؛ لأن الله هو الذي من عليه وقدره له؛ قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ} [الحديد: 22، 23] أي فرح بطر وإعجاب بالنفس. 5- عدم حزنه على ما أصابه، لأنه من ربه فهو صادر عن رحمة وحكمة. 6- أن الإنسان يفعل الأسباب لأنه يؤمن بحكمة الله عز وجل، وأنه لا يقدر الأشياء إلا مربوطة بأسبابها ( ). |
الفائدة الثامنة والخمسون
حالات المسلمين مع المشركين وليعلم أن لنا مع المشركين ثلاث حالات: الحال الأولى: أن لا يكون بيننا وبينهم عهد فيجب قتالهم بعد دعوتهم إلى الإسلام وإبائهم عنه وعن بذل الجزية بشرط قدرتنا على ذلك. الحال الثانية: أن يكون بيننا وبينهم عهد يستقيمون فيه فهنا يجب الوفاء لهم بعهدهم؛ لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 7]، وقوله: {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4]. الحال الثالثة: أن يكون بيننا وبينهم عهد نخاف خيانتهم فيه فهنا يجب أن ننبذ إليهم العهد ونخبرهم أنه لا عهد بيننا وبينهم؛ لقوله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال: 58]( ). *** |
الفائدة التاسعة والخمسون
أقسام القسم والقسم على الله ينقسم إلى أقسام: الأول: أن يقسم على ما أخبر الله به ورسوله من نفي أو إثبات، فهذا لا بأس به، وهذا دليل على يقينه بما أخبر الله به ورسوله مثل: والله ليشفعن الله نبيه في الخلق يوم القيامة. ومثل: والله لا يغفر الله لمن أشرك به. الثاني: أن يقسم على ربه لقوة رجائه وحسن الظن بربه، فهذا جائز لإقرار النبي ذلك في قصة الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك رضي الله عنهما حينما كسرت ثنية لجارية من الأنصار فاحتكموا إلى النبي فأمر النبي بالقصاص فعرضوا عليها الصلح فأبوا فقام أنس بن النضر فقال: أتكسر ثنية الربيع؟ والله يا رسول الله لا تكسر ثنية الربيع. وهو لا يريد به رد الحكم الشرعي فقال الرسول : «يا أنس كتاب الله القصاص، السن بالسن قال: والله لا تكسر ثنية الربيع». وغرضه بذلك أنه لقوة ما عنده من التصميم على أن لا تكسر ولو بذل كل غال ورخيص. فلما عرفوا أنه مصمم ألقى الله في قلوب الأنصار العفو فعفوا فقال النبي : «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره»( ) فهو لقوة رجائه بالله وحسن ظنه ألقى الله العفو في قلوب هؤلاء الذين صمموا أمام الرسول على القصاص فعفوا. فثناء الرسول عليه شهادة بأن الرجل من عباد الله وأن الله أبر قسمه، ولين له هذه القلوب، وكيف لا وهو الذي قال بأنه يجد ريح الجنة دون أحد ولما استشهد وجد به بضعة وثمانون ما بين ضربة بسيف أو رمح، وقيل: إنه لم يعرفه إلا أخته ببنانه»( ). ويدل أيضًا لهذا القسم قوله : «رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره»( ). القسم الثالث: أن يكون الحامل له الإعجاب بالنفس، وتحجر فضل الله عز وجل وسوء الظن به تعالى، فهذا محرم وهو وشيك بأن يحبط الله عمل هذا المقسم ( ). *** |
الفائدة الستون
القنوط من رحمة الله واليأس من روحه وللقنوط من رحمه الله واليأس من روحه سببان محذوران: (أحدهما) أن يسرف العبد على نفسه ويتجرأ على المحارم فيصر عليها ويصمم على الإقامة على المعصية ويقطع طمعه من رحمة الله لأجل أنه مقيم على الأسباب التي تمنع الرحمة فلا يزال كذلك حتى يصير له هذا وصفًا وخلقًا لازمًا وهذا غاية ما يريده الشيطان من العبد ومتى وصل إلى هذا الحد لم يرج له خير إلا بتوبة نصوح وإقلاع قوي. الثاني: أن يقوى خوف العبد بما جنت يداه من الجرائم ويضعف علمه بما لله من واسع الرحمة والمغفرة ويظن بجهله أن الله لا يغفر له ولا يرحمه ولو تاب وأناب وتضعف إرادته فييأس من الرحمة وهذا من المحاذير الضارة الناشئة من ضعف علم العبد بربه وما له من الحقوق ومن ضعف النفس وعجزها ومهانتها، فلو عرف هذا ربه، ولم يخلد إلى الكسل لعلم أن أدنى سعي يوصله إلى ربه وإلى رحمته وجوده وكرمه ( ). *** |
الفائدة الحادية والستون
الأمن من مكر الله تعالى وللأمن من مكر الله أيضًا سببان مهلكان: أحدهما: إعراض العبد عن الدين وغفلته عن معرفة ربه وماله من الحقوق وتهاونه بذلك فلا يزال معرضًا غافلاً مقصرًا عن الواجبات منهمكًا في المحرمات حتى يضمحل خوف الله من قلبه ولا يبقى في قلبه من الإيمان شيء؛ لأن الإيمان يحمل على خوف الله وخوف عقابه الدنيوي والأخروي. السبب الثاني: أن يكون العبد عابدًا جاهلاً معجبًا بنفسه مغرورًا بعمله لا يزال به جهله حتى يدل بعمله ويزول الخوف عنه، ويرى أن له عند الله المقامات العالية فيصير آمنًا من مكر الله متكلاً على نفسه الضعيفة المهينة، ومن هنا يخذل ويحال بينه وبين التوفيق إذ هو الذي جنى على نفسه؛ فبهذا التفصيل تعرف منافاة هذه الأمور للتوحيد ( ). *** |
حبيبتي أمل:
رائعة فوائدك ومفيدة لكل مسلم أراد التحصّن لنفسهِ من فتن الدنيا نعوذ بالله منها. شكرا غاليتي على الجهد. بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك |
الساعة الآن 04:19 AM |
|
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.