منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 05-26-2012 02:33 PM

الكاتبة الجزائرية زهور ونيسي بين جسور الأدب والسياسة

الخير شوار
18/07/2008
قراءات: 2033



اختارت السيدة زهور ونيسي أن تحتفل ببلوغها سن السبعين بطريقتها الخاصة، لتصدر رواية بعنوان "جسر للبوح وآخر للحنين"، وهي التي قضت حياتها بين جسرين.. جسر الكتابة الأدبية، وجسر النضال والانخراط في السياسة.
ابنة مدينة الجسور (قسنطينة بالشرق الجزائري)، لم تقطع صلتها بجسر الكتابة الذي ظلت وفية لها، ليبقى جسرها الأساسي الذي تواصلت من خلاله مع الذين أجبوها وقرؤوا لها، وفي سن متقدمة وبعد رحلة شاقة من جسر إلى آخر جلست في لحظة تأمل طويلة كانت محصلتها رواية "جسر للبوح وآخر للحنين" الصادرة في الثلاثي الأول من هذه السنة عن منشورات زرياب في إطار تظاهرة "الجزائر عاصمة للثقافة العربية"، لكن تلك اللحظة أعادتها سنين طويلة إلى الوراء، إلى سن الطفولة حيث الجسور المعلقة، وقد بقيت هناك موزعة بين جسر للبوح بتفاصيل تلك الرحلة الشاقة، وآخر حنينا إلى تلك الطفولة التي لن تعود.
هذه السيدة التي تعتبر من الرائدات، فهي من أوائل نوّاب البرلمان الجزائري من الناس، وأول امرأة حاولت كتابة رواية من خلال عملها "يوميات مدرّسة حرة"، وأول وزيرة في تاريخ الجزائر المستقلة وربما في تاريخ الجزائر قديمه وحديثه، أثبتت وفاءها للكتابة، كهم أول مقدم على هم النضال السياسي الذي انخرطت فيه باكرا، وقد كانت الرحلة فعلا شاقة، وكانت زبدتها تلك الرواية التي تلخصها في أنها "رحلة إلى أغوار تاريخ مدينة، رمز لكل الوطن، برقمها المقدس سبعة في جسورها، وقصباتها، وأوليائها، وما يحمله كل ذلك وغيره من زخم* تراثي ،* وموروث شعبي".
لكن الرحلة لم تكن أدبية خالصة، بين كانت سياسية أيضا من خلال الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات وتأسيسها للمجلة التي كانت تصدر عن تلك المنظمة "الجزائرية"، التي ظلت في عهدها تصدر بانتظام وفي حلة جميلة، وكانت تطمح لأن تكون بالفعل "لسان حال المرأة الجزائرية"، ثم انتخابها نائبا في البرلمان سنة 1977، سنة بعد العمل بدستور1976 الذي أعاد الحياة النيابية التي غابت بعد انقلاب بومدين على بن بلة سنة 1965، ثم أول وزيرة في تاريخ الجزائر المستقلة، وحول تلك المحطة قالت السيدة زهور: "الأمر بدأ مع اقتراح الأخ الرئيس الشاذلي بن جديد، وكان ذلك مفاجأة كبيرة بالنسبة لي، عملت كثيرا وناضلت بالكتابة وداخل الاتحاد النسائي أيام الحزب الواحد، ولم أكن أتصور يوما أن أكون وزيرة أو أي منصب من هذا القبيل، وعندما استدعاني الأخ بن جديد وعرض عليّ منصب كتابة الدولة للشؤون الاجتماعية، قبل أن تتحول إلى وزارة كنت متردّدة كثيرا وكدت أرفض، وعند إلحاح الرئيس وتمسكه باقتراحه، طلبت أن أمهل ساعات لأستشير الأسرة وفي الحقيقة استشرت زوجي الذي نصحني بأن لا أرفض، ففي الحقيقة أن الثورة هي التي كرّمتني بذلك المنصب وألا يجوز التأخر عن ذلك الأمر"، وحول تلك التجربة الفريدة قالت: "كانت تجربة رائعة جدا.. قضيت فيها أجمل سنوات عمري، ولأن المسؤولية كانت تكليفا وليس تشريفا، فأنا مقتنعة بأني عملت بكل جهدي وأعتقد بأني نجحت بامتياز بدليل أني فتحت المجال لنساء أخريات نجحن بدورهن في تسيير وزارات مهمة"، ورغم انخراط السيدة زهور في السياسة إلا أنها لم تقطع يوما صلتها بالكتابة الأدبية، وظلت تكتب وتنشر إلى الآن، وقبل رواية "جسر للبوح وآخر للحنين"، عرفت بالكثير من الكتب، "الرصيف النائم" وهي مجموعة قصصية صدرت بالقاهرة سنة 1967 بالقاهرة، "على الشاطئ الآخر" مجموعة قصصية صدرت سنة 1974 بالجزائر، "من يوميات مدرسة حرة" 1978 بالجزائر وهي أول رواية كتبها امرأة جزائرية، ثم "الظلال الممتدة" سنة 1982 وهي مجموعة قصصية، و "لونجة والغول" وهي ثاني رواية لها صدرت سنة 1994، ثم "عجائز القمر" 1996 وهي مجموعة قصصية ولها مجموعة قصصية أخرى بعنوان "روسيكادا" صدرت سنة 1999، ثم جمعت زبدة المقالات التي كتبتها في الأدب والسياسة والمجتمع في كتاب صدر سنة 1999 بعنوان "نقاط مضيئة".
والآن وقد تجاوزت السيدة زهور ونيسي سن السبعين، لم تتوقف عن الكتابة والتفكير في مشاريع الكتابة، فهي بصدد كتابة سيناريو يتناول مأساة الجزائريين الذين نفاهم الاستعمار الفرنسي إلى كاليدونيا الجديدة، ذلك السيناريو الذي اتفقت بشأنه مع المخرج الجزائري سعيد عولمي من اجل تحويله إلى مسلسل سيرى النور مستقبلا، وما زال في جعبتها مشروع مجموعة قصصية سترى النور قريبا.
وبعد عودة السيدة زهور إلى مدينتها الأول واستعادتها لتلك الطفولة التي كانت موزعة بين الجسور السبعة لتلك المدينة، بقيت زهور وفية للعبة الجسور تلك ومن بين الجسور يبدو أن جسر الكتابة هو الأقرب إلى وجدانها، ذلك الجسر الذي ربطها بالكثير من القراء الذين عرفوها منذ صدور كتابها الأول قبل أربعين سنة، وليس وصولا إلى روايتها الصادرة أخيرا، فجعبة السيدة مازالت تعد بالكثير من مشاريع الكتابة.

ايوب صابر 05-26-2012 02:37 PM

جامعة الجلفة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني الأول "التجريب في الرواية الجزائرية المعاصرة

انطلقت يوم الأحد في جامعة زيان عاشور بالجلفة فعاليات الملتقى الوطني الأول عن مخبر المصطلح والمخطوط والأدب الجزائري المكتوب في الصحافة تحت عنوان "التجريب في الرواية الجزائرية المعاصرة" من تنظيم قسم اللغة العربية وآدابها، وقد افتتح الملتقى بكلمة لرئيسه ثم مدير المخبر ثم كلمة رئيس الجامعة ثم كلمة عميد الجامعة ليليه الدكتور عيسى أخدري رئيس القسم في كلمة تجسد أهمية هذا الملتقى في معرفة القراءة النوعية والمتخصصة للرواية الجزائرية.

هذا وقد كانت المحاضرة الأولى للدكتور ابراهيم شعيب بعنوان "تحليل رواية لونجة والغول لزهور ونيسي، ثم تكريم من تناوب على رئاسة قسم اللغة العربية.

وحسب البرنامج فقد تضمنت الجلسة العلمية مجموعة من المداخلات، بداية بمداخلة للأستاذ موسى عتيق من جامعة المسيلة بعنوان "تحول النظرة الإيديولوجية في الرواية الجزائرية المعاصرة"، تليه الأستاذة نسيمة هورة من جامعة الجلفة في مداخلة بعنوان " تداخل الأنواع الأدبية في الرواية الجزائرية"، ليليها الأستاذ عمر عروي من جامعة تيارت بمداخلة بعنوان "تمظهرات اللغة في التجريب الروائي المعاصر، رواية شموع ودموع لعبد الجليل مرتاض نموذجا".

أما المداخلة الرابعة فكانت في "التجريب في الرواية الجزائرية، تطور ضروري أم استلاب حضاري؟" للأستاذ عبد القادر زين من جامعة الجلفة، في حين كانت المحاضرة الخامسة حول "الرواية العربية من الالتزام إلى التجريب" لعبد المالك بلخيري من جامعة الجلفة، لتأتي المداخلة السادسة للأستاذ نايل سفيان من جامعة الجلفة حول "الرمز في رواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي".

هذا وحسب برنامج الملتقى في اليوم الثاني (يوم الاثنين) فقد تقرر في الجلسة العلمية والتي يرأسها الدكتور لخضر حشلافي مداخلات عدة منها مداخلة للأستاذ عمار بلقيرش من جامعة المسيلة "العتبات النصية في رواية لاروكاد لعيسى شريط"، ومداخلة أخرى للأستاذ الطيب لطرشي من جامعة الجلفة حول "المثقف المستلب في الرواية الجزائرية"، لتأتي بعدها الأستاذة ميرة كربوعة والأستاذة نصيرة لكحل من جامعة الجلفة في مداخلة حول "التجريب في الفاتحة الروائية، كتاب الأمير لواسيني لعرج نموذجا"، أما المداخلة الرابعة فهي للأستاذ ميلود كاس من جامعة الجلفة حول "الإستراتيجيات الفنية في الرواية الجزائرية المعاصرة، رواية إمرأة بلا ملامح لكمال بركاني نموذجا"، وفي الأخير مداخلة للدكتور حفار عز الدين من جامعة مستغانم حول "الفضاء الروائي في رواية غدا يوم جديد لعبد الحميد بن هدوقة".

ايوب صابر 05-26-2012 02:39 PM

الأستاذة زهور ونيسي : فرنسا تستهزئ بنفسها بتمجيدها للاستعمار


"صراع المعرّبين والمفرنسين من رواسب الاستعمار"
هي أوّل أديبة تكتب باللّغة العربية في الجزائر وأوّل وزيرة بعد الاستقلال وأوّل امرأة تتولّى رئاسة تحرير مجلّة نسائية·· إنها المجاهدة صاحبة وسام المقاوم ووسام الاستحقاق الوطني والأديبة صاحبة (لونجة والغول) والرّصيف النّائم وعلى الشاطئ الآخر وغير ذلك من الأعمال الأدبية التي أبدعت فيها الأستاذة زهور ونيسي·
نزلنا ضيوفا عليها في بيتها فاستقبلتنا بكلّ كرم، ولاحظنا من خلال دردشة قصيرة سبقت الحوار تركيز محدّثتنا على مرجعية (أخبار اليوم) التي تأكّدت في النّهاية أنها مرجعية وطنية صادقة ضحّت من أجلها سابقا وما تزال تناضل من أجل ترسيخها، كان لنا معها حديث مطوّل تطرّقت فيه الأديبة والسياسية زهور ونيسي إلى مواضيع مختلفة وأبدت رأيها في العديد من القضايا الوطنية والعربية. وقد ارتأينا في حوارنا هذا أن نبتعد عن البدايات الكلاسيكية التي تعرفها الحوارات عادة وفضّلنا الدخول في صلب الحديث دون مقدّمات، وهو الأمر الذي استغربته محدّثتنا لكننا برّرنا ذلك بأن شخصية الحوار مشهورة وغنية عن كلّ تعريف، وإليكم أولى حلقات هذا الحوار الشيّق·

- نقل عن الأستاذة زهور ونيسي أنها قالت: (زعماء الأحزاب غير مثقّفين رغم شهاداتهم)، هل مازالت على رأيها ونحن على أبواب تشريعيات جديدة يعتبرها الكثيرون محطّة للتغيير؟
-- ربما جاء هذا الكلام في سياق حديث أو حوار قمت به، لكن ليس بهذا التأويل ولا بهذا الشكل. أنا من المتخرّجين من قسم الفلسفة وعلم الاجتماع وهذا القسم يفترض فيه أن يحترم الموضوعية والمنهجية التي تقتضي ألا نعمّم الكلام فنقول إن هؤلاء مثقّفون وهؤلاء غير مثقّفين لذلك ربما جاءت في سياق آخر أو بمعنى وتأويل آخر لأنه ليس كلّ زعماء الأحزاب غير مثقّفين رغم شهاداتهم وليس كلّهم مثقّفون أيضا. فالأحزاب كثيرة وعلى رأسها أشخاص فيهم المثقّف وفيهم صاحب الثقافة السياسية فقط وفيهم صاحب الثقافة الاجتماعية وصاحب الثقافة الأدبية وصاحب الثقافة الإسلامية، لذلك لا يمكن أن نعمّم هذا الكلام وربما يكون قد أوّل في غير محلّه وأنا دائما على هذا الرّأي الذي قلته لك الآن ولازلت على رأيي أن كلّ حزب لديه خاصّيته وله توجّهه وله تيّاره السياسي والفكري والإيديولوجي وحتى الثقافي، لذلك فحتى البرلمان الذي سينشأ يجب أن يكون خليطا من هؤلاء جميعا·
- من هذا المنطلق كيف تقيّمين الأحزاب السياسية التي أعلنت ترشّحها للاستحقاقات القادمة؟
-- هناك من يستحقّ أن يترشّح وأن ينتخب حتى يضيف فكرا جديدا ومساحة جديدة في الفكر السياسي والفكر التشريعي في البرلمان وحتى يجد حلولا للمعضلات والمشاكل المطروحة على مستوى المجتمع، لا سيّما فيما يخص الشباب وفيهم من لا يستحقّ ذلك، وعلينا نحن كمنتخبين وكأصحاب أصوات لها قيمتها الكبيرة في هذه المرحلة أن نحسن الاختيار، وأنا أذكر جيّدا أنني عندما رشّحت من طرف جبهة التحرير الوطني في قائمتها للبرلمان سنة 1977 كان الصوت الجزائري له قيمته ولا يشترى لا بالمال ولا بالذهب وكان للمترشّح قيمته أيضا لأنه يلتزم بالوفاء والصدق مع هذه الأصوات فيعمل جاهدا من أجل النّجاح في مهمّته·
- وماذا تغيّر اليوم؟
-- ربما لا أقول العكس تماما، لكن أقول نظرا للمتغيّرات الكثيرة المطروحة على الجزائر وعلى العالم بشكل عام ونظرا لتغيّر الأجيال وتغيّر الذهنيات والقناعات وانتشار ما يسمّى بالفكر العولمي أو الفكر التعدّدي في الجزائر وفي غير الجزائر أيضا يجب أن ننتظر كلّ شيء وألا ندهش من أيّ شيء·
- قلت إن هناك من يستحقّ أن يترشّح وأن ينتخب وهناك من لا يستحقّ، ما هي المعايير التي تستند إليها الأستاذة زهور ونيسي في تصنيفها هذا؟
-- هناك مبادئ معيّنة تخدم الشعب الجزائري وتخدم الملايين التي ستنتخب لابد من الالتزام بها ومن بين هذه المبادئ الوطنية والإخلاص لهذا الشعب والعمل في خدمته والتنزّه عن الانتهازية وعن (المحسوبية) والعشائرية وعلى الفكر الضيّق وعن الذاتية وهذه شروط معروفة تعتبر قانونا أخلاقيا، لذلك أنا أقول دائما إن الأزمات في العالم اليوم ليست أزمات سياسية أو اقتصادية وإنما هي أزمات أخلاقية·
- ما رأيك في ما يثار اليوم حول المستوى الدراسي لبعض المترشّحين؟
-- بطبيعة الحال يجب ألا نتهاون في هذا الشرط فالثقافة واكتساب الشهادات والمعارف تتيح للنّائب أن يكون في مستوى دراسة نص، وأن يكون في مستوى نقاش مشروع قانون، وأن يكون في مستوى مبادرة من أجل تقديم مشروع قانون.. هذا لا نقاش فيه، لكن إضافة إلى ذلك لابد أن نشترط ما يسمّى بالنّزاهة وأخلاقيات العمل والإخلاص لهذا الوطن ولهذا الشعب وخدمة هذا الوطن وشعب هذا الوطن·
- باعتبارك وزيرة سابقة للتربية والتعليم ما هو تقييمك للمنظومة التربوية خلال الخمسين سنة الماضية؟
-- أنا لا أستطيع أن أقيّم المنظومة التربوية لأن منظومة التربية والتعليم من أهمّ المنظومات في الجزائر، فهي التي تصنع المواطن وهي التي تضمن لنا المستقبل القادم لذلك فالمنظومة لها مبادئ وثوابت معيّنة يجب ألا تحيد عنها، لكن بمقابل ذلك هناك ضرورة لتغيير المناهج وتحديث البيداغوجيات ومواكبة العمل التربوي في العالم، وأنا كوزيرة سابقة وكمعلّمة وكأستاذة لا أنكر أن هناك تحديثات وهناك اجتهادات وبحث وهناك لجان بيداغوجية ولجان للكتاب، لكن هذا لا يكفي· نحن كمجتمع وكمواطنين وكأسرة تربوية خلال خمسين سنة الماضية أسّسنا جيلا كاملا استطاع أن يؤسّس للجزائر الجديدة -لا تنسي ذلك-، نحن لم نعتمد على الآخرين ليؤسّسوا لنا مختلف المرافق والمؤسسات الموجودة، سواء الإعلامية أو الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، أبناء الجزائر هم من أسّسوا للجزائر الجديدة ويجب أن نطرح سؤالا هنا: هل هذا كاف أم لا؟ أنا أقول إنه غير كاف لأنه لابد من الاجتهاد أكثر نظرا للمتغيّرات التي طرأت على العالم وانتشار ما يسمّى بالعولمة، هذا يفرض علينا الاجتهاد أكثر من أجل الحفاظ على هويتنا التربوية ومواكبة أحسن ما تطرحه هذه العولمة وإلاّ سنذوب ونتبخّر في سلبياتها قبل إيجابياتها. والاجتهاد اليوم يعدّ تحدّ للكثير من السلبيات التي جاءت بها العولمة التي لم تأتي لخير البشرية لكن لخير مجموعة من الدول التي تريد أن تستحوذ على العالم وعلى الشعوب فتبقي العالم تحت سيطرتها وتبقى مقدراته في مصلحتها، لذلك لابد من التفكير في تغييرات جذرية داخل المنظومة التربوية خصوصا المنظومة التربوية الجامعية حتى لا نفقد عددا أكبر من العقول الجزائرية التي تتسرّب كلّ عام من بين أيدينا لصالح الآخرين·
- ما رأيك في مَن يقول إن المنظومة التربوية اليوم (منكوبة)؟
-- أنا لا أحبّ استعمال الكلمات الضخمة كالمنكوبة والكارثة والنّكبة، كلّ شيء عنده إيجابياته وله سلبياته ولو نقيّم جيّدا نجد أن هناك من يجب مجازاته على اجتهاده وأن هناك من يجب معاقبته على تقصيره، أمّا عن هذا التعميم الصارخ الذي يجعل المنظومة التربوية كلّها منكوبة فأنا لا أسمح لنفسي بأن أقول ذلك، فالمنظومة التربوية توفّر كلّ سنة ما يقارب مليون مقعد دراسي جديد للأطفال في المدارس إضافة إلى بناء المؤسسات والورشات اليومية التي تنشط بصفة دائمة على المستوى الابتدائي والتكميلي والثانوي، والإنسان الجزائري من حبّه للتعليم لأنه حرم منه أيّام الاستعمار لا يجزع إلاّ من عدم وجود مقعد دراسي لطفله البالغ ستّ سنوات، لذلك يجب ألا نطلق أحكاما عامّة في موضوع ما·
- ربما أطلقت هذه الأحكام للدلالة على البرامج الدراسية المطروحة التي لاقت انتقادات كثيرة مؤخّرا...
-- ربما تعلّقت بالبرامج أو المواد أو البيداغوجيات أو التوقيت أو حتى تكوين الأستاذ وتقصير المعاهد التي تخرّج الأساتذة، والتي صرنا نلاحظ قلّتها حتى أصبح كلّ من هبّ ودبّ يدخل قطاع التربية فقط لأنه متخرّج من الجامعة·
- إذن أنت ترين أن هناك نقائص في المنظومة التربوية اليوم...
-- بطبيعة الحال هناك نقائص، مثلا لو نأخذ أستاذا متخرّج من مدرسة المعلّمين أو معهد الأساتذة وأستاذا آخر دخل التعليم فقط لأنه في بطالة ولأنه صاحب شهادة ولأننا نحن أيضا بحاجة إلى أساتذة فإذا لم نكوّن هذا الأستاذ الذي لم يتخرّج من معهد الأساتذة فلا يمكن أن يقوم بدوره كما ينبغي·
- الحياة الثقافية في الجزائر دائما مختزلة بين المعرّبين والمفرنسين، ما رأيك في هذا الطرح؟
-- استعمال كلمة مختزلة يعني مختصرة بين المعرّبين والمفرنسين في الوقت الذي نجد فيه مثقّفين لا يحسنون الفرنسية ويحسنون الإنجليزية مثلا، والجزائر بعد خمسين سنة من الاستقلال لا نجد فيها المفرنس والمعرّب فحسب، بل هناك المتخصّص في اللّغة الإنجليزية والإسبانية وغير ذلك من اللّغات·
- لكن رغم ذلك بقي الصراع قائما بين المثقّف المعرّب والمثقّف المفرنس وبقينا نتعامل بالطرح نفسه··.
-- هذا من رواسب الاستعمار، وربما المثقّف المفرنس أقسّمه إلى قسمين: هناك المفرنس الذي يستعمل اللّغة لكن محتوى كتاباته وأفكاره وطنية مثل مالك حدّاد ومحمد ديب وغيرهما من الكتاب، وهناك من يكتب للمثقّف الفرنسي والكثيرون من المثقّفين الذين يكتبون باللّغة الفرنسية يكتبون من أجل إرضاء الفكر الثقافي الفرنسي·
- أمثال...
-- لا أستطيع أن أقول أسماء، ولا أريد أن أذكر أمثالا من هؤلاء، النّاس يعرفونهم جيّدا ويقرأون لهم، وعندما تقرئين محتوى من المحتويات وعندما يقيّم أحدهم من طرف الفكر الثقافي الفرنسي ويجازى ويكرّم تعرفين ذلك وتدركينه·
- في رأيك هل احتلّت اللّغة العربية مكانتها اللاّئقة في المنظومة التربوية في الجزائر المستقلّة؟
-- أعتقد ذلك لأن الطفل الجزائري يبدأ بتعلّم اللّغة العربية أوّلا لثلاث أو أربع سنوات حتى يحسنها، وأتذكّر من بين الشواهد على ذلك أن القذافي (أقول رحمه اللّه لأن الرّحمة تجوز على الميّت مهما كان) كان بينه وبين بومدين -رحمه اللّه- نوع من الخلاف فكان القذافي يعايرنا أننا لا نحسن اللّغة العربية فأجابه بومدين في إحدى المؤتمرات التي حضرتها بأن ثلاثة أو أربعة ملايين طفل في الابتدائي يحسنون اللّغة العربية الفصحى وهم بعدد الشعب اللّيبي كلّه. فإذا قارنّا بين الجزائر وأيّ دولة عربية أخرى نجد أن الجزائر ربما نجحت في التعليم أكثر من غيرها من الدول العربية، أنت ترين الآن الفضائيات العربية التي يشاهدها النّاس جميعا لا يحسنون تكوين جملة ولا يفرّقون بين المرفوع والمنصوب في الوقت الذي نرى فيه أن حتى أولئك الذين حرموا من تعلّم اللّغة العربية في الجزائر يعتذرون في بداية حديثهم لأنهم لا يحسنون العربية·
- لكننا نلاحظ أن الجانب التقني في التعليم العالي ما يزال مفرنسا رغم تبنّي الجزائر لقانون تعميم اللّغة العربية، ما رأيك في ذلك؟
-- صحيح لأن الظروف تختلف، مرّت الجزائر بسنوات سوداء تأخّرنا فيها عشر سنوات أو أكثر، توقّفت فيها التنمية وقتل فيها الإنسان وشرّد الكثيرون وهرب العديد من الإطارات إلى خارج الوطن خوفا من الإرهاب، ظروف صعبة مرّت على الجزائر، لكن رغم ذلك أعتقد أن النّجاح الذي حقّقته الصّين واليابان في إنشائهما لتكنولوجيا بلغتهما لم تحقّقه أيّ دولة أخرى، ونتمنّى هنا فقط لو تتبنّى الجزائر اللّغات الحيّة مثل الإنجليزية، الرّوسية، اليابانية والإسبانية، أمّا أن نبقى دائما مرتبطين باللّغة الفرنسية فهذا راسب من رواسب الاستعمار وعقدة من عقد الاستعمار التي لم نبرأ منها بعد·
- على ذكر قانون تعميم اللّغة العربية أين وصل هذا القانون اليوم بالنّسبة لمجال تطبيقه؟
-- لست أدري الآن، أنا لمّا كنت وزيرة في الحماية الاجتماعية شكّلت لجنة لتعريب الضمان الاجتماعي مع فقيد الجزائر الأخ مولود قاسم نايت بلقاسم الذي كان رئيس لجنة التعريب آنذاك، وكان لنا الفضل في جعل الضمان الاجتماعي يتعامل بالعربية والفرنسية، أمّا قبل ذلك فلم يكن يوجد أيّ لفظ باللّغة العربية داخل الضمان الاجتماعي لكن ما بعد ذلك لست أدري·


ايوب صابر 05-26-2012 02:39 PM

"أنا ضد منح كوطة سياسية للنّساء"
"قانون الأسرة لا يخالف الشريعة الإسلامية"
"والدي الشيخ حمّاني شارك في تحضير قانون الأسرة الجديد"
"لم نكن نتصوّر أن جهادنا سيصبح فخرا يوما"

كنا قد نشرنا في العدد السابق الحلقة الأولى من الحوار الذي أجريناه مع الأديبة والسياسية والمجاهدة زهور ونيسي وكانت قد أبدت فيها رأيها حول بعض القضايا الوطنية كالانتخابات التشريعية المقبلة وواقع المنظومة التربوية والتعريب إلى غير ذلك من المواضيع، وتواصل أول وزيرة جزائرية بعد الاستقلال في الحلقة الثانية من هذا الحوار الحديث عن بعض القضايا، مثل تجربتها كوزيرة، ورأيها في قانون الأسرة الذي لا تجده مخالفا للشريعة الإسلامية، مؤكدة، من جهة أخرى، رفضها لـ(حصر) المشاركة السياسية للمرأة في (كوطة)·

* لا شك أن بتوليك منصب وزيرة للحماية الاجتماعية في وقت سابق قد كانت لك مساهمات في التحضير لقانون الأسرة فيما تتمثل هذه المساهمات؟
** قانون الأسرة له تاريخ طويل، وأنا عندما كنت في البرلمان شاركت في التحضير لهذا القانون وبعد ذلك عينت كوزيرة وناقشته في إطار الحكومة لكن قانون الأسرة في الحقيقة عندما قدم لنا في بداية السبعينيات من طرف الرئيس هواري بومدين، قدم لنا كمشروع قانون وناقشناه لكنه جمّد لأن الآراء كانت مختلفة ومتطرفة في كثير من الأحيان ولذلك جمّد حتى سنة 1980 أو 1981 حين ناقشناه في المجلس الشعبي الوطني، كنا عشرة نساء في البرلمان في ذلك الوقت ناقشناه بقوة وحماس وجهد كبير، كما ناقشته أيضا في القراءة الثانية عندما عينت في الحكومة وكنت دائما من أنصار أن يكون قانون الأسرة أصيلا ومتفتحا في ذات الوقت·

* ما رأيك في قانون الأسرة الحالي؟
** قانون الأسرة الحالي أيضا شاركت في دراسته في وزارة العدل عندما دعيت لمناقشته كخبرة قديمة وقد تقدمت بنوده أكثر في إطار حقوق المرأة وبقي التركيز على نفس البنود التي ناقشناها في البرلمان على ألا نمس بالنص القرآني بالنسبة لقضية تعدد الزوجات لكننا نعطي الأولوية للقاضي حتى يدرس قضايا التعدد حالة بحالة·

* لكن أثير جدل حول التعديلات التي طرأت على بعض بنوده وقيل أنها مخالفة للشريعة الإسلامية أحيانا··
**أنا لا يمكن أن أقول ذلك، وبرأيي هذه أحكام تطلق حسب التوجهات الذهنية، وأنا كمواطنة مسلمة تكويني إسلامي وأخلاقي وفي نفس الوقت متفتحة على العصر وعلى العالم وأطالب بالاجتهاد في كل شيء حتى يواكب الدين الإسلامي واقع الإنسان المسلم في جميع حالاته وفي جميع مراحله، لا أقول أن هناك مس بالشريعة الإسلامية المس بالدين الإسلامي موجود في تونس حين ألغى بورقيبة نص التعدد ومنع تعدد الزوجات نهائيا في قانون الأسرة التونسي أما بالنسبة للجزائر والمغرب ومعظم البلدان الأخرى فليس هناك أي تجاوز على نصوص الدين الإسلامي ولا بد من أن نفهم أن نصوص الدين الإسلامي صلبة لكن فروعها مرنة ولذلك على المشرع أن يكون قادرا على التشريع ومتفقها في الدين لدرجة أنه يدرك جيدا متى يجتهد ومتى لا يجتهد، نحن بحاجة اليوم إلى حجة الإسلام الغزالي في عصرنا هذا وهو الذي قال: إني رأيت ركود الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب·
هذه قاعة للتغيير، وهو الذي قال أيضا في أحد تفسيراته أن المرأة يجب ألا تلد كثيرا حتى تحافظ على جمالها وتحافظ على قوتها لتربية الأبناء الآخرين، لماذا لا ندرس أمهات الكتب؟، لماذا لا نأخذ من الإسلام إلا القشور والطقوس الخارجية؟، هناك ثروة كبيرة وتراث إسلامي كبير يجب أن نقرأه ونعيد دراسته ونغربله ونمسح عنه كل الشوائب التي ألصقت به·

* يقال أن إعطاء الحرية للبنت في اختيار وليها خلال عقد الزواج والذي نص عليه قانون الأسرة المعدل مخالف للشريعة الإسلامية التي أوضحت في نصوصها الترتيب العائلي الذي يجب أخذه بعين الاعتبار بالنسبة لقضية الولي ما رأيك في ذلك؟
** والله أنا لست فقيهة ولكن عندي ثقة مطلقة في الدولة الجزائرية كمشرعة تعتمد على القرآن والسنة والاجتهاد والقياس·

* ما رأيك في هذا البند؟
** أنا أحبذ هذا البند، وكلمة حلال أو حرام كلمة صعبة لا تطلق هكذا فقط·

* لكننا لم نطلق أحكاما وفقط بل اعتمدنا على فتاوى من مشايخ معروفين ويستند إليهم في الإفتاء في الكثير من الأحيان وفي مختلف القضايا··
** حتى المفتين أو رجال الإفتاء غير منزهين، أنا بنت الشيخ أحمد حماني وما أدراك أستاذهم جميعا في الإفتاء وقد كان مفتيا منذ بداية الاستقلال إلى يوم وفاته وقد شارك معنا في تحضير قانون الأسرة الجديد·

* في تقديرك هل يعد تمكين المرأة من ممارسة السياسة مساهمة في تطويرها؟
** الميدان السياسي ليس العامل الوحيد الذي يساهم في تطوير المرأة وإنما هناك ثلاثة مبادئ هي التي تشكل شخصية المرأة وهي تعلمها وتثقفها وعملها فهذه العوامل الثلاث هي التي تكون شخصية المرأة القوية وبعد ذلك تستطيع المرأة أن تفعل ما تشاء فتستطيع أن تكون رئيسة حكومة أو رئيسة جمهورية أو رئيسة حزب أو تكون من تكون·

* يعني أن تطوير المرأة وتوسيع مشاركاتها في مختلف مجالات الحياة بيدها هي نفسها؟
** القوانين وحدها لا تكفي لكنها قد تضع معالم الطريق كما أن التعبئة والتجنيد من أجل ثقافة الآخر قد تعبد الطريق أيضا لكن سيأتي فيما بعد دور المرأة بشخصها وبتعلمها وبثقافتها ولا ننسى أيضا قضية الذهنية المطروحة على مستوى المجتمع أو على مستوى بعض الأفراد بمعنى أصح الذين يسنون أشياء تعجبهم أو يحبذونها هم فقط فذهنية المجتمع تؤثر في تطوير المرأة أيضا لكن عندما تكون شخصية المرأة قوية وثابتة وملتزمة ومؤمنة بذاتها وبأفكارها ومبادئها فلن تكون معرضة للاهتزاز·

* من الملاحظ أن السلطات الجزائرية خلال عملية تطويرها للمرأة وتوسيع مجالات مشاركتها قد أولت اهتماما أكبر بفئة معينة من النساء بإصدارها للقانون الخاص بالتمثيل النسوي في البرلمان ماذا عن باقي الفئات؟
** نحن لا نضمن كل شيء للناس، نحن نطالب بتعلم البنت واكتسابها للشهادات ونطالب بعملها واكتسابها اقتصاديا لكننا لا نتدخل في حياتها إذا اختارت أن تكون ربة بيت وأن تنجب الأطفال فقط، نحن لا نتحرك من أجل الجميع، كل شخص يختار طريقه ومستقبله، وهناك الكثير من المثقفات لا تقبلن على العمل السياسي في حين نجد الكثيرات من محدودات الثقافة ومحدودات الشهادة يقبلن على العمل السياسي وعلى الترشح في الانتخابات القضية قضية رغبة فردية ولا نتدخل فيها·

* في رأيك هل وصلت المرأة الجزائرية إلى المستوى المنشود؟
** الإنسان الجزائري ككل لم يصل إلى المستوى المطلوب، دائما نطلب الأحسن والأجمل والأنسب، نطالب دائما بأن يكون جميع أفراد المجتمع الجزائري متعلمين وواعين وألا يكونوا جهلة ولا نعني هنا الأمية إذ هناك من يملك شهادة لكنه جاهل، وهذه كلها آمال نتمناها كجزائريين ويطالب بها العالم أجمع الذي يتوق دائما إلى مجتمعات واعية، مثقفة، متعلمة ومتخلقة تعمل بالقانون الداخلي من القلب ومن العقل لا بالقانون المكتوب كما هون سار في بعض الدول الغربية المشهورة·

* ما تقييمك للمساهمة الثقافية للمرأة الجزائرية؟
** حسب ما أرى أنا شخصيا وحسب من يزورني من الشباب الذين لديهم الكثير من المشاريع الأدبية والقصصية والدراسات والقصائد الشعرية أرى أن المشهد الثقافي رائع ويبشر بالخير وعندما أتنقل إلى الولايات وأقدم محاضرة أو أقدم نموذجي كمبدعة وأستمع إلى تلك النقاشات والحوارات التي يثيرها الشباب أقول أن مستقبل الثقافة في الجزائر زاهر، ولكن معظم هؤلاء لا يجدون من يشجعهم فيما يخص النشر والتصحيح أو جمع أعمالهم لذلك لا بد من ترقية دور النشر والاهتمام بوضع لجان للتقييم بالنسبة للأدب، وأذكر أن في اتحاد الكتاب الجزائري كان هناك لجنة لتقييم النصوص وتحديد إن كانت صالحة للنشر أو غير صالحة، وإذا كانت غير صالحة تكتب ملاحظات لصاحبها حتى يحسن من مشروعه الإبداعي، وأظن أن هذه اللجنة لا تزال موجودة على مستوى اتحاد الكتاب ولا بد أن تكون مثل هذه اللجان في وزارة الثقافة التي يجب أن نعتمد فيها على عدة لجان وليس لجنة واحد فقط، إضافة إلى تعميم هذه اللجان على مستوى الجمعيات ذات الطابع الثقافي أيضا لأننا صرنا نلاحظ اليوم أن كلمة ثقافة لا تحمل دلالتها الفعلية التي هي إضافة مساحات جديدة للفكر، ولذلك نجد اليوم بعض الجمعيات التي تتضمن تسميتها كلمة ثقافة لكنها لا تهتم إلا بفئة من الفنانين أو المطربين، في حين أن الثقافة ليست ذلك الطرب الجميل فقط أو المسرح أو الرسم أو الشعر أو السينما··· وإنما يجب أن تكون كلمة عامة تشمل كل شيء ولا يمكن أن يكون الإنسان مثقفا، إلا إذا كان ملمّا بكافة جوانب الثقافة·

* لكن رغم التفتح الذي عرفته الجزائر مؤخرا وما أتيح للمرأة من حريات، إلا أن مساهماتها بقيت محتشمة وخاصة بالنسبة للجانب الثقافي ما رأيك في ذلك؟
** بطبيعة الحال هي مساهمات محتشمة لكن في السياسة مثلا كانت محتشمة واليوم فتحت لها الأبواب وتم توسيع مشاركتها في البرلمان بنسبة 30 بالمائة ولو أنني لا أوافق على (الكوطة) أنا أوافق على المساواة المطلقة بين المرأة والرجل مع محافظة المرأة على أنوثتها، فأنا كأنثى أحافظ على أنوثتي ولا ألغيها وأعتز بعقلي وبوجداني وإيماني، وأقول بذلك أن مساهمة المرأة تبقى في الكثير من الأمور محتشمة، لأن المرأة لا تتجرأ على اقتحام المسؤوليات لأنها لم تتعود على تحمل هذه المسؤوليات، أما بالنسبة لمساهماتها الثقافية فأنا لا أراها محتشمة لأن ما أقرأه من مشاريع يجعلني مطمئنة لمستقبل المرأة الجزائرية في الميدان الثقافي·

* لو نرجع بالزمن إلى ثورة التحرير الوطني، ما رأي الأستاذة ونيسي فيمن يقول أنه لم تكن للثورة الجزائرية سياسة ثقافية؟
** عندما تقرئين بيان 1 نوفمبر تجدين أنه يتضمن الإستراتيجية الأولى للتحرير بناء على القيم الإسلامية وخصوصية الشعب الجزائري، وهذا التحرير لا يكون إلا إذا كانت جميع جوانبه مكتملة، فثورة التحرير ضمت الأمي والجندي والجاهل والتحق بها المثقف أيضا لكن مرحلة التحرير تقتضي ألا نتحدث عن الثقافة في ذلك الوقت، رغم أن هناك من الجزائريين الثوار المجاهدين من مثّل الجزائر خارج الوطن أيام ثورة التحرير في المحافل الدولية الثقافية وغير الثقافيةّ، ولا ننسى أن ثورة التحرير قد جاءت من أجل إخراج الاستعمار واسترداد السيادة الوطنية بتراثها الثقافي وبأرشيفها وبتاريخها الوطني سواء ثقافي أو سياسي واجتماعي وفكري···
وثورة التحرير يكفيها شرفا أنها حررت الجزائر واستطاعت أن تنتصر على أعتى نوع من أنواع الاستدمار والاستعمار الاستيطاني في العالم ومعه الحلف الأطلسي الذي يعرف بالناتو اليوم، لذلك أنا أقول كيف نهتم بالثقافة ونحن نتحمل مسؤولية التحرير ومحاربة العدو والاعتناء بدفن الشهداء ورعاية عائلاتهم وتمويلها وصرف منحها والاهتمام بالقضاء بالنسبة لقضايا التطليق والتزويج والفصل في الخلافات···؟!

* هل نفهم من هذا أن المثقف لم يؤد دوره كمثقف خلال ثورة التحرير؟
** لا، المثقف كان يكتب ويسجل كل شيء من أجل أن يبقى بعد الاستقلال، وأنا شخصيا خلال ثورة التحرير كنت أسجل رؤوس أقلام لبعض الأشياء التي تبهرني أو تؤثر في وتهزني وبعد الاستقلال كتبتها·


ايوب صابر 05-26-2012 02:40 PM

* هل تذكرين بعض هذه الأحداث؟
** المجموعة القصصية الأولى التي كتبتها كلها أحداث حول الثورة، فقصة خرفية مثلا هي قصة واقعية وخرفية هي أم الصبي حمو صاحب العشر سنوات الذي كان همزة وصل بيني وبين والده في حي المدنية بالعاصمة، هناك رفيقتها أيضا تدعى فاطمة مات زوجها شهيدا فتزوجها مجاهد آخر وعندما استشهد قالت: (هل سأفقده هو الآخر) وقصة فاطمة أيضا موجودة في (الرصيف النائم) التي طبعت بالقاهرة، وقد بثتها إذاعة (صوت العرب) على شكل مسلسل من 30 حلقة·

* لو تحكي لنا قليلا عن تجربتك النضالية ضد الاستعمار الفرنسي خلال الثورة؟
** كنت معلمة في مدرسة حرّة وهذه المدرسة كانت في الظاهر مدرسة لتعليم البنات وهي مدرسة الصادقية بحي المدنية، لكنها في الحقيقة كانت مركزا للفدائيين خبأنا فيها العديد من الشهداء أمثال الشهيد براهم فردي قبل أن ننقله إلى باليسترو والشهيد محمد ياجور قبل أن نذهب به إلى مسيلة، كما أخفينا فيها العديد من الفدائيين والأسلحة والاشتراكات التي كنا نجمعها من المواطنين قبل أن نوصلها إلى المسؤولين في الولاية الأولى فقد عملت أولا بالولاية الأولى، وكان المسؤول المباشر لي المجاهد صديق منصورية والمسؤول غير المباشر هو المجاهد محمد شريف عباس وزير المجاهدين حاليا ولي معه صور أيام الثورة سأنشرها في يومياتي إن شاء الله ثم عملت بالولاية الرابعة، ولكن قبل أن أنضم إلى جهة معينة كنت أنفذ كل ما أأمر به، وكان زوج أختي قبل أن يسجن هو من يأمرنا كأن نتلقى أمرا بإيصال أمانة ما دون أن نعرف ما هي حتى، كنا نؤمر فنلبي وقد جندت الكثير من تلميذاتي الكبريات في المدرسة وجندت الكثير من الأخوات من غير تلميذاتي أيضا كالمجاهدة ربيعة موساوي وعتيقة عزاوي والحاجة عائشة وكنا نجتمع كلنا في شقة بدار العافية وصديقتي التي كنت أعمل معها يوميا هي الزهرة حفيظ وقد توفيت العام الماضي -رحمها الله- كنا نناديها (العودة) لأنها قوية وشجاعة، كان عملنا خلال الثورة عملا دائما ومتواصلا ولم نكن نتصور أنه سيصبح فخرا يوما ما·

"فرنسا تستهزئ بنفسها بتمجيدها للاستعمار"
"وزارة المجاهدين طبعت 1000 عنوان احتفالا بخمسينية الثورة"
"تحريك الثورات العربية من الخارج عار·· واستبداد جديد"
"يومياتي قد تصدر هذه السنة"

في الحلقة السابقة من الحوار المطول الذي أجريناه مع الأديبة والسياسية والمجاهدة زهور ونيسي كانت قد أبدت أول وزيرة جزائرية بعد الاستقلال رأيها حول بعض القضايا الوطنية كالتمثيل السياسي للمرأة وقانون الأسرة والمساهم الثقافية للجزائريات، إلى غير ذلك من المواضيع، وتواصل صاحبة (لونجة والغول) في الحلقة الثالثة والأخيرة من هذا الحوار الحديث عن قضايا مختلفة، بالتطرق إلى تجربتها النضالية في ثورة التحرير الوطني إبان الحقبة الاستعمارية وسنوات دراستها الأولى بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين مع التطرق بالتحليل لواقع الحراك العربي والاحتفالات المختلفة التي تنظم بمناسبة ذكرى خمسينية الاستقلال التي حملت بصمة الأديبة زهور ونيسي من خلال بعض المساهمات التي حدثتنا عنها·

* كنت من تلميذات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ماذا تذكرين من مسارك الدراسي في مراحله الأولى؟
** كنت من تلميذات مدرسة التربية والتعليم الإسلامية بقسنطينة والتي كانت أول مدرسة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ثم جاءت بعدها مدارس أخرى من بينها دار الحديث بتلمسان، ونحن كبنات كنا من الأوائل اللائي دخلن إلى التعليم فالأهالي في ذلك الوقت يرفضون تعليم بناتهم فكنت من الأوائل وقبلي أختاي، كنا رفقة الكثير من البنات اللواتي تحدى آباؤهن ذهنية المجتمع ونفذوا أوامر الإمام عبد الحميد بن باديس عندما نادى بتعليم البنت وسن القانون الأساسي للمدرسة الذي حمل بندا يشجع على تعليم البنات والذي يقضي بدفع الذكر لاستحقاقات الدراسة بينما تدرس الأنثى مجانا، وكان من بين أساتذتي الشيخ أحمد حماني الذي علمني في الابتدائي ثم درسني بالجامعة، والشيخ الصادق حماني ابن عمه، والشيخ أحمد الجموعي، ومن بين من شجعني على الكتابة الشيخ أحمد رضا حوحو والشيخ أحمد توفيق المدني في جريدة البصائر قبل اندلاع الثورة·
وقد كتبت موضوعا في مجلة دورية هامة للمجلس الأعلى للغة العربية قيّمت فيه عمل المدرسة الحرّة وأخذت مدرسة التربية والتعليم الإسلامية كنموذج، وكان التعليم في المدرسة الحرة يساوي المستوى الابتدائي والتكميلي والثانوي في المدارس التنظيمية لأن التعليم في المدارس الحرة لم يكن يرضخ لزمن كنا ندرس جميع المواد من بينها تعلم الخياطة والطرز والموسيقى والأناشيد وكانت نشاطاتنا الثقافية كثيرة، وأذكر أننا مثلنا مسرحية الكاهنة لأحمد توفيق المدني ومسرحية (حنبعل) أيضا وكنا نقيم حفلات في آخر السنة يدعى إليها الأولياء، وأفتخر بأن معظم تلاميذ وتلميذات مدرسة التربية والتعليم ومعهد بن باديس كانوا ثوارا ومجاهدين ومجاهدات·

* ذكر محمد خير الدين في مذكراته أنك كتبت في تخرجك مقالا نشر في جريدة البصائر هل تذكرين هذا المقال؟
** نعم كتب هذا في يومياته عندما اخترت كأول امرأة وزيرة في الجزائر المستقلة والمقال هو عبارة عن رسالة تهنئة كان أول محاولة لي، وعندما قرأه أعضاء لجنة الامتحانات أعجبوا به ونشر في جريدة البصائر كتشجيع وكنموذج لقلم نسائي جديد، ومن يومها وأنا أكتب في جريدة البصائر وكتبت القصة القصيرة من بينها جناية أب وكتبت بعض المقالات أيضا وكان بعض طلبة معهد ابن باديس يردون علي، وكنت عندما أتهيب الكتابة يكتب لي الأستاذ توفيق المدني الذي كان رئيس تحرير جريدة البصائر آنذاك فقرة لتشجيعي على الكتابة فيقول: (نحن ننتظر الرد المهذب من الآنسة زهور ونيسي)·

* خلال 2012 تحتفل الجزائر بمرور خمسين سنة من الاستقلال ماذا يعني الاستقلال للأستاذة زهور ونيسي؟
** الاستقلال يعني السيادة والكرامة والحرية وأخذ مقدراتك التاريخية والثقافية والمادية واسترجاع الأرض وما في الأرض وما تحت الأرض وما فوقها بيدك كجزائري لك قرارك ولك علم ولك بلد من البلدان التي لا ترزح تحت وطأة الاستعمار، الاستقلال بالنسبة للإنسان هو الحرية وهو المطلب الثاني بعد الخبز والماء، وأنا أعتز بالثورة الجزائرية التي كانت خلاصة انتفاضات كثيرة توجت بثورة 1 نوفمبر، والجزائر دفعت من أجل الاستقلال ملايين الشهداء وأقول الملايين لأن شهداء الجزائر ليسوا فقط أولئك الذين سقطوا في ثورة 1 نوفمبر وإنما هم الذين سقطوا منذ دخول الاستعمار الفرنسي إلى الجزائر حتى يوم الاستقلال·

* لكن ما يلاحظ أنه رغم استقلالنا منذ خمسين سنة إلا أن الجزائر تعاني إلى اليوم نوعا من التبعية إلى المستعمر القديم ما تفسير ذلك؟
** هذه التبعية مخطط لها قبل أن يخرج الاستعمار من الجزائر، صحيح أن الإنسان يتحرر سياسيا وعسكريا ولكن الذهنية عادة ما تبقى فيها بعض الرواسب من الاستعمار فعندما نقرأ كتاب محمد طال الإبراهيمي (من الثورة التحريرية إلى الثورة الثقافية) نفهم أن الاستعمار رغم مغادرته إلا أنه يترك رواسبه في الذهنيات والعقول وحتى السلوكات أيضا فالجزائريون إلى اليوم يحتفظون بعادة الغذاء على الساعة 12:00 زوالا، ولا بد أن نشير هنا إلى أن الأزمة التي مرت بها الجزائر في سنوات الإرهاب قد عمقت من هذه الرواسب نظرا للفراغ الثقافي الذي عرفته خلال تلك الفترة، ولكن مع ذلك لا يمكن أن ننكر أن هناك من يحن إلى فرنسا لأنه تكوّن وتربى وعبئ ووجه إلى ذلك وهذه ليست خاصية في الجزائر فقط وإنما في كافة أنحاء العالم·

* ما رأيك في الاستفزازات التي تتلقاها الجزائر اليوم من السلطات الفرنسية التي لم تكتف بتمجيد الاستعمار، بل سنّت مؤخرا قانونا يجرم إهانة الحركى؟
** فرنسا تريد أن تفعل مثل الذي قال: (ضربني وبكى سبقني واشتكى) هي تعرف جيدا أن الاستعمار مجرم وأن الإجرام الذي ارتكبه في الجزائر لا نظير له وأن حرب الإبادة التي شنها لا مثيل لها في العالم وكل سنوات الاستعمار في الجزائر كانت سنوات بؤس وحرمان وظلم وقمع واستبداد وقتل وتشريد···، لكنها تحاول أن تستبق الأحداث ولها من الإمكانيات ما يساعدها على استباق الأحداث خاصة بالنسبة للطباعة وبالنسبة لهذا اطلعت على أكثر من 20 كتاب يوميات للأقدام السوداء التي تروي يوميات لطيفة وتحكي أحاسيسهم ومشاعرهم اتجاه المناطق التي ولدوا فيها ومن المفروض أن نكون السباقين لهذا ولكن للأسف إعلامنا قليل ويكاد يكون ناقصا تماما، فوزارة المجاهدين طبعت بمناسبة الذكرى الخمسين للثورة أكثر من 1000 عنوان، لماذا لا نجد ندوة صحفية حول كتاب أصدرته وزارة المجاهدين مثلا؟ لذلك لا بد من العمل من أجل إحياء الذكرى الخمسين للاستقلال·
لكن في رأيي فرنسا تستهزئ بنفسها بتمجيدها للاستعمار وتسخر من نفسها لأنه ليس هناك أية دولة استعمارية مجدت الاستعمار، أما فيما يخص الحركى فحتى لو أعطتهم نياشين الأرض فسوف يبقون حركى خونة لبلدانهم لكن يجب أن نشير هنا إلى أن هناك من اختار أن يخون وهناك من لم يختر بل كان يعمل لكسب قوت يومه ولا يدري أنه مع هذا التيار أو ذاك أو أنه ضد تيار بلده الوطني، لذلك فالسياسة تحتاج دائما إلى تدقيق والتاريخ لا يرحم·

* ما رأيك في المطالبة بقانون رسمي يجرم الاستعمار الفرنسي؟
** أنا مع هذا القانون في كل حين في وقتي هذا وبعد وقتي هذا ومع ابني ومع حفيدي وحتى مع حفيد حفيدي··· إلى آخره·

* كيف تتصورين الاحتفال بخمسينية الاستقلال؟
** أتمنى أن تكون الاحتفالات في مستوى خمسين سنة من الاستقلال·

* ماذا تقترحين لذلك؟
** أنا لست في الميدان حتى أقترح، لكن اقتراحي هو أن يعتمد كل موقع من المواقع على نفسه للاحتفال بهذه الذكرى سواء جمعيات أو المجتمع المدني أو المؤسسات التربوية والاجتماعية والثقافية كل واحد يجب أن يحتفل بهذه السنة حسب إمكانياته وحسب ظروفه وموقعه ولا ينتظر الدولة فقط لتنظم الاحتفالات بهذه المناسبة ولا ينتظر المال أيضا للاحتفال بها لأن هناك اليوم من لا يتحرك إلا بالمال أو التمويل·

* هل من مساهمات للأستاذة ونيسي في الاحتفال بهذه المناسبة؟
** ربما سأصدر يومياتي خلال هذه السنة والكلام فيها عن الثورة كثير وعن الاستقلال كثير والكلام فيها عن الاستعمار أكثر، وأيضا هناك سيناريو حول المنفيين إلى كاليدونيا الجديدة الذي سينتج خلال هذه السنة برعاية وزارة المجاهدين وإخراج المخرج القدير سعيد علوي وقد تم الشروع في تصويره، إلى جانب ذلك هناك سيناريو جاهز حول حياة الشيخ عبد الحميد بن باديس لكنه ينتظر التمويل·

* ما رأيك فيما يحدث من تحولات في العالم العربي؟
** من الطبيعي أن تقع مثل هذه الأحداث لكن كنا نتمنى لو قادتها الشعوب من تلقاء نفسها وليس بتحريك من الخارج، كنا نتمنى لو تنتفض الشعوب وحدها دون أي تدخل أجنبي حتى تكون مصداقية هذه التحركات والهزات أكبر لأننا لا نريد أن نستبدل استبدادا باستبداد آخر، وأنا أرى بأن هذا سيناريو العراق بشكل آخر وبطابع آخر وبترتيبات أخرى، لأن ما حدث في العراق كانت نتائجه وبالا على القوات الأمريكية والقوات الغربية المشاركة فحاولوا بذلك أن يحدثوا نفس التغييرات في بعض البلدان العربية ولكن بشكل آخر، فعوض أن تكون الأداة الجيش الأمريكي والجيوش الغربية تكون الأداة شباب الشعوب العربية التي تتحرك فيموت من يموت فيها ويقتل من يقتل ولا خاسر للغرب في ذلك·
صحيح نحن ضد الاستبداد سواء جاءنا من دولنا ومن نظمنا ومن رؤسائنا أو جاءنا من الخارج، لكن في نفس الوقت يجب على الشعوب الحية والشعوب الواعية ألا تنتفض بتحريك من الآخرين، هذا عار في النهاية واستبداد جديد واستعمار جديد وفقدان سيادة، ولعل ما يحدث في ليبيا اليوم يؤكد ذلك وما يحدث في اليمن أيضا، فالرئيس اليمني الجديد لم ينصبه الشعب وإنما وضعته أمريكا وحلفاؤها من العرب، وما حدث في العراق أيضا عندما أبيد النظام السني واستبدل بنظام آخر له توجهات أخرى وأفكار وموالاة أخرى· هل استتب الأمن في العراق؟ هل توقف العمل الإرهابي؟ هل توقفت آلة حصاد الموت؟، لم يتوقف شيء، فالدول الكبرى تفكر وتخطط وكل ما هو في مصلحتها تعمله، وقد أدركت أنه ليس من مصلحتها أن تدخل إلى هذه البلدان عن طريق الجيوش كما فعلت في العراق فدخلت عن طريق التوجيه وعن طريق الإعلام والتمويل وتغيير البيادق في الشطرنج·

* برأيك هل الجزائر بمنأى عن هذا الحراك أو ما يسمى بالربيع العربي؟
** إن شاء الله، فقط لسبب بسيط أن ما حدث في الجزائر في سنة 1988 كان من المفروض حسب الغرب أن تبدأ عملية التغيير من الجزائر وليس من تونس والآن مرت أكثر من عشرين سنة لكنهم لم ينجحوا في الجزائر، رغم نجاحهم في تمويل الإرهاب، ففي بداية الإرهاب كنا نسمع كل مرة أن الجيش الجزائري قد ألقى القبض على مجموعة من الفرنسيين الذين يحملون السلاح وقيل إنهم أسلموا، أيضا الذين كانوا في أفغانستان من الجزائريين والعرب بشكل عام رجعوا إلى الجزائر بعد توقف الحرب هناك وكانت الجزائر آنذاك وكأنها البيئة الخصبة التي من المفروض أن تنطلق منها الثورات·
وإذا كان الشعب الجزائري اليوم غير واع بهذه النقطة وغير مدرك لخطورة الوضع فهنا نلومه كثيرا، لكن عندي قناعة بأن الشعب الجزائري يتمتع بوعي سياسي أكثر من الشعوب العربية الأخرى ولازال يعتمد الواقعية في القضايا، ولا ننسى دور الأحزاب السياسية التي تلعب دورا كبيرا في تماسك اللحمة الوطنية ونبذ الأنانيات الفردية والاختلاف الإيديولوجي إلى غير ذلك ويبقى السؤال مطروحا هل هذه الشروط متوفرة أم؟ لأن الإنسان بشر وله أطماع نعتبرها غير شرعية وطموحات يمكن اعتبراها شرعية، لكن ما يجب التركيز عليه هو أن يجعل كل الجزائريين أحزابا ومؤسسات ودولة وأفرادا ومواطنين وجمعيات الجزائر فوق كل شيء·

* إذا أنت تستبعدين أن تهز رياح الربيع العربي الجزائر رغم تخوف بعض الأطراف من هذا الأمر خصوصا في حال العزوف عن الانتخابات الذي يتوقعه الكثيرون؟
** أنا شخصيا متفائلة ولا أحب التشاؤم أبدا· أنا متفائلة وإذا كان ذلك فمعناه أن كل تحليلاتنا خاطئة مع العلم أننا نعيش في هذا البلد ونعيش مع وقائعه ومع صحفه·

* هل نفهم من هذا أنك تتوقعين مشاركة قوية؟
** لا بد من المشاركة، القضية ليست قضية من سينجح أو من سيفشل، القضية قضية حق أي حقي في الانتخاب، لا يجب أن أعاقب نفسي لا بد أن أنتخب، يجب أن أسجل قناعتي في شخص ما أو في إيديولوجية أو أفكار معينة، ولو نفترض أني لن أنتخب من أعاقب بهذا التصرف؟ أنا سأعاقب نفسي، أنا أريد أن يصل هذا المجتمع إلى مرحلة تثبت أنه ديمقراطي وبعد ذلك البقاء للأصلح·

* في رأيك هل تعتبر انتخابات العاشر من ماي نقطة تحول بالنسبة للجزائر؟
** إن شاء الله·


أجرت الحوار: آسية مجوري

ايوب صابر 05-26-2012 02:42 PM

الرواﻴﺔ اﻟﺠزاﺌرﻴﺔ اﻟﻤرأة اﻟﺜورﻴﺔ ﻓﻲ اﻟر زﻫور وﻨﻴﺴﻲ ـ : ﻟوﻨﺠا والغول

http://www.webreview.dz/IMG/pdf/2-34.pdf

ايوب صابر 05-26-2012 02:44 PM

زهور ونيسي:
من مواليد ديسمبر 1936م بقسنطينة.
مجاهدة في ثورة التحرير الجزائرية، تحمل وسام المقاوم ووسام الاستحقاق الوطني، تقلدت مناصب عليا ثقافية وإعلامية واجتماعية وسياسية،،.
أول امرأة في الجزائر ترأس وتدير مجلة نسوية "الجزائرية".
عضو الهيئة المديرة لاتحاد الكتاب الجزائريين (1995-1998م).
المشوار السياسي

السيدة "زهور ونيسي"من الوجوه السياسية لعهد الشاذلي بن جديد، وهي أول امرأة جزائرية يعهد إليها بمنصب وزاري:شغلت أيضا منصب عضو بالمجلس الشعبي الوطني في الفترة من 1977 إلى 1982م، تعود إلى الواجهة السياسية كعضو في مجلس الأمة في ديسمبر 1997م.
كما شاركت في تأسيس الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات. وأدارت مجلة "الجزائرية".
الرصيد الأدبي

لها: الرصيف النائم (قصص 1967م)، على الشاطئ الآخر (قصص 1974م)، من يوميات مدرسة حرة (رواية 1978م)، لونجا والغول (رواية 1996م)، عجائز القمر (قصص 1996م)، روسيكادا (قصص 1999م).

ايوب صابر 05-26-2012 02:46 PM

الأديبة الجزائرية زهور ونيسي للثرى:
أكتب في الممنوع الذي يتقبله القارئ


شاركت في تحرير المرأة بالسلاح قبل http://www.thara-sy.com/thara/upload...f954177ebe.gifالقلم ... قاتلت الى جانب الرجل في معركة التحرير الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، لتكون شريكة في صنع مستقبل لوطنها عبر تاريخ طويل من النضال الانساني والاجتماعي، في سبيل الوصول للحرية التي طمح بها كل فرد من البلاد، محققة عبر اصرارها ما عجز الكثيرون من اثباته ... و لتنال بجدارة وسام المقاوم ووسام الاستحقاق الوطني، منتقلةً بعد ذلك للعمل السياسي والفكري والثقافي

عبر توليها مناصب متميزة كأول امرأة تتولى منصب وزيرة للشؤون الاجتماعية ثم للتربية الوطنية وعضو المجلس الشعبي الوطني وعضو مجلس الأمة وأول امرأة في الجزائر تترأس وتدير مجلة نسوية "الجزائرية" وعضو الهيئة المديرة لاتحاد الكتاب الجزائريين.
الثرى التقتها على هامش مشاركتها في ملتقى الاديبات العربيات الذي أقيم ضمن فعاليات دمشق عاصمة ثقافية بفندق الشام وكان لنا معها الحوار التالي:
ما هو هدف مشاركتك في الملتقى؟
أحببت من خلال هذا الملتقى الاجتماع مع أديبات عربيات ذو خبرة عريقة في قضايا المرأة والثقافة العربية للاطلاع على كل جديد في مجتمعنا العربي، فضلاً أنه ميدان ثقافي يجمع أكثر من ثلاثين أديبة وكاتبة باختلاف تجاربهن في مجال الكتابة والشعر والنثر وبالتالي الاطلاع على الجديد الوطن العربي الكبير وهذه المرة الاولى التي تلقتي بها أديبات عربيات في مكان واحد وبهذا الكم وبالتالي كان له صفة التميز وحسب رأيي ليس له مثيل من قبل، مع الامل ان يتحول هذا الملتقى الى عمل مؤسساتي ليتطور الى رابطة أو مؤسسة ادبية تحتوي على ملتقيات ادبية ومخططات وبرامج مستقبلية من شأنها توحيد الجهود نظراً لان بعد المسافة بين المثقفات قد يشتت الجهود ويؤخر نتائجها.
نرى اليوم الكثير من الأديبات العربيات المجتمعات في دمشق. هل ينفي هذا ما يشاع حول قلة الأديبات على الساحة الأدبية العربية؟
برأيي هذا الأمر يعود لعدد من المعطيات التاريخية والاجتماعية والسياسية في الوطن العربي، فالانسان العربي خرج بعد عقود طويلة من الاحتلال الذي كان السبب الرئيسي في إضعاف فكره ووعي الثقافي، وعدد الأدباء قبل الاستقلال ليس بالكثير وقد كان شغلهم الفني والادبي منصب في سبيل التحرير ليتطور بشكل بطيء بعد التحرير نحو التوعية بشكل عام ومن ثم بدأ التخصص في مجال الطرح لنصل نحو تحرير الفكر ومنه لتحرير المرأة ومن هنا نجد ان هذا العدد الموجود حالياً منطقي بالنسبة للظروف التي مر بها المجتمع العربي.
هل تجدين ضعفاً في الإقبال على عمل الأديبات العربيات؟
طبعاً يوجد ضعف كبير في الإقبال لكنه في المقابل ليس مقتصر على عمل المرأة فقط بل على العمل الادبي بشكل عام، نظرا لان البنية الثقافية في المجتمع العربي ضعيفة بشكل عام، فالفرد العربي لا يقرأ كثيراً نظراً لأن عادة القراءة عادة حضارية وهذه العادة ليست منتشرة بين صفوف مجتمعنا بحيث أننا نجدها قبل الاحتلال موجودة وبقوة ولكن بعد خروجه ضاعت ان لم اقل انه قضي عليها، فالثقافة هي البنية الاساسية للحضارة التي دمرناها بعدم اهتمامنا بالكتاب مع الارتفاع الملحوظ في نسبة الأمية في الشارع العربي بشكل عام، فضلاً استقدام الثقافة عبر وسائل التكلوجيا الحديثة كالانترنت وبشكل خاطىء مما يجعلنا هدفاً سهلاً للاختراق والغزو الثقافي.
كأديبة وكاتبة هل تتحاشين الخوض في موضوعات تصنف على أنها تابو؟
كلا أنا أتحدث عن كل شيء ... لكن باسلوب نظيف ومهذب أستطيع من خلاله الدخول إلى عقل القارئ ومخاطبته بشكل بعيد عن المباشرة التي قد تسبب النفور من الأفكار المطروحة رغم أنها قد تكون صحيحة، أي أنني اكتب في الممنوع لكن بأسلوب يتقبله القارئ ويتفاعل معه دون أي ردة فعل منه، فالكتاب القدماء أمثال الجاحظ تجدهم يتحدثون عن كل الامور والتفاصيل بدقة وبجرأة أيضاً لكنهم اعتمدوا طريقة مهذبة ومنهجية وعقلانية تخاطب فكر القارئ دون أن تجرح إحساسه ومشاعره.
كيف تبدو صورة المرأة في كتاباتك؟
منذ بداياتي في مجال الكتابة وحتى هذه اللحظة تجد المرأة متناثرة بين صفحات رواياتي، بدءاً من سرد تجربتي الشخصية كمجاهدة في الثورة الجزائرية ضد الاحتلال والعينات النسائية التي عشت معها أو عملت معها، ضمن عمل كان هدفه توثيق ما عانته المرأة الجزائرية في تلك الفترة، فضلاً أن عدد كبير من قصصي تحمل أسماء نساء من المجتمع، التي نقلت عبرها تجارب وخبرات لحياة المرأة في المجتمع الجزائري خصوصاً والعربي عموماً، لذا فانك تجد صورة المرأة واضحة وجلية وبالرغم أنني في الفترة الأخيرة انتقلت نحو الكتابة بأمور المجتمع، إلا أن صورة المرأة كانت لها بصمتها بين الشخصيات.

مالك أبوخير

ايوب صابر 05-26-2012 02:46 PM

زهور ونيسي وأخريات.. مسيرة حافلة بالعطاء والإبداع
</B>Saturday, March 07
الموضوع : الثقافـيلايمكننا الاحتفال باليوم العالمي للمرأة دون الحديث عن دور المرأة الكاتبة التي ساهمت في صنع مجد المرأة الجزائرية من خلال حضورها المتميز في الساحة الثقافية ، حيث قدمت للمكتبة العربية العديد من المؤلفات واستطاعت أن تشرف الجزائر وتسجل اسمها بحروف من ذهب في سماء الإبداع العربي والعالمي.

عقيلة.ر

تعتبر الأديبة زهور ونيسي من أبرز الكاتبات الجزائريات اللواتي ولجن عالم الكتابة في ظروف جد صعبة ، فكانت من أول المبدعات اللواتي كتبن عن الوطن فقرأنا لها " من يوميات مدرسة حرة " ، "لونجة والغول" ، "الرصيف النائم" ،"على الشاطئ الآخر"..

جاهدت ونيسي في ثورة التحرير وهي تحمل وسام المقاوم ووسام الاستحقاق الوطني، تقلدت مناصب عليا ثقافية وإعلامية واجتماعية وسياسية، منها عضو المجلس الشعبي الوطني في الفترة من 1977 إلى 1982م،وكانت أول امرأة تتقلد وزيرة للشؤون الاجتماعية ثم للتربية الوطنية،وكانت أول امرأة في الجزائر ترأس وتدير مجلة نسوية "الجزائرية" .

وإلى جانب زهور ونيسي برزت الأديبة جميلة زنير والتي اشتغلت لفترة طويلة في مجال التعليم قبل أن تتفرغ للكتابة فألفت العديد من الروايات والمجموعات القصصية نذكر منها " تداعيات امرأة قلبها غيمة" ، "أسوار المدينة"، "أنيس الروح" هذه الأخيرة التي أهدتها إلى ابنها الذي قضى في حادث تحطم طائرة، وقد عانت جميلة زنير كثيرا جراء هذه الصدمة التي تعرضت لها لكنها استطاعت أن تنبعث من حزنها مثل طائر الفينق وتعود بقوة إلى المشهد الثقافي في بلادنا فشاركت في الملتقيات الأدبية وأشرفت على العديد من الفعاليات ومن ذلك ترأسها للجنة تحكيم جائزة رئيس الجمهورية.

ولايمكننا أن نغفل اسم " أحلام مستغانمي " صاحبة الثلاثية الشهيرة " ذاكرة الجسد" ، " فوضى الحواس" ، " عابر سرير" وهي الحائزة على جائزة نجيب محفوظ عام 1982 عن روايتها ذاكرة الجسد التي سردت من خلالها حكاية عشقها الكبير لمدينة قسنطينة . واستطاعت أحلام مستغانمي أن تكرس لثقافة الاعتراف والتكريم من خلال رعايتها لجائزة مالك حداد للرواية والتي أرادت من خلالها تكريم الروائي الكبير مالك حداد وتشجيع الروائيين الجزائريين .

وللشاعرة ربيعة جلطي حضورها الكبير في مشهدنا الثقافي، فهذه المرأة التي قدمت من الغرب الجزائري تركت بصمتها في المشهد الثقافي من خلال نشاطها الكبير ، حيث وبفضل مجهودها عندما كانت على رأس صندوق دعم الإبداع رأت الكثير من أعمال المبدعين الشباب النور ، وأذكر أنها كانت متألقة جدا وهي تقرأ قصائدها في منصات الشعر ، كما أنها مؤسسة مهرجان الشعر النسوي الذي يجمع الشاعرات في مدينة من المدن الجزائرية ماهذه سوى نماذج للمبدعة الجزائرية التي تؤكد دوما أنها على استعداد دائم للمساهمة في بناء وطنها من خلال قلمها وأفكارها المتجددة وأنها قادرة على الإبداع والعطاء خاصة إذا وجدت الدعم والمساندة من أخيها الرجال .

ايوب صابر 05-26-2012 02:48 PM

مع الوزيرة السابقة والسيناتورة الأديبة زهور ونيسي
</B>Tuesday, June 24
الموضوع : حــواراتحينما علمت صاحبة "دعاء الحمام" الأديبة السيدة زهور ونيسي أن هذا الحوار هو لجريدة "صوت الأحرار" لم تتردد أبدا في أن تضرب لنا موعدا معها في بيتها الذي استضافتنا فيه بكل كرم، بل وصرحت لنا أن ثقتها في "صوت الأحرار" نابعة من أن القيم التي تستند إليها والمرجع الذي تستقي منه مبادئها هي نفسها مرجعيتها المتشبعة بروح الوطنية الصادقة التي ناضلت وضحت من أجلها، ولذلك تجدها قد تحدثت معنا زهور ونيسي بدون تحفظ لأنها تعلم يقينا أن أخلاقيات الذين يتعاملون مع "صوت الأحرار" ليس من مهمتهم زراعة الفتنة والشقاق بقدر ما مهمتهم هي أداء الرسالة الإعلامية المفيدة قبل كل شيء، وإن كانت هذه الغاية دونها صعوبات والكمال لله وحده.
حاورها: عدة فلاحي

س: نبذة مختصرة عن سيرتكم الذاتية، وعن واجبكم في المشاركة في معركة التحرير.

ج: بالتأكيد فإن القارئ يعرف اسمي الذي هو زهور ونيسي وأنا من مواليد 13 ديسمبر 1936 بمدينة قسنطينة من عائلة محافظة وعريقة في العلم والإصلاح، فوالدي رحمه الله تأثر كثيرا بالحركة الإصلاحية للشيخ عبد الحميد بن باديس ومتشبع بالثوابت الوطنية، وفي بداية حياتي درست في أول مدرسة أسسها بن باديس وهي جمعية التربية والتعليم للبنات، وفي تلك الفترة أي سنة 1954 تحصلت على الشهادة الابتدائية بتفوق وقد نشر لي في جريدة "البصائر" أول نموذج لمقال عن الامتحان الذي حزت عليه وبعدها تشجعت لكتابة مقالات كنت أبعث بها من البيت إلى أن توقفت "البصائر" عن الصدور.
وبعد اندلاع الثورة التحقنا بها لأن اهتمامنا كله كان بها، فناضلت في ولايتين وأنا معلمة، وعقب الاستقلال التحقت بجامعة الجزائر، ومن حسن الحظ سمح للمجاهدين وللمجاهدين بالالتحاق بالجامعة بعد المرور على مسابقة التي لا يمكن الاستهانة بها، لأن مستوى التعليم الحر في ذلك الوقت كان جد محترم وعلى درجة عالية، وقد كان من بين رفاقي السفير الحالي عبد القادر حجار والمجاهدة خديجة لصفر. وبعد حصولي على ليسانس في الفلسفة عملت دراسة معمقة في علم الاجتماع، كما أنني كذلك كنت نشطة في العديد من المنظمات الجماهيرية وعضوا مؤسسا فيها، مثل شبيبة جبهة التحرير والاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، كما أنني كنت عضوا مؤسسا للإعلام الوطني في ذلك الوقت، من بينها "الشعب "عندما عربت وجريدة "صوت الأحرار" والجماهير للطاهر وطار وجريدة "الثورة والعمل" و"المجاهد الأسبوعي"، ونسيت أن أذكر لك أنني من مؤسسي مجلة "الجيش" وقد نشر لي أول مقال بها سنة 1963،... إلى أن أسندت لي أول مجلة جزائرية نسائية وهي "الجزائريات" وهي اللسان المركزي لاتحاد النساء الجزائريات، أي أن هذه الفترة كانت مليئة بالحيوية والنشاط إلى درجة أنني رشحت من طرف جبهة التحرير الوطني لشغل عضوية المجلس الشعبي الوطني من سنة 1977 إلى سنة 1982 وفي نفس الوقت لم تنقطع علاقتي بالتدريس، وقد تعلمنا من مدرسة الأفلان أن الاستقلال ليس بغاية وإنما هو وسيلة لخدمة الوطن، والحمد لله خضت تجربة غنية لم أفقد فيها التوازن والتواضع وحب الوطن والإخلاص للشعب، وبعد المجلس الشعبي الوطني ونحن نتدارس قانون الأسرة، طلب مني شغل منصب كتابة الدولة للشؤون الاجتماعية، ولست أدري إن كان في الأمر ثوابا أو عقابا.


س: لقد توليتم حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة محمد بن أحمد عبد الغني سنة 1982، ما هي التجربة التي يمكن تلخصها لنا السيدة زهور ونيسي وبالخصوص أنها أول امرأة تقلد هذا المنصب؟ وما هو انطباعك الخاص حول الرئيس السابق الشاذلي بن جديد؟

ج: رغم خوفي وفزعي من هذه المهمة الجديدة على رأس كتابة الدولة للشؤون الاجتماعية ثم على الوزارة إلا أنني خضت بها تجربة رائعة وثرية وحظيت بالاحترام الكامل من أعضاء الحكومة وبالخصوص المجاهدين منهم وفي مقدمتهم الرئيس السابق الشاذلي بن جديد، ومن الذين اعتز بهم كثيرا كذلك الرئيس الراحل هواري بومدين بحيث كان حينما لا يجد اسمي في مجلة الجيش يوجه لي ملاحظة حول ذلك.


س: بعد ذلك تسلمتم وزارة الحماية الاجتماعية في حكومة عبد الحميد الإبراهيمي سنة 1984، في تلك الفترة تم سن قانون الأسرة الذي عدل لا حقا، ما هو دوركم في الإعداد للقانون السابق وما هي ملاحظاتكم على قانون الأسرة الجديد؟

ج: الأمر لذي يجب أن يعلمه الجميع أن المجلس الشعبي الوطني في ذلك الوقت كان يجمع عناصر وأطياف مختلفة، ابتداء من فئة الجامدين الذين يرون أي تغيير هو مساس بالدين وبالمبادئ إلى أولئك الذين يدعون للتغيير بدون تحفظ، وبالتالي تبقى القلة القليلة هي التي تحمل الأفكار الوسطية المتوازنة، وعليه كنا قلة بين هؤلاء، بحيث كنا نريد أن يكون قانون الأسرة صورة للمجتمع الجزائري العربي المسلم المتمسك بأصالته وجذوره في الثوابت الوطنية و الأخلاق والقيم و في نفس الوقت التطلع إلى التقدم، فمن السهل أن تكون متطرفا مع هذا وذاك ولكن من الصعب أن تكون معتدلا ومتوازنا في أفكارك، فحتى المحافظون كانوا يقولون "نحن لا نخاف من أولئك الذين يدعون على التغيير وإنما نخاف من زهور ونيسي التي تسهر وتعكف على الكتب الصفراء ثم تأتي في الصباح لتنسف كل تلك الأفكار التي اطلعت عليها..".
إذن العملية لم تكن سهلة وبالتالي أكرر ما قلته لك سابقا وهو حينما أسندوا لي حقيبة الشؤون الاجتماعية، لم أكن أدري هل كانوا يريدون أن ينقذوني من المجلس الشعبي الوطني أم كانوا يريدون أن ينقذوا المجلس مني، السؤال مطروح، ولكن ومع ذلك قانون الأسرة لحقنا إلى مجلس الوزراء وأعيد مرة ثانية قراءة القانون واصطدمت كذلك ببعض الأفكار المتطرفة مثل تلك التي كانت متواجدة في المجلس، فالدفاع يبقى دائما متواصلا وفي أي موقع كان فيه الإنسان، ولا يجب إطلاقا القبول بالأفكار المريضة الجامدة ولا يمكن القبول كذلك بالأفكار المستورة التغريبية التي تعمل على استلاب شخصيتنا، وأذكّر مرة أخرى أنني نتاج تكوين إصلاحي لتطهير المجتمع حتى يقوم بمهامه الكبرى في التحرير.
إن القانون هو نتاج المجتمع ما يحمله من تاريخ م تراث و قيم، ولنا من ذلك ما يجعلنا نفتح العالم ولكن هذا يتطلب نخبة من المجتهدين في كل عصر وفي كل زمان، أما عن قانون الأسرة الخير فيمكن القول أنني حضرت العديد من الجلسات بوزارة العدل حاولت من خلالها تبليغ رسالتي وأفكاري التي آمنت بها وهو ما دام الأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع، فأنا أعتقد أن العلاقة بين الرجل والمرأة لو تأسست على الحب والمودة والرحمة لتجاوزنا كثيرا من المشاكل.


س: بعد التعديل الوزاري و بتاريخ 18 فيفري 1986 أسندت لكم حقيبة التربية، الأمر الذي يدفعني لأسألكم حول المنظومة التربوية التي لم تستقر على حال منذ عقود، ما هي المراحل التي يمكن أن نحدد بها ملامح السياسة التربوية في البلاد منذ الاستقلال، وهل ترون أنها اليوم فعلا تبشر بغد مشرق لأبنائنا؟

ج: كانت تلك المرحلة التي تقلدت فيها مسؤولية قطاع التربية صعبة جدا، وبالخصوص أن دعوة القيادة إلى الإصلاح والتغيير جاءت بعد مدة طويلة من الجمود، بعد الاستقلال واجهتنا صعوبات كبيرة، واضطرت الجزائر للاستعانة بالكوادر العربية التي لها وعليها ولم نحقق بذلك إلى ما كنا نطمح إليه من تطور وتقدم، وعليه كان من الضروري تأسيس معاهد خاصة بتكوين الأساتذة لتدارك الفراغات والنقائص، كذلك التغيير السريع لبعض الوزراء للقطاع مرة وبقاء بعضهم لمدة طويلة على كرسي الوزارة كان من شأنه إضفاء المزيد من السلبيات على قطاع التربية.
أما أكبر مشكلة واجهتني بالوزارة فهي عندما شرعت في تغيير الوجوه القديمة التي عمرت بالوزارة والتي لم تقدم شيئا سوى أنها تشغل المكاتب من أجل الراحة وقراءة الجرائد، وبعد شروعي في المهمة واستماعي للعديد من وزراء التربية، تأكد أن الجزائر على الأقل تمكنت من تحقيق مبدأين أساسيين وهما: ديمقراطية التعليم والتعليم العلمي والتقني، أما بالنسبة للتعريب وللجزأرة فلم نكن لنصل إلى نتائج مرضية بعد.
أنا من دعاة الإصلاح ولكن بشروط، فهؤلاء التلاميذ أبناؤنا لا يجب أن يتحولوا إلى حقل تجارب كل سنة..، أين هي لجنة إصلاح المنظومة التربوية؟ وكيف اختيرت الأسماء التي شاركت في هذه اللجنة؟ وللأسف أنها اختيرت بشكل سياسي، فالتركيبة كانت سياسية بالدرجة الأولى، لا هي تربوية ولا تعليمية ولا هي ثقافية، إذن وكأننا جمعنا وجوه الصراع في سلة واحدة في مرحلة شاهدنا فيها بداية الانفتاح على التعددية السياسية والإعلامية وبالتالي سقطنا في أخطاء لا يغفرها المجتمع وبالخصوص الكبيرة منها، إذن على الحكومة أن تسهر على قطاع التربية وتسد كل الثغرات والنقائص وتجعل من إطار التربية أهم إطار في الجزائر لأن الاستثمار البشري هو قبل كل شيء.


س: قبل التجربة الوزارية في الجهاز التنفيذي انتخبتم عضوا في المجلس الشعبي الوطني خلال الفترة التشريعية ( 1977-1982)، كيف تقييمون هذه التجربة في عهد الحزب الواحد، وبالخصوص وأننا أدركنا أن عهدكم في الحزب الواحد بالمجلس الشعبي الوطني كان أحس حال من عهد التعددية من حيث الحراك و المواقف التي كانت تتخذ من قبل النواب؟

ج: أنا أثمن كلامك فالمجلس الشعبي الوطني في تلك الفترة لم يكن برلمان " بني وي وي"، كان أعضاء المجلس يتنافسون على من يأتي بالجديد وبالدفاع عن القيم الجميلة وللدفاع عن حقوق المواطن وعن تطلعاته، وكان النواب آنذاك مقدمين على الوزراء بحيث كان الوزير يحسب ألف حساب حينما يقف أمام النائب، وهنا دعني أروي لك واقعة، وهي انه قدم لنا بالمجلس مشروع قانون يلغي المنحة الخاصة بالأطفال( المنح العائلية) بالنسبة للموظفين و إحلال محلها صندوق وطني للطفولة بكامل احتياجاتها، فوقفت حينها أثناء المناقشة وقلت: لماذا تلغى المنح العائلية ولا نقدم على إلغاء مصاريف الرفاهية التي يتمتع بها الوزراء ومن السيارات التي يستخدمها الوزراء ومن الفخفخة المتفشية بين الوزراء... وفي إحدى المناسبات وخلال زيارة قام بها العقيد القذافي للجزائر دعي فيها لمأدبة غذاء بالبرلمان وبينما الرئيس الراحل بومدين برفقته العقيد القذافي قال له: "هذه زهور ونيسي مجاهدة وكاتبة وعضو بالبرلمان.. ولكن لسانها طيل..."، فالرئيس بومدين رحمه الله كان يشجع الشجاعة ولا يحبذ الاستكانة والخنوع...وفي نفس المناسبة وبحضور النائب المرحوم موسى أخاموخ، قال القذافي عنه "هذا من عندنا، يقصد أخاموخ من التوارق"، فنطق بومدين موجها كلامه لأخاموخ قائلا: "موسى، قال السيد العقيد أنك من عندهم؟"، فرد عليه أخاموخ: "أوّاه، أنا من الجزائر"، إذن أعود و قول أن المجلس الشعبي الوطني آنذاك كان يقوم بدوره.


س- من خلال عضويتكم بمجلس الأمة سنة 1997، كنتم من ضمن المجموعة البرلمانية التي تشكل الشعبة المغاربية لاتحاد مجلس الشورى المغاربي، ما هي في نظركم معوقات الاندماج المغاربي، وهل تعتقدون أن مشروع الاتحاد المتوسطي سيكون بديلا لمشروع المغرب العربي الذي هو قبل كل شيء مطلب شعوب المغرب العربي؟

ج) إن النية والإرادة والإيمان في بناء المغرب العربي الموحد لدى الجزائر صادقة، منذ ما قبل الاستقلال ومواثيق الثورة شاهدة على ذلك، مع ذلك يمكن القول أن مشكلة الصحراء الغربية هي إحدى العوامل التي تقف في وجه هذه الوحدة، ولو عملت دول جامعة الدول العربية وأخذت مسؤوليتها بالاعتراف بالصحراء الغربية كدولة، في إطار حق تقرير المصير، لتجاوزنا هذه المعضلة ودخلنا في عهد جديد، لكن المساومات والمصالح تدخل في هكذا معارك، وبقي الأمر هكذا حتى جاء الوقت الذي يراد فيه الالتفاف على حلم الشعوب المغاربية، باقتراح المشروع المتوسطي الذي هرولت وهللت له كل من تونس والمغرب، فالمشروع المتوسطي الذي هو مشروع استراتيجي له أبعاد متوسطة وبعيدة الأمد، هو في اعتقادي محاولة للتطبيع مع إسرائيل، فخلق المشاكل والقلاقل مثل ظاهرة الحراقة والتنصير داخل الدول المغاربية وبالخصوص الجزائر، هو من أجل دفعها للإسراع بالقبول للارتماء في أحضان الغرب كمخلص ومنقذ والحقيقة هي غير ذلك، وبالتالي لا بد من اليقظة والحذر.


س- لو طلبنا من السيدة زهور ونيسي أن تلخص لنا التجربة الإبداعية النسائية في الجزائر، ماذا تقول؟

ج) التجربة الإبداعية في الحقل النسائي جعلتني محل تزاور مع العديد من الشابات المبدعات من الجيل الجديد من الجامعات، أما عن أبناء جيلي فلم يستمروا في مواصلة الكتابة ومنهن من كانت تكتب على صفحات جريدة البصائر، ثم توقفن مثل مليكة بن عامر وليلى بن دياب، إذن لم يبقى سوى المتحدثة وآسيا جبار، هي تكتب بالفرنسية وأنا أكتب باللغة العربية، وبعد سنوات جاء جيل أحلام مستغانمي التي درست عندي بثانوية عائشة، والأمل معقود على هذا الجيل الجديد المليء بالنشاط والحيوية الذي يحصد العديد من الجوائز حتى خارج الوطن.


س- ما هو تقييمك لمبدعات المهجر: آسيا جبار، أحلام مستغانمي، فضيلة الفاروق...وهل يعبرن ويعكسن فعلا واقع ونبض الإنسان الجزائري بعد القطيعة الجغرافية التي عقدنها مع الجزائر؟

ج) ماذا أقول لك، ربما آسيا جبار لها مبرر قوي لمغادرة الجزائر والإقامة في الخارج، بحيث أنها رحلت في عنفوان الدعوة إلى التعريب، أما عن أحلام مستغانمي وفضيلة الفاروق، فقد تزوجت كل منهما من لبناني ومن المعقول أنهما تتبعان أزواجهن، وربما يجدن ما يلبي طموحهن في الشهرة أكثر من تواجدهن بالجزائر، فالظروف لها أحكامها وهنا لست أدري بالضبط أهو اغتراب أدبي فقط، أم هو شيء آخر غير ذلك؟ لست أدري، ومن حق المبدع أن يكبر ما يريد وكيف يشاء، حتى وإن كان بعيدا عن وطنه، لكن ليس من حقه السب والشتم، إنما من حقه أن ينتقد دون أن يشيع صورة سيئة عن بلده في الخارج وهو غير متحكم في تصوره للأوضاع كما يجب.


س-لكن ماذا تعلقين عندما تستغل الروائية فضيلة الفاروق كل مناسبة إعلامية لسب الجزائر سلطة وشعبا، وعندما يقال أن آسيا جبار تكتب كذلك تحت الطلب للشهرة وكسب الجوائز وبالخصوص في فرنسا؟

ج) نعم تتبعت تصريحات فضيلة الفاروق الإعلامية، التي تهجمت فيها حتى على قيم المجتمع الجزائري وربما هي كذلك، مثلها مثل آسيا جبار، تكتب تحت الطلب، حتى وإن كانت مقيمة في دولة عربية شقيقة، لكن للأمانة في المدة الأخيرة، يمكن القول أن آسيا جبار راجعت الكثير من أفكارها، فلما دعيت لحفل تكريم آسيا جبار، لتسليمها جائزة السلام بألمانيا وجدتها عادت وبشكل ملحوظ إلى الإطلاع على الكتب الصفراء ووجدتها كثيرا ما تستشهد بالترميذي، البخاري، طه حسين، وبالمصادر الإسلامية، هذا يعني أنها عادت إلى ثقافة ودين مجتمعها، هنا لا بد أن تسأل الظروف التي في كثير من الأحيان هي التي تصنع القرارات، لكن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وقد جاء في أحد قصصي وأن قلت أنه: حتى وإن قدروك..حتى وإن احترموك..حتى وإن أوهموك أنك صاحب حقوق مثلهم..حتى وإن لم يتدخلوا في شؤونك الداخلية..فإنك لا تستطيع أن تمنع نظراتهم إليك كأجنبي".


س-ما هي التحولات الإبداعية التي طرأت على الروائية زهور ونيسي بعد دخول الجزائر عهد العشرية الحمراء، التي راح ضحيتها بعض الروائيين والمسرحيين، دون أن نسقط الآخرين من القائمة طبعا؟

ج) في هذه الفترة أحلت فيها على التقاعد، الأمر الذي مكنني من أن أقرأ كثيرا، وفعلا الأمر يدعو إلى المرارة والأسى وأصارحك أن فترة العشرية الدموية غيرت كثيرا من ذهني ومن مشاعري، إلى درجة أنني فقدت فيها الأمل وشعرت بالإحباط وراودني الحزن الشديد، بالخصوص حينما أستذكر المحطات الوطنية التاريخية من الثورة الجزائرية، التي ضحى من أجلها الشهداء بالنفس والنفيس، وقد جاء ميلاد روايتي "لونجا والغول" سنة 1996 نتيجة هذا المخاض العسير.


س-هل لك مساهمات شعرية وهل لازال الشعر هو ديوان العرب، أم أن الرواية بدأت تزحزحه من مكانته؟

ج) بلا، أكتب الشعر على النمط العمودي والحر وكثير من الرسائل التي تصلنا أرد عليها بالقصائد الشعرية، لكن لا يوجد عندي ديوان مطبوع خاص بأشعاري، أما أن الشعر لازال ديوان العرب فأعتقد أن الشعر والرواية كل يكمل الآخر، بالخصوص إذا كانا في خدمة القضايا الوطنية والقومية.


س- أنت كمبدعة، كيف تحللين غياب النقد عن الساحة الثقافية، هل ذلك لأنه يحتاج إلى ملكة ومهارة معينة لم نصل إلى مستواها ولماذا غياب المرأة الناقدة عن المشهد الثقافي الجزائري بالخصوص؟

ج) بطبيعة الحال الشروط التي ذكرتها مطلوبة في الناقد، ويجب على الناقد أن يكون فنانا مرتين حتى يمكنه أن ينتقد الآخرين، ويمكنني أن القول أن النقد اليوم أضحى مقتصرا على البحوث والدراسات الأكاديمية بالجامعة، في الوقت الذي كان فيه النقد سابقا ومنذ عهد الاستقلال على صفحات الجرائد، والشيء الذي يجب ملاحظته أن هناك نفاقا ومجاملة فيما بين بعض الكتاب، الذين يروجون لبعضهم البعض بالحق وبالباطل، وهناك من يضيق صدره بالنقد وكأنه مساس بكرامته، في الوقت الذي يجب أن يتعامل مع النقد بطريقة إيجابية، لتقويم وتصحيح بعض الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها المبدع أو الكاتب بصفة عامة، وبالمناسبة وجهت لي دعوة من سوريا وفي إطار "دمشق عاصمة الثقافة العربية" للمشاركة في الملتقى، الذي سينظم تحت عنوان "أدب زهور ونيسي"، حينما شرعت في جمع النصوص النقدية التي تناولت إبداعاتي وكتاباتي وجدت أغلبها قد كتبت قبل تسعينيات القرن الماضي، أما بعد ذلك فلم أعثر إلا على النزر اليسير وكأن كل شيء تعطل بسبب السنين العجاف التي عشناها، الآن فقط بدأنا نلتقط الأنفاس، كنت أجد سعادة بالغة حينما يتناول الأستاذ جنيدي خليفة قصصي بالنقد والتشريح الذي يطبعه بالكلام الجميل والنظيف وبموضوعية صادقة، فكما ذكرت لك يوجد بعض الأسماء المحترمة في عالم النقد مثل جنيدي خليفة، الدكتور عبد الله الركيبي، الدكتور عمر بن قينة وغيرهم، وبعد أن سلمتها له، عمل الروائي عز الدين جلاوجي على جمع بعض الدراسات النقدية، التي تناولت إنتاجي في كتاب بعنوان "زهور ونيسي..دراسات نقدية في أدبها" طبع في إطار "الجزائر عاصمة الثقافة العربية".


س-ما هو رأيك حول أدب الجنس وكيف تعلقين على ما قاله الروائي جلالي خلاص من" أن الرواية الخالية من الجنس هي رواية متخلفة" وما هي الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها في مجمعاتنا العربية؟

ج) هذا رأيه الخاص ووجهة نظر هو حر فيها، لكن أنا لا أؤمن بها، يمكن أن تتطرق القصة أو الرواية وتخوض في كل شيء له علاقة بالإنسان، لكن بلغة راقية وجميلة، لا تخدش الحياء أو تمس بكرامة الإنسان، وحتى في الجنس يمكن أن نتكلم، لكن في إطار سام، رسالة المبدع هي أن يرتفع بالقارئ لا أن يهوي به إلى الأسفل، وأنا على رأيك حينما تقول، بأن الروائي بقطاش صرح لك بأن رواية الجنس تجاوزها الزمن...الذي لا يستطيع أن يتحكم في ناصية اللغة تحكما كاملا، هو الذي يلجئ للرواية الجنسية بالطريقة الجارحة.


س-هل اللغة العربية فعلا تحمل جينات الإرهاب كما يقول الفرانكفونيون، وما هو تعليقك حول تعطيل تطبيق قانون اللغة العربية عبر معظم مؤسسات الدولة؟ وهل فعلا المرحوم مصطفى الأشرف هو الذي صفى التيار العروبي من المراكز الحساسة في الدولة؟

ج) الذين يقولون بأن اللغة العربية تحمل جينات الإرهاب هم أعداء الجزائر وأعداء العروبة والإسلام، فأطروحة الغرب بالأمس واليوم هي التي تروج لذلك، اللغة العربية بعيدة كل البعد عن العنف والإرهاب، لا توجد لغة عبر العالم فيها من الرقة، اللطف، الشاعرية والشفافية مثل اللغة العربية، أما عن مصطفى الأشرف المجاهد والمناضل، فلا يسعني إلا أن أقول أنه من المثقفين القلائل الذين أنجبتهم الجزائر، وقد كانت محاولات الإصلاح التي أراد أن يدخلها على المنظومة التربوية تجمع بين الصالة والمعاصرة، مع ذلك لم يمكث طويلا في قطاع التربية حتى يحمل مسؤولية ما ذكرت، ولو كان الأشرف صوت الفرانكفونيين لما قبل به الرئيس الراحل بومدين ووضعه على رأس وزارة التربية.


س- هل تعتقدين وأنت صاحبة اللسان العربي البليغ، أن الأدب المكتوب باللسان الفرنسي هو من الأدب الجزائري؟

ج) بطبيعة الحال اللغة هي المعبر عن الفكر، لكن حينما يكتب الجزائري باللغة الأجنبية على العموم دون أن نقتصر في الحديث على اللغة الفرنسية..، يجب أن يكون المحتوى وطني جزائري وبيقين وعقيدة جزائرية، أما إذا استخدمت لغة أجنبية والمحتوى لا علاقة له بالوطن، فلا يمكن أن ننسب هذه الكتابة أو هذا الأدب للجزائر، مع ذلك وإذا أردنا تقييم الأمور فليس كل الكتابات باللسان الفرنسي هي كتابات وطنية، لأن عقدة الأجنبي لازالت متعلقة ببعض النفوس الضعيفة والمريضة، هنا بالجزائر أو على مستوى الوطن العربي.


س- في المدة الأخيرة بعض الأصوات تدعوا إلى الانفتاح على العالم وعلى الثقافات المتعددة دون عقدة دينية أو قومية كما يدعون، هل تؤمن الأديبة بشيء اسمه الأدب اليهودي وما رأيك حول الترجمة(الأدبية والفكرية العربية) من وإلى اللغة العبرية؟

ج) أقسم السؤال إلى شقين، أولا: الترويج يدخل في إطار سياسة العولمة، بالدفع إلى التطبيع الثقافي، مع ذلك يمكن القول أن الترجمة ضرورية حتى يمكن الإطلاع وكشف أفكار الآخرين، بغض النظر عن هويتهم الدينية والقومية، فالمثقف اليهودي يروج فقط للقرآن الكريم، من خلال استخراج الآيات التي تتحدث عن اليهود وأفعالهم عبر التاريخ، وكيف يجب التعامل معهم حتى يظهروا للعالم حسب زعمهم، كيف أن القرآن كتاب المسلمين يدعوا للعنف وللإرهاب، أما عن ثقافتنا الحضارية السمحة المسامحة، فإنه لا يعمل على ترويجها، بل بالعكس يجتهد في أن تكون الثقافة العربية الإسلامية مجهولة في الغرب حتى يمكن تزييفها وتحريفها، إذن فإذا كان "أبا إيبان" وهو الذي كان وزير خارجية إسرائيل، متخصصا في الأدب العربي، فمن الواجب علينا أن نكون مطلعين نحن كذلك على ما يكتبه اليهود وغيرهم، وهذا لا علاقة له بالموقف السياسي من إسرائيل، التي أغتصب الأراضي العربية بالقوة والتي ندينها على ذلك ونقاومها بكل ما لدينا من أسلحة مشروعة.


س- ونحن نتحدث حول هذا الموضوع، هل توافقين على أن يخصص بجامعاتنا فصلا "موديل"، لدراسة الأدب اليهودي من باب المعرفة؟

ج) لا يمكنني أن أطالب أو أوافق على ذلك، لأنه يعتبر تطبيعا مباشرا من قبل مؤسسة رسمية للدولة، لكن كفعل يدخل في الترجمة فلا بأس من ذلك، وهنا دعني أروي لك أنه في إحدى زياراتي لباريس بصحبة زوجي، شاهدت فيلما بعنوان" الليمونات" من إخراج شخص يهودي، أسند فيه الدور الرئيسي لممثلة سورية كانت تلعب سابقا الأدوار الثانوية، خلاصة القصة أن امرأة عربية مات زوجها شهيدا وترك لها حديقة من الليمون، فيأتي الوزير الإسرائيلي المجاور لها وللحفاظ على سلامته الأمنية يستولي على ذلك الحقل ويقحم فيه حرسه مما جعل الليمونات تذبل وتموت، وبالتالي تدخل تلك المرأة صاحبة الحقل في معركة قضائية مع الوزير لاسترجاع حقها، وبعد أمد طويل لا تحصل على حقها إلا من عند زوجة الوزير، الفيلم ناطق باللغة العربية وبالعبرية ومترجم إلى الفرنسية، الفكرة التي تخرج منها وأنت تشاهد هذا الفيلم الرائع، أن هذا اليهودي صاحب الفيلم هو ضد الإسرائيليين وضد الاستيطان الغاشم، إذن لا بد من الاستفادة من مثل هذه الأعمال ولا بد الاجتهاد للعمل مثلها أو أحسن منها، في الدفاع عن قضايانا العادلة بدل الاكتفاء بالخطب والثرثرة، لا بد أن نكون إيجابيين وفاعلين في كل الجبهات، وسياسة الكرسي الشاغر غير مفيدة وغير حكيمة ولا مجدية.


س- سيدتي وأنت تدعين للترجمة أجد ربما إشكالا في الموضوع، وهو هل تتركين هذا الأمر للمبادرات الفردية للمختصين وللمثقفين كأفراد، أم أنك تتركينه كذلك للمؤسسات، مثل المعهد العربي للترجمة الذي مقره هنا بالجزائر؟

ج) بإمكان المعهد العربي للترجمة أن يقوم بمهمة الترجمة ولا اعتراض على ذلك، لا أرى أن لذلك علاقة بالتطبيع، لأن مهمة المعهد هي الترجمة من وإلى جميع اللغات، ربما قد أكون على غير صواب وغير ملمة بحيثيات الموضوع، لكن كمثقفة أرى أنه من الضروري ترجمة كل ما يكتب عنا وكل ما يجعلنا نعرف ما لدى الآخرين من منتوج في عالم المعرفة.ذ


س- وهل توافقين على تدريس اللغة العبرية من باب "من عرف لغة قوم أمن شرهم"؟

ج) والله دعني أذكر لك بعض الرموز وبعض الأسماء العملاقة التي كانت تتقن أكثر من لغة، بما فيها العبرية ومنهم عبد الحليم بن سمايه، الفنان عمر راسم وأستاذ الشيخ بن باديس حمدان لونيسي، فهل يمكن أن نشك في وطنية وأصالة هؤلاء، مع ذلك لا يمكنني أن أجيبك عن السؤال بنعم أو بلا، لأن المسألة محفوفة بكثير من الشبهات وتحتاج إلى إحاطة مستفيضة من التفكير والمشورة.


س- سيدتي زهور، لكل مبدع أو كاتب طقوس وعادات، ما هي طقوس الكتابة الروائية في حياة المبدعة زهور ونيسي؟

ج)( تبتسم السيدة زهور) أنا أضع في كل غرفة من غرف البيت، دفترا وقلما، ومتى حضرتني الفكرة دونتها حتى لا تضيع مني، أما كطقوس فأنا متفرغة للكتابة منذ صغري ولا أضيع وقتي كثيرا في الثرثرة وحضور مناسبات الأعراس، كما تفعل معظم النساء، فعندي نوعا من الموضوعية والمنطق في تسيير الوقت، فروايتي" جسر للبوح وآخر للحنين" هو نص تأبيني عن المرحوم "أبو العيد دودو" الذي كان يناديني بالكاتبة الماجدة، فالكتابة عندي تأتي بدون ضغوط وهي بالنسبة لي صناعة.


س- ما هي مشاريعك المستقبلية التي ننتظر ميلادها عن قريب؟

ج) أنا أشتغل منذ حوالي ثلاث سنوات على مسلسل حول الإمام عبد الحميد بن باديس، بعنوان "على خطى بن باديس"، وبكل صراحة هذا العمل أخذ من وقتي الكثير وأجهدني، لأن العمل يتناول حياة بن باديس منذ ولد إلى أن توفي، آخذا بالاعتبار كل الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي كانت في زمانه، بحيث أنه عمل إبداعي من جهة ويحتاج إلى توجيه من التاريخ، الذي لا يجب التلاعب به في التعاطي مع الفواصل الزمنية الدقيقة، بخلاف كتابتي الروائية التي عندي فيها الحرية المطلقة، بحيث أنا التي أمتلك الزمان والمكان، أما الكتابة الإبداعية التاريخية، فأنا رهينة الزمان والمكان وهذا هو الفرق بين العملين، هنا لا بد التوجه بالشكر لما قامت به وزارة المجاهدين من مجهود في طبع المراجع التاريخية للجزائر والشكر والتقدير موصول كذلك للدكتور أبو القاسم سعد الله، فلقد استعنت كثيرا بموسوعته الرائعة "تاريخ الجزائر الثقافي" في كتابة نص "بن باديس".


س- ما هي علاقك بالشيخ بن باديس وسر اهتمامك به؟

ج) العلاقة في ذلك أن والدي درس عنده، فقد كان بن باديس يعقد دروسا خاصة بالنساء في قسنطينة بين صلاة العصر وصلاة المغرب، أما والدي فقد كان يمحو أميته بالدراسة بعد صلاة العشاء، فهو لم يكن يحفظ سوى القرآن الكريم، أما العلاقة العائلية فيمكن القول أنها كانت متينة وصلبة وبينهما مصاهرة، حتى أستاذ الشيخ بن باديس وهو الشيخ حمدان الونيسي، فهو أحد أجدادي من العائلة، زيادة على أننا منذ البداية درسنا في أول مدرسة أسست لجمعية العلماء المسلمين وهي جمعية التربية والتعليم بقسنطينة، وأنا اليوم نائبة رئيس مؤسسة بن باديس .


س) ما هو رأيك باختصار حول بعض الأسماء:

مالك حداد: هذا الرجل لما عرفناه فقدناه كما قال الشيخ بن باديس عن ابن شنب، هذا الرجل الذي يكتب بالفرنسية ومع ذلك لا يتبجح أنه أفضل من الآخرين، بل يقول : أنا منفي في اللغة الفرنسية، وحبه لقسنطينة مثل حبي لها، وقد عملت تحت إشرافه كأمين عام لاتحاد الكتاب.
_ كاتب يس:كتاباته جميلة جدا، وقد كان وفيا لقناعاته، ولا بد وأن نعتز به ككاتب جزائري في الوقت الذي سبقنا بالاعتزاز به أناس آخرين في المشرق العربي، وأنا أفرق بين الإبداع والإيديولوجية للشخص.
_ الطاهر وطار:هذا رفيق عمري في الكتابة الأدبية، وهو أمة أدبية كبيرة تعتز بها الجزائر، ويعتز بها أصحاب المبادئ التي أؤمن بها أنا.
_ وسيني لعرج: هذا همزة التواصل بين الأجيال، وقامة أدبية وأكاديمية يجب تقديرها.
_ يسمينة خضرا: كتاباته تتميز بنوعين أو بطبعتين، كتابة تحت الطلب وأخرى لها شكل آخر، ربما ردود أفعال الآخرين تجعلنا نراجع كثيرا من الأفكار الخاطئة.
_ أمين الزاوي: هذا اسميه أنا الأديب الأنيق، صاحب الارتجال المبدع، هو من النوع الذي لا يعرف أن ينطق بكلمة جافة جارحة، فكل كلماته فيها ليونة، رقة، حب، ابتسامة وأمل..


أعمال الأديبة زهور ونيسي

- "الرصيف النائم" قصص 1967
- "على الشاطئ الآخر" قصص 1974
- "من يوميات مدرسة حرة" رواية 1978
- " الظلال الممتدة" مجموعة قصصية 1982
- "لونجا والغول" رواية 1996
- "عجائز القمر" قصص1996
- "روسيكادا" قصص 1999
- "نقاط مضيئة" مجموعة مقالات 1999
- "جسر للبوح وآخر للحنين" رواية 2007
- "دعاء الحمام" (2008) النص اقتبس مسرحيا وعرض بالجلفة.

ايوب صابر 05-26-2012 02:50 PM

الشروق” في بيت عميدة الروائيات في الجزائر زهور ونيسي
تخلينا عن أهم نجاح للثورة الجزائرية بتقصيرنا تجاه العربية


2009.03.03

زهية منصر
http://www.echoroukonline.com/ara/th...article_medium
زهور ونيسي

ما تزال تحتفظ في تفاصيل وجهها بصرامة جيل من النساء ناضل كثيرا من اجل فرصته في الحياة والوجود، كانت أول امرأة كتبت الرواية في الجزائر بالعربية وأول وزيرة في النظام الجزائري رغم ارثها النضالي والثوري والأدبي الكبيرة ما تزال تحافظ على تواضعها واتزان حديثها.
  • إنها السيدة زهور ونيسي التي استقبلتنا في بيتها على طعم قهوة قسنطينية المذاق والتقاليد وفتحت أمامنا دفاترها القديمة في جلسة حميمية استعادت خلالها صاحبة “يوميات مدرسة حرة” بعض ذكرياتها ومواقفها المختلفة في صبيحة هادئة في بيتها الذي يحتفظ بين جدرانه بعبق الثقافة ونضال الزمن الأصيل.
  • عندما تتحدث السيدة ونيسي عن مسارها بين مختلف المناصب والمهام التي مارستها تتحدث بتواضع كبير قل ما نجده في زماننا فتقول إنها لم تؤدي خلال كل تلك المراحل إلا واجبها بنفس الشغف وروح المسؤولية والخوف أيضا من عدم تأدية هذا الواجب فكانت أديبة، صحفية، مدرسة، وزيرة ونائبة بالبرلمان، وهو الحس الذي ظل يلازمها حتى عندما تكتب نصوصها بنفس درجة الإحساس بالمسؤولية في مواجهة الرجال في المجالس العليا والمناصب الكبيرة التي أسندت إليها، وعنها تقول “كل مهمة من هذه المهام أضافت لي تجربة وخبرة وعلم كنت أفتقده وأعتبر نفسي محظوظة لأني استطعت أن أكون في كل هذه المناصب أنا نفسي كما هي بصراحتي وإمكانياتي“.
  • عندما تتحدث إلى هذه المرأة يصعب كثيرا أن تثيرها أو تدفعها لإثارة مهما كانت جرأة أسئلتك وخبثك الصحفي، بساطة لأنها امرأة مارست الإعلام في زمن كانت فيه للكلمة هيبتها وخبرت دهاليز السياسة والحكم، لذا فهي تتجنب الجزم والقطع في إجاباتها وتترك دائما هامشا للاحتمال والتقدير.
  • لا تتردد كثيرا السيدة ونيسي في الدفاع عن تراث المدرسة الأصيلة الإصلاحية التي كانت إحدى خريجاتها كتلميذة في مدارس ابن باديس ثم كرائدة من رائدات التعليم الحر في الجزائر، لذا ترفض التهمة التي تلصق بهذه المدرسة في رعاية وإنجاب الإرهاب، لأن الرهان الذي رفعته الجزائر بعد خروج فرنسا هو فتح المدارس في فجر أول استقلال.
  • “ظاهرة الإرهابجاءت من الخارج لأنها ربما كانت رد فعل لظروف أخرى لأن الفعل المتطرف لا ينتج إلا التطرف. وعليه فالإرهاب لم يأت من المدرسة الجزائرية، والذين يقولون بذلك هم أعداء اللغة العربية والمدرسة الوطنية، والظاهرة بدأت قبل الثمانينيات عندما خرج تلامذة مدرسة ديكارت ينادون بالتاريخ في المزبلة، والفكر الوهابي جاءنا من أفكار بعض الأفغانيين الذي جاؤوا للجهاد في الجزائر من بعض البلدان الإسلامية الأخرى” على العكس من ذلك تماما ترى صاحبة “اللونجة والغول” أن “ما وصلت إليه الجزائر اليوم هو جزء من المؤامرة التي حيكت بعد الاستقلال ضد الاتجاه الإصلاحي.. التهمة لا تلصق بالمدرسة الإصلاحية في خلق الإرهاب بل التهمة تسلط على الذين همشوا الحركة الإصلاحية بعد الاستقلال فلو أنهم احترموا الحركة الإصلاحية وروحها بأصالتها وتفتحها لما وقعنا في ما وقعنا فيه”.
  • فالحركة الإصلاحية أزيلت من كل ما من شأنه أن يبني هذه الجزائر. الحركة الإصلاحية كان على رأسها ابن باديس وهو أول من دعا إلى تعليم البنات. في هذه المدارس كنا نجلس البنات إلى جانب الأولاد بدون عقدة، وكانت الحصانة هي الأخلاق وحسن التربية، ولم تكن يومها مسألة الحجاب مطروحة، كنا نلتزم بالسترة وبقينا إلى اليوم لا نتبرج في حركاتنا ولا في كلامنا ولا في لباسنا، كانت الحصانة يومها الأخلاق والتربية وليس الحلال والحرام. والحركة الإصلاحية التي همشت بعد الاستقلال هي التي حافظت على الروح الوطنية والشخصية الجزائرية والهوية الوطنية، وهي التي دفعت بالكثير من تلامذتها وأتباعها إلى اعتناق الثورة وحافظت على الحس الوجداني والوطني في هذه الجزائر، ربما لهذا حوربت بعد الاستقلال” تلك الحرب التي أرجعتها المتحدثة إلى جزء من صراع الاتجاهات على افتكاك المناصب والمنافع ورحلة البحث عن المصالح “ما رأيناه بعد الاستقلال لم يحدث حتى في وقت الحركة الوطنية قبل الاستقلال” لهذا ترى الوزيرة السابقة للتربية في نظام الشاذلي بن جديد أن الإصلاحات التربوية في الجزائر لم تكن خيرا كلها ولم تكن شرا كلها، وأن مسيرة التعريب في الجزائر لم تفشل لكنها تعثرت، ولم تكتمل بل تمت توقيفها، مذكرة بجهود مولود قاسم نايت بلقاسم في هذا المجال “فالدور الذي قام به مولود قاسم نايت بلقاسم في الإدارة لا يمكن تجاهله، وكنت يومها في وزارة الحماية الاجتماعية، وكان كل من في القطاع مستعدا للتعريب لكن المسيرة توقفت” في هذا المقام ترى السيدة ونيسي أننا “نتهاون كثيرا اتجاه العربية لأنها إحدى أهم مبادئ السيادة” وتشدد الوزيرة السابقة للتربية على وجوب احترام العربية كلغة رسمية للبلاد المكرسة بنص الدستور خاصة في معاملاتنا الإدارية، لأننا بتهاوننا تجاه لغتنا “نتنازل عن أهم نجاح للثورة الجزائرية” ورغم أن الأستاذة زهور ونيسي لم تستبعد تواطؤ التيار الفرانكفوني النافذ في دهاليز الإدارة في إعاقة مسار التعريب لكنها تؤكد من جهة أخرى أن “التطرف لا ينتج إلا التطرف“.
  • زهور ونيسي التي جمعت بين صرامة المناضلة وحس الكاتبة ترفض أن تدخل حزب جبهة التحرير الوطني إلى المتحف وتؤكد أن لهذا الحزب ما يقوله في عهد التعددية “طالما أن له امتدادات وقواعد شعبية” استمدها من تاريخه النضالي، ومع هذا تؤكد أنها تمارس نقدا لاذعا في بعض الأحيان للحزب ولا تتردد أن تقول “بقيت الوحيدة التي لم تتنكر لحزب جبهة التحرير في الوقت الذي اختار البعض تغيير الوجهة“.
  • في هذا الحزب خاضت النضال واستوزرت باسمه وخاضت أيضا معارك عدة منها معركة قانون الأسرة الذي يتهمها فيها البعض بأنها تواطأت فيه مع المنصب ضد مصالح النساء عن هذه الأحداث تروي قائلة “يومها كنا 10 نائبات في البرلمان وكنت الوحيدة يومها التي واجهت وتغلبت على التيار المتطرف في المجلس الشعبي الوطني بحيث كنت أسهر على الأخذ من أمهات الكتب ومن فقه السنة والتفاسير والأحاديث التي تؤيد حقوق المرأة، لذا كان التيار المتطرف داخل المجلس الشعبي الوطني يخافني أكثر مما كان يخاف المتطرفين من الجناح الآخر خارج المجلس، ومشروع قانون الأسرة جاءنا يومها من الحكومة في قراءة ثانية، وكان معي بعض الزملاء الوزراء الذين كانوا نوابا بالمجلس الشعبي الوطني، ووقع بيني وبينهم نفس الصدام، فأصحاب هذه الإشاعة هم أصحاب التيارات التغريبية المتطرفة التي جاءت بعد الانفتاح السياسي ليس لها أي هدف إلا مهاجمة التيار الوطني الإصلاحي النظيف الذي يعمل على تكريس حرية المرأة واحترامها لأصالتها ولتميزها كعربية وأمازيغية مسلمة” من هذا المنطلق ترى المتحدثة أن مشكلة المرأة الجزائرية اليوم ليس مع القوانين بقدر ما هي في العقليات وبعض “الذهنيات المريضة لبعض الرجال ومن سلبية المرأة أيضا تجاه واقعنا لأننا اليوم نجرجر حصيلة سنوات الانحطاط في المجتمعات العربية بكل ارثها” وترى المتحدثة أن إيمان المرأة بنفسها هو جزء من إيمان الغير بها، لهذا كانت بالأمس للاتحاد الوطني للنساء الجزائريات امتدادات شعبية كبيرة “كنا نجند نساء السفراء العرب لمحو أمية الجزائريات عبر القرى، ومن بينهن السيدة هاجر صادق حرم السفير السوري بالجزائر، ولولا الدور الكبير لتلك التعبئة والتجنيد والحث على العمل والتعليم لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم”.
  • السيدة زهور ونيسي، وغداة تعيينها على رأس وزارة الأسرة، لم تترد في طلب استشارة زوجها، موقف أعابه الكثيرون يومها على السيدة ونيسي التي ترى فيه “قمة الاستقلالية عندما تسعى لإضافة نجاح إلى آخر وليس بناء نجاح على أنقاض نجاح”.
  • زهور ونيسي، المحسوبة على الرئيس الراحل هواري بومدين، تصف علاقتها بزعيم الجزائر بأنه كان أخا وزعيما يحسن الاستماع ويحسن الاستفادة من غيره “لما كنت ارأس مجلة الجزائرية التي لم تكن لها ميزانية كنت قد طلبت منه لما بلغت المجلة عاما من التأسيس أن يكتب لنا افتتاحية، كتب لنا الافتتاحية واستقبلني يومها رفقة رئيسة الاتحاد صفية بن مهدي واستمع إلينا وإلى مشاكلنا، وقلت له إن جبهة التحرير تقوم فقط بدفع أقساط المطبعة أما أجور العاملات والكتاب والكاتبات فلم تدفع منذ عام، فدفع لنا الفرق الموجود، ومنذ تلك الزيارة أصبح يقدم لنا مساعدة مالية شهرية، كما كان بومدين في اجتماعات رمضان مع رؤساء أجهزة الإعلام ينصت إلينا باهتمام ويحرص على الاستفادة من غيره” وعن علاقتها مع الشاذلي بن جديد عندما سألناها لماذا عينها هي تحديدا وليس غيرها في منصب الوزيرة أجابت “لأني كنت مناضلة ميدان، لم أكن طامعة في المنصب، ولم أسع له ولم أتوجه كما توجه غيري بعد الاستقلال إلى تكوين الثروة“. بنفس المنطق تؤكد زهور ونيسي أنها لم تسع لأي منصب بعد خروجها من الوزارة ولم يعرض عليها إلا منصب نائب في مجلس الأمة، وبقيت فيه 6 سنوات، كما عرضت عليها مؤخرا إدارة المكتبة الوطنية لكنها اعتذرت “لأنني أعرف أن المكتبة الوطنية معلم كبير ومهمة صعبة وفضلت أن تكون من نصيب الشباب“.
  • لا تختلف كثيرا علاقة زهور ونيسي بالسياسية عن علاقتها بالأدب والكتابة، وما تزال تعرف حدود قلمها أين يبدأ وأين يتوقف “لا يضيرني أن تقول أحلام مستغانمي إنها أول من كتب الرواية في الجزائر بالعربية، وربما أحلام لم تقل هذا الكلام، فالصحافة لا تؤتمن دائما، لكن حتى وإن قالت أحلام هذا الكلام لا يضيف لي ولا ينقصني مني شيئا، فالنقاد العرب يعترفون أن “يوميات مدرسة حرة” هي أول رواية نسوية في الجزائر باللغة العربية وقريبا ستتحول إلى مسلسل تلفزيوني” تقول ونيسي “تشرفت بتدريس أحلام وأرى في نجاحها نجاحا للجزائر خارج الحدود رغم أن المشرق قليلا ما يعترف لأبناء المغرب بالريادة”، هنا تتذكر الاستاذة طالبتها فتقول “أحلام هي أحلام بتمردها، شقية وشاعرة حساسة وأول قصائدها نشرتها في مجلة الجزائرية عندما كنت مديرة لها” صاحبة “اللونجة والغول” التي خبرت ميدان الكتابة وتمرست فيه ترى أن أجيال اليوم من الكاتبات لديهن ما يكفى من نضج التجربة والخيار للكتابة، وسعي هذه الأجيال اليوم للتمسك بجلباب أحلام مستغانمي يعود أساسا للشهرة الإعلامية التي حصلت عليها أحلام عبر وسائل الإعلام.
  • عندما تتحدث إلى زهور ونيسي مجبر أنت أن تصغي إليها للنهاية، وتتحول بحضرتها إلى تلميذ يصغى لأستاذه وهي تجول بمكتبتها التي تضم عشرات بل مئات العناوين في الأدب والتاريخ والسياسية بالفرنسية والعربية، في هذا المكان تفضل زهور ونيسي أن تقضي معظم وقتها في تقليب كتب التاريخ والفلسفة التي تفضلها. في هذا المكان تواصل زهور ونيسي رحلة البحث والكتابة حيث أنهت مؤخرا مشروع نص حول رائد الحركة الإصلاحية في الجزائر الإمام ابن باديس سيصدر قريبا في مجلدين في انتظار أن يحول إلى مشروع تلفزيوني أو سينمائي يعيد سيرة رائد الحركة الإصلاحية في الجزائر، عن هذا المشروع تقول المتحدثة “من خلال البحث والمراجع الكثيرة اكتشفت أن لهذا الوطن رجالا وقامات كبيرة حققت التناغم في الحركة الوطنية التي فجرت الثورة وقادت الجزائر للاستقلال“.
  • في ذات المكان وبين هذه المجلدات استعادت الكاتبة جزءا من ذكرياتها في اتحاد الكتاب الجزائريين الذي يعيش اليوم تشرذما وانقساما بطريقة تدعو حقا للأسف بعدما كان يجمع كبار الكتاب والمبدعين “اتحاد الكتاب من المفروض أن يجمع كل الجمعيات المهتمة بالفكر لكن إذا به هو الذي يضيع، لست ادري إن لم يكن الاتحاد في مستوى المسؤولية التاريخية له ولا ادري لما هذا التطاحن والتشرذم، ويحز في نفسي وأنا من المؤسسين لهذا الاتحاد أن أرى ما وصل إليه. أول أمانة وطنية لاتحاد الكتاب كان فيها مالك حداد، وأفتخر أنني رشحته لذلك رغم غضب بعضهم علي، وكان فيه سعد الله والميلي وشريط والسائحي.
  • في هذا الحي الهادئ بأعالي القبة تسكن السيدة ونيسي منذ زمن ولم تغير مكان سكناها ولا فكرت في مغادرة البلاد حتى إبان الأزمة الأمنية “لم أفكر يوما لا في تغيير السكن أو الهروب وقلت إن مصيري من مصير جيراني، ولم أتخلف يوما عن موعد ولا عن السوق أو الشارع ولم اطلب الحماية لأن كانت قناعتي دائما أن الأعمار بيد الله“.
  • ونحن نودع الكاتبة والوزيرة السابقة زهور ونسي أحسسنا أننا لم نأخذ منها الشيء الكثير من خبرتها وأسرارها التي تحتفظ بها في الذاكرة والمسار النضالي الطويل، إذ يصعب كثيرا أن تحيط بتاريخ هذه السيدة في جلسة صحفية عابرة وهي التي ما تزال في زمن التجارة في كل شيء تحتفظ بصرامة جيل لا يغفر الأخطاء لنفسه قبل غيره

ايوب صابر 05-26-2012 05:07 PM

زهور ونيسي

لم اعثر على تفاصيل حول طفولتها لكن يبدو ان مسيرة حياتها هي مسيرة نضال ضد الاستعمار ولا شك ان ذلك يعني بأنها كانت في خطر وقلق دائم.

مجهولة الطفولة.

ايوب صابر 05-26-2012 05:13 PM

90- صخب البحيرة محمد البساطي مصر
2008-08-21

عن صخب البحيرة ..



http://1.bp.blogspot.com/_X9N8sVy1_H...-lake-utah.jpg
صخب البحيرة
محمد البساطي (فازت بجائزة احسن رواية لعام 1994)
مصنفة ضمن أفضل مئة رواية عربية من اتحاد الكتاب العرب
- أول قراءة عام 1998 - القراءة الثانية 8 /2008

هناك مناطق تشبه هذا المكان أحاول مرات استرجعها بصريا ... في مدينة دمياط حيث طريق تري من جانبه نهر وجانبه الأخر البحر... تفاصيل الفقر كأنها بالألوان الحقيقية .. ألوان الوجوه وملامح الرجال كما أعرفهم تماما من سكان إدكو والمعدية ورشيد في محافظة البحيرة

في الرواية ترتبط بأشياء مادية وتفاصيل شخصية غامضة تظل تتبعها من حالة لأخري وتسأل في عقلك ربما هناك علاقه بين هذا وذلك ؟

تعرض الروايه أربعة حالات مختلفة عاشت في المنطقه ما بين ملتقي البحيرة والبحر ولا رابط بينها سوى المكان بتفاصيله حتى أننا ننسي الزمن ونعبر سنوات لنصل من حالة لحالة دون أدني ملل أو خروج عن الجو العام .. تفاصيل متكررة لدرجة أنني أثناء القراءة أكاد أستمع لصوت الماء أو أري غيوما تمر عابره لبعيد فيما بعد النوه

الكاتب يصدمنا بواقع مجتمعنا من خلال التفاصيل الدقيقة ليوميات بشر من المهمشين في الحياه الذين لا تهمهم السلطة أو تغيرات العالم من حولهم

تفاصيل لا يمكن تخيلها إلا من خلال سرد محمد البساطى.. التي تربي في منطقة مشابهه في قريته الصغيرة المطلّة على بحيرة المنزلة

في الجزء الأول من الرواية تجلس المرأة علي حجر تحكي لرجلها – ذلك الصياد العجوز الذي يسكن قاربه -أنها لم تكن متزوجة من قبل ولكن رجلها الأول هو من قال ذلك للناس في القرية .. وحين علم بحملها ضربها وتركها ورحل وظلت من يومها تقول أنه مات.. وتسير الأحداث وتروي أن رجالا من سكان البحيرة كانوا يأتون إلي السوق للبيع والشراء هم من اعتني بها ووفر لها حياة كريمة طوال فترة حملها وكان كل منهم يقول عن حملها هذا ابني .. وكيف كانت اخلاقهم بمنتهي الوداعة والرحمة معها ويقولون أنهم أقاربها.. حتي من لا تعرفهم أو بالكاد تتذكر بعض ملامحهم .. هذا النوع من البشر خلق في داخلها حبا لمن هم خارج القرية
في هذه البيئة الفقيرة أو المعدمة تجلس المرأة تحكي تفاصيلها بلا خزي ولا إنكار فليس لديها ما تخسره .. وكل ما مر بها هو ما جعلها في هذا المكان تتقبل هذه الحياة وتتقبلها الحياة .. وحيدة هي وولديها التؤام في بيت صغير علي الشاطئ .. لا تري من العالم غير أشرعة بعيده تأتي من البحر ثم تختفي في هدوء
رجال البحيره علموها أشياء كثيرة علموها كيف تستغل كل ما تملك حتي لو كان برميلا ملقي في ساحة البيت

الصياد العجوز لم يتخلي عن قاربه وهو عالمة المتحرك وكذلك لم يتخلي عن دوره في توفير بيت لها وولديها كعالمها الذي اعتادت عليه
وبالتالى هي لن تتخلي عنه حتي يرحل في سكون
وعلي طول الرواية الشخصيات صريحة .. كامله الإنسانية بكل معني الكلمة من خير وشر .. وعلي سجيتها

تتغير علاقه أهل الأرض (سواء المزارعين أو البنائين) بأهل البحيرة وماوراءها (البحر) بتطور أحداث الرواية
أولاً تكون البحيرة مصدر الطعام.. ربما أيضا مجموعه من ألواح الخشب .. ألواح معدنيه .. اشياء أخري غريبة لا استعمال لها
ولكن في الأساس هي مصدر للطعام والمأوي.
لاحقا تتحول البحيرة لمصدر من مصادر الثقافه .. يرون من خلالها العالم الخارجي ... ملابس بألوان زاهية .. أسلحه قديمة .. أدوات شخصية ... صندوق موسيقي ... مقتنيات ذهبيه وزجاجات ملونة ... كلها أشياء تلقي بها البحيرة إلي الشاطئ أشياء تأتى من البحر بعد كل نوة ... لم تكن فقط حاجات للمنفعه الشخصيه أو الزينة إنما أيضا تجارة رائجة ومصدر رزق حين استغلها أحد سكان القرية كتجارة.
يجد بعضا من أهل القرية أن خلف هذا الماء عوالم أخري وأحيانا يتجرأ البعض علي الخروج للبحث عن تلك العوالم.
كل ذلك وأهل البحيرة يأتون إلي اليابسة يتزودن باحتياجاتهم الاساسية ويرحلون في سلام
ثم تتطور الزيارات إلي هجمات من أهل البحيرة علي أهل اليابسة .. ليس بغرض الغزو على الإطلاق إنما هو استعراض للقوة فقط .. ربما ينهبون بعض الاشياء ولكن بلا طمع فقط ما يأكلون .
ولكن هناك دائما صراع خفي وترقب من أهل اليابسة لأهل البحيرة

أهل القرية يستنكرون وجود أهل البحر لمجرد أنه مختلفين .. هم رجال غير مختونين .. والاختلاف هو فقط سبب الرفض
كانت البحيرة للبعض حلما عليه أن يدفع ثمنه سنوات من الغربة وأحيانا يدفع عمرة كاملا فلا يعود إلا جثة غارقة طافية علي سطح الماء بعد نوة.

صندوق يظهر ويختفي من بداية الرواية.. ذلك الصندوق الذي كان يحمله رجلها الأول وبه تضع كل ما تملك من مقتنيات ... يأخذه ويرحل
صندوق يحمله العجوز في قاربه به كل ما يمتلك من مقتنيات .. ثم يتركه ويموت
صندوق موسيقي يعثر عليه أحد الأشخاص علي الشاطئ بعد نوه .. ويتعلق به لدرجه الهوس .. أم الإيمان ... لم أكتشف بعد

تنتهي الروايه بمشهد غامض يعود بك إلي أولها ... سيده تأتي ومعها رجلان ... يحفران في الأرض ويأخذان رفات وعظام ميت ... وصندوق
هو نفس المشهد حين دفنت المرأة الأولي وولديها الصياد العجوز وبجانبه صندوقه.. هي عادت لتأخذه الي حيث ينتمي
نظرت إلي المكان وقد تحول إلي بيوت اسمنتيه ومجتمع كامل جديد .. أشارت إليه ولم تنطق.
أحسست في نفسي أنها حزينه على عالمها الأول الذى اقتحمه أهل القرية ... وكنت حزينة معها.

مشهد عالق بذاكرتي لإمرأة كانت تجمع ما يلقيه البحر علي الشاطئ ثم تخرج لتبيع بعضا منه هي وزوجها في السوق.. وها هي تمشي في سوق القرية ترتدي فستان قصير من الحرير يصل لركبتها لونه أصفربخطوط مائلة لونها بني وسوستة من الخلف , وفي قدميها حذاء أسود برقبة , وزوجها يتقدمها فوق الحمارة ..
تقول النساء في القرية الحذاء يشبه حذاء العسكرى .. الفستان منسول حول السوستة , وممزق عند الإبطين
والمرأة أوسعت من خطواتها ولحقت بزوجها

الرواية جعلتني أفكر ربما أبعد قليلا من المحتوي المكتوب ... هل شاطئ البحيرة أو القرية هى عالمنا الذي عشناه لأعمار كاملة واهمين أنه كل الدنيا .. وهل ما وراء البحيرة هو ما نرى اليوم من ثقافة أجنبيه اقتحمتنا مرة بالألوان البراقه ومرات أخري بالغزو الحقيقي ؟

هي روايه رائعة .. وراءها الكثير من المعاني وتستحق القراءة





ايوب صابر 05-26-2012 05:30 PM

قراءة نقدية في رواية صخب البحيرة للروائى محمد البساطي

عصام شرتح

يقول الناقد صلاح فضل:«إذا كانت «المدونة الشعرية» قد تكفلت عبر عصور طويلة بمسؤولية بناء ذاكرة الانسان العربي، فحفظت كثيراً من ذبذبات نفسه ومعارج روحه من الضياع، وضمنت تداولها عبر الأجيال وتناسلها في آثارها فإن «المدونة الروائية» قد تقدمت في القرن الماضي بشعريتها المميزة لتملأ فراغاً «أنثروبولوجيا فادحاً في فضاء الكتابة الابداعية، فهناك آلاف المجتمعات الخاصة، واللحظات التاريخية المتحوّلة تظل مفقودة معدومة، ان لم تلتقطها حواس المبدعين، وتسجلها بهذه الطرائق الفنية المرهفة، بما يحفظ لها مذاقها وخصوصيتها، ويجعلها تندرج في منظومة الوعي الثقافي بالحياة والتاريخ الباطني للروح الانسانية، وعلى هذا فإن الوسيلة الكبرى لاستيعاب متغيرات التحديث المحتوم، وانضاج تجربة المعاناة وتجاوز التناقضات الناجمة عنه، تتمثل في قدرتنا الابداعية على استحضار اللحظات المفصلية الحاسمة في التطور الاجتماعي والثقافي،
واستجلاء المؤشرات الكامنة فيها، والمحددة لاتجاهاتها المستقبلية، في سبيل تحقيق أنموذج أوفق للحرية والعدالة باعتبارهما جوهر الفعل الحضاري..»
على ان ما يثير هذه التأملات عن طبيعة القراءة وتجربة الرواية في تصوير الحياة انما هو نص روائي جديد لمحمد البساطي بعنوان «صخب البحيرة» الذي فاز بجائزة معرض الكتاب المصري لعام 1996، وتابع به الكاتب مسيرته الابداعية باعتباره أحد ممثلي جيل الستينيات، الذي قطع شوطاً طويلاً في تطوير التجربة الروائية العربية ودفعها في اتجاهات طليعية خصبة ومتعددة.
ولعل الظاهرة اللافتة في هذه الرواية، والمناظرة لعدد آخر من الأعمال الجديدة هي غيبة البطل المركزي والحدث الرئيسي، وقيامها على أساس نوع طريف من العلاقات «العقدية» ان صح التعبير، أي تلك التي تبدو الفصول كأنها حبات من عقد منتظم في سلك يتمثل في المكان والبؤرة والاستراتيجية الدلالية، مع احتفاظ كل حبة بكيانها المستقل وطبيعتها الخاصة، حتى لتراود القارىء فكرة اعتبارها مجموعة قصصية، لولا أنها تقدم اليه منذ عنوان الغلاف بصفتها رواية، ولولا انه يستفز في كل نقلة بين الوحدات المكونة لها الى البحث بنفسه عن روابطها الظاهرة والخفية، وسرعان ما يدرك انه ازاء نسق منتظم في بنية كلية، وان ما يصل عناصر هذه البنية ويقيم التراتب الحيوي في المكان والزمان والرؤية بين وحداتها، ويشكل عالمها في نهاية الأمر، أهم مما عودنا عليه السرد التقليدي من وحدة البطل والحدث المركزي، ويقوم العنوان حينئذ بدور هام في تحديد البؤرة الدلالية للعمل، وبوسع أنصار التحليل السوسيولوجي للأدب ان يستخلصوا من تكرار ظاهرة غياب البطل والحدث الرئيس دلالة تشبه ما سجلته دراسات «غولدمان» عن تطور الرواية الغربية، حيث تُعدّ مؤشراً لتجاوز المجتمع لحالة الاعتماد على البطل المركزي الذي تنعقد حوله الآمال في الخلاص وصناعة المستقبل الموعود، وتَتَبَأّر في منظوره رؤية العالم، وانتقال هذا المجتمع لحالة أخرى تسود فيها الرغبة في توزيع الأدوار على رقعة وسيعة من الشخوص والمواقف، على ان تتلاقى في نهاية الأمر عند محور جوهري يرتبط بظروف المكان وشروط الانسان، ومقتضيات تغيرهما.
والجدير بالذكر ان العالم الذي يقدمه محمد البساطي في «صخب البحيرة» هو تلك المجتمعات البدائية التي تعيش على هامش بحيرة كبرى تقع بين ملتقى النيل بالبحر الأبيض في شمال الدلتا، حيث تقيم أحراش الجزر المتناثرة وبعض التجمعات السكنية للصيادين المبثوثة في تضاعيف المياه، تغمرها حين تهيج «النوّات» وتنحسر عنها لتعود الى سيرتها الطبيعية والانسانية في أوقات الصفاء، وتنبت حيوات الناس وتتحدد مصائرهم منذ القدم طبقاً لهذه الجدلية بين حالات الطبيعة، حتى ترتفع بانخطافة سريعة الخرسانة، لتعلن عن دخول الانسان مرحلة جديدة في الصراع مع الطبيعة وتؤذن بنوع من التحول لا تتريث لرصده، بل تكتفي باللمحة الدالة في الاشارة اليه، فما كان يعنيها في المقام الأول انما هو صناعة ما يشبه النصب التذكاري الأخير لهذا الانسان في الطبيعة قبل ان تتخطفه السدود والأبنية العالية ومظاهر التحول الحضاري الجارف، انها تستنقذ من ذاكرة المكان حالته البدائية الابدية وتسارع الى تسجيل ملامحه المحكوم عليها بالاندثار، قبل ان تغمرها المياه الأخرى مثلما غمرت قرىً ومعابد، وطمرت آثاراً على ضفاف وادي النيل، لكنها تفعل ذلك دون شجن أو شماتة، بل تحافظ على موضوعية قاسية وتسجيلية حقيقية محايدة، ومن الواضح ان الكاتب الذي بعد عهده فيما يبدو بهذه البيئات الأصلية، ثم أخذ يقاربها بحنوٍّ شعري متوازن، قد اصطفى في ذاكرته خطوطها التجريدية العريضة، وأخذ يرسمها بريشة الفنان المتمكن عن بعد، بحيث يشحنها بالتفاصيل التي لم تنتزع لتوها من الواقع المباشر، وانما جهزت واختمرت في معامل التمثيل الفني لتقديم أوقع صورة ممكنة عنه، فنجد أنفسنا حيال ألوان فضية شاحبة مثل تلك التي تستخدم في السينما للاشارة الى اختلاف الذكرى أو الحلم عن الهدير اليومي بألوانه الفاقعة، لكن ما تؤديه السينما جمالياً بتغيير درجة اللون وإيقاع مظاهر الاشياء بما يتبقى في الذاكرة عادة بعد وقت طويل.
من هنا فإن اصداء «الصخب» المدهش الذي ينبعث من البحيرة هو معادل الصمت الرائن عليها معظم الوقت، عندما تجثم في حضن الغيبوبة عن الزمن وحركة التاريخ، وتبرز من ثناياها ملامح انسانية مركزة لعدد من البشر، النساء والرجال والأطفال، الذين نسجوا حيواتهم ومصائرهم، وطموحاتهم ومشاعرهم على ضفافها، ريثما كانت تأتي هبة العاصفة فتجرف بأنوائها وطينها وكدرها وبقايا معاركها هذا الصمت، وتحيله الى ضجيج طبيعي هائل هو الذي يتبقى في قاع الصورة الأدبية لينطقها بعد طول سكوت، عندئذ نرى ان البحيرة/ الطبيعة لا تتحدث الا بكلمات الادب عندما تشف عن قوانينها، وتنحسر عن آثارها، وإذا عظم الانسان ولحمة المتشذر هما ما يتراءى على الشواطىء المهجورة.
على أن يقظة الحس الواقعي - على حدّ تعبير صلاح فضل- عند محمد البساطي وتجربته الطويلة بمذاقها الخاص في الكتابة قد جعلت عملية «التغييب الشاحب لصور الواقع لا تصل الى الدرجة التي يتحول فيها الى الوجه الآخر، فحالت بنيه وبين امكانية استثمار أساطير الصيادين وعالمهم السحري المتصل بالبحر والماء، لم يخرق الروائي قوانين الواقع وهو يستبعده ويستقطره، ولم ينفذ منه الى ما وراءه».

رصد الرواية من الخارج:
إذا تأملنا بعض التقنيات الفنية التي يوظفها محمد البساطي في هذه الرواية بفصولها الأربعة، والتي يقدم فيها مجموعة من الصور التي تنحفر ببروز شديد في ذاكرة القراء لأنها تخلقت بجهد فني متمكن عن انطباعات غائرة في وجدان المبدع - وجدنا أن الملمح البارز فيها يتمثل في طريقة سرد الأحداث وتكوين الصور، فأسلوب الروائي هو الذي يجعلنا ندخل عالمه ويقربنا مما يريد ان يبثه من دلالات، فهو يعمد الى رصد المظاهر الخارجية للمشاهد باقتصاد لغوي شديد، في جمل فعلية متلاحقة، تنشىء حركات منتظمة للمرئيات، وتعزف عن التوغل في دواخل الشخوص والمواقف، لا يسرف في التعليق ولا يتبرع بشرح ما لا يلزم، يكفيه ان يرقب بعين الكاميرا اللاقطة ما يحدث، ناطقاً بوصف موجز ضروري لفهم المشهد.
ومع أنه لا يستخدم ضمير المتكلم المفرد، ولا ضمير الجماعة المتحدثة إلا نادراً، ويختفي دائماً حول ضمير الغائب (الراوي) فإنه لا يبدو في وضع العليم ببواطن الأمور، لا يعتمد على الراوي الذي يعرف السرائر والمصائر، بل لا يكاد يتشخص أو يتعين، فالكاتب ليس هناك، بل الآخرون هم الذين يشهدون ويراقبون، وتبدو الرواية كأنها (تنكتب أمامنا دون راوٍ مسيطر فأفعال المضارعة تجعل المشاهد تتوالى وهي تحدث دون أن تنعكس لتصوير المتحدث ذاته، ولنقرأ فقرة تتجلى فيها هذه الخواص يقول في الفصل الأول:
«كان صياداً عجوزاً جاء ذات يوم واستقر في المكان، رأوه دائماً عجوزاً ربما بسبب تجاعيد وجهه الكثيرة وانحناءة كتفيه، يقولون انه كان مقطوعاً من شجرة، فلم يروه يوماً مع أحد، يتجول ليلاً ونهاراً بقاربه في البحيرة، وحين يهده التعب ويشتاق للأرض يرمي بالهلب لأقرب مكان ويستغرق في النوم، وأحياناً يمرون بقاربه شارداً في عرض البحيرة ويرونه راقداً بداخله، ورغم المجدافين القويين فهو قليلاً ما يستخدمها، يرفعها الى سطح القارب ويفرد شراعه المتهالك برقعه الكثيرة، وهو ليس متعجلاً، انما يستضل به حين تكون الشمس حامية، كان قاربه بخلاف القوارب الأخرى في البحيرة - وكانت رفيعة مدببة الطرفين- عريضاً على شكل صدفة، مؤخرته مكشوطة، وقد ثبت عصاً بكل من طرفيه امتد بينهما حبل علق عليه كل متاعه.
هذا المشهد المرسوم المتحرك لا يكاد يتجاوز سطح الأشياء إلا بلمسة خفيفة عندما يعمد الى تفسير الحركة بأنها نتيجة للتعب والشوق للأرض، أو يصنف إيقاعها بأنه ليس متعجلاً وفيما عدا ذلك فنحن حيال كلمات شديدة القابلية للترجمة الحرفية الى منظور تشكيلي في متواليات مرئية لسيناريو متواصل، ومع أنه يصف الأشياء والأشخاص إلا ان طريقة الوصف تختلف تماماً عما عهدناه في القص التقليدي، فهو يؤثر تكوين الصور الخارجية مكتفياً بالاشارة السريعة الشارحة غير الشخصية.
وإذا كان أسلوب محمد البساطي يعتمد «الأسلوب السينمائي» على طريقة الستينيات مثل ابراهيم اصلان وصنع الله ابراهيم فإن محمد البساطي يمارسه بطريقة خاصةً تكاد تخلو من الانحياز الأيديولوجي لعصر معين، انه صارم في طريقة تشكيله للواقع المتباعد عن الزبد السياسي المباشر، فهو يحاول الغوص في أعماق الحياة، بعيداً عن التيارات القريبة عن طريق هذه التقنية اللا شخصية المحايدة، وليس معنى ذلك ان كتاباته خالية من الدلالة السياسية، بل هي تطمح الى تصوير القوى الكامنة خلف أمواج السياسة، تطمح الى التصوير المكثف لكيفية تخلق حيوات الناس وتشكل مصائرهم.
في فصل آخر بعنوان «النواة» نرى كيفية تولد الكلام المنطوق بالحوار من قبل الوصف السينمائي الخارجي ذاته والاقتصاد الشديد في تجسيد العالم دون ميوعة أو خطابية أيديولوجية على الرغم من أنها مفعمة بالدلالة، يقول في أحد مشاهده:
«يجلس جمعة وامرأته في ليالي الصيف على مقعدين فوق العتبة، يشربان الشاي وفوق رأسهما الفانوس معلقاً بشراعة الباب يضيء خافتاً، تلتف حوله سحابة من الناموس، البراد المطلي بلون أصفر نقش على جانبه حروف من لغة أجنبية، يمر واحد أو اثنان من الجيران يلقيان بالسلام، يدعوهما جمعة للشاي يجلسان على حصير مفروش فوق العتبة، يتأرجح جمعة في المقعد الهزاز، جسده محشور في المقعد الصغير، تصب امرأته الشاي للضيفين، يتحدث جمعة عن الشاي الذي يحتفظ بمذاقه حين يكون البراد من صناعة جيدة، ويلعن الزمن الذي جعل صناعة المواعين في متناول كل واحد، تأتي النسمة طرية من ناحية البحيرة يهتز لها الفانوس.

- الخواجات أولاد حرام، (ويبصق جانباً، حين يصنعون شيئاً يصنعونه تمام التمام)، الى جانب هذا الاتقان التشكيلي والحركي في رسم الصورة ثمة عدد من الاشارات الدالة في السياق، فالفصل يدور كله حول ما تأتي به النوة من حطام البحر ومخلفات السفن التي برعت امرأة جمعة في التقاطها وتنظيفها وإعادة تشغيلها، مثل الكرسي الهزاز والفانوس والبراد هنا الولع بمخلفات الصناعة الأجنبية هو الذي سوف يحدد مصير جمعة عندما يعثر على صندوق ناطق صغير، تنبعث منه موسيقى وكلمات أجنبية فيؤدي الى استلابه وذهاب عقله افتناناً به، هنا تكتسب النوة ومخلفاتها بعداً رمزياً... فالتقاء العوالم لا يتم في مناخ تفاعل صحي خصب، وانما هو مثل ارتطام العواصف وضرب الأمواج للصخور، تفتتها قبل ان تذوب على أطرافها المدببة، فالوصف هكذا لا يظل خارجاً الى النهاية، بل سرعان ما ينتج دلالته عندما يقيم القارىء مفارقاته ويستخلص مغزاه.

(1) فضل صلاح أشكال التخييل من فتات الأدب والنقد ص 78-79
(2) المصدر نفسه ص 79- 81

ايوب صابر 05-26-2012 05:32 PM

د ر ا ســــــة ¦¦ انشائيّة الخطاب في الرّواية العربيّة الحديثة (ج 13) ¦¦‏ </strong>

</strong>
وشبيهة بهذا المسلك المتاهة رحلة مقاول الأنفار مع المرأة ليصاحبها إلى مشغلها الجديد لكن الطرق تتخذ التواءات ومنعرجات، يخرج من البلدة إلى طريق خارجها ومن الطريق إلى سكة بجانبها ومن سكة جانبية إلى ساقية مهجورة من بيت إلى بيت ولا تصل المرأة في النهاية إلى مشغلها المزعوم وتجد نفسها في نهاية الطريق حبلى ولا تعرف للولدين أبا وتنتهي متاهة لتبدأ متاهة أخرى فتصطحب الصياد العجوز أياماً ثم بعد موته تجيء القوارب لتقطر القارب الأسود وتختفي المرأة ثم تعود في نهاية الرواية مع ولديها لتحمل رفاة الصياد العجوز وصندوقه وتختفي ولا يعلم القارئ مصيرها في المرتين ولا الطريق التي سلكتها. </strong>
وشبيه بهذا المسلك المسار الذي اتخذته شخصية جمعة "منقب الآثار"، ذلك أن الأشياء التي بها ارتبط أوقعته في متاهة ما استطاع الخروج منها، فيعيش حالة هوس أشبه بحالة النبوءة (66) ثم يرحل ومعه صندوقه الذي عثر عليه في النوة ولا يعرف القارئ ولا الشخوص في الرواية مصيره "وتسأله عما كان يفعله جمعة فهي لا تعرف لرحيله سبباً ويقول إنها أسبابه لا يعرفها غيره"(67) ولكنه يعود مع رجل غريب "هزيلاً رثا ذبل جلد وجهه وتهرأ ونتأت عظامه"(68) ليموت في بيته وسيبدو لامرأة جمعة "أن كل ما يحدث غريب، حتى جمعة نفسه كأنها لم تعرفه أبداً"(69) وأشبه بمصائر أولئك جميعاً مصير كراويه وعفيفي وهما يتأملان هذا العالم الغرائبي ذاته ليتخذ سؤال المتاهة سؤالاً فكرياً عقائدياً فالمسألة لا تحسب "بالميزان المسطرة" ولذلك تظل الأسئلة الوجودية قائمة من خلال هذا الحوار (كراويه، لم تظن الله خلقنا؟- حكمة لا ندريها- آه، الكلام الذي حفظناه من صغرنا)(70).‏ </strong>
إنه سؤال المتاهة "ملايين السنين كما يقولون، يولد ناس ويموت ناس، ساقية تدور ولا أحد يدري الحكمة في ذلك، تأتي أوقات، يأخذني التفكير، يسحبني وأجدني أفهم. آه أفهم، فجأة يصعب الفهم وكما لو أن بابا أغلق"(71) وهو سؤال لا جواب له إلا المصير المحتوم، فالغربان بلونها الأسود والكحلي جميلة (72) وتنتهي رحلة الرجلين إلى المجهول وقد دامت خمسة أعوام بعودة بائسة إذ عادا جثتين "يطفوان متباعدين وقد التصق كل منهما بجانب من البركة تهزهما دفقات المياه (73) إن المتاهة إذن، في رواية "صخب البحيرة" لمحمد البساطي عنصر منظم لفضاء السرد، فهي ترسم صورة المكان وهي تحدد مسلك الشخصية الروائية ومصيره.‏ </strong>
2. 4: مفهوم الغموض: كذلك ينتظم فضاء السرد في رواية "صخب البحيرة" لمحمد البساطي وفق مفهوم الغموض، إن الغموض عنصر من العناصر الأساسية المتدخلة في بنية الشخوص والأحداث والأشياء، وهو بالتالي أضحى يمثل عنصرا أساسياً من عناصر إنشائية الخطاب الروائي الحديث. والغموض ذو صلة وثيقة بوظيفة السارد المتغيرة ودوره الجديد في سوق الأحداث ولذلك علينا أن ننظر إلى المسألة من زاويتين: زاوية المسرود وزاوية السرد.‏ </strong>
2. 4. 1: تبدو لنا الشخصية في رواية "صخب البحيرة غامضة، فهي مجرد كائن يتحرك ويؤدي أفعالا أو تسند إليه أفعال ولا شيء غير ذلك. وهي شخصية بلا تاريخ اجتماعي أو نفسي تظهر في المكان وتختفي بسرعة ويكاد القارئ في كل الحالات يجهل الأسباب التي تقف وراء تصرفاتها والدوافع التي تحركها. وقد تكون حاملة أسرار ولكنها تظل إلى آخر لحظة من حياتها الفنية تحافظ على سرها لا تذيعه إلى القارئ وبالتالي تتحول إلى لغز يؤسس بنية السرد، إنها في النهاية مجرد عامل (actant) والأمثلة التي تؤكد رأينا كثيرة ونكتفي بذكر أهمها.‏ </strong>
فالصياد العجوز يظهر في مياه البحيرة فجأة ولا يستطيع القارئ أن يدرك شيئاً عن حياته الماضية "يقولون" إنه كان مقطوعاً من شجرة فلم يروه يوماً مع أحد (74) وما يرويه بعضهم عن إمكانية تسلله مع قاربه من العاصمة (74) يظل مجرد رأي يورده السارد ولا يحقق في إمكانية صحته (75) وهو قليل الكلام، كثير الصمت، لا يكاد يقول شيئاً للمرأة التي استدعاها إلى عشته، وقد وصفته هذه المرأة وصفاً يعمق اللغز ويؤكده "يقولون مقتول، قاتل أو مقتول ماذا يخيفني منه"(76)، إذ لا نستطيع أثناء قراءة النص أن نتحقق من هذا القول ولا أن ندرك كنهه وفحواه.‏ </strong>
ومع ذلك، يظل الأغراب أكثر الشخصيات في الرواية غموضاً لأسباب عديدة منها أن النص لا يحدد لنا هوية هؤلاء الأغراب ولا يمنحهم أية دلالة رمزية فهم مجرد عامل مركزي في الرواية يحرك الأحداث وبقية الشخوص ولكن عبثاً نحاول أن نبحث عن سمة اجتماعية أو سياسية تحدد هويتهم على مستوى الحقيقة أو الرمز وفي هذا السياق يعمد النص إلى الألغاز فلسنا ندري هل هم فئة واحدة أم أكثر من فئة واحدة إذ هم جميعاً يأتون من البحر ولكنهم يأتون تارة مسالمين يطلبون الماء وطوراً غزاة ينهبون البلدة والضواحي واللبس لا يظل في مستوى التلقي فقط بل يتسرب إلى الشخصية الروائية وبالتالي يصبح معنى من معاني الرواية. فالعلامة هي أن الغرباء غير مختونين ولكن أهل البلدة عندما يثبتون في أمر هؤلاء الّذين جاؤوا يطلبون الماء يكتشفون أنّهم مختونون (77) ومع ذلك يظلّ الالتباس قائماً بالنسبة إلى الشخصية والقارئ معا والسؤال الّذي يظلّ مطروحاً هو هل أنّ الأغراب الّذين يأتون غزاة مع النوّة هم أولئك الذين يأتون بعجولهم لبيعها في البلدة وأولئك الذين يأتون يدحرجون براميلهم؟ وخاصّة عندما نعلم أنّ السّارد يستعمل ضمير الجمع الغائب كلّما تحدّث عنهم (78) ويؤكّد التشابه القائم بينهم "تقول إنّهم يتشابهون، نفس الملامح والطول والعرض، الصّوت يختلف والكلام أيضاً"(79).‏ </strong>
وثمّة إلى جانب ذلك شخصيات ذات حضور ضبابيّ، فأهل البلدة نكاد لا نعرف عنهم شيئاً، فمنذ المقطع الثاني يشرع السّارد في استعمال ضمير المتكلم الجمع ("ونقول إنّها إحدى خدعها لتسحبنا من مكامننا يبهرنا الضوء النّاعم نتخلى عن حذرنا ونخرج يحدونا الاطمئنان عرفنا بعد مرّات من مجيئهم أنّهم يأتون من الجزر..) (80) ويتحوّل صوت السّارد إلى مجرّد صوت جمعيّ للجماعة غير المحدّدة الباقية الّتي تقاوم التغيّر.‏ </strong>
2. 4 . 2: كذلك تبدو الأفعال الّتي تؤدّيها الشّخصيات غامضة، ويعود هذا الغموض إلى أنّ القارئ لا يستطيع أن يدرك خلفياتها وأسبابها، فإضافة إلى أنّها لا تترابط ترابطاً سببيّاً نلاحظ أنّ السّارد والشخصيّة معاً لا يذكران الهدف الّذي ترمي الشخصية إلى تحقيقه بإنجاز الفعل سواء كان ذلك تصريحاً أو تلميحاً فالصيّاد العجوز استقدم المرأة ولديها إلى العشّة وظلّ يعيش في قاربه وعندما أنست به وحكت له سرّها(81) كان في غيبوبة عنها وكذلك الشأن بالنّسبة إلى "جمعة" الّذي حمل صندوقه ورحل ثمّ عاد وفي كلتا الحالتين لا نستطيع أن ندرك سبب رحيله وعودته، وتطرح الشخصيّة ذاتها السؤال ولا تلقي الجواب: وتسأله عمّا كان يفعله جمعة فهي لا تعرف لرحيله سبباً ويقول إنّها أسبابه لا يعرف غيره"(82) ويصرّح عفيفي وكراوية بالتباس الفعل على هذا النّحو:" يضحك عليك من يقول إنّه يفهم كلّ شيء طيّب والحلّ؟ أيّ حلّ؟ الدّنيا كلّها أسرار" (83) وعزم الرّجلان على الرّحيل إلى الجزر لمعرفة حكاية الغرباء (84) ولا شكّ أنهما عرفا الحكاية قبل أن يعودا جثتين على سطح ماء البحيرة، لكنّ اللغز يظلّ قائماً بالنسبة إلى القارئ وبقيّة شخوص الرّواية. أمّا اللّغز الأكبر فهو يتعلق بالصندوق الذي تتكّرر صورته في الرواية. فهو يظهر للمرّة الأولى صحبة مقاول الأنفار الذي يصطحب المرأة وينتقل بها بين أقاربه وصندوقه معه (85) وكان طول الرّحلة يجمع أشياءه من قاربه ويضعها فيه(86) وعلى هذا النّحو ظلّ يلازمه ملازمة غريبة(87) ولمّا هجر الرّجل المرأة أخذ معه صندوقه (88) رغم الألفة الغريبة التي كانت تشعر بها المرأة تجاهه. فقد كان معها دائماً وضعت له يوماً "مفرشا من قميص قديم لها بلون قشرة البصل وطرزت حوافه بخيط أخضر (89)" ويوم أخذ الصندوق وذهب كانت تبكي"(89) ثم يظهر هذا الصندوق للمرأة في نهاية المقطع الأول فعندما مات الصياد العجوز عثرت على صندوق في سحارة القارب، فقد كان يشبه صندوق مقاول الأنفار، نفس الحجم المتوسط وحافة الغطاء البارزة واللون القاتم"(90) ويظهر كذلك في الصفحة الأخيرة من الرواية عندما عادت المرأة صحبة ولديها وأخرجت صندوق الصياد العجوز الذي أخفته في التراب قبل رحيلها (91) وقبل نهاية الحكاية يظهر الصندوق مرة أخرى في علاقة غريبة مع جمعة "منقب الآثار، فمنذ عثرت امرأته على الصندوق، تغيرت أحواله، لم يعد جمعة الذي ألفوا أن يروه، حكت امرأته فيما بعد أنها لو عرفت أن كل ذلك سيحدث لتركت الصندوق تعيده الأمواج إلى البحر"(92) لكنه هذه المرة صندوق عجيب أطنب السارد في وصفه "الصندوق صغير، إنطفأ بريق معدنه، مستطيل الشكل، منمنم بزخارف محفورة وأخرى بارزة، أركانه ومقبضه من العاج، وضعوه على أكفهم، قلبوه تحسسوا قوائمه الصغيرة النحيلة وأعادوه إليه، ضغط بإصبعه زرا بجانب الصندوق، فانفتح الغطاء، انسابت موسيقى ناعمة، أنصتوا وعندما بدا لهم أن يقولوا شيئاً أشار لهم أن يصمتوا، توقفت الموسيقى وترامى إليهم صوت رخيم تحدث قليلاً وسكت، الصوت لا يزال يحلق فوقهم، نبرته حزينة، يذكرهم بضباب البحر الكثيف المعتم، تساءلوا إن كان صوت امرأة (93) وعبثاً حاول "جمعة أن يفهم اللغة التي يتكلم بها الصندوق رغم استعانته بمدرس اللغة في البلدة فكلامه عجيب "يسحبهم كالنداهة، حين يبدو لهم أنهم كادوا أن يمسكوا به يفلت فجأة ولا يتركهم على حالهم"(94) ثم سرعان ما أضحى للصندوق سلطان عجيب على "جمعة" إذ يظل بجواره، مستغرقاً مع الصوت كأنما يتلمس ما خفي من نبراته، شارداً في الفضاء الواسع" (95) ويدخل معه في حوار غريب عجيب تذكره امرأته (96) وبذلك تتلبسه حالة أشبه بحالة النبوءة تذكر ببعض قصص الأنبياء وهم يتحاورون مع الروح الأعلى.‏ </strong>
ثم اصطحب "جمعة" صندوقه ورحل لكي يعود بعد سنوات هزيلاً بلا صندوق ليلقى حتفه (97). وهكذا يظل الصندوق في كل الحالات لغزاً لا حل له. لكن أمر الصندوق يتعقد أكثر. فهل خرق السرد المعقول والممكن والمحتمل ليدخل الخارق عبر هذا الصندوق العجيب؟ من الصعب أن نجيب عن هذا السؤال إجابة حاسمة لأن الصندوق يحمل زرا ولا يفتح ولا يتكلم إلا باستعمال هذا الزر وبالتالي يمكن أن يكون آلة من آلات العصر الحديث التي تصدر أصواتاً وما كان من أمر الشخوص المحيطين به هو من باب حالات النفس التي هيأت الإطار المكاني "المؤسطر" ولكننا إذا اعتبرنا أن أمر الصندوق كما وصفه السارد هو من باب الحقيقة عندئذ يدخل باب الخارق وما فوق الطبيعة. ومهما يكن من أمر فإن الصندوق وحكايته يؤكدان كيف أن الأشياء في هذه الرواية توشح السرود بالغموض وتتحول إلى ألغاز تعاضد أعوان السرد لتجعل من الغموض عنصراً أساسياً من عناصر إنشائية السرد الحديث.‏ </strong>
2. 4. 3: إن السارد لم يعد يجسد الأيديولوجية السائدة أو الفهم المشترك فهو: "يتيح فرصة الرؤية عن بعد ويتيح التأمل فالكتاب أصبحوا يحسون في لحظتهم المعاصرة أنهم يراقبون ويلاحظون فحسب وهم يقفون على الضفة الأخرى غير مشاركين أو فاعلين وهو يرفضون أيضاً كل ما يحدث وليست لهم فاعلية أو قدرة على تحريك الأحداث (98) على هذا النحو يحدد محمد البساطي وظيفة السارد كما يراها في علاقتها بوظيفة المؤلف في المجتمع. لا شك أن السارد قد "انتقل من كلية المعرفة إلى كونه راويا داخل السرد نفسه، يقدم كل شيء وكأن وجهة النظر هي وجهة نظر الأشياء والأفعال ذاتها تتعدد المنظورات ولكنها تقدم معطيات قابلة للتكامل في تشابك حافل بالدلالات"(99).‏ </strong>
إن هذه الوظيفة الجديدة للسارد ستكون سبباً مباشراً في إنتاج ظاهرة الغموض والالتباس وتكتنفها لأسباب عديدة أهمها:‏ </strong>
-يتعمد السارد إحداث ثغرات كثيرة في مستوى الأحداث وهي ثغرات يساهم ملؤها في تخفيف حدّة الغموض الذي يهيمن على النصّ، فهو يحذف أحداثاً كثيرة تكون ضرورية في الرواية التقليدية التي تسعى إلى الوضوح في بناء حكايتها، فثمة إذن أحداث تعمّد السّارد أن يسكت عنها، منها ما يتعلق بحياة الأغراب في جزرهم ومنها ما يتعلق بما حدث لجمعة أثناء رحيله صحبة صندوقه العجيب أو ماحدث لعفيفي وكراوية أثناء رحلتهما والأمثلة لا تحصى لكثرتها. فالحذف أسلوب مركزي اعتمده السارد في تعامله مع مسروده ويمكن أن نستشهد بهذا المثال من مقطع يتعلق بالصياد العجوز: "في الصباح حفر خطا على شكل مستطيل على بعد خطوات من ضفة المضيق، غرز في وسطه عصا قصيرة ورحل، غاب ثلاث سنوات وعاد، كان شديد النحول وقد ازداد انحناء كتفيه لم يجد أثراً للخط الذي حفره غير أن عصاه كانت هناك بعد أن أخذ دورة واسعة بالمكان جمع العشب أوقد النار وشرب الشاي ورقد في القارب. في الصباح غرز عصا أخرى وذهب.."(100) فالثغرات السردية في هذا المقطع تتعلق بغياب الصياد العجوز مرتين. المرة الأولى لمدة ثلاث سنوات والمرة الثانية لمدة عام ونصف، فالسارد يتعمد أن يحذف ما يتعلق بهذين الحدثين.‏ </strong>
ينتج عن ذلك انتفاء العلاقات المسببة بين الأحداث، فالسارد يرفض أن يعلل الأفعال السردية وأن يبررها فالأحداث وأفعال الشخوص تسرد صامتة. فهي موجودة بذاتها ولذاتها وليست في حاجة إلى تدخل من السارد ليبرر وجودها وصورة التلفظ ستؤثر في سبل صياغة الجمل السردية، فتكاد تزول وسائل الربط التقليدية التي تصل بين الجمل السردية بمعانيها المختلفة فتتراصف الجمل متقطعة على هذا النحو: "سارا على طريق خارج البلدة، لم تر على الطريق أية ركوبة، وجاء الليل وهما يسيران أرقدها بعد الطعام على شط القناة. كانت تبكي، قال لها لا تبكي قفزت صارخة حين جرت الضفادع على وجهها، كتم فمها بيده، أرقدها مرة أخرى"(101).‏ </strong>
إن حيادية السارد تقترن بمحدودية الرؤية عنده، فالرؤية في سرد الأحداث هي الرؤية من الخارج حيث لا يرى السارد أبعد مما يراه الشخوص، فالسارد أحد رجال البلدة يشاهد ويروي وبالتالي لا يمكن أن يرى ما تفعله الشخصية عندما ترحل مثلاً وهي كذلك رؤية موضوعية فلا يرى السارد إلا المظاهر الخارجية للأشياء والشخوص من أقوالهم أفعالهم.‏ </strong>
يعمد السارد كذلك إلى التلخيص والاختزال بصفة متواترة ويكون ذلك على حساب الوقف والاستراحة إذ تكاد تغيب كل تلك المقاطع التأميلية التي تقف فيها الشخصية لتتأمل ذاتها وتنظر إلى ما حولها. والمبالغة في الاختزال تساهم في إحداث الفراغات السردية فلا تمنح الشخصية عمقها النفسي أو الاجتماعي عن طريق التوسع في الحدث ولا تمنح الحدث ذاته مبررات وقوعه الكافية لتضمن سلامة ترابطه مع بقية الأحداث وانصهاره في النسيج السردي ويمكن أن نكتفي بهذه الأمثلة: "كان صيادا عجوزاً، جاء ذات يوم واستقر في المكان" غاب ثلاث سنوات وعاد "أبحرت القوارب ذات ليلة، قطرت القارب الأسود وبه المرأة والولدان واختفت في عتمة البحيرة الواسعة" و"لن تراه إلا بعد سبع سنوات هزيلاً رثاً تأتي النوة وتذهب، تخلف وراءها ما تخلف" "وسوف تمضي خمسة أعوام قبل أن يعودوا إلى الظهور"(102).‏ </strong>
إن هذا الأسلوب الذي توخاه السارد في عرض الأحداث، يجعله يتخلى عن وظيفته التقليدية المتمثلة في تبرير الحدث وتفسيره وتكثيف الشفرات الإعلامية من منطلق الحرص على سلامة الرسالة، إن الأحداث عنده، تبرر ذاتها في شبكة من العلاقات وعلى القارئ أن يفكها ويكفي للأحداث أن تكون موجودة إذ ليس للسارد ما يقول ولكن مثل هذه الأطروحة إضافة إلى طبيعة الأفعال والشخوص تجعل من الغموض عنصرا إنشائياً ضرورياً في النص الروائي.‏ </strong>





ايوب صابر 05-26-2012 05:34 PM

</strong>
2 .5: شعرية النص:‏ </strong>
ينتج عن كل الملاحظات التي إليها أشرنا أننا يمكن أن نعد رواية "صخب البحيرة" لمحمد البساطي، في النهاية، على حد عبارة صبري حافظ استعارة كلية أو صورة استعارية شاملة عن الوضع البشري"(103) مفادها كيف يستطيع الزائدون عن الحاجة المقذوف بهم إلى الهامش أن يحولوا أنفسهم إلى ذوات فاعلة وأن يحققوا قدراً من المشاركة والمعنى والانتماء والإبداع(104) والرواية بقدر ما تتناءى عن الإحالة على العالم الخارجي وتقلص من التعاقب في الربط بين الأحداث والعلاقة المنطقية السببية بين الأشياء والمنظورات تتناءى عن مجال الكناية وتدنو من مجال الاستعارة وعلى هذا النحو تستعير الرواية من الشعر باعتباره جنساً استعارياً على حد تعبير ياكبسون بعضا من أدواته الشعرية.‏ </strong>
2. 5. 1: تعتمد رواية "صخب البحيرة" التكرار باعتباره أداة تنظيمية للحكي، فبقطع النظر عن تشابه المقاطع السردية من حيث حركة الشخوص ومسارهم ومصيرهم، فإن السارد كثيراً ما يلتجئ إلى تكرار المشهد عند الوصف ويكفي أن نشير إلى أربعة مشاهد أساسية تتكرر أكثر من مرة أثناء السرد وهي المشهد الطبيعي المتمثل في البحيرة وما يحيط بها ومشهد الولدين وهما يمرحان على شاطئ البحيرة ومشهد الصندوق ومشهد الأغراب الذين يأتون غزاة مع النواة. وظاهرة التكرار توحي بأن السرد لا ينمو مع الزمن بقدر ما ينكفئ على ذاته، فكأن الرواية تستعير من الشعر لازميته.‏ </strong>
2. 5. 2: يتسم السرد في رواية "صخب البحيرة" بكثافة عجيبة ذلك أن الاستطرادات التي كثيراً ما تميز أسلوب السرد في الرواية عادة، تكاد تزول فالرواية ترفض الزوائد ذلك أن كل شيء يوصف وكل حدث يروي له وظيفته في مساق السرد وتساعد الاختزالات الكثيرة على إنتاج هذه الكثافة السردية في مستوى الأحداث ودلالاتها ولا يظهر الاقتصاد فقط في مستوى بناء الأحداث بل يتجسّد كذلك في مستوى بناء الجملة السردية إذ تأتي في أغلب الأحيان مختزلة ودقيقة ولعلّ الكاتب يتبنّى بدوره تلك المقولة التي صدر بها أحد كتاب الحساسية الجديدة -إبراهيم أصلان، روايته "مالك الحزين" (105) "ياناتائيل أوصيك بالدقّة لا بالوضوح" وهي مقولة بول فاليري الشهيرة.‏ </strong>
2. 5. 3: يكون الاقتصاد في الكلام لفائدة تكثيف الطاقة الإيحائية للجملة السردية ففي كثير من الأحيان يوحي الملفوظ بما يعني ولا يصرّح به وهذه بعض الأمثلة: "وأنت؟ رمقها صامتا قالت، وأولادك؟ طرقت عيناه لحظة، قال أنتظرك في القارب" قفزت صارخة حين جرت الضفادع على وجهها، كتم فمها بيده، أرقدها مرّة أخرى.."(107).‏ </strong>
الخاتمة:‏ </strong>
هكذا يتضح من خلال تحليلنا المفاهيم الأساسيّة التي تنظّم فضاء السّرد في رواية "صخب البحيرة" لمحمّد البساطي، أنّ المتخيل من أحداث وشخوص وفضاء، بتقليص إحالته الخارجيّة، ظلّ مجاوراً للخارق وال "ما فوق طبيعي" دون أن يقع فيهما ولئن ظلّ الطّبيعي والمنطقي والمحتمل السّمات البارزة الّتي تشدّ الأفعال إلى الواقعي في مجابهة الخارق فإنّ الحدّ الفاصل بين الواقعي والخارق يضيق والمجاورة تؤثر في طبيعة الخطاب الواقعي تأثيراً كبيراً. وعلى هذا النّحو استعار الخطاب الواقعي في رواية "صخب البحيرة" بعض أساليب الخطاب الخارق ولا سيّما الخطاب الفانطا سيّكي وهي طبيعة الشخصيّة والمتاهة والغموض والاقتصاد وشعريّة النصّ وهي ظواهر فنيّة تميّز الخطاب الفانطا ستيكي في الرّواية العربيّة ومع ذلك فإنّ الواقعيّة الغرئبيّة أنسب خانة نقترحها لتحديد الاختيار الفنّي الذّي مضى فيه كاتب الرواية محمّد البساطي لنتبيّن في النّهاية أنّ الخطابات الأدبيّة وكذلك الأجناس تفتح بوّابات على بعضها بعض وأنّ الواقعية في الكتابة الروائية الحديثة وعاء شاسع، تتناسل أساليبها مجاراة لواقع الكتابة وظروف الكاتب في مجتمع عربي يتقلص فيه دور الكاتب وتضيق وظيفته.‏ </strong>


ايوب صابر 05-26-2012 05:36 PM

مجلة "الرواية" تحتفي بيوسف إدريس،
محمد البساطي ويوسف القعيد
هشام بن الشاوي
hbenchchaoui@yahoo.com
الكاتب في حاجة إلى القليل من متع الحياة كي يكون عظيما
http://www.odabasham.net/images/rewaya365.jpg
صدر العدد الرابع من مجلة "الرواية"، وجاءت الافتتاحية بقلم عبد الرحمن أبو عوف، وخصصت المجلة ملفها الأول للرواية الإيرانية المعاصرة، وشارك فيه الدكتور محمد سيد أبو زيد والدكتورة منى أحمد حامد، وفي محور يوسف إدريس روائيا، كتب عبد الرحمن أبو عوف : " يوسف إدريس.. قراءة في الخطاب الروائي و السياسي"، وكتب الدكتور محمد السيد إسماعيل : " "البيضاء".. رواية البحث عن اليقين"، و تناول طلعت رضوان "الحرام بين النظرة الأحادية وتعدد المنظور"، وتطرق الدكتور خالد محمد عبد الغني إلى " قهر الضحية وجنون الجلاد في "العسكري الأسود" ليوسف إدريس"، وختم الملف بمقال لأمير القصة العربية، الدكتور يوسف إدريس تحت عنوان: "الكاتب في حاجة إلى القليل من متع الحياة كي يكون عظيما".
وكتب محمود قاسم عن عالم هيرتا موللر الحائزة على نوبل 2009، في ملف المجلة الثالث، كما شارك بمقالين أيضا في الملف الرابع "محور كاتبة وجائزة "، بينما تطرق الملف الخامس إلى تجربة محمد البساطي، وافتتحه عبد الرحمن أبو عوف بــ "شاعرية البناء والمكان في (منحنى النهر)"، وكتب سمير عبد الفتاح عن "الرواية القصصية.. "صخب البحيرة" نموذجا"، وقدمت الدكتورة أميمة خشبة:" السيرة المجتمعية وسرد ما بعد الواقعية السحرية... قراءة في رواية "جوع""، وكتب الدكتور ممدوح فراج النابي عن نفس الرواية، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لبوكر السنة الماضية، تحت عنوان: " (جوع) البساطي وغوايات المعرفة والاكتشاف... والحرمان"، وختمت الملف بالحوار الذي أجراه الكاتب المغربي هشام بن الشاوي مع صاحب "دق الطبول"، "الخالدية" و"غرف للإيجار".
وفي محورها السادس احتفت "الرواية" بكاتب سيتيني آخر هو يوسف القعيد، افتتحه عبد الرحمن أبو عوف بمقال : "هل شعبنا لا يقرأ؟"، وكتبت الدكتورة أماني فؤاد عن "بنية الانفصالات في "قسمة الغرباء" ليوسف القعيد"، ومصطفى كامل سعد عن "قطار العنف..قطار الصعيد رواية ليوسف القعيد"، وختم الملف بمشاركة الدكتور عبد العاطي كيوان، وجاءت تحت عنوان " صيرورة الحدث وآنية الخطاب في رواية يحدث الآن في مصر".
أما المحور السابع فقد خصص لشكري عياد، والثامن للترجمة، يليه محور النوافذ، محور الرواق، ثم محور السيرة الذاتية، كما خصصت ملفان، أحدهما عن الرواية والتلفزيون، وآخر عن الرواية والسينما، فضلا عن محور شهادات الروائيين، وختمت المجلة ملفاتها بمحور مكتبة الرواية.
الجدير بالذكر أن "الرواية" كتاب دوري يعنى بالإبداع الروائي المحلي والعالمي، يصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ايوب صابر 05-26-2012 05:37 PM

محمد البساطي لـ( المجلة الثقافية ):
رأيت كل سجون مصر


القاهرة - مكتب الجزيرة - أحمد عزمي
يعتبر القاص والروائي محمد البساطي من أبرز أبناء جيل الستينات في مصر، ذلك الجيل الذي كان عليه أن يكتب شيئاً آخر بعيداً عن سطوة نجيب محفوظ الإبداعية.
أغلب أعمال البساطي تنتمي إلى عالم القرية، حيث عاش طفولته وصباه في الريف المصري قبل أن ينتقل للإقامة والاستقرار في القاهرة، وكان حصاد هذه الرحلة الإنسانية تسعة مجموعات قصصية، منها (الكبار والصغار) و(منحنى النهر).
كما أصدر ثلاث عشرة رواية منها (صخب البحيرة) و(أصوات الليل) و(الخالدية) و(جوع) وأخيراً أصدر منذ أيام روايته (أسوار) التي تتناول عالم السجن، في تجربة تبدو غريبة على عالمه الإبداعي هنا حوار مع الروائي المصري محمد البساطي.
لم تتعرض لتجربة السجن أو الاعتقال ومع ذلك كان السجن موضوع روايتك الصادرة حديثاً.. من أين استمد البساطي خبرته الإبداعية حول هذا العالم المغلق على من خبره وعرفه من الداخل؟
- لقد رأيت كل سجون مصر، وشاهدت الوقائع التي سردتها في الرواية، من خلال عملي كمفتش مالي بمصلحة السجون، عندما كنت موظفاً بالجهاز المركزي للمحاسبات، وأجمل سجون مصر هو سجن (أبو زعبل) الموصوف في روايتي، وأسوأ هذه السجون (ليمان طره) ويعد سجن (المرج) بمثابة نزهة جميلة، لكن القاسم المشترك بينهما هو أن عنابر المسجونين قذرة بلا استثناء، ولا تصلح لإقامة البشر.
هل بيئتنا العربية منتجة للطغيان؟
- الطغيان ليس متوارثاً وإنما صفة مكتسبة، والدافع إلى ذلك عدم احترام هيبة القوانين.
تعتمد على فترات الطفولة والصبا في أعمالك الروائية والقصصية بشكل كبير، مقارنة بالمراحل التالية من العمر.. هل يعود ذلك إلى حنين يتمكن منك؟
- أنا أفسر هذا الأمر، بأنه (تخزين) خصوصا إذا كانت فترة الطفولة كثيرة الأحداث، وهذا لا ينفى أن لدىّ حنين ما لفترة الطفولة، فإذا راجعت تلك المرحلة من عمرك، تجدها ناصعة وحية، أكثر مما مررت به أمس، وأنه لا تستدعيها، لكنها هي التي تقتحمك فجأة، ما يجعلك منجذباً دائما لتلك المرحلة من العمر، وتريد كتابتها. هذا بالإضافة إلى أنني أحب الحركة في أماكن أعرفها، وأستطيع تخيل كل شيء عنها: الشوارع والبيوت والهواء، وليس بالضرورة أن أصف كل هذا، لكن ذلك الأمر يمنحني شعوراً بالطمأنينة وأنا أكتب.
ماذا عن قراءاتك؟
- قبل أن أكون كاتباً، أذكر أنني قرأت لفؤاد التكرالي، الروائي العراقي الراحل، كما أحببت القاص السوري زكريا تامر، ثم قرأت لعبد الرحمن منيف، وبعد ذلك لإلياس خوري، وربما يكون هناك كتاب على نفس الدرجة من الأهمية، لكن أعمالهم لا تصل إلينا.
هناك أيضا هدى بركات وإبراهيم الكوني وأحمد الفقيه والطاهر وطار وخيري الذهبي ونبيل سليمان، لدينا كوكبة من الكتاب الممتازين، لكن أعمالهم لا تصل إلينا بالقدر الكافي، فنعتمد على معرض الكتاب، لكن الكتب سعرها غال، والمفروض أننا كأمة عربية نقوم بإلغاء الجمارك على صناعة الكتاب، حتى تنتشر الثقافة، وبالتأكيد هناك أجيال جديدة ظهرت في العالم العربي، ولا نعرف عنها شيئاً، بسبب الأوضاع التي تقيد حركة الكتاب.
هل تعيد قراءة عمل واحد مرتين؟
- هناك أعمال سبق أن قرأتها، ثم أعود إليها، ولا أعيد قراءة كتاب إلا إذا كنت مطمئناً إلى قيمته الفنية، ولا تختلف متعتي في القراءة الثانية عنها في الأولى.
هل هناك كاتب معين تحرص على قراءة كتبه فور صدورها؟
- أحرص على قراءة أعمال أصدقائي، لأنني سوف أسأل عنها، باعتبارنا أصدقاء ننتمي إلى جيل الستينات نحن لا نجامل بعضنا البعض، ولكن هناك انتقادات شديدة وموضوعية لكل عمل، لهذا أرتاح لتقييم عملي من هؤلاء الأصدقاء، ومع ذلك لا يوجد كاتب يمكن أن تنجذب إليه لدرجة أن تنتظر صدور كتاب له.
تبدو اللغة في أعمالك ذات مستويات عدة، كيف تتعامل مع إشكالية اللغة؟
- أكتب وبجواري (القاموس) أو (المعجم)، وحين أختار مفردة عامية أو دارجة يكون شرطي أصلها العربي، وتكون أشد وقعاً وجمالاً من نظير لها أكثر فصاحة، وهناك كلمات عامية لا يستعملها الكتاب رغم فصاحتها، فهم يبتعدون عنها لعدم تداولها، وهناك كلمات إيقاعها بائس، وهذه ما أتجنبها، وإذا لم تكتب الجملة بإيقاع الكتابة فإن خللاً ما ستشعر به، وهذا يعود إلى إحساس الكاتب باللغة.
هل هناك شخصيات روائية أتيت عليها في أعمالك الإبداعية ثم ألحت عليك لتظهر في أعمال أخرى؟
- شخصية (زغلول) في رواية (الجوع) أريد أن أعود إليها، فلدى شعور بأنها تحتج إلى إضافة جديدة، وأشعر في ذات الوقت أن أية إضافة إليها ستخل بإيقاع الرواية، أيضا شخصية (الجد) في رواية (أوراق العائلة) تلح علىّ باستمرار أريد أن آخذه، وأفتح أمامه الطريق، ليحفر نهراً بدأه في (العائلة) أشعر أنه سيمنح الرواية الكثير، أيضا البطلة (ليال أخرى) أريد أن أصحبها إلى مكان آخر وعالم آخر، بالروح ذاتها التي كانت تتمتع بها.
ألا يربكك ظهور مثل هذه الشخصيات القديمة في أعمال جديدة؟
- يصيبني ذلك بنوع من الخجل، رغم أن كتاباً كباراً فعلوا ذلك من قبل، ماركيز فعل ذلك كثيراً، أيضا جونتر جراس حول (قبو بصل) وهى قصة قصيرة إلى رواية (طبل الصفيح)، هذه حرية ممنوحة للكاتب، لكنني أشعر أحياناً بأن هناك شخصية أعطت كل شيء عند ظهورها للمرة الأولى في عمل ما، وإذا عدت إليها مرة أخرى لن تكون على الدرجة ذاتها من الحيوية التي ظهرت بها لأول مرة.
ومتى يحدث ذلك طبقاً لتجربتك الإبداعية؟
- هذه الشخصية ليست جديدة، ثم أتذكر أنني كتبتها في عمل آخر، فأتوقف على الفور، لكن في بعض الأحيان، أعرف ذلك، لكنني أواصل الكتابة. حدث هذا في قصة (الأرامل) التي كانت أساساً رواية (أصوات الليل) بعد أن أضفت إليها ما يتواءم مع الرواية نفسها، كذلك حدث الأمر نفسه مع قصة (المجرى) التي اقتحمت رواية (أوراق العائلة)، وحاولت أن أبعدها عن العمل، دون جدوى، فقد فرضت وجودها علىّ، فتركتها تفعل ما تريد.
على كثرة ما تعامل النقاد مع عالمك الإبداعي هل هناك من استطاع الدخول إليه أم ظل الكثيرون خارج هذا العالم؟
- النماذج متعددة، ومنها من دخل إلى هذا العالم، ومنها من لم يستطع، ومع تعدد الدراسات التي كتبت عن رواية (الخالدية) أذكر أن الناقد أمين العيوطي قام بتحليل العمل في دراسة جيدة، شهد لها د. صبري حافظ، بأنها من أفضل ما كتب عن الرواية، ولا تنس أن حافظ ناقد نافذ كما أذكر أن الناقد الراحل (علي الراعي) كان معلماً قادراً على احتواء العمل وتحليله على نار هادئة، كذلك صبري حافظ الذي يكاد يكون متابعاً لكل أعمالي، وهناك دراسات فاروق عبد القادر المتميزة وإبراهيم فتحي الذي كتب أفضل ما كتب عن رواية (صخب البحيرة) وكذلك فاطمة الحسن التي كتبت دراستين عن أعمالي، رغم أنني لم ألتقيها مرة واحدة.
هل صحيح أن الإبداع الروائي والقصصي يسبق النقد بمسافات كبيرة؟
- هذا صحيح، هناك إنتاج غزير من الروايات، يصدر معظمه لكتاب شباب، والمفروض أن يظهر نقاد ينتمون إلى هذا الجيل، كما حدث معنا، رغم أن عددنا كجيل ستينات كان قليلاً مقارنة بجيل الشباب، الذي لا يحظى بمتابعة نقدية تتناسب وإبداعاته، كما أن أماكن النشر التي تهتم بتحليل العمل الأدبي ودراسته قليلة، ولا يوجد الناقد الذي يستطيع أن يمنح عملاً ما ليلة أو ليلتين من عمره، لأن اللهاث وراء لقمة العيش جعل هؤلاء يبحثون عما يدر دخلاً في ظل الأحوال الاقتصادية المتردية التي نعيشها.
هل تهتم بنظريات النقد الحديثة؟
- لا... لست مهتماً بمثل هذه الكتب، لأنني عندما أقرأها أظل ستة أشهر على الأقل منقطعاً عن الكتابة، لأن الخوض في معرفة قوانين الكتابة تقيد الكاتب، وتحد من انطلاقه، لذلك حين يكتب الناقد رواية لا تكون جيدة، لأنه أحاطها بمعرفته النقدية.
من الكاتب الذي لم يحصل على حقه في نظرك؟
- زكريا تامر خصوصاً أن نجمه أفل منذ فترة وكان علامة من علامات كتابة القصة القصيرة، ظهر يوم أن كان نجم يوسف إدريس في السماء، ثم اختفى، رغم أنه ترك تراثاً هائلاً في فن القصة القصيرة.

ايوب صابر 05-26-2012 05:45 PM

محمد البساطي
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

محمد البساطي هو محمد إبراهيم الدسوقي البساطي، أديب مصري معاصر ينتمي إلى جيل الستينيات. ولد عام 1937 في بلدة الجمالية المطلة على بحيرة المنزلة بمحافظة الدقهلية. وحصل على بكالوريوس التجارة عام 1960. عمل مديراً عاماً بالجهاز المركزي للمحاسبات، ورئيساً لتحرير سلسلة "أصوات" الأدبية التي تصدر في القاهرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
محور أعماله الأدبية

تدور معظم أعماله في جو الريف من خلال التفاصيل الدقيقة لحيوات أبطاله المهمشين في الحياه الذين لا يهمهم سطوة السلطة أو تغيرات العالم من حولهم. نشر البساطي أول قصة له عام 1962م بعد أن حصل على الجائزة الأولى في القصة من نادي القصة بمصر.
أعماله الأدبية

للبساطي حوالي عشرين عملاً ما بين الروايات والمجموعات القصصية
من رواياته:
  • "التاجر والنقاش" (1976)
  • "المقهى الزجاجي" (1978)
  • "الأيام الصعبة" (1978)
  • "بيوت وراء الاشجار" (1993)
  • "صخب البحيرة" (1994)
  • "أصوات الليل" (1998)
  • "ويأتي القطار" (1999)
  • "ليال أخرى" (2000)
  • "الخالدية"
  • "جوع" والتي رشحت للفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الثانية.
وله عدة مجموعات قصصية منها:
  • "الكبار والصغار" (1968)
  • "حديث من الطابق الثالث" (1970)
  • "أحلام رجال قصار العمر" (1979)
  • "هذا ما كان" (1987)
  • "منحنى النهر" (1990)
  • "ضوء ضعيف لا يكشف شيئاً" (1993)
  • "ساعة مغرب" (1996)
الجوائز والتكريمات
  • جائزة أحسن رواية لعام 1994م بمعرض القاهرة الدولي للكتاب عن روايته الموسومة صخب البحيرة.
  • جائزة "سلطان العويس" في الرواية والقصة لعام 2001م مناصفة مع السوري زكريا تامر.

ايوب صابر 05-26-2012 05:48 PM

محمد البساطي: جيلي كان نقدياً ورفع الصوت عالياً في وجه عبد الناصر
أغزر كتاب الستينات في مصر ما زال قادراً على الإدهاش

القاهرة: عبد النبي فرج

يكاد يكون حصار الإنسان وعزلته هو الفضاء الروائي الذي تدور فيه أعمال محمد البساطي، فهو مغرم بهذه التقنية، لأنها، على حد قوله، تجعله يرى شخوصه من الداخل. البساطي الذي يعد أغزر كتاب الستينات في مصر إنتاجا، ما زال قادرا على إثارة الدهشة والتساؤل في كتاباته. أسلوبه السلس الممتع، مسكون دائماً برائحة شفيفة للمكان. وهي رائحة خاصة لم تراكمها الجغرافيا، بل راكمتها خبرة الكتابة والحياة والسنين. هذا حوار مع محمد البساطي حول عالمه الروائي وعلاقته بجيله، وأبطاله ونظرته للروايات الجديدة.

>ما العوامل الحياتية التي أثرت في تكوين الروائي محمد البساطي؟
- رغم أنني عشت حياة عادية إلا أن الذي تميزت به حياتي هو الانتقال المستمر في الجغرافيا. فقد ولدت في محافظة الشرقية، ثم انتقلت إلى محافظة الدقهلية، وهناك كانت الصدفة السعيدة أن بيتنا كان يطل على بحيرة المنزلة؛ فكانت هذه المنطقة تمثل حالة فريدة بالنسبة لي، بسبب جزرها التي تعيش عليها عائلات صغيرة موردها الأساسي تربية الماشية وصيد الأسماك. وكان نمط الحياة بين هؤلاء البشر مليئا بالدفء والحميمية، رغم ظروف الحياة الصعبة.
بعد ذلك نزحنا إلى القاهرة للتعليم، كان عملي في الجهاز المركزي للمحاسبات، في مجال التفتيش على الوحدات المالية للحكومة. وهذا أتاح لي أن أجوب كل نواحي مصر، ومن ضمن الأماكن التي كان عليَّ أن أزورها مصلحة السجون، لذلك كتبت مجموعة قصصية عن عالم السجن، تتضمن خمس عشرة قصة. والسجن يوجد في بعض المشاهد من رواياتي، وكتبت أيضا عنه في رواية «التاجر والنقاش». هذا الانتقال المتعدد ساعدني على وصف الأمكنة والشخوص، خاصة التي من بيئات معينة لا يستطيع الخيال وحده أن يستحضرها.
>منطقة الجزر هذه كانت موضوع روايتك «صخب البحيرة» كيف ترى هذا العالم الآن كما صورته في هذه الرواية؟
- رواية «صخب البحيرة « عن عزلة الإنسان، فشخوصها يعيشون في عزلة ويحملون سمات الإنسان المعزول. وتوجد حكاية طريفة لم أروها، وهي أن كل شاب يتزوج، ينتقل إلى جزيرة أخرى مجاورة، ويصبح في عزلة مضاعفة.
المؤثر الآخر في هذه الرواية هو الحروب التي عاشتها مصر، وكانت بلدنا الخط الثاني في الصدام مع إسرائيل بعد الخط الأول وهو بورسعيد والسويس والاسماعيلية؛ ولذلك كان الخط الثاني هو الملجأ لنزوح أهالي مدن القناة.
> المهجرون أيضاً كانوا موضوعاً لرواية «بيوت وراء الأشجار»، وهذا يثير سؤالاً حول دور الواقع المباشر في أعمال البساطي؟
- بالنسبة لي الواقع هو المثير الأول في الكتابة الروائية، وأنا ما زلت أحمل داخلي خزينا من التجارب الإنسانية المتنوعة.
> الايروتيكا تمثل هاجسا ملحاً لشخوص رواياتك الأخيرة. هل توافقني على هذا الرأي؟
- «الإيروتيكا» ليست مقحمة في الرواية وهذا هو المهم. فرواية «فردوس» تحكي عن شخصية حقيقية عايشتها في البلد عن قرب. أما «ليال أخرى» فهي عن شخصية أعرفها، أصور من خلالها تداعيات فترة سلبية في تاريخ مصر. وهي فترة «السادات» لأنني كرهت هذا العصر أشد الكراهية. «الإيروتيكا» هنا ليست لذاتها ولكنها حالة، تضيف للنص ـ وتمنحه مجالات إدراك جديدة. وأنا أعتبر عندما تكتب «الإيروتيكا» معزولة لذاتها يتحول الأدب إلى أدب تافه، وهناك نماذج كثيرة على ذلك. كما هناك روايات من الأدب العالمي كانت بها «الإيروتيكا» عالية وكثيفة، وتشعر بأنها ضرورية للعمل الأدبي.
> المرأة تمثل محوراً للصراع في رواية محمد البساطي الأخيرة، لماذا؟
- كان أول من تناول المرأة هو نجيب محفوظ في رواياته، ولكن لدى نجيب محفوظ كان الرمز واضحاً وصريحاً، واستمر النقاد ينبشون هذه الرموز في أي عمل له. ومن ثم لم تعد المرأة واقعاً ملموساً من لحم ودم، بل مجرد رمز تجريدي. ومن السهل أن تكون «حميدة» في زقاق المدق هي مصر، لكن المرأة عندي هي واقع حي مقهور، وهي في حالة شديدة السوء، ثم إنها عادة ما تظهر في أعمالي برغم انني لا أكون واعيا بذلك.
> الحوار يمثل قيمة جوهرية في أعمالك منذ رواية «التاجر والنقاش»، فيما تتراجع أحيانا مقومات حديثة للسرد.. كيف ترى ذلك؟
- الحوار قادر على تكثيف الجوانب الشخصية أكثر من السرد، خاصة أن الحوار أكثر حيوية وحياداً، كما إنه يعبر عن الأفكار التي يراد لها أن تصل مباشرة إلى القارئ.
>باعتبارك متابعا لحركة الكتابة الروائية والقصصية، برأيك هل توجد ملامح كتابة جديدة في مصر؟
- يوجد صوت جديد ولكن ملامحه تحتاج إلى قليل من الصبر، فأغلب المنشور هو الرواية الأولى للكاتب فلننتظر الرواية الثانية والثالثة. إنما في كل الأحوال تختلف الروايات الحالية بالتأكيد عن رواية الستينات التي كانت مهجوسة بالهم السياسي والاجتماعي وهو ما تبتعد عنه الأعمال الجديدة بقصدية واعية.
>هل توافق على قول جابر عصفور إننا نعيش زمن الرواية؟
- لا، فالشعر موجود بقوة ويوجد شعراء كبار، ولكن الذي خفتت قوته هو القصة القصيرة، ليس عندنا وحسب، ولكن في كل البلدان، نادرا ما نقرأ الآن قصة قصيرة متميزة مثل قصص هيمنغواي وتشيكوف، أو ماركيز أو يوسف إدريس. فالقول أن هذا الزمن زمن الرواية فيه مبالغة.
> كيف تقيم برأيك سيل الروايات التي تتخذ نفايات المدينة، من فساد سياسي وأخلاقي، محورا للسرد وتسمى عادة بالواقعية القذرة؟
- قرأت الكثير من هذه الأعمال ومعجب بها، وأنظر إليها كنوع من الاحتجاج والرفض لما هو قائم، ولكل السلبيات التي نعيشها وقد أصبحت رهيبة. فلو تعاملنا مع هذه الروايات من هذا المنظور ستجدها روايات جيدة ولكن عندما يستقر الأمر ستختفي تلك الأعمال.
> البعض أشار إلى رواية «صخب البحيرة» باعتبارها رواية غامضة هل تتفق مع هذا الأمر؟
- البعض أشار بأنها غامضة والبعض الآخر لم يعتبرها كذلك، فلكل رواية خصوصية، كما أن الشرح يضر أحيانا بالعمل الأدبي.
> روايتك الأخيرة «جوع» هل هي تعبير عن الوضع القائم؟
- نحن نعيش حالة انهيار يتجسد فيها الجوع بشدة ورأيت أن أفضل ما يكتب للتعبير عن هذه الحالة، هو الجوع الذي تعيشه أسرة مصرية، وكم البؤس الانساني الذي يغلف حياتها.
> أنت محظوظ نقديا، تابع أعمالك كبار النقاد المصريين وغيرهم، وترجم معظمها إلى عدة لغات. هل تتفق مع الرأي الذي يذهب إلى أن المكان هو الفاعل الأول والذي يحدد ويحرك مصائر الشخوص في معظم الأحيان. ألا تشعر أن هذه التقنية أصبحت مجرد نمط قالبي يجب كسره والتمرد عليه؟
- نعم أنا محظوظ نقدياً، وراض تماما عن ذلك. وأتفق معك ان الشخصيات في أعمالي تطبع بطابع المكان وتتشربه، فأناس، مثلا، يعيشون في جزر منفصلة، ولم تتح لهم الحياة الاختلاط بالمدن والحياة المعاصرة، كيف يفلتون من حصار المكان؟ الجغرافيا تصنع البشر، ولذلك رواية «صخب البحيرة» هي رواية المكان بامتياز، وانعكس ذلك على حياة الشخوص التي وسمت بالعزلة. وما زلت أشعر أن المكان لم يستنفد مخزونه الإنساني، وأنا لا أتعامل معه كمجرد إناء، بل كحامل دائم لخبرة ومسيرة بشر في الحياة والتاريخ. ومن هنا يفرض المكان تطوره، بل روحه الخاصة من عمل إلى آخر.
> من الملاحظ أنك مغرم بحصار الشخوص في أماكن نائية.
- بالفعل أنا مغرم بحصار الشخصية في بعض الروايات، بسبب رغبتي في معرفة كيف تكتشف العالم حولها وتواجه مصيرها ومأزقها الإنساني في حيز بسيط ومحدود. أحب أن أنوه بأن الغرام بهذا الحصار ليس محض حالة سيكولوجية وإنما هو نتاج طبيعي لعلاقة الشخصية بواقعها. وهذا ما تلاحظه مثلا في رواية «فردوس». فالقصة مستمدة من الواقع، ناهيك عن أن العزلة تكشف عن المخزون الروحي للشخصية، فصراعها أساسا يبدو مع ذاتها.

وقد انعكس ذلك على قصصي القصيرة، فالكثير منها غارق في تهاويم شعرية ويغيب الموضوع ، ونحن نجد الكثير من القصص العالمية الممتازة بلا مضمون، وتكتفي بلمسة حزن، أو مودة. وأعتقد أن الكثير من قصص تشيكوف هي كذلك.
> أيضا أنت مغرم بأن تدور القصص والروايات في الليل حتى انه لديك أعمال بعناوين: «أصوات الليل» و«ساعة مغرب» و«ضوء خفيف»؟
- لليل إيقاع خاص في نفسي، وهو يساعدني في أن أضفي لمسة من السحر والشعر على الواقع المباشر، والتخفيف كثيراً من تجهمه وقسوته.
>هل تتفق معي أن جيل الستينات هو أول من انفصل عن القارئ العام، وشجع على ذلك النخبة السياسية، بل فتحت لكم مؤسساتها للنشر والعمل؟
- لا أنا أختلف معك في ذلك. جيل الستينات في بداية المد الثوري الذي قاده عبد الناصر، كان ناقدا بشدة للتجاوزات الثورية من إجهاض للديمقراطية واستبداد الدكتاتورية. كان جيل الستينات صاحب الصوت العالي، ولذلك لفت الانتباه بشدة. سنجد ذلك مجسداً بقوة، في كتابات صنع الله إبراهيم والغيطانى وأصلان ويحيي الطاهر، وعبد الحكيم قاسم، وهم فرسان هذا الجيل مما أجبر المؤسسة أن تنشر لنا، وتفيد من خبراتنا.
> لكن ذلك النشر كان في طبعات محدودة، وتم حصاره في أماكن مغلقة؟
- محدودية التوزيع لم تكن قاصرة على جيل الستينات، فنجيب محفوظ كان يحكى في جلساته بمقهى ريش عن ضآلة توزيع أعمالة التي لا تطبع سوى 300 نسخة، ويوزع منها القليل. واللذان كانا يوزعان جيداً، في ذلك الوقت، هما إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي. أي أن الكتابات الرومانسية هي التي كانت تشد القارئ كثيراً، وليست الكتابات المهمة الممتلئة بالهموم.
> لكن البعض يرى أن السبب هو تأثر جيل الستينات بالأدب الأوروبى، خاصة تيار الاغتراب والتشظي والعدمية. هذا كان له ما يبرره في دول فقدت ملايين القتلى في الحرب العالمية الأولى والثانية، وتم استيراد هذا النموذج الغربي، الذي لم تخرجنا منه سوى الواقعية السحرية الآتية من أمريكا اللاتينية.
- بالعكس... الميزة الأساسية لجيل الستينات، انه ابتعد عن التأثر بالغرب، ولكنة استفاد من تقنيات الكتابة لدى كبار كتابهم، وهذه مسألة مشروعة لأن الفن كوني. بل إن جيل الستينات كان ملتصقا بالشارع وهموم الوطن. فحينما كتب صنع الله روايته «تلك الرائحة» كان يكتب عذابات الإنسان في المعتقلات التي كانت مفتوحة على اتساعها في عهد عبد الناصر، برغم انجازاته الكبيرة. وستجد قصة لي اسمها «المقشرة» تدور حول تعذيب المساجين داخل المعتقلات. مات المناضل شهدي عطية الشافعي داخل السجن في أيام عبد الناصر، وكذلك في أعمال يحيي الطاهر تجد الهم الفلسطيني، مجسداً في واقع يومي شديد الصعوبة.
> كيف ترى رواية السيرة الذاتية التي انتشرت في الفترة الأخيرة؟
- بعض النقاد قالوا إن هذا الجيل مستغرق في ذاته، ولكنه كلام عام وفضفاض. حتى لو كانت الرواية سيرة ذاتية، فالمهم ما تطرحه من قضايا الكتابة. الشاعر المصري أسامة الديناصوري كتب سيرة ذاتية اسمها «كلبي الهرم» جاءت غاية في الجمال، وكشفت الصعوبات التي يعيشها الإنسان المصري. ولا ننسى لطيفة الزيات وعملها «أوراق شخصية»، وهي سيرة ذاتية من أجمل ما كتب، وقد قرأتها كرواية كاملة لا كسيرة ذاتية.

ايوب صابر 05-26-2012 10:28 PM

العوامل الحياتية التي أثرت في تكوين الروائي محمد البساطي:
يقول : - رغم أنني عشت حياة عادية إلا أن الذي تميزت به حياتي هو الانتقال المستمر في الجغرافيا. فقد ولدت في محافظة الشرقية، ثم انتقلت إلى محافظة الدقهلية، وهناك كانت الصدفة السعيدة أن بيتنا كان يطل على بحيرة المنزلة؛ فكانت هذه المنطقة تمثل حالة فريدة بالنسبة لي، بسبب جزرها التي تعيش عليها عائلات صغيرة موردها الأساسي تربية الماشية وصيد الأسماك. وكان نمط الحياة بين هؤلاء البشر مليئا بالدفء والحميمية، رغم ظروف الحياة الصعبة. بعد ذلك نزحنا إلى القاهرة للتعليم.
- كان عملي في الجهاز المركزي للمحاسبات، في مجال التفتيش على الوحدات المالية للحكومة. وهذا أتاح لي أن أجوب كل نواحي مصر، ومن ضمن الأماكن التي كان عليَّ أن أزورها مصلحة السجون، لذلك كتبت مجموعة قصصية عن عالم السجن، تتضمن خمس عشرة قصة.
- والسجن يوجد في بعض المشاهد من رواياتي، وكتبت أيضا عنه في رواية «التاجر والنقاش». هذا الانتقال المتعدد ساعدني على وصف الأمكنة والشخوص، خاصة التي من بيئات معينة لا يستطيع الخيال وحده أن يستحضرها.
- رواية «صخب البحيرة « عن عزلة الإنسان، فشخوصها يعيشون في عزلة ويحملون سمات الإنسان المعزول. وتوجد حكاية طريفة لم أروها، وهي أن كل شاب يتزوج، ينتقل إلى جزيرة أخرى مجاورة، ويصبح في عزلة مضاعفة.

السفر والعزلة عناصر اساسية في تكوين هذا العبقري. لكننا نجهل الكثير عن طفولته.

مجهول الطفولة.

ايوب صابر 05-27-2012 09:01 AM

ابرز حدث في حياة كل واحد من الروائيين اصحاب افضل الروايات العربية المائة من رقم 81- 90 :

81- رموز عصرية خضير عبدالامير العراق مجهولالطفولة.
82- ونصيبي من الافق عبد القادر بنالشيخ تونس .. مجهول الطفولة
83- مجنون الحكم سالم حميش المغرب.. مجهول الطفولة
84- الخماسية إسماعيل فهدإسماعيل الكويت... يتيم اجتماعي
85- أجنحة التيه جواد الصيداوي لبنان مجهول الطفولة
86- يام الرماد محمد عز الدين التازي المغرب طفولة مجهولة.
87- رأس بيروت ياسين رفاعية سوريا مأزوم
88- عين الشمس خليفة حسين مصطفي ليبيا مأزوم.
89- لونجه والغول زهور ونيسي الجزائرمجهولة الطفولة.
90- صخب البحيرة محمد البساطي مصر مجهول الطفولة

ايوب صابر 05-27-2012 10:39 AM

91- السائرون نياماسعد مكاوي مصر
أشهرُ روايات القاص الكبير سعد مكاوى، تتناول الثلاثين عامًا الأخيرة من حكم المماليك فى قالب شيِّق جذاب. رأى فيها بعضُ النقاد أنها إسقاط مباشر على الضباط الأحرار وصراعاتهم وعلاقتهم بالشعب. وقد نُشرت هذه الرواية عام 1963 فكانت من أوائل الأعمال التى وظفتْ التراث.
وُلد سعد مكاوى (1916 ــ 1985) بقرية الدلاتون بمحافظة المنوفية. أنهى دراسته الثانوية بالقاهرة، ثم سافر إلى فرنسا ليلتحق بجامعة السوربون. ثم أصبح أحد كتاب جريدة المصرى لسان حال حزب الوفد. واشتهر ككاتب للقصة والرواية والمسرح

==
هكذا يُكتب التراث روائياً. من أجمل ما قرأت في حياتي. منذ ثلاثية غرطانة لم تسحرني رواية تاريخية مثلما فعلت السائرون نياماً.
الرواية مقسمة لثلاثة أجزاء ونسج بهم سعد مكاوي عشرات الشخصيات والأماكن في سحر جذاب يجعلك تفغر فاك في دهشة سائلاً كيف أمكنه الإمساك بتلابيب هذه الشخصيات وبحكاياتهم وبجمعهم معاً بهذا الأسلوب والبيان الأخاذ.
الرواية تحكي الثلاثين عاماً الأخيرة لحكم المماليك، وقيل أن بها إسقاط واضح على الضباط الأشرار وصراعهم بعضهم بعضا.. لكنك تجد أن حالهم لا يختلف كثيراً عن الزبانية الذين أحاطوا بالرئيس المخلوع.
ستغوص في البلاط السلطاني وقت المماليك.. ستعرف كيف أن المملوك يظل بلا كرامة وإن صار ملكاً. ستعرف كم الفساد الذي سيطر على هذه الحقبة الزمنية. وأيضاً الشعب المغلوب على أمره، الذي دُهس بالأقدام، وسبيت منه النساء، وعُومل بالكرباج.. رغم أن كل همه كان لقمة يأكلها.
ألفاظ سعد مكاوي وأسلوبه يأخذوك منذ الكلمة الأولى بأسطورية لهذا العالم.. تعيش بداخله وتحيا وسط المسميات المملوكية، حيث أتابك العسكر وبيت المال والمتلزم والسخرة. رغم أنني أحنق كثيراً على دار الشروق لارتفاع أسعار أعمالها، إلا أنني أجدني مديناً بامتنان حقيقي لها على سلسلة النصوص المميزة التي عرفتنّا على أعمال كاد التاريخ أن ينساها.
==
صراع وتناحر وقتل. اعتداءات ومرض وموت. دروشة وخرافات و... مدد! مدد. أيعقل ألا يكون المماليك أضافوا أي قيمة لمصر طول مدة حكمهم؟
لغة جميلة وتصوير راق حتى للاعتداءات المذكورة

==
لا أدري...أهو حبي الشديد للروايات التاريخية...أم براعة ذلك العمل الأدبي للقاص سعد مكاوي ؟... الذي جعلني أعيش ليالي قلعة الجبل..أدخل مخادع سلاطينها...أسمع همس الجواري فيها..و صرخات المساجين في أقبيتها...أتجول في القاهرة المنكوبة أبان تلك الفترة...أشم روائح الجثث المصلوبة..ثم أطير لقرى الفلاحين المقهورين....لأرى كيف تكون كسرة الخبز هي الطلب الوحيد...و أسمع صوت كسر عظام البسطاء في مطحنة الحياة...

كيف أبدع سعد مكاوي هكذا..في انتقاءه للألفاظ...و تراكيب العبارات...كيف أستخدم اللغة التي تعود بك كل لفظة فيها إلى مكانها الأصلي...لغة أهل حواري القاهرة و قرى الفلاحين و امراء الجركس و مجاذيب الأولياء....عمل ادبي شديد التميز...

الفارئ للتاريخ لن يعدم الأسقاطات الواضحة لهذة الرواية...عهد أنقلاب العسكر في 1952....و طحن الشعب في سبيل رغباتهم..و تحول سلطان اليوم إلى مسجون و ذبيح الغد....هذا الكم الهائل من المتلصصين و البصاصين و الجواسيس...حتى يظن المرء أن الأخ يبلغ عن اخيه ...فيأتي بالجذور التاريخية للبوليس السياسي و جهاز امن الدولة...أيضا ثورة يناير...و صراع القوى المستمر الذي لا رحمة فيه....رأيت فيها أسقاطاً على أحداث الامن المركزي 1986...على الرغم من أن الرواية كتبت قبلها بما يزيد عن العشرين سنة...و من هنا تبرز عبقرية هذا العمل....التي تتجدد أسقاطاته بتوالى الأحداث...

عمل روائي تاريخي عبقري.
==
استمتعت جدا في العيش في تفاصيل الحياة في الفترة التاريخية من 1468 الي 1499 ، حوالي ثلاثين عام من فترة حكم المماليك .. مابين الردهات و القاعات و الغرف المغقلة و اعماق السجون في القصر السلطاني .. و بين ازقة (حارة الحمام) و بيوتها العطنة و و المدن المصرية ببوابتها العملاقة التي تغلق علي ساكبنها طوال اللليل و المقاهي و الكتاتيب و واقبية المجاذيب و البهاليل.. وبين الريف في (ميت جيهنة) المٌغتصب خيره و ارضه وفلاحية.
الاحداث المتوالية و ترابطها و متابعة ما يحدث لعشرات الشخصيات المؤثرة ما بين القصور و الحارة و الريف لم تخلوا من التشويق والمواقف الغير متوقعة و الكشف عن مفاجأت حتي اخر القصة.
في نظري الكتاب موسوعة في الالفاظ و المسميات القديمة في هذا العصر كما انه يصف بدقة تفاصيل المعيشة .
قراءة القصة اليوم بعد المرور باحداث ثورة يناير قد يبين مدي تشابه الحياة المصرية عبر الاجيال منذ قديم الازل .

</SPAN>
</SPAN>

ايوب صابر 05-27-2012 10:40 AM

سعد مكاوى
ولد الكاتب القاص الكبير سعد مكاوي حسن في 6 أغسطس عام 1916 بقرية " الدلاتون " مركز شبين الكوم – محافظة المنوفية ، وعنها صاغ مجموعة قصصية كاملة بعنوان " الماء العكر " بحيث كانت قرية " الدلاتون " ببيئتها والواقع الدائر في أنحائها هي مادة هذه القصص الشيقة .

تلقي تعليمه في مدرسة شبرا الإبتدائية ومدرسة التوفيقية وفؤاد الأول الثانوية ، قرأ كل ما تحتويه مكتبة والده من كتب التراث والتاريخ والأدب ، ومجلدات المجلات الشهرية مثل " المقتطف " ، " الهلال " ، وغيرها ، وحضر ما كان يعقده والده مدرس اللغة العربية من منتدي يومي أمام بيته الريفي وسط حديقة فواكه بسيطة مع الأصدقاء والمتعلمين من الفلاحين وكانت مادة الحديث العقيدة والتصوف والفكر والأدب ، بما شكل وجدان الشاب الصغير وأطلق أمامه أفاق الفكر والتأمل ، كما قرأ في القصة كتابات محمود تيمور ، المازني ، طاهر لاشين ، ثم سافر إلي باريس عام 1936م ودرس لمدة عام واحد في كلية الطب في " مونبلييه " بفرنسا ، ثم انتقل لكلية الآداب بالسربون حتى عام 1940 م ، وفي هذه الفترة تفتح أمامه عالم " جي دي موباسان " من رواد القصة القصيرة في العصر الحديث وقرأ له بلغته الأصلية ، وقرأ أيضا أعمال " إميل زولا " ، " بلزاك " ، " مارسيل بروست " ، وعند عودته من باريس بدا العمل بالصحافة بتولي الإشراف علي صفحة الأدب في جريدة المصري عام 1947 م ، ثم بجريدة " الشعب " من عام 1956 : 1959 م ، ثم كاتبا بجريدة الجمهورية ، وعمل مشرفا علي لجنة قراءة النصوص السينمائية في وزارة الثقافة ، ورئيسا لهيئة المسرح بوزارة الثقافة حتى 16-8-1976م ، وهو عضو مؤسس بنادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب ، كما شغل لفترة مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة .

السائرون نياما

قال ايوب لصبيه يوسف وهو يرفع يديه عن النعش الذى يصقل خشبة الجديد :
- قم وتفرج , فقد دنا الموكب .
وكان رنين الأبواق المقبلة قد أخذ يتعالى مع ايقاع الطلبخاناه , فوثب يوسف الى منصة دكان النجار العالية وصاح فى ابتهاج :
- عقبى له يوم يجهز له هو الأخر نعشه
رشف صانع النعوش الثمالة المتبقية من قهوة العصر فى قاع الفنجان الفخارى قبل أن يلحق بصبيه فى مرصده العالى :
- أمسك لسانك يا ولد ... فالبصاصون أكثر من الحصى !

الفترة التاريخية التى تدور فيها احداث الرواية لا تكاد تتجاوز ثلاثين سنة ( 1468-1499م ) من عمر سلطنة المماليك التى حكمت تاريخ مصر والشرق 267 سنة .


ايوب صابر 05-27-2012 04:03 PM

صورةمصر في السرد الروائي المعاصر-دراسة في نماذج مختارة -د محمد عبد الحليمغنيم

\6- السائرون نياما ( عزة ) بدأ سعد مكاوي (1985-1916) نشر رواية السائرون نياما فييناير 1963 في جريدة الجمهورية لسان حال الثورة في ذلك الوقت ، في عز المجدالاشتراكي بعد صدور قوانين يوليو الاشتراكية وكتاب الميثاق ، ثم ظهرت الرواية فيكتاب لأول مرة في مايو عام 1965 والعجيب ألا يتعرض أحد للرواية بالنقد أو المدح أوالذم كما هو الحال عندما يظهر عمل جديد ,ويبدو أن الكاتب أصيب بإحباط شديد من جراءذلك , فلم يعد إلي كتابة الرواية إلا بعد ما يقرب من خمسة عشر عاما , إذ بدأ نشررواية تاريخية أيضا بعنوان الكرباج في الأهرام عام 1979 , ثم ظهرت في كتاب عن دارشهدي عام 1984 , ثم رواية \" لا تسقني وحدي\" وهي تعتمد علي التاريخ أيضا , لكنالروايتين لم تكونا في مستوي رواية السائرون نياما . ظهرت بعد السائرون نياماروايات تاريخية أخري للغيطاني ونجيب محفوظ ومجيد طوبيا وفتحي إمبابي وغيرهم وكلهاروايات متميزة إلا أنه تبقي رواية السائرون نياما علامة بارزة في تاريخ الروايةالمصرية عامة وتاريخ إبداع سعد مكاوي خاصة , وقد بدأ التنبه إلى أهمية الرواية فيالسنوات الأخيرة فأعيد طبعها عدة مرات ، كان آخرها العام الماضي عن المجلس الأعلىللثقافة . وقد حدد لنا الكاتب الفترة التاريخية التي اعتمد عليها في بناء روايتهفكتب في صدر الرواية يقول : \"الفترة التاريخية التي تدور فيها أحداث هذه القصة لاتكاد تتجاوز ثلاثين سنة (1468 – 1499) من عصر سلطنة المماليك التي حكمت تاريخ مصروالشرق 267 سنة \"(44) ويبرز السؤال : لماذا التاريخ المملوكي بالذات ؟ ولماذاالاعتماد على الفترات المضطربة منه ؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال ذي الشقين أشيرفقط إلى عبارة \"جون بويون\" المشهورة ؛ إذ تمثل وحدها نصف الإجابة ، يقول \" الشعوب السعيدة لا تاريخ لها\"(45) ، رجع سعد مكاوي إلى التاريخ المملوكي– حيثالقهر والظلم والاستبداد الواقع على الشعب من جانب الحكام ومن ثم أعوانهم ، وحيثالانفصال الحاد بين السلطان والرعية فالحكام أجانب لا يتكلمون لغة الشعب فلم \"يتعلموا قط اللغة العربية واستمروا طبقة متميزة تماماً عن السكان المحليين \"(46) . ومفروضون عليهم ، لم يأتوا باختيارهم ولعل الرجوع إلى المصادر التاريخية وبالذاتالتي تناولت هذه الفترة يغنينا عن عرض مساوئ الحكم المملوكي ، والمعاناة والظلموالقهر الذي تكبده الشعب المصري تحت ظلال هذا الحكم ونعود إلى السؤال الذي طرحناهمرة أخرى بشكل أساسي لنجد ذلك التشابه بين الفترة التاريخية التي تدور فيها أحداثالرواية وبين الواقع المعيشي الذي يكتب فيه الكاتب روايته . إن الرسالة واضحة في \"السائرون نياما\" فهذا الشعب السائر كالنائم محكوم بالقهر والظلم والاستبداد منقبل سلطة العسكر المستبدة ولذلك لابد من مقاومة هذا الظلم والقهر ولابد أيضا من خلعهذه السلطة المستبدة التي لا تمت للشعب بصلة ، فهي في حكم الأجنبي الذي لا يتحدثلغة الشعب صاحب الأرض والتاريخ ، إن مثل هذه الرسالة الجادة لا يمكن أن تقال بشكلمباشر ، من هنا كان اللجوء إلى التاريخ والرمز ، ومع ذلك فُهمت الرسالة جيدا ،ومنهنا يمكن تفسير التعتيم الذي ران على الرواية ، فكاد يدفعها إلى قاع الظلمات . والواقع أن قيمة رواية \" السائرون نياما \" لا تنبع من رسالتها المشار إليها فحسب، ولكن قيمتها الحقيقية في إحكام بنائها السردي وتشكيلها الجمالي ، فقد حشد المؤلففي هذه الرواية جُل طاقته الفنية لتخرج لنا رواية كاملة الأوصاف على حد قول أستاذناالمرحوم على الراعي اعتمد الكاتب في بناء الرواية على ما يسمى بالبناء المتوازي ،وهو نمط من البناء ، تقسم أحداث الرواية على عدة محاور ، تتوازى في زمن وقوعها ،ولكن أماكن وقوعها تكون متباعدة نسبياً ، ولكل محور شخصياته الخاصة بها ، تنمووتتطور إلى أن تلتقي في خاتمة الرواية ، و ربما تظل معلقة دون لقاء ، وهذا البناءبالإضافة إلى إسقاط فترة طويلة من الأحداث على المستوى التاريخي ( يسقط سعد مكاويتسعا وعشرين عاما من الأحداث التاريخية الحقيقة للفترة التي حددها في صدر الرواية ) مكنا الكاتب من إحكام بناء الرواية مما ساعد بالضرورة على توصيل رؤية الكاتب . ففيالرواية تتوازى الأحداث في ثلاثة محاور أساسية تؤلف بإجمالها حدث الرواية الرئيسي : المحور الأول يرتبط بالمماليك والسلاطين وما يدور في فلكهم من شخصيات داخل القلعةوخارجها . والمحور الثاني يرتبط بالشخصيات الشعبية وهو يختلف عن المحور السابقالمرتبط مكانيا بالقاهرة فقط ، وبخاصة القلعة ، في أنة يجمع بين مكانيين متباعدينهما : القاهرة وميت جهينة ، بمعنى آخر المدينة و القرية ، مما يشي بدلالة وحدةالشعب وتماسك الشخصيات المؤلفة لهذا المحور ، يؤكد ذلك وقوف شخصيات أخرى من الصعيدبجوار أهل \"ميت جهينة\" والقاهرة في صراعهم مع آل حمزة .أما المحور الثالث فيرتبطبشخصية \"حمزة\" الكبير وابنه\"إدريس\" وحفيده من بعدهما الذين يمثلون الطبقةالبرجوازية ( أعوان السلطة ) بكل قيمها ومثلها الاجتماعية والمادية , فى مواجهةالشعب في القرية .
ويتجلى تماسك البناء في الرواية من خلال المحور الثاني الذييمثل حلقة الوصل بين المحورين الأول والثالث ، ثم من خلال تفاعل شخصيات كل محور علىحدة ، لتكون بنيتها الخاصة المتماسكة في حد ذاتها ، إذا تتصارع شخصيات كل محور معبعضها البعض ، كما سنرى من خلال الأحداث . يقسم \"سعد مكاوي\" روايته إلى ثلاثةأجزاء ، ويعطى لكل جزء اسما خاصا به هي على الترتيب :( الطاووس – الطاعون – الطاحون ) ,\" وهى معادلة منطقيةجداً فإذا انتشر الظلم و السلب والنهب ، وتمتعت فئة صغيرةوعاشت متخمة برفاهيتها فهي كا (الطاووس) . وإذا استشرى الفقر وعم وعاشت فيهالغالبية العظمى البائسة وتلظت على نيرانه فهي كا (الطاعون) ، وحتى إذا استمرت هذهالأوضاع لمدة ثلاثين عاما ، فلا بد أن تتقلب وتتغير الأحوال ، وحين يفيض الكيلبالمطحونين ينطلقوا من (الطاحون) إلى الثورة\" (47) . ويتشكل البناء في الرواية منخلال صراع المحور الثاني الذي يمثله الشعب مع محوري الرواية الآخرين اللذين يمثلانالسلطة وأعوانها، وذلك على مستويين , المستوى الأول : السلطان / الرعية ، والمستوىالثاني : الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة (العمال في القاهرة والفلاحين في ميتجهيئة) وبين الطبقة البرجوازية التي يمثلها آل حمزة . وبذلك يتشعب الصراع ويحتدممما يثرى العمل درامياً ، ويعطيه حيوية متدفقة تجعل الرواية نابضة بالحياة ، زاخرةبالقيم الإنسانية والروحية . إن هذه الأحداث في مجملها تفرز لنا شخصيات تتجلى فيهسمات الشخصية المصرية في تعاونها وتآلفها ورفضها للظلم وحرصها على كرامتها وعلىأرضها وشرفها ، إنها في الأخير تصهر الشعب في بوتقة واحدة ، ليندفع في ثورة عاتيةضد الملتزم في ميت جهينة الذي يرمز إلى السلطة الحاكمة ، فيفتحون صوامع الغلالويستولون عليها : ـ فتحناها فتحناها !… ـ صوامعنا ! … ـ كله من فضلة خيركم ! ... ـإرادة الله فيكم ! ... ـ أبشر يا ساكن الجميزة ! ... (48) . وإذا كانت هذه الأحداثأبرزت الشخصية المصرية وحسم الصراع فيها للشعب على السلطة والطبقة المعاونة لهاالممثلة في آل حمزة ، فإن سعد مكاوي أقام ما يمكن تسميته بناء رمزيا متوازيا ونابعافي ذات الوقت من هذا البناء الظاهر القائم على الصراع المباشر بين الشعب والسلطة ،وهذا البناء الرمزي يتمثل في شخصية عزة أخت خالد التي اختطفها المماليك وهي عاريةمن حمام النساء . لقد كان خطف عزة الشرارة التي أشعلت الصراع الكامن بين الشعبوالسلطة في القاهرة . لقد وسع المؤلف من دلالة الشخصية لتأخذ بعدا رمزيا واسعا إذتصير عزة معادلة لمصر كلها من شمالها إلى جنوبها ، وثمة إشارات عديدة داخل النصتؤكد ذلك ، وقد جاءت أول إشارة على لسان الشيخة زليخة ذات البصر والبصيرة : ـلنعترف في هذا النهار الأسود أن عزة ضاعت ! حاول أيوب مرة أخرى أن يلطف من مرارةالحقيقة : ـ لله عاقبة الأمور ، فلا تقل هذا الكلام يا ولدي فتناول خالد بين يديهمقرعة المجذوبة : ـ وهل عندي كلام غير هذا أقوله ؟ .. ومع ذلك فإني لا يهمني الآنأن تكون عزة حية أو ميتة .. لا يهمني ألا أراها بعد اليوم أو أن يعيدها إلى أحدخرقة مهلهلة .. عزة انتهت ولن أقول بعد اليوم إنه لابد لي من عزة .. اليوم لابد ليمن شيء واحد هو الانتقام أليس هذا هو الحق يا شيختنا ؟ قبلت زليخة رأسه وهي تحنوعليه بصوتها الرقيق الطيب : ـ أينما تولى وجهك فثم وجه عزة ، يداها في البحر المالحوقدماها في أرض الصعيد وملء البر أنفاسها الطاهرة \" (49) . الرمز واضح هنا يداهافرعي النيل دمياط ورشيد وقدماها امتداد النيل من الجنوب إلى الشمال ، إنها مصر كلها، من الجنوب إلى الشمال ، إنها رؤية الشيخة زليخة ذات البصيرة الحادة ، وقد آمنخالد بهذه الرؤية ، ولذلك ينضم فيما بعد إلى أهل ميت جهينة من الفلاحين للثورة علىآل حمزة ، وذلك لأن جزءا من عزة بالقطع موجود في ميت جهينة . وهكذا تتحول عزة إلىذكرى مؤلمة وفي ذات الوقت دافعة الثوار للانتقام وخاصة خالد أخي عزة ، فنراه في ميتجهينة بعد اختطاف عزة شاردا بين رفيقيه بجوار حائط الطاحون : \"وقال عيسى للفتىالمهموم وهو يخطف العود اليابس من يده : ـ صل على كامل النور يا رجل شقت صدر خالدتنهيدة موجعة وهو ينظر في عيون رفيقيه : ـ عزة الآن في كل مكان ، يداها في البحرالمالح وقدماها في أرض الصعيد وملء البر أنفاسها ، هكذا قالت لي ستنا زليخة وهيتودعني وهكذا أرى الآن أختي الحبيبة عزة \"(50) وستكرر هذه العبارة على امتدادالرواية فتكون بمثابة التميمة في رقبة الثوار في ميت جهينة . وإذا كانت عزة خطفتوضاعت ، فإن شخصية \"فاطمة\" زوجة غالب في ميت جهينة تعد امتداد لشخصية عزة ولاأقول بديلا حيث يصل بها المؤلف إلى مستوى الرمز أيضا ، فهي بصورة أخرى مصر المغتصبةعلى المستويين الواقعي والرمزي ، لذلك ينظر إليها خالد وكأنه يرى عزة : \" وعلىالبعد كانت فاطمة تبدو لعين خالد جميلة وهانئة بحمى عريسها .. وعلى صورتها والنسيميعبث بطرحتها تخايلت له صورة عزة بكل شبابها اليانع عروساً وسعيدة بالحب … لكن لا ! عزة فى السماء وفى كل مكان ! نعم يا ست الشيخة نعم ! عزة يداها فى البحر المالحوقدماها فى أرض الصعيد وملئ البر أنفاسها الطاهرة \".(51) وفاطمة هذه فتاة ريفيةجميلة زوجة غالب يراقبها ويتحرش بها إدريس ابن الملتزم الكبير حمزة مما جعل زوجهاغالب ينبهها إلى ذلك : \"- يا بلهاء … الفراخ حجة حتى يكلمك ! ألم تفهمي ؟\"(52) وبالفعل يزول هذا البله، خاصة بعد أن ينالها إدريس رغم أنها تكون المرة الأولىوالأخيرة ،ويكون ثمرة هذا الاغتصاب الفتى \"محمد\" ابن غالب والمؤلف يجعل من هذاالاغتصاب سببا لقوة الشخصية لا لضعفها ، لأن فاطمة تظل بعد ذلك المرأة القوية لاينالها الخور والضعف ، وكأن الاغتصاب جاء بمثابة سلاح تقف به في وجه الملتزم ، وهوما استغله المؤلف ، إذ يقوم \"محمد\" ومعه \" نور\" ابنة محسنة التى كانت ثمرةاغتصاب حقيقي أيضا لمحسنة بقتل أبيهما إدريس في ختام الرواية فمن غرس هذه الأرضالمغتصبة تنبع الثورة ويتحقق الانتقام الذي حلم به خالد لأخته عزة / مصر . بقي أنأشير إلى أن سعد مكاوي استفاد من خبرته الكبيرة ومعايشته للريف المصري حيث قضى جزءامن حياته في قرية الدلاتون ليصور لنا بعمق المرأة المصرية الريفية والفلاح المصريعلى حقيقته ، لا أقول مثله في ذلك مثل عبد الرحمن الشرقاوي في الأرض ولكن لسابقكتابته عن الريف في مجموعاته القصصية القصيرة \"الماء العكر: وغيرها ، فهو فيالواقع من الرواد الذين كتبوا بعمق وصدق عن الريف وهذه الرواية التاريخية التي بينأيدينا تعد درة إنتاجه الأدبي

ايوب صابر 05-27-2012 04:05 PM

سعد مكاوي
ولد الكاتب القاص الكبير سعد مكاوي حسن في 6 أغسطس عام 1916 بقرية " الدلاتون " مركز شبين الكوم – محافظة المنوفية ، وعنها صاغ مجموعة قصصية كاملة بعنوان " الماء العكر " بحيث كانت قرية " الدلاتون " ببيئتها والواقع الدائر في أنحائها هي مادة هذه القصص الشيقة .

تلقي تعليمه في مدرسة شبرا الإبتدائية ومدرسة التوفيقية وفؤاد الأول الثانوية ، قرأ كل ما تحتويه مكتبة والده من كتب التراث والتاريخ والأدب ، ومجلدات المجلات الشهرية مثل " المقتطف " ، " الهلال " ، وغيرها ، وحضر ما كان يعقده والده مدرس اللغة العربية من منتدي يومي أمام بيته الريفي وسط حديقة فواكه بسيطة مع الأصدقاء والمتعلمين من الفلاحين وكانت مادة الحديث العقيدة والتصوف والفكر والأدب ، بما شكل وجدان الشاب الصغير وأطلق أمامه أفاق الفكر والتأمل ، كما قرأ في القصة كتابات محمود تيمور ، المازني ، طاهر لاشين ، ثم سافر إلي باريس عام 1936م ودرس لمدة عام واحد في كلية الطب في " مونبلييه " بفرنسا ، ثم انتقل لكلية الآداب بالسربون حتى عام 1940 م ، وفي هذه الفترة تفتح أمامه عالم " جي دي موباسان " من رواد القصة القصيرة في العصر الحديث وقرأ له بلغته الأصلية ، وقرأ أيضا أعمال " إميل زولا " ، " بلزاك " ، " مارسيل بروست " ، وعند عودته من باريس بدا العمل بالصحافة بتولي الإشراف علي صفحة الأدب في جريدة المصري عام 1947 م ، ثم بجريدة " الشعب " من عام 1956 : 1959 م ، ثم كاتبا بجريدة الجمهورية ، وعمل مشرفا علي لجنة قراءة النصوص السينمائية في وزارة الثقافة ، ورئيسا لهيئة المسرح بوزارة الثقافة حتى 16-8-1976م ، وهو عضو مؤسس بنادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب ، كما شغل لفترة مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة .



إنتاج غزيز متميز :

أنشأ الأديب سعد مكاوي كتاباته في مجالات متنوعة فهو كاتب متعدد المواهب بين القصة والرواية والمسرحية والمقال والترجمة ، فقد كتب 26 كتابا كما يلي :

·
نشر أول قصه له بتاريخ 23-9-1945م بعنوان " صاحبة العصمة " بمجلة آخر ساعة .

·
أصدر 14 مجموعة قصصية :


نساء من خزف1948
الماء العكر 1956
قهوة المجاذيب 1951
شهيرة وقصص أخري 1957
قديسة من باب الشعرية 1 1959
1957 مجمع الشياطين مخالب وأنياب 1953
الرقص علي العشب الأخضر 1962
الزمن الوغد 1954
القمر المشوي 1968

راهبة من الزمالك 1955 الفجر يزور الحديقة 1975

أبواب الليل 1956 علي حافة النهر الميت 1985

وكتب أربع روايات هي :

اسم العمل السنة اسم العمل السنة

الرجل والطريق 1964 الكرباج 1980

السائرون نياما 1972 لا تسقني وحدي 1985
· وفي المسرحية كتب أربع مسرحيات هي :

الميت الحي – الأيام الصعبة – الحلم بداخل القرية – الهدية

==
سعد مكاوي



ولد سعد مكاوي حسن في 6 أغسطس سنة 1916 في قرية الدلاتون ، مركز شبين الكوم التابع لمحافظة المنوفية ، تلقى تعليمه في مدرسة

التوفيقية الابتدائية ومدرسة شبرا وفؤاد الأول الثانوية . سافر إلى باريس عام 1936 لدراسة الطب بيد أنه " يفشل ويحول دراسته إلى الآداب بالسربون ليعود في عام 1940 دون أن يحصل على الليسانس فى الآداب بسبب نذر الحرب ، وربما لأسباب أخرى ، المهم أن المدة التى قضاها كاتبنا فى باريس سواء فى كلية الطب أو فى كلية الآداب – ساعدته على دراسة بعض العلوم ذات الصلة الوثيقة بالأدب ، مثل : علم الجمال وعلم النفس وسيكولوجية الجنس والتعرف على أصول القصة والمسرح والموسيقى والفن التشكيلي ، هذا إلى جانب تعرفه على بعض قضايا العلم الحديثة ، وقد أشار فى أحد أحاديثه الصحفية إلى حبه لقراءة الكتب العلمية ، على أية حال سيبدو أثر كل هذا واضحاً فيما يؤلف ويترجم سعد مكاوى، كما سنرى فى عرض قائمة إنتاجية الأدبي .
عاد سعد مكاوي "إذن" من باريس دون أن يحصل على شهادة مثله في ذلك مثل أستاذه توفيق الحكيم ، ومن ثم لم يكن أمامه بعد عودته إلى مصر سوى العمل فى الصحافة وكتابة القصة فتولى الإشراف على صفحة الأدب فى جريدة المصرى عام 1947 وكانت من أوسع الجرائد المصرية انتشارا ً فى عالم الصحافة والأدب آنذاك ، وقد مكنه هذا العمل من نشر أهم قصصه ذات الصيغة الواقعية ، أو (الواقعية الانحيازية) على حد قول الدكتور سيد حامد النساج، وهى القصص التى ضمنها مجموعتي " الماء العكر " ، " والزمن الوغد " ، وفى الوقت نفسه فتح باب النشر أمام كثير من نقاد اليسار وأدبائه أمثال : محمد مندور و عبد الرحمن الشرقاوى ، يوسف إدريس وسعد الدين وهبه و نعمان عاشور وغيرهم ، لكن من أسف ، أغلقت جريدة المصرى مع إلغاء الأحزاب عام 1954م ويمر عامان لينتقل بعدهما للأشراف على الصفحة الأدبية فى جريدة الشعب عام 1956م ليظل بها حتى عام 1959م ومن الشعب ينتقل للعمل كاتباً بجريدة الجمهورية لسان حال الثورة آنذاك، وهناك يتبارى نتاجه الأدبي مع نتاج يوسف إدريس وعبد الرحمن الشرقاوى ، إذ ينشر على صفحاتها ابتداء من يناير 1963م رائعته فى الرواية التاريخية ، والتى ستظل علامة فى تاريخ الرواية العربية أقصد رواية " السائرون نياما " مبلورا فيها " بتقنية " فنية عالية رؤيته الواقعية والتاريخية للمجتمع المصري فى ذلك الحين من خلال فترة تاريخية من العصر المملوكى .
ينتقل الكاتب بعد ذلك للعمل فى وزارة الثقافة حتى إحالته إلى المعاش ، فيعمل مشرفا على لجنة النصوص السينمائية ، لينتقل بعدها – وفى عامه الأخير – قبل سن المعاش – ريسئا ً لهيئة المسرح حتى 16 أغسطس 1976 وهو تاريخ بلوغه سن الستين ، أما آخر أعماله الوظيفية فكان مقرراً للجنة القصة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب ، وقد لازمه هذا العمل حتى وفاته فى 11 أكتوبر 1985م .
وواضح من خلال هذه المرحلة الخصبة من العمل فى الصحافة ووزارة الثقافة ، أنه كانت لديه الفرص المتاحة للوصول إلى عالم الشهرة ، وفرض الذات ، بيد ان سعد مكاوى كان عازفاً عن كل هذا ، ولعل هذا راجع إلى حساسيته المفرطة وميله إلى العزلة والابتعاد عن " الشللية " والمجتمعات والأندية الأدبية يقول من حوار له مع الكاتب عبدالعال الحمامصى" منذ الصبا الأول والميل إلى التأمل طبيعة أصيلة فى تكويني .. لذلك تجد فى بعض نماذجي القصصية سخرية رفيقة من الذين لاهم لهم إلا أن يكونوا واسطة العقد ، أو زهرة المجلس . حتى (متعى) فى الطفولة والصبا كانت من النوع الذى ينأى عن الضجيج والزحام ، ويجنح إلى فرص التأمل" ويقودنا هذا إلى الحديث عن نشأة الكاتب وتكوينه الاجتماعي والثقافي .
ينتمي سعد مكاوي إلى الريف المصري الفقير " الذي يسوده عبق التصوف" لذلك تكثر فى أعماله أسماء وشخصيات ريفية ، بل إن أدبه قائم على ثنائية الريف والمدينة ، إذ يعدان المكانين الأساسيين فى بناء أى عمل فنى له ، نرى ذلك فى أعماله الأولى والأخيرة على حد سواء ، لنترك الكاتب يتحدث عن نشأته فى ظل القرية والجو الصوفي وتأثير ذلك على رؤيته للحياة والفن ،إذ يقول : كان أبى من طبقة المتصوفة ، التى أخذت روح التصوف الحقيقي فى معناه الكلى ليس التصوف الذي يفر من الواقع فى صورته الشائعة ، بل الذى ينظر إلى الواقع من خلال رؤية كلية تنفذ إلى الماوراء لدرجة أنها قد تربط المعنى الإنساني الكلى وحقائق الوجود الأصلية بالمصير الإنساني ، مما يهب النفس قدراً من الثقافة والتصوف بهذا المعنى يعطى الإنسان قدرة على أن يستشف كل حقائق الوجود والحياة ، بحيث تكون النظرة الجوانية للإنسان هى القوة السائدة .
من خلال هذا الطراز النادر للفلاح المصري البسيط المتصرف بدأت ونمت نظرتي إلى الواقع . ففى هذا الوسط الفقير الكادح أمكن أن تعرف فى وقت مبكر نوعاً ما إلى الكثير من أوليات الوضع الطبقي العام لأبناء وطني ، وللعلاقات الاجتماعية ".
على أن هذه النشأة الفقيرة وسط عالم التصوف التأملى لا تعنى ابتعاد الكاتب عن مصادر الثقافة النظرية ، بل والعملية حيث كان أبوه من خريجي دار العلوم ، ويعمل مدرساً للغة العربية فى القاهرة ، لكن حقيقته الكبرى كانت فى سعة إطلاعه ورحابه فكرة فى إطار من تصوف حسن الذوق ، كانت له جاذبية على نفسه المتفتحة للمعرفة ، مما مكنه من الإطلاع على مكتبه ضخمة تحتوى على أمهات الكتب فى " التراث والتاريخ والأدب " فضلاً على مجلدات من أمهات المجلات الشهرية مثل المقتطف والهلال ولعل هذا يفسر لنا اتجاه سعد مكاوى بعد ذلك إلى استلهام التصوف والتاريخ وتوظيفهما فى إنتاجه الروائي .
وبانتقال سعد مكاوى إلى القاهرة والتعرف على أحيائها وظروفها السياسية والاجتماعية ، يبدأ اهتمامه السياسى ،يقول:" بدأت اشترك فى صف الحزب الجماهيرى الذى يمثل الشعب ضد سلطة الأقليات المتعاونة مع القصر"، وفى نفس الوقت بدأ اهتمامه بالقصة القصيرة . على أن النقلة الثقافية الكبرى للكاتب ستكون مع رحيله إلى باريس ومكوثه هناك أربع سنوات كاملة ، وكان قد تعرف أثناء وجوده فى القاهرة على محمود تيمور والمازنى ومحمود طاهر لاشين وغيرهم من كتاب المدرسة الحديثة وسيكون من المفيد أن نترك الكاتب يتحدث عن هذه الفترة من حياته ، حيث تم تكوينه الثقافى ، هذا التكوين الذي سيلون أدبه وكتاباته فيما بعد بلون خاصة فريد ومتميز عن أبناء جيله ، يقول عن هذه الفترة التى قضاها فى فرنسا :" انفتح أمامى عالم جى دى مويسان أستاذ القصة القصيرة الأول الذى أكملت تعريفي إليه فى لغته الأصلية ، بل أنه هو الذى … بل أنه هو الذى قادنى إلى بلزاك وزولا وبروست وغيرهم . وكانت فترة الدراسة فى فرنسا قد بدأت بصدمة نافعة ، نتيجة للفاروق الهائل بين النظرة إلى المرآة فى بيتي فى مصر ، وبين وضعها فى البيئة التى انتقلت إليها وهو أمر كان له أثره العميق بعد ذلك فى نفسى وفى أفكاري .
كما كانت فترة التفتح على الحياة فى باريس هى الفائدة الكبرى التى فتحت لى الأبواب المسحورة لعوالم الفكر والأدب والفن القديم والحديث ، بما فى ذلك الفنون التشكيلية وعالم الموسيقى الرفيعة .
والواقع أن هذه الفترة الباريسية تركت أثرها السلبي والايجابي معا على أدب سعد مكاوى ، إذ جعلته يقف فى ثقافته الفرنسية عند حدود الأربعينيات من هذا القرن رغم ما تميزت به هذه الفترة من زخم ثقافى ، وبخاصة أفكار جان بول ساتر فى الالتزام إلا أنه لم يستفد منها بالقدر الكافي فى تطور فنه الروائي كما سيتضح لنا فيما بعد ، وبوقوفه عند هذه الفترة لم يلتفت إلى المدرسة الجديدة فى الرواية التى ظهرت بعد ذلك فى فرنسا . ونعود إلى أثر هذه الفترة فى فئه ، فنجد يحتفى بكتاب من القرن التاسع عشر فى فرنسا وبخاصة : جوستاف فلويسير ، وأميل زولا ، فنراه يحلل رواية الأول ، مدام بوفارى ، ويجعل من شخصية ، أيما بوفارى إحدى موضوعات كتابه " رجل من طين " وفى مقال آخر يتحدث عن الشخصيات المعاونة فى الرواية نفسها – مما يشى بنظرة نقدية للقصة – متخذاًَ من " هومة " فى القصة نموذجاً ،أما تأثير " زولا " فيبدو واضحاً بشكل لافت للنظر فى رائعته " السائرون نياما " وقد ترجم له رواية " جرمينال " والواقع أنها ليست ترجمة بل تلخيصاً وقد كان سعد مكاوى أميناً مع نفسه عندما كتب على صفحة العنوان ترجمة وتلخيص ويمكن عمل مقارنة بين هذا العمل و " بين السائرون نياما " بيد ان هذا بحث تعوزنا وسائلة الآن ، لكن يكفى أن نشير إلى فكرة البطولة الجماعية المشتركة فى العملين وكان سعد مكاوى قد أعجب بـ " جرمينال" من هذه الناحية يقول فى تقديمه لها : " لأول مرة فى تاريخ الأدب ، ومن تصوير كاتب جمهوري واشتراكى ، لم يكن البطل فى رواية فرد أو أفرادا ، بل كان بطلاً جماعياً هو جمهور عمال المنجم ، ولأول مرة ينهض كاتب ليسم بالحديد المحمى مجتمعه الذى يسمح بمثل هذا الظلم ، مما يجعل " جرمينال " التى صور فيها إضراب عمال المناجم فى أحد أقاليم فرنسا احتجاجاً على مظالم الشركة المستغلة عملاً فريداً فى الأدب الفرنسي ، كما أنه فريد فى إنتاج زولا نفسه .
وهو ما حاول أن يطبقه سعد مكاوي بنفسه فى رواية " السائرون نياما " على أن سعد مكاوى لم يقف فى قراءاته وترجماته عند " فلويير وزولا فقط ، إذ ترجم المئات من القصص الفرنسية على صفحات جريدة المصرى ، يقول عنه الدكتور فائق الجوهري فى تقديمه لمجموعة "راهبة الزمالك أنه "… لخص أكثر من مائتي كتاب " وإن كان لم يظهر من هذه الترجمات والتلخيصات إلا أقل القليل .
وهكذا يتفاعل رافدان أساسيان فى ثقافة الكاتب ، أولهما تراثى يتمثل فى التاريخ والتصوف ، والثانى غربى يتمثل فى الثقافة الغربية الحديثة من نتاج أدبى ، وقراءات مختلفة فى الموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية ، وهذا بالطبع إلى جانب تجربة الكاتب الحياتية وقراءاته الأساسية فى الأدب العربى الحديث كل هذا يفضى فى التحليل الأخير إلى أننا أمام كاتب ، متنوع الثقافة على وعى بحركة التاريخ الأدبي الحديث . ومعاصرا له ومشاركاً فيه ، قرأ تراثه العربى وتشبع به فامتلك ناصية الأسلوب اللغوي السليم ، وقرأ التراث الغربى فى لغته الأصلية فأضاف تجربة جديدة إلى تجاربه الأساسية . على أنه لم يبخل علينا فألف وترجم لنا عبر إبداعه المتنوع فى القصة القصيرة والرواية والمسرحية والمقال ليقف علامة بارزة فى إنتاجنا الأدبي خلال هذا القرن ، وفيما يلى قائمة بإنتاجية المنشور فى كتب فى هذه المجالات

ايوب صابر 05-27-2012 04:06 PM

واحد من رواد القص العربي
سعد مكاوي ... ذكرى وتحية

١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٢بقلم محمد جبريل



رغم إنتاجه الغزير والمتميز لم يحتل سعد مكاوي المكانة الخاصة به، كان كاتباً عزوفاً ومتفرداً وأميل للعزلة. وقد ظهرت هذه الخصائص في تفاصيل أدبه.
لم أتتلمذ – شخصياً – على سعد مكاوي، وإن مثلت أعماله بعداً مهماً في كتبي "مصر في قصص كتابها المعاصرين" و "مصر المكان" و "مصر الأسماء والأمثال والتعبيرات". التقيت سعد مكاوي ، للمرة الأولى، في قصصه القصيرة التي كان ينشرها في "المصري"، وفي بعض المجلات التي كانت تصدر أوائل الخمسينات ، ثم تعرفت إليه ، بصورة أعمق، حين اقتنيت مجموعتين له، صدرتا في وقت متقارب هما "مخالب وأنياب" و "في قهوة المجاذيب"، وحين قدمت الى القاهرة قدمني إليه الكاتب الكبير أحمد عباس صالح. اكتفى بالترحيب الصادق والطيب، ثم انشغل بأوراق في يده، فاكتفيت بأن أضيف تلك اللحظة الى رصيد ذكرياتي. وأتاحت لي دراسة أعمال سعد مكاوي ، فيما بعد، أن أتعرف الى جوانب موهبته الخصبة والمتفردة، وأن أفيد من كتاباته التي لم تقتصر على جنس أدبي محدد، لكنها شملت الكثير من ألوان الكتابة بما يذكرنا بإسهامات جيل الرواد.
من الدلتا الى باريس

ولد سعد مكاوي في 16 أغسطس 1916 بقرية "الدلاتون" التابعة لمديرية – محافظة – المنوفية، وهي القرية نفسها التي شهدت مولد صديقه وزميله عبد الرحمن الشرقاوي، والتي مثلت النبع نفسه الذي اغترف منه مكاوي والشرقاوي مظاهر الحياة في القرية المصرية . كانت مكتبة أبيه في البيت الذي أمضى فيه أعوام النشأة بالقرية هي المصدر الأول والأهم لتكوينه الثقافي المبكر. تعرفه من خلال ما تضمه من كتب الأدب والتاريخ والسياسة والتراث الى جوانب شتى من المعرفة الإنسانية . ولعله يمكن القول إنها كانت هي البداية التي استفزت الفنان في وجدان سعد مكاوي الصبي، قبل أن يسافر الى القاهرة، ليحصل فيها على شهادة التوجيهية (الثانوية العامة). ثم سافر الى فرنسا، وأمضى عاماً واحداً بكلية الطب بجامعة مونبلييه، ثم دفعه حب الأدب، ونتذكر هيكل والحكيم ، الى الالتحاق بكلية الآداب بجامعة السوربون. وبالطبع، فقد أتيح لسعد مكاوي – في أثناء إقامته بفرنسا 1936/1939، فرصة التعرف الى الآداب والفنون، والثقافة الأوروبية عموماً، في أحدث معطياتها. وهو ما انعكس في كتاباته التي عنيت بالموسيقى والفن التشكيلي وغيرهما من الفنون، بالإضافة الى التراجم التي لم تقتصر على المشاعل من الأدباء، وإنما عنيت بالمشاعل في الإنسانيات المختلفة. وعاد سعد مكاوي الى القاهرة ليمارس العديد من الأعمال المعبرة عن اهتماماته الثقافية والفنية، فقد عمل محرراً أدبياً في صحف "المصري" و "الشعب" و "الجمهورية".
وكان آخر المناصب التي تولاهاه رئاسة هيئة المسرح، ولما أحيل الى المعاش تفرغ للكتابة الإبداعية. وتزوج سعد مكاوي في 1953، وأنجب ولداً وفتاة، يعملان مهندسين معماريين، وقد انضم الى عضوية نقابة الصحفيين، وكان من الأعضاء المؤسسين لاتحاد الكتاب.
عزلة وإبداع

أما قلة الدراسات التي عنيت بأعمال سعد مكاوي، فهي لم تكن نتيجة إهمال من جانب النقاد، بقدر ما كانت حرصاً من الفنان على أن يبدع في غيبة من أضواء وسائل الإعلام، مع أنه كان إعلامياً. ومن تجمعات الأدباء والمثقفين، حتى في أعوامه الأخيرة كانت جلسته المنفردة في النادي القريب من بيته، ولا يخلو من دلالة أن الأحاديث التي وافق على أن تجرى معه كانت في عام 1970 . كانت العزلة، في تقديره، شرطاً مهماً من شروط الإبداع الفني، فهي تهبه القدرة على الرصد والمراقبة والتأمل واجترار الخبرات، وإفراز ذلك كله في إبداعات تتخلق من داخلها دون أن يحاول المبدع أن يقحم عليها فكرة ربما لا يتقبلها السياق. وحين يتحدث عن صديقه الفنان التشكيلي، فكأنه يتحدث عن نفسه، فهو الفنان التشكيلي، يعمل في عزلة خصبة، تيسرها له قناعة جميلة، ودخل بسيط أخضعه لفهمه العميق لفنه، وطبع أصيل فطر على ازدراء الصيت الرخيص، وتقديس الفن الكريم، إنه لا يتبع نظرية معينة، ولا يدق الطبول لنظرية ما، لكنه يرى أن الفن كائن حر وحي، ينمو ويتطور، فلا نظرية فيه ولا مذهب، ولا قديم ولا جديد، وإنما هو نهر دافق عبر الأجيال من الإحساس الذاتي للفنان بما يدور حوله، وفي نفسه موصول بكفاح الماضي وقيمه، وانطلاقات المستقبل وآفاقه.
ويصف فائق الجوهري، وأدين لإسهاماته في حياتنا الثقافية بالكثير من تكويني المعرفي، سعد مكاوي بأنه "إنسان صامت لا تعرفه الأندية والمجتمعات، والكثيرون جداً من القراء لا يعرفون صورته".
وبالطبع ، فإن تلك القناعات التي تملكها ضرورة التفرغ للعملية الإبداعية لا تلغي أهمية أن يهبط الكاتب من برجه العاجي، أستعير تعبير الفنان، ويبرح صومعته، وفي يده المشعل، لكي يمتزج بحياة الشعب، ويصور آلامه وآماله، تلك، في تقديره، رسالة الكاتب في أعلى مراتبها.وقد اختار معظم أدباء جيل الوسط، أو جيل الأربعينيات، جنساً أدبياً واحداً، يقصر كل منهم غالبية إبداعه عليه. ذلك ما فعله نجيب محفوظ حين تحددت اهتماماته في البداية في المقالة الفلسفية، ثم كتب القصة القصيرة والرواية لا يجاوزهما الى أجناس أدبية أخرى.
وهو ما فعله عبد الحميد السحار، وهو ما فعله أيضاً محمود البدوي الذي كانت القصة القصيرة قوام إبداعه، الأمر نفسه بالنسبة لصلاح ذهني، وكانت المسرحية هل الملمح الأهم في إبداع علي أحمد باكثير، والأمثلة كثيرة. أما سعد مكاوي، فقد جعل من جيل الرواد مثلاً يحتذى به، أبدع القصة القصيرة والرواية التي تصور الواقع، وتوظف التراث، وكتب المسرحية ، والمقالة الفنية، والترجمة، وغيرها من فنون السرد.
إخلاص للإبداع

نحن نستطيع أن ننسب تعدد كتابات سعد مكاوي الى احتذائه ريادة الجيل السابق، لكننا نستطيع أن ننسب ذلك التعدد أيضاً الى أن سعد مكاوي كان مخلصاً في التعبير عما يشغله بالفعل. كتب ما تثقف فيه، وما أخلص في تأمله، وما نبضت به موهبته، وكانت محصلة ذلك كله إبداعات قصصية وروائية ومسرحيات وتراجم وتأملات مجتمعية وغيرها. ساعد على ذلك أن عمل سعد مكاوي لم يقتصر على ترف الكتابة وحدها، وهو ترف يصعب الادعاء أنه أتاح لكاتب ما أن يتقوت منه. لكنه عمل ، لأعوام طويلة، بالصحافة قبل أن تنقله السلطة الى وظيفة غير صحفية. لقد وضعت جريدة "المصري" إحدى قصصه في موضع المانشيت، وبامتداد صفحتها الأولى، وكان ذلك احتجاجاً على مصادرات الرقابة آنذاك، لكن العمل الصحفي، وكان مكاوي محرراً أدبياً، كان يلزمه بالكتابة في غير القصة. فتنوعت كتاباته بما أملته عليه طبيعة عمله، وباتساع اهتماماته الى نهاية أفقها.
ومع ذلك، فقد كانت القصة القصيرة هل الملمح الأهم في كتابات سعد مكاوي. منجزه الإبداعي فيها يقارب الثلاثمائة قصة. صدر غالبيتها في 14 مجموعة قصصية هي: نساء من خزف، مخالب وأنياب، قهوة المجاذيب، راهبة من الزمالك، الماء العكر، مجمع الشياطين، الزمن الوغد، القمر المشوي، أبواب الليل، الرقص على العشب الأخضر، شهيرة وقصص أخرى، الفجر يزور الحديقة، على حافة النهر الميت، كلمات في المدن النائمة. أما الرواية، فقد صدر لسعد مكاوي أربع روايات هي: السائرون نياماً، الرجل والطريق، الكرباج، لا تسقني وحدي. وهو الرقم نفسه الذي بلغته مسرحياته، فقد كتب: الميت الحي، أيام صعبة، الهدية، الحلم يدخل القرية، كما صدرت لسعد مكاوي دراستان عن الموسيقى "لو كان العالم ملكاً لنا" والتاريخ السياسي "رجل من طين".
والحق أن مجموع كتابات سعد مكاوي، حتى الكتابات غير القصصية، تنسبه الى التيارات التقدمية، وتصنفه باعتباره كاتباً منحازاً الى قضايا البشر. وكان لسعد مكاوي وجهة نظره التي تبين عن قسماتها وملامحها في مجموع كتاباته، والتي يمكن إيجازها في ثقته المعلنة بأن عصر التمزق والانسحاق والحيرة يبشر بغد إنساني جميل غض، وأن الواقع المرير الذي يكابده الجنس البشري في عنق الزجاجة لم يؤثر في إيمانه بأن إنسان العصر القادم سيكون أبهى وأعظم من المسودات البشرية، والتعبير للفنان. إن القرن العشرين لا يعدو أن يكون معمل تفريخ لطبقات جديدة راقية من الإنسان، وإن إنسان ذلك القرن وما بعده سيكون على الصورة التي يستشرفها. يقول في حوار مع عبدالعال الحمامصي: "التزامي نابع من إيماني الإنساني، أنا ملتزم بالقضية الإنسانية في عمومها وشمولها. وشعاري في هذا أنني مع الحرية ضد الزيف، مع الحق ضد الاستبداد، مع الشجاعة ضد الخوف، مع الإرادة ضد القهر، مع الجمال ضد القبح، مع الحب ضد الكراهية، التزامي في كلمة واحدة هو مستقبل الإنسان وقدراته المتجددة التي لا يمكن لأي ايديولوجية معاصرة أن تحتويها. فمن الذي يعطينا الحق في أن نصادر المستقبل، ونحجر على إمكاناته، وما تنطوي عليه صيرورته من قابليات". وفي هذا الإطار ينبغي أن نضع أعماله التي تنتسب الى أدب الخيال العلمي، إنها إطلالة جيدة لاستشراف آفاق المستقبل.
القرية والمدينة

نشر سعد مكاوي أولى قصصه القصيرة في فبراير 1936، وصدرت المجموعة الأولى لسعد مكاوي سنة 1948. ثم توالت أعماله في القصة القصيرة والرواية والمسرحية ، فضلاً عن كتاباته في أثناء عمله كمحرر أدبي. وتصدر أعماله الإبداعية بعامة عن واقع القرية المصرية، والصلات بين القرية والمدينة من خلال أبناء القرية الذين يهجرون قراهم للدراسة أو للعمل في المدينة، والحس الفكاهي في بعض كتاباته لا يخفي قسوة الواقع الذي شغل بتناوله. والصوفية ملمح مهم يصعب إغفاله في إبداعات سعد مكاوي، بل إنه اختار عناوين لبعض مجموعاته القصصية تبين عن هذا الملمح.
والتصوف، كما يبرزه الفنان، ليس مظاهر انجذاب ودروشة، لكنه تعبير عن الغياب الذي تعانيه الطبقات الأدنى بين طبقات المجتمع ككل.
وقد حاول سعد مكاوي أن ينطلق من أرضية الواقع، الخير والشر والرذيلة والعطف والقسوة والصعلكة والجوع والغواني وكل المولد البشري. التعبير للفنان نفسه، الى الحب والتسامي بقوة هائلة الأثر في حياة الجنس البشري ، الى أن جعل من الحب موضوعاً لقصته. يقول: "إني لست ممن يجدون في الكلام عن الحب والكتابة عنه شيئاً مخجلاً أو زائداً عن حاجة الناس الحقيقية، بل إنني من المؤمنين بأن الحب في عصرنا القلق المشحون بالخلافات والكراهية والقلق قد صار في حاجة الى تفسير ومناقشات جديدة، وأن الحب هو دين المستقبل الجديد". وحين بدأت سعد مكاوي في كتابة روايته "الرجل والطريق" فقد كان مشروعها التخطيطي أن يكون الحب هو البطل الحقيقي باعتباره القوة هائلة الأثر في حياة الجنس البشري، والشيء الكبير الأساسي في حياة الكل في كل زمان ومكان، والقوة الدافعة المثمرة من قوى الطبيعة الإنسانية الخلاقة البناءة. وينفي أن يكون انصرافه الى كتابة "الرجل والطريق" مجرد كتابة قصيدة غنائية تتغنى بالحب وتتبع أحوال المحبين، لكن ما شغله أن يعبّر عن الحب باعتباره عاطفة إنسانية ترتبط بالمساعي الإنسانية المتشابكة، والتطور الاجتماعي ، فضلاً عن ارتباط الحب بكيمياء الجسد الإنساني.
ومع أن ثلاثية الرجل – المرأة – الجنس لم تكن مما يلفت النظر في قصص سعد مكاوي، بعكس قصص البدوي التي كانت في مجموعها إلحاحاً على تلك الثلاثية، فإنه كان يرى في الحب بحثاً عن الوسيلة لتحويل جاذبية الجنس الى الشوق للكمال من خلال شخص من الجنس الآخر يختاره المرء فلا يعود لجنسه كله وجود إلا في صورته. تلك هي ميزة الإنسان على الحيوان. من يستطيع أن يثبت غريزته على شخص واحد، فيستغني عن الجنس الآخر كله، إرادة الطبيعة هي أن يكون الجنس والحب متحدين، ولذلك توج المجتمع هذا القانون الطبيعي بمؤسسة الزواج.
مع تعدد الأعمال التي وظفت التراث الفرعوني والعربي والإسلامي، بداية من جيل الرواد ، فأدباء المدرسة الحديثة، ثم أدباء جيل الوسط: محفوظ والسحار وباكثير وغيرهم، فإن معطيات سعد مكاوي في الرواية التاريخية، روايته الأهم "السائرون نياماً"، على وجه التحديد، كان هي الحادي الذي مضت من ورائه محاولات الأجيال التالية لتوظيف التراث. لم يكن الأمر مجرد حنين الى أزمنة جميلة، ولا استعادة ملامح من تراثنا القومي والوطني، بل كان، وبوضوح، توظيف الحادثة التاريخية، أو الشخصية التاريخية، في الإشارة، هذا هو التعبير الذي يحضرني الى الظروف التي كانت تضغط على المجتمع في الفترة التي كتب فيها الفنان رواياته، وهو الهدف نفسه الذي عني به مبدعو الأجيال التالية الذين حاولوا توظيف التراث في إبداعاتهم.
</SPAN>

ايوب صابر 05-27-2012 04:07 PM

سعد مكاوي
سعد مكاوي (و. 1916 ـ ت. 1985)، هو روائي وأديب وصحفي مصري.

ولد مكاوي في 1916 بقرية الدلاتون، محافظة المنوفية، وعنها صاغ مجموعة قصصية كاملة بعنوان الماء العكر بحيث كانت قرية الدلاتون ببيئتها والواقع الدائر في أنحائها هي مادة هذه القصص الشيقة.
تلقي تعليمه في مدرسة شبرا الإبتدائية ومدرسة التوفيقية وفؤاد الأول الثانوية، ثم سافر إلى فرنسا ليلتحق بجامعة السوربون.
قرأ كل ما تحتويه مكتبة والده من كتب التراث والتاريخ والأدب، ومجلدات المجلات الشهرية مثل المقتطف، الهلال، وغيرها، وحضر ما كان يعقده والده مدرس اللغة العربية من منتدي يومي أمام بيته الريفي وسط حديقة فواكه بسيطة مع الأصدقاء والمتعلمين من الفلاحين وكانت مادة الحديث العقيدة والتصوف والفكر والأدب، بما شكل وجدان الشاب الصغير وأطلق أمامه أفاق الفكر والتأمل، كما قرأ في القصة كتابات محمود تيمور، المازني، طاهر لاشين، ثم سافر إلي باريس عام 1936م ودرس لمدة عام واحد في كلية الطب في مونپلييه بفرنسا ، ثم انتقل لكلية الآداب بالسربون حتى عام 1940، وفي هذه الفترة تفتح أمامه عالم جي دي موباسان من رواد القصة القصيرة في العصر الحديث وقرأ له بلغته الأصلية، وقرأ أيضا أعمال إميل زولا، بلزاك، مارسيل بروست، وعند عودته من باريس بدا العمل بالصحافة بتولي الإشراف علي صفحة الأدب في جريدة المصري لسان حزب الوفد عام 1947، ثم بجريدة الشعب من عام 1956 حتى 1959، ثم كاتبا بجريدة الجمهورية، وعمل مشرفا علي لجنة قراءة النصوص السينمائية في وزارة الثقافة، ورئيسا لهيئة المسرح بوزارة الثقافة حتى 16-8-1976، وهو عضو مؤسس بنادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب، كما شغل لفترة مقرر لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة.
أعماله

اشتهر ككاتب للقصة والرواية والمسرح. وتعتبر رواية السائرون نياماً هى أشهر أعماله. [1] والماء العكر
==
نبذة الناشر:
يحتل سعد مكاوي مكانة متميزة في ضمير الحياة الأدبية وقد قدر لهذه المكانة أن تعبر بصدق عن مرحلة من أهم المراحل التي مر بها الأدب القصصي والروائي في مصر.
والرواية في مسيرة سعد مكاوي الأدبية على قلتها بالقياس لما أصدره من مجموعات قصصية تربو على خمس عشر مجموعة إلا أنها تعتبر علامة شديدة التوهج في رحلة الرواية العربية، خاصة رواية "السائرون نياما" التي تعتبر من أهم الروايات العربية التي صدرت حتى الآن شكلاً ومضموناً.
ومن خلال التفاعل بين الزمان والمكان والصراع بين الخير والشر، ومزج الواقع باصطراعاته وهمومه مع بحثه الدائم عن مدينته الفاضلة، وإسقاط التاريخ على الأرضية المعاصرة.
نجح سعد مكاوي في أن يضع بصمة هامة في ساحة الرواية العربية بجانب بصمته المتميزة في دروب القصة القصيرة والمسرح.

ايوب صابر 05-27-2012 09:24 PM

العوامل الحياتية التي أثرت في تكوين الروائي سعد مكاوي:
- يقول من حوار له مع الكاتب عبدالعال الحمامصى" منذ الصبا الأول والميل إلى التأمل طبيعة أصيلة فى تكويني .. لذلك تجد فى بعض نماذجي القصصية سخرية رفيقة من الذين لاهم لهم إلا أن يكونوا واسطة العقد ، أو زهرة المجلس .
- ويقول: حتى (متعى) فى الطفولة والصبا كانت من النوع الذى ينأى عن الضجيج والزحام ، ويجنح إلى فرص التأمل" ويقودنا هذا إلى الحديث عن نشأة الكاتب وتكوينه الاجتماعي والثقافي .
- ينتمي سعد مكاوي إلى الريف المصري الفقير " الذي يسوده عبق التصوف" لذلك تكثر فى أعماله أسماء وشخصيات ريفية ، بل إن أدبه قائم على ثنائية الريف والمدينة ، إذ يعدان المكانين الأساسيين فى بناء أى عمل فنى له ، نرى ذلك فى أعماله الأولى والأخيرة على حد سواء ، لنترك الكاتب يتحدث عن نشأته فى ظل القرية والجو الصوفي وتأثير ذلك على رؤيته للحياة والفن .
- إذ يقول : كان أبى من طبقة المتصوفة ، التى أخذت روح التصوف الحقيقي فى معناه الكلى ليس التصوف الذي يفر من الواقع فى صورته الشائعة ، بل الذى ينظر إلى الواقع من خلال رؤية كلية تنفذ إلى الماوراء لدرجة أنها قد تربط المعنى الإنساني الكلى وحقائق الوجود الأصلية بالمصير الإنساني ، مما يهب النفس قدراً من الثقافة والتصوف بهذا المعنى يعطى الإنسان قدرة على أن يستشف كل حقائق الوجود والحياة، بحيث تكون النظرة الجوانية للإنسان هى القوة السائدة .
- من خلال هذا الطراز النادر للفلاح المصري البسيط المتصرف بدأت ونمت نظرتي إلى الواقع . ففى هذا الوسط الفقير الكادح أمكن أن تعرف فى وقت مبكر نوعاً ما إلى الكثير من أوليات الوضع الطبقي العام لأبناء وطني ، وللعلاقات الاجتماعية ".
- على أن هذه النشأة الفقيرة وسط عالم التصوف التأملى لا تعنى ابتعاد الكاتب عن مصادر الثقافة النظرية ، بل والعملية حيث كان أبوه من خريجي دار العلوم ، ويعمل مدرساً للغة العربية فى القاهرة ، لكن حقيقته الكبرى كانت فى سعة إطلاعه ورحابه فكرة فى إطار من تصوف حسن الذوق ، كانت له جاذبية على نفسه المتفتحة للمعرفة ، مما مكنه من الإطلاع على مكتبه ضخمة تحتوى على أمهات الكتب فى " التراث والتاريخ والأدب " فضلاً على مجلدات من أمهات المجلات الشهرية مثل المقتطف والهلال ولعل هذا يفسر لنا اتجاه سعد مكاوى بعد ذلك إلى استلهام التصوف والتاريخ وتوظيفهما فى إنتاجه الروائي .

- وكانت فترة الدراسة فى فرنسا قد بدأت بصدمة نافعة ، نتيجة للفاروق الهائل بين النظرة إلى المرآة فى بيتي فى مصر ، وبين وضعها فى البيئة التى انتقلت إليها وهو أمر كان له أثره العميق بعد ذلك فى نفسى وفى أفكاري
- رغم إنتاجه الغزير والمتميز لم يحتل سعد مكاوي المكانة الخاصة به، كان كاتباً عزوفاً ومتفرداً وأميل للعزلة.

عزلته تجعلني ادعي انه كان مأزوما ويلاحظ انه سافر الى القاهرة للحصول على التوجيهي مما يجعله يتيما اجتماعيا كنتيجة لبعده عن العائلة لكن في غياب تفاصيل عن طفولته لا بد لنا ان نعتبره

مجهول الطفولة.

ايوب صابر 05-28-2012 07:39 AM

92- 1952 جميل عطية إبراهيم مصر

ثلاثية جميل عطية إبراهيم تأريخ بلغة الرواية

صاغ المبدع الكبير جميل عطية إبراهيم جزءًا من تاريخ مصر بلغة الفن في ثلاثيته (1952) ، (أوراق 1954) ، (1981) الصفحات الأولي في الجزء الأول تمهيد لحركة الجيش. ولأنه يعي أهمية التراث الشعبي ، لذا بدأ بصاحب صندوق الدنيا الذي يغني (اللي بني مصركان في الأصل حلواني) ولكن بعد أنْ ألغي مصطفي النحاس معاهدة 36 قال (اللي بني مصركان في الأصل فدائي) وعندما سأله المارد ماذا يريد قال (آتني بأسلحة لمحاربة الإنجليز) وتنتهي الحكاية بأنْ طلب مصطفي النحاس من فؤاد سراج الدين (وزيرالداخلية) توزيع السلاح علي الفدائيين. تصاعد الكفاح المسلح ضد الإنجليز لذا قال اللواء عويس إنّ (الإطاحة بحكومة الوفد أصبحت ضرورية) في عزبة هذا اللواء نتعرف علي عباس الفلاح الذي جمع وعيه بين الصراع الطبقي واستقلال الوطن، فانضم إلي أحد التنظيمات الشيوعية. وبعد نجاح حركة الضباط تم القبض عليه فاندهشتْ زوجته وقالت (قضي سنوات عمره في معارضة الملك والتنديد بسياسة الباشوات وفضحهم) وبعد أنْ أفرج عنه تم اعتقاله مجددًا وكان قائد الحملة اليوزباشي أنور عرفه (وكانتْ هذه آخرمهمة يؤديها لضباط يوليو قبل سفره لأمريكا في بعثة في فنون القبض والتفتيش وتسجيل الاعترافات) وما ذكره المبدع حقيقة أكدها كثيرون مثل د. فخري لبيب في كتابه (الشيوعيون وعبدالناصر) وهكذا ضفر جميل عطيه الفن الروائي بالوقائع التاريخية. وإذا كان اللواء عويس أحد رموز الاقطاع المتعاونين مع الإنجليز، فإنّ المبدع المؤمن بتعدد الأصوات، قدّم شخصية د. السيد أحمد باشا الذي لم يتدخل في حياة ابنته (أوديت) المنضمة لأحد التنظيمات الشيوعية لمقاومة الإنجليز والسراي. وعندما كان البوليس يبحث عنها لاعتقالها اختبأتْ في أحضان الفلاحين وقالت عنهم (هؤلاء القوم الذين يتظاهرون بالبلاهة لهم آفاق واسعة) إذْ حفظ الفلاحون سرها ولم يتقدم أحد ليشي بها. ومن أبناء عزبة عويس (عكاشة) المغنواتي ، فلاح ليست له أية علاقة بالسياسة. ذهب إلي الإسماعيلية للعمل. صارت بينه وبين الجندي الإنجليزي (جون) صداقة بسبب حبهما للغناء. اقتنع عكاشة بالعمل مع الفدائيين لنسف معسكر للإنجليز. لمح صديقه (جون) فكيف يتركه للموت ؟ صاح يحذره. في هذا المشهد المكتوب ببراعة فائقة لم يمت (جون) كباقي زملائه بينما مات عكاشة. وفي التحقيقات الصحفية قال الجندي جون إنه مدين بحياته لعكاشة الذي حسبه اللواء عويس من الشيوعيين. وكانت صدمته عندما قال له أحد الضباط (إنه من أتباعك ياباشا) فقال مستنكرًا (الواد المغنواتي) وتحوّل عكاشة إلي أسطورة بين الفلاحين وإلي شيوعي بين الشيوعيين وإخواني في نظرالإخوان المسلمين. في عزبة عويس نتعرف علي كرامة سرحان الطالب بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية المولع بالشاعرإليوت الذي قال (نحن الرجال الجوف. بالقش حُشيتْ رؤوسنا) كرامة ابن السقا الذي يبيع الماء يقع في حب جويدان بنت اللواء عويس فيجلده. ثم ينتقل بنا المبدع إلي زهيه الفلاحة الفقيرة التي ضمّدتْ جراح كرامة وأطعمته ومنحته جسدها. ولكنه لم يعترف بهذا الحب الفطري ، فأدركتْ أنه لايهتم بها رغم أنّ جنينًا يدب في أحشائها. ثم يكون لقاء هذا الثلاثي- كرامة وزهيه والأميرة جويدان في الجزء الأخير ومعهم ابن زهيه التي اختارت له اسم (محمد نجيب) ينتهي الجزء الأول بالمذبحة التي دبّرها الضباط ضد عمال كفرالدواربعد عشرين يومًا من سيطرتهم علي الحكم. لذا قالت أوديت بعد اعتقال عباس (الجيش طرد الملك. وأحزان القرية كما هي). **** يبدأ الجزء الثاني علي لسان د. يونس الأستاذ الجامعي الممرور لاعتقال زملائه. استخدم المبدع الكثيرمن الأسماء الحقيقية، فيتذكرد. يونس رفيقه (محمود أمين العالم) ثم ينضم إلي جلسته د. شلبي المفصول من الجامعة. والواقعة كما ذكرها المبدع حقيقية ، إذْ في يوم 23/9/54أصدر الضباط قرارًا بفصل44أستاذًا جامعيا لميولهم الليبرالية كان من بينهم عبدالعظيم أنيس، عبدالمنعم الشرقاوي، لويس عوض وفوزي منصورإلخ. في هذا اللقاء يسأل د. شلبي صديقه عن أخبار د. أوديت وهكذا يلتحم الجزء الثاني بالجزء الأول. كان بين السيد أحمد باشا وعبدالناصرمعرفة أقرب إلي الصداقة. بعد يوليو بدأ الحذرمن جانب الباشا (فهاهي شوكة عبدالناصرقويت. ولم تعد في البلد سوي المؤسسة العسكرية. طرْدْ الملك جملة اعترضية. أما سنة 53 فقد تم تسوية الأرض لخلق الجو المناسب لإقامة ديكتاتورية بعد قصقصة أجنحة جميع الرجال وإلغاء الأحزاب والدستور) ويتحوّل الحذرإلي نوع من التوجس فقال (ماىُدهشني عدم اعتقال ابنتي بعد القبض علي رفاقها الماركسيين. هل صداقتي لسليمان حافظ وزير الداخلية وفرتْ لها الحماية؟ أم هي معرفتي بعبدالناصرالتي منعتْ عنها البلاء؟) وسيتطورالحذر والتوجس إلي فاجعة بعد اغتيال ابنته إذْ صدمتها سيارة جيش بطريقة متعمدة، فقال الأب (شممتُ في الأمر رائحة التدبير. هذه جريمة وخيوطها الرئيسية ليست بعيدة عن عبدالناصر. لايقوي أحد في البلد علي مس ابنتي بسوء دون إذن منه. وهم يعرفون تردده علي قصري) ترتب علي إصابة أوديت نزف في الدماغ فقال أحد الأطباء (منذ حركة الجيش والبلد كلها دماغها ينزف) توجُسْ الباشا لم يكن خيالا، فعندما زاره عبدالناصرفي قصره سنة53 اعتقد عم محمد الطباخ أنه محمد نجيب فرحب به (سيادة اللواء محمد نجيب) فرماه عبدالناصربنظرة نارية وقال (والله لوناداني أحد في الطريق بمحمد نجيب ربما قتلته) هنا أبدع الروائي مشهدًا جمع فيه بين سيكولوجية عبدالناصروالموقف من محمد نجيب الذي سيتم التخلص منه. في هذا الجزء صورة درامية لوقائع الصراع علي السلطة بين الضباط وصل لدرجة فصل واعتقال كثيرين بل وتعذيب بعضهم تعذيبًا وحشيا كما حدث مع المقدم حسني الدمنهوري وآخرين وهي وقائع اعترف بها كثيرون مثل أ. أحمد حمروش وأ. طارق البشري وآخرين. مزج المبدع هذه الوقائع بحياة شخصيات الرواية فحقق إنجازًا مهمًا في تاريخ الرواية المصرية والعالمية. ولأنّ المبدع مزج الواقعي بالروائي ، لذا جاءتْ شخصية عبدالناصر في الرواية مطابقة لشخصيته الحقيقية من خلال تصرفاته وأقواله مثل قوله (جيشي هو برلماني) وأنه استخدم المحيطين به للقيام (بالمهام القذرة) وكان يعادي الوفديين والشيوعيين ويرسم الخطط للتخلص منهم. وعندما خاطب عبدالناصرشعبنا قائلا(علمتكم العزة. علمتكم الكرامة) فإنّ أصحاب العقول الحرة شعروا بالإهانة، لذلك انطلقت الهتافات المعادية لحكومة العسكر. وقال د. يونس إنّ عبدالناصر(يري أنّ المثقفين الليبراليين هم أكبرمعضلة). شمل الجزء الثاني التطورالدرامي لزهيه حيث أخذتها أوديت للعمل كخادمة في قصرأبيها. تعلق الباشا بابنها الرضيع ثم بأمه التي أصبحتْ المشرفة الحقيقية علي كل شئون القصر. وقبل وفاة أوديت أوصتْ والدها بأنْ تمنح ثروتها لزهية وابنها. ونفذ الأب وصية ابنته. **** تدورأحداث الجزء الثالث في سويسرا. كرامة تزوج الأميرة جويدان وصارمستشارالسفارة المصرية. ذهب إلي مطار جنيف ليستقبل السيد أحمد باشا وزوجته. كرامة في الجزء الثاني استجاب لأوامرأحد ضباط عبدالناصرالذي استكتبه بلاغًا ضد أوديت ووالدها. في المطاركرامة يتذكر زهيه مندهشًا (عاملة الترحيلة تضع الفراء علي جسدها وتتحدث إلي مضيفة سويسرية وتُفتح لها قاعة كبارالزوار) زهيه الفلاحة الفقيرة أصبحتْ زهية هانم زوجة السيد أحمد باشا الذي شجّعها علي التعليم واتقنتْ عدة لغات وتعلمت أصول الغناء الأوبرالي. تذكركرامة قول السفيرأنّ محمد نجيب ابن زهيه من رجل آخرفقال لنفسه (أنا هذا الآخر) وتظل هذه الجملة ملازمة له ، فيقتله التردد بين الاعتراف بابنه أوالتضحية باستقراره العائلي والوظيفي ، بينما الباشا الذي تولي تربية محمد نجيب منذ أنْ كان رضيعًا حتي صارشابًا ، تعمّد أنْ تكون زيارته لجينيف من أجل (لم شمل الأسرة) وأنْ يتعرف الابن علي أبيه. هذا الموقف الإنساني من الباشا يتسق مع موقفه الفكري، فرغم أنه ليس شيوعيا فقد احترم آراء وكفاح ابنته الشيوعية. لذلك كان الهدف الثاني من زيارته لجنيف لقاء عباس الذي صارممثلا لمصرفي منظمة العمل الدولية، وتسليمه مذكرات ابنته التي دوّنتْ فيها رأيها عن الحركة الشيوعية بكل ايجابياتها وسلبياتها لنشرها. هذا الباشا الليبرالي لايعرف الأحادية الفكرية، لذا يأخذ عباس للجلوس علي المقهي الذي كان (لينين) يجلس عليه أثناء إقامته في جينيف. ويعشق الفن التشكيلي فيشتري لوحة الفنان ديلفو. وعندما تأمل عباس اللوحة قال إنّ المرأة فيها تُشبه ستهم ابنة عمي. وأنّ زهيه تحب أعمال هذا الفنان البلجيكي. وكما بدأ الجزء الأول بأحوال الفلاحين في عزبة عويس قبل يوليو 1952 انتهي الجزء الأخير بأنّ أحوالهم بعد30سنة عادتْ كما كانتْ ، إذْ في عهد السادات الذي عينه عبدالناصرنائبًا له وبالتالي كان هوالمرشح لرئاسة الدولة، أقام (الاقطاعيون) دعاوي قضائية لاسترداد أراضيهم. وبعد موت اللواء عويس أقامتْ أسرته دعوي وصدرالحكم لصالحها. أراد السيد أحمد باشا شراءالقصر ليهديه إلي وزارة التعليم ليستمر كمعهد فني لتخريج الطلبة الزراعيين. وكان هذا هوالهدف الثالث من زيارته لجينيف، ولكن الأميرة جويدان رفضتْ البيع. وحصل عمها علي موافقات السلطات الإدارية لتحويل العزبة بأكملها إلي مشروع استثماري عقاري. وعندما علم الفلاحون بذلك تذكروا أنّ اللواء عويس كان يستعد لإقامة مشروع لتعليب الخضروات، فشعروا بالحسرة وترحموا علي اللواء عويس وأيامه. وإذا كان البعض أثارفي عام 2009موضوع بيع الغاز لإسرائيل ، فإنّ المبدع في الجزء الثالث المنشورفي يناير1995 جعل كرامة يتذكرأنه أجري اتصالات مع الإسرائيليين (لعقد صفقات بيع البترول بواسطة شركة وهمية مصرية في جينيف من خلف رؤسائي بتعليمات من الرئيس السادات) فقال الباشا الليبرالي (كم من المنتصرين في حلبة التاريخ، كانتْ المشانق أحق بهم من أقواس النصر) وعن جماليات اللغة فإنّ الزمن في الصفحة الأولي من الجزء الأخير(صفارشمس العصاري المزيف الفالصو) وفي ص 8 يربطه بأحلام الفلاحين الذين كفروا بالزراعة واهتموا بتجارة العملة والسفر إلي السعودية، ولكنها (أحلام كالذهب الفالصو في شمس العصاري). وجميل عطية لديه ولع بالموروث الشعبي مثل قول المصريين أنّ (يوم الجمعة فيه ساعة نحس) و(إذا كان صباعك عسكري اقطعه) وقبل تغلغل الأصولية الدينية كان المصريون علي وعي بخطورة توظيف الدين لأغراض السياسة أو لتحقيق مصالح شخصية، لذا عندما دافع الشيخ لهيطة في خطبة الجمعة عن اللواء عويس وأمرالفلاحين بإطاعة أولي الأمر والدعاء لهم، قال الفلاحون عنه (هذا الملعون لايعبد الله لكنه يعبد الباشا) كما أنّ هؤلاء الفلاحين يطبّقون قانون النسبية رغم أميتهم، وبالتالي مزجوا مفهومهم عن (الحرام) بالشفقة، فنجد أنّ زهيه عندما حملتْ دون زواج، قالتْ للست نفوسه أنْ تسترها، فضربتْ الأخيرة صدرها وقالت (ياحبة عيني.. بيتك) وبعد طغيان اللغة الدينية في السبعينات، فإنّ ابنة عباس المناضل الشيوعي، تنضم إلي الجماعات الإسلامية التي تُكفرالحاكم والمحكومين وتُشارك في عمليات اغتيال الأبرياء. وجميل عطية لديه شجاعة استخدام الكلمات المصرية التي يأنف كثيرون من استخدامها مثل (خرجتْ الكلمة من الفم مدغمسه) ومن السياق نفهم أنّ المقصود بكلمة (مدغمسه) أنها خرجتْ مضغمة غيرمفهومة. وكلمة (غتاته) المقصود بها الشخص ثقيل الدم. و(نن العين) إذْ هي في اللغة العربية (بؤبؤالعين) وتعبير أنّ الوعاء امتلأ (لتمة عينه) فكلمة (تمة) نحت مصري لكلمة (تمام) العربية. ويستخدم تعبير(دحلبته لمعرفة سره) بمعني استدرجته العربية. وتعبير(فركة كعب) كناية عن المشوار قصيرالمسافة. ووصَفَ شقاء الفلاحين بتعبير(طافحين الكوته) أي الشقاء الفادح في العربية. وتعبير(الدنيا قلابه) أي الغادرة بالعربي. وتعبيرأنّ فلانًا (وقع في الخيه) أي وقع في شرك أو خطأ فظيع. ويستخدم أداة الاستفهام المصرية (ليه) كبديل عن العربية (لماذا) وهكذا. المبدع الكبير جميل عطية إبراهيم له أكثر من مجموعة قصصية وأكثرمن رواية ، وكل رواياته زاخرة بالشخصيات الحية والأحداث الدرامية، ناهيك عن الثلاثية التي هي معزوفة تاريخية بلغة فن الرواية. ورغم ذلك تتجاهله الثقافة السائدة ، فلم تُفكر أية جهة في ترشيحه لجائزة من جوائز الدولة. وتجاهل كتاب السيناريو والمخرجون إبداعه. فهل الجماليات الفنية والعمق الفكري ، والتوثيق الأمين المحايد ، أحد أسباب العزوف عن هذا الانتاج الأدبي البديع ؟
بقلم : طلعت رضوان

ايوب صابر 05-28-2012 07:49 AM

جميل عطية ابراهيم

أوراق 1954:
بين المتغير الشخصي والتاريخى وحفظ ذاكرة الأمة


- المصدر : فتحي ابو رفيعة.

في مارس 1994 ، كان قد مضى 40 عاما على تنحية محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر التى أعلنت فى 18 يونية 1953. ومع أن التنحية الرسمية أعلنت فى نوفمبر 1953 إلا أنها كانت “تحصيل حاصل” منذ شهر مارس فى أعقاب ماعرف فى إطار التاريخ “الرسمي” لحركة 1952 بإسم “أزمة مارس”. على أن ماتكشف ولايزال يتكشف من حقائق عن خبايا ماحدث فى مارس 1954 حري بأن يجعل من هذه “الأزمة” حركة داخل الحركة، أو إنقلابا داخل الإنقلاب، أو ثورة داخل الثورة، أيا كانت التسمية التى يمكن إطلاقها على ماحدث فى مصر صبيحة 23 يوليو 1952. فقد أقصي محمد نجيب عن السلطة بشراسة لم يتعرض لها فاروق آخر ملوك مصر. وهى شراسة ربما تذكرنا بما تعرض له أحمد عرابى زعيم أول ثورة شعبية مصرية فى عام 1888. وفى مذكرات محمد نجيب المنشورة مالا يحصى من أشكال سوء المعاملة التى تعرض لها منذ أبلغه عبد الحكيم عامر فى 4 نوفمبر 1953 أن مجلس قيادة الثورة قرر إقصاءه عن منصبه وما تلا ذلك من تحديد إقامته فى فيلا منعزلة فى ضواحى القاهرة إلى أن تم الإفراج عنه فى عام 1983 بأمر من الرئيس حسنى مبارك.
و”أوراق 1954” للروائى جميل عطية إبراهيم هى قصة صعود محمد نجيب وسقوطه فى رحى الصراع على السلطة فى مارس من ذلك العام.
ويشير تعريف الناشر (دار الهلال) الوارد فى الصفحة الأخيرة من الرواية إلى أن الكاتب “يلتقط طرف الخيط من روايته السابقة “1952” ليكتشف هذا الفنان المؤرخ وراء السطح الصاخب للأحداث مسار قواها الدافعة الحقيقية المتنكرة خلف الأوهام والشعارات الرائجة”. ويضيف التعريف أن ربيع 1954 كان لحظة تاريخية حبلى بالإمكانات المتعارضة أمام حركة يوليو 1952، وقد انتهت بالهزيمة المؤقتة بكل غزارتها واختلاط تفاصيلها جزءا من النسيج الحي لحاضرنا.
وبقدر مايعكس هذا التعريف فى إيجاز بليغ فحوى هذا العمل الهام، فإنه يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات والقضايا التى تثيرها هذه الرواية شكلا ومضمونا. ففى ضوء هذا التعريف هل يمكن اعتبار أن هذا هو الحكم الذى يمكن استخلاصه من الرواية على ماسمي بأزمة مارس 1954، وبالتالى على حركة – لا “ثورة” – يوليو 1952؟ وإلى أي مدى استطاع المؤلف الدفاع عن وجهة النظر هذه وترسيخها فى ذهن القارئ وإقناعه بها؟ ثم ماهى المعايير التى يتعين الحكم بها على عمل “الفنان المؤرخ”:هل هى معايير العمل الأدبي الفني أم معايير السياسة والتاريخ ودقة الوقائع التاريخية وتأصيلها؟ كما يثير “شكل” الرواية تساؤلات هامة عن اختيار هذا الشكل بالتحديد، وهو الرواية المتتابعة الأجزاء فى شكل ثلاثية أو رباعية أو غير ذلك، وملاءمة هذا الإختيار لموضوع الرواية.
عزبة عويس باشا، قرية صغيرة بالقرب من أهرامات الجيزة، هى الأرضية التى تنطلق منها أحداث رواية “1952” والتى تقدم الشخصيات المحورية فى هذه الرواية وفى جزئها التالى “أوراق 1954”. ومن هناك يرقب المؤلف ويرصد تفاعلات شخصياته فى اقتدار حقيقى. الباشا صهر الملك والذى ينتظر تكليفه بالوزارة. عمدة القرية وشيخ الغفر (الخفراء( وولده كرامه طالب قسم اللغة الإنجليزية المعجب بإليوت وأرضه الخراب؛ وزهية الفلاحة التى عشقته وحملت منه – فى لحظة نزوة – طفلا أسمته محمد نجيب تيمنا بقائد الثورة، لكن قلب كرامة معلق بالأميرة جويدان إبنة عويس باشا، وفى نهاية الجزء الثانى يلقى القبض عليه وهو فى طريقه إلى الخارج بصحبة أسرة الباشا؛ وعكاشة المغنواتى الذى يقوم بعملية فدائية ضد الإنجليز فى الإسماعيلية؛ والطبيبة المثقفة الضالعة فى العمل السياسى السرى أوديت السيد أحمد إبنة أستاذ الحقوق الكبير الذى نلتقى به فى الجزء الثانى من الرواية مستضيفا جمال عبد الناصر فى سنوات الثورة الأولى حيث يستشيره عبد الناصر فى قضايا هامة مثل تأميم قناة السويس، والمأساة أن أوديت تقتل فى حادث فى نهاية الرواية فيهتز لموتها د. يونس أستاذ الجامعة المفصول الذى يبدو أنه كان يحبها من طرف واحد.
هذه هى بعض الشخصيات التى يقدمها المؤلف فى الروايتين المتصلتين فى ظل الخلفية التاريخية لثورة يوليو 1952. وفى الجزء الأول من الرواية “1952” يتولى المؤلف سرد الأحداث وتقديم الشخصيات فى فصول متتابعة تضعنا فى النهاية أمام نسيج روائي محكم. أما فى الجزء الثانى فإننا نجد أنفسنا أمام شكل روائى جديد حيث قسم الرواية إلى فصول ترك فيها السرد لشخصيات الرواية نفسها وبعناوين تحمل أسماءها. وضمن هذه الفصول التى تتحول إلى شهادات تاريخية نطالع شهادات هامة لمحمد نجيب، استنادا إلى مذكراته المنشورة، تعبر عن ذروة الحدث الرئيسى الذى يبنى عليه المؤلف عمله الثانى وهو أزمة مارس 1954 وصراع السلطة بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر. ولعل هذا يعكس رؤية المؤلف التى عبر عنها فى الجزء الثانى من الرواية بقوله:”القضية قبل 23 يوليو كانت واضحة. أما الآن بعد حركة الجيش فقد اختلطت الأمور.” إن اختلاط الأمور هذا هو الذى حدا بالمؤلف إلى إختيار شكل جديد للجزء الثانى من الرواية كي يتيح للقارئ التعرف على صورة كاملة لتطور الأحداث على لسان صانعيها ولسان من عاشوها.
وإذا كان من أهم أحداث الجزء الأول “1952” هو حريق القاهرة فى يناير من ذلك العام، فقد كاد عام 1954 – مسرح أحداث الجزء الثانى – أن يشهد حريقا مماثلا. ففى مذكرات محمد نجيب التى نشرها فى كتابه “كنت رئيسا لمصر” يقول :”كنت قد أدركت أن مجلس الثورة أراد إحراق البلد وإحراق الديمقراطية، وطلبت ساعتها زكريا محي الدين فى التليفون وقلت له:
- أنتم تلعبون بالنار يازكريا، والنار ستحرقكم قبل أي شىء آخر، وعليكم أن تتحملوا نتيجة ماتفعلون.
ولأن الوقائع التاريخية تشكل العمود الفقرى لأحداث 1952/أوراق 1954 فلعلنا نتساءل هل يشكل هذا العمل تاريخا فى شكل رواية أم رواية “تتعامل” مع التاريخ؟ إن الرواية، بجزأيها، تمزج بين شخصيات عامة بأسمائها الحقيقية ووقائع مستقاة من مصادر تاريخية يعتد بها، وشخصيات أخرى هي أيضا بالتأكيد شخصيات حقيقية ولكن لأنها ليست شخصيات عامة (أو غير محسوبة على الشق التاريخي فى الرواية) فإننا نعتبرها فى النهاية “شخصيات روائية” سواء ابتدعها المؤلف أو انتقاها وأدخلها فى النسيج الروائي لعمله. ومن هنا يصبح التاريخ عاملا مزدوجا: فهو الذى يشكل الأحداث؛ وهو من ناحية أخرى الأحداث نفسها وقد تشكلت بصورة أو بأخرى.وفضلا عن أنه يوسع من الأبعاد الزمنية للرواية من خلال توسيع نطاق حركة شخصياتها وتفاعلاتهم ، فإنه يشكل فى حد ذاته إطارا للأسباب والدوافع وراء الوقائع التاريخية (التى عادة مايكتنفها الجمود والتعقيد) فتتحول على يد الروائي الحصيف إلى وقائع “روائية” تربط بين المتغير الشخصي المحدود والمتغير التاريخي الأوسع نطاقا وتعكسهما معا فى ظل خلفية زمنية دائبة التغيير والتحول.
إن أربعين عاما قد مرت على أزمة مارس 1954 كتبت فيها آلاف الصفحات عن أحداث ذلك الربيع العاصف. واختلطت أوراق كثيرة. وعلى مدى أعوام عديدة سادت وجهة نظر واحدة متحيزة هى وجهة النظر التى كانت تسمح بها السلطة حتى وفاة عبد الناصر. ثم ظهر سيل من الدراسات والمذكرات الخاصة والوثائق السرية التى كشفت عنها الخارجية البريطانية والأمريكية. وهاهي “أوراق 1954” لجميل عطيه إبراهيم ثقدم لنا منظورا عاما جديدا لوقائع تلك الأزمة.
ولذلك، فإن جميل عطية إبراهيم، فى جانب كبير من “أوراق 1954” لايؤلف أحداثا وإنما يعرض “وقائع تاريخية” من وجهة نظره، يحدوه فيها إيمان قوى بالوعى التاريخى ، وبأن هذا الوعى، كما يقول هيربرت ماركوز، هو الأساس البنيوي الذى تقوم عليه المعرفة السياسية والعمل السياسي ، وهو المنهل الذى يولد الأدب والفن والشعر والموسيقى والعلم. وهو أيضا يتوخى مقولة ماركوز بأن نسيان آلام الماضى ومعاناته إنما يمثل العفو عن القوى التى تسببت فى هذه الآلام، وبأن الجراح التى تندمل بمرور الوقت هى أيضا الجراح التى تحمل السموم، وفى مقابل هذا الإستسلام للزمن تصبح استعادة الوعى، كوسيلة للتحرر، مهمة من أسمى مهام الفكر الإنسانى.
إن تصدى المؤلف لمهمة كتلك – من استثارة للوعى وتعميق المعرفة السياسية وطرح الوقائع التاريخية من منظور جديد إلى الإلتزام بالإطار الروائى والزمنى الممتد منذ بدايات 1952 – ألقى عليه عبئا مضاعفا من حيث تحريك عدد كبير من الشخصيات أمام خلفية من الأحداث السريعة وغير المتوقعة. ومع أن المؤلف يترك شخصياته تتحدث عن تجربتها فى فصول مستقلة فإننا نكاد نراه يقف بينها جميعا كمخرج مسرحى يوجه حركتها وينظم أدوارها إلى أن يمسك فى تهاية الرواية بجميع الخيوط التى بدأ بها فى رواية 1952.
والرواية مليئة بالإيحاءات والأحكام وهى تنتهى بالقبض على “كرامة” دون أن يرى ابنه غير الشرعى “محمد نجيب” فى كنف أمه الفلاحه “زهية” التى استطاعت أن تستميل إليها قلب الدكتور السيد أحمد باشا حتى أنها وقفت إلى جواره تتلقى العزاء فى إبنته الفقيدة وقرر بناء على طلب إبنته أن يؤول ميراثها إلى زهية وطفلها.
وكان من رأى السيد أحمد باشا، وهو من كبار فقهاء القانون الدولى، أن “سنة 1953 هى أخطر السنوات التى مرت على مصر وليست سنة 1952. فطرد الملك لم يكن سوى جملة اعتراضية فى خضم الأحداث، أما فى سنة 1953 فقد تمت تسوية الأرض لخلق الجو المناسب لإقامة دكتاتورية بعد قصقصة أجنحة جميع الرجال وإلغاء الأحزاب والدستور وإعلان فترة انتقال لمدة ثلاث سنوات.”
ولعل المؤلف أراد أن يقول على لسان بطله المستنير أن تلك كانت المقدمة المنطقية لما تلى ذلك من أحداث بلغت ذروة مأساتها فى نكسة 1967 ولا تزال آثارها باقية حتى الآن. ولعل ذلك أيضا يعطينا إشارة بأن أحداث ذلك العام الكئيب والفاصل ستكون موضوع الكتاب الجديد فى مسلسلته الرائعة

ايوب صابر 05-28-2012 07:51 AM

7)
جميل عطية ابراهيم في “1981”:
فاجعة اغتيال العقل وفقدان الذاكرة

المصدر- فتحي ابو رفيعة
لكل أمة ماض ثابت ومستقر، أما المستقبل فهو غير معلوم. وإذا كان لنا أن نعرف الماضي فإنه لايسعنا سوى التكهن بالمستقبل. أما الحاضر فلا هو ثابت ولا مستقر، وهو سرعان ماينحسر دوما بين تلافيف الماضي. وإنه فقط من خلال تفسير الماضي ورؤية الحاضر من خلال هذا التفسير يمكننا أن نحدد موقعنا الحالي على خريطة العالم. وبمعنى آخر، فإنه إذا كان يستعصي علينا استقراء المستقبل، وتستغلق علينا قراءة الحاضر، فلا أقل من استكناه الماضي. وإذا عرفنا ماذا كنا، فربما نكتشف ماذا نكون. إنها التساؤلات التاريخية الأزلية: ماذا حدث؟ ولماذا حدث؟ وما هي التفسيرات المختلفة لماحدث؟ الوقائع، والتفسير، والمغزى. إنها باختصار العناصر الأساسية لفلسفة التاريخ. هذه التساؤلات ومحاولات الرد عليها هي فحوى عمل جميل عطية ابراهيم العظيم: ثلاثية 1952 التي صدر مؤخرا الجزء الثالث والأخير منها تحت عنوان “1981”.
وقد تناول المؤلف في الجزء الأول إرهاصات الثورة وقيامها، وتناول في الجزء الثاني ماسمي بأزمة 1954 التي أطاحت بالرئيس محمد نجيب. نعم، لقد كان1952 و 1954 تاريخين هامين في عمر الثورة وفي مسيرة الوطن. وكانا تعبيرا عن مرحلة مفعمة بالآمال والأحلام وأيضا بالصراعات التي هددت الثورة من الداخل إلى أن مرت العاصفة، وانتصر جناح على آخر، وبدا أن الأمر أصبح مهيأ للثورة كي تحقق أحلامها الموعودة. وقد استطاع جميل عطية ابراهيم أن يرسم معالم هذه المرحلة بكل الصدق وبكل الأمل في تحقيق الحلم والخوف من تبدده. فأي طريق سلكته الثورة؟ أو أي طريق أريد لها أن تسلكه؟
ربما تصور البعض أن المؤلف، سيرا على المنهج التاريخي التقليدي، سيتوقف عند 1956 أو 1967 أو 1973، وكلها تواريخ هامة وإن كان يجمع بينها أنها كلها تواريخ معارك وحروب. لكن جميل عطية ابراهيم، بحركة ساحر، أخرج من جعبته “جوكرا” مسح القديم والجديد، وغطى على مايمكن أن يقال عن أي من هذه التواريخ وغيرها والتي قادت جميعها إلى هذه النقطة الفارقة في تاريخ الوطن: نقطة الإنهيار أو مرحلة الكتلة الحرجة Critical Mass التي كان لابد عندها من تعديل المسار: ينطبق هذا على الوطن ككل وعلى شخصيات الرواية فردا فردا، كما سنرى.
ثلاثون عاما، 1952 ـ 1982 ، أعمل فيها جميل عطية ابراهيم قلمه وفكره ليس بمنهج الرواية التاريخية التقليدية ولكن بأسلوب المؤرخ الفرنسي البارع فرناند برودال مؤسس المدرسة البنيوية في تسجيل الحوليات التاريخية والذي اعتبر من طليعة مؤرخي مدرسة مابعد الحداثة. وتجسد نظرية برودال فكرة التاريخ الممتد أو الطويل الأجل في مقابل الوقائع القصيرة الأجل، بما فيها الحروب والغزوات. وتركز مدرسة الحوليات، التي بلغت ذروة تأثيرها خلال الستينات والسبعينات، على التاريخ العام والشامل وعلى تنوع التفاعلات التي تشكل في النهاية قاعدة عامة موحدة أكثر من تركيزها على التاريخ السردي التقليدي. ويستجيب برودال لنظرية نيتشه من حيث كتابة التاريخ من مواقع ومناظير مختلفة تشمل الإجتماعي والثقافي والإقتصادي والأنثروبولوجي. ويعكس جميل عطية ابراهيم هذا المفهوم المتعدد الجوانب للتاريخ في ثلاثيته التي تبدأ في عزبة عويس قبيل قيام ثورة 1952 وتنتهي في عام 1982، حينما تجمع الغربة والإغتراب بين بعض أبطالها خارج الوطن، لكنهم يقررون في لحظة هامة من لحظات اتخاذ القرار أن يعودوا إلى “عزبتهم” وإنقاذها من الخطر الذي يتربص بها.
من الشخصيات الرئيسية في “1891” كرامة سرحان السقا، طالب اللغة الإنجليزية، الذي التحق بعد تخرجه بوزارة الخارجية، وتزوج من الأميرة جويدان إبنة اللواء عويس، أما زهية الفلاحة التي حملت منه، في لحظة نزوة، طفلا أسمته محمد نجيب تيمنا بقائد الثورة، فقد التحقت بخدمة الدكتور أحمد السيد باشا أستاذ القانون الذي فقد إبنته في حادث يتعلق بنشاطها السياسي، وانتهى الأمر بزواج زهية من الباشا، الذي قام بتربية محمد نجيب الذي أصبح عمره الآن ثلاثين عاما.
في نيسان 1982 (نيسان أقسى الشهور، إفتتاحية “الأرض الخراب” الشهيرة لإليوت التي كان يعشقها كرامة سرحان ويرددها في سنوات صباه)، هاهو نيسان يعود بعد ثلاثين عاما بقسوة أشد. فقد حضر إلى جنيف، حيث يعمل كرامة مستشارا بالبعثة، الباشا وزوجته التي أصبحت الآن زهية هانم، ومعهما إبنه ـ أي إبن كرامة ـ المعروف بأنه إبن زوجة الباشا من “رجل آخر”. وستظل صفة “الآخر” هذه تعذب كرامة إلى أن يقرر الإعتراف بإبنه في آخر الرواية، التي تنتهي بموت الباشا، وربما ـ كتحصيل حاصل ـ زواج كرامة من زهية وانفصاله عن زوجته الأميرة التي ثبت حتى نهاية الرواية أنها لاتزال تتآمر ضد عزبة عويس وأهلها.
هذا هو السياق الروائي لـ “1981” الذي يطوي في ثناياه نصا زاخرا بالرؤى والأفكار والأحكام والشخصيات التي تتحرك حركة دؤوبة في كل اتجاه. وهاهو قصر الأمم في جنيف يشكل مسرحا دوليا يختلط فيه العام والخاص، ويدلف بنا المؤلف ليس فقط بين دهاليز هذا المبنى التاريخي وكواليسه السياسية والدبلوماسية ولكن ايضا بين خبايا النفوس البشرية فنتعرف على شخصيات فريدة أبدع المؤلف رسمها وسبر أغوارها: أميرة تحولت إلى مترجمة وتعاني من الوحدة في أواخر العمر، لازوج ولا ولد، وعينها على المصير الذي ينتظرها: بيت المسنين؛ وملازم سابق في الجيش (هو أيضا تحول إلى مترجم) وحكاياته عن مؤامرة قام بها ضد عبد الناصر وانخراطه في العمليات الإنتحارية في سيناء في أعقاب نكسة 1967؛ والخال عباس أبو حميده الإشتراكي الذي هدته الغربة.
على أن أهم الشخصيات التي قدمها جميل عطية ابراهيم في “1891” هي شخصية الأستاذ عبد الله صابر التي أفرد لها تمهيدا صدر به روايته. فهذه الشخصية التي لم يكن لها وجود في الجزأين السابقين إن كانت توحي بأي شىء لأول وهله فلا أقل من أنها توحي بشخصية سقراط العظيم، المثقف الأزلي، الباحث عن الحقيقة.الأستاذ عبد الله صابر الذي يضطهد ويعتقل بسبب أفكاره، ويتحلق حوله الصغار والكبار في القرية يحكي لهم ويسمع منهم، ومع ذلك فهو يردد لهم دائما أن “جعبتي خالية ياأولاد من الإجابات، هي تساؤلات نطرحها على بعضنا البعض حتى نعثر على حكيم يفتح أعيننا على الحقيقة.” ولكننا ماأن نتعلق بهذه الشخصية ـ التي ربما أراد لها المؤلف أن تمثل العقل أو روح الشعب ـ نفاجأ بأنه “في اليوم التالي عثر على عبد الله صابر مكوما أمام باب الدار وقد اخترقت جسده عدة طعنات بخنجر من الخلف.”
لماذا يبدأ جميل عطية ابراهيم روايته بواقعة تمثل إغتيال العقل؟ لعله يعبر بذلك عن حكمه على ماآلت إليه الأمور في عزبة عويس التي كانت في الجزأين السابقين تعبيرا وتجسيدا للوطن؟
هنا، تتأكد مرة أخرى، مثلما تأكدت في الجزأين السابقين، رؤية جميل عطية ابراهيم للكتابة باعتبارها تعميقا للوعي التاريخي الذي يشكل الأساس البنيوي الذي تقوم عليه المعرفة السياسية والعمل السياسي، وإيمانه بمقولة ماركوز بأن استعادة الوعي، كوسيلة للتحرر، هي مهمة من أسمى مهام الفكر الإنساني. وهاهو كرامة سرحان، الشخصية الرئيسية في الرواية يسترجع ذكرياته المكبوته، وفي هذا الإسترجاع يحدث التحول في شخصيته السلبية إلى الشخصية التي يريدها لنفسه. في هذا الإسترجاع يتحول سرحان من مجرد “الآخر” إلي “الأنا”، ويحقق لنفسه السعادة والحرية.
إن ذاكرة الوطن هي همّ أساسي يحمله سقراط جميل عطية ابراهيم، وتصبح من الشواغل الرئيسية التي تتمحور حولها الرواية. “لقد خلقت الجماعات الإسلامية، التي تتخذ الإرهاب وسيلة لتحقيق أهدافها، ذاكرة أخرى للوطن، العودة إلى القرن الأول الهجري تحت شعار تطبيق الشريعة الإسلامية والإسلام هو الحل.”
“ـ والحل؟
“ـ الدفاع عن ذاكرة الأمة وتاريخها. التصدي لهذه الجماعات في الشارع المصري دفاعا عن أحلام الشعب.”
من هذا المنطلق يصدق على ثلاثية جميل عطية ابراهيم وصف الرواية “الجمعية” التي تستهدف استثارة وعي الجماهير والتعبير عنه في مواجهة ماتتعرض له هذه الجماهير من عنت ومن استلاب للحلم. وفي الرواية الجمعية تقوم الجماعة أو المجتمع بدور الشخصية الرئيسية، ويتعين على المؤلف أن ينقل هذا الإحساس الجماعي الذي يصبح أكثر أهمية من التركيز على شخصية الفرد. وهذا هو الإحساس الذي نجح جميل عطية ابراهيم تماما في نقله إلى القارئ.
ولأن 1981 هو عام اغتيال السادات فإن “1891”(الرواية) تتضمن الكثير من الأحكام على الحقبة الساداتية وهي أحكام تخضع في مجموعها للقبول أو الرفض. من هذه الأحكام مثلا مايقوله عباس أبو حميده الإشتراكي : “لاتنس ياسعادة المستشار أن الرئيس (السادات) قد حكم برجال عبد الناصر فيما عدا القلة من رجال مكتبه والمقربين إليه ، هؤلاء وضعهم في السجن بعد محاكمة سياسية ظالمة ليتخلص من منافستهم له.” (؟) ويقول أحد شخصيات الرواية:”المأساة أننا خرجنا جميعا في وقت مبكر جدا ونحن في قمة العطاء. حقيقة لايبقى على المداود غير شر البقر. الطاعون والمجاعات هي وحدها التي تجبر الناس على الفرار، وما جرى في مصر في زمن السادات يشبه الطاعون، فرار جماعي.” وتضيف هذه الشخصية قائلة :”مانردده هذه الساعه في جنيف يردده مئات غيرنا، من المثقفين المصريين المطرودين، في كافة أنحاء المعمورة. مقاهي لندن وباريس وروما وبرلين تغص بالمصريين، حتى المدن الصغيرة في بلدان الشمال عرفت المهاجرين المصريين لأسباب سياسية.” وفي مكان آخر يقول المؤلف إن “السادات رحمه الله استحق مصيره ليس لأنه وقع اتفاقية سلام مع اسرائيل، فكلنا يعرف أن اتفاقيات السلام غير العادلة ليست إلا هدنة حرب، لكن أخطاءه السياسية هي أنه عمل لمسح ذكريات الوطن… ذكريات الوطن ضاعت في عهده من أذهان الناس، والوطن هو الذكريات.”
عزبة عويس الآن “…غارقة في الهم، وصفار شمس العصاري كالذهب المزيف يثير الشجن. … منذ الهوجة التي حلت بعزبة عويس … قلت الأشغال وكثر الكلام وانتشرت الحواديت. يتجمع الفلاحون في السوق بحثا عن قطعة لحم وحزمة جرجير وأربع بيضات بشق الأنفس. أما الزبد والجبن القريش فقد اختفيا وحل محلهما الزبد والجبن الدانمركيان.” أهالي عزبة عويس أصبحوا يتسوقون حاجياتهم من سقارة والبدرشين وأبو النمرس، وفي الرايحة والجاية يلعنون هذا الزمان. عيونهم على مكتب البريد لتلقي الحوالات من الأولاد الذين يطفحون “الكوته” في بلاد النفط الغنية. النقود جرت في أيديهم، وعزت عليهم اللقمة.”
“تتحول الدكاكين الطينية إلى بوتيكات بها سجائر مستوردة وكوكاكولا لكنها خالية من رغيف الخبز والجبن والفول والطعمية. بوتيكات تباع فيها الحلي والتماثيل إلى السياح ويجري فيها تغيير العملة سرا.”
عزبة عويس التي كانت تستعد لإقامة مشروع لتعليب الخضروات، من كثرتها، والتي كانت تباع فيها المانجو بالكوم والخضروات بالشروة، تغير حالها. لم تعد مفرداتها زراعة وتصنيعا واكتفاء ذاتيا ولكن سياحة وانفتاحا وتاكسي بالنفر وتحويل عملة وتأشيرة خروج إلى بلد عربي وتوظيف أموال. “أحلام كالذهب الفالصو في شمس العصاري التي تغرق السوق.”
في”1981″، واتساقا مع ذروة الأحداث في الثلاثية، تسمو لغة الرواية إلى مستوى رفيع وبالغ الدلالة والتعبير:
“شمس الماضي أشد فتكا بالروح من أحلام المستقبل الوردية التي لم يقدر لها التحقق بعد. هي تبزغ فجأة فتعري الحقائق وتزيل عنها تلك الستائر الواهية التي طرزتها الأيام والليالي.”
“ الغربة بطالة، ونحن بشر. رنت في أذني كلماته كالنفير الناعق في مقطوعة موسيقية مليئة بالشجن. و “1981” هي هذه المقطوعة ذاتها، وهي تحمل شجنا لايوصف، وهو شجن يبدو أن المؤلف يحسه حتى النخاع، ولهذا فقد جاء التعبير عنه بكل العمق والسلاسة: “أمضيت عمري كله متغربا. طحنتني الغربة في عزبة عويس بين أهلي وناسي. وفي الغربة الحقيقية تجرعت كأس الوحدة حتى الثمالة.”
هناك أيضا الكثير من الإيحاءات والتلميحات التي لايتسع المجال لذكرها، لكن أهميتها تكمن في أن المؤلف يعني كل كلمة وكل عبارة ويعني ماوراءهما من دلالات . في مطلع الرواية تطغي على القرية نذر “التقسيم”، ومع أن المقصود هو تقسيم الأراضي الزراعية بعد تجريفها تمهيدا لبيعها وتحويلها إلى أراض للبناء، إلا أن شبح كلمة التقسيم بمدلولاتها السياسية يفرض نفسه على السياق. “مات جمال عبد الناصر، فانفض مولد الثورة، وتفرق الناس.” وفي آخر الرواية، وحينما يقرر كرامة المثقف وعباس أبو حميدة الفلاح الثوري العودة إلى القاهرة لإنقاذ عزبة عويس، تقول إحدى الشخصيات في تعبير لاتخفى دلالته:”يبدو أن عزبة عويس عليها العين منذ حركة الجيش.”
إن جميل عطية ابراهيم حينما تصدى لقراءة ـ أو إعادة قراءة ـ ثلاثين عاما من تاريخ الوطن فقد كان يدرك أن التاريخ هو أكثر من مجرد حادثة تلو أخرى، وأكثر من مجرد استرجاع وقائع قديمة، بل وكان يدرك أنه أكثر من مجرد ماوقع من أحداث. لقد نظر جميل عطية ابراهيم إلى تاريخ هذه الفترة باعتباره خطابا سياسيا يفوق مجرد سرد أحداث الماضي وتفسيرها ليصبح تعبيرا عن مجمل تجربة شعب وتفاعل العلاقات بين أفراده في ظل المعطيات التاريخية لهذه الفترة. وقد جعل ذلك من ثلاثيته عملا كلاسيكيا أصيلا سوف يحتل دائما مكانته بين شوامخ أدبنا الحديث.

ايوب صابر 05-28-2012 08:03 AM

قيمة النص/ نص القيمة ... د. مصطفى الضبع
التاريخ: السبت 02 أكتوبر 2004
الموضوع: نقد


ترقينات نقدية :

قيمة النص/ نص القيمة . رواية 1952 نموذجا

تعد" 1952"، للروائي المصري جميل عطية إبراهيم رواية واقعية بوقوفها عند مرحلة تاريخية ذات ملامح محددة في التاريخ المصري ، ولرصدها لأحداث لا يخالفها الواقع التاريخي (ثورة يوليو) ، ولا يختلف عليها من يؤرخون لهذه الفترة التي تمثل منعطفا تاريخيا مؤثرا في تاريخ المنطقة العربية كلها ، ثم هي في نهاية الأمر تقف عند أشخاص كان لهم وجودهم الواقعي المؤثر تماما كتلك الأحداث المشار إليها .

من البداية يحيلنا النص لقيمة عددية ليست مقصودة في ذاتها ، إذ هي تشير لقيمة تاريخية ، حيث لا قيمة للعدد خارج الإطار التاريخي (1) ، ولا معنى له إن لم يقترن بالتاريخ ، أو بالواقع التاريخي المحدد .
والتاريخ هنا يمثل بؤرة أو مركزا زمنيا ليس منفصلا عما قبله كما إنه يحيلنا –بالضرورة – لما بعده ، فإذا كان التاريخ خارج النص من صنع الواقع ومعطياته ، فالتاريخ داخل النص في امتزاجه بالتاريخ النصي (2) يطرح صيغة جديدة – ويجب أن تكون كذلك – على المتلقي الذي يكون مشغولا بمراقبة المعطيات الفنية ، وليس مراقبة التاريخ في حركته داخل النص ، متجنبا التشتت إن هو تحرك بين التاريخين : النصي والواقعي ، ولا تتحقق له المتعة إن هو ظل يتحرك بين النقطتين : التاريخ خارج النص ، والتاريخ داخله .

قيمة الحكي والحكاية .
منذ الفاصلة السردية الأولى يحيلنا الروائي للحكاية بوصفها قيمة دافعة ومحركة ، ومن قبل ذلك حافظة للتاريخ ومعطياته ، وقيم الماضي ، والقيم الواجب الحفاظ عليها ، يطرح الاستهلال النصي الحكاية القيمة بمكانها وزمانها وشخوصها ، الحكاية في بعدها القريب من الأسطوري ، الممتزج بالإنساني ، ولا يكتفي الروائي في استهلاله بأن يضع متلقيه في خط الحكاية ، وإنما يروح يبث مجموعة من الإشارات النصية عبر استهلال بقوة المتن :
" عزبة عويس غارقة في "صفار شمس العصاري " وقد خفت حركة البيع والشراء في سوق الخميس وتفرق الخلق في دوائر وحلقات .
حلقة من الخلق حول الرفاعي المخاوي للثعابين وهو يرقى الشباب ويأخذ عليهم العهد بعدم إيذاء صنف الثعبان والحية .
وحلقة أخرى حول الصندوق وقد تسمر ستة من الصبيان والبنات وأسدلت على رؤوسهم ستارة سوداء وعيونهم تحدق في العيون والصور الملونة تجري أمامهم ملهبة لخيالاتهم ومبددة للخمول الذي يصيبهم طوال الأسبوع .
يستمعون إلى أصل الحكاية ويرون أبطالها كل خميس مقابل ثلاثة مليمات يجمعونها في صبر ، ويحرصون عليها ويعطونها للعجوز عن طيب خاطر " (3)
يتجاوز الاستهلال وظيفته التقليدية بوصفه ممهدا للنص ومهيئا للدخول للمتن ، فالإشارات النصية التي يتضمنها الاستهلال تكاد تكون القانون النصي أو بداية التعاهد بين النص ومتلقيه ، حيث النص يقدم نفسه ، وعلى المتلقي أن يكون على وعى بما يطرحه النص من إشارات دالة لا يمكن للتلقى أن يستقيم دون الوعى التام بها (4) وقد صاغها السارد محكمة مستثمرا إمكانيات صيغة نحو النص ، ونحو اللغة (يورد الجملة الأولى بصيغة الجملة الخبرية ، وما بعدها ملحقات وتوابع نحوية ، أسلوبية لها )، وهى إشارات تمثل مفاتيح لمقاربة القيمة الروائية ، تتشكل على النحو التالى :
- يطرح النص مكانا يمثل بؤرة يتأسس عليها التلقى (عزبة عويس) في إشارتها لمكان دال في انتمائه لاسم له حضوره المصري (عويس ) ، كما يشكل مع الإشارة الزمنية في العنوان( 1952) صورة طبقية لمالك وأجراء ، باشا يمتلك عزبة بناسها وأرضها وسمائها ، يضاف لذلك قدرة العزبة على أن تحمل قوة الرمز في إشارته للوطن الأكبر (مصر ) التي لم يكن وضعها حينذاك مغايرا للعزبة ، وهو ما تؤكده الرواية في تفاصيلها اللاحقة .
- ثم يطرح حالة للمكان ، حالة تطرح إخبارا عن هذه الحالة ، يتناسب مع صيغة الخبر (غارقة) : اسم الفاعل الدال على حالة دائمة للغرق في التفاصيل الأكثر قسوة على السواد الأعظم من البشر ، إضافة لما يشكله التعبير من استغراق معناه في الزمن (وهو ما لم يكن يطرح لو استخدم السارد الفعل المضارع ) .
- وقبل أن تنتهى الجملة المحورية الأولى يطرح السارد الإشارة الزمنية الصغرى الفاتحة بدورها المجال الزمنى للنص(5) ، وما يخلقه من علاقات مع الواقع الخارجى ("صفار شمس العصارى ") تلك الصيغة ذات الطابع الشعبى المميز بما يحمله اللون الأصفر من دلالات تستمد قوتها من الثقافة الشعبية ، وقد أكد السارد عليها عبر تمييزها بالفاصلتين ، كما أنها تمثل انطلاقة لعلامة متكررة تطرح عنصرا له حضوره الدال في النص (تتكرر الشمس والنور في الرواية بصورة دالة لا يمكن تجاوزها في تشكيل دلالته الكلية ) .
- بعد أن تستوفي الجملة النحوية أركانها التعبيرية يبدأ السارد جملة جديدة تطرح الفعل الذي يضمه المكان ، وتضيف العنصر البشرى المتحرك في إطار عزبة عويس (خفت حركة ...وتفرق الخلق ) طارحا فعل الانعزال ، وكاشفا عن النشاط البشرى في إشارته لثقافة المكان وما يشغل الخلق ( يحسب للسارد وعيه بقيمة اللغة في انتقاء الدال منها حيث يؤسس عبر (الخلق ) دون غيرها لعمومية أو لإشارة دالة على انفتاح الرمز ، حيث الخلق أشمل من الناس ، وقد أراد أن يبث قيمة كرنفالية يتحرك خلالها الكائن الإنسانى بهذه الصورة ) مخرجا وعى متلقيه من منطقة عزبة عويس بوصفها الحيز الأضيق إلى ما هو أوسع ، الحيز الأكثر اتساعا الذي يبدأ من مصر ولا ينتهى عندها إذا ما اتسع وعى المتلقي للقيمة الكونية أو الإنسانية التي يبثها النص ـ منحازا إليها بصورة واضحة - حيث يطرح السياق بعدا إنسانيا يمكن للمتلقى إن استثمره أن يتجاوز المنطقة المحلية منطلقا لحركات التحرر الإنسانى ، فالظلم الواقع على الإنسان – و إن اختلفت صوره وأشكاله – يكون دافعا مؤثرا للتخلص منه ، يستوى في ذلك البشر في كل زمان ومكان ، لا فرق بين أمة وأخرى في هذه النظرة ، وهو ما يكون مبررا للثورة على الظلم بصوره وأشكاله التي تكاد تكون قناعا لفعل واحد متكرر، عندها يكون النص قد وصل للمنطقة الأعمق في طرح ما هو إنسانى ، طارحا خاصية خالدة تمنح النص نفسه القيمة الفنية الكبرى على حد التعبير النقدى :" وكلما أمعنت هذه الخاصية في العمق ارتقى العمل الأدبى إلى القمة وأصبح خلاصة للروح القومى في شكل محسوس ، وموجزا للملامح الأساسية في فترة تاريخية محددة ، وتصويرا للغرائز والملكات الثابتة لدى عنصر ما ، كما أصبح في نفس الوقت قطعة من الإنسان في مختلف أنحاء العالم " (6) .
- يبدأ الرمز في بث تفاصيله والكشف عنها ممارسا نوعا من القوة الترميزية ، ( الثعبان والحية ) كاشفا عن مفارقة تعبيرية ، تتمثل في أن الرفاعى يأخذ عهدا على ألا يؤذى الناس هذه الحيات والثعابين وليس العكس ، مما يثير أسئلة منتجة تتأسس على المفارقة نفسها : هل بدأت الثعابين تشعر أنها تفقد قوتها مما جعلها في حاجة للحماية بدافع الخوف ، أم أنها ليست قوية في ذاتها ، وأن قوتها مزيفة مما يضطرها للبحث عن مصدر للقوة ، أو السلام مع القوة الشعبية ( خاصة أن العهد يؤخذ من الشباب تحديدا والرواية تطرح كيف أن الإيذاء يقع بصورة تكاد تكون قدرية لهؤلاء ) ؟ ، وهل الشعب يمثل قوة في ذاته تكون كفيلة بإرهاب هذه الحيات والثعابين ؟ أم أن من فروض الطاعة ، طاعة العامة للخاصة ، أن يبعد العامة أذاهم عن الخاصة ؟ ، يضاف لذلك قوة الثعابين التي لم تكتف بما هي فيه بل أخذت طريقها لبطون البشر " استقرت الثعابين في بطنه وأصبحت تشاركه طعامه وتمصه منه قبل أن يبر به جسده " (7) ، وكذلك حقد هؤلاء على الفلاحين وليس العكس ، فاللواء عويس " أحس بحقد على الفلاحين الذين يبيتون وقلوبهم خالية " (8) .
- ويخلص السارد من طرح الرمز الأول للقوة المسيطرة و الرمز الثاني الممثل في الحاوى وثعابينه والفئة الشبابية إلى طرح الفئة الثانية من تصنيفه للبشر في حالتهم الناشطة ، وهى الفئة الأقل عددا (لتحديدها بستة فقط ) والأضعف (الصبيان والبنات ) ، كاشفا عن رمز جديد لجيل قادم يعى الحكاية أو عليه أن يكون على وعى بها ، وهى الفئة التي يمكن استثمار طاقتها الدلالية على وجهين : أولهما : أنها صورة سابقة للشباب تمثل قدرا أو صورة من الظلم الاجتماعى لما يؤول إليه حال القاعدة العريضة من القوى الشعبية ، تبدأ بالحكاية التي لا تمثل إلا شكلا من أشكال التسلية ، أو الترفيه لا التعليم الصانع للوعى ، وتنتهى بأخذ العهد من الحاوى بعدم الإيذاء ، يؤكد ذلك الإشارة لكرامة بن سرحان السقا (الذي لم يكن اسما على مسمى ) فهو مقارنة بمن تعلمت في المدينة (أوديت الثائرة القادمة من المدينة ابنة الباشا) ، يمثل شكلا من أشكال الخنوع للسلطة ، ولم يملك "كرامة " ما يدافع به عن نفسه وقد جلده " اللواء عويس باشا " مضيعا كرامته ورامزا لضياع كرامة من يرمز إليهم من طبقته أو من شعبه الذين حولوا حدث الجلد إلى حدث أسطورى بدلا من أن يكون دافعا للثورة عليه أو التمرد بسببه ، أهل العزبة يفسرون حدث الجلد تفسيرا دينيا ، حيث يحفر الكرباج آية قرآنية على جسم المجلود، يبثون عبره نوعا من الصبر غير المقبول على القهر الذي يمارسه عويس عليهم ، " انتظر الحمقى معجزة ، وبحثوا عن آية قرآنية على جسده الممزق ، يؤكد لهم أن الله قادر على كل شيء "(9) ، وهذا الوجه يحيل إلى السلبية الكامنة في البعض ، والتى تجعل من الطرف الآخر متجبرا ، متسلطا ، ممعنا في ذلك اعتمادا على ضعف هؤلاء . والوجه الثاني : يحيل إلى جانب إيجابي ، فالصغار متسمرون حول الرفاعى ، في مقابل حركة الشباب الحرة مما يمنح الأمل في استثمارهم لقدر ما من الحرية ، كما أن الشباب عيونهم غير مغطاة بستارة سوداء كما الصغار ، و"كرامة" الرامز لهذا الجيل من الشباب لم تمت فيه تماما بذرة الإحساس بنفسه ، فهو موزع بين الموت كمدا من ناحية والانتقام من ناحية أخرى : " تمزقت روحه بين كونه متعلما وبين حقيقة وضعه كعبد لدى جناب الباشا ، رغبتان تتنازعانه ، إحداهما تشده إلى أسفل وتزين له الموت كمدا ، والأخرى تدفعه للانتقام وكراهية البشر ، وبين الرغبتين يجلس حائرا على شط الترعة ، ولا من أنيس حوله سوى أنفاس زهية ونبرات صوتها الحانية وهى تتردد حوله وتلفه بهالة من الحنان البشرى والتواصل الإنسانى " (10) ، وتعد الحيرة وقبوله التواصل مع زهية علامات على بقاء بذور الحياة داخله، رامزة لأمل ربما يتحقق يوما .
تكتسب الحكاية قيمتها من رمزيتها ، وشمول منظورها الفنى للوقوف على جماليات الحكاية من هذا النوع ، الحكاية القابلة للتطبيق أو تلك الدالة على أن الزمن قادر على أن يحافظ على دورته الطبيعية في قلوب البشر .
ولقد كان للحكى دور الشاهد على التاريخ ، ذلك التاريخ الذي يشهد بدوره على البشر وحياتهم وفعل الزمن فيهم . وقد استثمر السارد طاقة الحكي في تزويد النص بقدر كبير من الحكايات الكاشفة عن طبيعة المكان المحتضن الحكايات ، فقد كان عليه أن يختار مكانا صالحا للحكى ، لذا يكون التنوع في صيغة الحكاية ، أو في طريقة تقديمها واضحا بين مشاهد تدور في المدينة (القاهرة ) ، أو في القرية ( عزبة عويس ) ، ومابينهما من مكان مؤقت (مدينة الإسماعيلية ) التي جعلها مكانا لبطولة عكاشة المغنواتى وقد تنازل قرر أن يغنى أغنيته الأخيرة هناك ، فارا ببطولته ، أو فارا برجولته المهددة في عزبة عويس (وقد هددته صديقات الأميرة جويدان الأجنبيات بجب عضوه الذكرى كما فعل بأبيس الخادم المخصى ) ، لذلك كانت حكاية عكاشة حكاية كاشفة عن قيمة المصري الذي يرفض حياة لا تناسب طبيعته ، ولم يكن الموال الأخير الذي يردده قبل استشهاده إلا علامة فارقة بين حياتين ، حياة يرفضها ، وحياة يختارها ، وقد انتهت حياته دون أن يحقق أحلامه البسيطة ، ولكن موته لم ينه حكايته فقد ظل صورة لحياة زاخرة بالقيمة وعلامة على ثقافة مهددة بالزوال ، ثقافة مصرية كان عكاشة اختزالا لها .

القيمة المكانية :
أدار السارد حكاياته عبر ثلاثة أمكنة تشكل مجتمعة قيمة خاصة ، كما يمثل كل منها قيمته المنفردة ، وقد نشأ صراع ، أو حوار بين مكانين أساسيين : عزبة عويس – القاهرة ، انطلق الحكي من المكان الأول بوصفه محتضن الحكايات ، والثانى بوصفه مستهلكا لها ، لقد نشأ حوار بين الأمكنة الثلاثة ، ظاهريا الكلمة العليا فيه للقاهرة بوصفها مركز السلطة ، ومدار الحركة المضطربة والنشاط السياسى المتمخض عن حريق القاهرة ، ولكن الكلمة الأقوى كانت لعزبة عويس بالأساس ، وقد تضمن النص حدثين دالين على قوة العزبة في حوارها مع القاهرة :

- أولهما : أن حريق القاهرة كان على يد القادمين من العزبة ، أو بعبارة أخرى لعب سرحان السقا ومن معه الدور الفعال ، أو الدور الذي كشفت عنه الرواية بوضوح تأكيدا عليه ، دور القائد الفاعل عبر سلطة دينية اكتسبها هذا العائد لحظيرة الحق ، أو التائب فيمنح القوة للفعل ،:" أطلق عليه المتظاهرون :" مولانا " يأتمرون بأمره ، يسيرون خلفه ، يقطعون الخرق له ويحملون له قطع الحجارة وصفائح الجاز ، يشعل أو لكرة ويقذف بها ، فيهللون ، ويتبعونه في إلقاء الكرات المشتعلة " (11) تلك التي كانت بمثابة فعل التطهير على المستويين العام والخاص .
لقد صرخ السقا بسؤاله الوجودى : نكون أو لا نكون ؟ فتحول للقائد المشارك غير المتعالى على من يقودهم ، هؤلاء الذين هزموا في العزبة فجاءوا للقاهرة بحثا عن فرصة لغزو من هزموهم ، وسرقوا منهم الحياة الكريمة هناك في العزبة ، وعلى رأس هؤلاء سرحان السقا الذي يعد النموذج الأكثر واقعية ، صاحب الفضل في الكشف عن قيمة النيران " اشتعلت النيران على طول طريق الأهرامات بفضله ، وهاهو قد مل رائحة الدخان ولم تعد صيحات المشاغبين حوله تروقه : انتقم من الجميع ، الباشا والعمدة ، وشيخ الغفر ، وابنه كرامة ، وزوجته خديجة " (12) .

ثانيهما : عملية نسف الجنود الإنجليز في الإسماعيلية ، والتى كان الأساس فيها عكاشة ابن عزبة عويس والذى لم يكن ليفعل ذلك ما لم يكن قد عاين حياة الطبقة الأعلى خلال الحفل الذي أحياه لابنة اللواء عويس وصديقاتها من بنات طبقتها الأجنبيات ، وهو هنا يرفع صوت العزبة ، ليكون بمثابة سفير الانتقام من الطرف الثاني فيما آلت إليه الأحوال في مصر .
من هنا تحملت عزبة عويس عبر رجالها عبء الدفاع عن الوطن ضد من أوصلوه لحالته المتردية (الملك وأعوانه في القاهرة ، والانجليز في الإسماعيلية ) ، كما تحملت العزبة عبء الرمز على المستوى الفنى ، حيث العزبة رمز للقرية المصرية ، تلك العنصر الأصيل لمصر .

مقولات النص
يعد النص – في أحد وجوهه – تشكيلا من المقولات المتداولة عبر تفاصيله (الحوار – السرد ) ويمكن للمتلقى استكشافها تأسيسا على صداها ، وفعلها عبر النص ،ويكون من دورها :
- الكشف عن الرؤية الكلية للسارد ومن قبله المؤلف الضمنى ، حيث يتبنى المتلقي هذه المقولات بوصفها هدفا لرســالة يتلقاها عبر النص .
- التعبير عن البنية العبير عن البنية العميقة لآليات التفكير لدى الشخصيات ، حيث تشكل هذه المقولات علامات على الشخصية ومدى تفكيرها النمطى ، أو المغاير .
- تقديم شهادة على عصرها ، تطرح عبرها قضايا العصر وطبيعة المجتمع .
- الإشارة لثقافة العصر ، وإنسانه .
- الإشارة لجذور ثقافية ، ونتاج عقلى تستمد منهما هذه المقولات مرجعيتها .
- رسم صورة لصراعات الفكر الإنسانى ، وجذور مؤرقات الشخصية المصرية .
وقد وضعتنا الرواية إزاء مساحة واسعة من المقولات المسندة لـلسارد أو للشخصيات :
- ما يسند للسارد طارحا رؤيته المباشرة لعصره ، كما أنها تفض إشكاليات في قضايا غير محسومة أحيانا ، أو تمهد لمقولات أكبر يتطلب بثها وعيا خاصا لدى متلقيها ، وتعبر بدرجة ما عن حكمة السارد بوصفه المسئول عن بناء القيمة في النص ، ومسئوليته ليست أمام المتلقي فحسب ، وإنما هي مسئولية أمام التاريخ والأشخاص الممثلين لهذا التاريخ ، وقد استثمر السارد كثيرا من لحظات سرده لبث الكثير من المقولات منها :

1- " الأعيان لا يكونون أعيانا بحق إلا إذا استمع لهم الناس " (13) .
2- " ومن ينس هويته ينس همومه "(14).
3- "ومن يتبن البشر لا يحزن لفقدان ابن واحد أو امرأة واحدة "(15) .
4- "فإذا كانت الإكزيما الحادة قد أصابت زينة نسوة المنطقة ، هاهى الحرائق تلتهم القاهرة لحظة صحوتها " (16) .
5- آفة المشتغل بالحياة العامة الجبن " (17) .
6- "السجن يجسم عجز الإنسان ويزيد من خياله " (18) .
7- الذين ينوون الانسحاب من المعركة لا يتمسحون بالشهداء " (19) .
8- "السياسة لا ترحم " (20).
9- " مخ النساء مثل مخ الرجال . شعيرات وخلايا عصبية . وتلافيف متعرجة ، هذه أمور مادية ياباشا ، يمكن وزنها وقياس حجمها ، أما الوعى فشيء آخر تماما ، هو محرك التاريخ ، والتاريخ لا يمكن وزنه وقياس حجمه ، وإن كان متمثلا أمام أعيننا في قصور وطرق ومشروعات ، وجيوش ، وأسلحة ." (21) .
10- " قلب الأم دليلها ، الخطر يحيط بها من كل جانب ، ومعرفتها بالتاريخ تؤكد لها أن حريق عاصمة البلاد نهاية لعمر بأكمله " (22).
11- لا شيء تغير !! هذا ظاهر الأشياء . العجلة دارت / لن تدافع عن حركة الجيش ، لتستمع إليهن . هذا الشعب يحتفظ بحكمته من جيل إلى جيل . صراع بين الرفاق يكاد يودى بالحركة وقد انقسمت على نفسها بين مؤيد لحركة الجيش وبين معارض لها . سرق العسكر نضال الناس " (23).

ظاهريا تسند هذه المقولات للمؤلف / السارد ، ولكنها مضمونيا تحيلنا إلى شخصيات ترد المقولات في سياقها ، ويدور صداها في فلكها ، وتقدم دلالة عليها خلال مستويات متعددة خالقة إطارا عاما تتحرك فيه الشخصيات ، حيث تقوم المقولات بدور نصوص القانون المحرك للمجموعة البشرية مادامت على وعى به ، ولا يفوتنا ملاحظة الصيغة المعتمدة - أسلوبيا – صيغة أسلوب الشرط الآخذة صورتين :

- مباشرة : تجئ جملة الشرط مصرحا فيها بالأداة ، مباشرة التركيب ( المقولات من الأولى حتى الرابعة ) وتحمل معانى الترغيب والترهيب ، والحث وغيرها مما يمكن أن يكون على سبيل الإغراء أو التحذير .

- غير مباشرة : وفيها يتحقق معنى الشرط دون أركانه غير المصرح بها محققة معانى الصيغة السابقة،مضيفة إليها أنها تخلق نوعا من القيمة السارية مع خط الزمن (وهو ما يحدث مع تجاوز الزمن واستمرار التلقى للنص بعد سنوات من نشره للمرة الأولى حيث تستقر هذه المقولات في الأذهان طارحة قيمة متجددة تحتضنها الرواية عبر دورات تلقيها المختلفة ) .
-
لقد خلقت المقولات مجموعة من محطات التأمل ، وزرعت أشجارا تظلل طريق المتلقي المؤول ، كما أنها أضافت نوعا من خبرة الزمن ، وتجلى الحكمة المصرية التي ترى الأمور ممررة عبر خبراتها الحياتية ، كاشفة عن بعض ملامح الشخصية المصرية التي تواجه أمورها بالنقيضين : الحكمة ، أو السخرية ،(24) وكلتاهما تفصحان عن حكمة الإنسان المصري بشكل خاص .

قيمة النور
لخدمة النص يوظف الروائي عنصر النور ، بوصفه العنصر الأكثر حضورا من بين العناصر الشيئية غير البشرية ، ليقوم بدور البطل غير الملحوظ ، حيث يلحظ غيره به ولا يلحظ هو بغيره ، فقد عول النص كثيرا على هذه الوظيفة بوصفها الوظيفة الكبرى الخالقة للوعى الروائي .
تتجاوز مفردات النور (وخاصة الشمس ) قيمتها الدلالية بوصفها إشارة زمنية (تشير في حدها الدلالى الأدنى لزمن قرين مشهد روائى ،أو بنية صغرى من بنى الحدث ) ، هنا يلعب النور دوره معلنا عن قيمته الروائية المؤسسة على عنصرين :
- التكرار والتداول .
- السياق المشهدى .
في الأولى يجد المتلقي نفسه إزاء عنصر متكرر عبر الفواصل السردية ، بداية من الاستهلال ذى الطبيعة الزمنية / الضوئية " صفار شمس العصارى " (25) ، ومرورا بـ " آلاف الشموس الصغيرة ترمى بأشعتها الناعمة وتغرق جناح الأميرة جويدان (26) ، وحتى الحضور الدال للسيدة بثينة عبد الجواد ، وبداية حركتها " وقد اشتدت الشمس في الخارج " (27) ، وتجاه مفردات : كالشمس ، الضوء ، النور ، وأخيرا النار.
و قد لعبت جميعها - بداية - وظيفة الكشف، فالمشاهد التي تتم تحت ضوء الشمس تغاير تلك التي تتم ليلا ( والروائى الممتلك حرية تشكيل البعد الزمنى لنصه يوزع أحداثه بصورة واعية ، ودالة ) ، وعندما ينبهنا الروائي إلى غرق عزبة عويس في صفار ضوء الشمس فإنه يشير إلى ذلك النور (الوعى) الذي تغرق فيه العزبة ، ذلك الوعى الآخذ في الأفول ، لذا وقف الجميع موقف المتفرجين إزاء أفعال اللواء عويس ( بوصفه نموذجا سلطويا ) ، ومنها مشهد جلده " كرامة " (لاحظ الاسم الدال ، غير المحتاج للتأويل ) ، ومن ثم كان على الراوى أن يحاول إعادة الأمور لنصابها ، فالمجتمع الذي يعمل الكبار – عمدا أو إهمالا - لتخريبه ، أو هكذا تفضى أعمالهم ، لابد له من استعادة هويته ، وقد جاء حدث جلد الباشا عويس لكرامة موازيا أو معادلا لهذا المجتمع في صورته هذه ، وقد كان للوعى الناهض لدى كرامة الحد الفاصل على مستوى النص في تحوله للبحث عن طريق ، تمثل واضحا في سرحان السقا الذي كانت عملية الجلد نقطة تحول في حياته ، تحول من المرحلة المائية للمرحلة النارية ( سنفصل القول في هذاالجانب لاحقا ) .

ويكاد رد فعل كرامة تجاه شمس الصباح يكون صورة لما يحدث للمجتمع ، أو للواقع آنذاك " شمس الصباح العفية تبخ هبابا في عينى كرامة ولد سرحان السقا ، وهو مكوم على شط الترعة على بعضه كشوال الجلة . أضاءت الدنيا ، ولمعت غيطان عزبة عويس ، وبلل الندى النباتات وأوراق الشجر فلمعت ، وعيناه تريان سوادا ، ولسانه يلوك فقرات من قصيدة الأرض الخراب لإليوت في لغتها الأصلية وقد خانته بعض المقاطع وحرف كلماتها في مقاطع أخرى "(28).

ويشكل العنصر المتداول نوعا من البناء التراتبى للدلالة المؤسسة عليه ، طارحة صيغة إيقاعية متكررة ، أو عزفا متواترا في نطاق النص الروائي ، حيث تبدو بوصفها الخلفيات ، أو القماشة التي يتشكل فوقها/ منها الحدث بكل ما يضم من تفاصيل ، كما تبدو في حالة سكون

وفى الثانية تكون كل مفردة منها مؤدية دورا سياقيا يرتبط بمشهد ما ، أو بموضع ما في سياق النص .العناصر في هذا الجانب لها قوة الفعل ، متحركة ، فاعلة بقدر ما يمنحها النص من قوة للفعل، وقد أحسن الروائي توظيف العنصر الذي ليس بإمكان المتلقي تجاوزه عبر رحلته مع النص.

هنا نحن أمام كاميرا الراوى وقد وجهها لعنصر بعينه ليكون محركا لغيره ، أو ليكون دافعا للحدث ، فالشمس (على سبيل المثال ) تتجاوز الدور الساكن الذي تبدو فيه خلفية للمشهد ، إلى الدور الذي تكون فيه محركة للنص عبر تحريكها للحدث أو لشخصية من الشخصيات .

" وكلما حميت الشمس وسخن صهدها ، أحس كرامة بالعرى ، وماذا يفعل ؟! وكيف ينتقم لنفسه ؟ هل يرقد للباشا في الذرة ؟! أم يحرق له الزرع ؟!" (29) .
والنار يبدو دورها التطهيرى في حريق القاهرة الذي ظهر بوصفه مخلصا القاهرة من أدرانها ، وبوصفها الحدث الفاصل الذي كان لابد أن يحدث في موضعه وقد بات الوضع في حالة لا يمكن تجاوزها إلا بالتطهير عبر النار .


المرأة / القيمة
" قلب الأم دليلها ، الخطر يحيط بها من كل جانب . ومعرفتها بالتاريخ تؤكد لها أن حريق عاصمة البلاد نهاية لعمر بأكمله ، لكنها خائفة من الجديد الذي سوف يقام على جثث عديدة " (30) .
هكذا تظهر بثينة عبد الجواد في الربع الأخير من أحداث الرواية ، لتجعل المتلقي يعيد النظر في الشخصية النسائية ، والوجود الأنثوى عبر الرواية ، ورغم أنها لم تكن مشاركة بصورة مباشرة فاعلة في سير الأحداث ولكنها تظهر مؤخرا لتلعب مجموعة من الأدوار ذات الفاعلية في سياق النص :

- أولها : يطرح ظهورها المتأخر حكمة الشخصية التي لابد أن تمارس النص / الحياة لتكشف عن حكمتها في النهاية ، وقد جاءت بثينة عبد الجواد لتخلق توازنا في سياق الشخصيات .

- ثانيها : تلعب أدوارا تتوازن مع غيرها من الشخصيات النسائية ،وإن تعددت فهى تمثل :

1- خلفية مرجعية للدكتورة أوديت التي لم يكشف النص عن أسرتها بالدرجة التي يتكشف للمتلقى منابعها المانحة حب الوطن ، والانتماء له ( لقد أراد الراوى أن يفتح أفق الشخصية النموذج ، حيث تكون مرجعية الدكتورة أوديت متصلة بامرأة غير أمها ، فاتصال مرجعيتها بأمها أو الكشف عن أصولها من شأنه أن يجعل بذرة الوطنية في أسرتها فحسب ، وإنما أراد الراوى أن يجعل من فكرة الانتماء ميراثا متحركا في الشخصية المصرية ،ليس مقتصرا على الرجل فحسب ) .

2- الهدوء والحكمة في مقابل ثورة الدكتورة أوديت واندفاعها في كثير من الأحيان ، بحيث باتت الشخصيتان – بما تملكان من معرفة وعلم - وجهين لعملة واحدة ، في مقابل الشخصيات النسائية الأخرى التي يمكن تصنيفها إلى صنفين مغايرين : فتيات القصر ، والإنجليزيات- باستثناء مارجريت سنكلير - ممن يأخذن الحياة بوجهها الترفيهى ، والفلاحات بما يسيطر عليهن من جهل ، وتخلف ( يرجى العودة لشخصية ستهم زوجة العمدة،وأم حبيبة زوجة عكاشة بوصفهما نموذجا لهذا النوع ) .

3- الأم في جانبها الرمزى ، وقلبها في إحساسه بالخطر ، مما يؤهلها لتكون صورة مجازية عن الوطن في خوفه على أبنائه المنتمين له ، وهو التمثيل الواضح الذي يجعل من بثينة عبد الجواد نموذجا أموميا له قيمته على مستوييه الحياتى والنصى .

- ثالثها : يكون ظهورها ممهدا لظهور شخصيتين لهما دورهما الفاعل ، وإن لم يمنح النص لهما مساحة كبرى على مستوى المساحة الممنوحة للشخصيات الروائية المختلفة ( وهما ابناها الضابطان ، بوصفهما ممثلين لأبناء الوطن من رجال القوات المسلحة ، كما يمثلان جيلين متتاليين يعملان لخدمة الوطن ) ، وقد أجاد الراوى في طرح الشخصيتين بقدر من العناية بالجانب الرمزى أو عبر منحهما من الملامح ما يرتفع بهما لدرجة الرمز ، وهو ما ينبنى على :

- كونهما غير محددي الملامح ، فلم يرد الراوى أن يكونا شخصين لهما ملامحهما الحاسمة التي يمكنها أن تغلق الباب أمام فكرة النمذجة ، لذا تتعامل الأم معهما بوصفهما ، الابن الأكبر ، والابن الأصغر دونما أسماء تشكل علامات فارقة .

- استثمار الراوى الشخصيتين في بث إشارات لها خطورتها ، تتمثل في الخلاف بين الإخوة حول تفسير حريق القاهرة :" دارت بعدها مناقشات حامية بين الأخوين . اتهم ابنها الأصغر الملك بتدبير الحريق للتخلص من حكومة الوفد وضرب حركة المقاومة الشعبية في مدن القنال . وابنها الأكبر يؤكد أن جلالته كان خائفا وقد فزع عندما وصلته أنباء الحريق ، وليس من المعقول أن يحرق الملك عاصمة ملكه ليتفرج عليها وولى عهده عمره سبعة أيام " (31) . وهو ما يكشف عن رمز واضح يقف بنا على إخلاص الجيل السابق للملك ، وأن جيلا جديدا يرى خلاف ذلك، وهو جيل قادر على توجيه الاتهام ، ووضع الآخرين / السابقين الكبار في وضع المدافع ( وهو ما فعله الابن الأصغر وقد وضع أخاه الأكبر في هذا الموضع ، ويلاحظ أن الراوى يؤكد الفكرة ، وقد استثمر الطاقة الدلالية للتقديم ( تقديم صوت الأخ الأصغر /الاتهام على صوت الأخ الأكبر المدافع ) .

- رابعها : القيام بدور المراقب المتأمل ، الممتلك خبرة ووعيا يمنحانه القدرة على التفسير والتأويل ومن ثم الوعى بما يدور وما يمكن أن يكون متواريا هناك خلف ما هو ظاهر ، لذا كانت حركة بثينة عبد الجواد على قدر كبير من الدقة أحسن الراوى تقديمها ، وتحريكها لخدمة القيمة التي وظفها لها ورغم أن ظهورها كان مباغتا للقارئ الذي كاد يستنيم للشخصيات الروائية متآلفا معها دون أن يتوقع ظهور شخصية جديدة ، فإنه (القارئ ) لا يلبث أن يتآلف معها بعد السطور الأولى عنها : " تحس السيدة بثينة عبد الجواد المفتشة السابقة لمادة التاريخ بوزارة المعارف العمومية بالقلق طوال اليوم لسبب غامض . في الصباح قالت لنفسها : هذا يوم شديد الحرارة وشديد الرطوبة . وفتحت نوافذ الشقة لتهويتها ثم أغلقت شيش النوافذ لمنع الصهد من التسلل إليها وقد اشتدت الشمس في الخارج " (32).

لقد كانت حركتها – في جانبها الرمزى - محسوبة لصالح الوطن ، فهى ربة البيت المثقفة الواعية التي تعد نموذجا للمرأة / الأم / الوطن ، ولم تكن معرفتها بالتاريخ (دراسة وتدريسا ) قيمة مجانية أو مهدرة ، فهل خرج أبناء مصر ، أبناء القوات المسلحة من رحم غير رحم التاريخ ؟ ( وهو الدور الرمزى الذي يتحقق في ابنيها الضابطين ) .
بثينة عبد الجواد عبر هذا الطرح تمثل الشخصية التي كان لابد لأحداث الرواية أن تنتهى إلى إنتاجها ، أو التعبير عنها كاشفة عن أدوارها غير المحدودة ( المتعددة بتعدد التأويلات النصية )

ايوب صابر 05-28-2012 11:43 AM

حوار مع الكاتب المصري جميل عطية إبراهيم
إيلاف 27- سبتمبر 2006

سلوى اللوباني من القاهرة : حصل الاديب "جميل عطية ابراهيم" على شهادات دراسية متباينة ونتيجة لذلك عمل في مهن متعددة، فقد عمل قبل تخرجه من الجامعة كاتب حسابات في مصنع للنسيج في شبرا الخيمة ومدرساً للموسيقي للأطفال، وكذلك مدرساً للحساب والجبر والهندسة للمراحل الإعدادية في مصر والمغرب، وبعد تخرجه من الجامعة عمل كمفتش مالي وإداري في وزارة الشباب في سنوات الستينات، وبعد نجاحه في نشر بعض القصص انتقل إلى الثقافة الجماهيرية بفضل الأساتذة نجيب محفوظ وسعد الدين وهبة ويعقوب الشاروني، وظل في الثقافة الجماهيرية حتى سافر إلى سويسرا عام 1979 وعمل بالصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة العربية في جنيف حتى هذه اللحظات حيث يستعد للتقاعد والتفرغ للأدب، الاديب جميل عطية ابراهيم أحد مؤسسي مجلة جاليري 68 الادبية، ومن رواد حركة أدباء الستينيات، ركز من خلال اعماله على الدور الاجتماعي للادب، من مؤلفاته.. أصيلاً، النزول الى البحر، ثلاثية 1952، أوراق اسكندرية، الثورة، المسألة الهمجية، خزانة الكلام وغيرهم.. دار الحوار حول أيدولوجيات الستينيات، ومجلة جاليري... ورسالة الاديب، وعن افكاره التي وردت في رواية المسألة الهمجية وبطله المثقل بهموم وطنه، وأيضاً عن الحوار مع الآخر وأسباب انتشار التيار السلفي... ونظرته الى العالم اليوم.

* ما هو السبب في حصولك على شهادات دراسية متباينة؟
- دراستي الأساسية في كلية التجارة، حيث تأثرت في صباي بمقولات المفكر المصري البارز "سلامة موسى" حيث كتبه ومجلاته التي أصدرها كانت توجد في المنزل لسبب أجهله وقرأتها في صباي وشبابي عدة مرات، وتعلمت منه أن الأديب يجب أن يكون ملماً بالاقتصاد وعارفاً بالعلوم، فتوجهت إلى كلية التجارة ودرست إدارة الأعمال والتنظيم وغير ذلك، ورفضت الالتحاق لهذا السبب بكلية الآداب التي كانت تناسبني، وبتأثير كتابات سلامة موسى الذي لم ألتق به في حياته دلفت إلى معهد الموسيقى العربية وتخرجت منه أثناء دراستي في الجامعة وحصلت على دبلوم متوسط والتفت إلى الفنون التشكيلية وفي سنوات السبعينات التحقت بأكاديمية الفنون في القاهرة، ودرست فيها حتى حصلت على ماجستير في فنون عصور ما قبل التاريخ، وهذه الدراسات نفعتني عند عملي في الصحافة في الخارج فقد كنت مسلحاً بمعارف كثيرة وسهلت لي متابعة خطوات العولمة وفهم أبعاد الاقتصاد والسياسة الدولية، كما أن دراستي للقانون في كلية التجارة لمدة أربع سنوات مكنتني من متابعة الاتفاقيات المختلفة وفهم المصطلحات القانونية والجديدة منها، فعلت كل هذا لأكتب قصة قصيرة جيدة فقط وليس للتفوق في تلك المهن.

* مجلة غاليري 68 مشروع ثقافي رائد وعبر عن مرحلة جديدة كما أفرز العديد من الكتاب، هل ولدت فكرة المجلة كنتيجة لهزيمة 67؟
- صدرت غاليري 68 في مايو 1968 واستمرت حتى فبراير 1971، ولم يكن صدورها معلقاً بهزيمة 67، فقد كنا قد بدأنا التحضير لها بين عامي 66 و 67 وكانت المشكلة في الحصول على رخصة إصدار رسمية وفشلنا في ذلك الحين، وبعد استشارة قانونيين قررنا إصدار المجلة ككتاب غير دوري، وكان وزير الإعلام في ذلك الوقت "محمد فائق" وهو رجل متفتح فساعدنا بالترخيص للشاعر "أحمد مرسى" بتولي رئاسة التحرير إلى جانب وظيفته في وزارة الإعلام وكان ذلك ضرورياً، الخلاصة التفكير في إصدار جاليري 68 كان نابعاً قبل الهزيمة لأسباب موضوعية كثيرة، أجملها في عدة نقاط أولاً مع بداية الستينات تقدم إلى الساحة الثقافية كتاب جدد لم يسمع بهم أحد من قبل، ومعهم كتابات جديدة مختلفة عن الكتابة السائدة، كتاب من حواري القاهرة ومن الأقاليم، قرءوا وتعلموا بالمجان في عهد جمال عبد الناصر وأحبوه وخاصموه واختلفوا وأيدوا وسجنوا طويلاً وظهر ذلك في كتابات جديدة تسير على درب الدكتور يوسف إدريس وتبتعد تماماً عن درب يوسف السباعي وعبد الحليم عبد الله وغيرهم، ومن حسن الحظ كانت الساحة الثقافية غنية بالرواد يحي حقي في مجلة المجلة، عبد الفتاح الجمل في جريدة المساء، فؤاد كامل وبهاء طاهر في البرنامج الثقافي في الإذاعة المصرية، ومن النقاد محمد مندور وعبد القادر القط وعلي الراعي وأحمد عباس صالح وإبراهيم فتحي ورجاء النقاش وغالي شكري وصبري حافظ وعلي شلش وغيرهم، وتلقف هؤلاء العظام الكتابات الجديدة وأفسحوا لها مكاناً بقدر وحذر في البداية، وكانت النقطة الحاسمة ندوة الأستاذ نجيب محفوظ في كازينو أوبرا، حيث تجمع أجيال متعددة من المفكرين والمبدعين وتسلل الكتاب الجدد إلى الندوة للقيام بندوة أخرى في شوارع القاهرة بعد ندوة الأستاذ، وتعارف الشباب وانتقلوا إلى مقهى ريش وباب اللوق ومعهم إنتاج جديد لا يعرف الثرثرة ويضرب في الواقع ويحلم بدنياً أخرى، ونشر يحي حقي أعمالاً لم يكن من السهل قبله نشرها مثل أعمال محمد إبراهيم مبروك وأعمال أدوار الخراط وأعمال وإبراهيم أصلان وجمال الغيطاني وأنا، وعرفت الكتابات الجديدة بصعوبتها وبجديتها وبرفضها للواقع المعاش، ولما صدرت جاليري 68 تفرغت لنشر هذه الأعمال الجديدة وقد جمعت صداقات بينهم وبعدها انضم إليهم كتاب الأقاليم، وكانت تأتي إلينا رسائل من كتاب جدد من الأقاليم ونهب إليهم وندعوهم إلى القاهرة وعرف جيل الستينات.

*ولماذا لم تستمر المجلة؟
- سبب توقف جاليري 68 فكان لأسباب موضوعية فبعد الترحيب بالكتاب الجدد ونشر أعمالهم في المنابر التقليدية والمؤسسات الحكومية لم تعد هناك حاجة إلى مجلة خاصة بهم، كما أن المجلة كانت تصدر بجهود ذاتية من مقهى ريش، وفتر الحماس ودبت شيخوخة.. وزادت مطالب الحياة.. فتوقفت جاليري 68 بعد أن أدت رسالتها في انتظار موجة تجديد أخرى لتصدر مجلة أخرى وهذا ما حدث!

* الا تعتقد بأن جيل الستينات بقي محصوراً في أفكار وأيدولوجيات لم تعد صالحة للوقت الحالي؟ وهل نجحت الأيدولوجيات المختلفة التي نشأت في الستينيات مثل اليمين أو اليسار أو الناصريين أو الاخوان المسلمين في إحراز أي تغيير أو تقدم للمجتمع؟
- جيل الستينات انفتح على العالم ولم يكن محصوراً في الدعاوى السياسية في ذلك الوقت، بل وكان معارضاً شديداً لبعض سياسات الرئيس جمال عبد الناصر والزعامات المعروفة ومعظمه دخل السجون لسنوات طويلة، جيل الستينات حافظ على استقلاليته الأدبية ولم يكن تابعاً للسلطة في مصر أو في غيرها، والنقد الأساسي الذي يوجه لجيل الستينات هو انشغاله بالسياسة على حساب الأدب، وكانت هناك معركة طاحنة في مصر بين دعاة الفن للفن، وبين دعاة الفن للحياة، وقد انحاز جيل الستينات بكل قوة لمدرسة الفن للحياة كما أوضحها سارتر ودفع ثمناً كبيراً لهذا الانحياز، ووسط جيل الستينات تفرغ بعض الكتاب بإعطاء أولوية للفن بدلاً من السياسة منهم إدوار الخراط وإبراهيم أصلان على سبيل المثال رغم اهتمامهما بالسياسة ومواقفهما التقدمية المشرفة، كانت مصر في ذلك الحين ترفع شعارات الوحدة والاشتراكية والعدالة ومقاومة المحتلين في الجزائر وفي الدول الإفريقية التي كانت معظمها محتلة ودعمت حركات التحرير وأممت شركات البترول ودعمت دول الخليج، وكان جيل الستينات يدعم هذه التوجهات وعيناه على غياب الديموقراطية مما ولد معارك بين الكتاب والسلطة وفشلت كل جهود السلطة في تطويع جيل الستينات، وكلنا يذكر البيان الذي قدمه صنع الله إبراهيم في رفض جائزة مبارك منذ ثلاث سنوات، فقد كان البيان قنبلة بحق، وأنا لست عضواً في اتحاد كتاب مصر حتى اليوم ومنذ عهد يوسف السباعي.

* وعلى من تقع مسئولية الفشل؟
- حقيقة كما جاء في السؤال فشلت عدة حركات سياسية تبنتها أنظمة في ذلك الحين في تحقيق إنجازات واضحة، وفشلت الأنظمة في ترسيخ الديموقراطية وتحقيق عدالة مقبولة والقيام بنهضة شاملة ومحو الأمية الذي تبين أنها تتزايد بعد خمسين سنة ثورة، وهذه كلها مثالب سلبية، ومسؤولية الفشل لا تقع على الكتاب ولكن على السلطة التي رفضت السماع للكتاب والمفكرين ووضعتهم في السجون وعزلتهم عن الجماهير، في سنوات الستينات كان يسمح لنا بالحديث في البرنامج الثاني باعتباره للمثقفين ولا يسمح لنا في قنوات التلفزيون العادية، يسمح لنا في الكتابة في مجلة المجلة والكاتب والمساء ولا يسمح لنا باقتحام الصحافة اليومية واسعة الانتشار، وهكذا قننت عزلة المثقفين بأعراف محكمة.

* ما هي ملامح رسالة الاديب في نظرك.. وهل ينجح الاديب عادة في رسالته؟ هل بامكانك أن تقدم لي مثالاً على نجاح أديب معين برسالته!
- الأدب قيمه جمالية وللمتعة وليس منشوراً سياسياً، وقد نجحت الحركات الأدبية التقدمية في الحفاظ على ذوق المتلقي إلى حد ما وفي صعوبة شديدة لأسباب راجعة للسلطة، وأعظم قصة قصيرة لن تٌخرج مظاهرة ولكنها تتفاعل مع الناس وتخرج مظاهرات في الشوارع ربما بعدها بسنين، انحطاط الذوق مصيبة مثل الحفاظ عليه نضال، ومبادئ الحق والخير والجمال هي أساسيات الأدب والفن، ولنر حالياً مع انحطاط الذوق العام في كل الدول العربية ماذا حدث؟ انتشر العنف والإرهاب والقتل على الهوية وتجاهل الآخر ونسيان الصراع الأساسي بين الدول النامية والقوى العظمى والانشغال بأمور جانبية، الحديث عن الفشل والنجاح في هذا السياق ليس منطقياً، المهم كم من أعمال متميزة أنتجت؟ لأن هذه الأعمال تؤتي ثمارها بعد حين.

* في معظم كتاباتك نجد جميل عطية ابراهيم يبرز بين فترة وأخرى.. لذلك دعني اسألك عما ورد في رواية "المسألة الهمجية" على لسان البطل والذي اعتبرته لسان جميل عطية، تقول بأنك تبينت أن كل ما اعتقدت بكذبه في سابق أيامي كان صحيحاً، وأن معظم أوهامي كانت حقائق واختلطت أوراقي..هل هذه رؤيتك للاحداث والتاريخ؟
- الفنان والكاتب عندما يعيش في الغربة تواجهه عدة أزمات، هل يندمج كلية في المجتمع الجديد ويصنع له حاضراً في الغربة؟ أم ينفصل عن حاضره المعاش ويغرق في ماضيه وأوهامه من ناحية أخرى، الكتابة في الغربة محنة، فكيف يصنع الكاتب الوصل والفصل؟ كل كاتب يحل هذه الأزمة بمعرفته ووفقا لقيمه، الكتاب اللبنانيون في الحرب الأهلية عاشوا في باريس، وبعد انتهاء الحرب عادوا إلى بيروت، وكانت الغربة فترة إجبارية مؤقتة، وقلة منهم بقت في باريس، أنا منذ قدومي تبينت أن الكتابة في الغربة باردة وجافة وتنقصها الروح، فدأبت على العمل في الغربة من حيث الدراسات والتحضير، والكتابة الأولية ثم العودة إلى القاهرة عدة مرات في السنة بإعادة ما كتبته وسط ضجة القاهرة وقيظها ولياليها الساهرة وزيارة المواضع القديمة، وكنت في السنوات الأولى من غربتي مشغولاً برصد التغيرات السياسية والاجتماعية منذ 1952 حتى مصرع الرئيس السادات، وبعدها شغلت بثلاثية العولمة، وكتبت نصفها في الغربة ونصفها في القاهرة وفي العامين الأخيرين، تعلمت الكتابة في الغربة، والمراجعة في القاهرة فقط، لإجراء تعديلات بسيطة، ومالت كتاباتي لرصد الخارج بعد أن كنت مشغولاً بالداخل في النزول إلى البحر، وثلاثية 1952، وعلى كل حال أنا كنت محظوظاً في الغربة بسبب صحبة الكاتب الكبير "بهاء طاهر" الذي عاش في جنيف 15 عاماً، وكذلك المترجم المعروف "محمد مستجير"، حيث نقلنا مقهى ريش وزهرة البستان إلى وسط جنيف، واعتقد أنه بدونهما لما واصلت البقاء في الغربة.

* وتقول إنك حبيس حارة جدنا نجيب محفوظ!
- في رواية "المسألة الهمجية" يقول البطل أنه حبيس حارة نجيب محفوظ على سبيل المديح، فقد سبر الكاتب الكبير تفاصيل الحارة المصرية وجعلها مركزاً للكون، ومن جانب آخر يلمح البطل إلى أن هناك كتابات أخرى في أمريكا اللاتينية تطير فيها الشخوص، بينما حارة الأستاذ نجيب محفوظ لا تعرف المطارات، هذه دعوة للنظر في آداب حديثة لم نقترب منها.

* بطلك الرئيسي في أعمالك هو بطل مثقل بهموم وطنه.. الذي لا يكف عن طرح التساؤلات والافتراضات بحثاً عن الحقيقة النهائية.. بعد مشوارك الادبي الثري والطويل هل استطعت أن تصل الى نهاية حقيقة؟
- لا توجد حقيقة للوصول إليها، والإمساك بها، وتوجد راحة بعد الرحلة، بعيداً عن العقائد الدينية كل الحقائق نسبية، وقابلة للمناقشة، والكمال بعيد، ويكفي الكاتب أن يطرح تساؤلات تثير مشاعر القوم للبحث فيها، وفي السنوات العشر الأخيرة شغلت بمناقشة الحداثة والثورات المختلفة من وراثية إلى اتصالات وتحرير التجارة وغيرها، وأرجو أن أكون قد نجحت في إنارة حارة وليس طريقاً على هذا الدرب.

* كيف ترى العالم الان؟
- العالم يمر الآن في مرحلة ذات خصوصية عجيبة، وهي ظاهرة القطب الواحد الذي يدور في فلكه عدة أجرام، والقطب هو الولايات المتحدة الأمريكية، والأجرام هي دول الاتحاد الأوربي وبعض الدول القريبة منها في سياساتها، من جانب آخر تسعى دول أخرى لاستعادة نفوذها مثل روسيا والصين وبعض دول آسيا الصاعدة اقتصادياً، ومن الدول التي توصف بأنها محور الشر كوريا الشمالية وإيران وإلى حد ما سوريا، ووسط هذا الخضم نجحت الولايات المتحدة في تصوير العالم العربي خاصة والإسلامي بصفة عامة بأنه مأوى الإرهاب وسبب البلاء في العالم، والصدام بينه وبين بقية دول العالم وارد وبقوة والسبب الإسلام والمسلمون، وروجت لأقوال مثل صراع الحضارات على أسس دينية وأثنية وغياب الديموقراطية وعدم سماع الآخر وغيرها، وللأسف سقطت الدول العربية والإسلامية في الفخ، واعتبرت أنها في معركة دينية مع الغرب بصفة عامة، ونسيت أن الصراع مع الغرب يعود إلى عدة قرون وأساسه مصالح استراتيجية واقتصادية ومناطق ونفوذ وليس دينياً، فالغرب لا يدافع عن المسيحية ولا تهمه المسيحية ويحسب مصالحه والحفاظ على مصالحه في ضعف الدول العربية وتقسيمها إلى دويلات على أسس اثنية ومذهبية وليست دينية فقط، صراع استمر طويلا في الماضي، وقامت جمعية الأخوان المسلمين في مصر عام 1926 رافعة شعارات محورها الإسلام هو الحل، وظلت الجمعية مصادرة وممنوعة بعد أن اقتربت من العنف بدلاً من السياسة، وفي الربع الأخير من القرن الماضي لعبت الحرب الباردة دوراً بارزاً حيث جيشت الولايات المتحدة "بمعاونة من أنظمة عربية قصيرة النظر" الجيوش لمحاربة الإلحاد السوفيتي والنظم الاشتراكية وبلغت ذروتها في أفغانستان، وعملت الجماعات الأصولية في المنطقة يداً بيد مع القوى الاستعمارية المعادية لمحاربة الإلحاد، سقطت الجماعات السلفية في الفخ ولم تفق إلا بعد وقت طويل فوجهت قنابلها وعملياتها إلى الدول الغربية وراعيها الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001.

* وهل هذه أسباب انتشار التيار السلفي في الدول العربية؟
- انتشار التيار السلفي في المنطقة العربية لا يمكن تبسيطه وحصره في هذه الأسباب، فانتشاره يعود لأسباب موضوعية، فقد فشل التيار العلماني طوال القرن العشرين في تحقيق أهدافه في التنمية والعدالة والديموقراطية، فتقدمت كتائب السلفيين لتحقق ما فشل فيه العلمانيون، بينما الحقيقة أن الحركة العلمانية القومية في العالم العربي تعرضت لمؤامرات وحروب من الخارج والداخل ولعبت الجماعات السلفية دوراً في تعطيل الديموقراطية عن جهل مرات وعن علم مرات بتقديم الذريعة لأنظمة متعسفة معادية لمحاربة الديموقراطية، وعاشت مصر لمدة ثلاثين عاماً تحت قوانين الطوارئ، وهذه جريمة تتحمل مسئوليتها الجماعات السلفية التي سعت للوصول إلى السلطة عن طريق القوة أمام التاريخ.

* أي انه صراع بين العلمانيون والسلفيون؟
- فشل العلمانيون في تحقيق الأهداف طوال القرن الماضي، وتقدم السلفيون مستندين إلى قوى إلهية سوف تحارب بدلاً منا، قوى إلهية عمادها الملائكة والجن والشياطين والنوايا الحسنة، ووسط هذا الانقسام الفكري الحاد، ضاعت أجندة الخلافات الحقيقية بيننا وبين الغرب، لمحاصرة الاستعمار الجديد، القضية ليست إيماناً أو إلحاداً، القضية في أساسها مصالح بترولية، وموارد طبيعية غنية، وعمالة رخيصة، وعوامل وحدة وتقارب بين الدول العربية، دين واحد ولغة واحدة، وأخطر ما وقع في العشر سنوات الماضية إثارة المذاهب الدينية لبث خلافات معروفة في التاريخ الإسلامي للخاصة والعامة، الخلافات المذهبية والعرقية أخطر من الخلافات الدينية، فهل من رجل رشيد يعيد أجندة النضال إلى جوهرها الحقيقي؟ ويدافع لنا عن البترول والموارد الطبيعية؟ وهل من نظام رشيد يتقدم نحو ديموقراطية حقيقية وتسلم وتسليم السلطة بالطرق السلمية، ضعفنا وانعزلنا وضاع نفوذنا إلى الحد الذي شجع الإمبريالية إلى التحالف مع الحركة الصهيونية علانية تحت اسم جديد لخلاص العالم، سلفية مقابلة لسلفية العالم العربي والإسلامي، سلفية هذه المرة تعرف مصالحها، ولا تشغل نفسها بالشعائر الدينية والانقسام حولها كما نفعل، أجندة واضحة وتتسرب بنودها من حين إلى آخر لتمزيق المنطقة.

* أي الصورة ليست مبشرة؟
- باختصار الصورة تعيسة وغير مبشرة، وهذه القضايا تشغل الكتاب في العالم العربي وبوضوح، والمشكلة أن الأنظمة لا تستمع إليهم، وتحاصرهم ولا تأثير لكتاباتهم أو إبداعهم، لقد فاض الكيل بدول كثيرة تعاني كما نعاني، وهبت بعض دول أمريكا اللاتينية براية التمرد والعصيان، في وقت تصوت فيه الدول العربية إلى جانب الولايات المتحدة، وتنكس رأسها وتسد أذنيها عن حركات التمرد المتصاعدة، لكن الثورات قادمة فالعالم يمكن ولا يعقل إرادته على النحو السائد أكثر من ثلاث أو أربع سنوات قادمة أخرى، وأنا أجد إرهاصات تحدد موعد الثورات القادمة في العالم بين عامي 2010 و2020 ونحن نحتفل بمرور مائة عام على ثورة 1919 العظيمة.

* هل ساعد الخطاب الديني في توسيع الهوة الثقافية بين العرب والغرب... وأيضا الخطاب الثقافي العربي من قبل بعض المثقفين هل ساعد في تفشي هذه الهوة؟ بمعنى هل نجحنا في التعبير عن أنفسنا كعرب؟ ما هو السبب في فشلنا إذا كنا فشلنا في التعبير أو مخاطبة الاخر؟
- العلاقة بين الشرق والغرب شديدة التعقيد نظراً لاختلاف التصورات ونقاط الانطلاق، الغرب يطمع في الموارد والسيطرة، والشرق يرغب في استقلال كامل وعلاقات متوازنة، والنضال الشعبي منذ احتلال مصر في عام 1882 وهزيمة الزعيم عرابي، كان يصب في هذا الاتجاه، وعندما فشلت الحركة العلمانية في تحقيق هذا الهدف، تقدمت الجماعات السلفية للقيادة، وتعاونت الجهات الغربية مع الجماعات السلفية وشجعتها قبل أن تنقلب عليها، كما نجح الغرب في تصوير الصراع على أنه صراع ديني بين المسيحية والإسلام وصراع حضارات، وهذه كلها أكاذيب ولكنها للأسف راجت وشاعت، وأحد أسباب رواج النظرية الغربية في نوعية الصراع، تدخل الحركة الصهيونية على نطاق واسع لترويج مقولات تصب في احتلال الأراضي الفلسطينية، وتثبيت الأمر الواقع، وعدم الاعتراف بالقرارات الدولية والتحايل عليها بالتسويف، وسوف يظل الصراع في منطقة الشرق الأوسط مادامت القضية الفلسطينية لم تحل، وقد رأينا في لبنان جرائم حرب تجرمها المواثيق الدولية ولكن الولايات المتحدة قادت الصراع بما يحقق مصلحة إسرائيل، ولولا كفاءة المقاومة اللبنانية لما قبلت إسرائيل بالانسحاب، ما جرى في لبنان يعتبر أول نصر يحققه العرب منذ عام 1948 رغم الدمار الذي حل بلبنان، وهذه سوف تضاف إلى الجماعات التي تستند إلى مظلة دينية في المنطقة، وهذه لها ثمن يدفعه الغرب الذي لا يفيق إلا مؤخراً، وما يجري حالياً يصب في صالح الشرق، ولا بد من انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وترك الفرصة للأمم المتحدة لتؤدي دورها.

ايوب صابر 05-28-2012 11:44 AM

جميل عطية إبراهيم: السلطة الآن في مصر لاتعتقل المثقف ولا تستمع إليه
الروائي المصري لـ«الشرق الأوسط»: ما فعله صنع اللهإبراهيم يتسق مع تاريخه السياسي والأدبي
القاهرة: محمد أبوزيد
يتعرض الروائي جميل عطية ابراهيم في روايته «المسألة الهمجية» الصادرة حديثاً عن دار ميريت بالقاهرة «إلى واحدة من أعقد القضايا الإنسانية في تاريخ البشرية وهي منطق وأفعال الهمجي وكيفية الحكم على أفعاله والقوانين والمواثيق التي تجرم الفعل الهمجي.

وفي زيارته السريعة للقاهرة قادما من سويسرا حيث يقيم لحضور مؤتمر الرواية التقيناه وكان هذا الحوار:
* تفتح في روايتك الجديدة «المسألة الهمجية» ملف المسألة الهمجية وأسطورة الصهيونية ألا ترى أن هذه منطقة ملغومة؟
ـ إذا كان تاريخ البشرية هو تاريخ مقاومة الشرور فإن على الكاتب أن يقاوم دفاعاً عن بشريته لأن الهمجية ظلت وصمة عار ولاتزال وصمة عار في عالمنا الحديث، لذلك فإن الرواية تلفت النظر إلى أن الهمجي يزاول همجيته وفقاً لمنطق خاص يضعه لنفسه ويؤمن به لكي يبرر همجيته ويعتقد الهمجي دوماً أنه على صواب وعلى استعداد لتقديم مبررات وأسانيد قانونية لأفعاله المشينة وليس كما يعتقد بعض الناس بأن الهمجي لا يمتلك قانوناً ينظم همجيته ومن هنا تأتي أهمية الرواية فهي لا تدين الفعل الهمجي فقط ولكنها تكشف عن منطقه الخاص وتدينه.
* تتحدث في الرواية عن شارون، وهنا تتحدث عن الهمجي، هل أقول إنهما شخص واحد؟
ـ هذا صحيح، ومن هذا المنطلق تتوقف الرواية عند مذبحة جنين حيث مارست قوات الاحتلال الاسرائيلي ارتكاب كل الشرور والهمجية وفق منطق خاص بها يعتمد على ضرورة ابادة الشعب الفلسطيني وسرقة أراضيه انطلاقاً من النظرية الصهيونية الشائعة التي تؤيدها بقوة الدوائر الأميركية الحالية ومعظم الساسة في الغرب أيضاً في السابق بدرجات أقل من أول بلفور صاحب الوعد الشهير وحتى الزعماء الأوروبيين المحافظين الحاليين. ما أريد قوله : إذا كان للهمجي منطقه الخاص فإن المواثيق الدولية وأولها ميثاق حقوق الانسان واتفاقيات جنيف وقواعد القانون الانساني الدولي هي المحك الأخير للفصل بين الهمجية وغير الهمجية ولذلك فإن بطل الرواية وهو صحافي يعمل في جنيف وعاش سنوات الحرب الباردة وسقوط الكتلة الاشتراكية وبدء النزاعات الاقليمية ووصل إلى قناعة بأنه من الضروري تقديم شارون إلى محكمة جرائم الحرب.
* هل أستطيع أن أقول إن في الرواية شبه سيرة ذاتية؟
ـ إلى حد كبير، فالهم الخاص والعام الذي يحرك بطل الرواية هو الذي يحركني، بالاضافة الى تفاصيل أخرى.
* لماذا يتركز معظم ابداعك في سنوات ما بعد الثورة، بالتحديد في فترة الرئيس جمال عبد الناصر؟
ـ لقد عشت سنوات الثورة وتأثرت بها واستفدت من انجازاتها، ووقع عليَّ عزم من تجاوزاتها وانتكاساتها وعندما تولى الرئيس السادات الأمر عمل على مسح تاريخ الثورة من التاريخ، لذا رأيت من واجبي الحفاظ على ذاكرة الأمة بتقديم تلك السنوات بعد اعادة الدراسة والفحص فكتبت ثلاثية الثورة (1952، أوراق 1954، 1981) وهذه تواريخ فاصلة في تطور الثورة حتى مقتل الرئيس السادات، ثم بعد ذلك كتبت أوراق سكندرية التي تتعرض من أول ثورة 1919 حتى السنوات الأخيرة من القرن العشرين، فجمعت في الرواية أحداث قرن من الزمان بشكل فني وليس تسجيلياً دعائياً.
* لكن في الثلاثية توجد شخصيات حقيقية كهيكل وعبد الناصر وصلاح عيسى، كيف ترى الفارق بين الكتابة التاريخية والابداعية؟
ـ هذه اشكالية كبرى. كنت في 1952 أطلب مشورة د. علي الراعي فكان يرفض نصيحتي في أي شكل اتبعه في الكتابة قائلاً: يا جميل: اتبع التجربة والخطأ وأنت ستصل إلى القوانين ونصحني ببعض الكتب التاريخية في الأدب الانجليزي لا أعرفها، أما ما أعرفه من روايات فأعدت قراءته خاصة من الأدب الروسي والألماني مرة أخرى في أثناء الكتابة، وأنا أعتقد أني طورت منهجي بعد قراءة توماس مان على وجه التحديد، كما أنني قرأت ثلاثية نجيب محفوظ عشرات المرات حتى تثريني وتزكيني ابداعياً وروحياً، واستغرق العمل في الثلاثية عشر سنوات، وتعلمت أثناء التحضير لها أن الروائي هو المؤرخ السري للثورات، لذا وجدت من واجبي تقديم المهمشين والذين قامت ثورة 1952 من أجلهم، وظلت اشكالية التعامل مع الشخصيات العامة قائمة فاتخذت قراراً بالتعرض للشخصيات العامة في أقل مساحات مع عدم نسبي إليها أي قول لم تقله في الحياة العامة.
* لكن البعض يتهمك بضعف بناء الشخصيات العامة في رواياتك؟
ـ الشخصيات العامة ليست شخصيات روائية بالمعنى المعروف فأنا لا أتناول مشاعرها ولا حياتها الأسرية فأنا أستعملها لاستكمال الصورة فربما تأتي غير ناضجة غير مكتملة البناء كما تقول، ولكنها تكشف محاور سياسية عامة وهذا لا يضايقني لأني لا أكتب سيرة ذاتية لهذه الشخصيات ولكني أكتب سيرة الثورة.
* تبدو سلطة يوليو في كتاباتك أكثر انسانية في التعامل مع المثقفين على عكس ما هو معروف هل هو موقف سياسي أو توجه آيديولوجي؟
ـ سلطة يوليو في عهد الزعيم جمال عبد الناصر لم تعتقل المثقفين بسبب أفكارهم الثقافية ولكنها اعتقلتهم بسبب أنشطتهم السياسية، لا يوجد مثقف اعتقل في عهد عبد الناصر بسبب رواية أو قصيدة شعر، كان الاعتقال دوماً بسبب النشاط السياسي. حيث كان جمال عبد الناصر يرفض فكرة تنوع الأنشطة السياسية ويرى أنه في معركة مع الاستعمار طويلة ودائمة، ويود أن يضع البلد كله خلفه في كل لحظة تاريخية. ومن هنا وقع اضطهاد المثقفين والتضييق عليهم، لكنه من جانب آخر كان يستمع إلى المثقفين ويجري اتصالات مع المعتقلين منهم ويستفيد من آرائهم. الوضع الحالي في مصر ان السلطة لا تعتقل أي مثقف ولا تستمع إليه أيضاً، هو يقول ما يشاء، وهي تفعل ما تشاء، فيعاني المثقفون في الثلاثين سنة الماضية من هذه العزلة وهي عزلة خطيرة لأن البلد لا يستفيد من الآراء النيرة لجبهة واسعة من المثقفين. هذه الجبهة مشغولة بالرأي العام مثل الصراع العربي ـ الاسرائيلي وقضية التكامل العربي والعراق والعولمة، المثقفون لهم أفكار ومقترحات لهذه القضايا يكتبونها دوماً، والسلطة دوماً ما تسمح لهم بتشكيل الأحزاب وممارسة النشاط السياسي، ومن جانب آخر لا تستمع إليهم وهذه هي الفجوة الحقيقية بين المثقف والسلطة وأرى أنها شائعة في كل بلدان العالم العربي والعالم الثالث.
* إشكالية التعامل بين المثقف والسلطة كيف تراها، وكيف يجب أن تكون في رأيك؟
ـ هذه اشكالية موجودة منذ تشكلت السلطة ومنذ وجد المثقف وهي اشكالية تتسق في بعض العصور بالحدة، بل إلى حد ارهاب المثقف وفي عصور أخرى تتسم بالليونة ومحاولات الاحتواء والاستفادة من المثقف ويوجد في ذهني مثال واضح: يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا الحالي كان في شبابه في الستينات من الطلبة المشاغبين والفوضويين ووجهت له أقصى الاتهامات وهو حالياً من أنجح وزراء الخارجية الذين عرفتهم ألمانيا، وهذا حدث لأن النظام الألماني سمح لهذه الشخصية أن تسير في طريقها الطبيعي وتصل إلى السلطة من موقع المثقف، الأنظمة الأقل عقلانية والأكثر استبداداً لا تعرف هذا المسلك وتصنف الناس إلى خانة أعداء وخانة أصدقاء، تماماً كأنظمتنا العريبة، ومن الطبيعي دوماً أن تكون هناك خلافات واسعة بين المثقف والسلطة لأن من واجب المثقف النظر دائماً إلى تحقيق الأفضل بينما السلطة تؤمن بشعار ليس في الامكان أبدع مما كان.
* كنت أحد الموقعين على بيان الدفاع عن صنع الله ابراهيم وأن الذين ناصروه في مؤتمر نقابة الصحافيين، هل هذا بدافع الصداقة أم بدافع الموافقة على ما فعله؟
ـ أنا دافعت بشدة عن الخطوات التي اتخذها صنع الله ابراهيم برفض جائزة الدولة والأسباب التي أعلنها لهذا الرفض، وسأظل أدافع عن حقه وحق الآخرين في رفض أي جائزة لاعلان أسبابها، فهذا حق أصيل لأي كاتب ولايجوز مناقشة هذا الحق، قد يوافق عليه البعض أو يرفضه ولكنه يظل حقاً أصيلاً للكاتب أن يرفع صوته قائلاً لا.
* لكنك لم تقل لي هل أنت موافق أم لا على ما فعله؟
ـ ليس مهماً رأيي، المهم هو أن ما فعله صنع الله ابراهيم يتسق مع تاريخه السياسي وابداعه الأدبي ومواقفه المعلنة وليس لغرض الادعاء والشهرة وهذا هو صنع الله الذي نعرفه منذ سنوات الستينات.
* أنت أحد مؤسسي جماعة جاليري 68، والتي أثرت الحياة الأدبية في الستينات ماهي أسباب توقفها؟
ـ تخصصت جاليري 68 في نشر انتاج الشباب الذي يكتب بشكل مختلف عنالابداع السائد في المجلات والمنابر المختلفة الرسمية في ذلك الوقت بشكل متفرد وبدأ التفكير في مجلة خاصة عام 66، ثم جاءت الهزيمة فعطلت المشروع إلى أن صدر العدد الأول من جاليري 68 بدعم مالي من كل الكتاب ومن الفنانين والتشكيليين الذين نظموا معرضاً لبيع لوحاتهم لصالح اصدار المجلة وتوقفت المجلة بعد أن أدت رسالتها وأصبح الأدب الجديد ينشر في كل المنابر الرسمية وغير الرسمية وعرض الكتاب الجدد أدبهم على الساحة ممثلاً في نشر أعمال ابراهيم أصلان ومحمد البساطي وغيرهما في «الأهرام» وبدأت اذاعة البرنامج الثاني تقدم قصصاً لي، فلم تكن هناك حاجة ملحة لاستمرار الجماعة والمجلة، بالاضافة الى أن اصدار مجلة ليس بالعمل السهل، وكناقد تجاوزنا الثلاثين من العمر وتصدر المجلة من المقهى فتوقفنا لأسباب موضوعية أدبية وليس لأي أسباب أخرى سياسية.
* هل هذا الزخم الابداعي والثقافي الذي كان موجوداً في فترة الستينات اختفى الآن؟
ـ في الستينات كان هناك زخم ابداعي وزخم ثقافي في السنوات الأخيرة يوجد زخم ابداعي متميز ولا يوجد زخم ثقافي، بمعنى أن أجهزة الاعلام القوية تقاطع الثقافة الجادة، ولا تتيح لها الفرصة، ويقتصر الزخم الثقافي على دوائر المثقفين المعزولة عن الشارع ومن يقرأ الصحافة المصرية المكتوبة ومن يرى القنوات الفضائية التي تنبح ليلاً ونهاراً يحس بغيبة الثقافة الجادة عن هذه الأيام.


ايوب صابر 05-28-2012 11:44 AM

جميل عطية ابراهيم :الكتابة في الغربة محنة
القاهرة - القسم الثقافي - شريف الشافعي:

"لا أكتب عن سويسرا أو أوروبا، إنما اكتب عن مصر والمهمشين، وأقدم كتاباتي لقارئ عربي، لهذا لا اهتم بترجمة أعمالي، فهي مكتوبة لقارئ أعرفه جيداً، أما وهم الكتابة لغرض الترجمة.. فهذا ترف لا يشغلني! فأوروبا تشغلها قضايا أخرى، ولا اعتقد ان كاتباً أجنبياً يمكنه مخاطبة قارئ أوروبي، كما أنني أكره تلك الكتابة التي تحول الشرق إلى حديقة حيوانات ليتفرج عليها مشاهد أوروبي من الخارج!".هذا ما صرح به القاص والروائي جميل عطية ابراهيم المقيم في جنيف والذي زار القاهرة مؤخراً إثر صدور روايته الجديدة "خزانة الكلام"، وقال جميل عطية في حديثه إلى "ثقافة اليوم": اعتقد ان الكاتب تترجم أعماله إذا فرض نفوذه الأدبي في موطنه أولاً، فنجيب محفوظ نفسه ترجمت أعماله بغزارة بعد أن فرض نفوذه الأدبي في الشرق أولاً وحاز على جائزة نوبل.والغالب في مصر وكافة الدول العربية - يقول جميلة عطية - ان الحالة الثقافية لا تسمح بهذا الفرض لنفوذ الكاتب، فالكتابة الجادة محل تجاهل متعمد، ولا تأثير لكاتب على مسارات العمل السياسي في بلده، ورعاية الإبداع غائبة على الرغم من كافة المظاهر السائدة. إن الأمر المهم هو سماع ما يقوله الكاتب، وإذا حدث ذلك فأعتقد ان كتاباتي سو
ف تترجم! إنني كتبت كثيراً عن ثورة 1952، والحديث عن هذه الثورة مرفوض في الغرب، فهل هناك واحد على استعداد لسماع شيء عن مصر عبدالناصر؟! لا أظن. ولمن يود ترجمة أعماله ورواياته بسرعة البرق أن يروج لزيارة إسرائيل أو يتناول فتنة طائفية في حي من أحياء القاهرة في رواية أو يتحدث عن ختان البنات، فهذه الأمور يسيل لها لعاب المترجمين حتى إذا كتبت بأقل حد من الحرفية! ولكن هذا لا ينفي أن هناك دوراً للنشر قد ترجمت أعمالاً مهمة مثل كتابات إدوار الخراط وجمال الغيطاني وبهاء طاهر وصنع الله ابراهيم وسلوى بكر وغيرهم، ولكن في المحصلة تعتبر هذه النجاحات في الغرب محدودة.وحول أبرز تحديات الكتابة في الغربة يقول الروائي جميل عطية ابراهيم: الكتابة في الغربة محنة، نظراً لغربة المكان وغياب الأحبة. وربما تأتي ساعات يفقد فيها المرء القدرة على التعبير بلغته الوطنية الأصلية، وقد كان من حسن حظي أنني رفضت الارتباط بعمل في سويسرا، وبدأت في مراسلة مجموعة صحف ومجلات مصرية وعربية إلى جانب عملي الاذاعي، وهذا يتطلب التعبير باللغة الأم، وكنت في بعض الشهور أشعر بافتقادي للغة، فأعود إلى القاهرة لسماع لغتي وزيارة ملاعب الصبا والشباب، فهذه الأمكنة هي زادي
في الكتابة الروائية.خزانة التحدي!وحول تعمق روايته "خزانة الكلام" في رصد جوانيات مدينة القاهرة بناسها وشوارعها وعمائرها وترابها، يقول الروائي جميل عطية ابراهيم: حاولت في رواية "خزانة الكلام" أن أرصد مدينة القاهرة في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. فالرواية تتناول التغيرات العالمية الكاسحة من عولمة وهندسة وراثية واستنساخ وثورة اتصالات وطاقة نووية والصراع العربي الإسرائيلي من خلال اشتباك المحلي العالمي معاً وانصهارهما في بوتقة واحدة. وتصور الرواية اشتباك خيوط الصراع، وترتبط العولمة في بعض جوانبها بالرأسمالية وبإسرائيل.الجدير بالذكر ان الروائي جميل عطية ابراهيم من مواليد محافظة الجيزة في عام 1937، وقد حصل على بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس في عام 1961، ودبلوم معهد الموسيقى (1961)، ودبلوم معهد التذوق الفني من اكاديمية الفنون في عام 1974، وحصل على الماجستير بدرجة امتياز في تاريخ الفن من معهد التذوق والنقد الفني في عام 1980.وقد عمل في المجلس الأعلى للشباب ووزارة الشباب ووزارة الثقافة المصرية قبل سفره في عام 1979إلى سويسرا للإقامة بصفة دائمة. ومنذ ذلك الحين، وهو يتردد على القاهرة بصورة منتظمة ويمضي فيها
شهرين على الأقل من كل عام.



==
جميل عطية ابراهيم
- مواليد الجيزة 7 أغسطس 1937.
- شارك في تأسيس مجلة "جاليري 68".
- مقيم في سويسرا منذ عدة عقود.
يكتب القصة والرواية ومن أهم أعماله : "الحداد يليق بالأصدقاء" ، "أحاديث جانبية" ، "أصيلا" ، "البحر ليس بملآن" ، "النزول إلى البحر" بالإضافة لثلاثية الثورة وهي على التوالي : "1952" و "1954" و "1981" .
- نشرت أعماله بمصر والعالم العربي وترجم بعضها للغات أجنبية.
==
حصل الاديب "جميل عطية ابراهيم" على شهادات دراسية متباينة ونتيجة لذلك عمل في مهن متعددة، فقد عمل قبل تخرجه من الجامعة كاتب حسابات في مصنع للنسيج في شبرا الخيمة ومدرساً للموسيقي للأطفال، وكذلك مدرساً للحساب والجبر والهندسة للمراحل الإعدادية في مصر والمغرب، وبعد تخرجه من الجامعة عمل كمفتش مالي وإداري في وزارة الشباب في سنوات الستينات، وبعد نجاحه في نشر بعض القصص انتقل إلى الثقافة الجماهيرية بفضل الأساتذة نجيب محفوظ وسعد الدين وهبة ويعقوب الشاروني، وظل في الثقافة الجماهيرية حتى سافر إلى سويسرا عام 1979 وعمل بالصحافة المكتوبة والمرئية والمسموعة العربية في جنيف حتى هذه اللحظات حيث يستعد للتقاعد والتفرغ للأدب، الاديب جميل عطية ابراهيم أحد مؤسسي مجلة جاليري 68 الادبية، ومن رواد حركة أدباء الستينيات، ركز من خلال اعماله على الدور الاجتماعي للادب، من مؤلفاته.. أصيلاً، النزول الى البحر، ثلاثية 1952، أوراق اسكندرية، الثورة، المسألة الهمجية، خزانة الكلام وغيرهم.. دار الحوار حول أيدولوجيات الستينيات، ومجلة جاليري... ورسالة الاديب، وعن افكاره التي وردت في رواية المسألة الهمجية وبطله المثقل بهموم وطنه، وأيضاً عن الحوار مع الآخر وأسباب انتشار التيار السلفي... ونظرته الى العالم اليوم</span>

ايوب صابر 05-28-2012 01:27 PM

العوامل الحياتية التي أثرت في تكوين الروائي جميل عطية ابراهيم

- فى بدايتي كنت أظن أني كاتب للقصة القصيرة فقط ولن أكتب شكلاً أدبياً آخر، وعندما سافرت لسويسرا وفى الغربة فشلت فى كتابة قصة قصيرة واحدة، فالقصة القصيرة تحتاج الى تركيز ولحظة وإلهام، وجو الغربة لم يغرني لكتابتها قط فتوقفت عاماً أو عامين ثم بدأت في التحضير لرواية هي من أجمل رواياتي اسمها (النزول إلى البحر) ترصد لحياة المهمشين في القاهرة وتدور حول سكان المقابر.

للاسف رغم عبقرية هذا الروائي وعبقرية اعماله لكنني لم اجد له سيرة ذاتية على الانترنت، والمعلومات عن حياتة وطفولته شحيحة. اهتمامه بحياة المهمشين واصحاب المقابر يوحي بأنه عرفهم عن قرب ويجوز لنا اذا ان ندعي بأنه عاش حياة ازمة على المستويات الشخصية والاجتماعية الذي تمثل بزمن الاستعمار والنكسات والهزائم والثورات لكننا سنعتبره مجهول الطفولة.

مجهول الطفولة.

ماهر كرم 05-28-2012 06:51 PM

مرحباً أخي الكريم.. وآسف على تأخري في الاقتراح الذي قدمته لك، عن عمل كتاب يضم ما تكتبه في هذا الموضوع الرائع..
وحتى لا أطيل عليك فهاك فحوى الاقتراح:

1. بطاقة تعريف بالرواية:

تتضمن المعلومات التالية..

العنوان:
المؤلف:
الناشر - أو الناشرون؛ نظراً لوجود أكثر من ناشر لأغلب الروايات. ومن فائدة هذه المعلومة أن تساعد الباحث في معارض الكتب الدولية على العثور على أكثر من ناشر للرواية في حال تعذر وجودها عند أحدهم (يعني اعطاء اكثر من احتمال لوجود الرواية عند اكثر من ناشر):
سنة نشر الطبعة الاولى:
عدد الصفحات:
نبذة عن الرواية: (كتلك النبذ التي نطالعها مطبوعة على ألأغلفة الخارجية أو الكتالوجات الترويجية لكتابٍ ما).


2. بطاقة تعريف بالمؤلف:
الأسم:
المولد:
الوطن الأم:
الإقامة:
أبرز أحداث حياته:
أعماله الفنية - حسب سنوات نشرها:


3. السيرة الذاتية التفصيلية للروائي مع التركيز على العناصر المؤثرة في حياته والتي جعلت منه روائي محنك.


4. محور الرواية وحول ماذا تدور، مع ابراز خطوطها العريضة وأهم أحداثها (وهذا من شأنه مساعدة القارئ على تحديد وانتقاء الرواية التي يشعر بأنه بحاجةٍ لها - من خلال أجواءها وازمنتها وأماكنها وبيئتها - أو تتناسب مع ميوله الأدبي).


5. ملخص للحبكة في كل رواية.

6. عناصر القوة والتأثير في كل رواية، والتي جعلت منها واحدة من اروع الروايات.

7. تحليل للبيانات الاحصائية حول ابرز العوامل المؤثرة في طفولة كتاب الروايات اصحاب اروع 100 رواية عربية،(وهذه فكرتك أخي أيوب)، كأن يكون الكاتب؛ مأزوم، يتيم، يتيم الوطن، فقير، أسير، سجين، معوق... إلخ.

______________

التفاصيل:

1. تبدء كتابك - طبعاً بعد المقدمة وتقديم من قبل بعض الروائيين أو أعضاء من اتحاد الكتاب العرب - ببطاقة تعريف بالرواية رقم (واحد؛ ثلاثية نجيب محفوظ)؛ والتي تأخذ صفحة... (1 صفحة).


2. ثم تنتقل إلى صفحة جديدة لتبدأ ببطاقة تعريف بالكاتب أو المؤلف للرواية (بإيجاز جداً)، مع الاشارة إلى أهم أعماله ونتاجه الأدبي... (2صفحة).


3. ثم رسم خطوط عريضة من سيرته الذاتية - إذ لا يتسع مجلد لسيرة مفصلة لمائة وخمس روائي! ولذلك فأنت مطالب بالتركيز على الخطوط العريضة فقط- مع تسليط الضوء على أبرز العناصر التي شقت لهم طريق الرواية وأسهمت في صناعتهم الكتابية (وقد تستغرق هذه الخطوة 2-4 صفحات).


4. ثم تنتقل لفقرة مهمة وهي ابراز محور الرواية وحول ماذا تدور، مع ابراز خطوطها العريضة وأسماء ابطالها، وأهم أحداثها، ونهايتها.. وهذا من شأنه كما ذكرتُ لك سابقاً، إعطاء هوية أو بطاقة واضحة المعالم لترشد القارئ إلى استطلاع للرواية من الخارج وتعريفه بأبرز أحداثها.


كذلك فبعض القراء يميل إلى الروايات الساخرة.. فمن خلال قراءة موجزة عن رواية (الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل) سيذهب ويقتني الرواية.. أو من خلال قراءة موجزة عن رواية (مدن الملح) فسيلم القارئ بمحورها السياسي وسيساعده الموجز على أختيارها.. وهذه النقطة أشبه ببعض المواقع على الشبكة العنكبوتية كـ(ملخصات) أو (قرأتُ لك..)، والتي تستعرض ملخصا عن كتابٍ ما، وقد دخلتُ منذ فترة إلى مواقع تهتم بعرض الملخصات ولكن عهدي بها بعيد، كنت أتمنى أن تأخذ فكرة عنها.. ولا يضير إذا بحثت على المحركات لتأخذ منها بعض الأفكار...(1 صفحة).
فمن أصحب المصاعب التي يواجهها القراء هي المغامرة بشراء كتاب ليكتشفوا لاحقاً بأنهم قد وقعوا ضحية للأغلفة والعناوين! وكم حصل لي هذا، وإذا رحت أحصي لك الكتب التي وقعتُ ضحية لأغلفتها وعناوينها لطاب بنا المقال.
عهدي بك أن تمنع حدوث هذا فحسب!(ابتسامة).


5. ملخص للحبكة - لا الأحداث - في كل رواية، وتسليط الضوء على النسيج الذي ميزها عن غيرها من الروايات... (2صفحة).


6. عناصر القوة والتأثير في كل رواية، والتي جعلت منها واحدة من اروع الروايات. (وهذه في برأيي على صلة بالنقطة السابقة وأرئ لو تدمج معها، فلا بأس بها)... (1 صفحة).


7. وأخيراً؛ نأتي إلى لمساتك الإبداعية التي أجزم بأنك الأول الذي أوجدتها على الشبكة! وهي تحليل البيانات الاحصائية حول ابرز العوامل المؤثرة في طفولة كتّاب الروايات اصحاب اروع 100 رواية عربية، كأن يكون الكاتب؛ مأزوم، يتيم الوالدين، يتيم الوطن... إلخ. وهذه توضع في نهاية الكتاب كخلاصة للبحث على شكل جداول ورسوم بيانية ومخططات احصائية...(3 صفحة)..

8. وأخيراً مصادر ومراجع، ثم الفهرست.

طبعاً حسب تقييمي للكتاب من حيث الحجم فقد يقع في 800 - 1100 صفحة من القطع الكبير، أو مجلدين كل مجلد يقع في 500 صفحة تقريباً.


ولا أنسى أن أوصيك بأن احجز نسخة من كتابك (سر الروعة في أفضل مئة رواية عربية).. عند أول مشاركة له في معرض الكتاب الدولي.. (ابتسامة جادّة).

وختاماً تقبل أصدق الأماني - مني إليك - بالتوفيق والنجاح.

ايوب صابر 05-29-2012 08:04 AM

استاذ ماهر كرم

اقدر جدا مداخلتك الكريمة هذه وسوف ادرس المقترحات بدقة وحتما سوف آخذ بها، رغم ان العمل كما تطرح سوف يتطلب وقت وجهد عظيمين.

كنت افكر ان اختصر البحث في نقطتين اساسيتين
الاولى : نقاط التأثير التي تجعل الرواية رائعة من حيث اللغة والاسلوب والموضوع واليات السرد الخ.
الثانية : ابرز العوامل المؤثرة في طفولة كتاب الروايات اصحاب اروع 100 رواية عربية، كأن يكون الكاتب؛ مأزوم، يتيم، يتيم الوطن، فقير، أسير، سجين، معوق... إلخ.

على كل حال اقتراحك الجميل هذا اعطاني دفعة قوية للامام وسيكون هذا الكتاب واحد من الاهداف ذات الاولوية التي سوف اسعى لتحقيقها ان شاء الله.

شكرا جزيلا،،

ايوب صابر 05-29-2012 09:19 AM

93- طيور أيلول أميلي نصرالله لبنان
نبذة النيل والفرات:
"عندما يحلّ أيلول، تاسع أشهر السنة، تمر فوق قريتها أسرابٌ كثيرة من طيور كبيرة الحجم، قوية الجناحين، يعرفها السكان، بـ"طيور أيلول" ويتلفت الناس نحو الفضاء الموشّح ببواكير الغمام، يراقبون الطيور، وفي صدورهم غصّات انفعال. إن هذه الطيور المهاجر تسجّل نقطة جديدة في دائرة الزمن، ويذكرون أن فصل البرد أصبح على الأبواب. ويقف شيخ في منتصف الطريق يسند ثقله إلى عصا سنديان ويمسح شاربيه، ثم يرسل نظرات متسائلة نحو الطيور، تدغدغ حلماً عزيزاً. وتمسح امرأة يديها المبللّتين بالماء على جانبي ثوبها، وتنفض منديل الرأس لتعيد حزمه من جديد حول شعرها، وتشبع الطيور بنظرات الحنين... ويبقى الحبل موصولاً أياماً تراوح بين الثلاثة والعشرة، ويتناقل القرويون أنباء الطيور الراحلة، وتتلون أحاديثهم بلون جديد يحطم رتابة الحياة البطيئة. وتتابع القافلة سيرها صوب السهول الدافئة في الجنوب، إنها تهرب من أذى الصقيع في البلاد الشمالية... ويبقى طعم الهجر يتململ في أجواء القرية أياماً. إنه يعشش في الكوى، في شقوق السطوح الوطيئة، في المسام الصغيرة بين أوراق الزيتون والسنديان، في دموع تفلت من المآقي، في آهات حرّى تندفع من صدور الأمهات. وكأنما الطيور تشعر بالأشجان التي يثيرها عبورها، وتلقيها مع ظلالها فوق السطوح وبين الأزقة وتتابع رحلتها بصمت. الصمت الحزين، المرفرف في أجواء القرية، ينقل إليها، يعصر وجودها ويخضعها لرهبة السكون". في أيلولها حزن وفي طيورها شجن، تنقاد إليهما من خلال كلماتها وعباراتها التي وكأنها ترسم لوحات ألوانها هي محض أحاسيس ومشاعر تدفقت من لحظة ولع بقرية هي موئل الفؤاد. فعند أملي نصر الله نبع إبداع أدبي لا ينضب مصدره القرية وطبيعتها، وهو متجسد بأعمالها، إلا أنه يبلغ ذروته في روايتها "طيور أيلول". فهذه الرواية، إلى جانب روعة صورها الفنية، وإلى جانب ثراءها التعبيري والبلاغي والتصويري واللغوي، إلى جانب كل ذلك، فإن طيور أيلول تمثل في إحدى جوانبها دراسة اجتماعية لعادات وتقاليد أهل تلك القرية، وفي جانب آخر، هي تمسّ وببراعة عالم النفس الإنسانية بكل طموحاتها المؤجلة والمعجلة، وبكل أمانيها المقهورة والمبتورة، وبكل معاناتها التي وكما هي بقعة سوداء في حياة بطلة أملي، هي إلى ذلك بقعة ضوء أكسبت تلك الرواية سمة الواقعية، وأغنت عالم الرواية بالكثير من التجارب الإنسانية.
==
طيور أيلول – إميلي نصر الله

Posted bysalimallawzionسبتمبر 9, 2011

طيور أيلول، رواية لإميلي نصرالله، واحدة من الروايات التي اختارها اتحاد الكتاب العرب ضمن قائمة أفضل مئة رواية في تاريخ الأدب العربي.
إنها قصة الشباب بطموحه وآلامه، والشيخوخة برضاها واستسلامها.. الأرض تعيش وتتألم أيضاً كامرأة.. والبشر يرتطمون بقدرهم قبل أن يتشظوا بعيداً في قلب المغامرة.
رفضت الكاتبة في هذه الروايا جميع التقاليد والأعراف، نسفتها بنقدها لها، تكلمت عن أحلام الشباب، الخروج أبعد من القرية، حلم المدينة، الحب الذي تختاره البنت وليس أهلها، التقاليد والأعراف البالية التي تدخل مظلوميها قفص الحرمان والذل .. هي ثورة على التقاليد البائدة السائدة في تلك الحقبة، في العام 1962
من الرواية:

“عطيناهم قول!” ..
يا كمال!
أعطوهم القول عليّ. امي وابي واخوتي وسكان القرية جميعهم اعطوا القول لسليم.
قالو له: سوف تكون نجلا عروسة لك.
عبارة واحدة تصدر حكماً يدوم مدى الحياة، واقوم انا بتنفيذه.
انا، يا كمال، الفتاة التي اختارها قلبك من بين عرائس القرية.
هل كنت تعلم، وانت تدسّ كلماتك الشهية في سبيلي، ان هذه الكلمات ستتحول الى سمّ زعاف، وتقلب حياتي كلّها الى جحيم، وتضمّخها بعبير الموت؟
لقد استعجلت كلماتك وأدي.
في مساء هذا اليوم، يلتقون في دارنا، يسمرون في سهرة عارمة، يتلذذون باطايب الطعام والكلام.
ويسردون حكايات الماضي والمستقبل. ثم يقترب كبير الجماعة ويمسك بيدي، ويقودني الى ثغر الهاوية.
سأصرخ كثيراً في هذه الليلة يا كمال. سيتعالى صوتي، ويخبط جدران صدري، ويمزق اعصابي وقلبي، ولن اسمح لأحدهم بأن يسمعني.
حتى امي لن تسمع صوتي، امي التي حملتني احشاؤها تسعة اشهر، ونام قلبي في جوار قلبها، طوال تلك المدة.
لن تقوى امي على سماع صوتي لأن جدران الكلس بدأت ترتفع في أذنيها مذ شقّت صرخاتي صمت وجودها، مذ انفصلت عنها لأكون الجيل الآخر.
ولكن الرياح التي تمرّ فوق دارنا ستحمل اصداء صوتي الى البعيد، عبر الأيام المقبلة، يا كمال!
منذ الليلة أصبح خطيبة سليم، احمل خاتمة في اصبعي، اطوّق عنقي بطوق الحديد البارد القاسي.
كتب عنها المستشرق الهولندي ( يان بروخمن): إنها واحدة من أفضل الروايات التي كتبت باللغة العربية وتجمع المؤلفة فيها بين المقدرة الفنية الغنائية في التعبير وبين الوعي الاجتماعي.
كتب عنها ميخائيل نعيمة: معرض فني للقرية اللبنانية في شتى مظاهرها … إنه لكسب كبير للقصة في لبنان.
عن الكاتبة: إملي نصر الله هي أديبة لبنانية ولدت عام 6 يوليو 1931 في قرية الكفير جنوب لبنان نشرت عددا من الروايات والمجموعات القصصية للاطفال وحصلت على جوائز عديدة منها جائزة الشّاعر سعيد عقل في لبنان وجائزة مجلّة فيروز وجائزة جبران خليل جبران من رابطة التّراث العربيّ في أوستراليا وجائزة مؤسّسة العالميّة لكتب الأولاد على رواية “يوميّات هرّ”
تلقت تعليمها الجامعي في جامعة بيروت (حاليا أصبحت الجامعة الأمريكية في لبنان) وحصلت على شهادة الماجستير سنة 1958
عملت كروائية، صحفية، كاتبة مستقلة، معلمة، محاضرة، ناشطة في حقوقِ المرأة.
أول رواية لها نشرت عام 1962 (طيور أيلول) وحازت على 3 جوائز أدبيه (افضل رواية – جائزة AKL – جائزة أصدقاء الكتاب)، وترجمت العديد من رواياتها إلى الإنجليزية والفرنسية.


الساعة الآن 01:39 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team