![]() |
|
جمال عبد الناصر كرزما طاغية عندما قررت البدء بكتابة سلسلة المقالات هذه عن الأيتام المدرجين هنا وفي ما اعتبره موسوعة الأيتام هذه، الذين كانت عقولهم تعمل بطاقة البوزيترون، كتبت بيسر وسهوله ودون تردد عن المجموعة الأولى، لكنني حينما وصلت للكتابة عن جمال عبد الناصر توقف القلم فجأة، وترددت كثيرا في الكتابة ولم اعرف من أين ابدأ أو ماذا أقول...وحينما قرأت صدفة ما قاله الروائي الكبير جمال الغيطاني، وهو صاحب واحدة من أروع مائة رواية عربية، عن عبد الناصر في احد المقابلات الصحفية (لم يكن يكتمل العيد إلا برؤيته )... أدركت أن التفسير الوحيد لترددي في الكتابة عن جمال عبد الناصر ناتج حتما عن تلك الرهبة التي استشعرتها في الكتابة عن شخصية عظيمة بعظمة هذا الرجل العملاق جمال عبد الناصر، ربما لأنه صاحب كرزيما طاغية لا مثيل لها، أثرت بل سحرت الكثيرين مثلي وما تزال وسوف يظل أثرها لمئات السنين القادمة.. لقد كان جمال عبد الناصر قائدا كرزميا مهيبا، وما زلت اذكر، وكنت عندها شابا صغيرا، كيف كان الناس يتجمعون، ويتجمهرون، ويتحلقون حول أجهزة المذياع، عندما كان جمال عبد الناصر يلقي خطابا...كانت كل الأعمال تتعطل، وتكاد الحركة تتوقف تماما ما دام القائد العظيم سيوجه خطابا، فالاستماع لخطابه كان يبدو أولوية للجميع بدون استثناء...وغالبا ما كان الناس ينشغلون في كل جملة يقولها، لا بل كان كل ما يقوله يصبح بمثابة دستورا للناس...وما تزال مقولته "ما اخذ بالقوة لا يسترد ألا بالقوة"، مغروسة في أذهان العقل الجماعي العربي الذي عرف جمال عبد الناصر، وهي تمثل السبيل الوحيد لإرجاع الحقوق حسب ما تشكل من قناعة على اثر طرحه لهذه المقولة في إحدى خطبه. لقد كان له تأثيرا سحريا على الجماهير العربية في كل أقطار الوطن العربي بلا استثناء، ولا شك أن ذلك التأثير أمتد إلى دول العالم الثالث بصفته أصبح واحدا من زعماء دول عدم الانحياز، وبالتالي أصبح له حضورا وتأثيرا كبيرا على مستوى العالم بأسره. وحينما حلت هزيمة الـ 67 اختلق الناس له الأعذار والمبررات بفعل ذلك السحر الكرزمي، فما كان احد ليصدق بأنه يتحمل مسؤولية الهزيمة، ولو كان شخصا آخر لقذفوه بالحجارة والنار. وبدلا من مهاجمته ومحاسبته التفت الجماهير حوله بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، كل ذلك بفعل تلك الكرزما السحرية التي امتلكها. واندفعت الجماهير على اثر سماعها بقراره الاستقالة من منصبه كرئيس للجمهورية، متحملا مسؤولية الهزيمة، اندفعت إلى التظاهر بانفعال لا نظير له وهي تطالبه بالعدول عن تلك الاستقالة وما كان ذلك ليحدث لولا ذلك السحر الكرزمي.. ذلك السحر الذي سلب عقول الناس وقلوبهم ...وعندما مات جمال عبد الناصر فجأة أصيبت الأمة بصدمة مزلزلة، وربما اشد وقعا من صدمة الهزيمة تلك. لقد تزلزل الناس، وخرجوا باكين، حزينين، في كل مدينة، وقرية، وناحية، يحملون النعوش ويطوفون الشوارع والحارات، حزنا وكمدا على موته، ويشاركون بصورة رمزية في تشييع جثمانه، وقد كنت واحد ممن ساروا في إحدى تلك المسيرات التي طافت شوارع قريتنا الصغيرة، رغم حداثة سني في حينه. لقد أصيبت الأمة بالذهول... وكأنها أصبحت عن بكرة أبيها يتيمة لفقدها ذلك القائد الكرزمي، الساحر في قدرته على التأثير في الجماهير. ذلك لان عقله كان يعمل بطاقة البوزترون، هذه الطاقة التي تشكلت كنتيجة لظروف يتمه وطفولته الصعبة. فالمعروف انه لم يكد يبلغ الثامنة من عمره حتى تُوفيت أمه في (18 رمضان 1344 هـ / 2 أبريل 1926) وهي تضع مولودها الرابع "شوقي. لقد ولد جمال عبد الناصر في ١٥ يناير ١٩١٨ في ١٨ شارع قنوات في حي باكوس الشعبيبالإسكندرية، والتحق بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم التحق بالمدرسةالابتدائية بالخطاطبه في عامي ١٩٢٣ ، ١٩٢٤. وفى عام ١٩٢٥ دخل جمال مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة وأقام عندعمه خليل حسين في حي شعبي لمدة ثلاث سنوات، وكان جمال يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبهفي العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في العام التالي – ١٩٢٦ – علم أنوالدته قد توفيت قبل ذلك بأسابيع ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، ولكنه اكتشفذلك بنفسه بطريقة هزت كيانه – كما ذكر لـ "دافيد مورجان" مندوب صحيفة "الصنداىتايمز" وعلق على الطريقة التي عرف فيها عن موت أمه بقوله "لقد كان فقد أمي في حد ذاته أمراً محزناً للغاية، أما فقدهابهذه الطريقة فقد كان صدمة تركت في شعوراً لا يمحوه الزمن، وقد جعلتني آلاميوأحزاني الخاصة في تلك الفترة أجد مضضاً بالغاً في إنزال الآلام والأحزان بالغير فيمستقبل السنين. وبعد أن أتم جمال السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف١٩٢٨عند جده لوالدته فقضى السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية . والتحق جمال عبد الناصر في عام ١٩٢٩ بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضىبها عاماً واحداً، ثم نقل في العام التالي – ١٩٣٠ – إلى مدرسة رأس التين الثانويةبالإسكندرية بعد أن انتقل والده إلى العمل بمصلحة البوسطة هناك وشارك هناك باحد المظاهرات حيث جرح وتم نقله للحجز والدم يسيل من رأسه مع عدد من الطلبة الذينلم يستطيعوا الإفلات بالسرعة الكافية، ودخل السجن تلميذاً متحمساً، وخرج منه مشحوناً بطاقة منالغضب، كما قال في احد المقابلات. وبعد أكثرمن سبع سنوات على وفاة السيدة "فهيمة" تزوج عبد الناصر من السيدة "عنايات مصطفى" فيمدينة السويس وذلك سنة 1933، ثم ما لبث أن تم نقله إلى القاهرة ليصبح مأمورا للبريدفي حي "الخرنفش" بين الأزبكية والعباسية؛ حيث استأجر بيتا يملكه أحد اليهودالمصريين، فانتقل مع إخوته للعيش مع أبيهم، بعد أن تم نقل عمه "خليل" إلى إحدىالقرى بالمحلة الكبرى، وكان في ذلك الوقت طالبًا في الصف الأولالثانوي. هذا الألم، والحرمان الوالدي، والبؤس، وحالة الترحال من مكان إلى مكان، ومن بيت إلى آخر، ومن مدرسة إلى أخرى في ظل ظروف عامة صعبة للغاية، هي التي فجرت طاقات جمال عبد الناصر الذهنية، وهذه الطاقات انعكست في شكل قدرات قيادية فذة لديه ندر مثيلها، وهي التي جلعت له شخصية كرزمية مؤثرة للغاية، كما أنها السر الذي جعله يحقق انجازات غير مسبوقة سيظل لها أثرا ملموسا لمئات السنين القادمة. ومن هذه الانجازات التي حققتها هذه الشخصية الكرزمية، والتي أثرت تأثيرا كبيرا في المسار السياسي العالمي، وأصبح رمزا للكرامة والحرية العربية ضد استبداد الاستعمار وطغيان الاحتلال، كما أصبحت أفكاره مذهبا سياسيا سمي تيمنا باسمه وهو "الفكر الناصري" والذي اكتسب الكثير من المؤيدين في الوطن العربي خلال فترة الخمسينيات والستينيات، من هذه الانجازات:
يتبع ،،، وخلاصة القول... |
وخلاصة القول ،، لقد كان ليتم جمال عبد الناصر وظروف حياته الصعبة دورا مهما في زيادة منسوب طاقاته الذهنية، فلا شك أن صدمة موت أمه قد فجرت في دماغه طاقات مهوله، لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، فقد كان البعد عن الأب عنصر صادم آخر مهم، ثم التنقل من مدرسة إلى أخرى، ومن مكان إلى آخر، ولاحقا عاش في مدرسة داخلية، وعند جده لامه، كما انه جرب السجن، وجرح في إحدى المظاهرات، ثم تزوج أباه بعد 7 سنوات على موت أمه، ليحرم منه من جديد، وشارك في العسكرية، وجرح أيضا في الحرب... فأصبح عقله يعمل بطاقات استثنائية تمثلت في كرزما مهوله مزلزلة، وسمات قيادية بارزة، وقدرة على الخطابة والتأثير في الجماهير، يضاف إلى ذلك كله قدرة على الانجاز في كل المجالات. صحيح أن جمال عبد الناصر قد توفي عام 1970 لكن أثره سيظل خالدا، كما سيظل اثر انجازاته وحضوره خالدا محليا وعربيا ودوليا وسوف يظل قائما لمئات السنين القادمة. كل ذلك بفضل ما امتلكه من طاقات ذهنية مهولة وقدرات قيادية فذة نتجت عن دماغ يعمل بطاقة البوزيترون الهائلة. ولذلك كله سيظل شبح جمال عبد الناصر قائما إلى ما شاء الله، ولن يتمكن شخص آخر، أين كان من حكم مصر بنفس الكفاءة والتأثير، حتى يبرز يتيم آخر يكون أكثر يتما واشد بؤسا من جمال عبد الناصر، تصنع منه الظروف قياديا فذا كرزميا....عندها ربما يتمكن من تحجيم اثر شخصية جمال عبد الناصر القيادية الفذة ذات الكرزما الطاغية. قد يحاول الإعلام تغيبه عن الساحة تماما وكأنه أصبح من الماضي، لكنه سيظل محفورا في قلوب وعقول البسطاء من الناس في كل مكان، وسيظل في فكره وسماته القيادية ومقولاته واطروحاته، ونهج حياته وقيادته وانجازاته...منارة تنير الدرب أمام الثوار الذين ينشدون الحرية والاستقلال، والكرامة. وسوف تظل مصر جمال عبد الناصر عصية على اي احتلال او نفوذ، كما سيظل الإنسان المصري مرفوع الرأس في كل زمان ومكان بتأثير مقولته الخالدة ذات المفعول السحري "ارفع راسك أنت مصري". وليضع شباب مصر الجديدة مقولته الخالدة "ان اليد المرتجفة لا تستيطع ان تبني" نصب اعينهم وليقتدوا بنهجه، فالناصرية اقصر الطرق لتحقيق المعجزات. |
الساعة الآن 07:17 PM |
|
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.