منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر رواق الكُتب. (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=27)
-   -   فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=30484)

عبد السلام بركات زريق 02-11-2023 02:06 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ السّابعُ والثّلاثونَ


يُقَارِبُهُ ويَشْتَمِلُ عَلَى نَفْيٍ في ضِمْنِهِ إثْبَاتٌ


وَتَقُولُ العَرَبُ: لَيْسَ بِحُلوٍ ولَا حَامِضٍ، يُرِيدونَ أنَّهُ جَمَعَ ذَا
وذَا، كمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

أبو فُضَالَةَ لَا رَسْمٌ ولَا طَلَلُ
مِثْلُ النَّعَامَةِ لا طَيْرٌ ولا جَمَلُ


وقالَ آخرُ:

وأنتَ مَسِيْخٌ كلَحْمِ الحُوَارِ
فلَا أَنْتَ حُلْوٌ ولا أنت مُرُّ

وفي القُرْآنِ {لا شَرْقِّيةٍ ولا غَرْبيَّةٍ}* يَعني أنَّ الزَّيْتُونَةَ شَرقيَّةٌ
وغَرْبيَّةٌ. وفي أمثالِ العَامَّةِ (فُلانٌ كالخُنْثَى، لا ذَكَرٌ ولَا أُنْثَى)
أيْ يَجمعُ صِفَاتِ الذَّكرانِ والإناثِ معًا.


*"35" من سورة النور.

عبد السلام بركات زريق 02-11-2023 02:31 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفَصلُ الثّامنُ والثّلاثونَ


في اللَّازِمِ بالأَلِفِ يَجيءُ مِنْ لَفْظِهِ مُتَعَدٍّ بِغيرِ أَلِفٍ


أَلِفُ التَّعْدِيَةِ رُبَّمَا تَكونُ للشَّيءِ نَفْسِهِ ويَكونُ الفَاعِلُ
بِهِ ذَلكَ بِلا أَلِفٍ كَقَولِهِمْ: أَقْشَعَ الغَيمُ وقشَعَتْهُ الرِّيحُ،
وأنْزَفَتِ البئْرُ ذَهَبَ مَاؤُهَا ونَزَفْنَاهَا نحنُ. وأنْسَلَ رِيشُ
الطّائرِ ونَسَلتُهُ أنا. وأَكبَّ فُلانٌ عَلى وَجْهِهِ وكَبَبْتُهُ أنَا.
وفي القرآن {أفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أهدى}*، وقالَ
عَزَّ اسْمُهُ {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ في النَّارِ}**.


*"22" من سور الملك.
**"90" من سورة النمل.

عبد السلام بركات زريق 02-14-2023 12:59 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 

الفصلُ التاسعُ والثلاثونَ



مُجْمَلٌ فِي الحَذْفِ والاخْتِصَارِ



مِنْ سُنَنِ العَرَبِ أنْ تُحْذَفَ الأَلِفُ مِنْ (مَا) إذا استَفْهَمَتَ
بها فَتَقُولُ: بِمَ؟ ولِمَ؟ ومِمَّ؟ وعَلَامَ؟ وفِيمَ؟ قالَ تَعَالَى {فِيمَ
أنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}* وكَمَا قَالَ عَزَّ وجَلَّ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ
النَّبأِ العَظيم} أي عن ما، فأدْغَمَ النُّونَ في المِيمِ. ومِنَ الحَذْفِ
للاخْتِصَارِ قَولُ اللّهِ تَعَالَى {يعلم السِّرَّ وأخْفَى}***، أي السِّرَّ
وأخْفَى مِنْهُ فَحُذِفَ. وقولُهُ {وما أمْرُنَا إلَّا وَاحِدَةٌ}+، أي أمْرَةٌ
وَاْحِدةٌ أو مَرَّةٌ وَاحدةٌ. ومِنَ الحَذفِ قولهم: لم أُبَلْ ولم أُبَالِ.
وقولهم: لم أكُ ولم أكُنْ. وفي كتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ {ولَمْ تَكُ شَيئا}++.
ومن ذلك ما تَقَدَّمَ ذكرُهُ منْ قولِهِ جَلَّ جلالُهُ {كلَّا إذَا بلَغَتِ
التَّرَاقِي}+++، وقوله {حتَّى تَوَارَتْ بالحِجَابِ}-، وقولُهُ {كُلُّ مَنْ
عَلَيهَا فَانٍ}-- فحَذَفَ النَّفْسَ والشَّمسَ والأرضَ إيجازًا واقْتِصارًا.
ومِنْ ذَلكَ حَذفُ حرْفِ النِّدَاءِ كقولِهِمْ: زَيْدُ تَعالَ. وعَمْرُو
اذْهَبْ، أي يا زيدُ ويا عمرُو. وفي القُرْآنِ {يُوسفُ أعْرِضْ عَنْ
هَذَا}--- أي يا يُوسُفُ. ومن ذَلكَ حَذفُ أَوَاخِرِ الأسماءِ المُفْرَدَةِ
المُعَرَّفَةِ في النِّدَاءِ دُونَ غَيرِهِ كقولِهِمْ: يا حارُ يا مالُ ويا صاحُ،
أي يا حارِثُ ويا مالِكُ ويا صاحِبِي، ويُقَالُ لهذَا الحَذفِ: التَّرْخِيمُ
وفي بَعْضِ القراءاتِ الشَّاذَّةِ: {ونادوا يا مالُ}=. وقالَ امْرُؤُ
القَيْسِ (أَفَاطِمُ مَهْلًا بَعْضَ هذا التَّدَلُّلِ) وقال عمرُو بْنُ العَاصِ:

مُعَاوِيُ لَا أعْطِيكَ دِينِي ولمْ أنَلْ
بِهِ مِنكَ دُنْيَا فَانْظُرَنْ كيفَ تَصنَعُ


ومن ذلِكَ قولُهم: باللّهِ، أي أحلِفُ بِاللهِ، فَحَذَفُوا (أَحْلِفُ)
لِلعلمِ بِهِ والاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذِكرِهِ، وقولُهُمْ: باسْمِ الله، أي أبتَدِئُ
باسم الله. ومِنْ ذَلكَ حَذفُ الألِفِ منهُ لكَثْرَةِ الاسْتِعْمَال، ومِنْ
ذَلكَ ما تَقدَّمَ ذِكرُهُ في حِفْظِ التَّوَازُنِ كقوله عَزَّ ذِكرُهُ {واللَّيْلُ
إذَا يَسْرِ} و{الكبيرُ المُتَعَالِ} و{يومَ التَّلَاقِ}==.
ومِنْ ذلكَ حذْفُ التَّنْوينِ مِنْ قَولكَ: محمدُ بنُ جَعفر، وزيد بنُ
عمرو. وحذف نُونِ التَّثنيةِ عندَ النَّفيِ كقولِكَ: لا غُلاميْ لك،
ولا يَدَيْ لزيدٍ، وقميصٌ لا كمَّيْ لَهُ. ومن ذلكَ حَذفُ نونِ الجَمْعِ
عند الإضافةِ في قوْلِكَ: هؤُلاءِ سَاكِنْو مَكَّةَ ومُسْلِمُو القَومِ. ومِنَ
الحَذْفِ قولُهُمْ: واللّهِ أفْعَلُ ذلِك، يريدون واللهِ لا أفعلُ ذلك،
ومِنَ الحذفِ قولُهُ عزَّ وجَلَّ {ولا تَقُولُوا ثَلَاثَةً انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}===
فنصَبَ خيرًا بالإضمارِ، أي: يكنِ الانْتِهاء خيرًا لكم فَنَصبَ خيرًا
وحذَفَ واختصَرَ، ومِن الحذف قولُهُ عزّ ذكرُهُ {وكذلكَ مَكَّنَّا
لِيوسُفَ في الأرْضِ ولِنُعَلِّمَهُ من تأويلِ الأحَادِيثِ}& وتقديرُهُ:
ولِنُعَلِّمَهُ فَعَلْنَا ذَلكَ. وكذلكَ قولُهُ {وحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ
مارِدٍ}. أيْ وحِفظًا فَعَلْنَا ذَلكَ. ومن الحَذْفِ قولهم: صَلَّيْتُ
الظُّهْرَ، أي صَلَاةَ الظُّهْرِ، وكذلك سائرُ الصَّلَواتِ الأرْبِعِ.


*"43" من سورة النمل.
**"1" من سورة النبأ.
***"7" من سورة طه.
+"50" من سورة القمر.
++"9" من سورة مريم.
+++"26" من سورة القيامة.
-"32" من سورة ص.
--"26" من سورة الرحمن.
---"29" من سورة يوسف.
="77" من سورة الزخرف.
==تقدم بيانها في باب رقم (25).
==="171" من سورة النساء.
&"21" من سورة يوسف.
&&"7" من سورة الصافات.

عبد السلام بركات زريق 02-14-2023 01:00 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الأربعونَ


مُجْمَلٌ في الإضْمَارِ يُنَاسِبُ ما تَقَدَّمَ مِنَ الحَذْفِ


مِنْ سُنَنِ العربِ الإضْمارُ إيثارًا للتّخْفِيف وثِقَةً بِفَهمِ
المُخَاطَبِ، فِمنْ ذلكَ إضمارُ (أنَّ) وحَذْفُها مِن مَكَانِها،
كما قالَ تعالَى {ومِنْ آيَاتِهِ يُريكُمُ البَرْقَ خوفًا وطَمَعًا}*
أيْ: أن يُريكمُ البَرْقُ، وقالَ طَرَفةَ:

ألَا أيُّهذا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى
وأنْ أشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أنتَ مُخلِدِي؟!


فأضمَرَ (أنَّ) أوَّلًا ثُمَّ أظْهَرَهَا ثانيًا في بَيتٍ وَاحِدٍ وتَقْدِيرُهُ
ألا أيُّهذَا الزَّاجِرِي أنْ أحضُرَ الوَغَى. وفي ذلكَ يقولُ بعضُ
أُدباءِ الشُّعَرَاءِ:

تَفَكَّرْتُ في النَّحْوِ حتَّى مَلِلْتُ
وأَتْعَبْتُ نَفْسيْ لَهُ والبَدَنْ

فَكُنْتُ بِظاهِرِهِ عالمًا
وكنتُ بِبَاطِنِهِ ذَا فِطَنْ

خَلَا أنَّ بابًا عليهِ العَفا
ءُ في النَّحْوِ يا ليْتَهُ لمْ يَكُنْ

إذَا قُلتُ لِمْ قيلَ لي هَكَذَا
عَلى النَّصبِ؟ قيلَ بإضمارِ أنْ

ومِنْ ذَلكَ إضْمَارُ (مَنْ) كقوله عَزَّ وجَلَّ {وما مِنَّا إلا لَهُ
مَقامٌ مَعلومٌ}** أي إلَّا مَنْ لَهُ. ومن ذلك إضْمَارُ (مِنْ)
كما قالَ تَعَالَى {واخْتَارَ مُوسَى قَومَهُ سَبْعينَ رَجُلًا لِميقَاتِنا}***
أيْ مِنْ قَوْمِهِ. ومِنْ ذلكَ إضْمَارُ (إلى) كما قالَ جلَّ جلاله
{سَنُعيْدُهَا سِيرتَهَا الأُولى}+ أيْ إلى سِيرتِهَا الأُولَى. ومِنْ ذَلكَ
إضْمَارُ الفِعْل كمَا قَالَ اللّهُ عَزَّ وجلَّ {فَقُلْنَا اضْرِبوهُ ببَعضِها
كَذلكَ يُحيِي اللُّهُ المَوْتَى}++ وتقديره فضُرِبَ فَيَحييَ كذلك
يُحيي اللهُ المَوتَى. ومِثْلُهُ {وإذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقومِهِ فَقُلْنَا
اضْرِبْ بِعَصاكَ الحَجَرَ فانفَجَرَت مِنهُ اثْنَتَا عَشَرَةَ عينًا}+++
وتقديرُهُ فَضَرَبَ فَانْفَجَرَت. ومثلُهُ {فَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أو بِهِ
أذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِديَةٌ مِنْ صِيامٍ أو صَدَقةٍ أو نُسُكٍ}=
وتقديرُهُ فَحَلَقَ فَفِدْيَةٌ. ومِنْ ذلكَ إضْمَارُ (القَولِ) كما قال
سُبْحَانَهُ {فأمَّا الّذينَ اسْوَدَّتْ وُجوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ}==في ضمنه
فيُقَالُ لَهمْ: أكفرتم؟ لأنَّ (أمَّا) لا بدَّ لها في الخَبَرِ من فَاءٍ
فلمّا أضْمَرَ القَولَ أضْمَرَ الفَاءَ؛ ومِثْلُهُ {وتَتَلَقَّاهُمُ الملائِكَةُ
هذا يَوْمُكُمْ}=== أي يقولون: هذا يومكم. وقال الشَّنْفَرَى:

فَلَا تَدفِنُوني إنَّ دَفْنِي مُحَرَّمٌ
عَليكُمْ ولكنْ خَامِرِي أمَّ عَامِرِ

أي التي يُقالُ لها: خامِري أمَّ عامِرِ، وهي الضَّبُعُ.


*"24" من سورة الروم.
**"164" من سور الصافات.
***"155" من سورة الأعراف.
+"21" من سورة طه.
++"73" من سورة البقرة.
+++"60" من سورة البقرة.
="196" من سورة البقرة.
=="106" من سورة آل عمران.
==="103" من سورة الأنبياء.

عبد السلام بركات زريق 02-15-2023 04:38 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الواحدُ والأربعونَ


مُجْمَلٌ في الزَّوَائِدِ والصِّلَاتِ الّتي هِيَ منْ سُنَنِ العَرَبِ


مِنْها: البَاءُ الزَّائِدةُ كما تقولُ: أخَذْتُ بِزِمامِ النَّاقَةِ، أيْ أخذتُ
زِمامَ النَّاقَةِ. وقال الشَّاعِرُ (سُودُ المَحَاجِرِ لا يَقرَأْنَ بالسُّوَرِ)
أي لا يَقْرَأنَ السُّوَرَ، وكما قال عنترة (شَرِبَتْ بِماء الدُّحْرُضَينِ
فأَصْبَحَتْ) أيْ ماءَ الدُّحْرُضَين، وفي القرآن حكايةً عَنْ هَارونَ
{لا تَأخُذْ بِلِحْيَتي ولا بِرأسي}*. وقالَ عزَّ ذِكرُهُ {ألَمْ يَعْلَم بأنَّ
اللّهَ يَرَى}** فالباءُ زَائِدَةٌ والتّقديرُ: ألمْ يَعلمْ أنَّ اللهَ يَرى،
كمَا قالَ جلَّ ثَنَاؤُهُ {ويَعْلَمونَ أنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبينُ}***.
ومِنْهَا التّاءُ الزّائدةُ في ثم ورُبِّ، ولا تَقُولُ العربُ: رُبَّتَ امرَأةٍ،
وقال الشاعر (وَرُبَّتْمَا شَفَيتُ غَلِيلَ صَدْرِي) وتقولُ: ثُمّْتَ
كانَتْ كَذَا، كما قال عَبْدَةُ بْنُ الطَّيب:

ثُمَّتَ قُمنا إلى جُردٍ مُسَوَّمَةٍ
أَعْرَافُهُنَّ لأيدِينَا مَنادِيلُ


أي ثُمَّ قُمنَا، وتقولُ: لاتَ حينَ كَذَا، وفي القرآن {ولاتَ حينَ
مَنَاصٍ}= أي لَا حينَ والتاءُ زائدةٌ وصِلةٌ. ومنْهَا زيادةُ لا كقوله
عَزَّ وجَلَّ {لَا أُقْسِمُ بِيومِ القِيامَةِ}== أي أُقْسِمُ. وكقول العَجَّاجِ
(في بِئرِ لَا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ) أي بئرِ حُورٍ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ:
لَا مِنْ حُروفِ الزَّوائِدِ كتَتِمَّةِ الكَلَامِ، والمعنى إلْغَاؤُهَا كما قال
عزَّ ذِكرُهُ {غيرِ المَغْضوبِ عَلَيهِمْ ولا الضَّالِّين}=== أيْ والضَّالِّين
وكما قال زُهَيْرٌ:

مُوَرِّثُ المَجْدِ لا يَغتالُ هِمَّتَهُ
عنِ الرِّياسَةِ لا عَجْزٌ ولا سَأَمُ


أي عَجْزٌ وسَأَمٌ، وقال الآخرُ:

ما كان يَرضى رَسولُ اللهِ دِينَهُمُ
والطَّيِّبان أبو بكرٍ ولا عُمَرُ

وقال أبو النَّجْم:

*فما ألُومُ اليَومَ أنْ لا تَسْخَرا*

أي أنْ تَسْخُرو. وفي القُرآنِ {ما مَنَعَكَ أنْ لَا تَسْجُدَ}+ أي ما
مَنَعَكَ أن تَسْجُدَ. ومنها زِيادةُ (مَا) كقَوْلِهِ عزَّ وجلَّ {فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ}++ أي فَبِرَحْمَةٍ منَ اللهِ، وكقوله
{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}+++ أي فَبِنَقْضِهِم ميثاقَهُم، وكقوله عزَّ
وجلَّ {وقَليلٌ ما هُمْ}- أي قَلِيلٌ هُمْ. وكقول الشاعر:

لأمْرٍ مَا تصرَّفَتِ اللَّيالي
لأمْرٍ ما تَصَرَّفَتِ النُّجُومُ


أي لأَمْرٍ تَصَرَّفَتْ. وقد زَادتْ (مَا) في رُبَّ كقول بعض السَّلف:
رُبَّما أَعْلَمُ فأَذَرُ. وفي القرآن {رُبَمَا يَوَدُّ الّذِينَ كَفَروا لو كانوا
مُسْلِمينَ}-- ومنها زيادة (مِنْ) كمَا في قولِهِ تَعَالَى {وما تَسْقُطُ
مِنْ وَرَقَةٍ إلَّا يَعْلَمُها}--- والمَعْنَى ومَا تَسقُطُ وَرَقَةٌ، وكما قالَ
عَزَّ ذِكرُهُ {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ في السَّمَواتِ}& أي وكَمْ مَلَكٌ، وكما
قالَ جَلَّ اسْمُهُ {وكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا}&&. وكما قالَ عزَّ
وجلَّ {قُلْ للمُؤمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ}&&&. ومِنْها زِيادَةُ
اللَّام كما قالَ عزَّ وجلَّ {للَّذينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبونَ}^ أي رَبّهم
يَرهَبُون. وكما قالَ تَقَدَّسَت أسمَاؤُهُ {إنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤيا تَعْبُرُون}^^
أي إنْ كنتُم الرُّؤيَا تَعْبُرُونَ. ومنها زِيادةُ (كانَ) كما قال عزَّ
ذكرُهُ {ومَا عِلْمِيْ بِمَا كانُوا يَعْمَلونَ} أيْ بما يَعْمَلُون. وكما قالَ
الشَّاعِرُ:

*وجِيرانٍ لنا كانوا كِرَامٍ*

ومنها زِيَادَةُ (الاسْمِ) كقولِهِ {باسْمِ اللّهِ مَجْرِاها}^^^، والمُرَادُ
باللّهِ، ولكنَّه لمَّا أشْبَهَ القَسَمَ زِيدَ فِيهِ الاسْمُ. ومنها زِيادَةُ
(الوجْهِ) كقولِهِ عزَّ وجلَّ {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}× أيْ ويَبْقَى رَبُّكَ.
ومنها زِيادَةُ (مِثْل) كقولِهِ تَعَالَى {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَني إِسْرائيلَ
على مِثْلِهِ}×× أيْ عَلَيْهِ، وقالَ الشَّاعِرُ:

يا عاذِلي دَعْنِي مِنْ عَذْلِكَا
مِثلِي لا يَقْبَلُ مِنْ مِثْلِكَا


أيْ أنَا لَا أَقْبَلُ مِنْكَ، وقالَ آخرُ:

دَعْنِي مِنَ العُذْرِ في الصَّبُوحِ فَمَا
تُقْبَلُ مِنْ مِثْلِكَ المَعاذيرُ


*"94" من سورة طه.
**"14" من سورة العلق.
***"25" من سورة النور.
="3" من سور ص.
=="1" من سورة القيامة.
==="7" من سورة الفاتحة.
+"12" من سورة الأعراف.
++"159" من سورة آل عمران.
+++"155" من سورة النساء.
-"24" من سورة ص.
--"2" من سورة االحجر.
---"59" من سورة الأنعام.
&"26" من سورة النجم.
&&"4" من سور الأعراف.
&&&"30" من سورة النور.
^"154" من سورة الأعراف.
^^"43" من سورة يوسف.
^^^"41" من سورة هود وتُقرأُ بالإمالة.
×"27" من سورة الرحمن.
××"10" من سورة الأحقاف.

عبد السلام بركات زريق 02-15-2023 04:56 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّاني والأرْبَعونَ


في الأَلِفَاتِ



مِنْهَا أَلِفُ الوَصْلِ، وأَلفُ القَطْع، وألِفُ الأمرِ، وألفُ
الاسْتِفْهَامِ، وألفُ التَّعَجُّبِ، وألفُ التَّثْنِيَةِ، وألفُ الجَمْعِ،
وألفُ التَّعْدِيَةِ، وألفُ لامِ المَعْرِفَةِ، وألِفُ المُخْبِرِ عَن
نفسِهِ في قوله: أدْخُلُ وأخْرُجُ، وألِفُ الحَيْنُونَةِ، كما يُقالُ:
أَحْصَدَ الزَّرع أي: حَانَ أنْ يُحصَدَ، وأَرْكَبَ المهْرُ: أي حَانَ
أنْ يُركَبَ. وألفُ الوُجْدَانِ كقولهِ أجبَنْتُهُ: أي وَجَدْتُهُ
جَبَانًا، وأكذَبتُهُ: أي وجدْتُهُ كَذَّابًا. وفي القُرْآن {فَإنَّهُمْ لَا
يُكَذِّبونَكَ}* أي لا يَجِدُونَكَ كَذَّابًا. ومِنْهَا ألِفُ الإتْيَانِ كَقولِهِ:
أحْسَنَ: أيْ أَتَى بِفِعلٍ حَسَنٍ، وأَقْبَحَ: أيْ أَتَى بِفِعلٍ قَبِيحٍ.
ومنها ألِفُ التَّحْوِيلِ كقولِهِ سبحانَهُ {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ}**
فإنَّها نُونُ التَّوْكِيدِ حُوِّلَتْ أَلِفًا. ومِنْهَا ألفُ القَافِيةِ كَقولِ الشَّاعِرِ:

يا رَبعُ لو كنتُ دَمعًا فِيكَ مُنْسَكِبًا
قَضَيتُ نَحْبِي ولمْ أقضِ الّذي وَجَبَا

ومِنْها ألفُ النُّدْبَةِ كقولِ أمِّ تأبَّطَ شرًّا: وابْنَاهُ وابْنَ اللَّيلِ.
ومِنْها ألِفُ التَّوَجُّعِ والتّأسُّفِ وهي تقارب ألفُ النُّدْبَةِ
نحْوَ: واقَلْبَاه واكَربَاهُ وَاحُزناهُ.


*"33" من سورة الأنعام.
**"15" من سورة العلق.

عبد السلام بركات زريق 02-16-2023 11:22 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّالثُ والأربعونَ


في البَاءَاتِ


منهَا باءُ الزِّيَادَةِ وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكرُهَا، ويُقالُ لبَعْضِهَا باءُ
التَّبعِيضِ كمَا قَالَ عَزَّ وجَلَّ {وامْسَحُوا بِرُؤوسِكُمْ}* أيْ
بَعْضِها. ومنها باءُ القَسَم كَقولِهِمْ: باللّهِ وبالبيتِ الحرامِ
وبِحَيَاتِكَ. ومنها باءُ الإلصاقِ كقوْلِكَ: مَسَحتُ يَدِي بالأرْضِ.
ومِنْهَا باءُ الاعْتِمَالِ كقوْلِكَ: كَتَبْتُ بِالقَلَم، وضَرَبتُ بالسَّيف،
وزَعَمَ قَوْمٌ أنَّ هذهِ والتي قبلَها سواءٌ.
ومنها باءُ المُصَاحَبَةِ كما تَقُولُ: دَخَلَ فُلانٌ بِثِيابِ سَفَرِهِ،
ورَكِبَ فُلانٌ بِسلَاحِهِ، وفي القُرْآنِ {وقَدْ دَخَلُوا بِالكُفْرِ وهُمْ
قَدْ خَرجُوا بِهِ واللّهُ أعْلَمُ بِما كَانُوا يَكتُمُون}**، واللهُ أعلمُ.
ومِنْهَا باءُ السَّبَبِ كقولِهِ تَعَالَى {وكَانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِين}***
أيْ مِنْ أَجْلِ شُرَكَائِهِمْ. وكما قالَ {والَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا
يُشْرِكُونَ}= أيْ مِنْ أَجْلِهِ. ومِنْها البَاءُ الدَّاخِلَةُ عَلى نَفْسِ
المُخْبِرِ والظَّاهِرِ أنَّها لِغَيرِهِ كقوْلِكَ: رأيتُ بِفلانٍ رَجُلًا جَلْدًا،
ولَقِيتُ بِزَيدٍ كَرِيمًا، تُوهِمُ أنّكَ لَقيتَ بزيدٍ كريمًا آخَرَ غيرَ
زَيْدٍ، وليس كذلِكَ وإنَّما أرَدْتَ نَفَسَهُ، كما قالَ الشاعرُ:

إذَا مَا تأمَّلتَهُ مُقْبِلًا
رَأيتَ بِهِ جَمْرَةً مُشعَلةْ


وفي القرآن {فاسْأل بِهِ خَبيرًا}==. ومِنْهَا الباءُ الواقعةُ مَوقِعَ
(مِنْ وعَنْ) كما قال عزَّ وجلَّ {سَأَلَ سائِلٌ بِعَذَابٍ واقِعٍ}===
أيْ عَنْ عَذابٍ وَاقِعٍ، وكما قال {عَيْنًا يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ}+
أي مِنْهَا.
ومِنْهَا الباءُ الّتي في مَوضِعِ (في)، كما قالَ الأعْشَى:

*مَا بُكاءُ الكَبيرِ بِالأطْلَالِ*

أيْ في الأطلَالِ، وقالَ الآخرُ:

ولَيْلٍ كَأنَّ نُجُومَ السَّمَاءِ
بِهِ مُقَلٌ رَنَّقَتْ++ للهُجُوعِ


أيْ فيهِ. ومِنْهَا البَاءُ التي في مَوضِعِ (عَلَى)، كما قالَ الشاعرُ:

أَرَبٌّ يَبولُ الثُّعلُبَانُ بِرأسهِ
لقَدْ ذَلَّ مَنْ بَالتْ عَلَيهِ الثَّعالبُ+++

أيْ عَلَى رأسه. ومنها باءُ البَدَلِ كما تَقُولُ: هَذَا بِذَاكَ، أي
عِوَضٌ عنْهُ وبَدَلٌ مِنْهُ، كما قالَ الشاعرُ:

إنْ تَجْفُنِي فَلَطالَما واصَلتَنِي
هذَا بِذاكَ فَمَا عَليكَ مَلَامُ

ومِنْهَا باءُ التَّعْدِيَةِ كقولِكَ: ذَهَبتُ ورَجَعْتُ بِهِ. ومنها البَاءُ
بمعنى (حَيثُ) كَقَولِهِمْ: أنْتَ بالمُجَرَّب، أي حَيْثُ التَّجريبِ،
وفي كتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ {فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ العَذابِ}&
أي حَيْثُ يَفُوزُونَ.


*"6" من سورة المائدة.
**"61" من سورة المائدة.
***"13" من سورة الروم.
="59" من سورة المؤمنون.
=="59" من سورة الفرقان.
==="1" من سورة المعارج.
+"6" من سورة الإنسان.
++يقال: رنق الطائر خفق بجناحيه ورفرف ولم يطر، ورنق
النوم في عينيه غشيهما وهو المراد هنا من قول الشاعر.
+++قوله الثعلبان: مثنى ثعلب وليس مفردا كما يفهم من
القاموس، وضبط في بعض النسخ منه بضم الثاء والنون
واستشهد به على أنه مفرد مذكر.
&"188" من سورة آل عمران.

عبد السلام بركات زريق 02-16-2023 12:25 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الرّابعُ والأربَعونَ


في التَّاءاتِ


مِنْها مَا يُزادُ في الاسْمِ، كما زِيدَ في تَنْضُبُ وتَتْفُلُ.
ومِنْهَا ما يُزادُ في الفِعْلِ نَحْوَ تَفَعَّلَ وتَفَاعَل وافْتَعَلَ واسْتَفْعَلَ.
ومِنْهَا تاءُ القَسَمِ، تَقُولُ: تَاللهِ لأفْعَلَنَّ كذا، أيْ باللهِ. وفي
القُرْآنِ {وتَاللّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ}*. ولا تُستَعْمَلُ هَذهِ التّاءُ
إلا معَ اسْمِ اللّهِ عزَّ وجلَّ.
ومِنْهَا التّاءُ التي تُزادُ في رُبَّ وثُمَّ ولَا، وتَقَدَّمَ ذِكرُهُا.
ومِنْها تَاءُ التّأنِيثِ نَحو: تَفْعَلُ وفَعَلَتْ. وتَاءُ النَّفْسِ نحو
فَعَلتُ، وتَاءُ المُخَاطَبَةِ نحو فَعَلْتِ.
ومِنْهَا تَاءٌ تَكونُ بَدَلًا عَنْ سِينٍ في بَعضِ اللُّغَاتِ، كما أنشدَ
ابْنُ السِّكِّيتِ:

يَا قَاتَلَ اللّهُ بَنِي السَّعْلَاةِ
عَمْرُو بْنُ مَسْعُودٍ أشَرَّ النَّاتِ


يَعنِي شِرارَ النّاسِ.


*"57" من سورة الأنبياء.

عبد السلام بركات زريق 02-16-2023 01:19 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الخامسُ والأربعونَ


في السِّينَاتِ


السِّينُ تُزادُ في اسْتَفْعَلَ، ويُقالُ للَّتِي في اسْتَهْدى واسْتَوهَبَ
واسْتَعْظَمَ واسْتَسْقى سِينُ السُّؤَالِ، وتُخْتَصرُ من سَوفَ أَفْعَلُ
فَيُقالُ: سأفْعَلُ، ويُقالُ لها سِينُ سَوفَ.
ومِنْها سِينُ الصَّيْرُورَةِ كما يُقالُ: اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ واسْتَنْسَرَ
البُغاثُ، يُضرَبانِ مَثلًا للقَوِيِّ يَضْعُف وللضَّعيفِ يَقْوَى.
وتُقَارِبُ هَذهِ السِّينُ سِيْنَ اسْتَقْدَمَ واستَأْخَرَ: أي صَارَ
مُتَقَدِّمًا ومُتَأَخِّرًا.

عبد السلام بركات زريق 02-16-2023 02:01 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ السّادسُ والأربعونَ


في الفَاءاتِ


مِنْهَا فاءُ التَّعْقِيبِ كَقَولِهِمْ: مَرَرْتُ بِزَيْدٍ فَعَمْرٍو، أيْ
مَرَرْتُ بِزَيدٍ وعَلى عَقِبِهِ بِعمرٍو، كَمَا قالَ امرُؤُ القَيْسِ:

*بِسِقْطِ اللِّوَى بَينَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ*

ومِنْهَا الفاءُ تَكونُ جَوابًا للشَّرْطِ، كما يُقالُ: إنْ تَأْتِنِي فَحَسنٌ
جَمِيلٌ، وإنْ لمْ تَأتِنِي فالعُذْرُ مَقبُولٌ، ومنْهُ قولُهُ تَعَالى {والّذينَ
كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ}*، وقالَ صَاحِبُ كِتابِ الإيضَاحِ: الفَاءُ الّتي
تَجِيءُ بَعدَ النَّفْيِ والأمْرِ والنَّهْيِ والاسْتِفهامِ والعَرْضِ والتَّمَنِّي
يَنْتَصِبُ بِها الفِعلُ، فَمِثالُ النَّفْي: ما تَأْتِيِني فأُعْطِيَكَ، ومنهُ
قولُهُ تَعَالَى {وَمَا مِنْ حِسابِكَ عَليهِمْ مِنْ شَيءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ
مِنَ الظَّالِمين}**. ومثالُ الأمْرِ كَقَولِكَ: ائْتِنِي فأعْرِفَ بِكَ، ومثالُ
النَّهْيِ كَقولِكَ: لا تَنْقَطِعْ عنَّا فَنَجْفوَكَ. وفي القُرْآنِ {ولَا تَطْغَوا
فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي}***، ومِثالُ الاسْتِفْهَامِ كَقولِكَ: أما
تأتِيَنَا فَتُحَدِّثَنا، ومثال العَرْضِ: ألَا تَنزِلُ عندَنا فَتُصِيبَ خَيرًا؟
ومثالُ التَّمنِّي: ليتَ لِي مالًا فَأُعْطِيَكَ.


*"8" من سورة محمد.
**"52" من سورة الأنعام.
***"81" من سورة طه.

عبد السلام بركات زريق 02-18-2023 09:59 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 

الفصلُ السّابعُ والأربعونَ



في الكَافَاتِ



تَقعُ الكَافُ في مُخَاطَبَةِ المُذكّرِ مَفْتُوحَةً، وفي مخاطبة المؤنَّث
مكسورةً نحوَ قولِكَ: لَكَ ولَكِ. وتَدْخُلُ في أولِ الاسْمِ للتَّشْبيهِ
فَتَخْفضُهُ نحوَ قولكَ: زَيدٌ كَالأسَدِ وهِنْدٌ كالقَمَرِ. قال الأخْفَشُ:
قدْ تكونُ الكَافُ دَالَّةً على القُرْبِ والبُعْدِ كَمَا تَقولُ: للشَّيءِ
القَريبِ مِنكَ: ذَا* وللشَّيءِ البعيدِ منكَ: ذَاكَ.
وقدْ تكونُ الكافُ زَائدةً كقولِهِ عَزَّ وجَلَّ {لَيسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ}**.
أيْ: ليْسَ مثلُهُ شيءٌ، وتكون للتَّعَجُّبِ كما يُقالُ: ما رَأَيْتُ
كاليَومِ ولا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ***.


*الصواب أن حذف الكاف هو الذي أفاد القرب وإثباتها يفيد
البعد-على رأيه. وإذًا فلام البعد في ذلك تكون للبعد الكبير-
على حد راي الثعالبي والمشهور غير هذا.
**"11" من سورة الشورى.
***مُخْبَأَة أو مُخَبَّأةٌ. وهذا من حديث أبي أمامة، وقد أخرجه
ابن ماجه في سننه 1160/2، ومالك في الموطأ 439/2، وأحمد
في المسند 386/3.

عبد السلام بركات زريق 02-18-2023 05:12 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّامنُ والأربعونَ


في اللَّامَاتِ


اللَّامُ تَقعُ زائدةً في قولِكَ: وإنَّما هُوَ ذَلكَ.
ومنها لَامُ التَّأكِيدِ، وإنّما يُقالُ لهذِهِ اللَّامُ لَامُ الابْتِدَاءِ نَحوَ قولِهِ
عَزَّ وجَلَّ {لأَنْتُمْ أشَدُّ رَهْبَةً في صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ}*.
ومِنْهَا في خَبَرِ إنَّ نَحوَ قولِكَ: إنَّ زيدًا لقائِمٌ، وفي خَبَرِ الابْتِداءِ
كَمَا قَالَ القَائلُ (أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجوزٌ شَهْرَبَهْ)
ومِنْها لَامُ الاسْتِغَاثَةِ (بالفَتْحِ) كَقَوْلِكَ: يا للنَّاس، فإذَا أَرَدْتَ
التَّعَجُّبَ (فَبِالكَسْرِ).
ومِنْها لَامُ المُلْكِ كقولِكَ: هَذهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ. ولَامُ المُلْكِ كقولِهِ
تَعَالى {لِلّهِ مَا في السَّمَوَاتِ والأرْضِ}**.
ولَامُ السَّببِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ}*** أيْ مِنْ
أَجْلِهِ "عَنِ الكِسَائيّ". وكَقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ {أَقِمِ الصلاةَ لِذِكْرِي}=
أيْ من أجْلِ ذِكْرِي.
ولَامُ عِنْدَ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى
غَسَقِ اللَّيلِ}== أيْ عِندَ دُلُوكِهَا.
ومنها لَام بَعْدَ، كَقَوْلِهِ صلّى اللّهُ عَليهِ وسَلَّمَ (صُومُوا لِرُؤيتِهِ
وأفْطِرُوا لِرُؤيَتِهِ)===.
ومِنْها لَامُ التَّخْصِيصِ كقولِكَ: الحمدُ للهِ، فَهذهِ لَامٌ مُخْتَصَّةٌ في
الحَقِيقةِ بِاللهِ، ومِثْلهَا قولُهُ تَعَالَى {والأَمْرُ يَومَئذٍ لِلّهِ}+.
ومِنْها لَامُ الوَقْتِ كقولِهِمْ: لِثَلاثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ كَذَا، أو لِأرْبَعٍ
بَقِينَ مِنْ كَذَا، قالَ النَّابغةُ:

تَوَهَّمتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرْفْتُهَا
لِسِتَّةِ أعْوامٍ، وذَا العَامُ سَابعُ


ومِنْهَا لَامُ التَّعَجُّبِ كقولِهِ: لِلهِ دَرُّهُ، ويُقالُ: يَا لِلْعَجَبِ! مَعْنَاهُ
يَا قَومُ تَعَالَوْا إلى العَجَبِ. وقَدْ تَجْتَمْعُ الّتي لِلنِّداءِ والّتِي
للتَّعَجُّبِ كما قالَ الشَّاعِرُ:

*أَلَا يا لَقَوْمِي لِطَيْفِ الخَيَالِ*

ومِنْهَا لَامُ الأمْرِ كمَا تَقولُ: لِيَفْعَلْ كَذَا ولِيُطْلِقْ كَذَا، وفي القُرْآنِ
العَزِيزِ }{ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلِيُوفُوا نُذورَهُمْ}++.
ومِنْها لَامُ الجَزَاءِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ {إنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتحًا مُبينا لِيَغْفِرَ
لَكَ اللّهُ مَا تَقَدَّم مِنْ ذَنْبِكَ وما تَأخَّرَ}+++.
ومِنْهَا لَامُ العَاقِبَةِ كَمَا قَالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَونَ
لِيَكونَ لَهُمْ عَدُوًّا وحَزَنًا}++++ وهُمْ لَمْ يَلتَقِطُوهُ لِذلكَ، ولكنْ
صارتْ العَاقِبَةُ إليهِ. وقالَ سَابِقٌ البَرْبَرِيُّ:

ولِلمَوتِ تَغْذُو الوَالِدَاتُ سِخَالَها
كَمَا لِخَرابِ الدَّهْرِ تُبْنَى المَسَاكِنُ



*"13" من سورة الحشر.
**"284" من سورة البقرة.
***"9" من سورة الإنسان.
="14" من سورة طه.
=="78" من سورة الإسراء.
===رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما والنسائي في
سننه والبيهقي في السنن الكبرى.
+"19" من سورة الانفطار.
++"29" من سورة الحج.
+++"1" و"2" من سورة الفتح.
++++"8" من سورة القصص.

عبد السلام بركات زريق 02-19-2023 08:56 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ التّاسعُ والأربعونَ


في المِيمَاتِ


المِيمُ تُزَادُ في مِفْعَلٍ ومَفْعَلٍ ومُفاعَلَةٍ وغَيرِهَا. وتزاد في أوَاخِرِ
الأسْماءِ للمُبَالَغَةِ، كما زِيدتْ في زُرْقُم وسُتهُم وشَدْقَمَ.
وقَرَأتُ في رِسَالَةِ الصَّاحِبِ بْنِ عَبَّادٍ: ولكنْ للتَّبَظْرُمِ خِفَّةً. وفي
(تَبَظْرَمَ) زَعَمَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ أنَّ البَظْرَ: الخاتَمُ، وأنَّ قَوْلَهُمْ: تَبَظْرَمَ
مُشْتَقٌّ مِن ذلِكَ وأحسبه حَسِبَ المِيمَ تُزَادُ في التَّصَارِيفِ كما
زِيدَتْ في زُرْقمَ وسُتْهُمَ.

عبد السلام بركات زريق 02-19-2023 09:46 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الخَمسونَ


في النُّونَاتِ


النُّونُ تُزادُ أُولَى وثَانِيَةً وثَالِثَةً ورَابِعَةً وخَامِسَةً وسَادسِةً.
فالأُولَى: في نَعْثَلٍ.
والثانيةُ في قولهِمْ: نَاقَةٌ عَنْسَلٌ.
والثَالثةُ: في قَلَنْسُوةٍ.
والرّابِعَةُ: في رَعْشَنٍ.
والَخامِسَةُ: في صَلَتَانِ.
والسَّادِسَةُ: في زَعْفَرَانَ.
وتَكونُ في أوّلِ الفِعلِ لِلْجَمْعِ نحوَ: نُخْرُجُ، وفي آخرِ الفِعلِ
لِلْجَمعِ المُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، نحو: يَخْرُجُونَ ويخرجن، وللمثنى
في نحو: يخرجان، وتكون النون علامة الرفعِ. وتقع في
المثنى نحو: الرجلان. وتقع في الجمع نحو مسلمون، وتكونُ
في فِعلِ المُطَاوَعَةِ نَحوَ كسَرْتُهُ فانْكَسَرَ، وقَلَبْتُهُ فانْقَلَبَ.
وتكُونُ للتّأكيدِ مُخَفَّفَةً ومُثَقَّلَةً في قولك: اضْربَنْ واضْرِبَنَّ.
وتكونُ للمُؤَنَّث نحوَ تَفْعَلِينَ.

عبد السلام بركات زريق 02-27-2023 10:28 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الحَادي والخَمسونَ


في الهَاءاتِ



الهاءُ تُزَادُ في زَائِدَة ومُدْرِكة وخَارِجَة وطَابِخَة.
وهاءُ الاسْتِرَاحَةِ كما قالَ اللّهُ تَعَالَى {مَا أَغْنَى عَنِّي مَاليَهْ
هَلَكَ عنِّي سُلْطَانِيَهْ}*.
وهاءُ الوَقْفِ على الأمْرِ من وَشَى يَشِي، وَوَقَى يَقِي، وَوَعَى
يَعِي، نحو شِهْ وعِهْ وقِهْ.
وهاءُ الوَقْفِ عَلى الأمْرِ مِن اهْتَدَى واقْتَدَى كما قالَ اللّهُ
عزَّ وجلَّ {فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ}**.
وهاءُ التّأنيثِ نَحوَ قَاعِدَةٌ وصَائمةٌ.
وهاءُ الجَمْعِ نَحو ذُكورةٌ وحِجارةٌ وفُهُودَةٌ وصُقُورةٌ وعُمُومةٌ
وخُؤُولَةٌ وصِبْيَةٌ وغِلْمَةٌ وبَرَرَةٌ وفَجَرَةٌ وكَتَبَةٌ وفَسَقَةٌ وكَفَرَةٌ ووُلَاةٌ
ورُعَاةٌ وقُضَاةٌ وجَبَابِرَةٌ وأَكَاسِرَةٌ وقَيَاصِرَةٌ وجَحَاجِحَةٌ وتَبَابِعَةٌ.
ومنها هاءُ المُبَالَغَةِ وهي الهَاءُ الدَّاخِلَةُ على صِفاتِ المُذَكَّرِ نحوَ
قولِكَ: رَجُلٌ عَلَّامَةٌ، ونسَّابَةٌ ودَاهِيَةٌ وباقِعَةٌ. ولا يَجُوزُ أن تَدْخُلَ
هذهِ الهَاءُ في صِفَةٍ مِن صِفاتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ بحالٍّ! وإن كانَ
المُرَادُ بِها المُبَالَغَةُ في الصِّفَةِ.
ومِنْها الهاءُ الدَّاخِلَةُ عَلى صِفَاتِ الفَاعِلِ لِكَثْرَةْ ذلكَ الفِعْلُ مِنْهُ،
ويُقالُ لهَا هَاءُ الكَثْرَةِ، نَحوَ قَولِهِم نُكَحَةٌ وطُلَقَةٌ وضُحَكَةٌ ولُعَنَةٌ
وسُخَرَةٌ، وفي كتابِ اللهِ {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}** أي: لكلِّ عَيَّابَةٍ
مُغْتَابَةٍ.
ومنها الهاءُ في صِفةِ المفْعُولِ بِهِ لكَثْرَةِ ذلكَ الفعلِ عليهِ كقولِهِمْ:
رَجُلٌ ضُحْكَةٌ ولُعْنةٌ وسُخْرَةٌ وهُتْكَةٌ.
ومنها هاءُ الحَالِ في قولِهِمْ: فُلَانٌ حَسَنُ الرِّكْبة والمِشْيَةِ والعِمَّةِ.
وهاءُ المَرَّةِ كقولِكَ: دَخَلْتُ دَخْلَةً وخَرَجْتُ خَرْجَةً. وفي كتابِ
اللهِ عَزّ وجَلّ {وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ}****.


*"28و29" من سورة الحاقة.
**"9" من سورة الأنعام.
***"1" من سورة الهمزة.
****"19" من سورة الشعراء.

عبد السلام بركات زريق 02-28-2023 10:17 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّاني والخَمسونَ


في الوَاوَاتِ


قد تَكونُ الواوُ زَائدةٌ في الأوَّلِ، وقد تُزادُ ثانيَةً نَحْوَ: كَوْثَرٍ.
وثالثَةً نحو: جَرْوَلٍ، ورابعةً نحو: قَرْنُوَةٍ، وخامسةً نحو:
قَمَحْدُوَةٍ.
ومن الوَاوَاتِ وَاوُ النَّسَقِ وهو العَطْفُ كقولِكَ: رأيْتُ زيدًا
وعَمْرًا.
ووَاوُ العَلَامَةِ لِلرَّفْعِ كقولِكَ: أخُوكَ والمُسْلِمُونَ.
والواوُ التّي في قولِكَ: لَا تَأكُلِ السَّمكَ وتَشْرَبِ اللَّبَنَ، وقولُ
الشَّاعِرِ (لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتأتيَ مِثْلَهُ)
وفي القُرآنِ العَزِيزِ {وَلَا تَلْبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وتَكْتُمُوا الحَقَّ
وأنتُمْ تَعْلَمُونَ}*
ومِنْهَا واوُ القَسَمِ في قولِهِ تَعَالَى {والنَّجْمِ إذَا هَوَى}**
{والسَّماءِ ذَاتِ البُرُوجِ}*** {والشَّمْسِ وضُحَاهَا}+.
ومِنْهَا واوُ الحَالِ كقولِكَ: جَاءَنِي فُلَانٌ وهُوَ يَبْكِي، أيْ
في حَالِ بُكَائِهِ، وفي القُرْآنِ {تَوَلَّوا وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ
الدَّمْعِ حَزَنًا أنْ لَا يَجِدوا ما يُنْفِقونَ}++.
ومِنْهَا وَاوُ رُبَّ كقولِ رُؤْبَةَ (وقاتِمُ الأعماقِ خاوي المُخْتَرَقْ)
أيْ ورُبَّ قَائِمِ الأعْمَاقِ.
ومِنْها الوَاوُ بِمعنَى مَعَ كَقولِكَ: اسْتَوَى المَاءُ والخَشَبَةَ، أيْ
مَعَ الخَشَبَةِ، ولَوْ تَرَكْتُ النَّاقَةَ وفَصِيلَهَا لَرَضَعَهَا، أيْ مع
فصيلها.
ومِنْها وَاوُ الصِّلَةِ كَقولِهِ تَعَالَى {إلّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ}+++.
والمعنَى إلَّا ولها.
ومِنْهَا الوَاوُ بمعْنَى إذْ، كقولِهِ عزَّ وجلَّ {وطَائِفَةٌ قد أَهَمَّتْهُمْ
أنْفُسَهُمْ}- يريدُ إذْ طَائِفةٌ، كما تقولُ: جِئتُ وزَيْدٌ رَاكِبٌ تريد
إذْ زَيدٌ راكبٌ.
ومنْهَا واوُ الثَّمانية كقولِكَ: واحِدٌ إثْنَانِ ثلَاثةٌ أربعةٌ خَمْسةٌ
سِتَّةٌ سَبْعةٌ وثَمَانِيَةٌ. وفي القُرْآنِ {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابعُهُم كَلبُهُم
ويَقُولونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُم كَلبُهُم رَجْمًا بالغَيْبِ ويَقُولُونَ سَبْعَةٌ
وثامِنُهُمْ كَلبُهُمْ}--. وكما قَالَ تَعَالَى في ذِكْرِ جَهَنَّم {حتَّى إذَا
جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أبْوابُها}--- بِلَا وَاوٍ، لأنَّ أبوابَهَا سَبْعَةٌ. ولمّا ذَكَرَ
الجَنَّة قالَ {حتّى إذَا جَاؤُوهَا وفُتِحَتْ أبْوَابُها وقال لهم خَزَنَتُها}=
فألحقَ بها الوَاوَ لأنَّ أبوابَها ثَمَانِيَةٌ، ووَاوُ الثّمانيةِ مستعملةٌ
في كَلامِ العَرَبِ.


*42" من سورة البقرة.
**"1" من سورة النجم.
**"1" من سورة البروج.
+"1" من سورة الشمس.
++"92" من سورة التوبة.
+++"4" من سورة الحجر.
-"154" من سورة آل عمران.
--"22" من سورة الكهف.
---"71" من سورة الزمر.
="73" من سورة الزمر.

عبد السلام بركات زريق 02-28-2023 04:25 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّالثُ والخَمْسُونَ


مُجْمَلٌ في وُقُوعِ بَعْضِ حُرُوفِ المَعْنَى مَوَاقِعَ بَعْضٍ

(أمْ)

تَقَعُ مَوقِعَ (بَلْ) كما قالَ عَزّ وجَلَّ {أم يَقُولُونَ شاعِرٌ}1
أيْ: بلْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ. وقال سِيْبَوَيْهِ: أمْ تَأتِي بِمعنَى الاسْتِفْهَامِ
كقولِهِ تَعَالَى {أمْ تُرِيْدُونَ أنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ}2 أيْ: أتُريدُنَ أن
تسألوا رَسُولَكُمْ. والله أعلم.

(أو)


تأتي بمعنَى وَاوِ العَطْفِ، كما قَالَ تَعَالَى {ولا تُطِعْ منهم آثِمًا
أو كَفُوْرًا}3 أي آثِمًا وكَفُورًا. وبمعنى بَلْ، كما قالَ تَبارَكَ وَتَعَالَى
{وأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئةِ ألفٍ أو يَزِيْدُونَ}4 أيْ: بَل يَزِيدُونَ.
وبمعْنَى إلَى كَمَا قَالَ امرُؤُ القَيْسِ:

فَقُلتُ لهُ لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنَّما
نُحاوِلُ مُلْكًا أو نَمُوتَ فَنُعْذَرَا

وبمعْنَى حتَّى، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:

*ضَرْبًا وَطَعْنًا أو يَمُوتَ الأعْجَلُ*


أيْ حتَّى يَموتَ.

(أنَّ)


بمعنى (لَعَلَّ) كما قالَ عَزَّ وجَلَّ {وما يُشْعِرُكُمْ أنَّها إذَا
جاءَتْ لا يُؤمِنُونَ}5 والمَعْنَى لَعَلَّها إذَا جَاءتْ. والله أعْلَمُ.

(إنْ-الخَفِيفَةُ)


بمعنَى (إذْ) كما قالَ تَعالَى {وأَنْتُمْ الأَعْلَونَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ}6
أيْ: إذْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ.

(إن-الخَفِيفَةُ)

بمعنَى (لَقَدْ) كما قالَ تَعَالَى {إنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ}7
أيْ: ولَقَدْ كُنَّا.

(إلى)


بمعنَى (مَعَ) كما قالَ تَعَالَى {مَنْ أنْصَارِي إلَى اللّهِ}8 أي مَعَ
اللهِ، وكما قال {ولَا تَأْكُلوا أمْوالَهُم إلى أموالِكُم}9 أي مَعَ
أموالِكُمْ، وكَمَا قَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأَيْدِيَكُمْ
إلى المَرَافِقِ}10 أي مَعَ المَرَافِقِ.


(إلَّا)


بمعنى (بَلْ) كما قالَ عَزّ وجَلَّ {طَهَ ما أنْزَلْنَا عَليكَ القُرْآنَ
لِتَشْقَى إلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}11 والمعنى بَلْ تَذكرةً لمنْ
يَخشَى، واللهُ أعْلَمُ. وكما قالَ عَزَّ وجَلَّ {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ
ألِيمٍ إلا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أجْرٌ غيرُ
مَمْنونٍ}12 مَعْنَاهُ بَلِ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.


(إلَّا)


بمعنى (لَكِنْ) كما قال اللهُ عَزَّ ذِكرُهُ {لَسْتُ عَلَيكُم بِمُسَيطِرْ
إلَّا مَنْ تَوَلَّى وكَفَرَ}13 معناه لَكِنْ مَنْ تَولَّى وكَفَرَ، وقِيلَ في
مَعْنَى قَوْلِ الشَّاعِرِ:

وبَلْدَةٍ لَيْسَ بِها أنِيسُ
إلَّا اليَعَافِيْرُ وإلَّا العِيْسُ


أيْ: ولكن اليَعَافِير على مَذْهَبِ من يُنْكرُ الاسْتِثْنَاءَ مِنْ غَيرِ
الجِنْسِ.

(إذْ)

بمعنَى (إذَا) كما قالَ عزَّ وجَلَّ {ولَوْ تَرَى إذْ فُزِعُوا فَلَا فَوْتَ}14
ومَعناهُ: إذَا فَزِعوا، وقَالَ عَزّ وجَلَّ {إذْ قَالَ اللهُ يَا عِيْسَى}15
والمعْنَى: وإذَا قَالَ اللهُ يا عِيسَى، لأنَّ إذَا وإذْ بِمعنَى واحِدٍ
في بَعْضِ المَوَاضِعِ كمَا قَالَ الرَّاجِزُ:

ثُمَّ جَزَاهُ اللّهُ عَنِّي إذْ جَزَى
جَنَّاتِ عَدْنٍ في العَلَاليِّ العُلَى

والمعنَى إذَا جَزَى لأنَّه لَمْ يَقَعْ بَعْدُ. فأمَّا قولُهُ عَزَّ وجَلَّ
{ولَوْ تَرَى إذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يا لَيتَنَا نُرَدُّ}16 فَتَرى
مُسْتَقْبَلٌ وإذْ لِلمَاضِي، وإنَّما قالَ كَذلِكَ لأنَّ الشَّيءَ كائِنٌ
وإنْ لم يَكُنْ بَعْدُ وهوَ عِنْدَ اللّهِ قَدْ كانَ، لأنّ عِلْمُهُ بِهِ
سابِقٌ وقَضَاؤُهُ نافِذٌ فَهُوَ لَا مَحَالَةَ كائِنٌ.

(أنَّى)

بمَعْنَى (كَيْفَ) كما قالَ تَعَالَى {أنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ
مَوْتِهَا}17 أيْ: كَيفَ يُحْيِي وكمَا قَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ حِكَايَةِ
مَرْيَمَ {أنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ولمْ يَمْسَسْني بَشَرٌ}18 أيْ: كيفَ
يَكُونُ؟

(أيَّان)


بِمعْنَى (مَتَى) كَقولِ اللّهِ سُبْحَانَهُ {وما يَشْعُرونَ أيَّانَ
يُبْعَثونَ}19 أي: مَتَى. وقالَ بَعضُ أهْلِ العَرَبِيّةِ: أصلُهَا أيُّ
أوَانٍ، فحُذِفَتْ الهَمْزَةُ وجُعِلَتْ الكَلِمَتَانِ كَلِمَةً وَاحِدَةً،
كقَولِهِمْ: إيشْ؟ وأصلُهُ: أيُّ شَيْءٍ.

(بَلْ)

بمعنى (إنَّ) كَقَولِهِ تَعَالَى {ص والقُرْآنِ ذِي الذِّكرِ بَلِ
الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وشِقَاقٍ}20 مَعْنَاهُ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
في عزَّةٍ وشِقاقٍ لأنَّ القَسَمَ لابُدَّ لهُ مِن جَوَابٍ.

(بَعْد)


بمَعْنَى (مَعَ) يقال: فُلَانٌ كَرِيمٌ وهُوَ بَعْدَ هَذا أَدِيْبٌ، أيْ
مَعَ هذا، ويَتَأوَّلُ قَولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ {عُتُلٍ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٌ}21
أيْ مَعَ ذَلِكَ، واللّهُ أَعْلَمُ.

(ثُمَّ)


بِمعْنَى (وَاوُ العَطْفِ) كما قَالَ تَعَالَى {فَإلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ
اللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ}22 أيْ واللهُ شَهيدٌ على مَا يَفْعَلُونَ.

(عَنْ)

بمعنى (بَعْدُ) كما قال امرُؤُ القَيْسِ:

(نَؤُومُ الضُّحَى لم تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّلِ)

أيْ بَعْدَ تَفَضُّلٍ.


1 "30" من سورة الطور.
2 "108" من سورة البقرة.
3 "24" من سورة الإنسان.
4 "147" من سورة الصافات.
5 "109" من سورة الأنعام.
6 "139" من سورة آل عمران.
7 "29" من سورة يونس.
8 "52" من سورة آل عمران و"14" من سورة الصف.
9 "2" من سورة النساء.
10 "6" من سورة المائدة.
11 "3-1" من سورة طه.
12 "25-24" من سورة الانشقاق.
13 "23-22" من سورة الغاشية.
14 "51" من سورة سبأ.
15 "55" من سورة آل عمران.
16 "27" من سورة الأنعام.
17 "259" من سورة البقرة.
18 "47" من سورة آل عمران.
19 "21" من سورة النحل.
20 "3-1" من سورة ص.
21 "13" من سورة القلم.
22 "46" من سورة يونس.


.
.
.
.
يتبع مشاركة لاحقة.
.
.

عبد السلام بركات زريق 03-01-2023 04:15 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
.
.
إكمال المشاركة السابقة
.
.
.

(كَأَيِّنْ)

بمعنى (كَمْ) فيها لُغَتَانِ بِالهَمْزَةِ والتَّشْدِيدِ، وبالتّخْفِيفِ، قالَ
اللّهُ جلَّ وعَلَا {وكَأيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَـتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ}1
أيْ: وكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ.

(لَوْ)

بمعنى (إنِ الخَفِيفَةِ) قال الفرَّاءُ (لَوْ) تقوم مَقَامَ إنِ الخفيفة
كما قالَ عَزَّ وجَلَّ {لِيُظْهِرَهُ على الدِّيٍنِ كُلِّهِ ولو كَرِهَ المُشْرِكُونَ}2
ولَولَا أنّها بمعْنَى إنْ لاقْتَضَتْ جَوَابًا، لأنَّ لَوْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ جَوَابٍ
ظاهرٍ أو مَضْمُونٍ مُضْمَرٍ، كقولِهِ تَعَالَى {ولو نَزَّلْنا عَليكَ كِتابًا
في قِرطاسٍ فَلَمَسُوْهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلَّا
سِحْرٌ مُبِيْنٌ}3.

(لَوْلَا)


بمعنى (هَلَّا) كقولِهِ عَزّ وجَلَّ {فَلَوْلَا إذْ جَاءَهُمْ بَأسُنَا تَضَرَّعوا}4
أيْ: فَهَلَّا، وقولِهِ تَعَالَى {لَوْ مَا تَأْتِينَا بالمَلَائِكَةِ إنْ كُنْتَ مِنَ
الصَّادِقينَ}5 أيْ: هَلْ تَأتِينَا؟ وما زِيادةٌ وَصِلَةٌ.

(لَمَّا)


بمعْنَى (لم) لا تَدْخُلُ إلّا عَلى المُسْتَقْبَلِ، كما تَقُولُ: جئْتُ ولمَّا يَجِئْ
زَيْدٌ، وكما قالَ عزَّ ذِكرُهُ {بَلْ لمّا يَذُوقُوا عَذَابِ}6 أي لمْ يَذُوقُوا،
وكمَا قَالَ عَزّ ذِكْرُهُ {كلَّا لمَّا يَقضِ ما أمَرَهُ}7 أيْ: لَمْ يَقْضِ. فأمَّا لمَّا
الَّتي للزَّمَانِ فتكُونُ للماضِي، نَحْوَ: قَصَدْتُكَ لمَّا وَرَدَ فُلَانٌ.

(لَا)

بمعْنَى (لم) كَقَولِهِ عَزَّ اسْمُهُ {فلا صَدَّقَ ولا صَلَّى}8 أيْ: لَمْ
يُصَدِّقْ ولَمْ يُصَلِّ. ويُنْشِدُ:

إنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا
وأيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا ألَمَّا؟


أيْ: وأيُّ عبدٍ لَكَ لم يُلِمَّ بِالذَّنْبِ.

(لَدُن)

بمعْنَى (عِنْد) كقولِهِ تَعَالَى {قد بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}9 أيْ: مِنْ
عِنْدِي. وكقولِهِ عَزَّ وجَلَّ {وألْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى البابِ}10 أيْ:
عِنْدَ البَابِ.

(لَيْسَ)

بمعْنَى (لَا) تَقُولُ العَرَبُ: ضَرَبْتُ زَيْدًا لَيْسَ عَمْرًا، أيْ لَا عَمْرًا،
وكما قَالَ لَبِيدٌ (إنَّما يَجْزِي الفَتَى ليْسَ الجَمَلْ) أيْ: لا الجَمَلُ.

(لَعَلّ)


بمعنى (كي) كما قالَ تعالَى {وأنْهَارًا وسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدون}11
يُرِيدُ كَيْ تَهْتَدُوا.

(ما)


بمعنى (مَنْ) كقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأُنْثَى}12 أيْ: ومَنْ
خَلَقَ، وكذلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {والسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا}13 إلى قَوْلِهِ {ونَفْسٍ
ومَا سَوَّاها}14 أيْ: ومَنْ سَوَّاهَا، وأهلُ مَكّةَ يَقُولُون إذَا سَمِعُوا
صَوْتَ الرَّعْدِ: سُبْحَانَ مَا سَبَّحَتْ لَهُ الرَّعد، أيْ: مَنْ سَبَّحَتْ
لَهُ الرَّعْدُ.

(في)

بمعنى (عَلَى) كَقَولِهِ تَعَالَى {ولأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ}15 لأنَّ
الجِذْعَ لِلْمَصْلُوبِ بِمَنْزِلَةِ القَبْرِ لِلْمَقْبُورِ. ويُنْشِدُ:

هُمُ صَلَّبوا العَبديَّ في جِذْعِ نَخْلَةٍ
فلا عَطَسَتْ شيبانُ إلَّا بِأجدَعَا


(مِنْ)

بمعنى (عَلَى) قَالَ تَعَالَى {ونَصَرْناهُ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبوا
بِآيَاتِنَا}16 أيْ: عَلَى القَوْمِ.

(حَتَّى)

بمعْنَى (إِلَى) كما قالَ تَعالَى {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ}17.


1 "8" من سورة الطلاق.
2 "33" من سورة التوبة
3 "7" من سورة الأنعام.
4 "43" من سورة الأنعام.
5 "7" من سورة الحجر.
6 "8" من سورة ص.
7 "23" من سورة عبس.
8 "31" من سورة القيامة.
9 "76" من سورة الكهف.
10 "25" من سورة يوسف.
11 "15" من سورة النحل.
12 "3" من سورة الليل.
13 "5" من سورة الشمس.
14 "7" من سورة الشمس.
15 "71" من سورة طه.
16 "77" من سورة الأنبياء.
17 "5" من سورة القدر.

عبد السلام بركات زريق 03-02-2023 09:01 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الرّابعُ والخمسونَ


في الاثْنَيْنِ يُنْسَبُ الفِعلُ إلَيْهِمَا وهُوَ لِأَحَدِهِمَا


وقَدْ تَقَدَّمَ في بَعضِ الفُصُولِ مَا يُقَارِبُهُ


قال الله تعالى {فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيَا حُوتَهُما}1 وكانَ
النِّسْيَانُ مِنْ أحَدِهِمَا لأنَّه قالَ {فإنِّي نَسِيْتُ الحُوتَ وَمَا
أَنْسَانِيهُ إلَّا الشَّيطانُ}2 وقالَ تَعَالَى {مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقيانِ}3
أيْ: كَلَاهُمَا يَجْتَمِعَانِ وأحدُهُمَا عَذبٌ والآخَرُ مِلْحٌ وبَيْنَهُما
بَرْزَخٌ أيْ حَاجِزٌ، ثم قال {يَخْرُجُ مِنْهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ}4
وإنَّما يَخْرُجُ مِنَ المِلْحِ لَا مِنَ العَذْبِ.


1 "61" من سورة الكهف.
2 "63" من سورة الكهف.
3 "19" من سورة الرحمن.
4 "22" من سورة الرحمن.

عبد السلام بركات زريق 03-02-2023 09:12 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الخَامسُ والخَمسونَ


في إقَامَةِ الإنْسَانِ مَقَامَ مَنْ يُشْبِهُهُ ويَنُوبُ مَنَابَهُ


من سُنَنِ العَربِ أنْ تَفْعَلَ ذَلكَ فَتَقُولُ: زَيْدٌ عَمْرٌو، أيْ كأنّه
هُوَ، أوْ يَقومُ مَقَامَهُ ويَسُدُّ مَسدَّهُ. وتَقُولُ أبُو يُوسُفَ أبُو
حَنِيفَةَ أيْ: في الفِقْهِ، والبُحْتُريُّ أبُو تَمّامٍ أيْ: في الشِّعْرِ، وفِي
القُرْآنِ {وأزْوَاجُهُ أمَّهَاتُهُمْ}1 أي هُنَّ مِثْلُهُنَّ في التَّحْرِيمِ،
ولَيْسَ المُرادُ أَنَّهنَّ وَالِدَاتٌ، إذْ جَاءَ في آيَةٍ أُخْرَى {إنْ أمَّهاتُهُمْ
إلا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ}2 فَنَفَى أنْ تَكونُ الأمُّ غَيرَ الوَالِدَةِ.


1 "6" من سورة الأحزاب.
2 "2" من سورة المجادلة.

عبد السلام بركات زريق 03-04-2023 09:31 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ السّادسُ والخَمسونَ


في إضَافَةِ الفِعْلِ إلَى مَا لَيْسَ بِفَاعِلٍ عَلَى الحَقِيقَةِ



مِنْ سُنَنِ العَرَبِ أنْ تُعَبِّرَ عَنِ الجَمَادِ بِفِعْلِ الإنْسانِ، كما
قالَ الرَّاجِزُ (امتَلَأ الحَوضُ وقال قَطْني)
ولَيْسَ هناكَ قَولٌ، وكمَا قالَ الشَّمَّاخُ:

كأنِّي كَسَوْتُ الرَّحلَ أحْقَبَ سَهْوَقًا
أَطَاعَ لهُ مِنْ رَامَتَينِ حَدِيقُ


فَجَعَلَ الحَدِيقَ مُطيعًا لِهذَا العَيْرِ لمَّا تَمَكَّنَ مِنْ رَعِيِهِ، والحَدِيقُ
لَا طَاعةَ لهُ وَلَا مَعْصِيةَ، وفي كِتابِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ {فَوَجَدا فِيهَا
جِدارًا يُريدُ أنْ يَنْقَضَّ}1 ولَا إرَادَةَ للجِدَارِ ولكنَّهُ مِنْ تَوَسُّعِ
العَربِ في المَجَازِ والاسْتِعَارَةِ، قال الصُّوليُّ: ما رأيْتُ أحَدًا أشَدَّ
بَذَخًا بالكُفْرِ مِنْ أبي فِرَاسٍ ولا أكْثَرَ إظْهَارًا لَهُ مِنْهُ ولَا أَدْوَمَ
تَعَبُّثًا بالقُرْآنِ، قالَ لِي يَوْمًا ونَحنُ في دَارِ الوَزيرِ أبي العَبَّاسِ
أحْمَدَ بْنِ الحُسَيْنِ نَنْتَظِرُ مَجِيئَهُ: هَلْ تَعرفُ لِلعَرَبِ إرَادَةً
لِغَيْرِ مُمَيِّزٍ؟ فَقُلْتُ: إنَّ العَرَبَ تُعَبِّرُ عَنِ الجَمَادَاتِ بِقولٍ ولا
قَوْلَ لَهَا، كَمَا قالَ الشَّاعِرُ (امْتَلَأَ الحَوضُ وقَالَ قَطْنِي) ولَيْسَ
ثَمَّ قَوْلٌ، قالَ: لمْ أُرِدْ هَذا وإنَّمَا أُرِيدُ في اللُّغةِ إرَادَةً لِغَيْرِ
مُمَيِّزٍ، وإنَّمَا عَرَّضَ بِقَولِهِ عَزّ وجَلَّ {فَوَجَدَا فِيها جِدَارًا يُريْدُ
أنْ ينْقَضَّ فأقامَهُ} فَأيَّدَني اللّهُ عزَّ وجلَّ بِأنْ تَذَكَّرتُ قَوْلَ
الرَّاعِي:

في مَهْمَهٍ فُلِقَتْ بِهِ هَامَاتُها
فَلْقَ الفُؤوسِ إذا أرَدْنَ نُصُولَا

فكأنّي أَلْقَمْتُهُ الحَجَرَ! وسُرَّ بِذَلكَ مَنْ كَانَ صَحيحَ النِّيَّةِ، وسَوَّدَ
اللّهُ وَجْهَ أَبي فِرَاس.
والعَرَبُ تُسّمِّي التَّهَيُّؤَ لِلفِعْلِ والاحْتِيَاجَ إلَيهِ إرَادَةً. قَالَ أبُو
مُحَمَّدٍ اليَزِيديّ: كُنْتُ والكِسَائيّ عِنْدَ العَبّاسِ بْنِ الحَسَنِ
العَلَويّ فَجَاءَ غُلامٌ لهُ وقَالَ: يا مَوْلَايَ كنتُ عِندَ فُلانٍ فإذَا
هُوَ يُريدُ أنْ يَموتَ فَضَحِكْنَا! فقالَ: مِمَّ ضحكْتُمَا؟ قُلنَا: مِنْ
قَوْلِهِ يُريدُ أنْ يَموتَ، وهلْ يُريدُ الإنسان أنْ يَموتَ؟ فَقَالَ
العَبَّاسُ: قَدْ قَالَ اللهُ تَعَالى {فَوَجَدا فِيها جِدَارًا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضَّ
فأقامَهُ} وإنما هَذَا مكانُ (يكاد)؛ فَتَنَبَّهْنَا والله أعلم.


1 "77" من سورة الكهف.

عبد السلام بركات زريق 03-05-2023 04:04 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ السّابعُ والخَمسونَ


في المَجَازِ


قالَ الجَاحِظُ: لِلعَربِ إقْدَامٌ عَلى الكَلَامِ، ثِقَةً بِفَهْمِ المُخَاطَبِ
مِنْ أَصْحَابِهِمْ عَنْهم كَمَا جَوَّزُوا قَوْلَهُ: أكلَهُ الأسْوَدُ، وإنَّما
يَذْهَبونَ إلَى النَّهْشِ واللَّدْغِ والعَضِّ، وأكَلَ المَالَ وإنَّما يَذهبونَ
إلى الإفْنَاءِ كمَا قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ {إنَّ الَّذينَ يَأكلونَ أمْوالَ
اليَتامَى ظُلْمًا إنَّما يَأكُلونَ في بُطونِهِمْ نارًا وسَيَصْلَونَ سَعيرًا}1
ولَعَلَّهمْ شَرِبُوا بِتلكَ الأمْوَالِ الأنْبِذَةَ ولَبِسُوا الحُلَلَ ورَكِبُوا
الهَمَالِيجَ، ولمْ يُنْفِقُوا مِنْها دِرهمًا في سَبِيلِ اللَّهِ إنما أُكِلَ،
وجَوَّزُوا: أكَلَتْهُ النَّارُ، وإنَّما أُبطَلَتْ عينَهُ.
وجَوَّزوا أيضًا أنْ يَقُولُوا: ذُقْتُ لِمَا لَيْسَ يُطْعَمُ وهُوَ قَوْلُ
الرَّجُلِ إذَا بَالَغَ في عُقُوبَةِ عَبْدِهِ: ذُقْ! وكيْفَ ذُقْتَهُ؟ أيْ
وَجَدْتَ طَعْمَهُ. قالَ اللهُ عزَّ وجَلَّ {ذُقْ إنَّكَ أنتَ العَزِيزُ
الكَرِيمُ}2 وقالَ عزَّ مِنْ قَائِلٍ {فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِباسَ الجُوعِ
والخَوفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}3 وقالَ تَعَالَى {فَذَاقُوا وَبَالَ
أمْرِهِمْ}4 ثُمَّ قَالُوا: طَعِمْتُ لغَيرِ الطَّعَامِ كمَا قَالَ العَرَجِيُّ:

فإنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النَّسَاءَ سِوَاكُمُ
وإنْ شِئْتُ لَمْ أَطْعَمْ نُقاخًا ولا بَرْدَا


قالَ اللّهُ تَعَالَى {فَمَنْ شَرِبَ مِنهُ فَليسَ منِّي ومن لمْ يَطْعَمهُ
فإنَّهُ منِّي}5 يُريدُ ومَنْ لَمْ يَذُقْ طَعْمَهُ. ولمَّا قالَ خَالدُ بْنُ
عبدِ اللّهِ في هَزِيمةٍ لَهُ: أَطْعِمُونِي مَاءً، قَالَ الشَّاعرُ:

بَلَّ السَّرَاوِيلَ مِنْ خَوفٍ ومِنْ دَهَشٍ
واسْتَطْعَمَ المَاءَ لمَّا جَدَّ في الهَرَبِ


فَبَلَغَ ذَلكَ الحَجاجَ فَقَالَ: مَا أيْسَرَ مَا تَعَلَّقَ فِيهِ يَا ابْنَ أخِي؟
ألَيْسَ اللّهُ تَعَالَى يَقُولُ {فَمَنْ شَرِبَ مِنهُ فَلَيسَ مِنِّي ومَنْ لَمْ
يَطعَمْهُ فَإنَّهُ مِنِّي}.
قالَ الجَاحِظُ فِي قَولِ اللّهِ عزَّ وجَلَّ {إنَّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِيْ أنْ
يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعوضَةً فَمَا فَوْقَها}6 يُريدُ فَمَا دُونَهَا، وهو
كقولِ القَائِلِ: فُلانٌ أَسْفَلُ النّاسِ، فَتَقُولُ: وفَوْقَ ذَلكَ! تَضَعُ
قَوْلَكَ(فَوقَ) مَكانَ قَوْلِهِمْ: هوَ شرٌّ مِنْ ذَلكَ. وقالَ الفَرَّاءُ: فَمَا
فَوْقَهَا في الصِّغَرِ، واللهُ أعْلمُ. قال المُبَرَّدُ: مَنَ الآياتِ الّتي رُبَّمَا
يَغْلَطُ في مَجَازِهَا النَّحَوِيُّونَ قَوْلَ اللّهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ
الشَّهْرَ فَلِيَصُمْهُ}7 والشَّهْرُ لَا يَغيبُ عَنْهُ أَحَدٌ. ومَجَازُ الآيةِ:
فَمَنْ كَانَ مِنْكمْ شَاهِدَ بَلْدَةٍ في الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ، والتَّقْدِيرُ:
فَمَنْ كَانَ شَاهدًا في شَهرِ رَمضانَ فَلْيَصُمْهُ، وَنَصَبَ (الشَّهرَ)
لِلظَّرْفِ لا نَصْبَ المَفْعُولِ.


1 "10" من سورة النساء.
2 "49" من سورة الدخان.
3 "112" من سورة النحل.
4 "5" من سورة التغابن.
5 "249" من سورة البقرة.
6 "26" من سورة البقرة.
7 "185" من سورة البقرة.

عبد السلام بركات زريق 03-06-2023 09:01 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّامنُ والخَمْسُونَ


في إقَامَةِ وَصْفِ الشَّيءِ مَقَامَ اسْمِهِ


كما قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ {وَحَمَلْناهُ عَلى ذَاتِ ألْوَاحٍ وَدُسُرٍ}1
يَعنِي السَّفِينَةَ، فَوَضعَ صِفَتَها مَوْضِعَ تَسمِيتِهَا. وقال تعالى
{إذْ عُرِضَ عَليهِ بالعَشِيِّ الصَّافِناتُ الجِيَادُ}2 يَعني الخَيْلَ.
وقالَ بَعضُ المُتَقَدِّمِينَ:

سألَتْ قُتَيْبَةُ عن أبِيهَا صَحْبَهُ
في الرَّوْعِ: هلْ رَكِبَ الأَغَرَّ الأَشْقَرا؟


يعني هلْ قُتِل، والأغرُّ الأشقرُ وَصْفُ الدَّمِ، فَأقَامَهُ مَقامَ
اسْمِهِ.
وقالَ بعضُ المُحدَثِينَ:

شِمْتُ بَرْقَ الوَزيرِ فانْهَلَّ حتّى
لم أجِدْ مَهْرَبًا إلى الإعْدَامِ

فكأنِّي وقَد تَقَاصَرَ بَاعِي
خابِطٌ في عُبَابِ أخضَرَ طَامِي


يعني البَحْرَ. وقال الحَجَّاجُ لابْنِ القَبَعْثَرَى: لأحْمِلَنَّك على
الأدْهَمِ، يَعنِي القَيدَ! فَتَجَاهَلَ عَليهِ وقَالَ: مِثْلُ الأميرِ
يُحْمَلُ على الأدْهَمِ والأَشْهَبِ.


1 "13" من سورة القمر.
2 "31" من سورة ص.

عبد السلام بركات زريق 03-06-2023 10:14 AM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ التاسعُ والخمسونَ


في إضَافَةِ الشَّيءِ إلى اللّهِ جَلَّ وعَلَا


العَربُ تُضيف بعْضَ الأشْياءِ إلى اللهِ عزَّ ذكرُهُ وإنْ كانَتْ كلُّهَا
لَهُ. فَتَقُولُ: بَيْتُ اللّهِ، وظِلُّ اللهِ، وناقَةُ اللّهِ. قالَ الجاحظُ:
كلُّ شَيءٍ أضافَهُ اللهُ إلى نَفْسِهِ فَقَد عَظَّمَ شأنَهُ وفَخَّم أمرَهُ،
وقَدْ فَعَلَ ذَلكَ بالنَّارِ، فقال {نارُ اللهِ الموقَدةُ}1 ويُروى أنَّ النبيَّ
صَلّى اللّهُ عَليهِ وسَلّمَ قالَ لِعُتَيْبة بْنِ أبِي لَهَبٍ (أكَلَكَ كَلْبُ الله)2
فَفِي هَذا الخَبَرِ فَائِدَتَانِ، إحْدَاهُمَا أنَّهُ ثَبَتَ بِذلكَ أنَّ الأسدَ
كَلبٌ، والثَّانِيَةُ أنّ اللهَ تَعَالى لَا يُضافُ إليهِ إلّا العَظِيمُ مِنَ
الأشْياءِ في الخَيرِ والشَّرِّ، أما الخَيرُ فَكَقَولِهِمْ: أرضُ اللهِ، وخليلُ
اللّهِ، وزُوَّارُ اللهِ، وأما الشَّرُّ فكقولِهِم: دَعْهُ في لَعْنَةِ اللّهِ
وسَخَطِهِ وأَلِيمِ عَذَابِهِ، وإلى نارِ اللّهِ وحَرِّ سَقَرِه.


1 "6" من سورة الهمزة.
2 قلتُ: يبدو أن الثعالبي قد نقل هذا النص من كتاب
الحيوان للجاحظ، 2/ 181-182، وحديث أكل الأسد
لعتيبة أو عتبة -على خلاف فيه- قد استفاضت به كتب
السيرة والتاريخ والأدب. أ هــ.

عبد السلام بركات زريق 03-06-2023 12:18 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ السّتونَ


في تَسْمِيَةِ العَرَبِ أبْنَاءَهَا بالشَّنِيعِ مِنَ الأَسْمَاءِ



هيَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ إذْ تُسَمِّي أبْنَاءَهَا بِحَجَرٍ، وكَلْبٍ، ونَمِرٍ،
وذِئْبٍ، وأَسَدٍ، وما أشْبَهَهَا، وكانَ بَعْضُهُمْ إذَا وُلِدَ لأحَدِهِمْ
وَلَدٌ سَمَّاهُ بما يَراهُ ويَسمعُهُ مِمَّا يَتَفَاءَلُ بهِ، فإنْ رَأى حَجَرًا
أو سَمِعَهُ تَأوَّل فيهِ الشِّدَّةَ والصَّلَابة والصَّبْرَ والبَقَاءَ، وإنْ
رَأَى كَلبًا تَأوَّل فيهِ الحِرَاسَةَ والأُلْفَةَ وبُعْدَ الصَّوتِ، وإنْ رَأى
نَمِرًا تأوَّلَ فيهِ المِنْعَةَ والتَّيَه والشَّكَاسَةَ، وإنْ رَأَى ذِئْبًا تَأوَّلَ
فِيهِ المَهَابَةَ والقُدْرَةَ والحِشْمةَ.
وقالَ بَعضُ الشُّعوبيَّةِ لابْنِ الكَلْبِيّ: لِمَ سَمَّت العَربُ أبْنَاءَهَا
بِكَلْبٍ وأَوْسٍ وأسَدٍ ومَا شَاكَلَهَا؛ وسَمَّتْ عَبِيدَهَا بيُسْرٍ وسَعْدٍ
ويُمْنٍ؟ فَقالَ وأَحْسَنَ: لأنَّها سَمَّتْ أبْنَاءَهَا لأعْدَائهَا، وسَمَّتْ
عَبيدَهَا لأَنْفُسِهَا

عبد السلام بركات زريق 03-06-2023 12:20 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
.
..
...
....
ثُمَّ نَبْتَدِئُ بِأبْنِيَةِ الأفْعَالِ فَنَقُولُ:
....
...
..
.

عبد السلام بركات زريق 03-09-2023 05:03 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الحادي والسّتونَ


في أبْنِيَةِ الأَفْعَالِ


في الأكْثَرِ الأَغْلَبِ


1 (فَعَّلَ)

يَكُونُ بمعنَى التّكْثِيرِ كقولِهِ عَزَّ وجَلَّ {وغَلَّقَتِ الأبْوابَ}1
وقولِهِ {يُذَبِّحونَ أبناءَكُمْ}2. وفَعَّلَ: يَكونُ بمعنَى أَفْعَلَ، نحو
خَبَّرَ وأخْبَرَ، وكَرَّمَ وأَكْرَمَ، ونزَّلَ وأنْزَلَ. ويَكُونُ مُضَادًّا لَهُ، نَحوَ
أفْرَطَ إذَا جَاوزَ الحَدَّ، وفَرَّطَ إذَا قَصَّرَ. قالَ الشَّاعِرُ:

لَا خَيْرَ في الإفْرَاطِ والتَّفْرِيطِ
كِلَاهُما عِنْدِي مِنَ التَّخْلِيطِ


وقُلتُ في كِتابِ المُبْهِجِ: إيّاكَ والإفْرَاطَ المُمِلَّ والتَّفْرِيطَ المُخِلَّ.
ويَكونُ فَعَّلَ بِنْيَةً لَا لِمَعْنَى، نحو كلَّمَ، ويَكونُ بمعنَى نَسَبَ،
نحوَ ظَلَّمَهُ: إذا نَسَبَهُ إلى الظُّلْمِ، وجَهَّلَهُ: إذَا نَسَبَهُ إلى الجَهْلِ.

2 (أفْعَلَ)

يَكونُ بمعنى فَعَل، نحو أَسْقَى وسَقَى، وأمْحَضَهُ الوِدَّ ومَحَضَهُ،
وقد يتَضادَّان نحو نَشَطَ العُقْدَةَ إذا شَدَّها، وأنْشَطَها إذَا حَلَّهَا.

3 (فاعَلَ)

يَكونُ بينَ اثْنَيْنَ نَحوَ ضَارَبَهُ، وبارَزَهُ وخاصَمَهُ وحارَبَهُ وقاتَلَهُ.
ويكونُ بمعنَى فَعَلَ كَقَولِهِ تَعَالَى {قَاتَلَهُمُ اللّهُ}3 أيْ: قَتَلَهُم،
وسَافَرَ الرَّجُلُ ويكُونُ بمعنَى فَعَّل نحوَ: ضَاعفَ الشيء وضَعَّفَهُ.

4 (تَفَاعَلَ)

يَكونُ بين اثْنَينِ وبَينَ الجَمَاعَةِ نَحْو: تَجَادَلا وتَنَاظَرا وتَحاكَمَا.
ويَكُوْنُ مِنْ وَاحدٍ نَحوَ تَراءَى لهُ، ويَكونُ بمعنَى أظْهَرَ نحو:
تَغَافَلَ وتَجَاهَلَ وتَمَارَضَ وتَسَاكَرَ، إذَا أظْهَرَ غَفْلةً وجَهْلًا
ومَرَضًا وسُكْرًا، ولَيْسَ بِغَافِلٍ ولا جَاهِلٍ ولا مريضٍ ولا سَكْرَانَ.

5 (تَفَعَّلَ)

يَكونُ بمعنَى فَعَّلَ نحو تَخَلَّصَهُ إذا خَلَّصَهُ، كمَا قالَ الشَّاعِرُ:

تَخَلَّصَنِي مِنْ غَفْلَةِ الغَيِّ مُنْعِمًا
وكنتُ زمانًا في ضَمَانِ إسارِهِ


وكمَا قالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:

تَهَدَّدَنا وَأَوْعِدْنا رُويدًا
متَى كُنَّا لأُمَّكَ مَقْتَوينا


ويَكونُ بمعنَى التَّكَلُّفِ نَحوَ تَشَجَّعَ وتَجَلَّدَ وتَحَلَّمَ. ويكون
لأَخْذِ الشَّيءِ نَحوَ: تَأدَّبَ وتَفَقَّهَ وتَعَلَّمَ. ويَكونُ تَفَعَّلَ بِمعْنَى:
افْعَلْ نَحوَ تَعَلَّمْ بمعنى اعْلَم، كَمَا قَالَ القَطَامِيُّ:

تَعَلَّم أنَّ بعْضَ الشَّرِّ خَيرٌ
وأنَّ لِهذِهِ الغُمَمِ انْقِشَاعَا


أيْ: أعْلَمْ.

6 (اسْتَفْعَلَ)

يَكونُ بمعْنَى التَّكلُّفِ نَحوَ استَعْظَمَ أيْ: تَعَظَّمَ، واستَكْبَرَ أيْ:
تَكَبَّرَ، ويَكونُ اسْتَفعَلَ بمعنَى الاسْتِدْعَاءِ والطَّلَبِ نَحوَ استَطْعَمَ
واستَسْقى واسْتَوْهَبَ. ويكونُ بمعنَى فَعَلَ نَحوَ اسْتَقَرَّ أيْ: أقَرَّ.
ويَكونُ بمعنَى صَارَ نَحوَ اسْتَنْوَقَ الجَمَلُ واسْتَنْسَرَ البُغاثُ، وقدْ
تَقدّمَ في باب السِّيناتِ.

7 (افْتَعَلَ)

يَكُونُ بمعْنَى فَعَلَ نَحْوَ: اشْتَوَى أيْ: شَوَى، واقْتَنَى أيْ: قَنى،
واكْتَسَبَ أيْ: كَسَبَ. ويَكُونُ لِحُدُوثِ صِفَةٍ نَحْوَ افْتَقَرَ وافْتَتَنَ.

8 (انْفَعَلَ)


هُوَ فِعلُ المُطَاوَعَةِ نحو كَسَرْتُهُ فانْكَسَرَ، وجَبَرتُهُ فَانْجَبَر،
وقَلَبْتُهُ فَانْقَلَبَ، وقَدْ تَقَدَّمَ لهُ ذِكْرٌ في بَابِ النُّونَاتِ.


1 "23" من سورة يوسف.
2 "49" من سورة البقرة.
3 "30" من سورة التوبة.

عبد السلام بركات زريق 03-16-2023 04:06 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّاني والسّتونَ


في أبْنِيَةٍ دَالّةٍ عَلى مَعَانٍ في الأغْلَبِ الأَكْثَرِ وقَدْ تَخْتَلِفُ


ما كَانَ عَلى (فَعَلانٍ) دَلَّ على الحَرَكةِ والاضْطِرَابِ، كالنَّزَوَانِ
والغَلَيَان والضَّرَبَانِ والهَيَجَانِ.
وما كانَ عَلَى (فَعْلانَ) دَلَّ على صِفاتٍ تَقعُ مِنْ أحْوَالٍ
كالعَطْشَانِ والغَرْثَانِ والشَّبْعانِ والرَّيَّانِ والغَضْبَانِ.
وما كانَ عَلى (أفعَلَ) دلَّ عَلى صِفَاتٍ بِالألْوَانِ نَحوُ: أَبْيَضُ
وأحْمَرُ وأسْوَدُ وأصْفَرُ وأخْضَرُ. وكذلِكَ العُيُوبُ تَكونُ عَلى
أَفْعَلَ نحوُ: أزْرَقُ وأحْوَلُ وأعْوَرُ وأقْرَعُ وأقْطَعُ وأعْرَجُ وأخْيَفُ.
وَتَكونُ الأَدْوَاءُ عَلى (فُعَالٍ) كالصُّدَاعِ والزُّكَامِ والسُّعَالِ
والخُناقِ والكُبادِ. والأصواتُ أكثرُهَا علَى هَذا: كالصُّرَاخِ
والنُّبَاحِ والضُّبَاحِ والرُّغَاءِ والثُّغَاءِ والخُوَارِ.
وفَصْلٌ آخرُ مِنهَا عَلى (فَعِيلٍ) كالضَّجِيجِ والهَرِيرِ والصَّهيلِ
والنَّهِيقِ والضَّغِيبِ والزَّئِيرِ والنَّعِيقِ والنَّعِيبِ والخَرِيرِ والصَّرِيرِ.
وحِكايَاتُ الأصْوَاتِ عَلى (فَعْلَلَةٍ) كالصَّرْصَرة والقَرْقَرَة والغَرْغَرَة
والقَعْقَعَة والخَشْخَشَة.
وأطعِمَةُ العَرَبِ عَلَى (فَعِيلَة) كالسَّخِينةِ والعَصِيدةِ واللَّفِيتَةِ
والحَرِيرَةِ والنَّقِيعَةُ والوَليمَة والعَقيقَةِ.
وأكثرُ الأدْوِيَةِ على (فَعُولٍ) كاللَّعُوق والسَّمُوطِ والوَجُورِ
واللَّدُود والذَّرُورِ والقَطُورِ والنَّطُولِ.
وأكثرُ العَاداتِ في الاسْتِكْثَارِ عَلى (مِفْعَالٍ) نحو مِطْعَانٌ
ومِطْعَامٌ ومِضْرَابٌ ومِضْيَافٌ ومِكْثَارٌ ومِهذَارٌ وامرأةٌ مِعطارٌ
ومِذْكَارٌ ومِئْنَاثٌ ومِتْئَامٌ.

عبد السلام بركات زريق 03-18-2023 03:25 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّالثُ والسّتونَ


في التّشْبِيه بِغيرِ أَدَاةِ التّشْبِيهِ



وهَذهِ طَرِيقَةٌ أنِيقَةٌ غَلَبَ عَليها المُحْدَثون المُتَقَدِّمِينَ؛ فَأَحْسَنُوا
وظَرُفُوا ولَطُفُوا. وأرَى أبَا نُواسٍ السَّابِقَ إِلَيها في قَوْلِهِ:

تَبْكِي فَتُلْقي الدُّرَّ مِنْ نَرْجِسٍ
وتَلْطِمُ الوَرْدَ بِعُنَّابِ


فَشَبَّهَ الدَّمْعَ بالدُّرِّ، والعَيْنَ بالنَّرْجِسِ، والخَدَّ بالوَرْدِ، والأنَامِلَ
بالعُنَّابِ مِنْ غَيْرِ أنْ يَذْكُرَ الدَّمْعَ والعَيْنَ والخَدّ والأنَامِلَ،
ومِنْ غَيرِ اسْتِعَانَةٍ بأداةٍ مِنْ أدوَاتِ التَّشْبِيهِ، وهي: كأنَّ
وكافَ التَّشْبِيهِ، وَحَسِبتُهُ كَذَا، وفُلَانٌ حَسَنٌ ولَا القَمَرُ،
وجَوَادٌ ولَا المَطَرُ. وقَد زَادَ أبو الفَرَجِ الوَأوَاءُ على أبي نُوَاسٍ
فخَمَّسَ ما ربَّعَهُ بِقَوْلِهِ:

وأمطَرَتْ لُؤْلُؤًا من نَرْجِسٍ وسَقَتْ
وَرْدًا وعَضَّتْ على العُنَّابِ بالبرَدِ

والزِّيَادَةُ في تَشبيهِ الثَّغْرِ بالبَرَدِ. ومِنْ هَذا البَابِ قَوْلُ أبي
الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي:

بَدَتْ قَمَرًا ومَالَتْ خُوطَ1 بَانٍ
وفَاحَتْ عَنْبَرًا ورَنَتْ غَزَالَا


وقَوْلُ أبي القَاسِمِ الزّاهِي:

سَفَرْنَ بُدُوَرًا وانْتَقَبْنَ أهِلَّةً
ومِسْنَ غُصونًا والتَفَتْنَ جَآذِرا

وقَوْلُ أبي الحَسَنِ الجَوْهَرِي الجُرْجَانِيِّ في الشَّرَابِ:

إذَا فُضَّ عَنْهُ الخَتْمُ فَاحَ بَنَفْسَجًا
وأشْرَقَ مِصباحًا ونَوَّرَ عُصْفُرَا


وقَوْلُ مُؤلِّفِ الكِتَابِ:

رَنَا ظَبْيًا وغَنَّى عَنْدَلِيبَا
ولَاحَ شَقائقًا ومَشى قَضِيبَا

وقَوْلُهُ أَيْضًا:

وَفِيكَ لَنَا فِتَنٌ أرْبَعٌ
تَسُلُّ عَلَيْنَا سُيُوفَ الخَوَارِجْ

لِحاظُ الظِّباءِ وطَوْقُ الحَمَامِ
ومَشيُ القِباجِ2 وزَيُّ التَّدَارِجْ3


ومِنْ هَذَا البَابِ قَوْلُ ابْنُ سُكَّرَةَ:

الخَدُّ وَرْدٌ والصَّدْغُ غَالِيَةٌ4
والرِّيقُ خَمْرٌ والثَّغْرُ من بَرَدِ


وقوْلُ القَاضِي عَبْدِ العَزِيزِ في المَدْحِ:

لِحَاظُكِ أقْدَارٌ وكَفُّكِ مُزْنَةٌ
وعَزْمُكِ صَمْصَامٌ ورَبعُكِ غِيْلُ5



1 خوط بانٍ: غصن بان، والبان شجرٌ معروفٌ بالرّخاوة
في أعواده.
2 القباج: الحجل والواحدة قبجة تطلق على المذكر
والمؤنث؛ وأراد الشاعر مشي ذوات القباج.
3 التدارج: جمع تدرج؛ والتدرج بسكون الدل وضم الراء
طائر أرقش حسن الصورة.
4 الغالية: أخلاط من الطيب، والجمع غوال.
5 الغيل: بفتح الغين وإسكان الياء هو اللبن الذي ترضعه
المرأة وهي حامل، الغلام السمين العظيم.

عبد السلام بركات زريق 03-18-2023 04:06 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الرّابعُ والسّتونَ


في إقَامَةِ العَمِّ مَقَامَ الأَبِ والخَالَةِ مَكَانَ الأُمِّ


قالَ اللهُ تعَالَى حِكايةً عَنْ بَنِي يَعْقُوبَ {أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ
حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوتُ إذْ قَالَ لِبَنيه ما تَعْبُدونَ من بَعْدِي؟
قَالُوا نَعْبُدُ إلهَكَ وإلهَ آبَائِكَ إبْراهيمَ وإسْماعيلَ وإسحاقَ}1
وإسْمَاعيلُ عَمُّ يَعْقُوبَ فَجَعَلَهُ أَبًا. وقَالَ في قِصّة يُوسُفَ
{ورَفَعَ أبَوَيْهِ عَلَى العَرْشِ}2 يَعْنِي أبَاهُ وَخَالَتَهُ، وكانَتْ أمُّهُ
قَدْ مَاتَتْ فَجَعَلَ الخَالَةَ أمًّا.


1 "133" من سورة البقرة.
2 "100" من سورة يوسف.

عبد السلام بركات زريق 03-18-2023 05:05 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 

الفصلُ الخَامسُ والسّتونَ



في تَقَارُبِ اللَّفْظَيْنِ واخْتِلَافِ المَعْنَيَيْنِ


حَرِجَ: فُلانٌ إذَا وَقَعَ في الحَرَجِ، وتَحَرَّج: إذا تَبَاعَدَ عن الحَرَج.
وكذلك أثِمَ وتَأَثَّمَ. وَهَجَدَ: إذا نَامَ، وتّهَجَّدَ: إذا سَهِرَ. وفَزِعَ
فلان: إذا أتَاهُ الفَزَعُ، وفُزِّعَ عنهُ إذَا نُحِّيَ عَنهُ الفَزَعُ، وفي
كتابِ اللّهِ {حتّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلوبِهِمْ}1 أي أُخرِجَ الفَزَعُ
عَنْهَا. ويُقالُ: امْرَأةٌ قَذُورٌ، أي: مُتصوِّنَةٌ عنِ الأقْذَارِ، واللَّفْظُ
يُشْبِهُ ضِدَّ ذَلكَ.


1 "33" من سورة سبأ.

عبد السلام بركات زريق 03-19-2023 02:38 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ السّادسُ والسّتونَ


في وُقُوعِ فِعلٍ وَاحِدٍ عَلى عِدَّةِ مَعَانٍ


مِنْ ذَلكَ قُوْلُهُمْ: قَضَى بمعْنَى حَتَمَ، كَقَوْلِهِ تَعالى {فلمَّا قَضَيْنَا
عَليْهِ المَوْتَ}1. وقَضَى بِمَعْنَى أَمَرَ، كَقولِهِ تَعَالَى {وقَضَى رَبُّك ألَّا
تَعْبُدُوا إلَّا إيّاهُ}2 أي: أمَرَ. ويَكونُ قَضَى بمعنى صَنَعَ، كقولِهِ
تعالَى {فاقضِ مَا أنتَ قَاضٍ}3 أيْ: فاصْنَعْ مَا أنْتَ صَانِعٌ. ويَكونُ
قَضَى بمعْنَى حَكَمَ، كما يُقالُ للحاكِمِ قَاضٍ. وقَضَى بمعْنَى أعْلَمَ،
كقولِهِ تَعَالَى {وقَضَيْنَا إلى بَنِي إسْرَائِيلَ في الكِتَابِ}4 أيْ أعْلَمْنَاهُمْ.
ويُقالُ للمَيِّتِ قَضَى إذَا فَرَغَ منَ الحَيَاةِ، وقَضَاءُ الحَاجَةِ مَعْرُوفٌ
ومِنْهُ قولُهُ تَعَالَى {إلّا حَاجَةً في نَفْسِ يَعْقوبَ قَضَاهَا}5.
ومِنْ هَذا البَابِ قَولُهُ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ}6 أيْ: الصَّلَاةَ
المَعْرُوفَةَ. وقَولُهُ عَزَّ وجَلَّ {وصَلِّ عَلَيهِمْ إنَّ صَلاتَكَ سِكَنٌ لَهُمْ}7
أيْ: ادْعُ لَهُمْ. وقَوْلُهُ {إنَّ اللّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبِيِّ يا أيُّها
الّذِينَ آمَنٌوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْليمًا}8، فالصَّلاةُ من اللهِ:
الرِّحْمَةُ، ومن المَلَائِكَةِ الاسْتِغْفَارُ، ومِنَ المُؤْمِنِينَ: الثَّنَاءُ والدُّعَاءُ،
والصَّلاةُ: الدِّيْنُ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى في قِصَّةِ شُعَيْبَ {أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ}9
أيْ دِيْنُكَ. والصّلاةُ: كَنَائِسُ اليَهُودِ، وفي القُرْآنِ {لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ
وبِيَعٌ وصَلَواتٌ ومَساجِدُ}10.


1 "14" من سورة سبأ.
2 "33" من سورة الإسراء.
3 "72" من سورة طه.
4 "4" من سورة الإسراء.
5 "68" من سورة يوسف.
6 "2" من سورة الكوثر.
7 "103" من سورة التوبة.
8 "56" من سورة الأحزاب.
9 "87" من سورة هود.
10 "40" من سورة الحج.

عبد السلام بركات زريق 03-19-2023 02:47 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ السّابعُ والسّتّونَ



في كَلِمَةٍ واحِدةٍ مِنَ الألْفَاظِ تَخْتَلِفُ مَعَانِيها بِاخْتِلَافِ مَصْدَرِهَا


ولَيْسَ لِلْعَربِ كَلمةٌ مِثْلُهَا


هِيَ قولُهُم (وَجَدَ) كَلِمَةٌ مُبْهَمَةٌ، فإذا صُرِّفَت قيل في1 ضِدِّ
العَدَمِ: وُجودًا، وفي المال: وُجْدًا، وفي الغَضَبِ: مَوْجِدَةً، وفي
الضَّالَةِ: وِجْدانًا، وفي الحُزْنِ: وَجْدًا.


1 قصد المؤلف التمثيل بالمفعول المطلق دون نظرٍ إلى ما يقتضيه
السياق من الإعراب ورفع ما بعد الفعل المبني للمجهول.

عبد السلام بركات زريق 03-19-2023 05:17 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّامنُ والسّتون


في وُقُوعِ اسْمٍ وَاحِدٍ عَلى أشْيَاءَ مُخْتَلِفةٍ


مِنْ ذَلك عَيْنُ الشَّمْسِ، وعَيْنُ المَاءِ، ويُقالُ لكلِّ واحدٍ مِنْهُمَا:
العَيْنُ، والعَيْنُ النَّقْدُ من الدَّرَاهِمِ، والعَيْن الدَّنانيرُ، والعَيْنُ
السَّحابةُ من قِبَلِ القِبْلَةِ، والعَيْنُ مَطَرُ أيَّامٍ لا يُقْلِعُ، والعَيْن
الدَّيْدَبانُ والجَاسُوسُ والرَّقِيبُ، وكلُّهُمْ قَريبٌ مِنْ قَريبٍ.
ويُقالُ في المِيزانِ عَيْنٌ إذا رَجَحَتْ إحْدَى كَفَّتَيهِ على الأُخْرَى.
والعَيْنُ عَينُ الرَّكيَّةِ، وعَيْنُ الشَّيءِ نَفْسُهُ. وعَيْنُ الشّيءِ خِيارُهُ.
والعَيْنُ البَاصِرَةُ، والعَينُ مَصْدَرُ عَانَهُ عَيْنًا.
ومِنْ ذَلكَ الخَالُ أخُو الأمِّ، ونَوعٌ من البُرُودِ، والاخْتِيَالُ
والغَيْمُ ووَاحِدُ الخِيْلَانِ.
ومِنْ ذَلكَ الحَمِيمُ يقعُ على الماءِ الحَارِّ، والقُرآنُ نَاطقٌ بِهِ1
قَالَ أبُو عمرٍو: والحَمِيمُ المَاءُ البَاردُ، وأنْشَدَ:

فَسَاغَ ليَ الشَّرابُ وكُنتُ قَبْلًا
أكادُ أغَصُّ بالمَاءِ الحَمِيمِ


والحَمِيمُ الخَاصُّ، يُقال: دُعِينَا في الحَامَّةِ لا في العَامَّةِ،
والحَمِيمُ العَرَقُ، والحَمِيمُ الخِيَارُ مِنَ الإبِلِ، ويقال: جاء
المُصَدِّقُ فَأخَذَ حَمِيمَهَا أيْ خِيَارَهَا.
(ومِنْ ذَلكَ المَوْلَى)
هُوَ السَّيِّدُ، والمُعْتِقُ، والمُعْتَقْ، وابْنُ العَمِّ، والصِّهْرُ، والجَاُر
والحَلِيفُ.
(ومِنْ ذَلكَ العَدْلُ)
هُوَ الفِدْيَةُ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {ولَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}2 أيْ فِدْيَةٌ،
والمِثْلُ، مِنْ قَولهِ تَعَالى {أوْ عَدْلُ ذَلكَ صِيامًا}3، والعَدْلُ القِيمَةُ،
والرَّجُلُ الصَّالحُ، والحَقُّ؛ وضِدُّ الجَورِ.
(ومِنْ ذَلكَ المَرَضُ)
المَرَضُ في القَلْبِ هُوَ الفُتُورُ عنِ الحَقِّ، وفي البَدَنِ فُتُورُ الأعْضَاءِ،
وفي العَيْنِ فُتُورُ النَّظَرِ.


1 {والّذينَ كَفروا لهمْ شَرابٌ من حَمِيمٍ وعَذابٌ أليمٌ بما كانوا
يكفرونَ} 4 من سورة يونس.
2 "48" من سورة البقرة.
3 "95" من سورة المائدة.

عبد السلام بركات زريق 03-19-2023 05:27 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ التاسعُ والسّتون


في الإبْدَالِ


مِنْ سُنَنِ العَرَبِ إبْدَالُ الحُرُوفِ، وإقَامَةُ بَعْضِهَا مَكانَ
بَعْضٍ، في قَوْلِهِمْ: مَدَحَ، وَمَدَهَ، وَجَدَّ، وَجَذَّ، وخَرَمَ، وخَزَمَ،
وصَقَعَ الدِّيكُ، وسَقَعَ، وفاضَ أيْ: مَاتَ، وفاظَ، وفَلَقَ اللهُ
الصُّبحَ وفَرَقَهُ. وفي قَوْلِهِمْ: صِرَاطَ وسِرَاطَ، ومُسَيْطِرٍ
ومُصَيطِرٍ، ومَكَّةَ وبَكَّةَ.

عبد السلام بركات زريق 03-19-2023 05:37 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفَصلُ السّبعونَ


في القَلْبِ


مِنْ سُنَنِ العَربِ القَلْبُ في الكَلِمَةِ وفي القِصَّةِ. أما في
الكَلِمَةِ فَكَقولِهِمْ: جَذَبَ وجَبَذَ، وضَبَّ وبَضَّ، وبَكَلَ
ولَبَكَ، وطَمَسَ وطَسَمَ.
وأمَّا القصَّة فكَقَولِ الفَرَزْدَقِ:

كَمَا كانَ الزِّناءُ فَرِيضَةَ الرَّجْمِ

أيْ كَمَا كان الرَّجمُ فَريضَة الزِّنا. وكَمَا قَالَ:

وتَشْقَى الرِّمَاحُ بِالضَّيَاطِرَةِ1 الحُمْرِ

أيْ وتَشْقَى الضَّيَاطِرَةُ الحُمْرُ بالرِّمَاحِ، وكمَا يُقالُ:
أَدْخَلْتُ الخَاتَمَ في إصْبَعي، وإنَّما هو إدْخَالُ الأُصبع في الخَاتَمِ.
وفي القُرْآنِ {مَا إنَّ مفاتِحَهُ لَتَنوءُ بِالعُصْبَةِ أُولِي القُوَّةِ}2 وإنَّما
العُصبةُ أولُوا القُوَّة تَنوءُ بالمَفَاتِيحِ.


1 الضياطرة: جمع ضيطار وضياطر، لم أجد هذا الشرح في المعاجم؟
وقد وردت الضياطرة جمع ضَوْطَر وضَيْطر وضيطار ومعناها
العظيم أو الضخم اللئيم العظيم الاست. انظر القاموس المحيط
وغيره من المعاجم.
2 "76" من سورة القصص.

عبد السلام بركات زريق 03-20-2023 02:36 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الواحد والسّبعون


في تَسْمِيةِ المتَضَادَّيْنِ بِاسْمٍ وَاحِدٍ


هِيَ من سُنَنِ العَرَبِ المَشْهُورةِ، كقولِهِمْ: الجَونُ للأَبْيَضِ
والأسود، والقُرُوءُ للأطْهَارِ والحَيْضِ، والصَّرِيمُ لِلَّيلِ والصُّبحِ.
والخَيْلُولَةُ للشَّكِّ واليَقِينِ. قالَ أبُو ذُؤَيْبٍ:

فَبَقيتُ بَعْدَهُمُ بِعَيْشٍ ناصِبٍ
وَإِخالُ أنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَعُ


أي وأتَيَقَّنُ.
والنِّدُّ المِثْلُ والضِّدُّ. وفي القُرآنِ {وتَجْعَلونَ لهُ أَنْدَادًا}1 على
المَعْنَيَيْنِ.
والزَّوجُ الذَّكَرُ والأُنْثَى.
والقانِعُ السَّائِلُ والّذِي لَا يَسْأَلُ.
والنَّاهِلُ العَطْشَانُ والرَّيَانُ.


1 "9" من سورة فصلت.

عبد السلام بركات زريق 03-20-2023 02:46 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّاني والسّبعونَ


في الإتْبَاعِ


هُوَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ، وذَلكَ أنْ تَتْبَعَ الكَلِمَةُ الكَلِمَةَ عَلَى
وزْنِهَا ورَوِيِّها إشْبَاعًا وتَوْكِيدًا اتِّسَاعًا كَقولِهِمْ: جَائِعٌ نَائِعٌ،
وسَاغِبٌ لَاغِبٌ، وعَطْشَانُ نَطْشَانُ، وصَبٌّ ضَبٌّ، وخَرَابٌ
يَبَابٌ. وقَدْ شَارَكَتِ العَرَبُ العَجَمَ في هَذا البَاب.

عبد السلام بركات زريق 03-20-2023 02:59 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفصلُ الثّالثُ والسّبعونَ


في اشْتِقَاقِ نَعْتِ الشّيءِ مِنِ اسْمِهِ عِنْدَ المُبَالَغَةِ فِيهِ


ذَلكَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ كَقَوْلِهِم: يَوْمٌ أيْوَمُ، ولَيْلٌ ألْيَلُ، ورَوْضٌ
أَرْيَضٌ، وَأَسَدٌ أَسِيدٌ، وصُلْبٌ صَلِيب، وصَدِيقٌ صَدُوقٌ،وظِلٌّ
ظَلِيلٌ، وحِرْزٌ حَرِيزٌ، وكِنٌّ كَنِينٌ، وداءٌ دَوِيٌّ.

عبد السلام بركات زريق 03-20-2023 03:03 PM

رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
 
الفَصلُ الرَّابعُ والسّبعونَ


في إخْرَاجِ الشّيءِ المَحْمُودِ بِلَفْظٍ يُوهِمُ ضِدَّ ذَلكَ


كما يُقالُ: فُلانٌ كَرِيمٌ غَيرَ أنَّهُ شَرِيفٌ، ولَئِيمٌ غَيرَ أنّهُ
خَسِيسٌ، وكَمَا قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانيّ:

وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيرَ أنَّ سُيوفَهُمْ
بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِراعِ الكَتَائِبِ


وكمَا قالَ النَّابِغَة الجَعْدِيُّ:

فَتًى كَمُلَتْ أخْلاقُهُ غَيرَ أنَّهُ
جَوَادٌ فَمَا يُبْقِي مِنَ المَالِ بَاقِيَا


وقالَ بعضُ البُلَغَاءِ: فُلَانٌ لَا عَيبَ فِيهِ غَيرَ أنَّ لَا عَيْبَ
فِيهِ يَرُدُّ عَينَ الكَمَالِ عَنْ مَعَالِيهِ.


الساعة الآن 02:00 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team