![]() |
عائشة في عهد عمر رضي الله عنهما
كان كبار الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه , إذا أشكل عليهم أمر وبخاصة في الأمور الشخصية يسألون عنه عائشة - رضي الله عنها - وعمر كان يُرسل إليها فيسألها عن السنن ومن ذلك أنه اختلف المهاجرون والأنصار في وجوب الغُسل عند مخالطة الرجل زوجته دون إنزال , فقال أبو موسى : أنا أشفيكم من ذلك , فقمت فاستأذنت على عائشة رضي الله عنها فأُذن لي , فقلت لها : يا أم المؤمنين - او يا أماه - إني أريد أن أسألك عن شيء ٍ , وإني أستحيي منك , فقالت : لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلا ً عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك . قلت : فما يوجب الغسل ؟ قالت : على الخبير سقطت , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جلس بين شُعَبها الأربع , ومس الختان الخِتان فقد وجب الغُسل ) رواه مسلم . كان عمر , رضي الله عنه , يرى أن المُحْرِم لا ينبغي أن يُشَم َّ منه ريح الطِّيب , ويقول : لأن أجد من المحرم ريح القطران أحب إلي من أن أجد ريح الطيب , فلما سمعت عائشة رضي الله عنها , استدركت عليه قائلة ً : طيَّبت النبي , صلى الله عليه وسلم , لإحرامه فأصبح وآثار المسك في مفارقه . وأخرج البيهقي عن ابن عمر , قال : سمعت عمر يقول : إذا رميتم وحلقتم فقد حل َّ لكم كل شيء إلا النساء والطيب , قال سالم : قالت عائشة : كل شيء إلا النساء , أنا طيّبت ُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِحلّه . وقد أخرج الشيخان عنها : طيّبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحرمه حين أحرم ولحلّه حين حل َّ قبل أن يطوف بالبيت . |
وعندما طُعن عمر - رضي الله عنه - في صلاة فجر الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 23 هـ أرسل ابنه عبدالله إلى عائشة - رضي الله عنها - يستأذنها ليُدفن في الحجرة الشريفة يجانب صاحبيه فأذنت له . فكان قد قال لابنه : انطلق إلى عائشة أم المؤمنين , فقل : يقرأ عليك عمر السلام , ولا تقل أمير المؤمنين , فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا ً وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفن مع صاحبيه , فمضى فسلّم , وأستأذن , ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي , فسلّم عليها وقال كما أوصاه , قالت : كنت أريد المكان لنفسي , ولأوثرنه به اليوم على نفسي , فلما أقبل قيل : هذا عبدالله بن عمر قد جاء , قال : ارفعوني فأسنده رجل أليه , فقال ما لديك ؟ قال الذي تحب يا أمير المؤمنين , أذِنَت ْ , قال : الحمد لله , ما كان شيء أهم إلي من ذلك المضجع يا عبدالله بن عمر , انظر : فإذا قُبضت فاحملوني على سريري , ثم قف بي على الباب , فقل : يستأذن عمر بن الخطاب , فإن أذنت لي فأدخلني , وإن ردتني فردّني إلى مقابر المسلمين , فإني أخشى أن يكون إذنها لي لمكان السلطان , فلما حُمِل فكأن المسلمين لم تُصبهم مصيبة إلا يومئذ ٍ , فأُذن له , فدُفن حيث أكرمه الله مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر , رضوان الله عليهما , وسقط القمر الثالث في حجرة السيدة عائشة , رضي الله عنها وأرضاها . ( المرجع : أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ) لـ محمود شاكر . |
عائشة في عهد أبي بكر , رضي الله عنهما
قالت عائشة , رضي الله عنها : لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم , بيتي قال : ( مروا أبا بكر فليصل ِّ بالناس ) فقلت : يا رسول الله , إن أبا بكر رجل رقيق , إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه , فلو أمرت غير أبي بكر ٍ , قالت : والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم مقام رسول الله , صلى الله عليه وسلم , قالت : فراجعته مرتين أو ثلاثا ً , فقال : ( ليصل ِّ بالناس أبو بكر ٍ ؛ فإنكن َّ صواحب يوسف ) . رواه مسلم . ولزمت عائشة - رضي الله عنها - بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم , حجرتها , تُعزّي نفسها بجواره . ولما أرادت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم , أن يُرسلن عثمان - رضي الله عنه - إلى أبي بكر , رضي الله عنه , يسألنه ميراثهن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت عائشة لهن َّ : أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث , ما تركناه فهو صدقة ) . ولما شعر أبو بكر رضي الله عنه , بالمرض أوصى عائشة رضي الله عنها أن يُدفن إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم , واستمر َّ مرض أبي بكر , خمسة عشر يوما ً ثم توفي الاثنين , ليلة الثلاثاء في الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة , وكان عمره ثلاثا ً وستين سنة مثل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما توفي , وحُفر لأبي بكر في حجرة عائشة وجُعل رأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأُلصق اللحد بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم , وبذا سقط القمر الثاني في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها . واختار أبو بكر , رضي الله عنه , من بين أولاده وبناته عائشة , لتنفيذ وصيته التي ذكرها لها وهي : - رد ّ بستان ٍ كان منحها إياه إلى الميراث . - إرسال عبد ٍ حبشي ٍ , وبعير , وجرد قطيفة إلى الخليفة الجديد عمر بن الخطاب , ففعلت , فلما جاء الرسول إلى عمر بكى عمر , وسالت دموعه , وقال : رحم الله أبا بكر ٍ لقد أتعب من بعده . المرجع : ( أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ) لـ محمود شاكر . |
عائشة في عهد عثمان رضي الله عنهما
زادت الأسئلة الفقهية على عائشة - رضي الله عنها - في عهد عثمان وذلك لاتساع ديار الإسلام , ودخول أفواج ٍ جديدة في الإسلام . روت عائشة - رضي الله عنها - أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم , في فضائل عثمان ومناقبه ومن هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم , كان يستحي من عثمان وأنه إذا دخل عليه جلس وسوّى ثيابه , وقال لعائشة وقد سألته عن ذلك : ( ألا أستحيي من رجل ٍ تستحيي الملائكة منه الملائكة ) . وقال أيضا ً : ( إن عثمان رجل حيي ) . رواهما مسلم . وقالت : دخل علي َ روسل الله صلى الله عليه وسلم , فرأى لحما ً , فقال : ( من بعث بهذا ؟ قلت : عثمان , قالت : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم , رافعا ً يديه يدعو لعثمان . رواه البزار . ولما سمعت أن بعض الناس ينال من عثمان , رضي الله عنه , غضبت غضبا ً شديدا ً , وقالت : لعن الله من لعنه , لعن الله من لعنه , لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعثمان , ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسند فخذه إلى عثمان , وإني لأمسح العرق عن جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم , وإن الوحي ينزل عليه , ولقد زوّجه ابنتيه إحداهما بعد الأخرى , وإنه ليقول : ( اكتب يا عُثيم ) . قالت ما كان الله لينزل عبدا ً من نبيه بتلك المنزلة إلا عبد كريم عليه . رواه أحمد والطبراني |
وعائشة رضي الله عنها هي التي روت حديث وصية النبي صلى الله عليه وسلم , لعثمان حتى لا يتنازل عن الخلافة مهما طلبوا منه وذلك عندما يتعرّض لمكروه , فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عثمان , إن ولّاك الله هذا الأمر يوما ً , فأرادك المنافقون على أن تخلع قميصك الذي قمّصك الله , فلا تخلعه ) , يقول ذلك ثلاث مرات , قال النعمان بن بشير : فقلت لعائشة : ما منعك أن تعلمي الناس بهذا ؟ قالت : أُنسيته . رواه أحمد والترمذي وابن ماجه . كما روت أن النبي صلى الله عليه وسلم , قال في مرضه : ( وددت أن عندي بعض أصحابي ) قلنا : يا رسول الله , ألا ندعو لك أبا بكر ؟ فسكت , قلنا : ألا ندعو لك عمر ؟ فسكت , قلنا : ألا ندعو لك عثمان ؟ قال : ( نعم ) فجاء فخلا به , فجعل النبي َ صلى الله عليه وسلم يُكلّمه , ووجه عثمان يتغير . قال قيس بن حازم - رواي الحديث عن عائشة - : فحدثني أبو سهلة مولى عثمان , أن عثمان بن عفان , قال : يوم الدار : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم , عهد إلي عهدا ً فأنا صائر إليه , وفي رواية : فأنا صابر عليه قال قيس : فكانوا يرونه ذلك اليوم . رواه ابن ماجه . ويقيت مودّة عائشة رضي الله عنها وتقديرها لعثمان رضي الله عنه إلى أن قُتل , يوم 18 من شهر ذي الحجة سنة 35 من الهجرة . وكانت عائشة رضي الله عنها , أول من طالب بدمه , والدعوة إلى الاقتصاص من قتلته والثائرين عليه من الغوغائيين . وخرجت عائشة رضي الله عنها من المدينة بعد أن غلب عليها الغوغائيون , وسارت إلى مكة حاجّة , وبعد الحج رغبت بالعودة إلى المدينة فانطلقت غير أنها وصلت إلى موقع ( سرِف ) بلغها مقتل عثمان رضي الله عنه , فرجعت إلى مكة بعدما تكلمت خيرا ً عن عثمان , رضي الله عنه . المرجع : ( أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ) لـ محمود شاكر . |
عاشة في عهد علي رضي الله عنهما
سئلت عائشة - رضي الله عنها - أي ُّ الناس كان أحب ّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : فاطمة , فقيل من الرجال ؟ قالت : زوجها , إنه كان صوّاما ً قوّاما ً . وقالت : خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة ً , وعليه مُرط مُرحّل من شعر أسود , فجاء الحسن بن علي فأدخله , ثم جاء الحسين فدخل معه , ثم جاءت فاطمة فأدخلها , ثم جاء عليّ فأدخله ثم تلا : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)) الأحزاب . رواه مسلم . وروت أيضا ً عن حب النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي , رضي الله عنهما فقالت : كان صلى الله عليه وسلم يأخذ حسنا ً فيضمُه إليه , ويقول : ( إن هذا ابني فأُحبه , وأُحب َ من يُحبه ) . وكانت إذا ما سُئلت عن شيء ٍ لا تعلمه , تُحيل السائل على علي ٍّ رضي الله عنهما . فلما سألها شريح بن هانئ عن المسح على الخُفين , قالت : عليك بعلي ٍّ بن أبي طالب فسله , فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , فسألناه , فقال : جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر , ويوما ً وليلة للمقيم . رواه مسلم وربما احالت بعض الأسئلة مع علمها بالجواب , ومن ذلك أنها لما سُئلت : في كم تُصلي المرأة من الثياب ؟ فقالت للسائل : سل عليا ً ثم ارجع لي فأخبرني بالذي يقول لك , قال : فأتى عليا ً فسأله فقال : في الخمار والدرع السابغ , فرجع إلى عائشة فأخبرها , فقالت : صدق . وللحديث بقية إن شاء الله .... |
بويع علي ّ بن أبي طالب , رضي الله عنه بالخلافة بعد مقتل عثمان , وقد ضاق علي ّ ذرعا ً من تسلط الثائرين ومن معهم من الغوغائيين والأعراب فطلب طلحة بن عبيد الله , والزبير بن العوام , رضي الله عنهما من الخليفة أن يأذن لهما بالذهاب إلى البصرة والكوفة لإحضار قوة لمعاقبة المتمرّدين فلم يأذن لعدم مناسبة الوقت . استأذن طلحة والزبير الخليفة عليا ً بالعمرة فإذن لهما , فأتيا مكة , واتفق رأيهما مع رأي عائشة على معاقبة المتمردين , ومن والاهم من الغوغائيين والأعراب , كما اتفق رأيهم على الذهاب إلى البصرة والكوفة لجمع قوة تتمكن من تحقيق الهدف المنشود ومن الاقتصاص من المجرمين , وهكذا خرجت عائشة رضي الله عنها , ومن معها من مكة إلى البصرة . كان الخيلفة علي رضي الله عنه , يتهيأ للخروج من المدينة إلى الشام لإنهاء الوضع مع معاوية رضي الله عنه , ولما علم الخليفة بخبر خروج أهل مكة مع طلحة والزبير وعائشة , رضي الله عنهم جميعا ً , خرج من المدينة بسرعة وهو يرجو أن يلتقي بهم في الطريق فيردهم عن مقصدهم والتفاهم معهم , ولا يريد حربا ً , غير أنه لم يلتق ِ بهم . تابع ركب أهل مكة سيرهم , فلما وصلوا إلى ماء بني عامر ليلا ً نبحت الكلاب , فقالت عائشة رضي الله عنها : أي ّ ماء ٍ هذا ؟ قالوا : ماء الحَوْأب , قالت : ما أظنني إلا أني راجعة , فقال الزبير , رضي الله عنه : ترجعين , عسى الله عز ّ وجل ّ أن يُصلح بك بين الناس واستمرّت , رضي الله عنها , في الطريق إلى البصرة من أجل الإصلاح بعد أن عزمت على الرجوع إذ تذّكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنسائه : ( ليت شعري أيتكن التي تنبحها كلاب الحوأب ) . وكان قد قال لها بعض من كان معها : بل تقدّمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز ّ وجل ّ بك . |
وقبل أن تصل إلى البصرة لقيها رسولان أرسلهما عثمان بن حُنيف - والي البصرة من قبل الخليفة علي - وهما الصحابي الجليل عمران بن الحصين والتابعي أبو الأسود الدؤلي , فاستأذنا عليها , فأذنت لهما , فدخلا وسلّما عليها , وسألاها عما جاءت إليه , فذكرت لهما ما الذي جاءت له من القيام بطلب دم عثمان , لأنه قُتل مظلوما ً في شهر ٍ حرام وبلد ٍ حرام ٍ , وتلت قول الله تعالى : ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)) النساء . فخرجا من عندها إلى طلحة بن عبيدالله , رضي الله عنه , فقالا له : ما أقدمك ؟ فقال : الطلب بدم عثمان , فقالا : ما بايعت عليا ً ؟ قال : بلى ولا أستقبله إن هو لم يخل بيننا وبين قتلة عثمان . فذهبا إلى الزبير بن العوام رضي الله عنه , فقال مثل ذلك . فرجع عمران بن الحصين , وأبو الأسود إلى عثمان بن حنيف فأخبراه , فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون , دارت رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا بأي زيفان نزيف مشيرا ً إلى حديث عبدالله بن مسعود مرفوعا ً : ( تدور رحا الإسلام لخمس وثلاثين ) . فقال عمران بن الحصين : إي والله لتعركنكم عركا ً طويلا ً . قال عثمان بن حنيف لعمران بن الحصين : أشر علي . قال عمران : اعتزل , فإني قاعد في منزلي . قال عثمان : بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين , فنادى في الناس يأمرهم بلبس السلاح والاجتماع في المسجد , فاجتمعوا , فأمرهم بالتجهّز . فقام رجل وعثمان على المنبر , فقال : أيها الناس , إن كان هؤلاء القوم جاءوا خائفين فقد جاءوا من بلد ٍ يأمن فيه الطير , وإن كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلته , فأطيعوني وردّوهم من حيث جاءوا , فقام الأسود بن سريع السعدي , فقال : إنما جاءوا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا , فحصبه الناس , فعلم عثمان بن حنيف أن لقتلة عثمان أنصارا ً في البصرة , فكره ذلك . |
قدمت عائشة , رضي الله عنها , ومن معها من الناس فنزلوا أعلى المِرْبدَ قريبا ً من البصرة . وخرج أليها من أراد أن يكون معها من أهل البصرة . وخرج عثمان بن حنيف بالجيش فاجتمعوا بالمربد , فتكلم طلحة بن عبيد الله وكان على الميمنة , فندب إلى الأخذ بالثأر لعثمان بن عفان , والطلب بدمه , وتابعه الزبير بن العوام رضي الله عنه فتكلم بمثل مقالته فرد ّ عليهما أُناس من جيش عثمان بن حنيف , وتكلمت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها , فحرضّت وحثّت على القتال , فتناور طوائف من أطراف الجيش فتراموا بالحجارة , ثم تحاجز الناس , ورجع كل فريق إلى حوزته , وقد صارت طائفة من جيش عثمان بن حنيف إلى جيش عائشة رضي الله عنها , فكثروا . وجاء حارثة بن قدامة السعدي , فقال : يا أم المؤمنين ! والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل عرضة ً للسلاح إن كنت أتيتينا طائعة ً فارجعي من حيث جئت إلى منزلك , وإن كنت أتيتينا مكرهة ً فاستعيني بالناس في الرجوع . وأقبل حكيم بن جبلة - وكان على خيل عثمان بن حنيف - فأنشب القتال , وكان أصحاب عائشة رضي الله عنها , يكفّون أيديهم ويمتنعون عن القتال , وجعل حكيم بن جبلة يقتحم عليهم , فاقتتلوا , وأمرت عائشة رضي الله عنها , أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن , وحجز الليل بينهم , فلما كانوا اليوم الثاني قصدوا للقتال , فاقتتلوا قتالا ً شديدا ً حتى زال النهار , وقُتل خلق كثير من أصحاب عثمان بن حنيف وكثرت الجراح في الفريقين . انقسم أهل البصرة لما سمعوا بقدوم عائشة رضي الله عنها , ثلاث فرق : جماعة حبّذت خروج عائشة رضي الله عنها وانضمت إليها وجماعة بقيت على ولائها لوالي البصرة عثمان بن حنيف , وأنكرت على عائشة رضي الله عنها , خروجها , وجماعة اعتزلت الجماعتين . |
التزمت السيدة عائشة رضي الله عنها , مبدأ الإصلاح الذي خرجت من أجله , وذلك في المواقف كلها التي وقفتها في البصرة , فلما بدأ بعض أتباع عثمان بن حنيف القتال أمرت عائشة رضي الله عنها من كان معها أن يكفّوا عن القتال ولكن يُدافعون عن أنفسهم وأمرت مناديا ً يُناشدهم ويدعوهم إلى الكف ّ عن القتال ولما تمكن أصحاب عائشة رضي الله عنها في البصرة وأخذوا عثمان بن حنيف أسيرا ً أمرتهم أن يخلوا سبيله ليذهب حيث شاء إذ لم تسمح لهم أن يسجنوه , وبادرت إلى معاقبة الثائرين من أهل البصرة على عثمان بن عفان رضي الله عنه , وأخذ جماعتها بتتبعهم وقتلهم , غير أن واحدا ً منهم وهو حرقوص بن زهير قد امتنع بعشيرته الكبيرة بني سعد . وكان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حريصا ً على الإصلاح أيضا ً فعندما اقترب من البصرة , أرسل القعقاع بن عمرو إلى طلحة والزبير رضي الله عنهم جميعا ً , يدعوهما إلى الألفة والجماعة , ويُهول عليهما الفرقة والشقاق . فخرج القعقاع حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة فقال لها : أماه , ما أشخصك وما أقدمك إلى هذه البلدة ؟ قالت : أي بُني إصلاح بين الناس , قال : فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما , فبعثت إليهما , فجاءا , فقال : إني سألت أم المؤمنين ما أشخصها وأقدمها هذه البلاد ؟ فقالت : إصلاح بين الناس , فما تقولان أنتما ؟ أمُتابعان أم مخالفان ؟ قالا : متابعان . قال : فما أخبراني ما وجه هذا الإصلاح ؟ فوالله لئن عرفنا لنصلحن , ولئن أنكرناه لا نُصلح . قالا : قتلة عثمان بن عفان , رضي الله عنه , فإن هذا إن تُرك كان تركا ً للقرآن , وإن عُمل به كان إحياء ً للقرآن . |
الساعة الآن 12:10 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.