منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=7)
-   -   أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية. (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=6821)

ايوب صابر 05-21-2012 02:11 PM

عندما عدت بالأمس إلى البيت وجدت العزيز خالد يوسف وقد نقل هذا الموضوع
شكراً أخي خالد
بالأمس كنت عائداً من رابطة الأدباء في الكويت وكان النشاط كعادته يوم الإثنين خاص بالأدباء الشباب ، في هذا اليوم كان النشاط عبارة عن دعوة للروائي إسماعيل فهد ليتحدث عن تجربته وعن ذاته وليتلقى الأسئلة من الأدباء الشباب بغية الفائدة لكن الذي حصل أن غاب الشباب ( تقريباً ) وحضر الكبار ( سناً )
للذي لم يقرأ إسماعيل فهو كاتب من طراز جميل تناول مجمل قضايا أمته وقضايا بلده وبعد الانقلابات الكبرى بدأ يتشاكل مع التراث والثقافي بوجه عام بتقنيات روائية جميلة .
إسماعيل فهد إنسان ودود غاية في اللطف ، يتساوى عنده في التقدير والاحترام الكبير والصغير ويجبرك بلطفه على صداقته .
قد يقول قائل أن اسماعيل فهد كويتي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ، لكنه وحسب تصريحه بالأمس شعر بكويتيته فقط لحظة الاحتلال وغاب عنه هذا الشعور لحظة التحرير . تحدث عن هويته قائلاً عشت في العراق ربع قرن بالتمام وكنت أعامل على أني كويتي واعتقلت فيها أربع مرات ـ بسبب مواقفه اليسارية ـ عدت إلى الكويت معلماً وكنت أعامل على أني عراقي ( مع علمهم بأني كويتي )
عقب التحرير سافر إلى الفلبين وبقي عدة سنوات أنجز فيها سباعيته .
متواضع إلى الحد الذي ينكر فيه ذاته وقيمته إذ عندما سئل عن كتابة السيرة الذاتية قال : وما الذي يشكله إسماعيل فهد في حياة مجتمعه أو وطنه العربي ليقدم سيرته للناس متسائلاً من هو إسماعيل في المحصلة .
عرفته منذ سنوات وخلال هذه السنوات لم أشعر تجاهه بغير كونه صديقاً حميماً يشاطرك آلامك وأفراحك .
في جلسة الأمس كان شفافاً لدرجة ذكرني فيه وهو يتحدث بهذا الألم والصدق بفلم تسجيلي عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي أخرجه المخرج السوري عمر أميرلاي للتلفزيون الفرنسي وكان بطل الفلم او المتحدث فيه سعد الله ونوس الذي قال عنه المخرج الاسرائيلي الذي أخرج الفلم نفسه من وجهة نظر إسرائيلية . قال : أمام هذا الصدق الجارح لاتملك إلا أن تشعر بالإكبار لهذا الرجل .
في صدد موقفه من الغزو العراقي قال بصراحة أنا من أشد المؤيدين للوحدة العربية ولو بالقوة ولكن على ألا يفرض عليك هذه الوحدة رجل تلطخت أياديه بدماء شعبه و هجر الملايين من شعبه

ايوب صابر 05-21-2012 02:11 PM

إسماعيل فهد إسماعيل... ارتحالات الإنسان وعبور المكان وملحمة الوطن
[
attachmentid=1902]


لا يزال الإنسان محور الفكر والإبداع، مهما حاولت الآلة العصرية تجريده من كينونته النفسية وحقيقة وجوده الفطري والعقلي والمكاني، في مواجهة تسلحت بها التكنولوجيا بكل مهارات الذكاء والسيطرة وقوة التحمل، بما يجعلها سلاحا مسلطا على رقاب الأحياء في هذا العالم الممتد بتاريخه الواسع وحضارته العريقة وحداثته العصرية.
فالإنسان سيد العالم، تحكم عبر قرون طويلة في رسم معالمه ووضع جاداته الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الكثيرة في طريق البشرية، وما يوازيها في هذه المملكة الأرضية، ليتجاوز حدودها نحو جارتها السماوية، وكأن المكان هنا لم يعد يحتمله عقـل الإنسان، فآثر الانطلاق إلى الضفاف الأخرى، علّه يجد خارج الأقفاص الأرضية لغات مشتركة، يحمل معه إخفاقات واقعه الأرضي وما انطوى في بقعة داكنة لكائن الظل، في زمن بات يعاني العزلة في أكثر من مكان.
من هنا، كانت اللغة حبلا سميكا يخطو فوقه هذا الإنسان عدة خطوات، خطوة في الحلم، وأخرى تنعي سماء نائية كانت زرقاء في يوم ما.
هكذا هي ملامح الأدب عند الروائي الكويتي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل، لكوننا سنلاحظ ارتحالا واضحا لإنسان رواياته وقصصه، يتجاوز نطاق الواقع و إحداثياته إلى ما هو أبعد من هنا أو أقرب من هناك. وكأن الكاتب لم يكتف بواقعية وجوده في بعض هذه الأمكنة، وإنما استعار أيضا ذلك الارتحال النفسي لشخصياته، وربما لنفسه أيضا، بما يهيئ المتلقي للقبول بوجوده في غير هذه الأمكنة.
يرتبط المكان في أدب إسماعيل بذلك الوجود النفسي الذي يستظل به الكاتب في رحلة الكتابة والفكر، في البحث عن ذلك الوجد الخالص بعد معاناة الإنسان الكامن فيه، وغربة المكان محل التجربة الروحية. ولا يقصد هنا بالغربة، ذلك المنفى الذي يُقصي الإنسان عن وطنه، أو الذي يهرب إليه من نفسه، وإنما هي العدم الذي يصنع منه الكاتب شيئا في العزلة، يزيد هالة الإبداع ألقاً وتألقا في مخاطبة العقول، بعيدا عن ضوضاء وصراع هوس قديم، بتحطيم كل ما هو جميل وجديد!
في كتاباته الإبداعية، لمسنا ذلك الارتحال الدائم للإنسان عند إسماعيل بين مواطن عدة، استنطق فيها عذابات المكان والهواجس التي تسكن بين زوايا زمنه، بسبب صراع الأفكار واختناق أشكال شخصياته بمختلف الأحاسيس والمشاعر وأنماط الإدراك المتحولة ما بين مرجعيات أيديولوجية عدة. فأصبح المكان حلبة تتصارع فيها أفكار الكاتب، والتي استرجع فيها الكثير من حوادث الزمان في ذات المكان، ليكون عنصر التأزيم وانفراج العقدة... الإنسان نفسه.
فرواية مهمة في أدب إسماعيل وهي «كانت السماء زرقاء»، والتي وصفها الشاعر العربي صلاح عبد الصبور بأنها من أهم الروايات التي صدرت في أدبنا العربي حتى الآن، وذلك في معرض تقديمه لها في طبعتها عام 1970. عندما تقرأ تلك المضامين التي حملتها سطور النص، والرؤى التي حبلت بها، ستجد أن قارئا معينا يخاطبه الكاتب، وإن تغلّف النص بأنسجة ملونة تغري البعض العابر على النص دون مضمونه، سيجد مأساة الثوار الذين تأكلهم الثورة بعد تصفية الحسابات والمصالح بينهم دون أن يشفع لهم كفاحهم الثوري أو أن يفسح لهم المجال لإثبات حقيقة ما كانوا يؤمنون به، فالمكان الذي كان مشتعلا بثورتهم، بات جحيما يهربون منه إلى أراضي الغير، وإن كانت أرض أعداء الأمس أو باتت لهم منفى اليوم، وهنا تكمن سخرية الزمن في تبدل وجه المكان وهروب الإنسان منه و إليه، و إن كان قابعا بين زواياه المترامية وسمائه الزرقاء، ويكفينا ما سرده الكاتب على لسان الرجل الهارب في حواره مع ضابط الثورة الهارب أيضا عندما سأله الأخير:
- متى يأتي النهار؟
- بعدما تتم الأرض دورتها.
- وأنا أتممت دورتي الخاصة.
- وأنا أدور بصورة عكسية.
- ألا زلت مصرا على الهرب؟
- بلى.
- إذاً فأنا قد حبستك إلى جانبي نهارا كاملا!
- أنا حبست نفسي. لحـد الآن لم أتخذ قرارا قطعيا بالنسبة للمكان الذي سأتجه إليه. «فالمكان هنا أصبح جحيما ومخبأً في ذات الوقت والموقع.
في حين، يأتي المكان في صورة مغايرة في رواية «مستنقعات ضوئية»، حيث يتكور في موقع مغلق على من فيه «السجن»، إلا أن الكاتب استطاع أن يرحل بشخصياته إلى خارج السجن، و ما ارتسم في ذهنية بطل الرواية «جاسم صالح» المختبئ وراء لقب «حميدة» من فضاءات أبعد من سقف الزنزانة أو أرض الأشغال الشاقة وشمسه الحارقة، فما كان الظل في فترات الراحة سوى عبور تلك الأمكنة إلى ذات الإنسان، فتتداعى معها صور الأفق المفتوح، باستحضار من هم... من هناك... من خارج مكان السجن. ليكون المكان هنا «السجن» حرية في شكل آخر، خلاف ذلك المكان الخانق «خارج السجن».
ثم تحول المكان في رواية «الشياح» إلى ملجأ في زمن الحرب الأهلية اللبنانية، اجتمع فيه الأفراد من كل شارع وأيديولوجيا، خلقوا في مكانه المعتم والبعيد عن شمس النهار ونجوم الليل عالما مفتوحا فضاءات من سلوكيات شخصيات المكان، والذين اختلفوا عن بعضهم في ذلك. والمكان «الملجأ» لم يكن مقصورا في كونه ملاذا من أذى الحرب ورصد القناصة، بقدر ما كان ملاذا للجميع من حياتهم في خارج المكان.
ويمضي الإنسان بارتحالاته في روايات إسماعيل، ليتجول بين العراق ولبنان ومصر والمغرب وسورية والخليج، ليعود إلى الكويت التي لم يغادرها بل عبرت إليه في كثير من تداعيات الروح الساكنة بها والنفس الكاتبة في جمالها. ولعل أجمل ما نُقل عن إسماعيل فهد إسماعيل عندما سئل، كيف استطعت أن تكتب عن الكويت «هنا» وأنت بعيد في الفلبين «هناك»... فأجاب أنه يراها «الكويت» أجمل. ليتمخض عن ذلك الشعور بالانتماء لهذا المكان «الكويت» أجمل وأروع وأهم أعماله الروائية وأضخمها إنتاجا وإبداعا، وأعني السباعية إحداثيات زمن العزلة» وهي رواية ملحمية عن الوطن إبان غزو النظام الصدامي للكويت، وكيف أن الكاتب صرّح بأن هويته الوطنية وانتماءه للمكان «الوطن» تعمّق أكثر عن ذي قبل، فكانت المواطنة جوهر مداد قلم إسماعيل في الكتابة عن هنا... المكان/ الوطن. ليقدم لنا نموذجا رائعا في تعلق الإنسان بوطنه، وأنه مصدر إلهام هذا الإبداع، دون إدعاء أن المكان الآخر (المنفى أو المهجر سمّه ما شئت) هو نبع ذلك الإبداع، فلولا الوطن ما كان للمغترب أن يراه في إبداعه وإحساسه، ولولاه – و هو المكان الأول – لما كانت هذه الارتحالات و هذا العبور الدائم له بين سطور القلم. وفي غمرة العزلة التي قد يختارها الكاتب، إلا أنها جاءت مغايرة هنا: «لكنك حيثما وليت شأنك يبقى الوطن تحت جلدك. إذ إن المكان البديل أشبه بالفتيل... قابل لتنكرك عليه... ليس إحساسا بالغربة، لكنه آخذ بالخواء، ومن ثم لامناص من أن تقفل عائدا». وهكذا الإنسان والمكان والوطن عند إسماعيل فهد إسماعيل.
فهد توفيق الهندال*

* كاتب وناقد

الراي الكويتيه.اليوم.

ايوب صابر 05-21-2012 02:12 PM

ملتقى شاهندة للإبداع الروائي الخليجي ... (2)
يكرمه ملتقى شاهنده للابداع الروائي

إسماعيل فهد إسماعيل يعلو ويستحق هذا التحليق

يكرم “ملتقى شاهنده للإبداع الروائي الدورة الأولى” والذي تنظمه دائرة الثقافة والاعلام في عجمان الأديب والروائي الكويتي اسماعيل فهد اسماعيل تقديراً لمكانته الأدبية وإسهامه في ترسيخ فن الرواية في الكويت ومنطقة الخليج العربية.

لا يختلف اثنان على أن إسماعيل فهد إسماعيل هو المؤسس الحقيقي لفن الرواية في الكويت، فهو من الروائيين الذين وضعوا بصمتهم الواضحة في مسيرة الرواية العربية منذ أن أصدر روايته الأولى “كانت سماء زرقاء” في القاهرة في العام 1970. وإن كانت مجموعته القصصية الأولى “البقعة الداكنة” قد صدرت في العام ،1965 إلا انه انطلق في عالم الرواية، حيث توالت رواياته والتي بلغت أكثر من عشرين عملا الى جانب مجموعاته القصصية ودراساته التي تناولت القصة والرواية.

نواف يونس
ومن أهم رواياته “الاقفاص واللغة المشتركة”، و”المستنقعات الضوئية” و”الحبل” و”الشياح” و”الطيور والأصدقاء” و”النيل يجري شمالاً”، و”أحداثيات زمن العزلة” وهي سباعية تشمل عدة روايات “الشمس في برج الحوت” و”الحياة وجه آخر”، و”قيد الأشياء” و”دوائر الاستمالة” و”ذاكرة الحضور” و”العصف”، وقد نال جوائز عدة من أهمها جائزة الدولة التشجيعية في مجال الرواية في العام ،1989 وأيضا جائزة الدولة التشجيعية في مجال الدراسات النقدية في العام ،2002 الى جانب انه واحد من افضل 100 روائي عربي خلال المائة عام الفائتة. ولم يكتف إسماعيل فهد إسماعيل بذلك، وهو يرسخ مكانته الأدبية كقامة متميزة في المسيرة الإبداعية، ولكنه استكمل دوره الحضاري كمبدع له بعده الإنساني في ذاكرة المكان والوطن، فقام بدعم وتشجيع الأجيال الشابة الجديدة من كتّاب القصة والرواية في الكويت، وأسهم في بروز العديد من المواهب الأدبية الشابة التي يرى أن المستقبل في الخليج العربي عموماً والكويت خصوصا هو للرواية لأنها الجنس الأدبي الأقدر على تصور المتغيرات التي حدثت وأثرت في البعد الاجتماعي والفكري للمجتمع والإنسان الخليجي.

عاش إسماعيل فهد إسماعيل مسافرا لا يستقر في مكان فقد مر بتجربة حياتية عمقت من انتمائه للمكان والوطن، حيث عاش فترة صباه في العراق وكتب فيها “الحبل” وانطلق بروايته الاولى “كانت سماء زرقاء” من القاهرة، ثم استقر في وطنه الكويت ليستكمل مسيرته الإبداعية، التي تناول في مجملها قضايا أمته العربية ومعاناة الإنسان العربي، وليظل هذا الارتحال يسكن إسماعيل فهد إسماعيل ويستنطق من خلاله عذابات المكان وكوابيسه وهواجسه، وهو يصور فيه الصراع واختناق شخصياته (المكان) المتناقضة والمتداخلة الأحاسيس والمشاعر والأفكار، والتي صنعت بدورها المكان في عالمه الروائي والذي تحول الى حلبة تتصارع فيها أفكار إسماعيل نفسه والتي استرجع من خلالها الكثير من حوادث الزمان في المكان نفسه ليكون حالات التأزم وانفراج العقدة.

يقول عنه الكاتب والناقد فهد توفيق الهندالي في دراسة عالمه الروائي “لقد نجح إسماعيل فهد إسماعيل في أن يجعل لغته حبلاً سميكاً يخطو فوقه الإنسان عبر الحلم والارتحال في رواياته وقصصه التي يتجاوز فيها الواقع وأحداثياته الى ما هو أبعد، وكأن الكاتب لم يكتف بواقعية وجوده في هذه الأمكنة، وإنما استعار الارتحال النفسي لشخصياته وأيضا لنفسه لكي يهيئ المتلقي للقبول بوجوده في غير هذه الأمكنة”.

لذا يستطيع المطلع على أدب إسماعيل فهد إسماعيل ان يلحظ ارتباط المكان في أعماله بذلك الوجود النفسي الذي يستظل به الكاتب في رحلته الأدبية، والفكرية، وهو يبحث عن ذلك الوجود اللاوجود اي الوجود الخالص، في ذلك المنفى الذي يقصي الإنسان عن وطنه او الذي يهرب اليه من نفسه، بعيدا عن الصراع الذي يحاول ان يحطم كل ما هو جديد او جميل.

ويرصد الراحل صلاح عبدالصبور الذي قدم له روايته الأولى، وتحديدا عن المكان وعلاقته بشخصيات الرواية “عندما تقرأ تلك المضامين التي يحملها النص، والرؤى التي حبلت بها، ستجد مأساة الثوار الذين تأكلهم الثورة بعد تصفية الحسابات والمصالح بينهم، دون أن يشفع لهم كفاحهم الثوري او ان يفسح لهم المجال لإثبات حقيقة ما كانوا يؤمنون به، فالمكان الذي كان مشتعلا بثورتهم، بات جحيماً يهربون منه، وهنا تكمن سخرية الزمن في تبدل وجه المكان وهروب الإنسان منه وإليه، وإن كان قابعا بين زواياه المترامية وسمائه الزرقاء.

وفي روايته “مستنقعات ضوئية” تأتي صورة المكان على شكل مغاير ومختلف، إذ يصبح السجن الموقع المغلق على من فيه أكثر رحابة عندما يرحل إسماعيل فهد إسماعيل شخصياته الى فضاء اوسع خارج السجن وأسواره وزنازينه، وأصبح الظل في فترات الراحة، مرحلة للخروج من تلك الأمكنة إلى الانسان، الذي نجح إسماعيل في استدعاء من هم خارج السجن ليتبادل معهم المكان (هنا وهناك) أما روايته “الشياح” فقد جمع في المكان المظلم والمعتم كل هؤلاء الناس الذين يتناقضون في فكرهم وانتمائهم وثقافتهم في هذا الملجأ أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، لا ليكون ملاذاً من ويلات الحرب وحسب، بل ليصبح ملاذاً للجميع من حياتهم في خارج المكان.

إن ترحال إسماعيل فهد إسماعيل الانسان وحياته في العراق ولبنان ومصر والمغرب وسوريا ودول الخليج ليستقر في الكويت والتي في الحقيقة لم يغادرها لأنها استقرت في جل تداعيات الروح الساكنة فيه، فقد كتب بعض رواياته الأخيرة عن الكويت وهو يعيش في الفلبين، وقدم فيها عدة نماذج عن الانتماء والهوية والوطن الذي يظل مصدراً للالهام والمكان سواء في حالة العزلة أو الارتحال أو الاستقرار.

أما إسماعيل فهد إسماعيل على المستوى الشخصي والانساني فهو يتميز بالبساطة رغم شهرته يرد على من يسأله عن سبب عدم كتابته لسيرته الذاتية بعد هذه التجربة الابداعية والحياتية، “أنا لا أرى إسماعيل فهد إسماعيل بهذه الأهمية ليكتب سيرته الذاتية، وما الذي يشكله إسماعيل في حياة مجتمع الكويت أو وطنه العربي، ليقدم سيرته للناس”.

وعن مواقفه الوطنية وإيمانه بالوحدة العربية يقر إسماعيل فهد إسماعيل بذلك، ويقول “أنا من أشد المؤيدين للوحدة العربية، ولكن على ألا يفرض عليك هذه الوحدة.

لم يتشكل عالم إسماعيل فهد إسماعيل الأدبي إلا عبر جهد كبير وتضحية ومواقف حياتية وفكرية جادة وملتزمة بدأت مع محاولاته الكتابية الأولى في العام 1952 واستمرت لتكتمل مع مرحلة نضوجه الأدبي في العام ،1961 وصدور عمله الأول “البقعة الداكنة” حيث قرأ وتأثر بجيل الرواد من نجيب محفوظ وكاتب ياسين ومولود فرعون وحنا مينا وتوفيق عواد وفؤاد التكرلي، وصولاً إلى روايته الأولى “كانت سماء زرقاء” والتي أدهشت وقتذاك الشاعر الراحل صلاح عبدالصبور، لتولد بعدها بقية أعماله الأدبية.

وهو من الأدباء العرب الملتزمين لأنه يعتبر الأدب ومن ضمنه الرواية وظيفة اجتماعية مسؤولة عن رصد الواقع وعكسه فنياً، والمحاولة دائماً لتغيير هذا الواقع، وبالتالي فهي إذن فعل سياسي، لأنها تنحو إلى توظيف القضايا والمفاهيم والمواقف التي يؤمن بها الكاتب والمبدع. وأن الأدب في حصيلته أو في خلاصته، هو صدى لموقف المبدع من الحياة بصيغها العامة، ومن ضمنها رؤياه أو فهمه السياسي لأحداث عصره وحركة مجتمعه. لذا صور في سباعيته “إحداثيات زمن العزلة” معاناة الشعب الكويتي إثر الغزو في العام ،1990 والواقع الذي عاشه الانسان الكويتي بكل ما فيه من مآسٍ اقتصادية واجتماعية ووطنية وسياسية ونفسية.

يقول سلامة موسى “كاتب بلا قلق ولا توتر لا يعادل أدبه ثمن الحبر الذي يستهلكه” وإذا كان هذا القول ينطبق على أحد، فأول من سيخطر على البال من كتابنا وشعرائنا العرب كتيبة متقدمة على رأسها إسماعيل فهد اسماعيل إلى جوار أمل دنقل وأحمد فؤاد نجم وحيدر حيدر ومحمد شكري وغيرهم، ومجمل أعماله تبرز مدى انغماس قلمه وفكره بالمعاناة التي عاشها في ارتحاله عن وطنه الكويت، بعد أن ظل مسافراً لا يستقر في مكان.

الخليج

ايوب صابر 05-21-2012 10:30 PM

اسماعيل فهد اسماعيل

- عاش إسماعيل فهد إسماعيل مسافرا لا يستقر في مكان فقد مر بتجربة حياتية عمقت من انتمائه للمكان والوطن، حيث عاش فترة صباه في العراق وكتب فيها “الحبل” وانطلق بروايته الاولى “كانت سماء زرقاء” من القاهرة، ثم استقر في وطنه الكويت ليستكمل مسيرته الإبداعية، التي تناول في مجملها قضايا أمته العربية ومعاناة الإنسان العربي، وليظل هذا الارتحال يسكن إسماعيل فهد إسماعيل ويستنطق من خلاله عذابات المكان وكوابيسه وهواجسه، وهو يصور فيه الصراع واختناق شخصياته (المكان) المتناقضة والمتداخلة الأحاسيس والمشاعر والأفكار، والتي صنعت بدورها المكان في عالمه الروائي والذي تحول الى حلبة تتصارع فيها أفكار إسماعيل نفسه والتي استرجع من خلالها الكثير من حوادث الزمان في المكان نفسه ليكون حالات التأزم وانفراج العقدة.
- لكن نكسة حزيران 1967م كان لها أبلغ الأثر في توقفه عن الكتابة والإبداع، لأنه كان يؤمن بالقومية العربية التي منحته الكثير من الآمال والانطلاقة بعيداً عن القيود..
- لأنه عاش في العراق فترة صباه، ولأنه متولد من أم عراقية كانت أغلب رواياته عن الواقع العراقي، منها روايته الشهيرة (الحبل) وروايات أخرى اختط لها هذا الخط، فكان صادقا وراسماً للمشاعر الإنسانية وتوصيفه لشخصياته بالغ الدقة..
- الصعلكة كانت إحدى هواياته المفضلة، وقد عاش ردحاً كبيراً من الزمن متقمصاً إياها مسافراً من بلد لآخر لا يستقر في مكان ولا يفكر في لقمة يأكلها، فألهمته تلك المرحلة زاداً عميقاً وفكراً نيراً، فالصعلكة بالنسبة إليه ليست مجرد تيار إنها فلسفة حياة، لكنها لم تعد مجدية في زمن يفكر الإنسان في الزوجة والأولاد وكيف يصرف عليهم وكيف يفي بالتزاماته الاجتماعية.

واضح ان هذا الكاتب الفذ قد عاش حياة ازمة ويتم اجتماعي.

يتيم اجتماعي .

ايوب صابر 05-22-2012 04:35 PM

85- أجنحة التيه جواد الصيداوي لبنان


العنوان:

تأليف: جواد صيداويالقياس: 20*14 سم الصفحات: 816الناشر: دار الآداب /السنة ورقم الطبعة: 1999 /1السعر: 28.0$تجليد: عاديالموضوع القصة والرواية والحكاية





http://www.furat.com/images/bcovers/38226.jpg توصيف .......إن أجمل مافي حبي لعزيزة بر موسى، وكل مافي حبي لعزيزة جميل، هو أنه نما وتررع في أجواء هادئة، وعلى نحو طبيعي.فكأن عزيزة قد خلقت، يوم خلقت لتكون هواي. وكأنني خلقت، يوم خلقت لأكون هواها.ليس هذا الحب، بالنسبة لي بمثابة تعويض عما عانيت منه في حبي الفاشل لخديجة بوزير، وهو ليس بالنسبة لعزيزة ارتماء متسرعاً منها لأنني الرجل الأول الذي اقتحم أحلامها الضبابية

ايوب صابر 05-22-2012 05:24 PM

رواياته تلامس هموم الناس وتعبر عن أحلامهم 25/06/2011جواد صيداوي: أنا كاتب واقعي ملتزم بالإنسان


أمام هذا الانفتاح المذهل علينا الحذر كي لا نقع في فخ العولمة
بيروت - ليندا عثمان:
قدم الى المكتبة العربية الكثير من الروايات والقصص والنقد الأدبي والتاريخ, ورواياته كانت تتصدر الكتب الأكثر مبيعاً في معارض الكتب المحلية والعربية وأيضاً في باريس وقد ترجمت الى لغات عدة. من هذه الروايات: جمانة, أجنحة التيه, مطاردة, أسنان المشط, صرنا على الليسته, فساتين هندومة, ثلاثية-الى ثمالة حب وكتابات أخرى, يواصل خلالها جواد صيداوي نقد شوائب المجتمع والجنوح الى اليومي الواقعي مسجلاً تفاصيل الحياة.. في "ثمالة الحب", يتحدث الروائي عن علاقة حب حميمة بين رجل كهل وامرأة في أواسط العمر, وتنطوي على اشكاليات اجتماعية وأخلاقية, لأن بطلة الرواية ذات ماضٍ ملتبس قد لا يكون قابلاً للغفران في نظر البعض ان السؤال المحوري الذي تثيره الرواية هو: هل تنجح علاقة حب في ظل تلك الاشكاليات فضلاً عن فارق السن بين بطلي الرواية التي تجيب على هذا السؤال في قول الكهل "العاشق": "ان الحب, في حال توافره بين الرجل والمرأة, لا يحلق بأجنحة السنين والأعمار, وانما يحلق بأجنحة اللحظة التي يولد فيها, وبما أن الحياة لا توهب لنا مرتين, ينبغي لنا كلما ساء مجرى الحياة أن نوجه الدفة متى كنا قادرين على ذلك, وفي أي مرحلة من مراحل العمر, نحو مجار أكثر أمناً, مثلما يفعل البحار الحاذق, حتى اذا بلغنا الشاطئ الأخير غادرنا سفينة الحياة غير آسفين على ما فاتنا". وثمة سؤال آخر: "هل ينجح الحب بمعناه الكبير, في تطهير الانسان من شوائب ماضٍ تستمر في القاء ظلال سوداء على حياته?", ربما نعم وربما لا, الجواب في سياق الرواية وفي نهايتها. في كل ما كتب جواد صيداوي كانت الواقعية هي المسار وهي الهدف دون التحايل على النص وفي ذلك قال لنا:
أنا كاتب واقعي ملتزم بالانسان, وعندما أقول الالتزام, أعني الالتزام بمعناه الانساني الشامل, البريء من الانقياد الأعمى لنهج فكري أو سياسي أو مذهبي معين, فالرواية تميل الى الحديث عن الحياة العادية للبشر العاديين, والقارئ يتمنى أن يجد في الكتاب الذي يقرأ صورته ومشاكله ومكان عمله وهمومه اليومية. من هنا تدخل نماذج من شتى شرائح المجتمع الى عالم الرواية من الباب الواسع, كما أن الكاتب ذاته قد يجد في الرواية التي يكتب متسعاً لكي يعبر عن أفكاره ومشاعره الشخصية من دون أن يكون ما يقوله جزءاً من سيرته الذاتية, أو أن يحمل أشخاص الرواية تلك الأفكار والمشاعر على نحو متعسف.
مرجعية
ما مرجعيتك الروائية, من أين منابع جوك الأدبي وأنت الذي أقمت ردحاً من الزمن في باريس?
لا أخفي عليك أن جيلنا في أربعينيات القرن الفائت جيل جرجي زيدان وجبران وتوفيق الحكيم وتوفيق عواد, كنا نلتهم كتبهم ونبكي مع "سلمى كرامة" في "الأجنحة المتكسرة" ونحلم بأجواء "دمعة وابتسامة", ونضحك لسذاجة الفلاحين المعدمين في "يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم, كان ذلك في المرحلة الابتدائية, في المرحلة التكميلية غدت مطالعاتنا أكثر تنوعاً وأكثر غنىً التأثير الأدبي الحقيقي الأول جاءني من كتاب "البؤساء" رغم ما كابدته من عناء في قراءته لكم أوجعتني مأساة "فونتين" وبأي شغف قلق تابعت مصير ابنتها "كوزيت". ولم يقتصر تأثير الرواية على نزاعي الأدبي المبكر فحسب وانما أيضاً على نزاعي الفكري, ثم بدأت التعرف على أعمال نجيب محفوظ في مستهل خمسينيات القرن الماضي. وكنت شديد التأثر بها خصوصاً ثلاثية "بين القصرين", حيث وجدت في شخصية "أحمد عبد الجواد" صورة لأبي ولكل أب "سلطوي" في الأسرة العربية, وأغرتني روايات نجيب محفوظ بكتابته الرواية الى جانب الشعر. وكانت محاولتي الروائية الأولى في أواسط الستينيات ولكنني لم أجرؤ على نشرها الا بعد عقدين وهي "العودة على متن الرحيل", لقد استفدت من كل ما قرأت, ومازلت أستفيد مما أقرأ لكني لم أتقيد في رواياتي بنهج روائي معين على غرار هذا الكاتب أو ذاك. وان كنت أميل الى واقعية الأدباء الروس والى نزعتهم الانسانية ونقد الواقع الاجتماعي.
لاشك أنني استفدت كثيراً على الصعيد الأدبي عموماً وعلى صعيد الرواية بشكل خاص خلال اقامتي في فرنسا, وفضلاً عن القراءة كان هناك علاقات شخصية مع عدد من كبار الأدباء والمفكرين والباحثين الفرنسيين مثل "ألان-روب غرييه" رائد الرواية الحديثة, لويس أراغون, جاك بيرك, مكسيم رودنسون وسواهم, وكلما كان برنار بيغو صاحب البرنامج الثقافي الشهير: "أبو ستروف" يستضيف في حلقات برنامجه كاتباً روائياً أو أكثر, كنت أحرص على وجودي في الاستديو مع المستمعين والمشاركين.
الرواية الحديثة
يكثر الحديث عن الرواية الحديثة وهي الآن تشغل الأقلام والنقاد, ماذا عن هذه الاشكالية?
ما أود قوله على هذا الصعيد, هو أن مقولة "الرواية الحديثة" ظهرت في أواسط القرن الماضي في فرنسا, والتف حولها عدد من الأدباء جمعهم رفضهم للتقليد السائد في الكتابة الروائية, مثلما تجلت في أعمال عمالقة الرواية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر (ستندال, بلزاك, فلوبير: في فرنسا, تولستوي, دويستويفسكي: في روسيا,), لكن رواد "الرواية الحديثة" لم يسعوا الى تأسيس مدرسة أدبية محددة المعالم, ولم يصدر عنهم "بيان" خاص مثل "البيان السوريالي" لأندريه بريتون مثلاً, وانما هو "تيار" أدبي, أو اذا شئتِ نزعة أدبية من بواكيرها "معبر ميلان" لميشال بوتور, وقد ظهر تأثير هذا التيار الروائي في عدد من أعمال الكتاب العرب المعاصرين الذين جارى بعضهم أو تجاوز حتى الكتاب الغربيين, ولم أكن بدوري بعيداً عن التأثير, وليس التقليد, في ما كتبت. ولا ننسى أيضاً أن لتنوع الثقافات الدور البالغ الأهمية, ليس في العمل الروائي فحسب, وانما أيضاً في أي عمل ابداعي, لا سيما بعدما شرعت تقنيات الاعلام أبواب الحضارات بعضها على بعض, لم تعد "المعاني الملقاة على الطريق" على قول الجاحظ, تكفي رغم أهميتها طموح المبدع العربي, أو غير العربي, ثمة معانٍ أخرى ملقاة على دروب الحضارات الأخرى تساعد في الأخذ بها على معالجة الهموم والنزعات والرغبات التي لا تقتصر على مخاطبة حضارة بعينها وانما على مخاطبة الانسان بالمطلق وأياً كان انتماؤه, بيد أنه ينبغي لنا, أمام هذا الانفتاح المذهل, أن نتسلح بالحذر لكي لا نقع في "فخ العولمة" المتمثل بالسياسة الأميركية الهادفة الى الهيمنة على الساحة الدولية بكاملها, عسكرياً واقتصادياً وثقافياً, ولكي تحقق هذا المسعى المحموم والأخرق لا بد لها من العمل على تدمير الأسس التراثية والخصائص الذاتية للمجتمعات المستهدفة عبر اشاعة ثقافة الانحلال وتمييع الوجدان وتحقير الماضي لكي لا تكون العودة اليه سفراً نحو المستقبل. ان الحداثة تعني بمضامينها الانسانية المختلفة, بناء حصن جديد على قلعة التراث قد يختلف شكل الحجارة واصطفاف المداميك والزخرفة, في الحصن الجديد, دون أن يخل بتناسق الهيكل العام للصرح العام. ومن الخطأ أن يأخذ بعضنا ببغائياً, بالأشكال الأسلوبية والمضامين الجامحة, من ثقافة أخرى ويفرضها على نحو متعسف, على مجتمع يعاني من غير مظهر من مظاهر التخلف, وهذا لا يعني اطلاقاً أن نغلق النوافذ دون الآخر, ونتقوقع في اطار ما ورثناه مع ما في الارث من أفكار ومعتقدات ميتة

ايوب صابر 05-22-2012 05:32 PM

المستقبل - الخميس 22 أيار 2003 - العدد 1302 - ثقافة و فنون - صفحة 18



جواد صيداوي في "صرنا على الليستة"
الموت يدق الباب


ياسين رفاعية
في سرد أقرب إلى الحكي، تتمدد حياة رجل على أبواب السبعين، يرثي حياته، يتهكم أحياناً، وبسخرية طوراً، وبحزن في أكثر الأحيان. وهذا الرجل السبعيني يروي سيرة ذاتية، ومن يعرف كاتبها "صرنا على الليستة" جواد صيداوي، يدرك كما لو أن الكاتب نفسه يروي حياته، إزاء ذكريات مع أصدقاء، وحياة بين مدينة النبطية التي كان فيها في زهو شبابه، وبيروت التي تشهد في هذه الأيام استسلامه لمصير لا يعرف متى يدخل عليه ويأخذ الحياة منه. وما يؤكد أن الحكاية حياة الكاتب، ما يقوله عن المعاناة التي تنتاب الكاتب أثناء الكتابة "متى استبدت الكتابة بالكاتب أنسته حركة الزمن واقتلعته من واقعه لتنقله إلى الواقع المتخيّل الذي يعيش فيه أشخاص الرواية، فيشارك التعيس منهم تعاسته، والسعيد سعادته، والشجاع شجاعته والخامل خموله والتائه ضياعه... إلخ.
يعيش الراوي نديم الصافي وحيداً في بيته في شارع مار الياس في بيروت، بعد أن افترق عن زوجته المصرّة على البقاء في باريس حيث عاشا فترة الحرب الأهلية، معاً، هناك، وبعد توقف الحرب لم يعد مبرراً أن يبقى في الغربة، وهو الكاتب والفنان والحزبي والسياسي الذي يريد أن يكون فاعلاً في الوطن عوض أن يعيش غريباً في بلاد الآخرين. ترفض الزوجة، ربما من أجل أولادها الذين باتوا في المدارس الفرنسية، فيأفل راجعاً إلى الوطن ليعاني من وحدة ملولة تتكرر أمام عينيه كل يوم، بل كل ساعة، ثم يطرق الموت باب أقرب أصدقائه، فإذا بهذا الموت يذكره أنه هو الآخر بات على الليستة كما ذكره عادل محمود زميله في التدريس وزميل المرحوم السيد بديع، وثلاثتهم رفاق مدينة واحدة لم يفترقوا إلا لماماً بسبب ظروف الحياة، والشيخوخة هي إنذار للنهاية، بمتاعبها وأمراضها ومعاناتها حيث يغدو جسد الانسان "شبيهاً بقصر كبير لم يعد باستطاعة صاحبه، الذي أفقرته الأيام أن يشغل غرفه وقاعاته جميعها". وعندما يروي لصاحبه الآلام التي بدأت تنتابه في العصب والقدم والجسم كله. يذكره هذا ساخراً: الخير لقدام، أمامك، إذا نسيك الموت، تلف الأسنان، وتقرّح المعدة، والتهاب البروستات، وانسداد الشرايين، وارتعاش الأطراف، والطرش، والعمى... وو. وفي طقوس التشييع يعاني مع صاحبه من الحر والتعب، فتتداعى الأفكار على رأسه فـ: خير الميت دفنه. وإزاء مشاهدة الموت، والصديق الراحل، يتداعى الراوي إلى ذكرياته هنا وهناك، فعندما كان شاباً كان يفعل كل شيء بهمة الشباب في السياسة في المجتمع في الأسرة في الحب، دون أن يتخيّل أن الموت ذات يوم سيطاله، وإذ به الآن يرى ما آلت إليه حاله مذكراً صاحبه لها قائلاً: شق مائل ولون حائل، كما قالت الحكمة، فيجيبه: وعقل زائل. وهذا ما يدفعه هنا إلى التساؤل الفلسفي: هل الموت نهاية أم بداية؟ إنه السؤال الأزلي الذي يستمر بدون جواب إلى أبد الآبدين، ومع ذلك يترنم بقول أبي العلاء المعري:
فموت ثم بعث ثم حشر حديث خرافة يا أم عمرو
ويعلّق على بيت أبي العلاء قائلاً: هذا حكي... هذا شعر... إسمع:
أتترك ها هنا الصهباء نقداً لما وعدوك من لبن وخمر؟
خرافات يا طويل العمر خرافات.
ويعود نديم الصافي إلى بيروت بعد أن شيّع رفيقه إلى مثواه الأخير، وشعور الهرب من الموت وأجواء الموات تتلبس فيه دون جدوى "الموت محو للكائن من دائرة الوجود. بالأمس (كان) السيد بديع، واليوم غدا مجرد ذكرى، وغداً يطويه النسيان كأنه لم يكن. فـ: الموت الذي سلبه اليوم، صديقاً ودوداً، سلبه في الوقت عينه، الشعور الخادع بأنه عائش إلى أجل غير مسمى. وما هذا الارهاق الذي يعاني منه بعد هذه السفرة القصيرة، سوى دليل واضح على أن جسده، هذا الرفيق الأمين الذي واظب على وفائه قرابة سبعين عاماً، قد غدا عدواً ماكراً سوف ينتهي به الأمر إلى تدمير صاحبه "ثم: ان العقد السادس، في حياة الانسان هو المرحلة الأكثر خطراً، والموت لص ماهر يعرف متى يسرق الحياة".
ويستعرض الكاتب الملتبس بالراوي حياته الملأى بالأحداث: أربعون عاماً من النشاط الحزبي والوطني والقومي قولاً وكتابة وسجناً وحرماناً، انتهت بدمار الوطن، وتدهور العالم العربي، وانهيار الأمل الاشتراكي، وسيطرة الفكر الظلامي الأسود على العقول والنفوس جميعاً، عدا عن التشتت العائلي، والضيق المادي، وجحود الأحبة وتنكر الأهل".
ليس من شيء يعزّيه في هذه العزلة القاتلة بين جدران البيت متنقلاً بين الصالون وغرفة النوم والمكتبة وكتبها، فسخر من نفسه كمثقف، إذ يجد كل ما يحيط في هذا البيت سجنه وأسره: هل يكفي أن تغطي هذه الكتب جدران البيت كي يعتبر نفسه مثقفاً وكاتباً؟ ويتساءل: أهو كاتب حقاً؟ إن الكتابة بمعناها الكبير، انتقام من الذات وانتقام من العالم في آن معاً. انتقام من الذات في جنوحها نحو الدعة والتسليم. ورضوخها للنواميس المفروضة والحدود المرسومة. وانتقام من العالم، كما وصفه الفيلسوف الفرنسي موريس نادو "في قلبي العاري احساس دائم بالغربة عن العالم وطقوسه".
وتتآكل الحياة بين يدي نديم الصافي، يحاول أن يتناسى ما ألم به من وحشة ومن فقدان الصديق، ومن إرخاء الموت رداء النهاية على حياته، فيتلصص من الشرفة على البنت الصبية الملأى بالأنوثة بصدرها العارم وساقيها المكشوفتين، والتي تتعمد أن تبرز له مفاتنها كلما رأته في الشرفة، فيتحسر على حاله، ويترك البيت مشياً إلى الكورنيش، كما لو أنه يودع العالم وهو يتذكر ويرى البحر الأزرق الشامخ في هدير موجه الصاخب، تبقى الأمكنة فيما هو ذاهب لا محالة آجلاً أم عاجلاً، فعبارة: صرنا على الليستة تظل متمسكة بأفكاره لا تريم، وكلما حاول نسيانها أو تناسيها تهبط على أفكاره وروحه بقوة لتذكره أن الآتي أعظم وأن الأيام الباقية معدودات.
وأخيراً يستسلم نديم الصافي لقدره، مهما كانت الأحداث المقبلة فرحاً أو شؤماً، فالحياة ولادة وموت، وهي سنة الحياة وقدرها.
رواية سردية، هي، كما لو أن كاتبها يرويها لأصدقائه، وهذا سر عفويتها، ومع أن الكاتب وقع في التكرار، خصوصاً الاستشهادات، والإقحام في مواقع أخرى، لكن هذا لم يمنع أن نقرأ في "صرنا على الليستة" نصاً متماسكاً يثبت دراية الكاتب في الكتابة، خصوصاً وأن له في السابق نحو ست روايات ومجموعات قصص ودراسات، تؤكد على احترافه، ولعلني لا أُحرج أو أحرج الكاتب إذا قلت انها قصة حياته بحذافيرها، ومشاعره وأحاسيسه تكاد تكون طبق الأصل عن مشاعر وأحاسيس الذين في عمره.
الكتاب: صرنا على الليستة رواية
الكاتب: جواد صيداوي
الناشر: دار الفارابي بيروت 2002

ايوب صابر 05-22-2012 07:44 PM

الشعر ... وعد يستحيل انجازه
الناقد محمد العباس - 18.11.2006 - 07:07 pm

بقلم الناقد محمد العباس
الشعر هو المغامرة المستمرة ، إذ به يمكن، بل ينبغي تدمير الثقافة، وتدمير معابد التثقف للعودة إلى صحراء البداية ونقائها. هذا ما يستخلصه صلاح ستيتية الذي يعني بالثقافة، ذلك المصنّع والمعد المستثمر إجتماعياً خارج أي مغامرة فكرية، على اعتبار أن الشعر يرفض أي صيغة من صيغ التصنيع العاطفي أو الفكري أو حتى اللفظي، على العكس من الأدب الذي هو وليد الثقافة، وبالتالي فهو مثقل بالتمسرح الداخلي والحاحية الإقناع والإبتكار المزخرف.

من ذات المنطلق يفرق بين طريقين للشعر: أولهما رحب واسع، وآخر ضيق جداً. ذلك الواسع الأصح ربما قد يوصل إلى فسحات رحبة في العالم، لولا أن فسحاته تضيع المعنى الأساسي الذي يسعى إليه الشاعر الآخر، الذي يؤثر بدوره الطريق الضيق، أو المظلم الذي يؤدي بصاحبه إلى بلوغ شيء نادر الوجود، صعب واستثنائي يسميه " نور المعنى " أو السقوط إلى الهاوية كدرب موصل إلى الكنز، حسب تعبيره، حيث التيه في صحراء الجنون أو ما يشبهه.

أما الإبداع بوجه عام، فلا ينشأ من التاريخ أو من الظروف، أو حتى من العواطف والأحداث وحدها، إنما ينشأ من إبداع آخر، كما يتوجس ذلك هارولد بلوم في " قلق التأثر " فالشعر هو ابن الشعر، والفن هو ابن الفن، أو هكذا يلخص الشاعر صلاح ستيتية نظرية مالرو الواردة في كتابه " أصوات الصمت " ويعتنقها مؤكداً على أن الأشياء الأخرى إنما تأتي لكي تغذي العملية التحولية المستمرة.

هذا الرأي الذي يعتبر مفتاحاً لشعرية شاعر عربي يعتبر أحد أكبر الشعراء في اللغة الفرنسية، بشهادة دو موندرياغ، ليس الوحيد الذي يتبناه ستيتية من " الآخر " ففي حواره المطوّل مع جواد صيداوي، يبدو عرضة لأسئلة ذلك " الآخر " ومقولاته، واعتقاداته الإبداعية، في صيغتها الفلسفية والشعرية، وذلك في الكتاب الصادر عن دار الفارابي بعنوان " ليل المعنى - مواقف وآراء في الشعر والوجود " والمستمد من عبارة الموسيقار ماهلر " لست سوى نابلٍ يرمي بسهامه في الظلام ".
هكذا يعضّد كل رأي يبديه في الكتاب بمقوله لأحد أولئك المبدعين الذين صاحبهم في رحلة جمالية طويلة، أو استجلبهم من التاريخ، حتى عندما جادل القصيدة العربية استند إلى صورة مقتبسة من دراسة لغابريال بونور عن بيار جان جوف، حيث شبهها بالجرف الصخري الصلد المنحوت إلى درجة ظهور العنصر الفوسفوري في اللغة، أي الإنصهار الفذ لعدة مستويات من الواقع متحققة في المزيج ذاته، وموحدة بين التجربة والغناء، وبين العالم والقلب، إذ لم تعد وصفاً أو سجلا ً أو جرداً للسطح، بقدر ما هي عقدة من الطاقات المستهلكة، ليخلص إلى " أن القصيدة العربية تصبح إنغراساً حارقاً في القلب الأسود للواقع ". وعندما تحدث عن سر الإنجاز السريع والكثير لبعض المبدعين والروائيين العرب كان يرد عليهم بمقولة آلن روب غرييه الاستخفافية " القردة في كل مكان ".
أما حكايته مع التأثر أو التفاعل الإبداعي فتبدأ بالنصيحة التي تلقاها من غبريال بونور عندما كان في السابعة عشر من عمره، ومفادها ألا يحاول استكمال شخصيته على نحو متسرع " لأن الشخصية التي تتكون بسرعة تفقد الكثير من فرص التلقي وفرص تكونها على نحو أكثر شمولاً ". ومنذ تلك اللحظة التي استقبل فيها ذلك الكلام الذي يبدو تربوياً في ظاهره، فيما يستبطن وعياً يسائل عمق الذات الإبداعية، وهو يردد في داخله عبارة أبو لينير " لقد حان وقت مجيئك " مقتفياً آثار ذلك " الآخر " دون انفلات شعري عن مرجعياته العربية الإسلامية، أو كما وصفه أدونيس في مقدمة ترجمته العربية لقصيدة ( الوجود - الدمية ) بأنه يكتب العربية بلغة فرنسية، أي بحدس إسلامي عربي.
الكتاب يزدحم بالكثير من الآراء حول الوجود والحياة والفلسفة والتاريخ والمعرفة، وكلها تصب في المعنى الشعري الذي استهدفه ستيتية خلال مسيرته الشعرية، وعبر عنه بقوله " الشعر مادة تقتضي هذا التفكير الدائري، وبما أن الشعر هو هاجسي الأكبر فسأستمر في الكتابة عنه والتفكير فيه، ساعياً إلى تعميق معاني الشعر بصورة عامة، وتعميق أبعاد شاعريتي بصورة خاصة، فقد لا يكون لي من معنى إلا في مجال الشعر، بل قد لا يكون للإنسان عامة من معنى إلا من خلال النص الشعري، حتى أن النصوص السامية المقدسة، بأبعادها غير المرئية تخاطب في الإنسان إحساسه الشعري ".
ذلك التطرف الإعتقادي بالشعر كخطاب إنساني هو ما يدفعه للإعتقاد بأن الشعر هو السؤال الأكبر، بل هو الجواب الجواب الوحيد، حسب تعبيره، أما الشاعر فهو الوسيط بين ذاته وذاته، بين ذاته وإنسانيته، بين الماضي والمستقبل، بين الظاهر والمستتر، بين الشيء وشفافيته " فكل شيء في تصور الشعر موجود في كل شيء، فهو كمفهوم الحديقة الإسلامية عند جلال الدين الرومي، مكاناً مغادراً بكثير من التندم، مستعاداً بالأمنيات والشعر، وبالتالي فهي ليست رمزاً للوجود بكامله وحسب، بل هي صورة مصغرة له، وهو أحياناً - أي الشعر - بتصور ستيتية، واتكاء على مقولة بول كلوديل أيضاً، يشبه المرأة كوعد غير منجز، فالشعر كذلك وعد يستحيل انجازه، وهو ما يفسر انطلاق شعره نحو جميع المؤنثات في الوجود واللغة.
على ذلك يعتقد أن " سر الشعر وسر الشاعر " يكمن في الطفولة فهذه هي اللحظة التي يتبرعم فيها ذلك الاختبار، كما يسميه في إشارة ذات مغزى، فهو ليس " جنة " كما يعتقد الذين لا يعرفون منابعه، إنما استعار دائم بفعل ظلمة الحياة ومصاعبها وآلامها، وبفعل الشكوك التي تعترينا خلال بحثنا عن قدر من الشفافية. أما الطفولة - برأيه - فهي المرحلة الأهم، وهي المرجع والوطن والقبر بالنسبة للكائن، وكل شيء في حياتنا يبدأ من تباشيرها، فجميع الأطفال يملكون النبوغ، حسب جان كوكتو، إلى أن يصلوا إلى سن الرشد فتضيع مواهبهم. وللتأكيد على ذلك النبع يستشهد بطفولة ثلاثة من الشعراء الفرنسيين البارزين وهم : جيرار دو نرفال، وشارل بودلير، وآرثر رامبو، فهم يقولون، وبعبارات متقاربة " بأن انطلاق الاحساس الأول بسحر العالم، وبخطورة العالم، وبما يحمله من مأساوية، مرتبط بطفولة الشاعر ".
ومن ذلك المنطلق يدين الاهمال النقدي العربي، قديمه وحديثه، لتلك المساحة من طفولة المبدع، وفداحة التعامل مع الطقل ككائن ناقص، ومع الطفولة كمرحلة عابرة. أما الشأن الشعري بالنسبة له، ومن حيث علاقته الجدلية بعالم الطفولة فقد كان على صلة بعالم الكلام منذ طفولته، عندما كان يدخل على والده وبرفقته مجموعة من الشعراء يتعاطون الشعر فلا يفهم منه شيئاً، لولا أن اللغة السحرية تلك كانت تفتنه، ومنها عرف أن " هناك استعمالاً عادياً للغة، وهناك في الوقت نفسه، استعمالاً آخر مختلفاً تماماً " فكان ذلك أول اختباراته مع عالم الشعر، أي في " الفهم غير الاستعمالي للكلمة ".
وقد تطور هذا المفهوم الأولي عنده إلى منطق شعري يسمح له بتكوين عبارات على هامش القواعد والأسس البلاغية المعتمدة في اللغة، فهناك داخل اللغة الشعرية المتحررة إلى حد ما من منطق سياق اللغة العادية إمكان استعمال أكثر غرابة داخل ذلك الاساعمال الغريب، حسب اعتقاده، وهو لب نظرية الانزياح عند جان كوهن، كما يتقاطع من ناحية المعنى مع التصور الذي يعتقده ايف بونفوا في مسألة " كمال الفراغ " وسعيه - أي الشعر - للقبض على الأشياء العابرة أو الزائلة، فاللاكمال هو الذروة بالنسبة له، الأمر الذي يقتدي به ستيتية ليؤكد بأن الشعر " هو تفاصيل بين النور والظلام، بين ما وضح من المعنى وبين ما عجز المعنى عن النفاذ اليه من السر ". وصولاً إلى ما يعتبره جان كوكتو وظيفة سحرية للشعر متمثلة في رواية الأشياء الغامضة بدقة ووضوح.
وعندما يفسر أزلية ذلك السر الإنساني، يرى الغموض يكتنف كل ما في الوجود، والشعر يلتزم بجميع الموجودات الغامضة التي تسعى إلى التعبير ويمنحها القدرة على الكلام، كما يعطي التجارب المتضاربة، وغير المنطقية معنى ما، ويؤكد على ذلك بصوفية ريلكه المتأثر بالدين الإسلامي، وكذلك الشاعر الفرنسي جول سوبيرفييل. أما الغموض للغموض في الشعر فآت - برأيه - من فقدان أي نافذة مضيئة لدى الشاعر، أي من عجزه عن الوصول إلى أي سرٍ في نفسه، أو إلى أي سرٍ من أسرار الوجود، وأسرار اللغة، وهو يتوهم أن جميع المعاني واضحة أمام نظر عقله فينطبق في شعره من بدائيات الأمور، مستعيناً بالغموض لكي يوهم القارئ.
وقد بذل جواد صيداوي جهداً معرفياً وذوقياً لافتاً في استنبات أسئلة جادة لاستنطاق ستيتية، والذهاب به إلى مناطق جدلية عميقة طالت مسألة التجديد والحداثة التي رأى ستيتية شرطها في " عقيدة قتل الأب " وبالتالي فإن الحديث حول إشكالية قصيدة النثر والشعر يعتبر ضرباً من الهذر، فالشعر بأي صيغة من الصيغ لا بد أن يعلن التزامه بتوضيح الأشياء المرتبطة بعمق الوجود، كما رفض إمكانية الربط بين مضمون الشعر ولغة الشعر، فللشعر منطق غامض، فهو ليس أمراً منزلاً، إنما يشبه الإلهام في أولياته، أو ضمن ضرباته الأولى كأبيات مستقرة في الوعي الباطن، وآنية فيما بهد من أعماق اللغة أو التاريخ الشخصي للشاعر. وحسب تعبيره هو نعاس داخل النعاس، أو يقظة داخل اليقظة، أو حلم داخل الحلم. أما الزمن كمفتاح من مفاتيح شعريته فقد أكد على صلته بمفهوم المكان من منطلق ارتباطه بجذوره العربية، وفق مفهوم حضاري في أصله، فالزمن عند الشرقيين مدلول تراكمي، أما عند الغربيين فله مدلول أفقي، بمعنى التحرك المستمر في سيره

ايوب صابر 05-22-2012 07:52 PM

“فساتين هندومة” لـ جواد صيداوي 09:16 21/Jan
عن "الاتحاد" الظبيانية

“فساتين هندومة” لجواد صيداوي هي الرّواية الصّادرة عن دار الفارابي في مئة وثمانين صفحة من القطع الصغير، بعنوانها الطريف، ورمزيّتها السّاخرة، بعد سلسلة من الرّوايات التي تغرس جذورها في البيئة والانسان، دون أن تسقط في الابتذال، نحو العودة على متن الرحيل، جمانة، مطاردة، أسنان المشط، صرنا على الليسته...

تتخذ الرواية منبع أحداثها من بلدة طبرنا المواجهة لجبل الشيخ، أو ما يعرف بجبل حرمون، وهو سلسلة فاصلة بين لبنان وسورية من ناحية الحدود الجنوبية الشرقية، وتنطلق من غنى المكان: المسجد، السوق، المنزل، حيث تطلّ شخصية المؤذن الشيخ عبدالله المخلص في أعماله وعباداته، والطامح الى مرتبة الإمامة ولو من الدرجتين الثانية أو الثالثة، يجالس أبناء بلدته، فيقصد حوانيتهم، ومراكز أعمالهم محاورا ناصحا، معينا بكلّ الوسائل: كتابة الرّقى، والتّعاويذ التي تحصّن ضدّ الشّيطان، فكتابة الحجب التي تجمع أو تفرّق، فضلا عن عمله في النجارة، وهي أعمال اضطرّ إليها بعد تعذّر تنصيبه إماما. وقد يتدخل شيخنا في العلاقة بين الأب وابنه، فيوجّه ويلقي المواعظ التي لا تجد من يأخذ بها، كالنصيحة التي أعطاها للقصّاب عباس نعمان كي يبقي ابنه عبّود في المدرسة.

عشرة أجزاء





قسّم صيداوي روايته عشرة أجزاء عاملا على تنمية الأحداث والتناقضات باتجاه الذروة، بدءا من اللقاء الأوّل بين الشيخ والشخصية الرئيسة الثانية في الرواية: الفتاة هندومة التي لها آراء لاتحيد عنها في الاجتماع والحرب والسلم.

كان اللقاء حاميا لأنّ كلا منهما متمسّك بوجهة نظره، فهندومة تقصد الشيخ في دكّانه، وتلقي اليه أخبارها الجديدة غير عابئة بفارق الخبرة بينها وبينه، ولا بفارق الموقع الاجتماعي أو الديني الذي يجعل كلمته فوق كلمتها. علما بأنّ مولانا يعالجها من المسّ الشيطاني منذ بضع سنوات، واذا كان لم ينجح كلّيّا في مهمّته، الآ أنّه استطاع أن يخفّف عنها حالة الصّرع التي يسبّبها دخول الجنّيّ في الانسيّ.

المهمّ أنّها رأت القمر في حال متعبة، واستطلعت الدلالة الغيبية الكامنة فيه قائلة:

ـ “الحرب بدها توقع واليهود بدهن يجوا (سوف يأتون)”.

فابتسم الشيخ وقال:

ـ “ما تخافي يا هندومة، اليهود ما بيجوا لهون أبدا، واذا إجوا لاسمح الله، بدهن ياكلوها بصرماية عتيقة”.

عندها اتهمته بقلّة العقل فنالت منه ماتيسر من الزجر واللعن.

بين هندومة وفلسطين

تتداخل الأحداث، انطلاقا من الجزء الثاني، فيغدو الحديث عن ولادة هندومة ونشأتها، ممزوجا بتاريخ النكبة الفلسطينية، والخروج القسري لوالدها عثمان المحمد من قريته في الطرف الشمالي لغور الاردن باتجاه لبنان، وكيف توزّع اللاجئون الفلسطينيون الذين تدفقوا على طبرنا بكثرة على المدارس والمساجد والخيام التي نصبت على عجل، ومنهم من حلوا ضيوفا لأّيام على أصدقائهم، أو استأجروا منازل...

بلغة سردية مؤثرة يرصد صيداوي نزوح اللاجئين الفلسطينيين والمأساة التي حلت بهم والوعود بإعادتهم فورا الى موطنهم.

وفي خضمّ البحث عن الوطن/ المأوى، ينشغل عثمان المحمّد بمداواة ابنته هندومة على يد الشيخ عبدالله على الرغم من كلّ الأقاويل التي سمعها في مقاهي طبرنا ومجالسها.

وعلى ما في الرواية من شخصيّات ثانوية مثل حيدر الأخوت ومسعودة الشركسية، وكامل حمدان الشيوعي... الا أنّ الكاتب يعيدنا دائما الى النقطة المركزية وهي شخصية هندومة النّامية، منذ ولادتها في سيارة الشحن حين قالت أمّها: ربّنا يستر.

ولمّا بلغت العاشرة طفقت تخرج الى أزقّة حيّ القلعة، وتختلط بأطفاله، أو تقف بمفردها قرب جدار تراقب دون أن تشارك، فتسمع من يصفها بالمجنونة فلا تبالي، واذا تعرّض لها أحدهم بأذى قاومت بشراسة... وتصرّفاتها وأقوالها، استمرّت مختلفة عن الأطفال العاديين.

ومع مرور الزمن أخذت دائرة جولاتها تتسع تدريجا لتشمل ساحة البلدة وأسواقها، ثمّ الأحياء القريبة فالبعيدة، وصولا الى الحقول والتلال المجاورة.

المحلّيّة مع العاميّة

وإذا كانت هذه الرواية مغرقة في محلّيتها، عاشقة لصور التقاليد المعيشية، فهي مغرقة في إنسانيتها، مبدعة في التقاط مشاهد الحياة من أفواه الناس، تتركهم على طبيعتهم الأولى، وجبلتهم النفسية والاجتماعية، وقد وفق الكاتب في ترسيم الشخصيات انطلاقا من عالمها الداخلي، عالم الرغبات والأحلام، عالم الصدق والعفوية، فالمجنون له دور فاعل في تحريك الأحداث، وتشكيل المشهد الإنساني في حيّه وبلدته، كذلك الرجال من أصحاب المهن البسيطة: لحّام، كندرجي، سائق سيّارة، حانوتي، والنسوة على ما هنّ فيه من بحث عن الأسرار العائلية، وتسلّ بفضائل الرجال وعاهاتهم ونواقصهم، والحزبيون الذين يلاحقون النخب المثقّفة من الطلبة لتنظيمها، الى المنحرفين والمنحرفات الذين ساءت سمعتهم، فالمتزوجين والمتزوجات بين شجار وطلاق.

هذه المحلّيّة تطبع الأحداث بطابعها، من خلال الحوار الساخر باللغة العامية وباللهجة الخاصة، فتشعر كأنّ الشخوص ما زالوا أحياء يتحرّكون بلحم ودم، ويتقدمون الى المسرح بكامل دوافعهم وارتباطاتهم ومستوياتهم.

وقد أصبحنا أمام فسيفساء اجتماعية ساخرة، فيها دين وسياسة واقتصاد، جنون وتعقّل وثرثرة، إبداع وابتذال، فهذه البلدة الصغيرة والمسافة بين حيّ القلعة والساحة وسوق القصابين اختزال لكلّ إنسان، ولكلّ بقعة من الكرة الأرضية.

وتدخل هندومة وسط الضجيج الاجتماعي خاطفة الأنظار بفضولها، وعباراتها اللاذعة، وفضحها لأسرار من يسخر منها، أو يطارحها المزاح الثقيل، فلا تغيب صورتها عن الدكاكين والمقاهي والمجالس على تنوع أهلها من لاعبي قمار أو أصحاب فكر وكياسة. وغدت مع الأيّام مالئة دنيا طبرنا وشاغلة ناسها، كأسماء شهيرات النساء في التاريخ: كليوباتره، زنوبيا، شجرة الدر... وأصبحت مقولاتها تنبّؤات على مسحة من جنون، مع قربها الشديد من استشراف المستقبل أي مجيء اليهود

وفي الجزأين الأخيرين ينضمّ أحمد الوأواء، مجنون آخر، الى هندومة، فيناجيان معا النجوم في ظلمات الأحياء المقفرة، وقرب الآبار المهجورة.

غياب الحلم

وتسري عدوى الجنون الى كلّ العقول المتعطشة للأخبار تتلقّفها من الإذاعات العربية متتبعة تطورات الصراع مع العدو الصهيوني، وقد أراد صيداوي أن يسترجع مشهدين: الأول عدوان السويس سنة 56 والثاني عدوان حزيران سنة67، والنكسة المرة التي نزلت بالأمة العربية، وأفقدت أهل طبرنا عامة وخاصة توازنهم النفسي والعقلي، لهول الكارثة.

لم تعد طبرنا كما كانت، تغير كلّ شيء في نظر هندومة حتى سكان المخيم باتوا غرباء في نظرها، لا أحد يمازحها، أو يستفزّها أو يرحّب بها.

وعندما تقترب الرواية من خطّ النهاية تهرول هندومة تجاه المحافر، مستعجلة لقاء الموتى الذين سبقوها، وقد ضاقت أنفاسها وتعثّرت خطاها، وأحسّت أنّ فساتينها وأسمالها عبء على وظائف أطرافها، الى أن وقعت أرضا تاركة هذا العالم.

وبغياب هندومة، يغيب حلم جدّها بالعودة الى فلسطين، في حين يراود سكّان المخيم شعور بالارتياح.

هكذا يسدل الستار على أحداث الرواية بالاقتران الجنوني بين رحيل هندومة عن ساحة طربنا، وتلاشي الأهداف العزيزة ومنها: عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، في إشارة الى أنّ الزّمن العربيّ، واللّحظة التاريخية مفرطة في الحمق الى درجة الجنون السّياسي

د. حسن محمد

ايوب صابر 05-22-2012 08:02 PM

حوار في "الثقافي للبنان الجنوبي" ـ النبطية
حول ديوان "عرف الولاء" للشيخ صادق

المستقبل - الاثنين 10 نيسان 2006 - العدد 2235 - شؤون لبنانية - صفحة
النبطية ـ "المستقبل"
غصّ المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، في فرعه، في النبطية، بالمتحاورين حول ديوان "عرف الولاء" للعلامة الشاعر الشيخ عبد الحسين صادق.
وتعاقب على الكلام، كل من الشاعر شوقي بزيع والناقد ميشال جحا والأديب الروائي جواد صيداوي والشاعر مصطفى سبيتي، بدعوة من المجلس الثقافي وبلدية النبطية، في إطار فاعليات النبطية 2006 "مدينة علم وعراقة" وفي حضور أمين عام المجلس حبيب صادق والنائب السابق رفيق شاهين ورئيس بلدية النبطية الدكتور مصطفى بدر الدين وحشد من الوجوه الأكاديمية والثقافية والاجتماعية ومن أبناء مدينة النبطية والجوار.
تقديم من الدكتور علي سلوم الذي أشار الى نشأة الشيخ عبد الحسين صادق وتميزه "بسعة صدره، وحيويته، وقوة حجته، وسطوة برهانه".
ثم تحدث بزيع فقال: "إن تجربة الشيخ في عرف الولاء، تؤكد أن عظمة الشعر لا تتأتى من الأفكار والموضوعات التي يقاربها، بل من التناول الفني لهذه الموضوعات ومن قدرة الشاعر على إضرام النار تحت ما يبدو أقرب الى الرماد الخالص؛ لذلك فإن الشيخ بتصديه لموضوعات دينية تمّ استهلاكها من قَبل عبر مئات الكتابات والقصائد السابقة، يضع نفسه أمام محنة قاسية هي محنة التميز والاختلاف والمغايرة".
وقال: "ثمة من يتحدث عن عبقرية التاريخ وعبقرية الجغرافيا، أو بمعنى آخر عبقرية الزمان والمكان. وليس الشيخ عبد الحسين صادق وآخرون سواه سوى الثمرة الفعلية لتقاطع هاتين العبقريتين، كأن السيف الذي سمّي بذي الفقار هو الذي يشج منذ صفّين وكربلاء هامة الزمن الشيعي ليترعها بالحزن والشجن والتهيؤات، وهو نفسه الذي يشج عند منحدر قلعة الشقيف هامة المكان لتنبجس من ذلك الثلم الجغرافي المبقّع بالبسالة والدم المراق أكثر الشاعريات رهافة وبهاء في فضاء العروبة الشاسع".
وقدم صيداوي "تحية" فيها: "عرفت الشيخ وكنت حدثاً. ومن حسن حظي أنني كنت من أوائل المحظوظين الذين حصلوا على ما نشر من شعر الشيخ في مستهل خمسينيات القرن الماضي بواسطة أبنه المرحوم الشيخ حسن صادق، وبدأنا نطلع على لون من ألوان الشعر الشديد الروعة. لم نستوعب ما كان يقوله لأننا لم نكن نملك الأهلية الشعرية التي ملكها الشاعر شوقي بزيع منذ طفولته، فكان للمرحوم الشيخ محمد قديح دور بارز في توصيل شعر الشيخ عبد الحسين صادق الى جيلنا. صحيح أن هناك غزلاً عرفانياً لكنه غزل بكل معنى الكلمة".
وتحت عنوان "بوصلة الشعر تتجه جنوباً" قال الباحث جحا: "واضح من عناوين الديوان أن القصائد تدور حول فنين من فنون الشعر، هما المديح، لكنه المديح للنبي والأئمة، والرثاء، وهو كذلك رثاء لشهداء كربلاء. والشاعر العلامة الشيخ عبد الحسين صادق، لا يدّعي أنه شاعر مجدد أو أنه أمير الشعراء، هو صادق في ما ينظمه من شعر يدور جله في المعاني الإسلامية، وهو شاعر تقليدي يعبر عن آراء رجل وهب حياته لأمور الدين وتخلى عن أمور الدنيا أو زهد بها..".
ولفت سبيتي الى أن "الشيخ عبد الحسين صادق حلّق بقادمتي قافيته، عابراً مضائق كثيرة في فضائه الشعري، ليس أحرجها: أولاً: النص القرآني الهازئ بالشعراء الهائمين في كل واد، ما ألزم صادق بصياغة القصيدة العرفانية التقية المحاذرة إغضاب ربها، الطامحة الى رضاه. ثانياً: السمعة السيئة التي راكمها الشعر خلال قرون من النظم المادح الهاجي المفاخر، فاختار شاعرنا وقف شعره على من يعتبرهم نخبة زمانهم وكل زمان... ثالثاً: الموقع الاجتماعي المتقدم لرجل الدين، وتمثله نموذجاً يحتذى وقدوة لأتباعه ومقلديه وهذا ما يلزمه حذراً مفرطاً في اختيار مفرداته تجنباً لمبتذلها ولمخالف الآداب والأخلاقيات اللفظية، هذا إضافة الى منهج الشيخ في استبعاد الألفاظ القاموسية والخشنة على المسامع. فاقتصر شعره على الكلم السلس والمنزه تنزيه موضوعاته، ما أضأل باقة العناوين الشعرية وقلص مساحة قاموسه اللغوي وأضاف أعباء شديدة على عاتق القصيدة.

ايوب صابر 05-22-2012 08:06 PM

السنديانة الحمراء تكرم كاتبها واحد جذورها البارزين http://test1.lcparty.org/images/M_im...rintButton.png http://test1.lcparty.org/images/M_im...mailButton.png الكاتب/ lcparty 17/12/2009
كاترين ضاهر– "النّداء"
استكمالاً لاحتفالات الذكرى الـ85 لتأسيس الحزب الشيوعي اللبناني، واحتفاءً باضاءة الشمعة الثمانين من النضال والابداع. اقام الحزب الشيوعي اللبناني حفلاً تكريمياً للاديب، الناقد، الكاتب، محمد دكروب، في 3 الجاري، في قاعة توفيق طبارة. وذلك بحضور الامين العام للحزب د.خالد حدادة واعضاء من المكتب السياسي واللجنة المركزية في الحزب، وفعاليات سياسية وثقافية وفنية وإعلامية..

القاعة اكتظت بالحضور الحاشد الذي انتظر ذلك الشاب "المشاكس" الثائر دوماً والرافض للاستسلام والتخاذل، داعياً دون ملل الى التغيير والغَرْف من كنوز الثقافة بكافة انواعها.
ما أن دخل دكروب القاعة تراه يوزع نظرات الشكر، الشوق والمحبة لأصدقاء الدرب وللجيل الجديد الذي يحثه دوماً على الثقافة. وسرعان ما وقع نظره على الفنان مارسيل خليفة فاتجه اليه فاتحاً ذراعيه معاتباً له معاتبة الأب لغياب ولده، ومبتسماً ابتسامة الحنين الى ايام الثورة الفكرية، الثقافية والفنية التي أطلقها الحزب منذ تأسيسه.
بعد النشيدين الوطني اللبناني والحزب الشيوعي اللبناني، قدّم عريف الحفل د.حسن إسماعيل كلمة تناول فيها مسيرة دكروب الثقافية وكتاباته.

صيداوي
أما رفيق الدرب، الأخ والرفيق.. الأديب جواد صيداوي، تكلّم عن صديقه دكروب قائلاً: "على أيّ جانب من جوانب هذا الانسان الكبير اتحدث؟ أعلى نشأته وعصاميته وانتصاره على قدره؟ أم على بداياته الأدبية المبكرة والناضجة؟ أم على أبحاثه ودراساته الأدبية والنقدية، وعمارته التاريخية، وجذور السنديانة الحمراء؟
أم على وفائه النبيل للنهج الفكري والسياسي الذي اختاره بمحض ارادته وقناعاته غير مدفوع باليأس ولا بالاحباط؟ أم على جَلدِه الأسطوري في العمل الثقافي وهو على قمة الثمانين غير مبالٍ بوطأة السنين على كاهله؟
فحين يكون النعاس قد ملأ الدور والمخادع، ينصرف هذا الأرق المجافيه النوم الى اوراقه والوثائق، ينقب، ويدقق، ويقارن، ويستنتج، ويخبو، لينهال علينا، ومن ثم، مُصنفاً إثر مصنف..."
وتابع "لقد سبق ان تكلمت على بعض هذه الجوانب، عبر الصحافة وعبر إذاعة صوت الشعب، فلكي لا اقع في التكرار، سأقف عند عبارة وردت على لسان دكروب، قبل سنوات قليلة، في مقابلة اذاعية او صحفية، جاء فيها قوله "يا ريتني بقيت سمكري".هل قال صديقنا هذه العبارة مازحاً؟ هذا ما يدل عليه ظاهرها. ولاسيما ان هذا الشيخ، الوقور جداً، شغوف بالفكاهة في مجالس الأنس، دون تبذل في القول او تجريح، وانما هو تلاعب ذكي بالمتناقضات الكلامية، وقد يضحك جالسه وهو يهجوه. اما باطن العبارة فشيء آخر...".
تساءل صيداوي "أهي ضآلة المردود المادي لجهد الباحث او الكاتب او الشاعر، التي جعلت صاحبنا يعبّر عن ندمه لتخليه عن مهنة السمكرة؟ ان دخل السمكري، في الشهر يفوق بكثير دخل استاذ الجامعة، فلو استمر سمكرياً لغدا من اصحاب الثروات ولعاش ايامه الزائدة في دعة واسترخاء... ان نفس دكروب تأبى ذلك لان نسخ سنديانته الحمراء يخالط منه الدم والعصب...".

وأشار بأن دكروب محكوم في دراسته النقدية والتاريخية بعاملين اساسيين هما العقل والعاطفة، و"لكنه لا يضع عاطفته حيث ينبغي ان يتوسل العقل، ولا يسلّط عقله حيث ينبغي ان يمتشق العاطفة، لذا لا يتخبط في الحيرة والارتباك..". مشيراً الى ان عاطفية دكروب، كانتسبباً لتماهيه مع بعض الشخصيات التي تشملها دراساته، في حالات الألم أو الإحباط أواليأس أو الحزن، وتأثره بعذابات من كتب عنهم من رفاق العمر والدرب.. أو بما عاينهوتابعه حول واقع الثقافة والمثقفين في العالم العربي، ولربما كان ذلك ما دفع دكروبليقول ذات يوم: يا ريتني بقيت سمكرياً!".
وختم صيداوي مداخلته شاكراً الحزب الشيوعي اللبناني "على بادرته الجليلة لأن تكريمه شيخ أدبائنا تكريماً لجميع المثقفين اللبنانيين الاحرار، سواء أمن يغرد منهم داخل خيمة الحزب الشيوعي او من يغرّد خارجها...
وتحية من القلب الى محمد دكروب وهو على قمة الثمانين الشماء، وسوف نُحيّيه، آملين له ولنا، في تسعينياته وفي مئته. وسلام عليه طفلاً يقظاً، مع اترابه، اشجار البرتقال في بساتين صور، وفتى سمكرياً فخوراً باسوداد يديه وانفه، وشاباً أديباً قصيصاً، وكهلاً باحثاً وناقداً ومؤرخاً، وشيخاً مواظباً في الظروف والعطاء، ومحباً للحياة وللاحباء، ومعتصماً في عزلة تنبت في تويجها، في كل ساعة، بتلة من نور"

ايوب صابر 05-22-2012 08:16 PM

اشي بحزن جدا. واحد من اصحاب واحدة من افضل 100 رواية عربية ولا يوجد له سيرة ذاتية. المعلومات حول نشأة هذا الكاتب الفذ قليله جدا. وهو ما يؤكد اهمية تأسيس واطلاق اداة بحث عربية تضم السيرة الذاتية الكاملة والتفصيلية للمبدعين العرب.

مجهول الطفولة.

ايوب صابر 05-23-2012 11:35 AM

86- ايام الرماد محمد عز الدين التازي المغرب
أيام الرماد


http://www.mohamedazeddinetazi.com/images/yamramad.jpg

منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1992. "خرجت من الوقت وسافرت. طائر الرخ يرى كل سفره قبل أن يتجه نحو أي مكان. من الطريق يخرج إلى الطريق. المسافة تعقبها المسافة. وهذه هي الأرض والسماء وهذا هو جنان يلتوي هابطا بين المنخفضات، والسفر لا أراضيُّ ولا سماويّ. لا حدود ولا موانئ. لا حراس ولا قراصنة ولا لصوص، ويمكن لطائر الرخ أن يختلق كل تلك الأشياء إذا ما أراد فيدخل أحد الموانئ ويركب البحر أو يدخل أحد المطارات ويركب السماء أو يخرج من أرض إلى أرض ومن حدود إلى حدود وهو يركب الأرض. لم يكن يسري أو يزحف أو يمشي أو يطير. الحركة كائنة وهو لا يدخل ميناء أو مطارا ولا يعبر الحدود، وكأنه يبقى في مكانه وهو يتحرك. يتحدد المكان الذي يريد الوصول إليه بشجرة ضخمة متفرعة العروش وهي تنمو وحدها في العراء. شجرة سبق لطائر الرخ أن رآها في المنام أو التقط حولها بعض الوصف من حكاية أمه عن سيدنا الخضر، أو هي تلك الشجرة التي يوجد فيها الوكر. يغشى عينيه نور الشمس دون أن يرى الشمس في إحدى جهات السماء الواسعة. ولسوف ينقر زجاج النافذة بمنقاره الحاد. والنقرة الواحدة يمكن أن تكسر الزجاج فيتسلل طائر الرخ إلى المكتب ويفتح الدرج بالمفتاح الذي انتشله من جيب البذلة العسكرية المعلقة على المشجب، ويعيد جناحيه المفقودين إلى مكانيهما. كل شيء جاهز لهذا السفر البعيد، حيث سيطوف طائر الرخ بالجبال السبع سبع طوفات، ويبلل جناحيه من مياه سبعة أنهار وينقر سبع حبات من ثمار تشبه ثمار الجوز الهندي، ثم يطير مسافة سبعة فراسخ في اتجاه واحد دون أن يميل يمينا أو يسارا. يتذكر أن في جيبه كل ما يملك: القرطاس والقصبة المشحوذة الرأس ودواة الصمغ وبعض أوراق العملة الأجنبية التي تم تحويلها بمساعدة الرمضاني عند أحد التجار العملة. وكأنه طائر وسط ماء، فقد كان يرى في سمائه الأسماك والحيتان وأحراج القيعان البحرية. الأوراق لا تبتل. الماء في العينين. في جيب سروال القطيفة الأزرق مفتاح، وفي تلك الطريق المائية السماوية السالكة نحو الشجرة الضخمة المتعرشة الأغصان تفحص طائر الرخ ما في جيوبه مخافة أن يخضع للتفتيش من قبل حراس عتاة أشداء، فوجد المفتاح، وأخذ يفكر فيما سوف يفتح بهذا المفتاح، باب الدار أو خزانة الحي الجامعي؟ هل هو مفتاح الصندوق الذي تركه الوالد؟ هل هو مفتاح درج مكتب القائد؟ مفتاح باب غرفة الفندق؟ حاول طائر الرخ أن يتذكر عدد المرات التي فتح فيها بابا أو أغلق بابا فلم يتذكر. ثم تذكر المرات التي أغلقت دونه فيها بعض الأبواب. وبعدها ظهرت له الأبواب". يقول عنها الباحث حسن سرحان: "يتحقق "تقعير الشفرة" في رواية "أيام الرماد" من خلال مجموعة من الملفوظات الميطاسردية المنتشرة في طولية النص. وتتحدد الوظيفة المركزية لهذه الملفوظات في تلك القراءة الخاصة والنوعية التي تقدمها الشخصية- المؤلف (حامد العسلي) للرواية. فحامد العسلي يضطلع بعدة أدوار في هذا النص. فهو شخصية وسارد ومؤلف وقارئ في الوقت نفسه: هو شخصية باعتباره مشاركة في أحداث الحكاية، وسارد باعتباره يؤدي الوظيفة السردية والتنظيمية للمحكي، ومؤلف لأنه يحكي "سيرة" روايته، وقارئ لأنه يمارس الوظيفة التأويلية التي تتمثل في تعليقاته وتنظيراته لسيرة الرواية: روايته. تتكون رواية "أيام الرماد" من ثلاثة أجزاء موزعة في الشكل التالي: الجزء الأول (من ص:9 إلى ص : 64). غير معنون. الجزء الثاني (من ص:65 إلى ص: 105). يحمل عنوان: (أغوتني الرواية، الرواية غواية). الجزء الثالث (من ص: 107 إلى ص: 304). يحمل عنوان: نوار الدفلى في العينين العوسج البنفسج. ويضم كل جزء مقطعا أو مقاطع ميطاسردية بصوت الشخصية- المؤلف (حامد العسلي) أو إحدى الشخصيات، تعكس طرائق اشتغال العناصر التركيبية المكونة للنص الروائي. وتخضع هذه المقاطع الميطاسردية لتوزيع خاص يتحقق في أربعة أشكال: - الأول يرد فيه المقطع موضوعا ين قوسين، ويملأ حيزا خاصا، أي يكون عبارة عن مقطع كامل يفصله عن باقي المقاطع بياض. - والثاني يرد فيه هذا المقطع موضوعا بين قوسين، لكنه لا يشغل حيزا خاصا بل يدمج في سياق المقاطع السردية التي تضطلع بدور نقل أحداث العالم السردي. - والثالث يتلخص فيه من القوسين ويشغل حيزا خاصا. - والرابع يتلخص فيه من القوسين ويدمج في سياق المقاطع السردية الأخرى. انطلاقا من التوزيع السابق، تصبح هذه المقاطع الميطا سردية مرايا داخلية تعكس إستراتيجية الكتابة الروائية كما يتصورها مؤلفها التخييلي (حامد العسلي). أي تعكس شفرة النص الروائي. ودون تحديد وضبط هذه الشفرة، لا يمكن تقديم قراءة ملائمة ومنسجمة للنص. فحامد العسلي يكتب الرواية وينظر لها في الوقت نفسه. ويتحقق هذا بطريقة لا تفصل بين النظرية والتطبيق. فهو ينظر لرواية يكتبها هنا والآن. وهذا الشكل في الكتابة الروائية يتجاوز فنيا ونظريا ما يسمى "الرواية داخل الرواية"، لأن الأمر لا يتعلق برواية- إطار تضم روايات تخييلية، بل برواية يكتبها "مؤلفها" ويحدد لها إطارها النظري الذي "يجب" أن تقرأ في ضوئه.".





http://www.mohamedazeddinetazi.com/std3.pdf


ايوب صابر 05-23-2012 11:38 AM

محمد عز الدين التازي في ضيافة مختبر السرديات

من مختبر السرديات/المغرب
أكتب..
كما يحفر النهر مجراه

خلال يوم كامل، وبمشاركة أربعة عشر ناقدا مغربيا، انعقدت ندوة ( اللغة والمجتمع وغياب اليقين في روايات محمد عز الدين التازي ) يوم الجمعة 29 مايو 2009 برحاب كلية الآداب بنمسيك بالدارالبيضاء ، جامعة الحسن الثاني المحمدية ، في ضيافة مختبر السرديات الذي دأب على الاحتفاء بالثقافة المغربية والعربية في لقاءات علمية. وقد عرفت الجلسة الافتتاحية كلمة شعيب حليفي التي سجل فيها المقاصد الكبرى من هذه الندوة وأهمية الروائي المغربي التازي في المشهد الثقافي. كما تحدث محمد عز الدين التازي عن بعض الملامح والآفاق في مسار الكتابة عنده .
• جماليات التجريب والتخييل
انطلقت الجلسة الأولى والتي ترأس أشغالها جواد بنيس ، بمداخلة عبد الفتاح الحجمري(روايات التازي : كتابة منذورة للبقاء ) حيث تحدث بتفصبل عن حياة محمد عز الدين التازي الثقافية ومسيرته الابداعية متوقفا عند أهم المحطات الابداعية بدءا من أول رواية "أبراج المدينة" إلى "أبنية الفراغ" وقد عمل وهو يرصد نصوص التجربة إلى توصيفها جماليا ودلاليا وأيديولوجيا. مع تركيزه على خصوصياتها الموضوعاتية والفنية قياسا إلى تجارب مغربية مناظرة..
وفي مداخلة بعنوان ( الواقعي والتخييلي في رواية أبراج المدينة ) تدخل محمد بطل متحدثاعن القوة الإنجازية للرواية وهي تُحرض خيال المتلقي. وقد أطر الباحث ورقته بتناول محاور منها شبق الكتابة وتمفصل الحكي عن الخطاب ، لينتقل إلى مقاربة تمفصل الدلالة الرمزية للمدينة وأبراجها ،التماهي السخري من الواقع ، وصولا إلى البحث في الاوضاع الخطابية من ترهينات ولغات، خاتما تحليله بالتوقف عند التخيييلية باعتبارها بُعدا جماليا في رواية أبراج المدينة.
أما مداخلة عبد الرحيم جيران فكانت بعنوان"البلاغي الأسطوري في (زهرة الآس) أو تقابل العوالم" وقد انصبت على معالجة العلاقة بين الأسطوري والكتابة الروائية. وقد تطرق الباحث في البداية إلى العلاقة الماثلة بين الأسطورة والبلاغة، وضبط اشتراكهما معا تجسيم العالم انطلاقا من التنافر بوصفه مظهرا دالا على بنية تستقطب عبر التوسط أشكال الكتابة في رواية زهرة الأس. ثم انتقل بعد ذلك فحص هذا التوسط في الرواية، حيث بين الحدود التي يتحرك ضمنها. وهكذا عمل الباحث على مقاربة توسط الأسطوري الكتابة الروائية والتاريخ في علاقتهما بالموضوع الروائي "فاس"، بما يعنيه ذلك من ضبط المبدإ الكلي الذي يتخفى بوصفه منطلقا وتوقا وراء الصياغة السردية للرواية، هذا فضلا عن ضبط الانبثاق السردي في ارتباطه بأسلوب الورطة، وتجسيمه الأسطوري في بناء التقابل البلاغي، مع ما يقتضيه ذلك من ضرورة خلق تجسير بين هذا التقابل متطلبات الرواية بوصفها جنسا أدبيا له شروطه الخاصة، الشيء الذي أفضى إلى ضرورة تبين تدخل العجيب في بناء التعالق بين الأسطورى وممكن الرواية.
رشيد الإدريسي في ورقة نقدية بعنوان ( انعدام الحقيقة وهشاشة الكائن: مفاتيح لفهم المنطق الحكائي لدى عز الدين التازي) اعتبر المدونة السردية للكاتب من أكثر المدونات ارتيادا للتجريب، ونتيجة لهذه الخاصية التي تطبع أغلب إبداعاته، يجد القارئ نفسه إزاء عوالم حكائية غير مألوفة لديه. وهذا ما ينطبق على رواياتي "مهاوي الحلم" و"ضحكة زرقاء"، ففيهما معا تتجلى كل خصائص تصور الكاتب للإبداع وطريقة صوغ الأفكار والعوالم التي يريد تبليغها للقارئ. ويعتبر المحور النصي المتمثل في انعدام الحقيقة وهشاشة الكائن، من أكثر المفاتيح قدرة على سبر أغوار هذين الروايتين، والتي يعتبر الغموض أحد مكوناتها وثوابتها الأساسية، مما يستدعي الرفع من درجة مشاركة القارئ التأويلية، وعدم الاكتفاء بالتفسير الحرفي التاريخي الذي يجب البناء عليه لإنجاز تأويلات عميقة تتوافق مع طبيعة هذا النوع من الإبداع.
أما مداخلة عبد الإله رابحي الموسومة ب" التخييل الليلي في رواية الخفافيش " فقد انطلق فيها من توصيف ثنائية الظلمة والنور في الرواية بكل ملحقاتها أو سيماتها التي يعجز منطق الترادف على الإحاطة بها ، وذلك عبر اقتران الكتابة الإبداعية بالحلم كسياق ليلي تتجلى من خلاله الثنائية الأصل :الواقعي والمحتمل التي تجعل من الكتابة سؤالا مؤرقا، ثم انتقل إلى توضيح كيف أن الكتابة تتأرجح بين العالمين:عالم الظلمة -الحلم- وعالم النور- الواقع- ،عالم "الحاجة لالة زهور "كعالم يعج بالأشباح ،كتخييل ليلي يعجز حرفيو الكتابة إدراك أسراره ، وعالم "كنزة" الغارق في تفاصيل اليومي العابر. ومؤكدا أن حيرة الكتابة بين العالمين تفسح المجال للقارئ لكي يرتق خيوط الحكاية الليلية المتناثرة، ويكمل سيرة الحاجة وسيرة الكتابة بما تراكم لديه من متخيل ليلي، وهو المتخيل الذي ينقل الوقائع من التاريخي إلى الروحي، موضحا أن هذا الانتقال مناظر لما عبر عنه ريكور بالانتقال من العبودية إلى الحرية أي إلى حالة الخلاص.
وحول ( لعبة الحكي وتراجيديا التحول في رواية مغارات) قارب عبد الغاني عارف النص الروائي من خلال أربعة محاور وهي أولا : المكان باعتباره موضوعة في الرواية وبؤرة تستقطب إلى مركزها مجموع وقائع الرواية.ثانيا: لعبة الحكي ضمن اختيار سردي ينزع نحو التجريب وعبر لعبة حكي تتعالى عن الواقع بالإيهام الفني .ثالثا : شخصيات الرواية المحكومة بمواجهة أقدار عابثة رغم وعيها الحاد المشرئب إلى واقع خارج الانهيار.رابعا اللغة وماهية الكتابة ، والأبعاد الترميزية التي تفتح للتأويل منافذ جديدة وتفصح مرآويا عن عنف التحول المتحقق في طنجة المدينة وفي الشخصيات .
• اللغة ، المجتمع ، غياب اليقين
في الجلسة الزوالية التي نسق أشغالها عبد اللطيف محفوظ ، تدخل بوشعيب الساوري في موضوع ( ترميم الذات والمكان في رواية امرأة الماء ) من خلال محورين اثنين .الأول بخصوص السفر في الذات والمكان حيث تتأسس روائية الرواية بغية القبض على العطب ، وكذلك الكشف عن التحولات انطلاقا من الحوار بين الماضي والحاضر . المحور الثاني حول التنويع السردي انطلاقا من سرد تفقد المكان والتذكر والاسترجاع ، ثم الرسائل وشطحات الحلم .
أما مداخلة سلمى براهمة فقد كانت بعنوان "من تصدع البناء إلى تصدق الأسطورة"، حيث حاولت أن تكشف من خلالها أن تصدع البناء وتشظيه كان له دور دلالي قوي تمثل في إسقاط الأسطورة اليهودية. لذلك وقفت الباحثة عند الحكاية الأساسية في الرواية، والتي تتصل بالهيلولة (احتفال ديني سنوي لليهود المغاربة) حيث توقفت عند كشف الخطاب الروائي لكل الأقنعة عن الخطاب الديني..
وقد انتهت الباحثة إلى تأكيد أن رواية " فوق القبور تحت القمر" ذات بعد أطروحي وبعد جمالي أيضا. الشيء الذي جعلها تكتسب تميزا وتفردا على مستوى المحتوى وطرائق السرد.
ثم تدخل جمال بندحمان بموضوع( مدارج اللغة وحكي القيامة الدنيوية: دراسة في رواية " خفق أجنحة" )وانطلق من التساؤل عما يميز لغة الحكي عن غيرها؟ وهل يتحكم مضمون الخطاب الحكائي في نوع لغته؟ و ما الذي يفعله القارئ أمام خطاب متشعب اللغة ؟ أي علاقة بين مقاصد الخطاب والمبدع والمتلقي؟ وهل تتمرد اللغة على مستعملها؟ وما مسوغ الجمع بين لغات داخل اللغة وبين حكايات داخل الحكاية؟ وهل يكفي رصد المعجم لتعليل أنماط الحكي وتموجاته؟ أي دور تلعبه التراكيب في بلورة الموقف المفترض للقوى الفاعلة؟ وما الدلالات التي تقدمها لنا اختيارات الأسماء والأماكن؟ وإلى أي حد تتراجع اعتباطيتها لتصبح اختيارات مقصودة؟ كيف نبلور خطابا عن الحكي من خلال اعتماد الأفعال الكلامية وصيغ السؤال المفتوح؟
انطلاقا من هذه الأسئلة، وغيرها، قارب الباحث رواية خفق أجنحة استنادا إلى مقاربة تعتبر أن للغة سلطتها في بعض المقامات الحكائية التي تتوسل بها لتبليغ مضامين ذات التباس دلالي كبير، يقود إلى جعل تشاكلاتها الدلالية أكثر إيغالا في جعل التعايش ممكنا بين المتناقضات، وفق تصور يعيد صياغة الإشكالات الفكرية والمجتمعية والتاريخية، ويضعها في مأزق يكسر ثوابتها،ويجعل اليقينيات أكثر عرضة للتشكي..
أما محمد خفيفي فقد كانت مداخلته بعنوان "تعدد الأصوات وانهيار القيم في رواية حكاية غراب" وقد استهل المداخلة بالكشف عن النصوص الغائبة التي قد تفرض ذاتها على المتلقين تبعا لقدراتهم الإدراكية، لينتقل إلى وصف خصوصيات الغراب في الرواية، حيث لاحظ أنه ملتبس مختلف عما تقدمه المعاجم عن هذا الطائر العجيب والغريب الذي يتبدى جراء ذلك ممتلكا لصفات تجعله متعدد الهوية.. وهو متعدد بتعدد المواقف والوضعيات التي تتأرجح بين حضور واقعي وآخر رمزي يؤشر على شيء آخر تراهن الرواية على فطنة القارئ لتوصيفه وفك طلاسيمه. كما لاحظ أن الرواية تتجاوز البناء التركيبي التقليدي، وتعتمد تقنية تعدد الأصوات التي تساعد على تشخيص أنواع الوعي الإيديولوجي..
وانتهى الباحث إلى أن الرواية تحقق التناغم بين الذات وأفعالها، فهي انطوائية منعزلة تفكر كثيرا في الموت لكن عزاءها الكبير في توهج الحكاية وقدرتها على هزمه.
في الجلسة الرابعة والختامية خلال هذه الندوة والتي نسق أشغالها شعيب حليفي تدخل شريشي لمعاشي بورقة نقدية حول رواية المباءة (الرواية واللايقين ..يقين الجنون ) معتبرا أن هذه الرواية هي سرد يولد من متاهة اللايقين وتتشكل من مفصلين كبيرين ، الأول تخييلي والثاني شبه واقعي ، وعبرهما سيتوقف الباحث عند عدد من القضايا المحركة للنص ، منها أبعاد الرموز ، لغة التصوف ، الجنون ، التفاوت بين عمق الوعي وعمق الإحساس .
أما إبراهيم أزوغ فقد قارب موضوع (صوغ المتناقضات والأوهام والمواقف في رواية بطن الحوت ) باحثا عن تيمة غياب اليقين المفضي إلى العجائبي باعتباره وسيلة تعبيرية لتصريف المواقف والرؤى حول المجتمع الصغير والكبير .كما توقف الباحث عند مستوى توظيف الرواية لتقنية السؤال في بناء النص ، أو صيغة البحث دون جواب.
وتدحل بعد ذلك المصطفى مويقن بموضوع "دم الوعول: بين المسخ والبوح" حيث عمل على مقاربة الرواية من خلال دلالة المسخ، وقد طال الشخصية المحورية "عبد الرحيم" الذي مسخ في هيئة قزم. موضحا أن هذا التحويل استدعى بوح كل الشخصيات ذات العلاقة بالذات موضوع المسخ، ومن ثمة تحول المسخ إلى ذريعة للبوح وتعرية الكائن، تبدى معه أن كل شخصيات الرواية تعاني المسخ..
وانتهى إلى تأكيد أن الرواية تعكس من خلال لغة متشظية انكسار الشخصيات المحطمة، كما تشخص المسخ الذي أصاب الواقع نفسه.
وكانت آخر مداخلة لعبد اللطيف محفوظ، تحت عنوان "بناء المعنى في رواية أبنية الفراغ" حيث عالج المعنى انطلاقا أولا من شكل توظيف اللغة الموسوم بالبساطة والشفافية في التعبير عن الموضوعات، وثانيا من خلال سجلات الكلام التي تتركب من ثلاثة مستويات، مستوى عام ومجرد يتصل بالموقف من العالم والقيم والأنساق المنظمة للسلوك الرمزي المتحكم في أشكال الفعل والتفكير فيه وتقييمه، ومستوى ثقافي اجتماعي يمس العلاقات الإنسانية، ومستوى ثالث يتصل بالفردي والخاص، ملاحظا أن بناء المعنى يقتضي أخد المستويات وعلاقاتها بعين الاعتبار، وثالثا من خلال مضمرات السرد والكتابة والتي حددها في مجموعة من الأدلة وصفها بالأيقونية، وهي العلاقة الفضائية بين الفصول والمحكيات الصغرى، والتي تعوض وتنوب عن العلاقات السببية، وعلاقة المسارات السردية بدلالات أسماء المتكلمين في الرواية، وعلاقة الحريقين الذين تنفتح الرواية على أحدهما بالبيضاء وتنتهي بثانيهما بطنجة بالدلالات الرمزية للحريق في الأنساق الرمزية


• المجرى والمسار
في نهاية اللقاء تحدث عز الدين التازي عن تجربته الروائية الممتدة في مساحات التخييل الروائي من خلال الورقة التالية :
" ما الذي يتغير في الإنسان وهو يغير جلدته كما تفعل الثعابين ، أو وهو يغير لسانه ليتكلم بلغة الوقت وبأصوات الآخرين ،أو وهو يغير ما كان يقوله لنفسه في سرائه وضرائه بقول آخر يتكيف فيه مع الآخرين ؟
من غير شك فإن الجوهري في ذات الإنسان يتغير بفعل تلك التغيرات، وحيث تتعرض الذات للتهتيك وفقدان مقوماتها كذات .
وإذا كان الإنسان روائيا ، فإنه يحتمي بالكتابة من فراغ المعنى ومن المسخ والتشيئ، ومن ابتذال القيم ، لأن ثمة ما يكمن أصيلا في ذات الكاتب ، يحميها من التزلف والزيف والنفاق .
الأسرار التي تحفل بها الحياة لا يحاول الكشف عنها شيء سوى الكتابة .
في الكتابة الروائية تتجدد علاقة الكائن بذاته وبمحيطة الاجتماعي ، وبنظرته للناس وللوقائع والتحولات .
هكذا يمكن أن يعلل الكاتب الروائي شرط وجوده بالكتابة الروائية قبل أن يعلله بأي تعليل آخر. وقد لا يفهم كثير من الناس معنى أن يربط إنسان ما حياته اليومية ولسنوات طويلة، تمتد إلى عقود من الزمن.. لعل المسألة في غاية البساطة ،فذلك الارتباط لم يتحقق طوعا أو قسرا ، وإنما جاء كما يحفر النهر مجراه .
في خصوبة عوالم الكتابة ، وتجددها واستمراريتها، ما يهيئ لجرأة خاصة على اقتحام الموضوعات التي تبدو محرمة ، أو تبدو وكأنها من قبيل المسكوت عنه ،وتلك الجرأة لا تتحقق إلا من خلال دخول الكتابة في عوالمها التي تنهض على محكيات الشخصيات التي تختلف عن بعضها في التجربة والمسار في دروب الحياة.
الوجود في الكتابة الروائية يضاعف الوجود ، ذلك أن ما تحياه الشخصيات من أحداث ومواقف ، على تعددها هو السبيل الوحيد لمضاعفة الوجود ، وتعدد أوجهه وملابساته ومستويات صعوده وانحداره.
هكذا لا توجد في الكتابة الروائية يقينيات ، لأن كل يقين تحمله شخصية روائية هو معرض لزلزلة الشك والحيرة والبحث عن السراب .معنى ذلك أن قلق الشخصيات الروائية هو قلق إنساني ، يتمازج فيه تاريخ الأسطورة بتاريخ العلم ، كما يتمازج فيه تاريخ الذات وتواريخ أخرى مشوشة ولا تصل إلى الحقيقة .
بهذا المعنى تصبح الكتابة الروائية سؤالا عن الوجود ، في تضعيفاته وتحييناته في الأزمنة ، في توسيع للزمن الروائي الذي يستوعب كل الأزمنة.
وبهذا المعنى أيضا لا تغدو الرواية وثيقة ، لأنها تخون البحث عن حقيقة الإنسان ، تلك الحقيقة التي جاءت الأساطير وبعدها الأديان ، لمحاولة توضيحها ، ثم جاء العلم أيضا لمحاولة توضيحها، وهي ما تزال مستعصية عن أن تتجلى بكامل الوضوح .
في هذا الغموض الذي يكتنف الوجود الإنساني ، يكون لا بد للرواية من أن تشتغل على الغموض، فإذا كان عالم الرواية غير مكتمل ، ولا نهائي ، فانه يكون مضطرا إلى التنويع في مقترباته من لحظات إنسانية دالة على الزمن والفضاء في أوضاع مجتمعية قابلة للتبدل والتحول حتى وان كان يثوي في صلبها ما هو ثابت وجوهري .
بهذا المعنى كذلك ، تخوض الكتابة الروائية مغامرة تشخيص الأفكار والمبادئ والأسئلة في التشخيص الروائي ، وهو ما يحول الأفكار والمبادئ والأسئلة إلى وقائع وتوقعات، أي إلى سرد روائي يعتمد الحكاية ، وما التاريخ الإنساني ، وتواريخ الشعوب ، سوى حكاية تتردد على الألسنة بروايات شديدة الاختلاف .
ربما ، ومن هنا تكتسب الكتابة الروائية مشروعيتها من إنتاج خطابات متعددة ومتنوعة ، ولا تكون تلك الخطابات منتمية إلى غير الخطاب الروائي نفسه ، الذي ينظم العوالم ويبني الأشكال.
أما الروائي فهو في أوقات الكتابة يتحرر من أفكاره وتجاربه في الحياة ونظرته للعالم ،لأنه يجعل من ذاته مرصدا لصيرورة وتحول العالم ، دون ان يعني ذلك أن الذات التي تتحول الى مرصد ، تنكر ذاتها .
كيف يمكن إذن ، للواقع السياسي والاجتماعي ، وللأساطير المعاصرة ، أن تتسلل إلى جسد الرواية ، وكيف يمكن للذوات المتشظية أن تصبح" أبطالا "روائيين ، وكيف يمكن للفضاءات بتاريخها المنسي أن تستعيد ذاكرتها في الرواية ؟
هي كتابة روائية تشتغل على تعدد هذه المستويات ، لتصهرها في صوغ أدبي تخييلي.
أليس هذا هو المهم في الكتابة الروائية ، وهي تلتقط تفاصيل الواقع ، وتجعل منه أسطورة واقع ؟
لعل هذا هو المهم .
أما تقنيات الكتابة فهي تنتمي إلى التصنيع الروائي الذي يحفل ببناء إستراتيجية للأشكال ، ويعني ذلك كل ما يجعل من الكتابة الروائية لعبا على مساحة الفراغ التي هي الصفحة البيضاء .
حتما ، إن هذا الغليل لا يُشفِي غليلا أكثر غلة ، لتأمل كتابة روائية لها متسعها الذي لا يحد بحدود .
وعودة إلى الكاتب الروائي ، فهو ليس ناطقا باسمه ، ولا يأكل الثوم بأفواه الآخرين ، إنه لايغير جدلته كما تفعل الثعابين، كما هو لا يغير لغته ليتكلم بلغة الآخرين ، كما أنه لا يكيف لغته لكي تتكيف مع لغة الآخرين .
إنه هو من يشتغل على السرد وأصواته السردية ، وهو من يجعل من ذاته مرصدا ترصد الكلية المجتمعية .
وهو ليس هنا وهناك .
إنه لا يوجد إلا ككاتب روائي ، وبهذه الصفة يجب أن يُعَرَّف.

ايوب صابر 05-23-2012 11:39 AM

ملحقــــــــــــــــــــــــــ
التازي وسيرة الإبداع
ولد محمد عز الدين التازي بفاس سنة 1948. حصل على الدكتوراه في الأدب الحديث. يعمل أستاذا للتعليم العالي بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان.
صاحب أكبر كم روائي وقصصي نشره مغربي لحد الآن، فهو يواظب على الكتابة والنشر منذ أربعين عاما. نشر أول نص قصصي له سنة 1966 بالملحق الثقافي لجريدة الأنباء المغربية، بعنوان مربك هو: "تموء كالقطط"، ليواصل نشر قصصه القصيرة في جريدة "العلم"، ولينشر قصصه في المجلات العربية كالأقلام العراقية، والآداب البيروتية، وفي منابر عربية أخرى.
كتب الرواية والقصة القصيرة والمسرحية وقصص الأطفال وسيناريوهات بعض الأفلام والنقد الأدبي. نشر ثمانية عشر رواية لدى دور النشر في المغرب والجزائر وسورية ومصر لبنان، قبل أن تَضُمَّ أغلبَها ثلاثُ مجلدات صادرة عن وزارة الثقافة المغربية، تقع في 1785 صفحة، إضافة إلى روايته الثلاثية: "زهرة الآس" التي صدرت في ثلاثة أجزاء، والتي لم تُتَضمن في أعماله الكاملة، وإلى رواياته الصادرة بعد صدور أعماله الكاملة، ما ينتظر الصدور من أعمال.
في مجال القصة القصيرة كان قد نشر أضمومته القصصية الأولى سنة 1975، بعنوان: "أوصال الشجر المقطوعة"، وكان أن قَدَّمَ لها الناقد محمد برادة، ثم توالى صدور مجاميعه القصصية، فصارت تسع مجموعات، صدرت في مجلدين من753 صفحة، يحتويان على 134 قصة قصيرة .
صدرت له أزيد من عشرين قصة للأطفال، وتفوق كتبه المنشورة، الخمسين كتابا. تحولت روايته "رحيل البحر" إلى شريط أنجزته التلفزة المغربية. قررت وزارة التربية الوطنية روايته "المَبَاءَة" على تلاميذ الجذع المشترك ثانوي. كرمته عدة كليات وجمعيات ثقافية، وعقدت عدة ندوات حول أعماله. كرس حياته للكتابة، وهو يقضي ليله ونهاره يكتب ويمحو ما كتب، باحثا عن اقتناص لحظة إبداعية من خلالها يبني عالما أو قيم معنى أو يشذب حديقة نص، أو يخاتل ما يسميه إستراتيجية الأشكال.
ترجمت بعض قصصه القصيرة إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية والسلوفانية، كما ترجمت روايته "مغارات" إلى الفرنسية. اختيرت روايته "أيام الرماد" من بين أفضل 105 رواية عربية نشرت في القرن الماضي، ضمن استقراء نشرته جريدة الأهرام القاهرية.
حاصل على عدة جوائز من أهمها جائزة فاس للثقافة والإعلام لسنة 1976، وجائزة المغرب للكتاب لسنة 1977. و 2009 عن روايته الأخيرة "أبنية الفراغ". كما حائز على وسام العرش من درجة فارس .
عضو اتحاد كتاب المغرب واتحاد الكتاب العرب، وجمعيات ثقافية منحته عضويتها الشرفية، وأخرى منحته شهادات تقديرية.
المؤلفات
• الأعمال الروائية
1- أبراج المدينة، اتحاد كتاب المغرب بتعاون مع اتحاد الكتـاب في العراق، دار آفاق عربية ، 1978 . 104 ص .
2- رحيل البحر، طبعة أولى، المؤسسة العربية للدراسات والنشـر، بـيروت، 1983 . طبعة ثانية، مؤسسة منتدى أصيلة 2002 . 320 ص.
3- المباءة، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، طبعة أولى 1989، طبعة ثانية 2000 . 198 ص . طبعة جديدة صادرة عن مكتبة الأمة بالدار البيضاء، أكتوبر 2005، مخصصة لتلاميذ الثانوي.
4- فوق القبور/ تحت القمر، منشورات عيون، الدار البيضاء 1988 . 69 ص .
5- أيها الرائي، دار الأمان، الرباط، 1990 . 79 ص .
6- أيام الرماد، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1994 . 305 ص .
7- مغارات، الطبعة الأولى، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1992 الطبعة الثانية، مطبعة الساحل، الرباط ، 1994 . 158 ص .
8- عيوشة امرأة الشمس والقمر، رواية للفتيان، دفاتر المدرسة العليا للأساتذة بتطوان، نوفمبر 1996.
9- مهاوي الحلم، البوكيلي للطباعة و النشر، القنيطرة، 1998 . 100 ص .
10- ضحكة زرقاء، منشورات الزمن، الرباط، يوليوز 2000 . 155 ص .
11- خفق أجنحة، مطبعة طوب بريس، الرباط2002 .
12- كائنات محتملة، مطبعة طوب بريس، الرباط 2002 . الطبعة الثانية: روايات الهلال، القاهرة، فبراير 2003.
13- الخفافيش، وكالة الصحافة العربية، القاهرة2002 .
14- زهرة الآس، رواية في ثلاثة أجزاء : ( واد رشاشة / شم النسيم في جنان السبيل / دار الدبيبغ ) ، عن منشورات السليكي، طنجة، بدعم من وزارة الثقافة والاتصال، 2003.
15- دم الوعول، منشورات سليكي، طنجة، بدعم من وزارة الثقافة، 2005 .
16- امرأة من ماء، منشورات سليكي إخوان، طنجة، بدعم من وزارة الثقافة، 2005.
17- بطن الحوت، منشورات سليكي إخوان، طنجة، بدعم من وزارة الثقافة، 2006.
18- حكاية غراب، منشورات سليكي إخوان، طنجة، 2007بدعم من وزارة الثقافة.
19- أبنية الفراغ، منشورات سليكي إخوان، طنجة، 2008بدعم من وزارة الثقافة.

ـ الأعمال الروائية والقصصية الكاملة في خمسة مجلدات، عن وزارة الثقافة، وتشمل: الأعمال الروائية في ثلاثة مجلدات، (13 رواية). والأعمال القصصية في مجلدين، (9 مجموعات قصصية).
• الأعمال القصصية
1- أوصال الشجر المقطوعة، دار النشر المغربية، الدار البيضاء 1975 .
2- النداء بالأسماء، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1981.
3- منزل اليمام، مطبعة برانت ديفزيون، سلا، 1995
4- ) الشبابيك، البوكيلي للطباعة والنشر، القنيطرة، 1996.
5- يتعرى القلب، وكالة شراع، طنجة، يونيه 1998 .
6- شيء من رائحته، منشورات عكاظ، الرباط، أكتوبر 1999.
7- شمس سوداء، دار توبقال، الدار البيضاء، 2000.
8- باب العين، متضمة في الأعمال القصصية الكاملة، الصادرة عن وزارة الثقافة.
9- جهة الماء، متضمة في الأعمال القصصية الكاملة، الصادرة عن وزارة الثقافة.
• الأعمال المسرحية:
1- تحفة النظار ( عن رحلة ابن بطوطة )، دفاتر المدرسة العليا للأساتـذة بتطوان ، يونيه 1999 .
2- شجرة الأحلام / الـمَحَّاء / الغريب في الميناء (نصـوص مسرحية)، المركز المغربي للإعلام، يوليوز2001.
• قصص الأطفال:
1 ـ الأقفاص والعصافير، ( بالعربية الإسبانية)، الناشر : جمعية العمال والمهاجرين المغاربة بإسبانيا (أتيمي)، مطبعة سيربيفار، الترجمة إلى الإسبانية : سعاد الزواق، رسوم الفنان السوداني عبد الله ميرغني، 1997
2 ـ اللقلاق الأعرج، (بالعربية والفرنسية)، منشورات مرسم، رسوم عبد القادر الأعرج، الرباط، 2002.
3 ـ سمكتي الرائعة، منشورات صوت الطفل، 2006 (صدرت في طبعتين).
ــــــــــــــــــــــــــ
منشورات وزارة الثقافة :
4 ـ جدتي صيحة، رسوم عبد الله درقاوي، 1999.
5 ـ النمر الذي أراد أن يفترس النهر، رسوم نبيل الدادسي، 2000.
6 ـ جوقة الفئران، رسوم عبد المجيد أوليد، 2000.
7 ـ التاجر عبد الأحد والقراصنة، رسوم عبد الله ميرغني، 2004.
8 ـ الفراشة الحائرة، رسوم عزيز السيد، 2004.
9 ـ النرجسة والذئاب، رسوم عزيز السيد، 2004.
10 ـالطاووس المختال، رسوم عزيز السيد، 2004.
11 ـ الذئب والقنفذ، رسوم عزيز السيد، 2004 .
12 ـ الفيل والحطاب، 2007.
13 ـ الثعبان الماكر، 2007.
14 ـ فم الأسد، 2007.
15 ـ النسر والقرد والحمامة، 2007.
16 ـ القرد الفنان، 2007.
ــــــــــــــــــــــ
منشورات دار الكتب الحديثة بلبنان:
17 ـ حومة الأقزام.
18 ـ القرد الفنان.
19 ـ الغراب ألأبيض.
20 ـ الحمامة الحنون.
21 ـ الأقفاص والعصافير.
22 ـ البجع والبحيرة.
23 ـ القنفذ الأملس.
• الأعمال النقدية:
1- الكتابة الروائية في (رفقة السلاح و القمر)، دار النشر المغربية، الـدار البيضاء، 1984.
2- السرد في روايات محمد زفزاف، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 1985.
3- الكاتب الخفي والكتابة المقنـعة، وكالة شراع، طنجة، يونيه 2000.
4- تنويعات الخطاب الروائي العربي، التشخيص والاستعارة، قراءة في أعمال.
5- الرواية العربية الجديدة، تنويعات الشكل والخطاب.
6- المرايا المهشمة (قراءات في أعمال روائية مغربية)
7- أسئلة الثقافة والإبداع في المغرب.
المذكرات:
ـ محمد شكري كاتب من زماننا، منشورات سليكي إخوان، طنجة، 2003.
ـ مبدعون عرفتهم.
الحوار:
ـ حوار مع الفنان أحمد العمراني (حدائق اللون وحرائق الجسد) ، طوب بريس، الرباط، 2003.
ـ حوار مع الشاعر محمد السرغيني (جذور في الحياة، جذور في القصيدة).

ايوب صابر 05-23-2012 11:40 AM

أدب فن: القاص والروائي المغربي محمد عز الدين التازي

القاص والروائي المغربي محمد عز الدين التازي
================================================== ==============================
محمد سعيد الريحاني on 11/ 9/ 2008

"قليلون هم الذي وصلوا إلى تحقيق القيمة
الأدبية بعمل واحد، إن الكَمَّ هو الطريق
للوصول إلى النوع"
الروائي المغربي محمد عز الدين التازى من
مواليد سنة 1948 بمدينة بفاس ، حاصل على
الدكتوراه في الأدب الحديث، يعمل أستاذا
للتعليم العالي بالمدرسة العليا للأساتذة
بتطوان، عضو عدة جمعيات وهيئات ثقافية. ترجمت
بعض مجاميعه القصصية القصيرة إلى الفرنسية
والإنجليزية والإسبانية والألمانية
والسلوفانية، وترجمت روايته "مغارات" إلى
الفرنسية. اختيرت روايته "أيام الرماد" من بين
أفضل 105رواية عربية نشرت فى القرن الماضي.
جمعنا اللقاء به فكان هدا الحوار.
- محمد سعيد الريحاني: إذا طُلِبَ من الأديب
محمد عز الدين التازي إكمال صورته الإبداعية
المرسومة في دهن القراء، فكيف يقدم مسيرته
وكيف يسترجع بداياته ويستحضر صداقاته
الإبداعية؟
* محمد عز الدين التازي: في مطلع الستينات من
القرن الماضي، بدأت أحاول الكتابة وأنا تلميذ
في الثانوي. حاولت أن أكتب الشعر تحت تأثري
بمقروءاتي في الشعر العربي القديم والحديث،
لكني أدركت أن طريق الكتابة الشعرية لن
يوصلني، فقد أدركت بحس خاص أن الرداءة هي ميسم
ما كنت أكتب. كانت الرغبة في الكتابة تراودني
بقوة، بدوافع داخلية وأخرى خارجية. الدوافع
الداخلية غير مفسرة، والدوافع الخارجية تعود
إلى أنني كنت أحيا وحيدا، أستشعر فراغا كبيرا
في حياتي، لا أملكه إلا بالقراءة، والقراءة
في هذه المرحلة لم تكن موجهة من قبل أحد، لذلك
كنت أقرأ كل ما يصل إلى يدي من كتب.
بدء من منتصف الستينات، تعرفت على مجلة
الآداب ومجلة شعر البيروتيتين، وبدأت
قراءاتي تتوجه نحو التراث الأدبي والفكري
العربي، والأدب العربي الحديث، ومترجمات
الأدب العالمي. أعجبت بقصص يحيا حقي ويوسف
الشاروني ويوسف إدريس وقرأت كل أعمال نجيب
محفوظ التي كان قد نشرها، وما كتب حولها من
نقد، وخاصة كتابات صبري حافظ. كما قرأت
الأدبيات الوجودية والماركسية والكثير من
مترجمات الأدب العالمي. وفي هذه المرحلة،
كتبت قصصا قصيرة وبدأت النشر سنة 1966 في الملحق
الثقافي لجريدة الأنباء ثم في صفحة أصوات وفي
الملحق الثقافي لجريد العلم. كنت ما أزال
تلميذا في ثانوية القرويين بفاس، ومقروءاتي
ولدت لدي صدمة كبيرة بالمقارنة مع ما كنا
ندرسه. في نفس الثانوية وجد معي، وفي نفس
المرحلة، القاص أحمد بوزفور، والشاعران عبد
العلي الودغيري وأحمد مفدي، لكني سبقتهم إلى
النشر، إن لم أكن قد سبقتهم إلى الكتابة. كما
تعرفت على الشاعر محمد بنيس في نفس المرحلة،
وقبل أن ننتقل إلى كلية الآداب بفاس، وتعرفت
على الشاعر محمد السرغيني الذي مدني بالكثير
من الرعاية الأدبية.
في كلية الآداب، التي التحقت بها سنة 1967،
تعرفت على الكثير من الكتاب والشعراء الشباب:
أحمد المديني، محمد بنطلحة، المهدي أخريف،
إدريس الملياني، إدريس الناقوري، أحمد
زيادي، وكثيرين، كانوا مهووسين مثلي بأسئلة
الكتابة. تعرفت أيضا على أساتذة تشغلهم قضايا
النقد والإبداع، وهم: محمد برادة، حسن
المنيعي، محمد الخمار الكنوني، أحمد
المجاطي، وأحمد اليابوري، وإبراهيم
السولامي. وهؤلاء الأساتذة، أصبحوا بسماحتهم
وتواضعهم أساتذة وأصدقاء، فتحوا لي بيوتهم،
وحبوا كتاباتي بالكثير من التشجيع. في سنة 1968
نلت جائزة جمعية البعث الثقافي بمكناس، التي
كان الأستاذ حسن المنيعي هو المشرف عليها،
وفي سنة 1969 نلت جائزة القصة القصيرة، التي
نظمها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، فرع فاس،
وكان في لجنتها الأساتذة: برادة واليابوري
والمجاطي. علمتني هذه الوضعية: الاسترشاد
بمقروءاتي، رفقة الأدباء الشباب، نيل
جائزتين، الإصغاء إلى أسئلة الأدب والنقد
التي كان يصوغها أساتذتنا من الغليان السياسي
للمرحلة ومن الثقافة الطلائعية الجديدة التي
كان يعرفها العالم.
لذلك أقول إنني قد أتيت إلى الكتابة من
القراءة، وبعبارة أخرى، لقد تعلمت الكتابة من
القراءة.
- محمد سعيد الريحاني: من بين الكتاب من جيل
الرواد، يبدو أن محمد عز الدين التازي من
القلائل الذين نالوا نصيبهم من المواكبة
النقدية والتكريم والاعتراف في حياتهم. إلى
ماذا تعزون ذلك؟
* محمد عز الدين التازي: ليس من حقي أن أفسر ما
قام به الآخرون تجاه أعمالي من مواكبة نقدية،
أو احتفاء بشخصي، فهم الأجدر بأن يجيبوا عن
هذا السؤال. أما من جانبي، فأنا لم أحرض أحدا
على أن يكتب عن عمل من أعمالي، ولم أسع إلى
الجوائز، إيمانا مني بأن الجوائز هي التي
تأتي إلى الكاتب وليس هو من يسعى إليها، ولم
أدفع بجهة من الجهات التي كرمتني، وهي كثيرة،
إلى أن تقوم بهذا التكريم. إنني بالمناسبة،
أشكر تلك الجهات مبادرتها التي هي محل تقدير
مني، لكني غارق في مشاريعي الأدبية، ولست ممن
يكتبون ويروجون بالدعاية لأعمالهم.
- محمد سعيد الريحاني: الراحل، الشاعر الكبير
محمد الخمار الكنوني، صاحب الديوان الشعري
الوحيد: "رماد هسبريس" الصادر سنة 1987، في أحد
حواراته نصح الشعراء الشباب بأن يكونوا مقلين
في إنتاجاتهم. بالنسبة لمحمد عز الدين التازي
صاحب أزيد من خمسين عملا إبداعيا في شتى
الألوان الأدبية، من القصة القصيرة مرورا
بالرواية والمذكرات ووصولا إلى أدب الأطفال،
بماذا تنصح الكتاب الشباب؟
* محمد عز الدين التازي: كان المرحوم الشاعر
الكبير محمد الخمار الكنوني قد وجه إلي نصيحة
من نوع آخر، وهي أن أكتب باستمرار، وألا أنتظر
نشر عمل حتى أكتب آخر. والمرحوم محمد الخمار
كان قد حدثني عن رواية شرع في كتابتها، فهو
نفسه، كسعدي يوسف، وغيرهما من الشعراء، وجدوا
في الكتابة السردية ما يغري بارتيادها. وحقا،
فلقد كان محمد الخمار، إلى جانب أحمد
المجاطي، شاعرين مقلين، يُقَطِّرَان
قصائدهما ويعتصران معانيها وصورها ولغتها من
تكثيف شعري دال وموح ورامز. ذلك كان توجههما
في الكتابة الشعرية. أما بالنسبة إلي، وإلى
كتاب وشعراء مغاربة آخرين، فالكم ليس دليلا
على القيمة الأدبية للكاتب أو الشاعر، ومع
ذلك، قليلون هم الذي وصلوا إلى تحقيق القيمة
الأدبية بعمل واحد، كما حدث مع رامبو على سبيل
المثال. إن الكَمَّ هو الطريق في رأيي، للوصول
إلى النوع، أي إلى التنويع في الأشكال
والمضامين. إن روائيا كنجيب محفوظ، وقد نشر
أزيد من أربعين رواية، ما كان بإمكانه أن
يُوَسِّعَ من عوالمه ومن بنائه للأشكال،
وكذلك الأمر بالنسبة لروائيين عرب، كإدوار
الخراط ،إلياس خوري، نبيل سليمان، ومغاربيين
كواسيني الأعرج، أحلام مستغانمي، صلاح الدين
بوجاه، محمود طرشونة، ومغاربة كمبارك ربيع،
أحمد المديني، والميلودي شغموم.
أنصح الكتاب الشباب بألا يستمعوا إلى نصيحة
أحد، ففي مجال الكتابة الأدبية، لا شيء ينير
الطريق غير تلك النصائح التي يوجهها الكاتب
لنفسه، وهو يحفز وعيه النقدي، المرافق
للكتابة، على التوجيه نحو يخفف من غلواء
المغامرة، وما يُبْقِي للكتابة قوتها
الدلالية والجمالية. إن من يستحضر هذا الضمير
لا يحتاج إلى نصيحة أحد، كما أن من يسترخص
الكتابة هو الآخر، لا يحتاج إلى نصيحة أحد.
- محمد سعيد الريحاني: كنتم من رواد الكتابة
القصصية في المغرب، لكن سرعان ما تحولتم إلى
الرواية، وقطعتم صلتكم بكتابة القصة القصيرة.
هل القصة القصيرة مجرد عتبة لدخول عوالم
السرد المطول؟
* محمد عز الدين التازي: ليس صحيحا أنني قد
قطعت صلتي بكتابة القصة القصيرة، فهذا الجنس
الأدبي القائم على اللحظة، والتكثيف،
والشاعرية، يظل دوما، جنسا أدبيا له قدرته
على التقاط تفاصيل دالة من اليومي، وقدرته
على ربط الصلة بالقارئ، من خلال النشر في
الجرائد والمجلات. لم أعد أداوم على نشر قصصي
القصيرة بالكثافة التي كانت في السابق، لكني
ما زلت أجد في كتابة القصة القصيرة ذلك
الافتنان القديم، وما زلت أخبر إمكاناتها
التعبيرية والجمالي، كشأن صديقي، الروائيين
مبارك ربيع وأحمد المديني، اللذين رغم
انشغالهما بكتابة الرواية وبكتابات أخرى، ما
يزلان على نفس الوفاء القديم لكتابة القصة
القصيرة، وكشأن كتاب عالميين كإرنست همنغواي
وأرسكين كالدويل، جمعوا بين الكتابة في
الجنسين. الأمر ليس مفاضلة بينهما، فلكل
منهما حدوده ووسائطه في التعبير. في أعمالي
الكاملة، تسع مجموعات قصصية، اثنتان منهما لم
يسبق نشرهما، ولدي مجموعة قصصية هي العاشرة،
تنتظر النشر.
- محمد سعيد الريحاني: يعرف المغرب حاليا
حركية غير عادية تهم جنس القصة القصيرة،
يقودها في الغالب قصاصون شباب. هل ترتبط القصة
القصيرة دائما بفترة الشباب، أم أن ثمة وعيا
جديدا لدي القصاصين المغاربة بأهمية جنس
القصة القصيرة؟
* محمد عز الدين التازي: أتابع باهتمام ما
يكتبه جيل جديد من الكتاب المغاربة، وفي كل
الأجناس الأدبية، فللشعر طفرته الجديدة،
وللقصية القصيرة أقلامها التي أشرقت بالكثير
من النصوص الجميلة، ومن هذه الأقلام ما انضم
إلى جمعيات فاعلة في تخصيب الكتابة القصصية،
ك"مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب"،
التي احتضنت الكثير من الأقلام المبدعة،
وأصدرت العديد من المجموعات القصصية
المطبوعة بطابع التجديد، فضلا عن الكتب
النقدية التي واكبت هذا الجنس الأدبي،
ومجموعة" الكوليزيوم القصصي" التي نظمت عدة
ندوات ولقاءات حول الكتابة القصصية، ونشرت
كتابها الأول.
لكني لا أربط بين هذه الحركة وبين فترة
الشباب، بل أربط بينها وبين الإشراقات
السردية الجميلة التي يقدمها هذا الجنس
الأدبي، وطاقاته الإبداعية في خلق اللحظة
الاجتماعية والجمالية، وهو ما يشكل نوعا من
الإغراء الذي يستقطب الكتاب والمبدعين.
- محمد سعيد الريحاني: هل يمكن اعتبار المغرب
عاصمة مغاربية للقصة القصيرة، على غرار تونس
كعاصمة للشعر، والجزائر عاصمة للرواية؟
* محمد عز الدين التازي: الإبداع الأدبي، شعرا
وقصة قصيرة ورواية، لا عاصمة له، فهو كوني،
لأن خطابه يتجه نحو الإنسان أينما كان. ومع
ذلك، فقد وجدت بعض الجهات الثقافية، في
البلدان المغاربة، وفي المشرق العربي، اهتمت
بالإبداع القصصي والشعري والرواية ونظمت له
عدة لقاءات وندوات. وإذا كنت تسمي تونس عاصمة
للشعر، فقد نظمت بها ندوات ولقاءات اهتمت
بالكتابة الروائية العربية، وفي مدينة قابس
خصوصا، التي أصبح لها تقليد عقد الندوات حول
الكتابة الروائية العربية. وإذا كنت تسمي
الجزائر عاصمة للرواية، فبها توجد جمعية
"الجاحظية"، التي يرأسها الروائي الجزائري
الكبير الطاهر وطار، وهذه الجمعية تنظم جائزة
للشعر باسم الشاعر الجزائري الكبير مفدي
زكريا، وقد نالها مؤخرا الشاعر المغربي إدريس
علوش. أما وأنت تسمي المغرب عاصمة للقصة
القصيرة، فقد نظمت بالمغرب عدة ندوات حول
الرواية.
إن البلدان المغاربية الثلاثة، وبلدانا
عربية أخرى على رأسها مصر، تعرف التفاتا خاصا
نحو الإبداع الأدبي، وفي كل الأجناس، كما في
الكتابة النقدية، بعد أن ظهرت حركة أدبية
تجديدية وتحديثية، شملت كل الأجناس، كما شملت
النقد الأدبي، أسس لها وعي جديد بماهية
الأدب، وتصويره لتحولات المجتمع، واشتغاله
على بناء الأشكال.
- محمد سعيد الريحاني: الأدب والنقد وجهان
لعملة واحدة، لكنهما يظلان يتناوبان على
القيادة، فمنذ أرسطو حتى القرن التاسع عشر،
سيطر النقد الأرسطي وظل متحكما في الإبداع
الأدبي والقراءة تحكما شبه مطلق، إلى أن
انتفض الإبداع مع الثورة الرومانسية. هل
تعتقدون أن الإبداع الأدبي في المغرب يقود
النقد أم العكس، أم أن ثقافة حوار الصم هي
السائدة؟
* محمد عز الدين التازي: ظل النقد الأرسطي
مؤثرا في كل النظريات النقدية التي جاءت
بعده، سواء في الخطاب النقدي العربي القديم،
أو حتى في النقد الجديد الفرنسي
والأنجلوساكسوني. والأمر يرجع إلى التنظيرات
الهامة التي جاءت مع كتابي أرسطو: "فن الشعر"
و"فن الخطابة"، أو المفاهيم التي أحدثها
كالمحاكاة والتطهير والباروديا وتقسيماته
لأنواع الأدب. وهي تنظيرات ومفاهيم استفاد
منها النقد الجديد وطورها وأضاف إليها. كذلك
كان النقد الأدبي يبني ذاته وامتداده على
الأسس النقدية التي جاءت مع النقد الأرسطي،
فقد ظلت الأعمال الأدبية في حاجة إلى الوصف،
والتقييم، والتفسير، لأنها لا تغتني إلا بما
يمارسه الناقد عليها من فعل للقراءة، وهذا
الفعل القرائي، عندما يتجاوز الانطباعية،
والاعتماد على البلاغة القديمة، في مواجهة
نصوص تأسيسية لقيم وجماليات أدبية جديدة،
فإنه يستفيد من الخلفيات والمرجعيات
النظرية، وهو أيضا، يكتشف في تلك الأعمال
صَوْغَهَا الجديد لمعنى الذات ومعنى العالم
وبناء الأشكال، ليؤسس على ذلك خطابا نقديا
يتجدد في تنظيراته ومفاهيمه ومصطلحاته.
مسألة تبادل التأثر والتأثير بين النقد
والإبداع الأدبي تشبه علاقة البيضة
بالدجاجة، أيهما أسبق، وهي تشبه الأدوار
المتبادلة التي يقوم بها الممثلون على خشبة
المسرح الواحد. مع ذلك، فإن هيمنة النقد على
الإبداع، أو ما سمي بسلطة النقد والناقد، ظل
ينتمي إلى مرحلة في تاريخ النقد الأدبي، هي
التي ارتبطت بالحكم على الآثار الأدبية
وتقييمها بأحكام القيمة، انطلاقا من الذوق
الأدبي للناقد وثقافته. وكرد فعل على هذه
الوضعية، ظهرت سلطة الإبداع، التي اخترقت
سلطة النقد، وفي وضع ثالث عرفته أوربا
استعادت العلاقة بين النقد والإبداع
توازنها، فقد جاءت الحركات الرومانسية
والسريالية بتنظيراتها التي اجتمع فيها نقاد
ومبدعون، وكتب الشاعر بودلير عن مدام بوفاري
لفلوبير، وجاءت الرواية الجديدة في فرنسا
بنقاد روائيين جمعوا بين الكتابة والتنظير.
مع ظهور النقد الجديد، باتجاهاته النقدية، لم
تعد ثمة من خصومة بين المبدع والناقد،
فالتنظيرات والمفاهيم أصبحت ذات صلة وثيقة
بالمَدِّ الإبداعي وإنجازاته النصية.
أما في المغرب، فقد كَوَّنَ النقد الأدبي
تاريخيته من المراحل التي عاشها، وهي مراحل
ارتبطت بالتحولات التي عرفها النقد الأدبي في
أوربا، فمن النقد الإيديولوجي الذي ظل يحاكم
الأعمال الأدبية بمواقع كتابها إلى نظرية
الانعكاس التي جاء بها لوكاتش، إلى البنيوية
والبنيوية التكوينية والنقد الباختيني
والنقد السيميائي والتفكيكي والهرمينوتيقي
والتأويلي الخ... هو مشهد نقدي ساهم في تكوينه
نقاد مغاربة تكثر أسماؤهم كما تكثر أسماء
المبدعين الذين تعرضت أعمالهم لهذا النقد،
والذين كتبوا الشعر والرواية والقصة القصيرة.
فمن المشرحة التي تعرضت إليها النصوص، إلى
الغلواء في ربط الكتابة بنخبوية وبورجوازية
الكاتب، إلى الوصف البنيوي، إلى المقاربة
السيميائية، الخ...
في هذا المشهد النقدي، الذي عرف تاريخيته
وتطوره وتقاطعاته، نجد أن النقد المغربي الذي
ارتادته أقلام نقدية مغربية كثيرة، اجترجت
نصوصا مغربية وعربية، كان وما يزال يبحث عن
نفسه، مستلهما، أو متكئا على بعض الصنافات
النقدية التي تنتمي إلى إنجازات نقاد غربيين
أقاموها على نماذج من الأدب الغربي. لكن نظرية
الأدب، بشقها الذي ينتمي إلى الشعرية، وهي
تبحث في المبادئ العامة للأدب، وفي
الأدبية،تردم هذه الهوة بين نص كتبه مغربي أو
غير مغربي، كما أن علم السرد، بما أرساه من
قواعد لدراسة السرد الأدبي، لا يميز بين نص
كتبه مغربي أو غير مغربي. لذلك، فقد وجد في
المغرب نقد أدبي يقترب من الدقة العلمية،
المبنية على قواعد هذا النقد، كعلم، ومن
احترام خصوصية الأعمال الأدبية، على سبيل
الكشف عن هذه الخصوصية.
ليس ثمة من حوار للصم بين النقد الأدبي، وبين
الإبداع الأدبي في المغرب، بل ثمة تحاور بين
النص والقراءة. هذه هي القمة التي وصلت إليها
العلاقة بين النقد والأدب، وهي لحظة أدبية
مشتركة بين النقاد والمبدعين، فكما أن النقد
يبحث عن سبيل لتطوير أدواته وآليات اشتغاله،
فالإبداع الأدبي يشتغل أيضا، بتطوير توسيعه
للقاعدة الاجتماعية التي تشكل موادا بانية
لأعماله، كما يشتغل على تطوير التقنيات
الأدبية، والاشتغال على إستراتيجية الأشكال،
التي منها يكتسب أدبيته.
- محمد سعيد الريحاني: إذا طلب منكم رسم
جغرافية الرواية عربيا وجغرافية الرواية
مغربيا، ما هو سلم التصاميم الذي سوف
تستعملونه؟
* محمد عز الدين التازي: الرواية العربية،
ومنها الرواية المغربية، تعرف تواترا كبيرا
في النمو، واطرادا في نشر نصوص متميزة، وهذا
ما يلفت النظر إليها، فالتحولات الكبرى جارية
في الإنجازات الروائية العربية والمغربية،
بتدفق نصوص قوية على مستوى الاشتغال الذات،
وتحولات المجتمع، والذاكرة الجمعية،
والمنسي، والتاريخي المستعاد عبر الكتابة. إن
ما يكتبه الروائيون العرب، والمغاربيون،
والمغاربة، من أعمال روائية، وفي إنجازاته
المتميزة، هو رهان على اشتغال روائي يجترح
الذات ومجتمع الذات، ويوسع من آفاق الممكن
والمحتمل والمتخيل، ولعل هذه الإنجازات لا
تتميز بكونها طفرة أو موجة لها توقيتها الذي
تتراجع فيه، بل إنها تتميز بأنها اشتغال على
الكتابة الروائية، يعي تحولات المجتمع،
وبالتاريخ الذي صنع هذه التحولات، ويعي أيضا
بأن الرواية هي كتابة تكتب ذلك عبر اللغة،
والمتخيل، وعبر اللعبة السردية. هذا الرهان،
هو استعادة للذات العربية، والهوية العربية،
من خلال تشكيل لحظاتها الصعبة والاستثنائية،
من خلال التخييل الروائي. بالمناسبة، أذكر
أعمال بعض أعمال الروائيين العرب
والمغاربيين والمغاربة، قد أسست لمعنى الحفر
في أركيولوجية مجتمع عربي له نداءات الذاكرة
الخصبة، وجراح التاريخ وجراح الذات و الجسد،
ولمتخيله الشعبي.
إن الرواية العربية اليوم، ومن ضمنها الرواية
المغاربية، والمغربية، تتجه نحو اشتغال أساس
على المجتمع ومجتمع الذات، وعلى الكتابة،
باعتبارها وعيا شقيا بالمجتمع ومجتمع الذات،
كما تشتغل على الكتابة باعتبارها صنعة روائية
وبناء لإستراتيجية الأشكال. إذا كان هذا
التصور لا ينسحب على كل الأعمال المنشورة،
فهو ينسحب على الأعمال التي اكتسبت هذه
الخواص الاجتماعية والجمالية، وهي كثيرة،
والأسماء التي أنجزت أعمالا روائية بكل هذا
البهاء، كثيرة، عربيا، ومغاربيا، ومغربيا.
- محمد سعيد الريحاني: ما هو أقرب أعمالكم إلى
وجدانكم، وما هو العمل الذي تمنيتم لو عاد
الزمن إلى الوراء، لتعيدوا كتابته وتنسيقه؟
* محمد عز الدين التازي: في العشرين رواية التي
كتبتها لحد الآن (ثمانية عشر رواية منها
منشورة، وروايتان بصدد النشر)، لا أجد سبيلا
للجواب عن هذا السؤال. لست أتعامل مع رواياتي
بوجدان يشدني إلى إحداها، وإنما أتعامل مع
الرواية التي أنجزتها على أنها تجريب لاختراق
عوالم وتجريب لتقنيات سردية لا يمكن أن تتكرر
في رواية لاحقة. هاجسي هو التجاوز. تجاوز ما
أنجزته في اتجاه ما سوف أنجزه. في مختبري
السردي لا توجد هذه الأفضلية بين كيمياء نص
وكيمياء نص آخر. الروايات التي كتبتها
ونشرتها أنساها عادة، ولا أتذكرها إلا حينما
أريد أن أتجاوز عوالمها في اتجاه عوالم أخرى
مبكرة، وأن أتجاوز تقنياتها السردية لبناء
تقنيات أخرى، حتى لا يكون لي نص روائي يشبه
الآخر. انظر مثلا: إن "رحيل البحر" لا تشبه
"أيها الرائي"، و"مغارات" لا تشبه " خفق أجنحة"،
و"أيام الرماد" لا تشبه "زهرة الآس"، و"امرأة من
ماء" لا تشبه "حكاية غراب". إني أنسى ما كتبت
ونشرت من أعمال، ولا أستحضرها إلا وأنا أبجث
في مختبري السردي عن مغايرة في تفاصيل
المحكي، وطرائق البناء، وتشكيل العوالم،
والاشتغال على الكتابة نفسها من حيث هي لغة
وتخييل.
إن توسيع العوالم، والاشتغال على الأشكال، هو
يشغلني، ولا يشغلني تمجيد عمل من أعمالي، أو
حتى أعمالي كلها. أنا مغامر بالكتابة
والمغامرون من الرحالة ما كانوا يمجدون مكانا
على حساب آخر، بل كانت لهم في كل مكان
يرتادونه جراح حكاية. هكذا أنا أغامر بالترحل
من نص روائي إلى آخر. أجد اللذة في الترحل عبر
الكتابة، دون أن أقع في أسر عمل معين، أسقط في
تمجيده، فذلك يعوق تجاوزه في اتجاه كتابة عمل
آخر مغاير.
أما عن العمل الذي عاد الزمن إلى الأمام، وبعد
نشره، وقمت بإعادة صياغته ومراجعته وتنسيقه
من جديد، فهي أعمال كثيرة قمت بإعادة
الاشتغال عليها، بمناسبة طبعة جديدة، أو
بمناسبة نشر "أعمالي الكاملة" فكنت أتدخل
بالتنقيح اللغوي تارة وتارة أخرى بإعادة
البناء والتشكيل وتارة ثالثة بأعادة صياغة
العمل صوغا جديدا. حدث ذلك مع الطبعة الثانية
من "رحيل البحر" فمن يقارن بين طبعتها الأولى
التي صدرت من بيروت عن المؤسسة العربية
للدراسات والنشر في بيروت وطبعتها الثانية
التي صدرت عن منتدى أصيلة بالمغرب، سيجد أن
تشذيبا لحديقة السرد الروائي قد وقع. وحدث مع
"المباءة"، فمن يقرأ نصها الذي نشرته إفريقيا
الشرق ونصها الذي نشرته مكتبة الأمة سيجد أن
تعديلا كبيرا قد طرأ على النص، وكان ذلك
بمناسبة تقرير الرواية على تلاميذ الثانوي.
التعديلات التي أجريتها على بعض أعمالي، لم
تمس من كيان العمل ومضمونه وروحه، بل هي صوغ
أدبي جديد له، يحافظ على خصوصيته ومعناه،
ولكنه يعمل على تقديمه في حلة أكثر اقتصادا
وبهاء، ربما! لم أكن أخون رواياتي التي مارست
عليها هذا النوع من التعديل، بل كنت أبحث لها
عن شكل أكثر ملاءمة، حتى وقد كانت قد صدرت في
طبعة سابقة، واحتفى بها القراء والنقاد. لا
أجد غضاضة في هذا الأمر، ولست خجولا من
الرواية التي نشرتها، وكما هي، في طبعتها
الأولى، بل أنا، ولقد استشرت العديد من
النقاد في هذه المسألة، أملك الحق في إجراء
مثل هذه التعديلات على النص بمناسبة طبعة
جديدة.
هنا، ومن هذه المكابدة، أقول إنني لست أميل
بحنين خاص إلى واحد من أعمالي، لكي أسميه،
ربما لأن ما سبق أن كتبته من أعمال، لا يشدني
أكثر من مما تشدني الأعمال الروائية التي أنا
بصدد كتابتها، أو الأعمال التي استشرف
كتابتها.
- محمد سعيد الريحاني: ما هو السؤال الذي
تمنيتم لو طرح عليكم، ولم يطرح في هذا اللقاء
الحواري؟
* محمد عز الدين التازي: هو سؤال أنا الذي هو
أنا، والذي ليس هو أنا، في أعمالي الروائية

ايوب صابر 05-23-2012 11:51 AM


محمـد عز الدين التازي
المصدر : اتحاد الكتاب المغاربة
ولد سنة 1948 بفاس, تلقى تعليمه الابتدائي بالمدارس الحرة, ثم التحق بالقرويين, حيث تابع دراسته الثانوية, تابع تعليمه العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس, حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا سنة 1986, يشتغل أستاذا بالمدرسة العاليا للأساتذة بتطوان.
بدأ النشر سنة 1966، وذلك بظهور قصته القصيرة «تموء كالقطط» بملحق الأنباء الثقافي, له كتابات بمجموعة من الصحف والمجلات: العلم, أنوال. الاتحاد الاشتراكي, الآداب, الطريق, الكرمل, آفاق, الثقافة الجديدة, مواقف. يتوزع إنتاجه بين الكتابة الروائية والقصصية والنقد الأدبي.
التحق باتحاد كتاب المغرب سنة 1969.
أصدر مجموعة من الأعمال القصصية والروائية:
- أوصال الشجر المقطوعة: قصص, دار النشر المغربية، البيضاء, 1975.
- أبراج المدينة: رواية, دار آفاق عربية، بغداد, 1978.
- النداء بالأسماء: قصص, دار الآفاق الجديدة, 1981.
- رجل البحر: رواية, المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت, 1983.
- المباءة: رواية, إفريقيا الشرق، اليضاء، 1988.
- فوق القبور، تحت القمر: رواية, عيون، البيضاء, 1989.

- أيها الرائي: رواية, دار الأمان، الرباط، 1990. - يتعرى القلب: منشورات شراع.

ايوب صابر 05-23-2012 11:52 AM

الكتابة غاية الغايات


هكذا تكلم محمد عز الدين التازي

إعداد عزيز الحاكم

_ 1 _ الكتابة مختبر للإشغال، تتخلق فيه المواد الحكائية وتتنظم، وبهذا المعنى فهي ليست مجالا تعويضيا عن خسارات الكاتب، أو موردا يطفئ فيه غلة العطش. هي ممارسة شاقة تسعى إلى خلق العالم وبناء الشخصيات بما فيها من مواقف وأمزجة وطبائع. والشخصيات هي التي تحيا حالات القلق والفرح والاكتئاب والاغتباط. الكاتب هو الآخر يحيا معها هذه اللحظات الانفعالية وغيرها. لكن قلق الكتابة السردية يكمن فيها قبل الكتابة وخلالها، كتأمل لإضفاء طابع التنظيم والبناء على مكونات العمل، وملاعبته باستمرار، ملاعبة لذيذة وقاسية في نفس الآن.

_ 2 _ ليست كتابة الرواية ككتابة القصيدة الشعرية، يمكن أن تستثمر لحظة الانفعال بمشهد أو بلحظة معاناة عابرة، للقبض عليها. بل إنها تحتاج إلى حياد الكاتب، فهو يترك للسارد أن يروي الأحداث ويصور المواقف ويخلق لحظات المفارقة والصراع. لذلك لا أكتب وأنا في حالة انفعال، وغالبا ما تدعوني الكتابة إلى كبح انفعالاتي الخاصة، حتى أتمكن من إكساب انفعالات الشخصيات معنى محددا من خلال المواقف التي تحياها.

_ 3 _ الكتابة شهادة على زوال اللحظات التاريخية وموت الأمكنة. شهادة على ربيع قادم قد نحيا فيه كل فصول الربيع التي مضت. ومأساوية الإنسان التي تعبر عنها الكتابة لا تلغي فرحه بالحياة. الكتابة شهادة على تحول الإنسان والمجتمع والتاريخ، وبهذا المعنى فهي شهادة تخييلية ، غير تاريخية، على التاريخ.

_ 4 _ ليست الكتابة مشروعا تجاريا ولا تبشيريا بأفكار أو إيديولوجيات. ولا هي نزوة، لأن النزوات غالبا ما تنتهي بلحظة الندم. الكاتب الذي يرهن حياته من أجل الكتابة، لا ينبغي عليه أن يندم على خسرانها. وهي ليست منذورة للخلود، بل إنها تمارس سطوتها وإغراءها في زمن / أزمنة القراءة الممكنة على قراء منتظرين هم الذين يبعثونها من النسيان.

_ 5 _ يجد المرء نفسه كاتبا، من غير أن يكون قد تدبر أمره أو اختار، إلا من حيث يكون الاختيار موقفا عقلانيا لتوجهات الحياة. هي صيرورة تعرفها حياة الكاتب، منذ تَشَكُّلِ لحظاتها الأولى. فهناك من يكتب من أجل أن يكتب، وهناك من يكتب من أجل أن يجعل الكتابة مطية لبلوغ منصب أو موقع للوجاهة في مجتمعه، وهناك من يكتب تحت الطلب، أو طمعا في ارتزاق. في الحالة الأولى تصبح الكتابة غاية في حد ذاتها، وهي بالمعنى الصوفي غاية الغايات.

_ 6 _ في الكتابة الروائية يمكن أن نتحدث عن زمن رابع، هو الذي تحضر فيه الأزمنة الثلاثة، ولا أحتاج هنا لأن أتحدث عن الزمن الذي يقع داخل الكتابة، والزمن الذي يقع خارجها. قوة الأشياء هي التي تجعل الكتابة داخل زمنها تتمثل الأزمنة وتستحضرها، وتعيد تنظيم العلاقة بينها عبر تشظيات الزمن وتمزقاته، بفعل الذاكرة أو بفعل الاستشراف، أو بفعل تحيين الماضي، أو بفعل سديمية زمن ما أو صيرورته. ذلك أن زمن الكتابة هو زمن لكل الأزمنة، له إيقاعاته الداخلية التي تنظمها أزمنة الحكي وتزميناته. أما الكاتب فهو يكتب بإيقاعه الخاص وبالطاقة التي يمتلكها.

_ 7 _ بالرغم من التلقائية التي تتميز بها لحظة الإبداع فإن إستراتيجية الاشتغال هي التي توجه العمل وتضبط مقاطعه وتمفصلاته وبناءه العام. وعلى مستوى التأمل المصاحب للكتابة، في تشكلاتها وتكويناتها، فإن بعض الصدف قد تغير من مجرى النص أو اتجاهه، وقد تمنحه حبكة معينة أو بناء ممهورا بشكل من الأشكال.

_ 8 _ تتحقق خطط الكتابة على مستويين: مستوى النص المفرد، بحيث تبحث له عن خصوصية ونكهة وتميز عن الأعمال السابقة عليه، ومستوى التجربة في عموميتها، حيث يتم الاحتفاء بأشكال التنويع في مواد المحكي، أو في بعض المقتربات من توظيف التاريخ والتراث والثقافة الشعبية والمسموع والمرئي. ولعل هذه الخطط هي التي تعمل على توفير الغنائية والهندسية باصطلاح الفن التشكيلي.

_ 9 _ كل الموضوعات صالحة لأن نكتب فيها، فهي لا تكتسب إغراءها وسحرها الخاص إلا من فعل الكتابة نفسه. لأن فعل الكتابة هو الذي يضفي على القبح جمالية، ويخلق التوازن بين العناصر المتنافرة والمفارقة لبعضها. ليس ثمة من موضوع جاهز، بل الكتابة هي التي تراود الموضوع وتستدرجه إلى مختبرها السري.

ايوب صابر 05-23-2012 12:06 PM

لقاء مفتوح مع الروائي محمد عز الدين التازي

بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان
٦ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨بقلم محمد العناز

نظمت شعبة اللغة العربية مؤخرا بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان، في إطار سلسلة " تجارب إبداعية – الحلقة الثانية " لقاء مفتوحا مع الروائي المغربي د. محمد عز الدين التازي بقاعة المحاضرات، في بداية اللقاء قدمت الباحثة والشاعرة لبنى الفقيهي الروائي لجمهور الكتاب والأساتذة والطلبة الحاضرين، بوصفه علامة مضيئة في مسار الرواية العربية الحديثة ..علامة فرضت نفسها منذ أن فوجئ القارئ بروايته الأولى فأدهشتهم لما تنطوي عليه من تقنيات جديدة و خصائص روائية مميَِّزة غير معهودةٍ و لا مسبوقة، مؤكدة على أن هذه الدهشة سرعان ما تحولت إلى إعجاب وفتنة صار المتخيل معهما يرتاد آفاق الحلم و الصورة بما يفضيان إليه من إعادة وصف العلاقة بالعالم وتجديدها.
وعندما اطلع القارئ على أعماله اللاحقة شعر بأن فتحا لأفق جديد على مستويات السرد القصصي قد دشن أمام الرواية المغربية والعربية بل إن هذا الفتح جعل من الرواية العربية تبني أسئلتها الجمالية في ضوء المنجز الروائي الجديد.ثم تحدث بعد ذلك الروائي محمد عز الدين التازي عن تجربته في الكتابة، فتساءل عن معنى أن تستغرق تلك التجربة أكثر من أربعين عاما، أنجز خلالها كتابات متنوعة في الرواية والقصة القصيرة والمسرحية وقصص الأطفال ودراسات في النقد الأدبي. تساؤل قاد الروائي أن يقدم تأنله الخاص، لمعنى كتابته في أجناس متعددة، ومعنى الكم الروائي الذي أنجزه (ثمانية عشر رواية، والكم القصصي (تسع مجموعات قصصية، معبرا عن أنه عندما كتب في عدة أجناس، كان يبحث للموضوعات عن الجنس الذي يستوعبها، وأنه عندما كتب كل ذلك الكم الروائي، لم يكن يراهن على الكم، بل إن ذلك الكم جاء نتيجة اشتغال يومي على الكتابة من جهة، ومن جهة أخرى كبحث مُضْنٍ، عن نص روائي لا يكرر ما سبق أن كتبه روائيون آخرون، أو حتى ما كتبه الروائي نفسه.
عَرَّفَ كتابة الرواية بأنها اشتغال على بناء التفاصيل، واللغة، وممكنات التخييل.
أَكَّدَ على أن رؤية الشخصيات الروائية للعالم، بما فيها من تعدد، ومغايرة، تجعل الرواية في قلب المجتمع، ودافع عن أن هذه النظرة، بتعددها، تمارس نوعا من النقد للذات وللمجتمع، وللسلطة والأحزاب، ومن ثمة فالرواية تتحرر من الروائي، لأنها بتعدد مواقف شخصياتها ورؤيتها للعالم، تنظر إلى العالم بعدة عيون، لا بعين واحدة. كما أن خطاب الرواية، التخييلي، هو خطاب يختلف عن خطاب السياسي والسوسيولوجي والمحلل الاقتصادي، من حيث احتواؤه لعالم أوسع، تقيم فيه الذات الفردية والجماعية بهواجسها وأحلامها وتطلعاتها وإحباطاتها، وهو عالم يشمل زخم اليومي، كما يشمل التاريخي والأسطوري والحلمي.
تحدث عن رواياته الثمانية عشر المنشورة، محاولا القبض على مختبراتها السردية، ومحكياتها الذاتية، والتالريخية، والحلمية، والأسطورية، وتحدث عن محكي الذاكرة وأهميته حضوره في كتاباته، موضحا أن الذاكرة في كتاباته فردية وجماعية، وهي في الحالتين معا، مثخنة بالكثير من الجراح.
اعتبر أن الكتابة الروائية قلق مضاعف، فمن جهة هو قلق أفراد تمثلهم الشخصيات، ومجتمع يتحول، ومن جهة ثانية فهو قلق الرواية وهي تسعى إلى التعبير عن مجتمعها، من خلال الاشتغال على الكتابة، والشكل، واللغة، والرمز، والدلالة.
وقف عند فضاءات المدن التي حضرت في رواياته، وخاصة منها فاس وطنجة، واصفا تجربته مع كتابة الفضاء بأنها لم تقف عند مجرد إدارة أحداث الرواية في خرائط الأمكنة، كما أن المكان ليس مجرد خشبة للمسرح تدور فيها الأحداث، بل إن تجربته تعيد تشكيل الأمكنة بعمقها التاريخي وحياتها الخاصة وما تزخر به من حياة وما تعيشه من موت في الحياة.
رأى أن الرواية لا تنتج خطابا أخلاقيا ولا تتجه نحو كتابة "الأدب الرفيع" و"الأدب الخالص" ولا تسعى نحو توجيه رسالة دينية أو أخلاقية أو سياسية، فرسالتها تكمن في شهادتها على المجتمع الذي تُصَوِّرُه، بكل تناقضاته وتعدد خطاباته. كما أن الروائي لا يوجد كصوت في الرواية، لأن الأصوات المتعددة فيها هي أصوات الشخصيات. ونفى أن يكون قد كتب سيرته في رواياته، معتبرا أنه لو كان قد استمد عوالم رواياته من حياته الخاصة، لكان قد استنفد ما لديه من تجارب في الحياة، وصفها بأنها عادية، ومحدودة، ولا شيء فيها خاص واستثنائي، بينما تستمد رواياتها وجود أحداثها وشخصياتها من قليل من المعايشة، وكثير من التخييل. وذكر أنه يتعجب لشخصيات هو من خلقها من الخيال، وكيف أصبحت مقنعة بواقعيتها.
قال إنه قد ترك العمل السياسي منذ منتصف السبعينات، بعد أن انتبه إلى أن الكتابة الروائية يمكنها أن تمارس نقد الذات ونقد المجتمع ونقد السلطة والأحزاب.
قال أيضا، إنه لا يحب العيش في الزحام. لا يطمح إلى منصب ولا يتاجر بما يكتب، وهاجسه الأساس في حياته هو الحياة التي تحياها الشخصيات في متخيل الكتابة.
تحدث بشفافية عن علاقته بالنشر، وبالمال القليل جدا، الذي جناه مما كتب من أعمال، وبقرائه وأصدقائه الروائيين، واعتبر أن علاقته اليومية بالكتابة، على ما فيها مغامرة شاقة، تملأ حياته اليومية، وتُخْرِجُهُ من العزلة والصمت، ليتحدث مع كائنات رواياته، المحتملة.
وقال: ثمة أمل لكلكامش، ليتصالح مع أنديكو، ليقفا معا ضد الآلهة، ولكن، ليس ثمة أمل لقابيل، وهو يُجَدِّدُ يوميا، من قتله لهابيل.

ايوب صابر 05-24-2012 01:35 PM

ما الذي صنع ابداع الاديب محمد عز الدين التازي؟
- في مطلع الستينات من القرن الماضي، بدأت أحاول الكتابة وأنا تلميذ في الثانوي. حاولت أن أكتب الشعر تحت تأثري بمقروءاتي في الشعر العربي القديم والحديث، لكني أدركت أن طريق الكتابة الشعرية لن يوصلني، فقد أدركت بحس خاص أن الرداءة هي ميسم ما كنت أكتب. كانت الرغبة في الكتابة تراودني بقوة، بدوافع داخلية وأخرى خارجية. الدوافع الداخلية غير مفسرة، والدوافع الخارجية تعود إلى أنني كنت أحيا وحيدا، أستشعر فراغا كبيرا في حياتي، لا أملكه إلا بالقراءة، والقراءة في هذه المرحلة لم تكن موجهة من قبل أحد، لذلك كنت أقرأ كل ما يصل إلى يدي من كتب.
- الكتابة شهادة على زوال اللحظات التاريخية وموت الأمكنة. شهادة على ربيع قادم قد نحيا فيه كل فصول الربيع التي مضت. ومأساوية الإنسان التي تعبر عنها الكتابة لا تلغي فرحه بالحياة. الكتابة شهادة على تحول الإنسان والمجتمع والتاريخ، وبهذا المعنى فهي شهادة تخييلية ، غير تاريخية، على التاريخز
- رأى أن الرواية لا تنتج خطابا أخلاقيا ولا تتجه نحو كتابة "الأدب الرفيع" و"الأدب الخالص" ولا تسعى نحو توجيه رسالة دينية أو أخلاقية أو سياسية، فرسالتها تكمن في شهادتها على المجتمع الذي تُصَوِّرُه، بكل تناقضاته وتعدد خطاباته. كما أن الروائي لا يوجد كصوت في الرواية، لأن الأصوات المتعددة فيها هي أصوات الشخصيات. ونفى أن يكون قد كتب سيرته في رواياته، معتبرا أنه لو كان قد استمد عوالم رواياته من حياته الخاصة، لكان قد استنفد ما لديه من تجارب في الحياة، وصفها بأنها عادية، ومحدودة، ولا شيء فيها خاص واستثنائي، بينما تستمد رواياتها وجود أحداثها وشخصياتها من قليل من المعايشة، وكثير من التخييل. وذكر أنه يتعجب لشخصيات هو من خلقها من الخيال، وكيف أصبحت مقنعة بواقعيتها..
- قال أيضا، إنه لا يحب العيش في الزحام. لا يطمح إلى منصب ولا يتاجر بما يكتب، وهاجسه الأساس في حياته هو الحياة التي تحياها الشخصيات في متخيل الكتابة.
تحدث بشفافية عن علاقته بالنشر، وبالمال القليل جدا، الذي جناه مما كتب من أعمال، وبقرائه وأصدقائه الروائيين، واعتبر أن علاقته اليومية بالكتابة، على ما فيها مغامرة شاقة، تملأ حياته اليومية، وتُخْرِجُهُ من العزلة والصمت، ليتحدث مع كائنات رواياته، المحتملة.

هناك مؤشرات على حياة ازمة لكن لا يمكن الجزم بذلك.

طفولة مجهولة.

ايوب صابر 05-24-2012 03:29 PM

87- رأس بيروتياسين رفاعيةسوريا

ياسين رفاعيه - رأس بيروت



"في روايتي "رأس بيروت" أخذت أتتبَّع بشكل شامل مصائر الناس في رأس بيروت، وما الذي حصل لهم. لم يكن في رأس بيروت مقاتلون، ولكن الحرب حوَّلت حياتهم إلى جحيم بسبب انقطاع الماء والكهرباء. كانت أياماً صعبة جداً. ماهو رأس بيروت الذي سيصبح عنواناً لرواية من روايات الحرب الأهلية. إنه مساحة ضيقة تمثِّل الخليط الاجتماعي الذي أراد المتحاربون أن تمتدَّ الحرب إليه..."

ايوب صابر 05-24-2012 03:30 PM

من اعمال ياسين رفاعية
عندما يستبدُّ الحزن
ما هي المشاعر... وما هي العاطفة؟
إنني أعاني من اهتزاز في هذه الأحاسيس، في كل مواجهة مع الحياة يأتي الحزن أعنف وأقوى ممَّا كان عليه من قبل. يقولون إن العاطفة تنمو وتتغيّر بحسب الحالة التي فيها الإنسان، إنها تصير في برهة شيئاً جديداً. هذا ما قرأته في كتب علم النفس، وظننت أن كل النظريات مادة للكتابة في لحظة يرى المرء الحياة رافلة بالنضارة والشباب، لكأننا نعيش طفولتنا من جديد، ذلك فيما يبدو لنا أننا نخلق أنفسنا باستمرار؛ ربَّما في الكتابة، أو الفن، أو الموسيقا. لكن ما إن تصدمنا فاجعة حتّى يتحوّل كل شيء إلى نقيضه، وتصبح العاطفة غامضة ومبهمة، ويصبح الحزن جامحاً ملتهباً بالألم، يأخذ كل شيء في طريقه كالعاصفة التي تأخذ كل شيء في طريقها: البشر والحجر والرمال والغابات... إننا نتسلّق في الحزن درجات من الحدّة والعذاب، فتتغيّر الصورة، إنها تتحوّل جذرياً حتّى ليتغيّر نوعها، وتبدو الحياة في رمادها الأسود كما لو أنها كيانٌ آخر. وعندما يبلغ الحزن حدّه الأقصى نقترب من الجنون، أو في أبسط الأحوال من الهلوسة وضباب الرؤية. والحزن على عكس الفرح، هو إرغام جميع حواسنا وأحاسيسنا على الانحناء والقبول بما أراده الله لنا، لا نستطيع أن نناقش العدالة السماوية، وعقلنا أعجز من أن يحيط بستر الأقدار ومفارقات الحياة التي رسمها الله للبشر.
الحزن حين يبلغ مداه نبدو معه أشد ضعفاً من سنبلة في مهب الريح، أشد ضعفاً من فراشة، من نملة، من حشرة لا نراها بالعين المجرّدة.
الحزن يقهرنا في أفكارنا وحياتنا إلى حدٍّ كبير من الظلم والاستبداد، إنه يستبدُّ بعواطفنا، ورؤانا، وحاضرنا ومستقبلنا.
أشعر هذه الأيام، وقد فقدت أعزّ مخلوقين على قلبي في فترة زمنية متقاربة. أن المستقبل أصبح مغلقاً في وجهي، بل أصبح نفقاً مسدوداً لا رجاء فيه، وأنّ لا جدوى من المقاومة... فهل عليَّ أن أستسلم وأرمي السلاح والرضوخ للأمر الواقع، هذا الأمر الواقع الذي لا حيلة لنا فيه. هناك دائماً جدلية مستمرة مع العناصر والأشياء تدخل في العاطفة وتعاود خلقها من جديد بمجرّد أن تتكرّر. لا توجد حالتان نفسيتان متشابهتان تماماً.
إن حواسنا تضعنا على اتصال مباشر مع الواقع الذي غالباً ما يكون رديئاً وقاسياً ويقف الحزن سدّاً أمام المشاعر الأخرى، فلا نعود نستطيع أن نفهم أسرار الكون بوضوح: أنت تأتي إلى الحياة، يعني أنك. في المحصلة النهائية. سوف تموت. هذه هي المعادلة، تقبلها في الآخرين ولا تقبلها على من تحب خصوصاً عندما يكون الموت (الذي هو حق ومحتّم) ظالماً إلى حدٍّ يأخذ من بين يديك ابنتك الصبية التي ربيّتها برمش العين ودمعها، ولما تبلغ السابعة والعشرين بعد، في حين لم يمضِ على رحيل حبيبتك ورفيقة عمرك (أمل) أكثر من عام.
هنا يتبدّى ظلم الموت في أحلك صوره. والمشكلة، بل والمأساة أنك لن تستطيع أن تفعل شيئاً سوى أن تبكي في الطرقات، ولا تمسح دموعك.
إن النفوس لا تستطيع النفاذ إلى بعضها، والعواطف لا تُرى من خارج، قد تضطر أن تبتسم وأن تضحك لنكات يحاول أصحابها التخفيف عنك، بينما في الواقع أنت تبكي في داخلك دماً. لا أحد يعرف كم هو جرحك غائر إلا أنت، وأقسى ما في الأمر أنك لا تستطيع أن تعبّر بدقّة عن هذه الحالة التي تهزّك هزاً عنيفاً، فيما تبدو من الخارج أنك ما زلت صامداً، كأبي الهول: أنت مضطر أن تكذب بمشاعرك مع الآخرين، ولكنك لست مضطراً أن تكذب على نفسك، فابكِ: ابكِ ما وسعك البكاء، هو وحده البكاء وبصوت عال يعبّر عن حزنك العميق. إنك تجعل بينك وبين الناس حجاباً كثيفاً عن أعينهم بقدر ما هو شفاف بعينك الداخلية.
إن ما تلتقطه من مشاهد وأصوات تعازيك بهذا الفقد المزدوج، هي ظلال تطفو. في المحصلة. على السطح.
لن تستطيع أن تنصرف عن الحياة، هذا هو قدرك، إن كان من شيء يعزّيك أنك أحببتهما حتّى الطفاف، وإنك فعلت الكثير الكثير لإسعادهما. أمَّا هذا الموت الصلف فهو مصيرنا جميعاً، وهذا هو العزاء. إنك تحاول أن تنفذ إلى جوهر الحياة الدفين وأن تراها على حقيقتها التي كانت ضائعة خلف هذه القشرة السميكة الزائفة التي تنسجها حول عواطفنا ضرورات العمل واللغة والأعراف الاجتماعية، خانقة بذلك حركتها المتفجرة وفرادتها، ولابدّ أن تكشف لنا جزءاً من أنفسنا عندما يقترب الخطر وتموت الحياة...

ايوب صابر 05-24-2012 03:31 PM

ياسين رفاعية

ولد في دمشق عام 1934.
تلقى تعليمه في دمشق. عمل خبازاً وعاملاً في مصنع للنسيج وصحفياً ومحرراً أدبياً،
كما عمل في المكتب الصحفي في القصر الجمهوري(1960-1961)، وفي مجلة المعرفة سكرتير تحرير(1961-1965)،
وفي مجلة الأحد اللبنانية رئيساً للقسم الثقافي وفي الصحافة العربية في لندن. ثم انتقل إلى بيروت.
عضو جمعية القصة والرواية.
مؤلفاته:
1-الحزن في كل مكان- قصص- ط1- دمشق 1960- ط2- بيروت 1982.
2-جراح- رسائل حب بوح- شعر دمشق 1961.
3-العالم يغرق- قصص- ط1 دمشق 1963- ط2 - دار النهار- بيروت 1977.
4- العصافير - 3 طبعات، بيروت 79-83.
5-لغة الحب- شعر- ط1 دار النهار - بيروت- ط2- المؤسسة العربية للدراسات 1983.
6-الممر- رواية- ط1-دمشق 1978- ط2-بيروت 1983 ترجمت إلى الانكليزية.
7-أنت الحبيبة وأنا العاشق- شعر- ط1 بيروت 1978 -ط2 - دار الخيال- بيروت 1996.
8-العصافير تبحث عن وطن- قصص للأطفال- بيروت 1979.
9-الرجال الخطرون- قصص- بيروت 1979.
10-الورود الصغيرة- قصص للأطفال- بيروت 1980-1983.
11-مصرع الماس- رواية- ط2. الهيئة العامة المصرية للكتاب- القاهرة ترجمت إلى الانكليزية.
12-نهر حنان- قصص- بيروت 1983.
13-رفاق سبقوا- ذكريات-دار رياض الريس للنشر- لندن- 1989.
14-دماء بالألوان- رواية- الهيئة العامة المصرية للكتاب. القاهرة 1988.
15-رأس بيروت- رواية- باريس. دار المتنبي 1992.
16-وردة الأفق- رواية- لندن.دار هالرلكن 1985.
17-الحصاة- قصص-.- تونس- الدار العربية للكتاب 1990.
18-امرأة غامضة- القاهرة- دار سعاد الصباح. رواية- 1993.
19- حب شديد اللهجة- شعر - دار الفاضل- دمشق- 1994.
20- كل لقاء بك وداع - شعر - دار الفاضل- دمشق- 1994.
21- أُحبك وبالعكس أُحبك- شعر - دار الفاضل- دمشق- 1994.
22- معمر القذافي وقدر الوحدة العربية- بيروت- دار العودة- 1973.
23- أسرار النرجس (رواية) 1998.

ايوب صابر 05-24-2012 03:32 PM

شهادة رشاد أبو شاور في احتفالية تكريم الروائي والقاص السوري ياسين رفاعيّة *
ياسين رفاعيّة الحزن، والشقاء، والحّب، والإبداع
صبي الفرّان، بائع الكعك، المولود في حارة (العقيبة) الشعبيّة الدمشقيّة العريقة - لن أذكر تاريخ ميلاده، فهو لن يغادر الطفولة، وإن تكلل رأسه بالشيب - من أين تسرّب كّل هذا الحزن إلى روحه، ولماذا رأى الحزن في كّل مكان، وهاله مبكّرا أنّ العالم يغرق؟!
لم تكن الشام، شام الياسمين، والمشربيات، والبيوت التي يستظّل أهلها تحت أشجار النارنج، ويستأنسون في العصاري حول النوافير، والبحرات في البيوت الأليفة، ويخرجون جماعات في السيرانات ليبتهجوا بالغوطتين، بلاد حزن في طفولة ياسين، فمن أين طفحت نفس الفتى الدمشقي بكّل هذا الحزن، وهيمنت الرؤية المتشائمة بغرق هذا العالم؟!
في قصصه الأولى التي يعترف بأنه كتبها ببراءة، وعفوية، وبقليل من الخبرات الفنيّة، لا ينغلق ياسين على نفسه، وكأنه هو الفرد الأحد، الذي يرى الدنيا من خلال ذات منغلقة متشرنقة منطوية على هواجس شخصيّة.
المطر، القصّة الأولى في مجموعته (الحزن في كّل مكان)، يكتبها (صعلوك) حبّيب، تمتحن حبيبته إخلاصه للحّب بأن تطلب منه الدعاء بهطول المطر على الأرض المجدبة، فيكون أن يستجاب دعاء القلب المحّب الطاهر، فتتيقن الحبيبة من صدق حب حبيبها لها، يركض الحبيب الشاب مبتهجاً، مشاركاً الناس فرحهم بانتهاء زمن القحط.
ياسين كأنما يردد مع الشاعر الصعلوك:
فلا نزلت عليّ ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا
إنه غيري كبطل قصّته، ولأنه كذلك فقد حمل حزن الآخرين وهمومهم مبكّراً، هو الذي شارك الفقراء من أترابه، ومّمن هم أكبر منه، شقاء العمل في الفرن، وبيع الكعك، والجوع، وانتظار مطر ينتظم البلاد جميعها، والعباد جميعهم..
ياسين رفاعيّة كاتب أخلاقي، منذ قصصه الأولى، ولذا فهو حزين لانعدام العدل، وافتقاد روح المشاركة.
القاص الذي لفت الانتباه بمجموعتيه القصصيتين الأوليين، قفز بعد سنوات، من كاتب دمشقي، سوري محلّي، ليحقق مكانةً مرموقةً كقاص على مستوى عربي، بمجموعته القصصية الباهرة ( العصافير)، التي حلق فيها بأجنحة الشعر، وبالشفافيّة الإنسانيّة العميقة، وبقوّة الخيال، واستبصار يغوص في عمق النفس الإنسانيّة.
بعد العصافير، أضاف (الرجال الخطرون) وهاجسه امتهان كرامة الإنسان العربي، والقمع الذي يسحق آدميته ويشوّه روحه، ويقهره، ويستبيح حياته ويحولها إلى جحيم.
ولأن ياسين رفاعية نبع حكايا لا ينضب، وخبرات إنسانيّة وتجارب معيشة، ولأنه طوّر ثقافته ومعرفته بأسرار الفّن القصصي، وتلافى نقص التعليم في المدارس الثانوية والجامعة، فقد فجّر طاقاته في أعمال روائيّة رياديّة، أولها روية (الممر)، رواية الحرب الأهليّة المجنونة التي مزّقت لبنان واللبنانيين، ودمّرت المدينة التي أحّب: بيروت.
بروحه المتسامحة، كتب روايته (الممر)، بروح الإنسان المحّب الذي يرفض أن يقسّم المواطنون إلى مسلم ومسيحي، وأن يقتتلوا على الهويّة.
بطل الرواية المحّب المتسامح، وضعت على صدره الفتاة المسيحيّة التي أنقذها صليبا، هو الذي ضحّى بحياته، ماشياً على طريق المسيح، مصلوباً افتداءً للناس..
بعد (الممّر) يقدّم ياسين رفاعيّة رائعته، نعم رائعته: (مصرع الماس)، رواية الكبرياء، والشرف، و(الزقرتيّة)، رواية موت البطل الذي بموته يعلي من شأن البطولة، ويبقيها معلماً يرنو إليه الناس، ليكون قدوة..
رواية مكثّفة، متقنة، غزيرة الشاعريّة، هي رواية (الحارة) وناسها، بل هي رواية الإنسان في كّل مكان، لأنها رواية قيم، والمحلّية هنا ليس انغلاقاً، ولكنها تواصل بين البشر، فالخصائص الإنسانيّة موجودة في نفوس البشر أجمعين وإن اختلفوا لغةً، وجغرافيا، وظروف حياة..
ياسين رفاعية، في بعض أعماله الروائيّة، والقصصية، متح من تجربته الحياتيّة، كما في رواياته (وميض البرق) التي نتعرّف فيها على أشخاص التقيناهم في الحياة، وعرفناهم بالأسماء والملامح، ولكنهم في الرواية يعيشون حياةً مختلفةً، تتميّز بانكشاف أعماق لا تراها العين في سلوكها اليومي.
هي ليست مذكرات، ولا سير، ولكنها روايات التجربة الشخصيّة فيها توظّف لقول فنّي بديع يستمتع به القرّاء، ويقبلون عليه، هم الذين لم يتعرفوا على بعض ملامح عبد الله الشيتي مثلاً، أو غيره من رفاق ياسين..
شخصيّاً لم أقرأ في السنوات الأخيرة رواية فيها كّل هذا الموت، والحب، ولوعة الفراق، كما في رواية (الحياة عندما تصبح وهماً).
بطل الرواية يغسّل زوجته، يقلّب جسدها، يتأملها، يحوّل لحظة الفراق إلى حالة تأمّل محموم في سؤال الموت ولغزه.
هذه الرواية امتداد معاصر لـ(حي ابن يقظان)، وأكثر حميميّة، لأن الروائي هنا يقدّم (الحياة)، والعلاقات الإنسانيّة لبشر من لحم ودم، في زمن ومكان معروفين، وليس أسئلة فلسفيّة مجرّدة.
رغم هيمنة الموت،وثقله،ورهبته،فإن ياسين وأمل - زوجته ورفيقته الشاعرة والإنسانة، وهما بطلا الرواية، ومبدعاها معاً - عاشقا الحياة، يلقنانا أسرار الأشياء البسيطة، التي لا تلفت الانتباه، ويدعواننا لعدم المرور عليها مروراً عابراً، يلحان علينا أن نعرفها، نتأملها، نحبها، نستمتع بها قبل فوات الأوان.
أمل في الرواية، التي هي زوجة الكاتب، أقصد أمل جرّاح، التي بدأت معاناتها مع مرض القلب منذ مطلع الصبا، ومفتتح رحلة الحياة الزوجيّة - فكأنما الحياة تغرق ياسين بالحزن محققةً له نبوءته كما في قصصه الأولى،وتلاحقه في كّل آن ومكان من دمشق إلى بيروت إلى لندن - أمل عند الخروج من المستشفى،والعودة إلى البيت، تقبّل خشب الباب، تربت على الهاتف كأنه طفلها، الهاتف الذي ياما سمعت أصوات الأحبّة عبره، تتلمّس أصابعها الطاولة بوّد وشوق.. وهل علاقتنا بالطاولة بسيطة؟ أليست تجمعنا حولها، تتحاضن أيدينا عبر فضائها؟! تتشمم أمل الصحون، تريح رأسها على الثلاّجة.. أيها الناس التفتوا للأشياء البسيطة ففيها بعض أرواحكم، وأنفاسكم، وذكرياتكم، لا تسرعوا في عيش الحياة، اشربوها على مهل بتلذذ لتهنأوا باللحظات، جرعةً جرعة، قطرة قطرة..
ياسين ابن الحياة، المتعطّر دائماً، النظيف الأنيق دائماً، الذي يمشي وئيداً على رؤوس أصابعه، هذا الياسين رفاعية داعية لحّب الحياة، مترهّب في حبّها، رغم كل بلاويها، ومصائبها التي صبّتها على رأسه، أثقلت بها منكبيه..
صبي الفران، بائع الكعك، التارك للمدرسة اضطراراً وهو في الإعدادي ينجز كّل هذا الفن! هذه أعجوبة..
الحضور الكرام
مررت على ذكر بعض أعمال صديقي الكبير ياسين رفاعيّة، وقفزت على كثير مّما أبدع في القصّة القصيرة، والرواية.. وهل أنسى (رأس بيروت) و(امرأة ناعمة) والرواية الشجاعة الجريئة (أسرار النرجس) الرواية الكاشفة، النابشة في عمق العلاقات،التي كتبها ياسين بمبضع الجرّاح الذي يفقأ العفن المتكيّس في عمق الجسد والروح، بجسارة، وخبرة،ونقد فاضح للشذوذ المغطّى بأكاذيب وتواطآت اجتماعيّة منافقة.
التوقّف عند كّل عمل يحتاج وقتاً طويلاً، وما يخفف شعوري بالتقصير أنني كتبت الكثير عن روائع ياسين القصصية والروائية.
أنا لا أتذكّر مهما بذلت من جهد متى بدأت صداقتنا، ياسين وأنا، ولكنني متيقن جدّاً أنها بدأت كالحب من طرف واحد، منذ قرأت مجموعتيه الأوليين، وعندما صدرت (العصافير) كانت بيننا صداقة، وهكذا كبرت صداقتنا مع دفق رواياته، ومجموعاته القصصية، وكتاباته للأطفال، وبالمناسبة هو طفل كبير ولذا لا عجب أن يقّص على الأطفال أحسن القصص.
ياسين رفاعية إنسان من ياسمين، وعطر، أنيق دائماً، في أوج حزنه تراه أنيقاً، معطرّاً، حليقاً، بطلّة مهيبة، فكأنما أمل تحرسه وتعنى بأناقته، وهي في العالم الآخر، هي ابنة الشام، زارعة الورد على شرفة (عشّهما) في راس بيروت، أمل سيّدة الياسمين..
هو راوية، وممثّل بارع مدهش، يستحوذ على الانتباه، ويدخل إلى القلب بحكاياته التي يعيد روايتها في كل مرّة بأسلوب جديد، وأداء جديد، وغايته أن يسعد من حوله، هو خفيف الدّم.
مرّات أقول: خسره المسرح وربحه الأدب..
ياسين عاشق للمرأة، جذاب، ساحر يصيبني وغيري بالغيرة، وأنا والله لا أحسده، وإن عتبت عليه دائماً لأنه لم يلقن قلبي أسرار العشق.
حتّى سيارته يدللها، يؤنثها، يعطّرها،فإذا بك في عالم من العطر، تريح رأسك لا على الكرسي ولكن كأنما على صدر أنثوي.
كنت أخجل عندما يصعد إلى سيّارتي، وأرتبك أمام نظراته الزاجرة، التي تتهمني بأنني أعذّب السيّارة، أهملها.
لا تنظروا إلى شيبه الناصع الذي يكلل رأسه إن رأيتموه مع فتاة عشرينيّة، باستغراب، فهو ما زال فتى دمشقيّاً، بقلب من ياسمين، لا يكّف عن الحّب، يواصل نشيده في الأيّام لتصير أجمل وأحلى، وقابلةً للعيش.
بعد أن عرفّته بصديقي حنّا مقبل، وبصديقتي وأختي ريموندا فرّان، عمل في (القدس برّس) فقلب نمط الحياة في المكتب الفسيح، جعله أصص ورد، وفّل، وقرنفل و..مع كل صباح يرّش الأوراق، والأزهار، ثمّ يعطّر الجو ويأخذ مكانه على كرسيه ليشرع في الكتابة بكامل أناقته، وعطره..
ياسين رفاعيّة، وهب نفسه وحياته، للكتابة، حتى صار اسمه علمًا من أعلام الإبداع الروائي والقصصي في بلاد في كل بلاد العرب.
صبي الفرّان الذي حقق هذا كّل هذا المجد،ألا يستحق أن نحتفي به،ونكرّمه،ونأتيه من كّل بلاد العرب، لا من سوريّة وحدها؟!
أنا شخصيّاً فخور بصداقتي لك يا أخي ياسين، وأرى اليوم روحي أمل ولينا ترفرفان هنا في هذا المكان: الأم، والابنة، معنا، الشعر والبراءة والشباب، لتباركاك وتحفّا بك. وها حضور الابن بسّام، والأخوة والأخوات والجيران، وحارة العقيبة، حارة الناس الطيبين الشجعان الذين كان لهم شأن في (الثورة) على الفرنسيين.
أخي وصديقي المبدع الكبير ياسين رفاعيّة: ها هي فلسطين تحتفي بك اليوم رغم ألمها وفجيعتها، ممثلة ببعض خيرة مبدعيها: أنت الذي كتب لها، وحملت همّها..
معاً في بيروت كتبنا يا ياسين، وتنقلنا تحت الطائرات المغيرة.. لم تختبئ، ولا هربت، ولا انزويت في بيتك، بقيت في بيروت ولم تغادرها، فاعلاً بالكلمة الشجاعة، مع زملائك الكتّاب، والصحفيين، والمقاومين، تنقّلت معرّضاً نفسك لخطر حقيقي، وفي بيتك المضياف قاسمتنا خبز أسرتك رغم ضنك الظروف.
أعرف يا ياسين أن كلماتي اليوم فقيرة، متواضعة، متقشّفة، فاغفر لي تقصيري..
يا ياسين :عرفتك وفيّاً، ولا أدلّ على وفائك من عنايتك بالفنّان الكبير نهاد قلعي، وعونك له ماديّاً ومعنويا، وإخراجك له من حالة العزلة والنسيان.
أمّا بيتك الكريم فيكفي أنه البيت الدمشقي، بكرم وأخلاقيات الحارة، حارة العقيّبة المضيافة، بيت ياسين وأمل، بيت الحب، واللقمة الطيبة، والحفاوة، والصداقة..
ختاماً أقول لك: ياسين رفاعيّة أنا أعتّز بأنني صديقك، وأنني قرأت لك، وأنني كتبت عنك قبل ثلاثة عقود، وأنك رقيق كالياسمين، ورهيف ولامع كنصل خنجورة (ألماس)، وأنك رقيق، طيّب، حنون كمشربيات حارات الشام العتيقة.
أتمنّى لك عمراً من العطاء، لتتغلّب على الحزن، ولوعة فراق الأحبّة، وكمد الحياة، وأحزانها..
* شهادة الكاتب في احتفالية تكريم الروائي والقاص السوري الكبير ياسين رفاعيّة، والتي أقيمت بدعوة من وزارة الثقافة السورية يومي 26 و27 حزيران في المركز الثقافي العربي في حّي (العدوي)، وبمشاركة عدد من الكتّاب والأدباء العرب الذين دعوا للمشاركة في التكريم بشهادات ودراسات نقديّة.

ايوب صابر 05-24-2012 03:33 PM

الروائـــــــي الســـــــوري ياســــــــين رفاعيـــــــــــة: القصــــــة القصيـــــرة تعلـــــم الكاتــــب الاختــــزال فهـــــي تمريـــــن علــــى الروايــــة ياسين رفاعية قاص ، وشاعر ، وروائي
حوار : محمودالبعلاو
الاثنين 31 – 1- 2006
عاش حياته ولايزال متنقلاً من بلد الى بلد ،غادر دمشق في الستينيات الى بيروت وظل فيها حتى عام 1984 ، ثم غادرها الى لندن حتىعام 1996 ، ثم عاد الى بيروت حيث يقيم الآن ، عمل محرراً أدبياً في معظم الصحفالعربية ، بدءاً بمجلة (المعرفة) السورية التي كان من مؤسسيها مع فؤاد الشايب ونهادالغادري ، ثم في جريدة الثورة ، وفي بيروت عمل في مجلة (الأحد) ثم مديراً لمكتبجريدة (الرأي العام) الكويتية في بيروت ، ثم في مجلة الكفاح العربي ،وقدأسس مجلة (سامر) للأطفال في بيروت ،
وعندما انتقلالى لندن عمل أولاً في مجلة (الدستور) من عام 1984 الى عام 1991 ، ثم انتقل للعملفي جريدة (الشرق الأوسط) ثم عاد الى بيروت مراسلاً لها حتى سنة 1998 ،و يعمل حالياًمسؤولاً ثقافياًفي جريدة (المحرر العربي) في بيروت ، ويكتب في صحف أخرى .‏
- أصدر ستمجموعات قصصية هي الحزن في كل مكان ، العالم يغرق ، العصافير ، الرجال الخطرون ،العصافير تبحث عن وطن ، نهر حنان ، الى جانب 12 قصة مسلسلة للأطفال .‏
- وأصدر ثمانيروايات على التوالي :(الممر ، مصرع الماس ، راس بيروت ، دماء بالألوان ، امرأةغامضة ، وردة الأفق ، إسرار النرجس ، وميض البرق) وتطبع له حاليا رواية بعنوان :(الحياة عندما تصبح وهماً ) .‏
- له في قصيدةالنثر :(جراح ، لغة الحب ، أنت الحبيبة وأنا العاشق ، أحبك وبالعكس أحبك ، حب شديداللهجة ، كل لقاء بك وداع ) وله كتاب مذكرات بعنوان : رفاق سبقوا.‏
- متزوج منالشاعرة أمل جراح ، وله منها ولدان ،وقد رحلت أمل عام 2004 ثم لحقت بها ابنته ليناذات الـ27 عاماً بعد صراع مع المرض ، وبقي ابنه الوحيد بسام يعيش في لندن ،التقيناه خلال مشاركته في مهرجان العجيلي الأول للرواية العربية في الرقة ، وأثرنامعه هذا الحوار :‏
- ينظر الىكتابتك القصصية على أنك من رواد القصة القصيرة ومؤسسي تحديثها ..ماحكمك على علاقةالقصة السورية بالقصة التقليدية والكلاسيكية ومدى انتشار المؤثرات الأجنبية ؟‏
- لاأعد نفسي منالرواد ، فقد سبق جيلنا جيل أقدم في كتابة القصة القصيرة ، اذكر علي سبيل المثالعلى خلقي وفؤاد الشايب ، ومنير العجلاني ، ومشيل عفلق ، ثم جاء جيل آخر ، جيلالخمسينيات الذي كان منه عبد السلام العجيلي ، وسعيد حورانية ، وعادل أبو شنب ،وأنا من جيل الستينيات الى جانب زكريا تامر ، ووليد مدفعي ، ووليد إخلاصي وغيرهم .‏
لاشك أن التجديدبدأ على يد عادل أبو شنب ، ثم جئنا نحن لنجعل من القصة القصيرة فناً قائماً بذاته ،حيث اعتنينا بالشكل والمضمون في آن معاً ، فيما كان الجيل الأسبق يعتمد فقط علىالمضمون ،و أظن أن سورية كان السباقة في تجديد القصة ، في أكثر من تجربة حيثاستطاعت أن تؤثر بفنيتها على مجمل القصة القصيرة في العالم العربي ، فخرجت منكلاسيكيتها التقليدية الى الشكل الفني الحالي ، ولا أستطيع أن أقول : إن جيلنا تأثربالقصة الأجنبية فنحن في حال وهي في حال.‏
- عالجت فيرواياتك العديد من القضايا الوطنية والقومية والاجتماعية ومن ذلك الحرب الأهليةاللبنانية والقضية الفلسطينية .. ماموقفك من علاقة الرواية بالتاريخ مثلاً فيروايتك راس بيروت ، والممر ؟‏
الرواية بنتالمجتمع والحاضر والتداعيات السياسية والفكرية وهذا شيء طبيعي ونحن خلال نصف قرنواجهنا الكثير من الاحداث الخطيرة مثل حرب فلسطين والسويس وحرب 67 وحرب 73 الى جانبحرب اهلية في اكثر من بلد عربي كان آخرها الحرب الاهلية اللبنانية حيث اكتويتبنارها شخصياً بسبب اقامتي في بيروت في تلك الفترة فكتبت عنها ليس هاتين الروايتينوحسب ، بل روايتين أخريين هما ( دماء بالألوان ، وامرأة غامضة ) وكانت مجموعتيالقصصية ( نهر حنان ) كلها عن فلسطين ومن الطبيعي جداً أن يعنى الكاتب فيما يعنىبالتاريخ لأنه جزء من الواقع ، ولكن يجب أن يحرص الروائي على ان لا يفتعل الكتابةالتاريخية في الرواية ، إذ يجب ان تكون من قلب الحدث لا من طرفه .‏
- ينظر الآن الىالرواية على انها ديوان العرب وانها تتقدم الاجناس الادبية ، كيف تقيم الاتجاهاتالروائية ومدى تعبيرها عن التأزم الوطني والاجتماعي ؟‏
سؤالك صحيح ،فالشعر تراجع وتقدمت الرواية ذلك ان الشعر افقه محدود أمام هذا الواقع الساخن الذينعيشه في العالم العربي إذ اننا نواجه اعداء في الداخل والخارج ، وأننا محاصرون فياكثر من جهة والرواية قيمتها هنا في استقطاب كل هذه الاحداث ما يعجز عنه الشعر ،وبالفعل فإن الرواية السورية أولاً والرواية العربية ثانياً ، استطاعتا ان ترسما كلهذا التاريخ المعجون بالألم والامل في روايات شائقة استطاع مبدعوها ان يقدموا لناهذا العالم كله في رواية نقرؤها بحماس وألم في الوقت نفسه ، بحماس لأن المبدعينالعرب كانوا صادقين وبألم لأننا هكذا نحن في المحصلة النهائية كأننا مستهدفون منالعالم اجمع ، كل ذلك بسبب عدم تخطيطنا للمستقبل ، إذ نعيش يوماً بيوم ، وهذا خطرفادح على مصير الأمة .‏
- كتبت كثيراًللأطفال ،و منذ زمن لم نقرأ لك ، ماهي المفاهيم التربوية والفنية التي تحددها فيمخاطبة الاطفال ؟ ولماذا توقفت عن الكتابة لهم ؟‏
عندما اسست مجلة ( سامر ) للاطفال في بيروت بتكليف من الاستاذ وليد الحسيني صاحب مجلة الكفاح العربي، انصرفت فعلاً للكتابة للاطفال من خلال شعار ( طفل عربي سعيد ) في محاولة لتأسيسجيل حرّ ديمقراطي يسعى لحماية الوطن والدفاع عنه ، ونجحت المجلة نجاحاً كبيراً و فيتلك الفترة كتبت الكثير من قصص الاطفال وجمعت في كتاب ثم في سلسلة كتب ولكن حدث بعدذلك خلاف مع الناشر فتركت المجلة التي توقفت فيما بعد بسبب عدم صلاحية الذيناستلموها بعدي ، ففترحماسي منذ ذلك الوقت . والكتابة للاطفال صعبة جداً حيث عليك أنتخاطب الطفل بلغته لا بلغة الكبار ، وكان وجود المجلة يحمسني على الكتابة ، ولكنبعد ذهابي منها اتجه نشاطي الى الرواية .‏
- قرأنا لك عدةمجموعات شعرية ، ما رأيك بالشعر ، ولماذا التركيز على الشعر الوجداني وقصيدة النثر؟‏
أظن دائماً انالشعر الاجمل هو الشعر الوجداني وغير ذلك يتحول الشعر الى لغة خطابية وهذا ما يحصلمع معظم الشعراء ، خذ مثلاً محمود درويش انه الآن يحرص أشد الحرص على الخروج منالقصيدة السياسية ، لأنه كان يضطر فيها ان يكون خطابياً على حساب القصيدة . وقدكتبت ستة كتب في قصيدة النثر وهي مجموعات سبق ان نشرتها اسبوعياً في صحف ومجلات فيلبنان ولندن مثل ( ملحق الانوار ، وملحق النهار ، ومجلة الشبكة ، ومجلة الدستور فيلندن ) وكنت اتوجه بها الى جيل معين هو جيل الشباب الذي يكون من اهم تجاربه الحبوالعشق ، وكنت احب تلك الكتابات لأنها ايضاً كانت تعبر عن ذاتي واحاسيسي ما لم تعجزالقصة والرواية عن احتوائه إذ تبدو فيها بعد ذلك مصطنعة .‏
- شاركت فيمهرجان العجيلي الاول للرواية العربية في الرقة ، ما تقييمكلتجربة الدكتور عبدالسلام العجيلي القصصية والروائية ؟‏
عبد السلامالعجيلي أمير القصة إن لم يكن ملكها بامتياز ولا اريد ان اقول هو كاتب سوري بل عربيبكل ما تعني هذه الكلمة ، إن شخوص الكتابة عنده شاملة واسعة ، كما لو انه كاتب مصري، أو عراقي ، أو لبناني بل كاتب كل الجنسيات العربية ، لأنه استطاع ان يقدم لناالقصة بلغتها العربية العظيمة دون ان يسف حد الحوار باللغة العامية وهذه ناحيةلافتة ويمكن ان نقول عن قصصه ، كل قصة على حدة ، إن فيها الابعاد الثلاثة التي تشبهالفيلم السينمائي في العرض والطول والعمق ، وهذه خاصية نادرة في القصة العربية ، ثمإنك اثناء قراءة أي عمل له تشعر انك واحد من ابطالها ، لأنه يدرك عمق الاحاسيسالانسانية بشكل متفرد فشخصياته منعكسة على الناس والناس منعكسون على شخصياته فقدخُلق الرجل كاتب قصة من طراز رفيع ، وكل قصة يكتبها تترك في النفس ابلغ الاثر ، وهيمتماسكة شكلاً ومضموناً ولغة .‏
والقصة القصيرةتعلم الكاتب الاختزال فهي تمرين على الرواية كما تعلمه ضبط الزمن وهي قضية انتبهاليها العجيلي فقد كان يطور القصة من القصيرة الى الاطول قليلاً ، ثم الى القصةالطويلة ثم الى الرواية مثل مجموعته ( رصيف العذراء السوداء ).‏
وبشكل عام فإن العجيلي استطاع ان يسجل كل تداعيات الحياة بقلمه الرهيف والصادق والاصيل ، وهو كاتب مقروء من كل طبقات الشعب ، كما ان الحب هو الترسانة المسلحة في رواياته ، وعليه يبني معظم أعماله

ايوب صابر 05-24-2012 03:34 PM

ياسين رفاعية العاشق الدمشقي -16/10/2007 -

أبداً يعتبر ياسين رفاعية واحداً من كبار كتّاب القصة والرواية عربياً. أديب وشاعر بالفطرة، ولد في دمشق في ( حي العقيبة ) عام 1934 م، اختار لبنان مبكراً مكاناً للعمل والإقامة، وعلى الرغم من انشغاله في ( كتابات العيش ) فإنه كان يجد الوقت لإنجاز عمل روائي بين فترة وأخرى، وكان أول كتاب نشر له صدر في العام ( 1960 ) بعنوان «الحزن في كل مكان» عبَّر فيه عن قسوة الحياة التي عاشها منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره حين ترك الدراسة، والتحق بالعمل الشاق في ( فرن والده ). وهناك لم يشوِ ياسين رفاعية الخبز والكعك فقط، وإنما شوى قصصه على نار هادئة، كُتب عليها أن تُنضج كل ما هو جميل ومميز. ياسين رفاعية الذي لم يكمل دراسته في المدرسة أكملها في مكانين اثنين شديدي الخصوصية والطقسية، الأول: فرن أبيه، حيث كان يستمع لقصص عمال الفرن، ينصت بشغف لقصص عشقهم، ويتألم لألمهم، ويحزن لحزنهم، كانت معايشته لهم إبداع من نوع خاص، عرف من خلاله أبرز مقومات القص، وهما: الحياة والناس. أما المكان الثاني: فهو المقبرة، فقد كان يتردد عليها باستمرار، ويلتقي فيها بالقاص زكريا تامر، والروائي الفلسطيني يوسف شرورو، يتحاورون في الأدب، ويستمعون لقصة كتبها أحدهم. كان ياسين رفاعية يفرغ ضجيج الفرن في المقبرة حيث الهدوء والإنصات والوحدة المطبقة. ومنها تعلّم فن الصفاء والإصغاء. بدأ حياته الأدبية بقراءة القصص البوليسية فقرأ( شارلوك هولمز وأرسين لوبين )، وقرأ من الأدب الأمريكي ( همنغواي وجون شتاينبك ) كما قرأ كل ما كان يقع تحت يديه من الروايات المترجمة إلى العربية في تلك، الفترة، لذلك نرى أن إبداعه قد تأسس على قراءة الأدب الغربي. وحول قصته الأولى ( ماسح الأحذية ) التي حصل فيها على الجائزة الأولى من مجلة ( أهل النفط )، و كان يرأس تحريرها الناقد جبرا إبراهيم جبرا يقول ياسين رفاعية: كان هناك شاب صغير يتجول في حيّنا القديم ( حي العقيبة ) حاملاً صندوق البويا ( ماسح أحذية )، كان شاباً لطيفاً، وعلى وجهه مسحة من الحزن العميق، اقترب هذا الشاب من قلبي كثيراً، وأصبحنا مع مرور الوقت، وفي كل يوم كان يروي لي قصصاً من حياته وحياة أبيه المتوفى، ووالدته العجوز التي ليس لها سواه، وحالة البؤس والفقر المدقع التي كان يعيشها مع والدته.. تلك القصص شكََّلت عندي فكرة قصة فكتبتها وكان عنوانها: ( ماسح الأحذية )، وأرسلتها إلى المسابقة التي أعلنت عنها المجلة، وفوجئت أنها نالت الجائزة الأولى، وكانت قيمة الجائزة عبارة عن ثلاثمئة ليرة تقاسمتها مع ماسح الأحذية. لم يكن عمل ياسين رفاعية بالفرن هو المهنة الوحيدة التي عمل بها، بل تنقّل في مهن كثيرة، فعمل عند صانع أحذية ( كندرجي )، ثم أخذ يبيع الكعك الذي يصنعه والده في سينما ( غازي )، في هذه الأثناء أصرّ والده على إعادته إلى المدرسة، لكن أديبنا كان قد تعوّد على حياة أخرى غير حياة المدرسة متنقلاً بين العمل والكتابة، وبدأ بنشر قصصه في الصحف السورية ( الشعب، دمشق المساء، النصر، الأيام، الأخبار ) مجاناً. وعندما قامت الوحدة بين مصر وسورية كتب مقالاً في صحيفة( دمشق المساء ) عبر فيه عن سعادته بقيام الوحدة،وعن أحلامه وأحلام أبناء جيله بإحساس صادق ومشاعر جياشة، وعلى أثر هذا المقال تمّ تعيينه في المكتب الإعلامي التابع للقصر الجمهوري. وعن هذه المرحلة يقول رفاعية: أصبحت صاحب نفوذ في القصر، فبعد أن كنت أذهب إلى الفرن بالقبقاب! ! صارت تأتي سيارة القصر وتأخذني من مدخل الحي الذي أسكن فيه مع عائلتي، و كنت في الفرن ألبس ( الأفرول )، والآن أصبحت ألبس البدلة، وأنتعل الحذاء بدل القبقاب، وقد أصدرت في ذلك الحين مجموعة ( الحزن في كل مكان ) عام 1960 م. بعد ذلك عمل ياسين رفاعية موظفاً في وزارة الثقافة فأسس مع الأديب فؤاد الشايب مجلة ( المعرفة)، وعين سكرتيراً للتحريرفيها ( 1961- 1965 ). سافر بعدها إلى بيروت وعمل في جريدة ( الأحد)، وأسس مكتب صحيفة ( الرأي العام ) الكويتية. وبعد توقف عن الكتابة دام أحد عشر عاماً أصدر مجموعته القصصية ( العصافير ) التي أحدثت نقلة نوعية في كتابة القصة العربية، وقد طُبعت هذه المجموعة أربع طبعات متقاربة زمنياً. عاش ياسين رفاعية زمن الحرب الأهلية اللبنانية بظروف صعبة، تعرض فيها للخطف، وبعد الغزو الإسرائيلي للبنان غادر إلى لندن، حيث عمل مسؤولاً ثقافياً في مجلة ( الدستور )، ثم انتقل إلى جريدة ( الشرق الأوسط ) حتى عام 1996، عاد بعد ذلك إلى بيروت مستقراً و متفرغاً للكتابة. وبالإضافة إلى الترحال الدائم، وشظف العيش الذي عانى منه، مرت بحياة رفاعية أربع فواجع متتالية وهي: وفاة والدته، ووفاة والده، ووفاة زوجته، ووفاة ابنته. الحرب اللبنانية أثرت الحرب اللبنانية التي استمرت سنوات طوالاً في تكوين ياسين رفاعية الأدبي فكانت مادة خصبة للكتابة، ويعتبررفاعية الكاتب الوحيد الذي كتب عن الحرب اللبنانية الأهلية أربع روايات، وكل رواية تناولها من زاوية مختلفة عن الأخرى، وإن كانت في الحقيقة تكمل بعضها بعضاً. من «رأس بيروت» إلى «الممر» و «امرأة غامضة» وصولاً إلى «دماء بالألوان». وقد أثارت لغته في رواية «امرأة غامضة» الكثير من النقاد الذين كتبوا عنها بأنها رواية شعرية بامتياز، هذه اللغة التي اكتسبها من خلال كتاباته الشعرية، التي تمحورت حول موضوع واحد وهو «الحب، و لاشيء سوى الحب». الحارة الشامية غادر ياسين رفاعية دمشق وحاراتها العتيقة، إلا أنها ظلت تسكن بداخله يستعيد في كتاباته عنها طفولته ووقع شبابه، فكتب «مصرع الماس» التي تناول فيها مرحلة من طفولته المبكرة، حيث اكتنزت ذاكرته بالأحداث المتشابكة في دمشق الأربعينيات، تحدث فيها عن ( قبضايات الشام ) أبو عبدو الطويل، وأبو علي الماس. هؤلاء الرجال بلباسهم العربي الشعبي الكامل، وأخلاق أولاد البلد الذين يؤمنون بالشرف، شرف الوطن الذي لا يكون إلا بتطهيره من الاستعمار، لكنهم كانوا بنظر السلطة الاستعمارية مجرمين وقطاع طرق، هؤلاء هم أبطال روايته. «فالماس» كان مجرماً بنظر السلطة، لأنه قتل يهودياً يتجسس على رجالات الثورة، وأبو عبدو الطويل قتل ابنته لأنها أقامت علاقة مع ضابط فرنسي، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات. أما في روايته ( أسرار النرجس ) نراه يجوب عالم «المحرم المكرّس» في دمشق، مخترقاً فيها الثوابت المتحجرة، واصفاً أزقتها وبيوتها المتلاصقة، وما تخفيه من أسرار خلف جدرانها العالية، من علاقات اجتماعية بين أفراد الأسرة الممتدة، بأسلوب شفاف لا يخلو من القساوة، قساوة المدينة ومناعتها في دمشق الستينيات. الحبيب العاشق أحب ياسين رفاعية نساء كثيرات، إلا أن حبه الكبير هو الشاعرة أمل جراح زوجته التي فقدها باكراً، وبرحيلها يعترف أنه فقد الإحساس بالوجود، الإحساس بأي طعم للحياة، لأنه فقد الحبيبة، والزوجة، والأم. وهو يرى حياته بعدها وقد تحولت إلى فوضى وعزلة وخوف مستمر، ورعب من كل شيء وفي روايته «الحياة عندما تصبح وهماً» يصور علاقته بزوجته راصداً لحظات الفرح والحزن والألم التي جمعتهما، مسترجعاً ذكرياته بدءاً من اللحظات الأولى لعشقه لها إلى أن ارتبط بها، ليروي تفاصيل فرحها، وعلاجها، وعطرها المفضل، وثيابها، وحتى اللقاء الجسدي بينهما. إنها ذكريات رجل عن امرأته التي غادرته بتفاصيل تفاصيلها، والتي لا يمكن نسيانها حتى بعد أن رحلت وتحولت حياته بعدها إلى جمود ورماد. الجسد وميض برق وفي روايته «وميض برق» يقدم بطل روايته في شيخوخته، وهو أرمل وحيد، لا أحد معه، حتى ابنه وابنته تزوجا وغادرا بعيداً، فيشعر وكأن شيخوخته ( عاهة ) لذا نراه يحتجب عن الناس، ولا يغادر شقته، يدور داخلها مسترجعاً ذكرياته بكل ما فيها، لديه وقت طويل ليتذكر، وهذا ما يستطيع فعله. يتمنى الموت ويراه قريباً وبعيداً في الوقت نفسه، وكأنه يمارس معه عمليات شد وجذب. إن الفرح نادر في هذه الرواية، كأنها منسوجة من الحزن وله. ورغم التنوع الإشكالي الذي نلمحه في أعماله الأدبية إلا أنه يعترف بأن مشروعه الروائي لم يكتمل بعد، فبذاكرته رواية لم تكتمل موجهة للمجتمع الإنساني الذي أصابه الجشع وتضارب المصالح والمال الذي يسود على كل شيء. والعالم برأيه عالمان، عالم الأغنياء الذين يموتون من التخمة، وعالم الفقراء الذين يموتون من الجوع.
المصدر- شرفات الشام

ايوب صابر 05-24-2012 03:35 PM

قراءة في كتاب




"العصافير" لياسين رفاعية تكتمل - "مع الحياة عندما تصبح وهما ً"




السؤال الذي يطاردنا أبدا ً.. هل حقا نعيش في دائرة مفرغة، نولد ونموت؟ أم نحن وسط كم كبير من أسئلة نبحث عن أجوبة لها ورموز علينا تعلـّمها؟



هذه الرموز وتلك الأسئلة هي سلوك طريق الحياة ومراحلها .. رموز تعني في خلاصتها وجودنا، علومنا، معرفتنا، مركباتنا الحيوية.. لسنا في فراغ الدائرة، نحن في طريق البحث عن الإجابة على سؤال لا ينتهي.



نبحث في ذواتنا، فنكتشف النقص. نبحث عن الكمال، تشتعل فينا جذوة الإلتقاء مع الآخر.



تسنى لي ان اقرأ كتاب ياسين رفاعية " العصافير" في طبعته الرابعة الصادرة عن "دار الخيال" ببيروت، وقد اختـُتِمت بعدد من المقالات التي كـُتبت حول/ وعن هذه المجموعة القصصية حين صدورها ـ في طبعتها الأولى العام 1974 ـ في فترة كانت تدور فيها جدليات حامية، تشبه الحرب الباردة، في المنتديات الثقافية، تناقش الموقف القومي من قضايا الأمة التي استنهضتها الناصرية قبل عشرين سنة تقريبا من تاريخه، وبين الأفكار اليسارية التي وجدت لها مسرحا ً رحبا ً لتحركها في هذه المنطقة، فاستقطبت، الحالتان، مجموعات كبيرة من الشباب ، كانت تطوق الى الخلاص مما تشعره من قيود إجتماعية تخدم بطريقة أو باخرى، مصالح الإستعمار الذي بدأت حركة التحرر العربي في مواجهته.



في هذه الأجواء ووسط هذا الجدل، جاءت التعليقات تشرح نظريات من كتبوا وفهمهم الواقع الإجتماعي، عبر قصص رفاعية، ملبّسة إياها أثوابا أسقطتها عليها عبر مقارنات لا صلة لها بواقع وبيئة مسرح هذه القصص، وبخاصة ما كتبه المرحوم عصام محفوظ، فرفاعية الآتي من مدرسة ذات بعد قومي ثقافي وسياسي وإجتماعي، يصعب ان ينضح فكره وقلمه سلوكا ً معاكسا ً لهذا الإتجاه.


فبقدر ما استحوذت عليّ صور القصص، بقدر ما وجدت فيها تأريخا ً وجدانيا ً لمرحلة من تاريخنا العربي، سياسيا ً واجتماعيا ً، والتي تفرض علينا ان نسعى جاهدين للوصول الى قاعدة اجتماعية يشعر معها شعبنا وأمتنا، بشيء من الاستقرار النفسي والاجتماعي برغم الحلول ـ النظرية على الأقل ـ التي يحاول مجموع من يتصدون للواقع الاجتماعي والإنساني ان يُـنـَظـِّروا في أصل الداء ليصلوا الى وصف الدواء، بخلاف ما يعترضنا من متعلقات بوهم الرهبة وخوف المجهول الذي جسده رفاعية في روايته فيما بعد "مصرع ألماس" التي لعبت الأسطورة دورا ً بارزا ً فيها من خلال الارهاصات النفسية سلبا أو إيجاباً، بحيث تمكن بطل الرواية الاستفادة من هذه الرواسب العالقة في الأذهان، ليقارع بها المحتل وفي نفس الوقت يثبّت دعائم زعامته، وهذا يعني ان الموروث الثقافي يمكن ان يُطوّر بعد معالجة الإشكاليات التي نخرجه من ماضيه المنغلق الى مستقبل اكثر انفتاحا ً، والإفادة منه بما يرجى لبناء مستقبل افضل.



ربما ليس الدافع وراء اضافة التعليقات والقراءات للرواية من بعض النقاد للعصافير، في طبعتها الرابعة، هو طلب شهادات حول الرواية، بل إثبات الجدلية التي أوجدها الكاتب في مجموع ما كتب. وفي ظني انه اعتبرها جزءا ً مما أراد تسجيله على صفحات الكتاب، فأضافها لاتفاقها مع ما أراد إثباته ياسين رفاعية في قصصه، من أن الجدلية بين النفس والذات ـ وقد جسد ذلك من خلال الحلم والخيال في القصص كبطلين من أبطالها ـ تشبه الى حد كبير الجدلية مع الآخر.


إضافة الى ذلك، فإن بعض قصص "العصافير" هي من وحي علاقة الكاتب بزوجته في إحدى المراحل.. وأجرؤ ان اقول ان بعضها كان من أحلامهما التي رسمها خيالهما نتيجة الواقع الذي كانا يعيشانه وكما نقرأه في رواية " الحياة عندما تصبح وهما".

لا أشارك من ذهبوا في كتاباتهم حول العصافير، النظرة السوداوية التي غـَلــّـفـت سطورهم بوشاح الحزن (وأنا أتحدث عما كتب عنها في الماضي المرحوم عصام محفوظ)، رغم ان كل الروايات توحي بظاهرها الى هذا، لكن استعمال الظاهر كدليل مطلق على الباطن خطأ علمي ونظري، هو يمكن ان يكون مؤشرا للبحث فيه أو تأكيدا له.



ما لمسته في القصص التي اعتبرت انها مغرقة في تراجيديا الموت، أنها تؤشر في محور هام منها، عبر وجود الطفل كأحد أبطالها، انها تدفع بالأمل قدما نحو الوجود ولم تحيله الى ركام، يمكن ان تحوله في بعض المواقف الى الإنطواء أو الإنزواء، لكنها حافظت عليه وأبقته حيا ً ملازما لقيمة الوجود، لأن الأمل قوة فاعلة في إرادة البقاء، من هنا فإن الأطفال الذين هم موضوع الجدل تقريبا في كل القصص، إنما عبّرت عن هذا الأمل لتنفي تراجيديا الموت.



اذن نحن أمام مرتجى مأمول (الطفل) بتغيير واقع أشرنا اليه سالفا ً.



من هنا.. حين تكون قارئا جيدا لمجتمعك، بعيدا عن النظريات غير الواقعية، أو النظريات المستوردة والمستمدة من إسقاطات لا تتلائم وبيئة الواقع المروي عنه، ومن ثم يأتي من يقول عكس ما ذهبت اليه، فهذا يعني انه اخرجك عن مسارك وأذهبك الى حيثما لا ترغب. وكان الأجدر ان نبحث في إشكاليات هذه البيئة بقصد تطويرها وبعثها من خلفية حتمية نمو العقل ونـُضجه وفقا ً لعلم مكتسب يساعد على إزالة الكثير من العوائق المفاهيمية والقراءات غير المبنية على وقائع صحيحة.



انت حين تكون كاتبا وفي لحظة تقفل جميع أبواب الأمل في وجهك ويشوب كل ملامحك شبح الخيبة، تسيطر عليك رهبة الموت القِـيَـمي، فتدخل عباراتك أو جملك مفرداته لا إراديا، خاصة اذا كنت كاتبا ً عالما ً وقارئا ً لكل ما يدور حولك من عادات وتقاليد وثقافات خبرتها، بخيرها وشرها.. باثرها وآثارها، وكنت مِمّن يجيد صياغة اللحظة، وفي سرّك ان الموت لا يعني صمت الجسد عن الحركة، انما الموت القـِيـَمي الذي يعني انك فقدت الأمل المسروق منك، يعني انك مسلوب الإرادة.. أصبحت في حال من الإستسلام.



أما تراجيديا الموت جاءت بكل تفاصيلها في " الحياة عندما تصبح وهما" التي صدرت مؤخرا عن "دار الساقي" لكاتب العصافير، حيث يروي فيها فصولا ً من حياة زوجته الشاعرة أمل جراح والسنين التي عاشتها على وجه الأرض تلتحف الألم وتفترش المرارة والعذاب في قلب لم يكن قادرا على ضخ الدم في عروق الجسد، وهي الآن في باطن الأرض تعيش بيننا بكلماتها وآثارها الإبداعية.



في هذه الرواية يحكي رفاعية ليس قصة حياة زوجته ، فحسب، إنما حياة الكثيرين ممن لم يتسن لنا معرفتهم والاطلاع على مسيرة الألم والعذاب التي عاشوها.. كم من هؤلاء ماتوا بصمت وتحت جنح الفقر والقهر. مثل هذه الرواية شهادات تروي قصة ملايين الناس ممن لم يجدوا بعد الراعي المعنوي على الأقل، في بلادهم.


والالم الاكبر هو انك اذا ظننت انك بين أيد أمينة طبيا ً وتوافق على إجراء عملية في ظروف صعبة، لتكتشف فيما بعد انك كنت عرضة لخيانة طبية تسببت لك بكارثة اكبر مما كنت تعانيه، " قال الطبيب، ان الجراح الالماني وسع الصمام اكثر من الحد المطلوب بالآلة أولا ً ثم بإصبعه (!!!) ولم يكن قد مر عام على جراحتها الأولى، وان الدم بدأ يتفق خارج القلب، وستوت من هذا النزف ما لم تجر لها جراحة جديدة، لمعالجة العطل... وإلا فلن تعيش امل اكثر من أشهر والتكاليف لا تقل عن مئة الف دولار"، هذه الشهادة من ياسين رفاعية تثبت حقيقة ان الحياة تصبح وهما في ظروف مثل تلك الظروف لأن المحاسبة غائبة والرعاية كذلك، وكذلك هناك من يستغل حراجة موقفك ليلهو بك ويعبث بمصيرك.



ربما في السنوات الأخيرة بتنا نسمع بأن مؤسسات كثيرة مدنية ورسمية، تمد يد العون لمثل هذه الحالات، لكن في الزمن الذي كانت تعاني فيه أمل جراح، جراحها وعذاباتها، لم يكن ذلك أبدا ً ميسرا ً او موجودا ً، ما أضطر في حينه عدد من الأصدقاء أن يجمعوا التبرعات لأجل إجراء عملية جراحية مستعجلة لها.



وكأن ياسين رفاعية في روايته الأخيرة " الحياة عندما تصبح وهما" على قلة صفحاتها وهدوء سطورها، يريد ان يقول انها حكاية أمة بكاملها وليس أم بسام ولينا فقط، فهو خبر معارج كثيرة في الحياة الإعلامية، فكتب وقرأ الكثير عن هموم أمته ومعاناة شعوبها.



علي دهيني


9 /1/2007

ايوب صابر 05-24-2012 03:39 PM

ياسين رفاعية..
القصة القصيرة من أصعب أنواعالكتابة..كتاباتي الشعرية ذات موضوع واحد وهو الحب.. دمشق حاضرة برجالاتها وحاراتهافيمعظم أعمالي
عزيزة السبيني
الكاتب ياسين رفاعية أديب متميز، يكتب القصة والرواية والشعر، وله ما يزيدعنعشرين كتاباً. ولد في العام 1934 في دمشق، اختار لبنان مبكراً للعملوالإقامة.
أول كتاب نشر له صدر في العام 1960 وكان بعنوان «الحزن في كل مكان» منأعمالهالقصصية «العالم يغرق­العصافير، العصافير تبحث عن وطن» ومن أعمالهالروائية«رأس بيروت­أسرار النرجس» ومجموعاته الشعرية «جراح­رسائل حب وبوح­أنتالحبيبة وأنا العاشق».وله أيضاً «رفاق سبقوا» مذكرات. ‏
حول تجربته الإبداعية المتنوعة، وعلاقته بالمرأة الكاتبة وزوجته الراحلةالشاعرة أمل جراح على وجه الخصوص وأمور أخرى التقيناه وكان لنا معه الحوارالتالي: ‏
ہتنوعت تجربتك الإبداعية بين القصة، الرواية، الشعر، هذا التنوع كانمتمازجاًأم عبر مراحل انتقالية؟ ‏
ہہ بداياتي الأدبية كانت عبر كتابة القصة القصيرة، وحاولت التركيز جيداًكيأتقن كتابتها وحتى لا أكتب ما يشبه الآخرين وكنت حريصاً كل الحرص ألا أكررتجارب الآخرين. وكما تعرفين منذ الخمسينيات الى اليوم مرت القصة القصيرةبأجيالكثيرة، وفي معظم الأحيان كانت القصص متشابهة، تعليلهم ذلك بأن النبع واحد،المجتمع ومشكلاته واحدة، الناس، الأحداث، ولكن تبقى هناك مهمة الكاتبالقصصي فيالتقاط فكرة قد لا يلتقطها غيره. وكنت حريصاً على كتابة قصتي وليس قصةالآخرين،ودعيني أشير بأن كتابة القصة القصيرة في رأيي هي من أصعب أنواع الكتابة.
إذ منالمفروض على الكاتب أن يحشر في صفحتين أوثلاث أحداث عشر سنوات أو أكثر.
وأناأعتبر كتابتي للقصة القصيرة تمريناً لي لكتابة الرواية أي تكثيف العملالروائي،فأنا لا أشجع على كتابة الرواية الطويلة، لاسيما في هذا العصر، لذلكتلاحظين أنمعظم رواياتي لا يتجاوز عدد صفحاتها (200) صفحة، عدا رواية (رأس بيروت) التيفرضت عليها أحداث الحرب الأهلية الضاغطة والمتنوعة في همجيتها، والقاسيةفيإيقاعها فكان لابد لي من جمع أحداث هذه الحرب في رواية واحدة، ولو أردت أنأكتبعلى طريقة الكتاب المصريين مثلاً لكان من المفروض أن تكون عدد صفحاتها(600) صفحة أو أكثر. ‏
ہ ولكن رواية «رأس بيروت» ليست الرواية الوحيدة التي كتبتها عن الحرباللبنانية؟ ‏
ہہ الحرب اللبنانية استمرت سنوات طويلة وعايشتها بكل ظروفها لذلك كانتمادةخصبة لي للكتابة، وأن الكاتب الوحيد الذي كتب عن الحرب اللبنانية الأهليةأربعروايات، وكل واحدة من زاوية مختلفة عن الأخرى وإن كانت تتمم بعضها بعضاًهذهالروايات إضافة إلى رأس بيروت هي «الممر، امرأة غامضة، دماء بالألوان». ‏
ہ ماذا عن تجربتك الرواية الشعرية من جهة وكتابة الشعر من جهة أخرى؟ ‏
ہہ عندما صدرت رواية «امرأة غامضة» في القاهرة فإن معظم النقاد الذينكتبواعنها وجدوا أنها رواية شعرية بامتياز، وهذه اللغة الشعرية اكتسبتها منخلالكتاباتي الشعرية، وهي كتابات ذات موضوع واحد وهو الحب. ‏
وتعرفين أن الحب لا يتألق إلا باللغة الشعرية. ولا بد من أن أشير إلى أنتلكالكتابات لم تكن برغبة مني، وإنما برغبة من الصحافة حيث كانت البداية فيملحقالأنوار حيث كان رئيس التحرير غسان كنفاني وكنت أكتب صفحة تحت عنوان(أناشيدإنسان على حافة الهاوية) وبتوقيع اسم مستعار هو (عابر سبيل) وكانت هذهالقصائدةعبارة عن أناشيد مكتوبة لامرأة لا يمكن القول عنها إلا «المرأة المستحيل» لذلككانت طقوسها إضافة للغة الشعرية طقوس الحزن، والألم، الحاجة الى امرأةليست ككلالنساء. وقد لاقت هذه الصفحة إقبالاً كبيراً من القراء وأثارت جدلاً فيالأوساطالثقافية في تلك الفترة وهذا ما شجعني على تكرار التجربة مرة ثانية فيمجلةالشبكة ومجلة الدستور بالاسم المستعار نفسه. ‏
ہ رغم خروجك مبكراً من دمشق إلا أن الحارة الشامية، والعلاقات الاجتماعيةالتيتميز هذه الحارة حاضرة بقوة في أعمالك وخاصة «أسرار النرجس»، ما سرّ ذلك؟
ہہ تعرفين أن النشأة الأولى تدفع بصماتها على القلب والروح، ودائماًالكاتبيستعيد في كتاباته طفولته ومرتع شبابه، ولذلك قبل رواية «أسرار النرجس» كانهناك رواية «مصرع الماس» التي تناولت فيها مرحلة من طفولتي اكتنزت فيذاكرتيتلك الأحداث المتشابكة التي ملأت الرواية خاصة، بما يتعلق (بقبضاياتالشام) الشاغور والميدان والعمارة والحي الذي ولدت فيه تحديدا (العقيبة)، ولوسألتنيلماذا كتبت عن هؤلاء؟ أقول: سبب ذلك حكواتي مقهى حي (العقيبة) الذي كانتألتصقبجانبه واستمع إليه وهو يروي قصة عنترة والمهلهل والزير، وتلك الأساطيرالرائعة. واندفعت بذاكرتي بطولة هؤلاء النبلاء ووجدت بديلاً عنهم الرجالالذينصرت أعاشرهم وأراهم بأم عيني (أبو عبدو الطويل، أبو علي الماس) وهذاالأخير كان
مشهوراً باسمه الثاني (الماس) هؤلاء الرجال بلباسهم العربي الشعبي الكاملكنتأرى فيهم عنترة والزير. كانوا يومها بنظر السلطة الاستعمارية مجرمين وقطاعطرق.
لكنهم كانوا أبطال روايتي «مصرع ألماس» حيث دمشق حاضرة فألماس الذي كانمجرماًفي نظر السلطة لأنه قتل يهودياً يتجسس على رجالات الثورة. وأبو عبدوالطويل قتلابنته لأنها أقامت علاقة مع ضابط فرنسي وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات،إلاأن الضابط الفرنسي سعى بنفسه لإخراجه من السجن بعد عامين. اعترف الضابطأمامالوالد بأنه تزوجها وأسلم من أجلها. وهذه الرواية سوف تتحول إلى عمل دراميتلفزيوني ويقوم بالإخراج نجدت أنزور الذي سيسعى إلى ترجمتها الىالإنكليزية قبلعرضها. مصرع الماس تتحدث عن دمشق الأربعينيات. أما أسار النرجس فهي دمشقالستينيات. ‏
ہ كيف تصف لنا علاقتك بالمرأة بشكل عام، المرأة ا لكاتبة، المرأة الحبيبة،الزوجة الراحلة الشاعرة أمل جراح؟ ‏
ہہ بالنسبة لي ككاتب المرأة جزء من كياني، حاضرة في كل لحظة من حياتي،عنصرأساسي في كتاباتي، ويجب الانتباه إلى أمر هام. أن المرأة في كتابتي هيالمرأةالشرقية، المضطهدة، المظلومة التي لا وجود لها إلا أمام زوجها حيث إنهاموصوفةللبيت والأولاد. النساء في كل ما كتبت مظلومات والرجل «قوام عليهن» وممنوععليها الخروج عن سلطته.، وهذا شيء موجود إلى الآن في مجتمعنا حيث المرأةلاكيان لها رغم محاولتها الخروج من القوقعة التي فرضها عليها المجتمع ومنورائهالرجل. وللأسف رغم حضور المرأة في الكثير من مرافق الحياة وخاصة بالنسبةللأعمال الدرامية إلا أنني لم أجد مسلسلاً يعبر حقيقة عن واقع المرأة فيالمجتمع. ‏

ايوب صابر 05-24-2012 03:40 PM

ہ أين موقع المرأة الحبيبة بالنسبة لك؟ ‏
ہہ لا بأس أن أعترف أنني أحببت نساء كثيرات ولكن الجميل في هذه العلاقاتأننيعندما أفترق عن إحداهن فتبقى العلاقة بيننا، علاقة ود وصداقة واحترام. اتصلتمثلاً صباح هذا اليوم بامرأة عمرها الآن (65) عاماً، وكنت قد أحببتهاعندما كانعمرها (20) عاماً، سألتها عن صحتها وأولادها، ومازلت أسمع ذات نغمة الخجلفيصوتها «اشتقت لك» المرأة بالنسبة لي شيء مقدس احترمه، وأحافظ عليه. ‏
ہ أمل جراح، شاعرة استثنائية، رحلت مبكراً. كيف تصف لنا علاقتك بها؟ ‏
ہہ اعترف لك أنني فقدت برحيل أمل الإحساس بالوجود، الإحساس بأي طعمللحياة،فقدت فيها الحبيبة، فقدت الزوجة، والأم، لقد كانت كل شيء في حياتي، منبعدها،تحولت حياتي إلى فوضى، عزلة إلى خوف مستمر، ورعب من كل شيء حولي. واتساءللماذاأخذ القدر مني أمل؟ ولماذا أمل بالذات! كانت رفيقة دربي ليست كظلي بل كعضومنأعضائي، عندما كانت تنظر إلى وجهي تعرف بماذا أفكر. كيف تريدين أن أحدثكعن أملالشاعرة الإنسانة، الأم، كانت قارئتي الأولى وناقدي الأول وكنت آخذبملاحظاتها،كما كنت قارئها الأول وناقدها وكانت هي أيضاً تأخذ بملاحظاتي. ‏
وكنت حزيناً جداً عندما أقرأ قصائدها لأنها كانت تكتب بحزن وألم. لم يدخلالفرحالى أوراقها أبداً... ‏
ہ سؤال أخير.. بعيداً عن الحزن و الألم، هل استكملت مشروعك الروائي، أممازالهناك شيء لم تقله؟ ‏
ہہ أعتبر أنني لم أكتب كل ما أحب كتابته، وأرجو أن تساعدني الأيام لأكتبالرواية التي ما أزال أختزنها في ذاكرتي وقد وضعت لها عنواناً مبدئياً«عالم لارجاء فيه» سأخرج هذه الرواية إلى المدى الأوسع ليس للمجتمع السوري أوالعربي،وإنما للمجتمع الإنساني الذي أصابه الجشع وتضارب المصالح، والمال الذييسود علىكل شيء أو كما قال زكريا تامر: «بالمال تشتري كل شيء الله والعبيد»،وعندماسألته: كيف الله؛ فقال: إذا كان معك مال وبنيت مسجداً ألا ترضي الله.. إذاكانمعك مال وأعطيته لعائلة فقيرة ألا ترضي الله.. إذا كان معك مال وبنيت مشفىألاترضي الله.. إذا كان معك مال وبنيت مدرسة ألا ترضي الله.. ولكن للأسفالشديد إنالذين يملكون المال لا يفكرون إلا بأنفسهم.. الأغنياء يموتون من التخمةوالفقراء يموتون من الجوع.

ايوب صابر 05-24-2012 03:42 PM

مع الروائي ياسين رفاعية

ياسين رفاعية واحد من أكابر كتّاب القصة والرواية عربياً, أديب وحكواتي بالفطرة, استمع كثيراً لدروس القصة القصيرة في (فرن الخبز) الذي كان يمتلكه‏
والده... من خريجي أكاديمية الحياة, عنيت عمال الفرن الذين كانوا رجالاً, وهو فتى بعد, كان ينصت بشغف لقصص عشقهم, يزفر حينما يزفرون, ويتألم حين يتألمون, ويبكي معهم حين يبكون, كانت معايشة من نوع إبداعي خاص بين من يحكي ويقص؛ وبين منتج القصة أو الحكاية ومتلقيها الفتى الذي راح يعرف من القصة أمرين هما: الحياة, والناس, وقد رسّبت مآسي تلك القصص والحكايات التي استمع إليها آثارها الفاجعة في نفس الفتى الذي سيغدو، وهو ابن السادسة عشرة من عمره، منتجاً لقصص عمال (الفرن) وحكاياتهم مكتوبة ومنشورة في الصحف والمجلات.‏
كانت حياة ياسين رفاعية صعبة وقاسية جداً, حتى ليحسب عارفها أنها منجم من العذاب العلوق بالإنسان, لذلك ـ وهو بكر والديه ـ ترك الدراسة في الرابعة عشرة من عمره, والتحق بالعمل الشاق في (فرن) والده, وهناك لم يشو ياسين رفاعية الكعك وحسب, وإنما شوى قصصه على نار كُتب عليها أن تنضج كل ما هو جميل ومميز, لذلك لا أبالغ إن قلت إن نضجاً مختلفاً ومميزاً يرى ويحس في قصص ياسين رفاعية ورواياته لا نجده عند مجايليه من أعلام القصة والرواية المعروفين عربياً.‏
الطفل/ الفتى الذي لم يكمل دراسته في المدرسة الرسمية أكملها في مكانين شديدي التواري والتخفي, والطقسية, هما: الأول: فرن أبيه حيث كان يستمع لقصص عمال الفرن (الذين يكبرونه بعشرات السنوات) وحكاياتهم فيخزنها في غرف الذات المبدعة.‏
والثاني: المقبرة! نعم المقبرة, حيث كان يأتي إليها ليجالس زكريا تامر ويوسف شرورو ( قاص وروائي فلسطيني) من أجل الاستماع لقصة كتبها أحدهم, لكأني بياسين رفاعية كان يفرّغ كل ضجيج الفرن في المقبرة حيث هو الهدوء والإنصات, والوحدة المطبقة, هؤلاء الثلاثة تامر, ورفاعية, وشرورو اكتشفوا مكانهم السري الخاص (المقبرة) من أجل أن يتعلموا فن الإصغاء؛ فن الصفاء.. ليعيشوا ما عاش في حضرة النص؛ حضرة الإبداع.‏
ياسين رفاعية, ومنذ يفاعته, دخل عالم الكبار بقوة وحضور غير عاديين عبر مرتين اثنتين, الأولى: كانت عندما دخل عالم الكبار في (فرن أبيه), وقد أُيد هناك بنفوذ والده ومكانته (باعتباره صاحب الفرن), والمرة الثانية كانت عندما دخل عالم الكبار في مجال الكتابة والصحافة, وقد أُيد هناك بقوة نصوصه وبروز موهبته الصافية.‏
تلك اليفاعة الطموح للمناورة, والتميز... هي التي تسم ياسين رفاعية الشخص أولاً فتجعله كائناً متجدداً على الدوام، وهي التي تسم نصه ثانياً الذي لا يركن إلى ثبات أو سكون أو نجاح.‏
ياسين رفاعية, وعبر حوار معه, يمنح صفحات (الموقف الأدبي) شيئاً من حضوره, وحزنه, فلا يخرجُ القارئ من هذا الحوار إلا وقد عرف الكثير عنه كشخص أخاف الحياة بسطوة حضوره, وقوة صبره, وعن نصه الذي هو مدونة رفيعة الشأن لحياة عاشها أناس كانت علتهم الأولى أنهم مهمشون.‏ [/
frame]

سألته:‏
ـ لو أردنا إعادة إنتاج عالم طفولة ياسين رفاعية ما الذي تقولــه, ما الذي تتذكره؟!‏
*إذا أردت أن تسألني عن طفولتي, فما زلت طفلاً, وسأحافظ على طفولتي حتى الموت.‏
ـ عنيت كيف كانت النشأة, وما هي أحوال البيئة؟‏
* نشأت في بيئة فقيرة جداً, وجئت من أب عظيم, وأم عظيمة, من ذلك الجيل الآفل الذي كانت الكرامة فيه قبل كل شيء، وهي هدفه الأعلى.‏
في حي فقير (حي العقيبة) جميع أسره تتواصل كأنها أسرة واحدة, عشت في جو حميم, فأنا شخصياً رضعت من تسع أو عشر نساء كن من عمر والدتي, ولذلك لي إخوة حتى الآن لم أستطع إحصاءهم, أما العائلة العتيقة التي هي أسرتي (الأب, الأم), فأنا أول من بصصت النور فيها, ثم توالت الولادات من بطن أمي السخية فأنجب أبي سبع بنات وختمها بصبي.‏
وعندما جئت إلى هذه الدنيا كان عمر أبي سبعة عشر عاماً, وعمر أمي ثلاثة عشر عاماً, فنشأت معهما إلى أن أصبحا صديقيَّ, مررنا بظروف قاسية فوالدي كان مناضلاً حقيقياً, ومن أجل أن يوفر لنا الخبز والأدام عمل في مهن عديدة, كان يوصل الليل بالنهار.‏
ـ لكن المهنة التي عُرف من خلالها هي مهنة (الفران) ولطالما تحدثت أنت عنها؟‏
*نعم لقد ثبت أبي فيما بعد على مهنة صنع الكعك, وكنت أرافقه إلى الفرن في فترات متتالية, وأذكر أنني عندما حصلت على الشهادة الابتدائية, وكنت آنذاك فتى صغيراً, كنت أقضي نصف وقتي في الفرن, والنصف الآخر في الدراسة حتى تعلمت مهنة صنع الكعك, وعندما ساءت ظروفنا العائلية إلى حد لا يطاق, تخليت عن الدراسة وأنا في الصف التاسع, والتحقت بفرن أبي معاوناً لـه, وبراتب مقداره خمس ليرات يومياً, وحملت عن أبي عبئاً كبيراً في هذا الفرن كي أمنحه قليلاً من الراحة, فكنت أخرج من البيت عند منتصف الليل وأظلّ فيه حتى الساعة السادسة من مساء اليوم الثاني؛ أعمل واقفاً, وأحمل أكياس الطحين... وأحياناً حين أتعب أنام على أكياس الطحين.‏
ـ ومتى بدأت تفكر بالكتابة للمرة الأولى؟‏
*في تلك الفترة, وقبل أن تخطر ببالي الكتابة, كنت على تواصل حميم مع عمال الفرن فأسمع كل يوم من أحدهم قصة أو حكاية, قصة عشق فاشلة لأنهم كانوا جميعاً محبين فاشلين, فخطر ببالي آنذاك لو أنني أستطيع كتابة هذه القصص, ومن غير ما قصد صرت أشتري كتباً وأقرؤها بدءاً من القصص البوليسية (شارلوك هولمز, وأرسين لوبين) إلى الأدب الروسي، إلى الأدب الأمريكي (همنغواي, جون شتاينبك), وأظن أنني تأسست على قراءة الأدب الغربي قبل قراءة الأدب العربي.‏
وقد كنت هاوياً لقراءة الروايات, فلم أترك رواية مترجمة إلى العربية آنذاك إلا وقرأتها, كان هناك شاب صغير يتجول في حينا القديم (حي العقيبة) حاملاً صندوق البويا (ماسح أحذية)، يشتغل على مسح أحذية الناس, كان شاباً لطيفاً, وعلى وجهه مسحة من الحزن العميق, اقترب هذا الشاب من قلبي كثيراً وأصبح صديقي وكان يروي لي في كل يوم قصصاً من حياته وحياة أبيه المتوفى ووالدته العجوز التي ليس لها سواه، تلك القصص شكلت عندي فكرة قصة فكتبتها وكان عنوانها (ماسح الأحذية)، كتبتها في الأصل بعدما قرأت إعلاناً عن مسابقة للقصة القصيرة في مجلة تصدر في العراق, عنوانها (أهل النفط) كان يرأس تحريرها جبرا إبراهيم جبرا, كتبت هذه القصة وأرسلتها إلى المسابقة, وفوجئت أنها نالت الجائزة الأولى, وكانت الجائزة عبارة عن ثلاثمائة ليرة, وهذا مبلغ كبير آنذاك, أذكر أن أحد موظفي مكتب الشركة في دمشق اتصل بي لأقبض المبلغ, وحينما أخذت المبلغ ذهبت إلى ماسح الأحذية وقاسمته إياه.‏
وحين أعطيته نصف المبلغ بكى وقد فوجئ تماماً، قال لي بالحرف الواحد ليس لدينا سجادة، والدنيا شتاء وبرد, سأشتري بهذا المبلغ سجادة, فقلت لـه افعل ما تشاء, وقد عرفت أنه اشترى سجادة بمائة ليرة, وفوجئت في الليلة التالية أنه جاء إليّ ودعاني إلى العشاء في بيته المؤجر, وهناك تعرفت إلى أمه العجوز التي حدثني عنها طويلاً. أذكر أن تلك الأم رفعت يديها إلى السماء وقالت في دعاء شجي: يا رب لا تجعل هذا الشاب( تقصدني) يحتاج إلى إنسان طوال حياته، وكأن هذا الدعاء يتلبسني حتى الآن.‏
فأنا لم أحتج لإنسان والحمد لله على الرغم من ظروفي الصعبة التي مررت بها (بعجرها وبجرها)..‏
ـ كم كان عمرك يوم كتبت تلك القصة؟‏
* كنت في السادسة عشرة من عمري وكانت قصة (ماسح الأحذية) فاتحة جيدة ومشجعة للكتابة القصصية, وأول من جعلتهم أبطالاً لقصصي في تلك الفترة, هم رفاقي العمال في الفرن, فإذا كان أحدهم يحب امرأة في حياته تشبه ليلى فوزي كان يعلق صورة تلك الفنانة على الحائط, ويقول هذه حبيبتي حتى صارت كل جدران الفرن معرضاً لحبيبات العمال.. لكي تدلل على فشل تجاربهم العاطفية.‏
أحدهم كان يكره أنور وجدي لأنه يحب ليلى مراد, فقال لنا ذات مرة إذا تزوجت سأسمى ابني أنور فقلنا لـه كيف تسميه أنواراً وأنت تكره أنور وجدي؟ فقال من أجل أن أضربه كفين في كل صباح. بالفعل كانت أحاسيسي تجاه هؤلاء الشبان حميمة جداً, فعندما يتكلم أحدهم عن الحب كان يبكي من فرط الأحاسيس, هؤلاء كانوا المنبع الأساسي لقصصي القصيرة, وإذا عدت إلى مجموعتي (الحزن في كل مكان) ستجد أن جميع أبطالها من العمال والمشردين.‏
ـ وهل كانت صناعة الكعك المهنة الوحيدة التي عملت عليها؟!‏
*لا, ففي ظروف قاسية أخرى أي في أواخر الحرب العالمية الثانية, أوقفت الدولة تزويد أفران الكعك بالطحين, وكانت المؤسسة التي توزع الطحين اسمها (الميرا) هي التي توفر الطحين للخبز, لذلك وقعنا في حالة عطالة طويلة عن العمل, في تلك الفترة عملت عند صانع أحذية (كندرجي) وكنت في الخامسة عشرة أو السادسة عشرة من عمري, وكانت مهمتي عند صانع الأحذية هي تجليس المسامير المعوجة, فكانت أصابعي تُدمى من ضرب الشاكوش, قضيت بضعة شهور عنده كانت من أقسى الشهور التي عشتها في حياتي, وحين استطاع والدي الحصول على الطحين شهرياً, كان يصنع الكعك ليلاً, ويبيعه في النهار بالتهريب للبقاليات, وأنا شخصياً كنت أحمل صاج الكعك الطري المعجون بالسكر, وأبيعه داخل سينما [غازي], أنادي على الكعك: [كعك طيب, كعك حلو, كعك طري] وما أن ينتهي الفيلم حتى أكون قد بعت حوالي (50) كعكة, وسعر الواحدة آنذاك قرش واحد, ثم توالت الأحداث الصعبة, فأصر أبي على إعادتي إلى المدرسة لكني تعودت على حياة أخرى غير حياة المدرسة, فكنت أهرب من المدرسة, وأستعين بأصدقاء أبي لا بأبي عندما أنقطع عن المدرسة لكي أعود إليها, متوسطين لي تحت حجج أنني كنت مريضاً أو ما شابه ذلك فأعود إلى المدرسة, هذه الحياة ما بين الفرن والمدرسة والقراءات الفردية هي التي شغلتني.‏
ـ ومتى كانت بداية النشر, وأين؟!‏
*كانت هناك جريدة سورية اسمها (الشعب) كانت مكاتبها مجاورة لفرن أبي, وكان مدير تحريرها الكاتب المعروف عادل أبو شنب, كنتُ أخذ إليه قطعة أدبية تشبه الشعر, فأعطيه المقطوعة, وأُدخل لـه, دون أن يشعر بي, كيساً من الكعك أواريه خلف مكتبه, وبعد ثلاثة أيام أو أربعة أعود بقطعة جديدة من الشعر, وبكيس جديد من الكعك, وقد فوجئت حين عدت إليه في ثاني مرة بأن وجدت كيس الكعك القديم ما زال موجوداً خلف مكتبه, فقلت لـه أستاذ عادل ألم تنتبه إلى هذا الكيس! فقال لي لا أدري لمن هو! قلت لـه أنا جئت به إليك! فضحك وراح يهتم بي أكثر, وأنا شخصياً كنت مهتماً بقصصه ومعجباً بها, فقد كان من أوائل المجددين في مجال القصة القصيرة, وحين انتبهت الدولة إلى أن أبي يُهّرب الطحين, قامت وختمت الفرن بالشمع الأحمر, فاضطر أبي وبمسعى من صديق لـه أن يعمل حارساً ليلياً, وكانت المنطقة التي يحرسها هي منطقة شارع السنجقدار, وسينما راديو التي أصبح اسمها فيما بعد (سينما النصر), فكان أبي يصطحبني إلى تلك السينما, ويدخلني إليها مجاناً باعتباره حارساً للمنطقة التي تقع فيها, وكانت هذه السينما تعرض فيلماً عن (زورو) و(طرزان) ثم بعد ذلك تقدم فاصلاً تمثيلياً حيّاً يقدمه عبد اللطيف فتحي, الذي كان يعتمد على النكتة, وحين يهم بالدخول يصرخ (يا ساتر).‏


ايوب صابر 05-24-2012 03:42 PM

وكان يتعاقب على هذا المسرح ثلاثة من الكوميديين المسرحيين هم عبد اللطيف فتحي, ومحمد علي عبده, وسعد الدين بقدونس.‏
وكانت تلك السهرة تختتم عادة بأغنية لسيدة تغني لأم كلثوم اسمها (نور الصباح) فأنا وفي عمر ستة عشر عاماً عشقت أغاني أم كلثوم بسبب استماعي لأغنيات تلك المطربة, وكانت السهرة تنتهي في الواحدة ليلاً, وعندئذٍ أذهب إلى كوخ والدي الحارس (وهو كوخ خشبي) فأجده جالساً في الكوخ مشعلاً النار في برميل صغير, فيقول لي (شوف يا بابا أنا نعست خذ هذا القلبق (الطربوش) ضعه على رأسك, وخذ هذه العصا وتجول في المنطقة, واضرب على أبواب المحال بقوة حتى يشعر الناس أن الحارس موجود, وخذه هذه الصفارة, وصفّّر بها, وانتبه من الدوريات التي تراقب الحراس, إن صادفتها تعال وأيقظني حالاً.‏
ـ طيب إذا كان ليلك مملوءاً بهذه الأشغال, فماذا كنت تفعل نهاراً؟‏
* في تلك الفترة كنت أكتب بين الحين والآخر, وأرسل قصصي إلى الجرائد السورية (دمشق المساء, النصر, الأيام, الأخبار) لتنشر فيها مجاناً دون أية مكافآت.‏
ـ في تلك الأثناء قامت الوحدة بين سورية ومصر... هل تتذكر شيئاً عنها؟‏
* عندما قامت الوحدة خرجت مع المتظاهرين في الشوارع, ننادي بالوحدة العربية ونحن سعداء جداً بهذا الإنجاز التاريخي, ما أذكره هو أنني كتبت مقالاً عن هذه الوحدة ونشرته في جريدة (دمشق المساء) وكان مقالاً من القلب, فيه سعادة وأحلام كبيرة وأحاسيس ومشاعر جياشة تجاه الوحدة, وقد لفت الانتباه فعلاً, وذلك لأنه بعد يومين أو ثلاثة من نشره دخل ثلاثة أشخاص إلى فرن أبي وسألوه عني (بعد أن ترك عالم الحراسة, وعاد إلى مهنته القديمة حين أصبح الطحين متوفراً) فتوجس أبي منهم خيفة وسألهم لماذا يسألون عني؟! فقالوا لـه نريده لأمر خاص.‏
فخاف أبي عليَّ, وطلب مني أن أذهب إلى بيت عمتي, أي أن أتوارى عن الأنظار, وقال لي جماعة من مخابرات عبد الحميد السراج يسألون عنك, فخفت وتواريت فعلاً, ولكن هؤلاء الجماعة ظلوا يسألون عني, وقد أدرك أحدهم أن والدي يكذب عليهم, فتقدم منه وقال لـه: يا عم, ابنك, وبطلب من الرئيس عبد الناصر, يريدونه في المكتب الصحفي في القصر الجمهوري! فدهش أبي وقال لهم ابني كعيكاتي فماذا سيصنع لكم في القصر الجمهوري؟ فقالوا لـه لا ندري, ما ندريه هو أنهم يريدونه, عندئذٍ جاء والدي إلى بيت عمتي وأخبرني أن الجماعة يريدونني في القصر الجمهوري, فذهبت إليهم حيث كانوا منتظرين لي في فرن الوالد, ومن هناك.. من (الفرن) أخذوني إلى (القصر)؛ نقلة مذهلة لم أكن أحلم بها إطلاقاً.‏
ـ ولماذا أخذوك؟!‏
*أخذوني لكي أعمل في المكتب الإعلامي في القصر, وبراتب شهري قدره (850) ليرة سورية, وقد كان هذا المبلغ كبيراً جداً أيام ذاك (راتب وزير) وقد سألني مدير المكتب الصحفي في القصر الأستاذ نشأت التغلبي: أتعرف من كان واسطتك لكي تأتي للعمل في القصر الجمهوري, قلت لـه: من؟! قال لي: صديقتك كوليت خوري, بالفعل فوجئت, ولكني لم استغرب, لأنني كنت أتردد على بيت السيدة كوليت, وقد كانت, وهي في بداية حياتها الأدبية, تستقبلنا في بيتها نحن مجموعة من الأدباء, وكنت آنذاك أحب فتاة, أصبحت فيما بعد كاتبة مشهورة, وكانت تعذبني كثيراً.‏
فأحكي لكوليت عنها وأشكو لها وأبكي على كتفها, فتواسيني.‏
آنذاك كنت صاحب نفوذ في القصر, فبعد أن كنت أذهب إلى الفرن بالقبقاب, صارت تأتي سيارة القصر وتأخذني من مدخل الحي الذي نقيم فيه لأنها لا تستطيع الدخول إلى أمام البيت, وحين كنت ألبس (الأفرول) في الفرن, صرت ألبس البذلة, وقد أصدرت في ذلك الحين مجموعة (الحزن في كل مكان) عام 1960, ونشرها لي, بواسطة نفوذي, مدحت عكاش, وعندما وقع الانفصال, قبضوا عليّ كمصري وألقي بي في الملعب مع آخرين.‏
وعند التحقيق اكتشفوا أنني سوري, فأطلقوا سراحي, بعد ذلك بحوالي شهر أو شهرين, أعادوني إلى القصر الجمهوري, وقد كان زميلي في المكتب الإعلامي آنذاك الأديب اسكندر لوقا الذي ما زال ليومنا هذا في عمله, وبعد فترة فوجئت بقرار تسريحي من القصر بتهمة (الشيوعية) وأنا لم أكن شيوعياً لا في البدء, ولا في النهاية, فقلت لأبي ها قد عدنا إلى الفرن يا أبا ياسين, ولم تمض سوى أيام حتى أتى أحد رجال (التحري) المخابرات‏
إلى الفرن وكنت موجوداً, وقال لي رئيس الشعبة السياسية يريد أن يراك, فقلت لـه: لماذا؟ قال: لا تخف, يريد رؤيتك, وكان اسم ذلك الشخص شتيوي سيفو الذي أصبح وزيراً فيما بعد, وكان مكتبه خلف وزارة الثقافة: ذهبت إليه فاستقبلني استقبالاً جيداً, وقال لي بالحرف الواحد: أنا أعرف الشيوعيين فرداً فرداً في هذا البلد, وأنت لم تكن شيوعياً في كل حياتك لكن أحد المقربين لك في العمل وأحد أصحابك وشى بك في أذن مدير القصر بأنك شيوعي فطرودك من الوظيفة, أنا أعرف بأنك مظلوم لذلك سأكلم الدكتور يوسف شقرة [أمين عام وزارة الثقافة] من أن أجل أن يضمك إلى وزارة الثقافة كموظف, وسألني ما رأيك؟ قلت: يا ريت! فعلاً اتصل به, فقال لـه يوسف شقره, أرسله إليّ.‏
وكانت المسافة قريبة جداً, فذهبت إليه, فاستقبلني استقبالاً جيداً, وكان عنده الكاتب الكبير فؤاد الشايب, ويبدو أنهما كانا يتحدثان عني, لأن فؤاد الشايب أمسك بيدي, وقال تعال ياسين إننا نؤسس لمجلة اسمها (المعرفة) ستكون سكرتيراً لها, وبالفعل صدر العدد الأول من المجلة على يدي, وبقيت في مجلة المعرفة من عام 1961 إلى‏
عام 1965.‏
ـ ولماذا تركت العمل في مجلة المعرفة؟!‏
*كان في ذلك الحين أحد معلمي المدارس, يرسل مقالات إلى المعرفة, وكان فؤاد الشايب يرفض نشرها, وإذا بهذا الشخص يأتي وزيراً للثقافة, فقام أحد المقربين الذي يريد الإساءة لي, وقال لـه مقالاتك موجودة في درج ياسين رفاعية, فكان أول قرار يوقعه الوزير هو تسريحي, فؤاد الشايب انزعج جداً, وقال لي سأترك المجلة, وبالفعل طلب من الوزارة انتدابه ليكون مدير مكتب الإعلام التابع للجامعة العربية في الأرجنتين, واستلم وظيفته في المجلة أديب اللجمي, في ذلك الوقت سافرت إلى بيروت, وعملت مسؤولاً أدبياً في مجلة (الأحد) التي كان رئيس تحريرها آنذاك رياض طه, وسكرتير تحريرها طلال سلمان (رئيس تحرير السفير الآن) وكنا معاً في غرفة واحدة, وعندما توفي في دمشق, صاحب مجلة المضحك المبكي حبيب كحاله الذي هو خال كوليت خوري عدت إلى دمشق لأشترك في تشييع الجنازة, وإذا كتفي إلى كتف وزير الثقافة الذي نقر بأصابعه على كتفي فألتفت نحوه, وسألني ألم تجع بعد؟! قلت لـه: يا فلان يوجد عندي فرن أبي, فهل نبعث لك كيساً من الكعك, فارتجف, وابتعد عني!‏
ـ عندما عدت إلى بيروت بقيت في جريدة الأحد؟!‏
*عندما عدت إلى بيروت أُتيحت لي فرصة عظيمة جداً فقد اتصل بي صاحب جريدة الرأي العام الكويتية عبد العزيز المساعيد وطلب مني افتتاح مكتب للجريدة في بيروت براتب شهري مقداره خمسة آلاف ليرة لبنانية (حوالى 2000 دولار) وقال لي (خذ أجمل بناية في بيروت لنؤسس فيها مكتب الجريدة, فاخترت بناية جميلة في شارع الحمراء اسمها بناية (الديرادو) وكان المكتب عبارة عن أربع غرف, الغرفة الرئيسية كبيرة جداً وتقارب في حجمها غرفة الوزير في وزارة الثقافة حيث كنت أعمل, فوصفت للفتاة التي ستؤثث الغرفة, مكتب وزير الثقافة ليكون مكتبي مثله تماماً, وبعد عدة أشهر جاءني الدكتور يوسف شقره ليزورني في بيروت, استقبلته السكرتيرة, ثم جاءت إليّ وقالت يوجد شخص اسمه يوسف شقره يريد رؤيتك, فهببت إليه مرحباً, وعانقني وقد دمعت عيناه, وسألته هل هذه الغرفة أجمل أم غرفة وزير الثقافة؟ فضحك!‏
ـ لكنك عملت فيما بعد في جريدة الثورة بدمشق؟‏
*نعم, فحين توقفت مجلة (الأحد) بقيت عدة أشهر دون عمل, وإذ بي التقي بشخص أردني من أصل فلسطيني, فسألني ماذا أعمل, فقلت لـه أنا عاطل عن العمل, فاتصل بشخص اسمه حبيب حداد وقال لـه ياسين رفاعية كاتب ولا يجوز أن يظل دون عمل, فأرسلني إليه, ذهبت إليه, فاتصل بوزير الإعلام, وطلب منه أن أعين في جريدة الثورة, وهذا ما حدث فعلاً فأصبحت محرراً في جريدة الثورة.‏
ـ لكنك ما لبثت أن تركت جريدة الثورة؟!‏
* فعلاً تركتها لظروف لا أريد شرحها.‏
ـ أود أن نتوقف قليلاً عند قصصك, فقد أحدثت مجموعتك (العصافير) ضجة أدبية واسعة حين صدورها؟‏
* صدرت (العصافير) بعد توقفي عن الكتابة أحد عشر عاماً, وفوجئت بأن هذه المجموعة أحدثت ضجة كبرى في الصحافة اللبنانية حيث وجدوا فيها نقلة نوعية في كتابة القصة العربية, وقد وصلت شهرتها إلى مصر, فدعاني في ذلك الوقت وزير الثقافة المصري يوسف السباعي لزيارة مصر وبالفعل سافرت مع زوجتي المرحومة أمل جراح إلى مصر, وعقدت هناك ندوات عديدة حول هذا النوع الجديد من القصة, وأذكر أنني في إحدى حفلات العشاء قدمت نسخة من (العصافير) إلى نجيب محفوظ, فقال لي في اليوم التالي وفي حفلة أخرى وبحضور عدد من الكتّاب المصريين: يا ياسين لقد أذهلتني, وشجعتني على أن أكتب مجموعة قصص قصيرة, وبالفعل بعد فترة قصيرة صدرت لنجيب محفوظ مجموعة قصص جديدة.‏
ـ وما الذي ولّده هذا النجاح في نفسك؟‏
*بسبب هذا النجاح الكبير طبعت المجموعة أربع طبعات متقاربة زمنياً, استعدت أنفاسي, فعدت إلى الكتابة بنشاط مع أن الحرب الأهلية اللبنانية قد نشبت, فأصدرت روايتي (الممر), وقد طبعت مرتين في سورية ولبنان, ثم أصدرت روايات عديدة هي: (مصرع ألماس) و(وردة الأفق), و(دماء بالألوان), و(امرأة غامضة), و(رأس بيروت), و(أسرار النرجس), و(وميض البرق).. كما صدرت لي ست مجموعات قصصية, وكتاب في السيرة هو (رفاق سبقوا) إلى جانب كتب نثرية تحت عنوان (نصوص في العشق).‏
ـ وكيف عشت الحرب الأهلية اللبنانية؟‏
* من غير شك مررت بظروف صعبة في أثناء الحرب الأهلية في لبنان, وتعرضت إلى الخطف فيها, وبعد الغزو الإسرائيلي للبنان غادرت إلى لندن حيث عملت فترة مسؤولاً ثقافياً في مجلة (الدستور), ثم انتقلت إلى جريدة (الشرق الأوسط) حتى عام 1996, وعدت بعد ذلك إلى بيروت مراسلاً لجريدة الشرق الأوسط 1996, ثم تفرغت للكتابة وبقيت فيها إلى أن عملت على رئاسة القسم الثقافي في جريدة المحرر حيث أكتب الآن, كما أكتب في صحف ومجلات عربية عديدة عن كتب صدرت حديثاً.‏
وقد مرت بي خلال هذه الفترة أربع فواجع متتالية, وفاة الوالدة, ووفاة الوالد, ووفاة الزوجة, ووفاة الابنة, وإذا أردت أن تختم هذا الحوار فلنقل معاً ما زال ياسين رفاعية يعيش.‏
ـ أود أن أسألك عن رأيك بالتجارب الأدبية التالية:‏
* عادل أبو شنب: اعتبره كاتباً متميزاً في القصة القصيرة, لـه خط واضح, وكان مجدداً فعلاً في القصة القصيرة بالنسبة لجيله, وأحببت قصصه كثيراً خصوصاً مجموعته الأولى (عالم ولكنه صغير).‏
* كوليت خوري: الإنسانة والكاتبة شخصية واحدة.‏
كتبت بالفرنسية والعربية, وستظل رواية (أيام معه ) من أجمل أعمالها, وإن كان لي من رأي في هذا المجال أقول لكوليت الفضل الكبير في شق الطريق أمام الكاتبات السوريات اللواتي ظهرن فيما بعد.‏
* عبد السلام العجيلي: أمير القصة القصيرة لغة وموضوعاً.‏
لقد قرأت لـه قصة قبل ثلاثين عاماً ما زلت أتذكر تفاصيلها حتى الآن, وكانت من أجمل قصصه, وعنوانها (مصرع أحمد بن محمد حنطي) وقد تحدثت عن هذه القصة أثناء تقديم لـه في الجامعة الأمريكية في بيروت.‏
* نزار قباني: كان صديقي على مدى أربعين عاما,ً كنت قريباً منه أكثر من أهله, وملتصقاً بمآسيه أكثر من أهله, شاعر الوجدان والروح, ولن يأتي زمان بمثله.‏
* فؤاد الشايب: أستاذي وعلى يديه تعلمت كيف تبنى القصة القصيرة, وكيف تخرج من السرد العادي إلى البناء الفني شكلاً ومضموناً.‏
* زكريا تامر: رفيقي منذ الشباب الأول, وجاري في الحي, وكنا نقرأ قصصنا لبعضنا بعضاً في مقبرة الدحداح, هو أكبر مني في العمر, فكنت اعتبره أستاذاً, وعندما يقرأ قصة من قصصي يبستم ويقول جملة واحدة: هذه يا ياسين قصة جيدة أحببت زكريا لأننا من نفس الطبقة, عانينا ما عانيناه وتشردنا معا.‏
وكان هناك صديق لنا فلسطيني, نقرأ نحن وإياه القصص في المقبرة هو يوسف شرورو, كان يوسف من عائلة متوسطة الحال, بينما أنا وزكريا كنا فقيرين جداً, زكريا تامر متفرد في كتابة القصة التي لم يتخلَ عنها ولم يكتب غيرها.‏
* غادة السمان: أنا أول من نشرت لها, وأول من اكتشف موهبتها, وقد اعترفت بذلك في مقابلاتها الأدبية, قد أقول لك إنها كاتبة خطيرة جداً, خطورتها إيجابية في خلق نماذج في قصصها نعيشها ونراها ولكن لا ننتبه إليها, كاتبة كبيرة بكل المقاييس.‏
* حنا مينة: هذا الروائي الذي كتب حتى الآن خمساً وثلاثين رواية والذي يستطيع أن يكتب رواية في بضعة أشهر, أحببت رواياته الأولى (الشمس في يوم غائم) (الدقل) (المصابيح الزرق).. (الياطر) أكثر من رواياته القصيرة التي ينشرها الآن.‏
* سعيد حورانية: رحمه الله, كان شخصية قوية, وكانت لقصته شخصية قوية أيضاً, والموضوعات التي تناولها معظمها مأساوي, وحزين... وهي الحياة التي عاشها, وقد خسرنا فيه كاتباً كبيراً كان من الممكن لـه أن يثري أعمالنا الأدبية بروائع غير مسبوقة.‏
* شوقي بغدادي: شاعر أكثر مما هو كاتب قصة ورواية, لكنني أجد فيه الشاعر الكبير الذي يكتب الشعر بالروح والدم, وهو مميز.‏
وشخصية فريدة في هدوئها الظاهر, وغليانها الداخلي, ومن جيله لم يبق لنا سواه أطال الله عمره.‏
* هاني الراهب: أحببت روايته (المهزومون) حين كان طالباً في الجامعة, كانت عفوية وصادقة, وأحببت لـه (ألف ليلة وليلتان), ورواية (رسمت خطاً على الرمال) عدا عن كونه باحثاً مهماً.‏
* وليد مدفعي: هو من الكتاب الساخرين, وليس لنا في ذلك الجيل كاتب بهذا المستوى الذي وصل إليه وليد مدفعي, وقد نشرت لـه في بيروت روايته الكبيرة (غرباء في أوطاننا) قبل ثلاثين سنة, وقد استشهد بها طلال سلمان منذ أشهر في جريدة السفير حين قال مازلنا غرباء في أوطاننا, أرجو الله أن يعافيه.‏
* وليد إخلاصي: جدد في الرواية فعلاً نقلها من السرد إلى التجريب, وخصوصاً عندما مزج التراث بالمعاصرة, واستمد من التاريخ العربي الكثير ليطّعم بها أعماله, في مسرحياته كان بارعاً في تشكيل الشخصيات.‏
* جمانه طه: معجب بكتابها عن الأمثال (الجمان في الأمثال) وقصصها في (الأبواب) مذهلة, وهي كاتبة مختلفة عن ما هو حولها, وصاحبة قصص مفاجئة.‏
* يوسف إدريس: لم أحب كتابته, مع أن شخصيته كانت مختلفة عن الشخصية المصرية, في شخصيته إدعاء, وغرور, وقصصه فيها تأليف لا صدق فيه.‏
* فؤاد التكرلي: كاتب جيد, أحبه كثيراً في قصصه القصيرة.‏
ـ ما الكتاب الذي كنت تتمنى لو أنه كان لك؟‏
* عالميا:ً قرأت أعظم رواية, رواية (الساعة الخامسة والعشرون), وقد أثرت بي هذه الرواية تأثيراً فظيعاً, وكنت أتمنى لو أنها كانت لي.‏
* عربياً, أحببت يوسف الشاروني وتمنيت لو أنني كتبت قصصه الرائعة والعظيمة.‏
* وسورياً, أحببت عبد السلام العجيلي, وتمنيت لو كانت بعض قصصه لي.‏
ـ لو التفت إلى الوراء, هل تتمنى أن تستعيد حياتك كما كانت؟‏
*أتمنى ألا تعاد حياتي مرة ثانية.‏
ـ من هم أساتذتك الذين تعلمت منهم؟‏
* الكتاب الروس تولستوي, دوستويفسكي, غوغول... هؤلاء أساتذتي.‏
ـ هل أنت متفائل تجاه القصة والرواية عربياً؟‏
* متفائل بالرواية. متشائم في القصة.‏
متفائل بما كتبته المرأة من روايات.‏
ـ ما رأيك في الرواية في لبنان؟!‏
* أحب كتابة إلياس خوري ـ رشيد الضعيف. حسن داوود.‏
ـ وما هو دور المرأة في حياتك الأدبية؟!‏
* أنا مررت بمعرفة العديد من النساء.‏
وأحببت حتى الطفاف, وكنت مخلصاً في كل حب عشته, بدليل أن كل حبيباتي أصبحن صديقاتي فيما بعد, أي لم أنفصل عنهن.‏
ـ ومن شد انتباهك في القصة والرواية عربياً وعالمياً.‏
* خلال السنوات العشر الأخيرة:‏
لفت انتباهي: سهيل الشعار (سورية)‏
لنا عبد الرحمن (لبنان) أنيسة عبود, خليل صويلح.‏
ـ ماهو الكتاب الذي تحب أن يرافقك؟‏
* كتب كولن ولسون. ألبير كامو‏
جيمس جويس.‏
مجلة الموقف الأدبي

ايوب صابر 05-24-2012 10:00 PM

ياسين رفاعية
- لكن ما إن تصدمنا فاجعة حتّى يتحوّل كل شيء إلى نقيضه، وتصبح العاطفة غامضة ومبهمة، ويصبح الحزن جامحاً ملتهباً بالألم، يأخذ كل شيء في طريقه كالعاصفة التي تأخذ كل شيء في طريقها: البشر والحجر والرمال والغابات...
- إننا نتسلّق في الحزن درجات من الحدّة والعذاب، فتتغيّر الصورة، إنها تتحوّل جذرياً حتّى ليتغيّر نوعها، وتبدو الحياة في رمادها الأسود كما لو أنها كيانٌ آخر.
- وعندما يبلغ الحزن حدّه الأقصى نقترب من الجنون، أو في أبسط الأحوال من الهلوسة وضباب الرؤية. والحزن على عكس الفرح، هو إرغام جميع حواسنا وأحاسيسنا على الانحناء والقبول بما أراده الله لنا، لا نستطيع أن نناقش العدالة السماوية، وعقلنا أعجز من أن يحيط بستر الأقدار ومفارقات الحياة التي رسمها الله للبشر.
= يقول عنه رشاد ابو شاور : شخصيّاً لم أقرأ في السنوات الأخيرة رواية فيها كّل هذا الموت، والحب، ولوعة الفراق، كما في رواية (الحياة عندما تصبح وهماً). بطل الرواية يغسّل زوجته، يقلّب جسدها، يتأملها، يحوّل لحظة الفراق إلى حالة تأمّل محموم في سؤال الموت ولغزه.
- كان أول كتاب نشر له صدر في العام ( 1960 ) بعنوان «الحزن في كل مكان» عبَّر فيه عن قسوة الحياة التي عاشها منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره حين ترك الدراسة، والتحق بالعمل الشاق في ( فرن والده ).
- ياسين رفاعية الذي لم يكمل دراسته في المدرسة أكملها في مكانين اثنين شديدي الخصوصية والطقسية،
* الأول: فرن أبيه، حيث كان يستمع لقصص عمال الفرن، ينصت بشغف لقصص عشقهم، ويتألم لألمهم، ويحزن لحزنهم، كانت معايشته لهم إبداع من نوع خاص، عرف من خلاله أبرز مقومات القص، وهما: الحياة والناس.
* أما المكان الثاني: فهو المقبرة، فقد كان يتردد عليها باستمرار، ويلتقي فيها بالقاص زكريا تامر، والروائي الفلسطيني يوسف شرورو، يتحاورون في الأدب، ويستمعون لقصة كتبها أحدهم. كان ياسين رفاعية يفرغ ضجيج الفرن في المقبرة حيث الهدوء والإنصات والوحدة المطبقة. ومنها تعلّم فن الصفاء والإصغاء.
- عاش ياسين رفاعية زمن الحرب الأهلية اللبنانية بظروف صعبة، تعرض فيها للخطف.
- بالإضافة إلى الترحال الدائم، وشظف العيش الذي عانى منه، مرت بحياة رفاعية أربع فواجع متتالية وهي: وفاة والدته، ووفاة والده، ووفاة زوجته، ووفاة ابنته.
- الحرب اللبنانية أثرت الحرب اللبنانية التي استمرت سنوات طوالاً في تكوين ياسين رفاعية الأدبي فكانت مادة خصبة للكتابة، ويعتبررفاعية الكاتب الوحيد الذي كتب عن الحرب اللبنانية الأهلية أربع روايات، وكل رواية تناولها من زاوية مختلفة عن الأخرى، وإن كانت في الحقيقة تكمل بعضها بعضاً. من «رأس بيروت» إلى «الممر» و «امرأة غامضة» وصولاً إلى «دماء بالألوان».
- الحارة الشامية غادر ياسين رفاعية دمشق وحاراتها العتيقة، إلا أنها ظلت تسكن بداخله يستعيد في كتاباته عنها طفولته ووقع شبابه، فكتب «مصرع الماس» التي تناول فيها مرحلة من طفولته المبكرة، حيث اكتنزت ذاكرته بالأحداث المتشابكة في دمشق الأربعينيات، تحدث فيها عن ( قبضايات الشام ) أبو عبدو الطويل، وأبو علي الماس. هؤلاء الرجال بلباسهم العربي الشعبي الكامل، وأخلاق أولاد البلد الذين يؤمنون بالشرف، شرف الوطن الذي لا يكون إلا بتطهيره من الاستعمار، لكنهم كانوا بنظر السلطة الاستعمارية مجرمين وقطاع طرق، هؤلاء هم أبطال روايته. «فالماس» كان مجرماً بنظر السلطة، لأنه قتل يهودياً يتجسس على رجالات الثورة، وأبو عبدو الطويل قتل ابنته لأنها أقامت علاقة مع ضابط فرنسي، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات.
- أما في روايته ( أسرار النرجس ) نراه يجوب عالم «المحرم المكرّس» في دمشق، مخترقاً فيها الثوابت المتحجرة، واصفاً أزقتها وبيوتها المتلاصقة، وما تخفيه من أسرار خلف جدرانها العالية، من علاقات اجتماعية بين أفراد الأسرة الممتدة، بأسلوب شفاف لا يخلو من القساوة، قساوة المدينة ومناعتها في دمشق الستينيات.
- الحبيب العاشق أحب ياسين رفاعية نساء كثيرات، إلا أن حبه الكبير هو الشاعرة أمل جراح زوجته التي فقدها باكراً، وبرحيلها يعترف أنه فقد الإحساس بالوجود، الإحساس بأي طعم للحياة، لأنه فقد الحبيبة، والزوجة، والأم. وهو يرى حياته بعدها وقد تحولت إلى فوضى وعزلة وخوف مستمر، ورعب من كل شيء.
- وفي روايته «الحياة عندما تصبح وهماً» يصور علاقته بزوجته راصداً لحظات الفرح والحزن والألم التي جمعتهما، مسترجعاً ذكرياته بدءاً من اللحظات الأولى لعشقه لها إلى أن ارتبط بها، ليروي تفاصيل فرحها، وعلاجها، وعطرها المفضل، وثيابها، وحتى اللقاء الجسدي بينهما. إنها ذكريات رجل عن امرأته التي غادرته بتفاصيل تفاصيلها، والتي لا يمكن نسيانها حتى بعد أن رحلت وتحولت حياته بعدها إلى جمود ورماد.
- الجسد وميض برق وفي روايته «وميض برق» يقدم بطل روايته في شيخوخته، وهو أرمل وحيد، لا أحد معه، حتى ابنه وابنته تزوجا وغادرا بعيداً، فيشعر وكأن شيخوخته ( عاهة ) لذا نراه يحتجب عن الناس، ولا يغادر شقته، يدور داخلها مسترجعاً ذكرياته بكل ما فيها، لديه وقت طويل ليتذكر، وهذا ما يستطيع فعله.
- يتمنى الموت ويراه قريباً وبعيداً في الوقت نفسه، وكأنه يمارس معه عمليات شد وجذب. إن الفرح نادر في هذه الرواية، كأنها منسوجة من الحزن وله. ورغم التنوع الإشكالي الذي نلمحه في أعماله الأدبية إلا أنه يعترف بأن مشروعه الروائي لم يكتمل بعد، فبذاكرته رواية لم تكتمل موجهة للمجتمع الإنساني الذي أصابه الجشع وتضارب المصالح والمال الذي يسود على كل شيء.
-العالم برأيه عالمان، عالم الأغنياء الذين يموتون من التخمة، وعالم الفقراء الذين يموتون من الجوع.
- البعض يعتبر ان قصصه مغرقة في تراجيديا الموت.


واضح انه عاش حياة بؤش وشقاء والم وعذاب.

مأزوم

ايوب صابر 05-24-2012 10:21 PM

88- عين الشمس خليفة حسين مصطفي ليبيا

للاسف لم اعثر على قراءات لهذه الرواية الفائزة ضمن قائمة المائة اروع رواية عربية :

==
تطور الرواية في الخليج والإمارات بالقياس إلى مسار الرواية العربية

بين تأصيل السرد.. و«تمدين» النقد

تاريخ النشر: الخميس 28 مايو 2009

محمود إسماعيل بدر
نموذج الأديب العربي المصري العالمي الراحل نجيب محفوظ على أهميته، وقيمته الفكرية والتقنية العالية التي يتمتع بها، ربما لم يعد مع التطور الهائل الذي شهدته الرواية المعاصرة في العالم، المقياس الحقيقي للرواية العربية المعاصرة، هذا من وجهة نظر بعض نقاد الحداثة وإشاراتهم إلى تلك النماذج التي ظهرت في السنوات العشر الأخيرة من القرن الماضي، والتي طال بعضها آفاق التجريب والنهايات المفتوحة، كما في ميلودراما المسرح، حيث اعتدنا على رؤية أكثر من نهاية، فيما اقترب بعضها من منظومة «الحداثة» وامتدادا إلى ما عرف في أوروبا مؤخرا بـ «القصة التلغرافية» القائمة على تكثيف الحدث واختزال الحوار والصورة المشهدية إلى الحد الذي وصلت فيه بعض الروايات إلى بضعة أسطر فقط. وقد وصلت بعض النماذج إلى حالة تشبه «المتاهة» والتي تكاد تكون مشاعا في عديد من روايات الحقبة الأخيرة من القرن الماضي.
في هذا السياق نقتطف «لم تعد الرواية العربية الحداثية في حاجة لتبرير. قسماتها الرئيسية بدأت تتضح وكتاباتها تترسخ بما يوحي بان الرواية التقليدية ـ كلاسيكية أو نيوكلاسيكية ـ قد وصلت بالفعل إلى نهاية طريقها».. هذا هو رأي الناقد المصري إدوار الخراط، وهو يشي بدون مواربة إلى اضمحلال الرواية التقليدية التي تعود عليها القارئ منذ سنوات طويلة ليحل محلها الرواية الحديثة التي هي بطبيعتها صعبة الفهم، وربما اندرجت تحت مفهوم ثقافة للنخبة أو المتخصصين نظرا لاحتوائها على تقنيات وأساليب لم يألفها بعد القارئ العربي.
من ذلك، نقف على حقيقية واضحة أن هناك فجوة ما بين النقد والإبداع الروائي.. وفي تقديري أن ذلك عائد إلى التبعية السلبية في النقد إلى النموذج الغربي بصفة عامة، وفي مجال النقد بصفة خاصة من جانب بعض النقاد العرب، وبصورة أوضح في الساحة الثقافية الخليجية.. بمعنى آخر أن نقدنا الحديث والمعاصر قد تعودا أن يتابعا باستمرار (الموضات) النقدية التي ينتجها الغرب، دون أن ينتبه الناقد إلى أن هذه المناهج النقدية هي نتاج لحركة أدبية ثقافية فلسفية ظهرت في مراحل معينة في تاريخ المجتمع الغربي ولا يمكن لنا تطبيقها على ظروف زمان ومكان المجتمع العربي.. أما خطوة هذه التبعية فإنها تؤدي إلى خلط (المفاهيم) أي نقل الأشياء والمصطلحات على ما هي عليه دون تفسيرها، وبالتالي يحدث تضارب في المفاهيم ولغة التعبير.. كما تؤدي هذه التبعية إلى أننا لا ننتج مدارس نقدية واضحة المعالم، متميزة، وهذا معناه أن المسألة باتت متروكة لذوق الناقد واختياراته الفردية دون الاهتمام بالقيمة وترسيخ مفاهيم أساسية في الأسلوبية والمنهج النقدي.
من هنا وهناك
في أدب المقاومة الفلسطينية نحن إزاء رواية فلسطينية تدعو إلى لغة القوة والتحدي والحياة بدلا من سياسة المهادنة التي ثبت فشلها مع عدو لا يعرف غير لغة الموت.. وفي مسار الأدب الروائي في لبنان، نتابع إشكالية جدلية رئيسية ما زالت تطرح مضامينها علينا معلنة موقفها من (الغرب) في رفضها لأن تكون صورة ونموذجا غربيا تابعا، لا سيما من خلال روايات السنوات الأخيرة وتركيزها على الحرية والتحرير والوحدة الوطنية. يجب أن نعترف أن رياح التغيير العاتية قد هبت علينا من أركان وزوايا الرواية العراقية والخليجية رغم مرور سنوات عجاف على (عاصفة الصحراء) من حيث تغيير في البنية والمفردات والخطاب والرؤيا الخاصة للمكان.. ونحن أيضا في معاقل رواية مصرية ومغربية حيث ما زالت قضايا الواقع الشائك تزرع نباتات شيطانية تائهة في دوائر الفساد الإداري والاجتماعي والسياسي.. وانزياح مراكز القوى عن ثقافة الجماهير وتطلعاتها.. وبكل هذا وذاك ما زال الروائيون العرب في مفترق طرق ما بين هيمنة غربية في اللغة والتقنية وبنية الحدث ورسم الشخصيات، وما بين الموروث وجذور الفن العربي الأصيل وذاكرته الشعبية.. وما زالت قضية معادلة الأصالة والمعاصرة تؤرق وجدان الجميع وعلى اختلاف مدارسهم وتوجهاتهم الأسلوبية؟ المتغيرات تتسارع من حولنا.. في المفردة وعناصر البناء وتصوير الشخصيات وخلق الصورة الفنية في إطار السرد الوصفي.. أما نحن ووعينا بهذا الواقع فما زال يراوح مكانه، ومن هنا كانت قضايا الواقع عبر الرواية العربية أهم ما يجب أن يشغلنا.. ومن الضروري أن نكون منصفين حينما نقول إن الرواية في بعض الدول العربية قد سعت لتجاوز الواقع بالسؤال عن واقعها وهويتها لا سيما الرواية الخليجية رغم حداثتها ونشأتها وسط متغيرات إنسانية واقتصادية متسارعة، إلا أنها ما زالت تقبض على جمر الموروث الشعبي، وبيئة الإنسان القديم وصراعاته من أجل حياة كريمة، واستلهام معظم مضامينها من بيئتها المحلية الغنية بالمفردات الإنسانية وعلاقة الإنسان بالبحر والصحراء وجذور الماضي.
عالم أخطبوطي

أحدث كتاب صدر على المستوى العربي في القاهرة وناقش هذه القضايا الشائكة هو كتاب مهم حمل عنوان «قضايا الرواية العربية» للناقد الدكتور مصطفى عبد الغني كشف من خلاله أن روايتنا العربية المعاصرة، بل وثقافتنا وهويتنا، تتعرض جميعها لهجمة عالم أخطبوطي يحاول تحييد دورها الإنساني، كما يعمل على انحيازها بعيدا عن واجب التوجيه والتنوير وتوجيه الجماهير نحو دورها الفاعل في الحياة واتخاذ القرار ومواجهة التحديات الصعبة والغزو الفكري الخارجي وسلبيات العولمة على كينونتها ووجودها. جاءت الرواية الخليجية بعد الشعر، حيث وجد الشعراء في الخليج ومنذ مئات السنين كل الدعم والاهتمام والرعاية، فإن الرواية على العكس من ذلك، وقد عزا البعض ذلك إلى بيئة وتقاليد المجتمع في هذه المنطقة، حيث تراكمات معرفية وأخرى تقليدية متبعة بعادات قديمة تتعلق بالتراث والعادات والتقاليد التي اعتبرت من الثوابت الراسخة ولا يمكن أن تمتد إليها يد التغيير، حتى أن القصة القصيرة التي تسللت إلى الساحة قبل الرواية الطويلة، نحت باتجاه احترام المفاهيم العريقة التي تقترب بشكل أو بآخر من تقاليد المكان. نستطيع أن نكتشف هذا الفرق الكبير بين الشعر والقصة حينما نقلب بعض نماذج قصاصين أمثال: فهد الدويري وجاسم وعبد العزيز محمود وفرحان راشد فرحان (الكويت) وأحمد كمال وعلي سيار ومحمود يوسف (البحرين)، وعلي أبو الريش، وراشد عبد الله ومحمد المر الذي صاغ جملة من القصص بأسلوب معبر ومنها: «ليلة ممطرة» و»الرجال المحترمون» و»يحدث أحيانا» و»أربع طاولات» وغيرها من القصص التي صورت شخصياتها وأحداثها في إمارة دبي، كذلك قصص مريم جمعة فرج في مجموعة «فيروز» وركزت فيها على البيئة النفسية للشخصيات، ومحمد حسن الحربي وعلي عبد العزيز الشرهان (الإمارات) ونتعرف أكثر على القضية المطروحة إذا قرأنا بعضا من أشعار: خالد الفرج وصقر الشبيب وأحمد العشوائي وفهد العسكر (الكويت) وعبد الرحمن المعاودة وإبراهيم العريض (البحرين) والدكتور مانع سعيد العتيبة (الإمارات) الذي جمع بين كتابة الشعر والقصة وآخر قصة كتبها بعنوان «كريمة» وفي مجال الشعر أصدر أكثر من 38 ديوانا من بينها «ليل طويل على شواطئ غنتوت»، «خواطر وذكريات»، «أغنيات من بلادي»، «ريم البوادي»، «وردة البستان»، «فتاة الحي»، «بشاير ضياع اليقين»، «مجد الخضوع».. وغير هؤلاء كثيرون. لا أحد يستطيع أن ينكر أن التحول الاقتصادي الذي أصاب منطقة الخليج بعد اكتشاف الذهب الأسود قد أثار الكثير من أوجه التغيير في مناحي عدة ومنها الفكرية والأدبية وما يتعلق بهما من تقنية وتغير متسارع على حياة المجتمع والمتلقي معا. إن سبل الاتصال والتنقل والتعرف على ثقافات وإبداعات الشعوب قد اسهم لا شك في نمو طبقة مثقفة سعت إلى تغيير الوجه الفكري لدول الخليج العربية. وقد تتبعنا وشاهدنا ظهور الكثير من التيارات الفكرية، واتحادات الكتاب وجمعيات الإبداع الفكري للفتيات على نحو ما هو موجود في إمارة الشارقة في دولة الإمارات، تزامن كل ذلك مع تنامي تطور الرواية حتى مع ظهور أول روايات ناضجة في بعض بلدان الخليج مثل رواية «شاهنده» لراشد عبد الله ورواية «الجذوة» لمحمد عبد الملك في البحرين، ورواية «البقعة الداكنة» لإسماعيل فهد إسماعيل في الكويت وظهرت العام 1970، مما يشير أيضا إلى أن زمن الرواية جاء متأخرا عن زمن القصة القصيرة والذي جاء بدوره متأخرا عن فن الشعر. وبحسب الدكتور ثابت ملكاوي في كتابه «الرواية والقصة القصيرة في الإمارات» فان رواية «شاهنده» هي أول رواية مطبوعة في دولة الإمارات وصدرت العام 1976م، وتحتفظ بحقها التاريخي كأول رواية فنية، ولكن فنيا فان رواية «دائما يحدث في الليل» لمحمد غابش يمكن تسجيلها كأول رواية فنية في دولة الإمارات من حيث الصياغة والتقنية واللغة والبناء وبناء الصورة الفنية.
نقد الرواية الخليجية
يرى بعض النقاد العرب ومن بينهم الدكتور مصطفى عبد الغني أن ما كتب من نقد أدبي تطبيقي حول الرواية على مستوى المنطقة الخليجية لم يكن متوازنا وقد شابه بعض النقص، وقد تعددت أسباب قصور النقد في هذا الجانب إذ عزا بعضهم المسألة برمتها إلى مزاجية النقاد واختيار نماذج محددة لنقدها وتقييمها، وإلى فقر أدوات ومفردات بعض النقاد، مع غياب واضح «للنقد التطبيقي الموضوعي» إلا في حالات نادرة، إلى جانب ندرة التحليل الموضوعي في الجانب النقدي واعتماد غالبية الدارسين على التنظيرات والدراسات التطبيقية المنشورة في بلاد عربية وبوجه خاص في مصر والعراق، وأيضا فإن النهج النقدي لم يستطع الخلاص من الكليشهات المستوردة والجاهزة في جعبة نقاد الغرب، والتي اعتبر البعض أنها دخيلة على النهج النقدي العربي. وربما يختلف الوضع في ساحة الإمارات قليلا، فقد قام اتحاد وأدباء الإمارات بدور مهم في تنشيط عملية القراءة النقدية للأعمال القصصية المحلية، خصوصا بعد ان نظم أول ملتقى للكتابات الروائية والقصية العام 1985م، وشارك بها عدد من المهتمين بالنقد الأدبي، وقرأنا في الحقيقة نماذج نقدية مرتفعة المستوى، كون بعضها حاور النصوص القصية من الداخل ضمن مقاربات نقدية ارتكزت على الموضوعية الجانب التطبيقي في بعض الحالات. ومن أهم النماذج النقدية دراسة الناقد رأفت السويركي عن البطل المنكسر في قصص عبد الحميد أحمد. ومن المهم أن نذكر أن الملتقيات النقدية التي نظمها اتحاد الكتاب قد أسهمت ولو بدرجة محدودة من ترسيخ (قواعد أخلاقية) في التعامل النقدي وهي القواعد التي كادت أن تتسرب وتغيب عن الساحة الثقافية منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي.. وينبغي التأكيد هنا أن جملة الدراسات والبحوث والقراءات والشهادات النقدية التي تناولت الأعمال القصصية الإماراتية قد أسهمت فعليا في إثراء الجانب النقدي التي واكبت الإنتاج الإبداعي، بل كانت هي اللبنة الأولى في نشوء حركة نقدية موازية ويعتد بها على مستوى إقليمي على الأقل. وربما كان من المهم في هذا السياق الإشارة إلى الدراسة النقدية الهامة للناقد البحريني جعفر حسن حول الأعمال الروائية للدكتور عبد الحميد المحادين بعنوان «جدلية المكان والزمان والإنسان في الرواية الخليجية»، وهي دراسة موثقة ونوعية خرجت قليلا عن السياق النقدي المعروف حيث نقتطف منها: «ولقد واجهت الدراسة في تحديد مجالها إشكالية، هي تحديد مدلول «رواية خليجية»، وذلك للتغاير في بعض المعطيات وللنظرة الأولى يبدو مفهوم الرواية الخليجية: كل رواية كتبها خليجي، وتنطلق من فضاء خليجي، بغض النظر عن مكانة إقامة الروائي الدائمة، ولعل الإجراء الأكاديمي يبرر ذلك التحقيق ويقبله على أساس انه عملية إجرائية بحتة لتحديد مجال الدراسة، ولكن الشغل النقدي لا يتجلى إلا في تلك الظاهر المرصودة في الأعمال محل الدراسة، وربما نجد ذلك في يبرز من الأمكنة داخل الروايات العربية الخليجية، كما تظهر في أفق الصحراء والمدينة والبحر، الأمكنة القديمة والحديثة، الواقعية والمتخيلة عند عبد الحميد المحادين». إن ما تقدم هو مجرد إشارة سريعة أو محاولة لتبيان أهمية البناء النظري في الكتابة لإنتاج نقدي علمي موضوعي في الكتابة النقدية التي تذهب إلى أبعد من مجرد اقتباس مناهج محددة إلى المساهمة في تعزيز المفاهيم وتطويرها من خلال عملية النقد الأدبي، على نحو ما فعل الدكتور الناقد علوي الهاشمي (البحرين) في تطويره لمصطلح (التعالق النصي) بعد تجريب التعالق كمفهوم متحقق في النقد أمام ما تطرحه النصوص من تحديات لهذا المفهوم.

ايوب صابر 05-24-2012 10:26 PM


د. أحمد إبراهيم الفقيه

سيمضى وقت طويل ، ان كان في العمر بقية ، لتقع عيناي على كاتب له شفافية واخلاص وأمانة ونزاهة وصدق كاتب مثل خليفة حسين مصطفي ، ولا أبالغ إذا قلت انه مثال نادر الوجود في عصر التكالب على ماديات الحياة وضغوط الظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشها أدباء الوطن العربي ، حيث لا إمكانية لان يعيش الكاتب مما يدره عليه إنتاجه الأدبي ، حتى لو كان هذا الكاتب هو العربي الأول الحائز على جائزة نوبل مثل الراحل نجيب محفوظ ، الذي أمضى في الوظيفة عمره كاملا حتى حان موعد إحالته على المعاش ، فما بالك من شاء حظه ان يولد ويتربي في أرياف الوطن العربي الأدبية ، حيث لا اعتراف من المجتمع حتى بوجود مهنة الكاتب أصلا ، ولكن خليفة حسين مصطفى اختار الطريق الوعر الذي لا يقدر على المشي فيه إلا رجال أشبه بالقديسين وأولياء الله الصالحين ،
اختار ان يعيش ناسكا في محراب الأدب ، يصرف جهده له ، معطيا ظهره لكل ما تضج به الحياة العصرية من الضغوط والالتزامات والمطالب، يعيش على الكفاف ، زاهدا متقشفا فقيرا، لا يداهن ولا يصانع ولا يبتذل نفسه ولا يرضى أن يَخْدِش شرف مهنة القلم التي اختارها واختارته ليكون مُتعبّدا في معبدها ، وراهبا من رهبانها ، وسادنا من سدنتها لا يغمض له جفن وهو يحرس موقع القداسة لديه كي لا تتسلل إليه قيمة هجينة ، يغزل من خيوط أنوار الصباح المتسلل عبر النوافذ والشرفات أثواب كائناته الشفافة ، ويزرع في أُصص الورد والزهور أجمل زهرات الإبداع لتكون هذه الحلل البهية وهذه الكائنات الشفافة وهذه الزهور العابقة بأزكى عبير ، هي العطاء السمح الكريم الجميل الذي يقدمه لأبناء وطنه وأبناء ثقافته من قُرّاء اللغة العربية .
لقد جاء للحركة الأدبية العربية في ليبيا ليجد العطاء شحيحا والرصيد قليلا ، بل هناك أركان في حديقة الأدب أهملها من جاء قبله ، فلم يكن قبل ما أبدعه خليفة حسين مصطفى عطاء يذكر في مجال الرواية ، فكان هو الرائد الذي جاء إلى هذه الأرض العذراء، فعزق بريشة الإبداع أرضها وسمّد بحبر دواته تربتها , وروى بعرق جبينه الخلاّق الشتلات التي غرسها بيدي موهبته والتزامه وصبره وقوة عزيمته لتصبح أشجارا سامقة تعانق الأفق وهي مجموعة الرويات التي كانت أعمالا رائدة وضعت بلاده على خريطة هذا اللون الإبداعي ، ليجد من يأتي بعده ، الأرض قد تمهدت وارتوت وتسمّدت فيغرس ويجني ثمار الجهد والعرق الذي بذله المرحوم خليفة حسين مصطفي .
رحيل خليفة حسين مصطفى بالنسبة لي رحيل لا مجال لتعويضه ، فهو واحد من رفاق العمر، تعرفت عليه منذ مطلع حياته الأدبية عندما جاء إلى مجلة الرواد في الستينيات لينشر أولى قصصه القصيرة ، وفي مطلع السبعينيات ترك مهنة التدريس وانتقل لنعمل معا في صحيفة الأسبوع الثقافي التي أنشأتها وعملت رئيس تحرير لها مع فريق من الأدباء على رأسهم خليفة حسين الذي تفرّغ تفرغا كاملا للعمل في هذه الصحيفة الثقافية ، يحمل قلمه النزيه ، وأسلوبه الجميل ، ونفسه العامرة بالصدق والمحبة ، ليواكب إبداع المبدعين بالنقد والتعليق ، ويتابع المشهد الثقافي الليبي والعربي بمثابرة واجتهاد وإخلاص في سبيل أداء هذه الأمانة ، دون أن يتخلّى بطبيعة الحال عن مجاله الإبداعي ، حيث بدأ ، كما بدأنا جميعا بكتابة القصة القصيرة ، وكان خليفة حسين مصطفى فارسا من فرسان هذا اللون الأدبي ، يكاد يضاهي أعظم مبدعيه في العالم ، ولعلني لم انتبه لقوة وروعة وإبداع هذا الكاتب المتميز ، وأخذته في البداية على محمل انه كاتب جديد واعد ، إلا بعد ان قرأت قصة مذهلة له ، جعلها فيما بعد عنوان مجموعة قصصية هي توقيعات على اللحم ، الحقيقة أذهلتني هذه القصة ، التي كانت نسيج وحده فيما قرأته من قصص ، الأسلوب المتدفق العامر بالشعر وروح الخيال والفانتازيا ، المثقل بالرموز والإيحاءات والعوالم السحرية ، التي تتعامل مع واقع فج ، ركيك ، وربما مبتذل لا سحر فيه ولكن قوة الإبداع رفعت ذلك الواقع البائس التعيس إلى مستوى الأسطورة وحلقت به في عوالم سحرية ، وجسدته حلما وأسطورة وواقعا ومأساة ومهزلة في ذات الوقت ، لا أدري كيف ولكن خليفة حسين بأسلوب مذهل ، جديد ، طازج فعلها ، ومع عجائيبية عوالم القصة وغرائبيتها ولحم المومس التي تتوسط عالمها، والرجل يأتي للتوقيع على لحمها تجد نفسك مرغما تتوحد وتتماهي مع ذلك العبود من الطين البائس الذي يتجول فوق صفحات القصة ، ترى فيه نفسك، بل لا تري فيه نفسك فقط ، ولكن ترى فيه ذلك الجزء العميق ، الساكن في الأغوار البعيدة ملتحفا بالظلام مختبئا تحت طحالب البحيرات والمستنقعات الموجودة في عوالم العقل الباطن ، قصة مذهلة لا يكتبها إلا قلم نابغة من نوابغ الكتابة القصصية ، وكانت تلك ربما أول قصة أسعى لترجمتها لأني كرهت ألا يقرأها العالم كله وكان لابد فيما بعد أن أسعى لترجمة قصص أخرى لأكمل بها مجموعة نشرتها ملحقا لمجلة أدبية ثم كتابا ، وكل ذلك كان بدافع حبي لتك الجوهرة القصصية التي أظهرت لي منذ تلك السنوات المبكرة في مطلع السبعينيات أنّ خليفة حسين مصطفى موهبة خارج إطار المواهب والكتاب الذين تحفل بهم الحياة الأدبية في كل أركان العالم ، وهم الذين يصنعون الضجيج ، ويشغلون المطابع ويُزاحمون بإنتاجهم الأسواق ويملأون بكتبهم أرفف المكتبات ، أما هذا القليل النادر من النابغين والعباقرة ، فهم من يبقى بعد أن يتراجع هذا الضجيج وينتهي هذا الزحام ونظرة إلى تاريخ الأدب في العالم تستطيع أن تؤكد لنا هذه الحقيقة، ولنترك الأدب العربي جانبا ، ولنضرب مثلا بأدب مثل الأدب الايطالي ، فكم كاتب تستوعبه ذاكرة القارئ الأجنبي من أمثالنا ، من جاليليو إلى مورافيا ، حتى بالنسبة لمتابع لمثل هذا الأدب من أمثال الأستاذ التليسي ، لا اعتقد انه سيذكر أكثر من عشرة أسماء على مدى عشرين قرنا سيكون من بينهم مثلا دانتي وبيرانديللو و اونغاريتي ، وإذا أدخلنا مورافيا وداريو فو وأمبرتو ايكو فبسبب المعاصرة ، وهذا ما يمكن ان نقوله عن أسماء نعرفها في الأدب الروسي أو الانجليزي أو الفرنسي أو الاسباني ، أذن فالنبوغ في الأدب شيء آخر غير التواجد في المشهد الثقافي كاتبا تنتج القصص أو الأشعار أو المسرحيات أو كتب النقد ، اعتقد جازما أن خليفة حسين واحد من هؤلاء النوابغ ، وعملا بما يقوله الشاعر الذي بقى مسافرا في الزمن العربي بعد أن سقط كثيرون آخرون وهو أبو الطيب المتنبي في بيت من أبياته عن النهايات التي تصل إليها الأشياء وهو وللسيوف كما للناس آجال
فقد انتهت المدة التي كتبها الله لصحيفتنا الثقافية الأسبوع الثقافي ، وذهبنا نبحث عن فضاءات أخرى تستوعب مواهبنا وأفكارنا ونهرب إليها بأعمارنا ، فكان موسم الرحيل إلى واحدة من عواصم الشمال ، التي ذهبت اليها موفدا من الإعلام مستشارا إعلاميا ، وكانت سعادتي كبيرة عندما وجدت الصديق خليفة حسين بجرأة وشجاعة يلحق بي إلى ذلك الوطن ، لأنه رأي وهو يتحرر من التزامات العمل في الأسبوع الثقافي ، فرصة لاستكمال جانب في ثقافته هو معرفته باللغة الانجليزية ، التي لم يكن يعرف غير مبادئها ، وهي مبادئ لا تسعفه بالقراءة والحوارات الأدبية فجاء بأمل ان يتعلم هذه اللغة باحثا عن عمل لتمويل إقامته في العاصمة البريطانية ، وحيث انه كان صاحب خبرة في التعليم ، فلم يمض طويل وقت حتى وجد عملا في مدرسة أنشأها الليبيون وأسموها مدرسة عمر المختار ، تحت إشراف السفارة ، وتجاورنا في الإقامة في حي واحد ، والعمل في مكانين كلاهما في ظل السفارة في ذلك الوقت ، ولست بحاجة لان أقول ان وجود زميل مثله معي ، في تلك المدينة الباردة ، كان نسمة دفء تجعل البقاء هناك اقل ضجرا وأكثر بهاء ، وكان عوني وأنا أقيم جمعية خيرية للأدب كان هو واحدا من الأمناء فيها ومجلة لتقديم مختارات أدبية كان هو من يدعمني بالمشورة والنصيحة ، وكان أكثر من هذا وذاك قلبا عطوفا حنينا رحيما ، وشخصا له خفة الأطياف ، مهما صعبت ظروفه أو تراكمت العراقيل أمامه ، لا تسمع منه نامة تشي بذلك ولا تبدر منه حركة ولا تصدر اهة يمكن ان تسبب لك كدرا ، أو يرى فيها عبئا عليك ، واعتقد انه أثناء إقامته في لندن الذي ربما طالت لما يقرب من أربعة أعوام ، إن صدقت الذاكرة ، رأى ان الرواية هي مستقبل الأدب، ورغم اننا كنا نقدم أنفسنا باعتبارنا كتاب قصة قصيرة ، فلم نجد أو نسمع بين من رأيناهم من مبدعين ، بريطانيين أو غير بريطانيين ، من يسمي نفسه كاتب قصة قصيرة ، السائد لديهم والمتعارف عليه هو الروائي فلان ، هذا هو اللقب الذي يسبق كتاب الإبداع الأدبي حتى لو كان عطاؤهم الأكثر في القصة القصيرة فالاعتداد كان بالرواية ، واعتقد ان هذا هو ما جعله ومنذ الأشهر الأولى لرجوعه إلى ليبيا يعكف على كتابة الرواية بادئا بالمطر وخيول الطين ،ثم عين الشمس و جرح الوردة ، وتوالى بعد ذلك إنتاجه الذي رآه بعض النقاد متأثرا تأثرا كبيرا بالشكل الذي قضى دهرا يكتبه وهو القصة القصيرة ، ولكنه سرعان ما تخلص من آثار تلك المرحلة في كتاباته الروائية ، وانطلق في رحاب الرواية ذات النفس الملحمي فكتب رواياته ذات الإحجام الكبيرة والعوالم الزاخرة بالأحداث والشخصيات مثل الجريمة و ليالي نجمة وروايته الأخيرة الأرامل والولى الأخير ودون ان يتخلى عن كتابة نوعين من الأدب الإبداعي أولهما القصة القصيرة التي واصل فتوحاته فيها وتقديم انجازاته المتميزة من خلالها ، ثم مسرحياته التي وصل بعضها إلى تقديمه على خشبة المسرح المسرحيات التي تحمل طابع المفارقة والمعالجة الدرامية الساخرة ، ليصنع رصيدا في هذه المجالات ويحقق إضافات متميزة لا يضاهيه فيها أحد آخر ، ويصبح رمزا من رموز النهضة الأدبية الحديثة في بلادنا وصوتا من أصواتها القوية ، ولا أرى موته الذي جاء بعد معاناة مع المرض الخبيث ، إلا ولادة جديدة لهذا المبدع الكبير الذي يصدق فيه قول الصوفي الزروق الذي أورده الدكتور على خشيم في كتابه الزروق والزروقية اوما معناه، نحن قوم لا يفوح مسكنا إلا بعد ان تذوب في التراب عظامنا. نعم هو ميلاد جديد لكاتب اكتمل مشروعه ، وانتهت صلته بأرض المعارك والأحقاد والتنافس المريض أحيانا ، وصار الآن اسما مرسوما في سجل الخلود الذي يضم أسلافه الأدباء الذين التحق بهم في الدار الآخرة ، سيبقى أدبه يسجل شيئا من تاريخ هذه الأرض وأهلها مانحا صوتا لنضالاتهم ومكابداتهم ، مسلطا الضوء على واقع تاريخي صارت تغمره الآن مياه الزمان ، لكنه أنقذ في أعماله القصصية والمسرحية والرواية هذه العوالم من الغرق وأبقاها محفوظة لأجيال ستأتي في قادم العصور وتقرا عبر سطوره هـذا الواقـع وتتعــرف على هـذا التــاريخ .
الآن ونحن نقول وداعا لصديقنا وعزيزنا وزميلنا المبدع الكبير خليفة حسين مصطفى ، لابد ، ان ننتبه أيضا إلى درس تركه لنا ، وحياة تصلح ان تكون نبراسا للجيل الصاعد ، في غياب المثل والقدوة ، وسط واقع سادت فيه القيم الهجينة ، وصارت فيه الفهلوة والشطارة والأكاذيب هي سيدة الوقف ، انه في النهاية لا يصح إلا الصحيح ، وان الإنسان الذي يغادر هذه الدنيا لا يستطيع أن يأخذ معه إلى هناك شيئا من الأموال التي اكتنزها أو الوظائف التي استولى عليها أو الجاه الكاذب الذي حققه بالتزوير والتزييف ، لن يأخذ إلا ما منحه للحياة من خير وما قدمه للناس من عطاء وإبداع سيكافئه عليه خالق الكون جل جلاله مصداقا لقوله تعالى { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} . نعم يترك خليفة حسين مصطفي بجوار أعماله الأدبية المثل والقدوة وقيم الحق والخير والنزاهة والأمانة ، والتعفف عن الصغائر، ورفض التكالب على مطابع الحياة ومكاسبها الزائلة ، ليهب حياته للإبداع ، فللإبداع عاش وفيه أفنى عمره وحقق من خلاله فتوحات أدبية لم يسبقها إليه احد في التاريخ الأدبي لهذا القطر العربي . وإذا كان لابد أن نقول شيئا في ختام هذه الكلمة الحزينة فهي ان هذا الكاتب الذي عاش يكتب في صمت ودأب لابد أن يلحقه شيء من الإنصاف بإعادة نشر أعماله ، والعناية بأسرته الصغيرة التي بقيت دون عائل ، وتكريمه بتسمية أحد الشوارع باسمه وإقامة مؤتمر يسلط الأضواء على مشروعه الأدبي بعد أن وصل هذا المشروع إلى تمام نضجه واكتمل بوفاة صاحبه.

ايوب صابر 05-24-2012 10:33 PM

من مقال بعنوانتيار الرذيلة في القصة الليبية القصيرة 1957 ـ 1987

أما موضوع الممارسات الاجتماعية الخاطئة عند خليفة حسين مصطفي فيأخذ أشكالا مختلفة، فمجموعة (صخب الموتى) تحتوي على أكثر من قصة عن الرذيلة، بالإضافة إلى ما في ثنايا موضوعات القصص الأخرى ؛ فقصة ( حيث تسقط الظلال )، عن رجل ورع تقي يعيش عيشة هادئة، متزوج وعنده ثلاثة أولاد. يذهب إلى المسجد، طويل ووسيم.. بعد هذا التدين والانسجام مع حياته وقع في محظور الحرام، أغرته امرأة غانية وهو سائر في طريقه، كان يشتهي جسمها الطري بالحلال، ولكن أنَى له ذلك !؟.. تبعها حيث أشارت إلى منزلها، وقف أمام الباب، وما أن دخل البيت حتى " تجرَد من كل ما يعوق حركة أعضائه، قفز إلى السرير، ضحك من نفسه، أزعجه أن يكون هكذا طفلا عابثا.. وكانت عملية الاقتحام صعبة، ولم يكن يتصور أنها صعبة إلى هذا الحد، فالسهل لم يكن منبسطا كما تصور، لن ييأس، فإنه ثمة فرصة للمراوغة، ومع هذا فكل حركة من حركاته تؤكد أنه خسر سلاحه في مواجهة جدار من الصلب.. رفعت المرأة رأسها، أدركها الملل، نظرت اليه بازدراء. شك مرعب في حقيقة وجوده كرجل يثق في نفسه. هبط إلى الأرض، ارتدي ملابسه كيفما اتفق وخرج. مشى فوق الرصيف ملتصقا بالجدران، يشم رائحة كريهة تحيط به، ويشعر برغبة في النباح "(11). فدرجة النذالة التي أحسّ بها أشعرته أنه استحال إلى كلب. أسفه العميق علي دينه ومكانته يضارع فشله الذريع في إثبات رجولته التي انهارت، وكأن عصا الانتقام الرباني تلاحقه وتقتص عـلي الفور منه.. وهكذا كان خليفة حسين مصطفي في قـصة ( ظل الظل ) في مجموعة ( صخب الموتى) 1975، وقصة (القضية) 1985 وغيرها.
وليس النغمة التي يعزف عليها خليفة حسين مصطفى هي الحب بأكثر من وجه كما استنتج سليمان كشلاف (12) وإنما يعزف علي الحب الحرام والسخرية بمثالب المجتمع.. ومن ذلك احتيالات الفقيه في المال والجنس، أشهرها في مجموعة (حكايات شارع كالغربي) 1979 إذ تتضح فيها الرذيلة بصورة جلية من خلال قصة ( عصفوران وحجر ) بغرقها الكامل في تيار الرذيلة، إذ تحكي قصة امرأة تزوجت ابنتها من رجلٍ مسن ذي مال، لكن ماله أخذ يقل مما الجأ الأم إلى محاولة طلاقها منه علي أمل أن تزوجها شابا غنيّا ظهر فجأةً، إلا أن الرجل العجوز متمسك بزوجته ولا يريد طلاقها.. وتذهب الأم إلى الفقيه ليفك العقدة " وضع الشيخ يده علي فخذها... نهض متوثبا للعمل، أطفأ ذبالة المصباح وألقي بقبضة من البخور في النار... التقط الفقيه الطبل وهزه عدة مرات.. دنا من المرأة، هبت أنفاسه السريعة في وجهها كرياح ساخنة.. ركضت أصابعه تتحسس صدرها وتنفض عن جسدها صدأ أعوام طويلة.. لا أمل في المقاومة، وها هي نار ناعمة تلهب عروقها، نار بالغة القسوة ولذيذة، تساقط مطر بطيء وخفت حدة الحرارة.. غالبت وهن عظامها ونهضت تلملم ثيابها المبعثرة، خرجت يلاحقها صدى آخر كلمات الفقيه :
ـ ضربت عصفورين بحجر واحد، فماذا تريدين أكثر من ذلك !؟ أكثر من ذلك.. ذلك ؟!(13)

ايوب صابر 05-24-2012 10:39 PM

ننقل هنا لقاء هو من اخر المقابلات الصحفية التي اجريت مع الاديب الراحل تنقل بعض افكاره وارائه في الحياة الثقافية أجرت مجلة شؤون ثقافية التي تصدر عن أمانة الثقافة والإعلام حواراً مطولاً مع الروائي خليفة حسين مصطفى ، أصيل مدينة طرابلس – الشارع الغربي – لأهميته ننقله حسب النص المنشور بهذه المجلة في عددها الرابع للعام الأول من إصدارها . أم السرايه

المناخ الثقافي والأصوات الروائية القادمة
يضج الحراك الثقافي في بلادنا ويثرى بالعديد من الأصوات المميزة ، وهو حراك يحتوى تبايناً واضحاً ، يبدو جلياً بين مراحل عمرية مختلفة ، أوجبت تبايناً صوتياً فرض حضوره بين آن وآخر .
وإذا كنا نصيخ السمع إلى هذه الأصوات ، علّنا نكتشف من بينها من يتفرد برؤى وقدرات تتخذ سياقاً غير متقاطع مع غيرها .
فالحالة تومئ إلى أهمية أن نجس هذه الأصوات ، ونجوسها ، نحاورها فنقترب منها ، نقف على مشاغلها وهمومها ، ونستوضح منها ما يمكن أن تقدمه في مجال الإبداع الأدبي والثقافي .
وإذا كانت الرواية الليبية قد راوحت فترة من الزمن لعوامل ، ليس آخرها ، بوار المجال وشحّ ما يمنحه لمن ينشغل بها فإن المنطق والواقع يتطلب الاعتراف المسبق بأن هذا المجال قد شهد خلال الفترة الأخيرة الكثير من الأعمال التي تستحق أن تحتل مكانها في موقع الريادة والتميز ، وربما يكون من الإنصاف أن نذكر بأن البدايات الأولى منذ كتابات الأستاذ وهبي البوري ومن تبعه ، في المجال القصصي والروائي ، يزخر المجال بأسماء قلة ، آلت على نفسها أن تنوء بحمل المهمة برغم ضيق ذات اليد وشح إمكانية النشر ، والانعدام الكلي أحياناً للنظرة التي تعطي الكتاب مكانته أو تضعه ضمن اهتماماتها .
ولا أخالني أجانب الصدق حين أذكّر بأولئك الروّاد ، المقهور والتليسي والمصراتي والشريف والقويري والفقيه والكوني والشويهدي والمسلاتي ولطفية القبائلي ونادرة العويتي ، وفوزية شلابي ، ووسط هؤلاء نما وتواصل حضوره ، بأنفاس مميزة ، الروائي خليفة حسين مصطفى ، وسط هذا الحراك واستمراراً للتذكير بالأسماء الرائعة نقول إن المرحوم عبد القادر بوهروس ومحمد فريد سيالة ورجب لملوم وإبراهيم النجمي والفاخري والتكبالي ، كلها وغيرها الكثير من الحالات الأخرى التي أنجبت رواية ، أو عدداً من القصص القصيرة ثم توارات عن الفعل ، وركنت إلى الهدوء والسكينة بعد خوض واكتشاف ما بهذا المجال من معاناة ، ومشقة وهنا ندعو من بقي منهم في الساحة للإعلان عن حضوره فعلاً قصصياً أو روائياً .
ولأن الأصوات تتعدد وتتدافع كل يوم ، لتعلن عن حضورها ، والأخرى في أحيان عن تواريها ، وخفوتها ، فإننا نخشى على الجديد منها أن يصاب بآفة اليأس والقنوط ، والحنين إلى التواري ففي الجديد نشم رائحة أعمال روائية تعطي ملامح جديدة ، كما هو محمد الأصفر ، والآخر ، عبد الله الغزال … وآخرون غيرهما .

خليفة حسين مصطفى ولد وعاش في مدينة طرابلس ، الشارع الغربي ، عمل مدرساً في مدارس ثانوية للبنات تارة وللبنين أخرى ، سافر للدراسة إلى لندن وعاد بحصيلة لغوية مكنته من قراءة الكثير من الأدب الإنجليزي والغربي عموماً بلغته الأصلية ، ما يعطي للقراءة ميزة الوقوف على المعنى والمضمون ، دون انتظار الترجمة التي تجيء أحيانا تجارية وأخرى غير متطابقة مع المراد والمطلوب .

جلس أخيراً مترئساً القسم الثقافي بيومية الشمس ومجلة الأمل للطفل رئيساً لتحريرها عضواً برابطة الأدباء والكتّاب ، وشارك في العديد من لجان التقييم في المسابقات الأدبية الشبابية والعامة .
أصدر المجموعة القصصية حكايات الشارع الغربي فقدم العائلة الليبية التي تقيم في طرابلس، وتشترك في بيت واحد مع أكثر من عائلة أخرى ، وكيف هو التواد والتراحم بين الأسر .
ولأنه كاتب يشاكس كثيراً في نصوصه ، فقد أثارت حكايات الشارع الغربي الكثير من الأقلام التي تناولتها ، وبرغم الفقر الواضح في الإمكانات النقدية ، نشرت عنها الصحف المحلية عديد الآراء من كتّاب لهم حضورهم النقدي مثل : الأستاذ رضوان أبوشوشة والأستاذ الأمين مازن ، والمرحوم نجم الدين الكيب .
ثم حفّزنا لاستقبال جرح الوردة وعاجلنا بعدها بعمله المميز ليالي نجمة التي تحدث عنها الدكتور علي فهي خشيم باعتبارها عملاً يستحق أن يشاد به ، وتخصص له الإمكانيات لتحويله إلى مسلسلات اجتماعية وسياسية ، ترصد الوضع الذي عايشه الناس في بلادنا خلال فترات الاحتلال الإيطالي وما بعدها .
إن ليالي نجمة تقدم تأريخاً اجتماعياً شبه دقيق لفترة من الحياة ، شهدت تقلبات هامة كان لا بد من رصدها وتوثيقها .
وكان التناول لدى هذا الروائي بلغة سهلة ممتعة ، بسيطة ودقيقة في جملها ومعانيها ، شاملة للعديد من الصور والتحولات .
من هنا يجوز لي اعتبار هذا الكاتب خليفة حسين مصطفى واحداً من تلك الأسماء التي قدمت نفسها للقارئ العربي في حضرة إنتاج روائي قصصي متفرد وله خصوصيته .
ولذلك فلا عجب إذا لوحظ أن هذا الاسم يحظى بكثير من الجدل ذلك أنه ينجز مشروعه الروائي ويقول بلغة واضحة ما يريد قوله ، وهذا ما دفعنا للجلوس معه في حوار قصير ، لكنه حوار يعنى بالوقوف على فهم ما لم يقله بعد ، وترصّد ما يمكن أن يكون ، ففتح السجال طويلاً حول الرواية الليبية والمناخ الثقافي والأصوات القادمة من رهط قادم يعلن عن حضوره بشيء من الثقة ، ودون استعجال نراه في أسماء جديدة صارت تطرح حضورها .
وهذه محاولة لترصد هذا الحراك وما يمور ويتفاعل في الشارع الثقافي ، ولا نقول إننا على اتفاق تام مع ما يدلي به الكاتب ولكننا لا نختلف فيما ذهب إليه ، وهذا التباين على احتشامه ، مبعث هذا الحوار وميزة هذا التلاقي ، الذي نريده أن يتواصل مع مبدعين كثر تضج بهم حياتنا الثقافية .
من أجل ذلك ….

كان هذاالحوار .. وبداية :
* لأنك روائي لك حضورك الثقافي كيف ترى المناخ الثقافي وهل هو مهيأ لتشكيل ملامح إبداعية متميزة ؟

- قد يكون من المبالغة أو تجاوزاً للواقع القول بوجود مناخ أو فضاء ثقافي له فاعلية ، وتأثير في حياتنا الأدبية والفكرية والاجتماعية ، وكل ما له صلة بالإبداع بكل فنونه وأشكاله .

* ماذا تسمي إذن ما تشهده الساحة الثقافية ؟
- ما هو موجود حالياً وملموس لا يكاد يتجاوز ملتقيات وأمسيات أدبية تقام من حين إلى آخر بجهود ذاتية وهي في الغالب كشبه الموائد التي تعمها الفوضى ، يزدحم عليها عدد كبير من الناس ، ومع ذلك فإننا نجد أن كل واحد مشغول بنفسه أكثر مما هو مشغولاً بما يجري حوله ، وهكذا يمكن القول إن المناخ الثقافي عندنا يعاني من الشتات والفوضى التي تشبه حالة من عمى الألوان بحيث لم يعد ممكناً التمييز بين ما هو كتابة أدبية ذات أبعاد فنية وما هو ابتذال وتفاهة .

* هل ينطبق هذا على أي عمل أدبي ، وأي كتاب يصدر في المجال الإبداعي ؟
- فيما يتعلق بالكتاب الأدبي فإن الكتّاب جميعاً يواجهون صعوبات في نشر أعمالهم ، ولحل هذه الإشكالية فقد اضطر عدد منهم وخاصة من الأصوات الجديدة إلى نشر كتاباتهم الإبداعية في كتب على حسابهم ونفقتهم الخاصة . *لقد ألغيت كل ما بذل في مجال النشر بهذا القول ؟
- أنا لا أقلل من الجهود التي تبذل في هذه الجهة أو تلك من أجل إحداث حراك ثقافي وبعث الروح في أوصال الحركة الأدبية وإنعاشها أو الخروج بها من حالة الموات والجمود ، ولكنها جهود تفتقر إلى التواصل وإلى استراتيجية ، أو برامج وخطط طويلة المدى . فنحن نتحمس للثقافة بعض الوقت وليس كل الوقت وهذا الحماس ما يلبث أن يخبو لنعود مرة أخرى إلى نقطة البداية.

* تريد القول بأنه ليست هناك خطة لإصدارات مبرمجة ؟
- هناك مجلات ثقافية تصدر بالصدفة ، وأقلام تكتب بالصدفة ، ويبقى الشأن الثقافي كما المعطف الذي نرتديه عند الضرورة دون أن ننتبه إلى أنه قديم أو فضفاض أو أنه لم يعد صالحاً للاستعمال .

* أليس ذلك شأن النقد أولاً ؟
- النقد غائب . وهو ما أسهم في حالة الفوضى الأدبية ، فهناك من يكتب كلاماً يسميه قصة أو رواية ، وآخر يكتب كلمات مبعثرة يسميها شعراً ، وهكذا نجد أن الأمسيات والملتقيات الأدبية لا تعدو كونها اتجاهات من أجل لا شيء . وهذا اللاشيء هو كل ما تبقى في آخر المطاف .

* لنلج بالحوار منحى آخر وصولاً إلى الرواية فكيف هي مسيرة الرواية لديك بعد الكم المميز الذي بدأتم به مرحلة الانتشار ؟

- لقد انصب كل اهتمامي على كتابة الرواية فصدر لي على التوالي رواية ليالي نجمة التي تقع في تسعمائة وخمسين صفحة ومن بعدها رواية الأرامـل والولـي الأخيــر ولديّ رواية تحت الطبع بعنوان متاهة الجسد . * وجدت مشقة في الكتابة الروائية ؟
- إن كتابة الرواية تحتاج إلى التفرغ بحيث يستطيع الكاتب تنظيم وقته وتكريس كل دقيقة فيه للكتابة ، وإذا ما تركت المسألة للصدفة أو للظروف أو أن تكون كتابة في الزمن الضائع فإن حصل ذلك فإن الكاتب لا يمكنه كتابة سوى عمل واحد قد يستغرق منه كل سنوات عمره،فالرواية هي فن الإرادة والنظام والمثابرة والسيطرة على الوقت ، بحيث لا يكون هناك أي تشويش خارجي أو أي التزامات فيما عدا ما تتطلبه العملية الإبداعية.

* كتبت القصة القصيرة ثم الرواية . هل الخلط بينهما لا يؤثر على أي من المجالين ؟
- لقد توقفت عن كتابة القصة القصيرة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن ، لأنني لم أعد أجد الوقت الكافي للانشغال بالقصة القصيرة إلى جانب الرواية .
ومع ذلك فإنه لا يوجد ما يمنع الجمع بينهما ولا أظن أن الكتابة القصصية تؤثر في كتابة الرواية أو العكس ، فالإبداع في الاتجاهين واحد ، وكمثال على ذلك فإن الكاتب الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز يكتب الرواية والقصة القصيرة وكذلك الأمر بالنسبة إلى نجيب محفوظ وحنّا مينا وغيرهما من الكتّاب والأدباء .

* نتقارب مع حالة الإبداع الآن وغداً ، أعني هل هي بذات الصورة التي كانت عليها في الفترة المنقضية ؟ - بالتأكيد الصورة ليست واحدة فهناك تغير وتطور . ولكنه ليس التغير أو التطور الإيجابي . فأنا ألاحظ أن الحالة الإبداعية في مرحلتها الراهنة تزخر بالشعر لدى الأصوات الجديدة أكثر من أي شيء آخر ، وكأن الأمر مسألة استسهال لهذا الفن بالتحديد . فالقصيدة النثرية أصبحت ساحة مفتوحة لكل وافد ، سواء كان موهوباً أم لا ، ففي مقابل كاتب قصة قصيرة نجد عشرة شعراء ، وفي مقابل كاتب روائي واحد نجد نفس العدد من الشعراء . وبما أن الإبداع حالة فردية وذاتية نجد أن هناك تراكماً في النصوص الإبداعية سواء هذه التي تنشر في الصحافة أو التي تصدر في كتب ، ولكن الرداءة هي الغالبة على هذه النصوص . وهذا يعود كما قلت إلى الفوضى الأدبية وعدم وجود تقاليد وعدم وجود حركة نقدية مؤثرة .

* بعد هذه الجديّة الصارمة حول السائد نريد أن نقف على المشروع الرئيس الذي تشتغل عليه الآن ؟
- منذ ما يقرب من ستة أشهر بدأت كتابة رواية جديدة موضوعها الرحالة الأوروبيون الذين توافدوا على ليبيا من دول أوروبية مختلفة ، وبالتحديد من بريطانيا وألمانيا في القرن التاسع عشر . وكان هذا الموضوع يشغل ذهني منذ فترة طويلة ، وكان يجب التحضير له بشكل جيّد بالعودة إلى قراءة كل ما كتب عن هذه المرحلة من تاريخنا الحديث ، وكل ما يتعلّق بها من أحداث وتطورات على المستويين الداخلي والخارجي وما لاحظته أثناء قراءتي لما كتبوه من مذكرات وأبحاث عن رحلاتهم في الصحراء الليبية ، هو أنهم جاءوا تحت ستار البحث والدراسة العلمية والكشف الجغرافي والتعرف على شعوب وأقوام أخرى . ولكن الواقع الآخر لم يكن كذلك ، فقد كانت مهماتهم استعمارية من الألف إلى الياء ، فما كتبه الرحالة لم يستفد منه أحد سوى حكوماتهم التي أرسلتهم وقامت بتغطية نفقات سفرهم والمعلومات التي كانوا يجمعونها والخرائط التي يرسمونها تصب في هذا الاتجاه .

* لنعد إلى واقع الحال هل يمكن تسجيل بعض الملامح لروائيين آخرين في المرحلة الحالية أو القادمة ؟
- لفت انتباهي في الفترة الأخيرة ظهور روائيين جديدين هما محمد الأصفر الذي بدأ بكتابة القصة القصيرة ، ثم قرر خوض مغامرة الكتابة الروائية . وفي رأيي أنه نجح في مغامرته هذه إلى حد كبير ، فهو كاتب مثابر ويكتب بعفوية شديدة ، أما الكاتب الثاني فهو عبد الله الغزال الذي فازت روايته الثابوت بالجائزة الأولى في مسابقة الشارقة للإبداع الأدبي للعام 2005 ف .
* دعنا نختم هذا الحوار بسؤال استشرافي . هل يمكن الحديث عن أحلام في شكل مشاريع أدبية قادمة ؟
- الكتابة الإبداعية لا علاقة لها بالأحلام أو الأمنيات ، وإنما تتوقف على الجهد والمثابرة لإنجاز عمل روائي جيّد يصنف على أنه إضافة نوعية للرواية الليبية ، وليس مجرد تسجيل رقم جديد في سلسلة الأعمال المطبوعة .
وختاماً
هنا بهذه الجمل المختصرة ينتهي حديث الأستاذ خليفة ونكتشف أننا سجلنا له حواراً لم يسبق أن صرّح به حول الشعر الحديث وقصيدة النثر ورأي صريح في كتّاب القصة ممن ظهروا في المدة الأخيرة .
نكتشف أنه من حيث يريد أو لا يريد ، قد فتح النار على النقاد الذين من خلال شكواه المريرة من ندرتهم لم يخف تذمره مما هم عليه .
ربما يريد أن يتيح لهم فرصة للسجال أو مجرد مشاكسة بريئة .
هذا ما نتوقع أن تحبل به الأيام القادمة .

سعيد المزوغي

ايوب صابر 05-24-2012 10:50 PM

رحم الله خليفة حسين مصطفى
قلب طيب وابتسامة هادئة

محمد الاصفر

تاريخ المقال : 21/11/2008


لا أذكر أول مرة قابلت فيها الأستاذ المبدع خليفة حسين مصطفى وهي بالتأكيد في إحدى الفعاليات الثقافية حيث أن هذا الروائي يحرص على المشاركة والحضور إلى كل نشاط ثقافي أو فني ينظم بغض النظر عن الجهة التي تنظمه نظراً لأنه لا ينتمي إلا لشلة الأدب والفن حيث السطور البليغة والألوان التي تمنح الروح فضاءات أكثر سكوناً وعمقاً.

ولم يكن حضور الأستاذ الروائي خليفة حسين مصطفى لأي منشط ثقافي حضوراً شكلياً أو من أجل المجاملة بل كان حضوره دائماً فاعلاً ومشاركاً في المناقشات ومستمعاً للأوراق والمواد الإبداعية من قبل المشاركين على الرغم من ركاكتها أحياناً وبعد أن يمنح مدير الفاعلية الاستراحة للمشاركين يخرج هذا الأستاذ بهدوء ليقف قرب أول نافذة ويشعل سيجارته وبعد أن ينقض الزحام حول البوفيه والشاي والقهوة يتناول كوباً ويملؤه بالشاي يحتسيه على مهل.

التقيته أكثر من مرة في أنشطة رابطة الأدباء والكتاب في مقرها المزال الآن بحي الاندلس وأكثر من مرة في المكتبة المركزية وفي المركز الثقافي التونسي وفي مجلة المؤتمر وفي أمانة الثقافة وكلما التقيه أحرص على مصافحته وإن كان لديه وقتاً نتحدث قليلاً لكن تحدثنا كثيراً أكثر من مرة في مكتبه بمؤسسة الصحافة بمجلة الأمل وتناقشنا في فن كتابة الرواية.

فكان لا يوافق ما يكتب حديثاً وينحاز دائماً للانضباط والنظام والجدية في كتابة الراوية.. ويقول أن الرواية تحتاج إلى وقت وتفرغ ومواصلة الكتابة من دون توقف.. وأبدى آراء متباينة في ما يكتبه الشباب الآن.. وكان يشعر بالسعادة كلما قرأ إصداراً جديداً ووجده جيداً سرعان ما يمسك قلمه ويكتب ما تجود به أحاسيسه من محبة عن ذلك الإصدار.

ذات يوم وجدت نظرات فرحة في عيون محرري مجلة المؤتمر وقبل أن اسألهم قالوا لي لقد كتب عن كتابك حجر رشيد الأستاذ خليفة حسين مصطفى كلاماً جميلاً وهنيئاً لك وانتظرت إصدار المجلة كي أقرأ المقالة وعندما قرأتها وكانت بعنوان من ألف باء الكتابة إلى حجر رشيد وكانت مقالة موضوعية أسعدتني رصد فيها تجربتي منذ أن كنت أرسل أعمالي غير المصنفة إبداعياً إليه في جريدة الشمس وكان دائماً ينشر بعضها و يهمل أكثرها ولم أغضب لذلك أبداً وكنت متفهماً لأنني كنت أتعمد أن لا أكتب كما هو موجود وسائد وكي اكتشف أشياء جديدة في الكتابة لكن بعد مدة وجدت أنه ينشر لي كل ما أرسله بعد أن وصلته عدة نصوص وفق المعايير والضوابط المعروفة في فن الكتابة مما أشعره أنني أعرف أكتب لكنني أعيش في مرحلة تجريب واكتشاف وعليه تقبل هذا الأمر من الكتاب الجدد بعد أن يقتنع بقدراتهم وموهبتهم في الكتابة.

ذات يوم استدعاني الأستاذ محمود البوسيفي إلى مكتبه ووجدت بجانبه الأستاذ خليفة حسين مصطفى الذي يبدو خجولاً وهادئاً ومبتسماً ومدّ لي مخطوط تقودني نجمة " رواية " ولم يعرف كيف يكلمني لكنه نصحني أن أغير الكلمات البذئية الخادشة للحياء والذوق العام بكلمات عربية تؤدي المعنى نفسه ولا تسبب خدشاً ولقد كانت نصائحه محل تقدير في نفسي وشعرت بأن الكتابة فن ومع الفن لابد من استخدام القليل من الذكاء والمكر.

مرّة أخرى التقيته على سلالم أمانة الثقافة المبنى الذي بجانب فندق الواحات ووجدت بين يديه روايتي سرة الكون.. قال لي إنه اشتراها بـ 15دينار وتأسفت لعدم حصولي على نسخ كي أهديها إليه.. وكان حريصاً هذا الروائي والصديق على قراءة كل أعمالي قرأ أيضاً روايتي " يانا علي " واخبر صديقاً على تحفظه في هذه الرواية حول موضوع اليهود حيث شعر أن شخصية الشاعر اليهودي الليبي كليمنتي أربيب قد مجدت أكثر من اللازم وعندما التقيته بعدها لم أخبره بالأمر ولم أناقشه في الموضوع وهو لم يطرحه علي مما يعني أن العمل الفني لا يعبر عن رأي إنما يعبر عن حالة الشخصية الدرامية وهي تمارس حياتها في الخيال تناقشت مع هذا الروائي الليبي الكبير الذي بذل جهداً كبيراً يدفع ثمنه الآن من صحته ولم ينل من حرفة الكتابة أي تقدير مادي أو معنوي لائق بإبداعه تناقشت معه في موضوع دخول أعماله إلى العالمية أو الانتشار على الأقل خارج ليبيا في الوطن العربي بصورة مرضية والحقيقة أنه لم يتذمر وكان كل همه ليس المال أو الشهرة إنما استكمال مشروعه الروائي كما ينبغي وكما يريده.. منذ مدّة أخبرني أنه يكتب رواية موضوعها الرحالة الأوروبيين في أفريقيا والصحراء الكبرى وليبيا واقتنى الكثير من الكتب الباهظة الثمن وأذكر أنني قلت له حينها إن هذا الموضوع يا أستاذ خليفة سيدخل بقية رواياتك إلى العالمية لأن موضوع الرحالة مقبول من قبل الغرب وإن اشتهرت هذه الرواية فستمد الحبل إلى كل أعمالك الأخرى لتنقذها من التجاهل وقلة الاهتمام وفرحت كثيراً لصواب اختيار الموضوع والتقيته بعدها بشهور وسألته عن هذه الرواية بالذات فقال لقد توقفت وسألته لماذا؟ فقال الإلهام.. عندما أشعر بالإلهام أكتب وعندما يذهب الإلهام في إجازة امنحه إياها وانتظره.. وهذا يعني أنه مبدع حقيقي وليس صانع روايات أو قصائد ككثيرين.. كنت ذلك اليوم انتظر مكافأة من مؤسسة الصحافة لأسدد أجرة الفندق الذي أقيم فيه في المدينة القديمة استلمت الصك وعرجت عليه وجدته يدخن سجائر الرياضي ويشرب الشاي ويسلم ظرف صغير به مكافأة لإحدى المساهمات في مجلة البيت طلب لي شاي شربته وغادرته مسرعاً كي الحق بمصرف الجمهورية الجديد بشارع الصريم.

بعدها بمدة جئت للمؤسسة وذهبت إلى مكتبه وجدت مكانه امرأة سألتها عن الأستاذ قالت لي لقد تقاعد لا أعرف بيته كي أذهب إليه ظللت اتتبع أخباره قرأت مشاركته في ندوة تكريم إبراهيم الكوني قرأت له بعدها مقالة عن كتاب حفيد الشمس القصصي لابتسام عبد المولى قرأت عن حفل تكريم أقيم له في مؤسسة الصحافة طلب مني أحمد بللو أن أعد ورقة عن إحدى رواياته لأشارك بها ولم أعلم بعدها بموعد هذا التكريم.

وإنصافاً لهذا الأديب صاحب القلب الطيب والابتسامة الهادئة أنه قد قادني من دون أن أشعر كي أكتب عن ليبيا أي أكتب عن المكان الذي أعيش فيه وروايته ليالي نجمة.. قادت الكثيرين لتناول المدينة القديمة سواء في بنغازي أو درنة أو طرابلس في كتاباتهم.. وعندما نقرأ بعض آراء النقاد خاصة الأستاذ يوسف الشريف نجد أن رأيه لا توجد رواية ليبية إلا عند خليفة حسين مصطفى وتوجد روايات تتحدث عن أمكنة أخرى تجد فيها كل شيء إلا ليبيا وبصفتي أحب هذا البلد فأحببت أن أكتب عنه لأنني افهمه جيداً وافهم كيف يفكر وكيف يعيش ولقد حرصت في كتاباتي أن امنح ليبيا نصيب الأسد من السطور وفي الوقت نفسه عندما أكتب أتخيل كل الكتاب الكبار وطريقة كتابتهم ومواضيعهم فأجد أنهم كتبوا عن المكان الذي عاشوا فيه حتى وإن خلقوا له اسماً متخيلاً لقد استفدت من الروائي خليفة حسين مصطفى حسن اختيار المكان وهو جعلني لا ابتعد وأكتب عن هنا عن ليبيا واعتقد أن الروائي إبراهيم الكوني والروائي أحمد إبراهيم الفقيه قد وعيا هذا الموضوع وهذا الأمر وركضا سريعاً بسردهم إلى هذا المضمار الليبي الثري فولجاه من باب التاريخ الذي يمكنك ضبط ساعته على الوقت والتاريخ الذي يمكنك أن تتوقف عنده وترى ذلك جلياً في روايات الكوني الأخيرة" نداء ما كان بعيداً " وفي الاثنى عشرية خرائط الروح لأحمد إبراهيم الفقيه.

تحية لهذا المبدع الذي يعاني المرض الآن ونتمنى له الشفاء والسلامة ونتمنى أن نلقاه مجدداً لنكرمه التكريم ونبعث في شرايينه حبنا الصادق الذي جعلنا نشعر ونمارس البكاء فور علمنا بمرضه وسفره للعلاج وبحثه عن دم نادر لعمليته الجراحية.

موقع السلفيوم

ايوب صابر 05-25-2012 11:32 PM

نوفمبر 22nd, 2008 كتبها سريب نشر في , ملف صحفي,
رحيل ليالي نجمة : خليفة حسين مصطفي
http://i3.makcdn.com/userFiles/a/f/a...ges/998205.jpg
رحل عنا الجمعة الماضية الروائي صاحب ليالي نجمة الروائية الاهم التي سطرها هذا الروائي الليبي ، وقد شارك بفاعلية في الكتابة الليبية ، وبفقده تفقد الكتابة الليبية قلما زاخرا وكاتبا منتجا فاعلا ، والاديب خليفة حسين مصطفى من مواليد طرابلس 28/12/1944م ، تحصل على إجازة التدريس الخاصة 1967م ، عمل في الإعلام منذ بداية السبعينيات وتدرج في المهام الإعلامية من محرر لجريدة الأسبوع الثقافي، فمراسلا لصحيفة الجهاد بلندن ثم مديرا لقسم كتاب الطفل بالدار الجماهيرية للنشر والتوزيع، فمدير تحرير مجلة سنابل، وأخيرا رئيسا لتحرير مجلة الأمل التي تعنى بأدب الطفل قبل أن يتقاعد.
من مؤلفاته التي صدر أولها عام 1975 صخب الموتى، ثم توالت الاصدارت وهي بحسب معجم الأدباء والكتاب الليبيين المعاصرين لمليطان: توقيعات على اللحم ط75، المطر وخيول الطين 81، ذاكرة الكلمات ط81، خريطة الاحلام السعيدة ط82، حكايات الشارع الغربي ط82، عين الشمس ط83، جرح الوردة ط84، زمن القصة ط84، أراء في كتابات جديدة ط84، القضية ط85، من حكايات الجنون العادي ط85، عرس الخريف ط86، آخر طريق ط86، دراسات في الأدب ط86 ، خطط صاحب المقهى ط87، عشر قصص تاريخية للأطفال ط87،سلسلة قصص الأطفال ط90، الجريمة ط93، ليالي نجمة ط99.

ايوب صابر 05-26-2012 01:36 PM

سر عبقرية هذا الروائي الفذ خليفة حسين مصطفي

- من مؤلفاته التي صدر أولها عام 1975 صخب الموتى.
- اختار ان يعيش ناسكا في محراب الأدب ، يصرف جهده له ، معطيا ظهره لكل ما تضج به الحياة العصرية من الضغوط والالتزامات والمطالب، يعيش على الكفاف ، زاهدا متقشفا فقيرا
- أنّ خليفةحسين مصطفى موهبة خارج إطار المواهب والكتاب الذين تحفل بهم الحياة الأدبية في كل أركان العالم ، وهم الذين يصنعون الضجيج ، ويشغلون المطابع ويُزاحمون بإنتاجهم الأسواق ويملأون بكتبهم أرفف المكتبات ، أما هذا القليل النادر من النابغين والعباقرة ، فهم من يبقى بعد أن يتراجع هذا الضجيج وينتهي هذا الزحام ونظرة إلى تاريخ الأدب في العالم تستطيع أن تؤكد لنا هذه الحقيقة،
- أذن فالنبوغ في الأدب شيء آخر غير التواجد في المشهد الثقافي كاتبا تنتج القصص أو الأشعار أو المسرحيات أو كتب النقد ، اعتقد جازما أن خليفة حسين واحد من هؤلاء النوابغ ، وعملا بما يقوله الشاعر الذي بقى مسافرا في الزمن العربي بعد أن سقط كثيرون آخرون وهو أبو الطيب المتنبي في بيت من أبياته عن النهايات التي تصل إليها الأشياء وهو وللسيوف كما للناس آجال
واضح ان سر عبقريته يكمن في الموت والا لماذا كان اول مؤلف له بعنوان "صخب الموتى" لكننا لا نعرف على وجه التحديد سر علاقته مع الموت. وللاسف لا يوجد تفاصيل عن طفولته كما هو الحال عند كل المبدعين العرب، لكن يمكننا ان ندعي انه عاش مأزوما وسر ازمته الموت اين كان شكله واثره .

مأزوم.

ايوب صابر 05-26-2012 02:30 PM

89- لونجه والغول زهور ونيسي الجزائر
المرأة الثورية في الرواية الجزائرية لونجة والغول لـ : زهور ونيسي ـ نموذجا ـ

مفقوده صالح

يعالج هذا الموضوع العلاقة بين الثورة الجزائرية باعتبارها حدثا بارزا في تاريخ الجزائر المعاصرة، ورافدا يستقي منه الأدباء مادتهم الإبداعية، وبين الأدب الروائي من جهة أخرى. ويكشف الموضوع مدى استفادة الرواية من الثورة في مجال تصوير بطولة المرأة، مركزا على رواية الأديبة الجزائرية زهور ونيسي "لونجة والغول " من خلال تقديم صورة للمرأة الثورية، مع الإشارة إلى أعمال روائية أخرى.


الساعة الآن 11:59 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team