![]() |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثّامنُ والعشرُونَ
(في تَقْسِيمِ التَّمَامِ والكَمَالِ) عَشَرَةٌ كَامِلةٌ نِعْمةٌ سَابِغَةٌ حَوْلٌ مُجَرَّمٌ شهرٌ كَرِيتٌ "عَنِ الأصْمَعِي وغَيْرِهِ" ألْفٌ صَتْمٌ دِرْهمٌ وَافٍ رَغِيفٌ حادِرٌ "عَنْ أبي زَيْدٍ" خَلْقٌ عَمَمٌ شَابٌّ عَبْعَبٌ إذا كانٍ تَامَّ الشَّبَابِ "عَنْ أبي عَمْرٍو". |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ التاسعُ والعشرُونَ
(في تَقْسِيمَ الزِّيَادَةِ) أَقْمَرَ الهِلاَلُ نَمَا المَالُ مَدَّ المَاءُ رَبَا النَّبْتُ زَكَا الزَّرْعُ أرَاعَ الطَّعَامُ (منَ الرَيْعَ وهوَ النُّزُولُ). |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
(إلى هُنَا انْتَهى آخِرُ القِسْمِ الأوَّلِ الذي هوَ فِقْهُ اللُّغةِ)
(وَيلِيهِ القِسْمُ الثَّانِي في أسْرَارِ العَرَبِيَّةِ) |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
القِسمُ الثّاني
ممّا اشْتَمَلَ عليهِ الكِتابُ وهو سِرُّ العَربيّةِ في مَجَاري كَلامِ العَربِ وسَنَنِها والاسْتِشْهَاد بالقرآنِ على أكثرِهَا |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الأولُ
في تَقْدِيمِ المُؤَخَّرِ وتَأخيرِ المُقَدَّمِ العَرَبُ تَبْتدئُ بذِكرِ الشَّيءِ والمُقدَّمُ غيرُهُ كما قال عزَّ وجلَّ: {يا مريمُ اقْنُتِي لرَبِّكِ واسْجُدِي واركَعِي مع الرَّاكِعينَ}* وكما قال تعالى: {فَمِنْكُمْ كَافرٌ ومِنكمْ مُؤمِنٌ}** وكما قال عزَّ وجلَّ: {يَهَبُ لمنْ يَشاءُ إناثًا ويَهبُ لمنْ يشاءُ الذُّكورَ}*** وكما قالَ تعالى: {وهو الّذِي خَلقَ اللَّيلَ والنَّهارَ}**** وكما قال حسَّانُ بنُ ثابتٍ في ذِكرِ بني هاشِمٍ: بَهالِيلُ مِنهمْ جَعفرٌ وابنُ أمِّهِ عليٌّ ومنهمْ أحْمَدُ المُتَخَيَّرُ وكما قال الصَّلَتَان العَبْديّ: فَمِلَّتُنَا أنَّنَا مُسْلِمونَ عَلَى دِينِ صِدِّيقِنَا والنَّبيْ *من الآية"43" من سورة آل عمران. **من الآية"2" من سورة التغابن. ***من الآية"49" من سورة الشورى. ****من الآية"33" من سورة الأنبياء. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثاني
يُنَاسبُهُ في التَّقْدِيمِ والتَّأخيرِ العَرَبُ تقولُ: أكرَمنِي وأكرَمتُهُ زَيدٌ، وتقديره: أكرمَنِي زَيدٌ وأكرَمتُهُ، كما قالَ تَعَالى حِكايةً عنْ ذي القَرْنَينِ: {آتُونِي أُفرِغ عليه قِطْرًا}* تقديره: آتوني قِطرًا أُفرغُ عَليهِ، وكما قال جَلَّ جلالُهُ: {الحَمدُ للهِ الّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الكِتابَ ولمْ يَجعلْ لهُ عِوَجًا قَيِّمًا}** وتَقديرُهُ أنْزَلَ علَى عَبدِهِ الكتاب قَيِّمًا ولمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، وكما قالَ امرؤُ القَيسِ: ولَوْ أَنَّ مَا أسْعَى لأَدْنَى مَعِيشةٍ كَفَاني ولمْ أَطْلُبْ قَليلٌ مِنَ المَالِ وتَقْديرُهُ: كَفَاني قَليلٌ مِنَ المال، ولم أطْلبْهُ، وكما قالَ طَرَفةُ: وكرِّي إذَا نَادَى المُضَافُ مجنَّبًا كَذِئْبِ الغَضَى، نَبَّهْتَهُ، المُتَوَرَّدِ وتَقْديرُهُ: كَذِئبِ الغَضَى المُتَوَرِّدِ نبَّهتُهُ، وكما قال ذو الرُّمَّةِ: كأنَّ أصَواتَ مِنْ إيغالهنَّ بِنَا أوَاخِرَ المَيسِ إنْقَاضُ الفَرَارِيجِ وتَقْديرُهُ: كأنَّ أصْوَاتَ أوَاخِرِ المَيْسِ مِنْ إيْغَالِهِنَّ بنا إنْقَاضُ الفَرَارِيجِ. وكما قالَ أبو الطَّيِّبِ المُتَنبّي***: حَمَلْتُ إليْهِ مِنْ لِسَانِي حَدِيقَةً سَقَاهَا الحِجَا سَقيَ الرِّياضَ السَّحائبِ وتقديرُهُ: سَقْيَ السّحائِبِ الرِّياضَ. *من الآية"96" من سورة الكهف. **من الآية"1-2" من سورة الكهف. ***ومما يجب الالتفات إليه أن شعر المتنبي ليس حجة عند أهل اللغة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثالثُ
في إضَافةِ الاسْمِ إلى الفِعْلِ هي من سُنَنِ العَرَبِ كأنْ تقولَ: هذا عامُ يُغَاثُ الناسُ، وهذا يومُ يَدخُل الأمير، وفي القرآن: {ربِّ فأَنظِرْني إلى يَوْمِ يُبعَثونَ}*. وقال عزَّ ذكره: {هذا يَومُ لا يَنطِقونَ}**وفي الخَبَرِ عنِ النّبيِ صلى الله عليه وسلم: (إنَّ المريضَ لَيَخْرُجُ من مَرَضِهِ كَيَومِ وَلَدَتْهُ أمُّهُ)***. *من الآية "36" من سورة الحجر. **من الآية "35" من سورة المرسلات. ***رواه أبو داود بلفظ قريب من هذه الرواية، وكذا الإمام أحمد في مسنده. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الرابعُ
في الكِنَايَةِ عمَّا لم يَجْرِ ذكرُهُ مِنْ قَبْل العَرَبُ تُقَدِّمُ عليْها توسُّعًا واقتدارًا واختصارًا، ثِقةً بِفَهْمِ المُخَاطَب، كما قال عزَّ ذكرُهُ: {كُلُّ منْ عَليها فَانٍ}* أي منْ عَلى الأرضِ، وكما قال: {حتّى تَوارتْ بِالحِجَابِ}** يعني الشَّمسَ، وكما قال عزَّ وجل: {كَلّا إذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ}*** يَعْنِي الرُّوح، فكنّى عن الأرْضِ والشَّمسِ والرُّوحَ، من غير أن أجْرَى ذكرها. وقال حَاتمُ الطَّائيّ: أمَاوِيَّ ما يُغْني الثَّراءُ عَنِ الفَتى إذا حشرَجَتْ يومًا وضاقَ بِهَا الصَّدرُ يعني إذا حشْرَجَتِ النَّفْسُ، وقال دِعْبِل: إنْ كانَ إبراهيمُ مُضْطَلِعًا بِهَا فَلَتَصْلُحَنْ من بَعدِهِ لِمُخارِقِ يعني: الخِلافَةَ، ولم يسمّها فيما قبل، وقال عبد الله بن المعْتَزِّ: وَنَدْمانٍ دعوتُ فَهَبَّ نَحْوِي وسَلْسَلها كما انخَرَطَ العَقِيقُ يعني: وسَلْسَلَ الخمرَ، ولَمْ يُجْرِ ذِكرَها. *من الآية "26" من سورة الرحمن. **من الآية "32" من سورة "ص". ***من الآية "26" من سورة القيامة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الخامسُ
في الاخْتِصَاصِ بَعْدَ العُمُومِ العَرَبُ تفعلُ ذَلكَ فَتذكرُ الشَّيءَ عَلى العُمُومِ ثُمَّ تَخُصّ منهُ الأفْضَلَ فَالأفضَلَ فَتقولُ: جاءَ القَومُ والرَّئيسُ والقَاضي، وفي القُرْآنِ: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الوُسْطَى}*. وقالَ تَعَالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ ونَخْلٌ ورُمَّانٌ}**. وإنَّما أفْرَدَ اللهُ الصَّلاةَ الوُسْطَى من الصَّلاةِ وهي دَاخلةٌ في جُمْلَتِهَا، وأفردَ التَّمْرَ والرُّمانَ مِنْ جُملةِ الفَاكِهَةِ، وهُما منها، للاخْتِصَاصِ والتَّفْضِيلِ. كما أفْرَدَ جِبريلَ ومِيكَائِيلَ مِنَ المَلَائِكَةِ فقالَ: {مَنْ كانَ عَدُوًّا للهِ وملائِكتهِ ورُسُله وجِبْرِيلَ ومِيكَالَ}***. *من الآية "238" من سورة البقرة. **من الآية "68" من سورة الرحمن. ***من الآية "98" من سورة البقرة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ السّادسُ
في ضدِّ ذَلكَ قال الله تعالى: {ولَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعًا منَ المَثانيَ والقرآنَ العَظيمَ}*، فخصَّ السَّبْعَ، ثم أتى بالقُرآنِ العَامِّ بَعْدَ ذِكرَهُ إياهُ. *من الآية "87" من سورة الحجر. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ السّابعُ
في المَكَانِ والمُرَادُ بِهِ مَنْ فِيهِ العَرَبُ تفعلُ ذَلكَ، قال الله تعالى: {واسْأَلِ القَرْيَةَ التي كُنَّا فِيهَا}*، أي أهلها، وكما قال جلَّ جَلالُهُ: "{وإلى مَديَنَ أخَاهُمْ شُعيبًا}** أي أهل مَدْيَنَ، وكما قال حُمَيدُ بنُ ثَورٍ: قَصائِدُ تَستَحْلي الرُّواةُ نَشيدَها ويَلهو بِها من لاعِبِ الحَيِّ سامِرُ يَعَضُّ عليهَا الشَّيخُ إبهامَ كَفِّهِ وتَخْزَى بِها أحياؤُكُمْ والمَقَابرُ أي أهلُ المَقَابِرِ. والعَرَبُ تقولُ: أكلتُ قِدْرًا طَيِّبَةً، أي أَكَلتُ مَا فِيهَا. وكذلكَ قَولُ الخاصّةِ: شَرِبْتُ كَأْسًا. *من الآية "82" من سورة يوسف. **من الآية "85" من سورة الأعراف. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثّامنُ فِيمَا ظاهرُهُ أَمْرٌ وبَاطِنُهُ زَجْرٌ هوَ منْ سُنَنِ العَرَبِ، تقولُ: "إذا لم تَستَحِ فافْعَلْ ما شِئتَ"*. وفي القُرْآنِ: {اعْمَلُوا ما شِئتُمْ}**، وقال جلَّ وعَلَا: {وَمَنْ شَاءَ فَلِيَكفُر}***. *في كتب الحديث فاصنع بدل فافعل. وهو حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. **من الآية "40" من سورة فصلت . ***من الآية "29" من سورة الكهف. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ التّاسعُ
في الحَمْلِ عَلى اللَّفْظِ والمَعَنى لِلمُجَاوَرَةِ العَرَبُ تَفعلُ ذَلكَ فتقولُ: هذا حُجْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ. والخَرِبُ نَعْتُ الحُجْرِ لا نَعتُ الضَّبِّ ولكنَّ الجِوَارَ عَمِلَ عَليهِ، كما قال امرُؤُ القَيْسِ: كأن ثَبيرًا* في عَرانِينِ وَبلِهِ كَبيرُ أُناسٍ في بِجَادٍ** مُزَمَّلِ فالمُزَمَّل: نَعْتُ الشَّيخِ لا نَعتُ البِجادِ،وحَقُّهُ الرَّفْعُ ولكنْ خفَضَهُ للجِوارِ، وكما قالَ الآخرُ: يا ليتَ شَيْخَكِ قدْ غَدا مُتَقلِّدا سَيْفًا ورُمْحَا والرُّمحُ لا يُتَقَلَّد، وإنّما قال ذلك لمجاوَرَتِهِ السَّيْفَ. وفي القرآن الكريم: {فأَجْمِعوا أمْرَكُم وشُرَكاءَكُم}*** لا يُقالُ: أجْمَعتُ الشُّركاءَ وإنما يُقالُ: جَمَعْتُ شُرَكَائي، وأجْمَعتُ أمرِي، وإنّما قالَ ذلك للمُجَاورة كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:(اِرجِعْنَ مأْزُورَاتٍ غيرَ مَأجُوراتٍ)**** وأصلُهَا مَوْزُورَاتٌ من الوِزْر، ولكنْ أَجْرَاهَا مَجْرَى المَأجُورَاتِ للمُجاوَرَة بَيْنَهما، وكقوله: بالغَدَايَا والعَشايَا، ولا يُقالُ: الغَدَايَا إذا أُفْرِدَتْ عنِ العَشَايَا لأنها الغَدَوَاتُ، والعامَّةُ تَقولُ: جاء البَرْدُ والأَكْسِيَةُ****، والأَكْسِيةُ لا تجيءُ ولكنْ للجِوارِ حقٌّ في كَلامِ العرب. *قال في المصباح: "ثبير جبل بين مكة ومنى، ويرى من منى، هو على يمين الداخل منها إلى مكة". والعرانين كفعاليل جمع عرنين كفعليل: من كل شيء أوله، ومنه عرنين الأنف لأوله وهو ما تحت مجمع الحاجبين المسمى موضع الشمم. **والبجاد: نوع من الثياب، وقيل خباء أو خيمة. ***من الآية "71" من سورة يونس. ****رواه الإمام ابن ماجه في سننه. *****ضبطت هنا "الأكسية" بالرفع عطفا على "البرد" وفي شروح سقط الزند: شرح الخوارزمي ضبطه المحققون بالفتح، فتصبح الواو واو المعية. والمثال فيه: "جاء البرد والطيالسة" والطيالسة جمع طيلسان، وهو كساء يلبس عند البرد. انظر شروح سقط الزند 427/1. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ العاشرُ
يُنَاسبُهُ ويُقارِبُهُ العَرَبُ تُسَمِّي الشَّيءَ باسْمِ غَيرِهِ إذا كانَ مُجَاوِرًا لهُ أو كانَ منْهُ بِسببٍ كَتَسْمِيَتِهمْ المَطَرَ بالسَّمَاءِ لأنَّهُ مِنْهَا يَنزلُ وفي القرآن: {يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيكُمْ مِدْرَارا}* أي المطر، وكما قال جَلَّ اسْمُهُ: {إنّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا}** أي: عِنَبًا، ولا خَفَاءَ بِمُنَاسَبَتِهِما، وكما يُقالُ: عَفِيفَ الإزَارِ أيْ عَفِيفَ الفَرْجِ في أمثالٍ لهُ كَثيرةٍ. ومِنْ سُنَنِ العَرَبِ وَصفُ الشَّيءِ بِما يَقَعُ فيهِ أو يكونُ منهُ، كما قالَ تَعَالى: {في يومٍ عاصِفٍ}*** أيْ يَومٍ عَاصِفِ الرِّيحِ، وكما تقولُ: ليلٌ نائمٌ، أي يُنامُ فيه، ولَيلٌ ساهرٌ أيْ: يُسهرُ فيهِ. *من الآية "52" من سورة هود والآية "11" سورة نوح. **من الآية "36" من سورة يوسف. ***من الآية "18" من سورة إبراهيم. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الحادي عشرَ
في إجْرَاءِ مَا لَا يَعْقِلُ ولَا يَفْهَمُ مِنَ الحَيَوانِ مَجْرَى بَنِي آدَمَ ذلِكَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ، كما تقولُ: أَكَلُوني البَراغيثُ، وكما قال عزَّ وجلَّ: {يا أيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحَطِمَنَّكُمْ سُلَيمانُ وجُنودُهُ}*، وكما قال سبحانَهُ وتَعَالى: {واللهُ خَلَقَ كلَّ دابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنهُم مَنْ يَمْشِي على بَطنِهِ ومِنْهُمْ من يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْن ومِنْهُمْ مَنْ يَمشِي عَلَى أَرْبَعٍ}**. ويُقَالُ: إنَّهُ قالَ ذلكَ تَغْلِيبًا لِمَنْ يَمْشِي على رِجْلَيْنِ وهُمْ بَنُو آدمَ. ومن سُنَنِ العَرَبِ تَغْلِيب ما يَعْقِلُ كما يُغَلَّبُ المُذَكّرُ على المُؤنَّثِ إذا اجْتَمَعَا. *من الآية "18" من سورة النمل. **من الآية "45" من سورة النور. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثّاني عشرَ
في الرُّجُوعِ مِنَ المُخَاطَبَةِ إلى الكِنَايَةِ ومِنَ الكِنَايَةِ إلى المُخَاطَبَةِ والعَرَبُ تَفْعلُ ذَلكَ كما قالَ النَّابِغَةُ: يا دارَ مَيَّةَ بالعلياءِ فالسَّنَدِ أَقْوَتْ وطَالَ عَلَيْهَا سالِفُ الأمَدِ فَقالَ: يا دَارَ مَيَّةَ، ثُمَّ قالَ: أقْوَتْ وكما قال الله عزّ وجلّ: {حتَّى إذَا كُنْتُمْ في الفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ بِريحٍ طَيِّبَةٍ}*، فقال: كُنْتُمْ في الفُلْكِ، ثم قال: بِهِمْ، وكما قال: {الحَمدُ للهِ رَبِّ العالمينَ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مالكِ يَومِ الدِّينِ إيَّاكَ نَعبُدُ وإياكَ نَستَعينُ}**، فرجَعَ من الكِنَايَةِ إلى المُخَاطَبَةِ كما رجع في الآية المُتقدمة من المُخَاطَبة إلى الكناية. *من الآية "22" من سورة يونس. **من الآية "1-5" من سورة الفاتحة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثّالثُ عشرَ
في الجَمْعِ بَيْنَ شَيئيْنِ اثْنَيْنِ ثُمَّ ذِكْرِ أَحَدِهِمَا في الكِنَايَةِ دُونَ الآخَرِ والمُرَادُ بِهِ كِلَاهُمَا مَعًا مِنْ سُنَنِ العَرَبِ أنْ تَقولَ: رَأيْتُ عَمْرًا وزيدًا وسلّمتُ عليهِ، أيْ عليهِمَا. قالَ اللهُ عزّ وجلّ: "والذينَ يَكْنِزونَ الذَّهَبَ والفِضَةَ ولا يُنْفِقونَها في سَبيلِ اللّهِ}*، وتقديرُ الكَلامِ: ولا يُنْفِقُونَهُما في سبيل الله، وقالَ تَعَالى: {وإذَا رَأَوْا تِجارَةً أو لَهْوًا انْفَضُّوا إليها}**، وتقديرُهُ: انفضُّوا إليهِمَا، وقال جلّ جلالُهُ: {واللهُ ورسولُهُ أحَقُّ أن يُرْضُوهُ}***، والمُرَادُ: أنْ يُرْضُوهُمَا. *من الآية "34" من سورة التوبة. **من الآية "11" من سورة الجمعة. ***من الآية "62" من سورة التوبة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الرّابعُ عشرَ
في جَمْعِ شَيئينِ من اثنيْنِ مِنْ سُنَنِ العَربِ إذا ذكَرَتِ اثْنِينِ أن تُجْرِيهِما مَجْرَى الجَمْعِ، كمَا تَقُولُ عندَ ذِكرِ العُمَرَيْنِ والحَسَنينِ: كَرَّمَ اللهُ وُجُوهَهُما، وكما قالَ عزّ ذكرُهُ: {إنْ تَتوبَا إلى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلوبَكُما}*، ولم يَقُلْ: قَلبَاكُمَا، وكما قالَ عزَّ وجلَّ: {والسَّارقُ والسَّارِقَةُ فاقْطَعوا أيْدِيَهُما}، ولم يَقُلْ: يَدَيْهِما. *من الآية "4" من سورة التحريم. *من الآية "38" من سورة المائدة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الخَامسُ عشرَ
في جَمْعِ الفِعلِ عندَ تَقَدُّمِهِ عَلى الاسْمِ رُبَّمَا تَفعلُ العَرَبُ ذلكَ، لأنَّهُ الأصْلُ فتقولُ: جاؤوني بَنُو فُلانٍ، وأكَلُوني البَرَاغِيثُ، وقالَ الشاعرُ: رَأَيْنَ الغَوانِي الشَّيْبَ لَاحَ بِعَارِضِي فَأعرَضنَ عَنِّي بالخُدُودِ النَّواضِرِ وقالَ آخرُ: نَتَجَ الرَّبِيعُ مَحاسِنًا ألقَحْنَها غُرُّ السَّحائِبْ وفي القُرْآنِ: {وأسَرُّوا النَّجْوَى الّذِينَ ظَلَمُوا}*، وقالَ جلَّ ذِكرُهُ: {ثُمَّ عَمَوْا وصَمُّوا كَثيرٌ منهم}**. *من الآية "3" من سورة الأنبياء. *من الآية "71" من سورة المائدة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ السّادسُ عشرَ
في إقَامَةِ الوَاحِدِ مَقَامَ الجَمْعِ هِيَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ إذْ تَقُولُ: قَرَرْنا به عينًا، أي أعيُنًا. وفي القرْآنِ: {فإنْ طِبْنَ لكُمْ عَنْ شَيءٍ مِنْهُ نَفْسًا}*، وقال جَلَّ ذِكرُهُ: {ثُمَّ نُخْرِجُكُم طِفْلًا}** أي أطْفَالًا، وقال تعالى: {وكَمْ مِنْ مَلَكٍ في السَّموَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيئًا}***، وتَقْديرُهُ: وكَمْ مِنْ مِلَائِكَةٍ في السَّمواتِ، وقالَ عَزَّ مِنْ قَائلٍ: {فَإنَّهُم عَدُوٌّ لي إلَّا رَبَّ العَالَمِيْنَ}****. وقالَ: {هَؤلاءِ ضَيفي}+، ولمْ يَقُلْ: أَعْدَائي ولَا أَضْيَافي. وقالَ جلَّ جلالُهُ: {لا نُفَرِّقُ بينَ أحَدٍ مِنْهُمْ}++، والتَّفْرِيقُ لا يَكونُ إلَّا بينَ اثْنَينِ، والتقدير لا نُفَرِّق بَينَهُمْ، وقالَ: {يا أيُّها النَّبيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}+++. وقالَ: {وإنْ كُنْتُم جُنُبًا فَاطَّهَرُوا}++++. وقال: {والمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلكَ ظَهِير}+++++. ومِنْ سُنَّةِ العَرَبِ في هَذا البَابِ أن يَقُولوا للرَّجُلِ العَظيمِ والمَلِكِ الكبيرِ: انْظُرُوا في أَمْرِي، ولأنّ السَّادَةَ والمُلُوكَ يقُولونَ: نَحْنُ فَعَلْنا، وإنّا أمَرنا، فَعَلَى قَضِيَّةِ هَذَا الابْتِدَاءِ يُخَاطَبُونَ في الجَوَابِ، كما قالَ تَعَالى عَمَّنْ حَضَرَه الموتُ: {رَبِّ ارْجِعونْ}+++++. *الآية "4" من سورة النساء. **الآية "5" من سورة الحج. ***الآية "26" من سورة النجم. ****الآية "77" من سورة الشعراء. +الآية "68" من سورة الحجر. ++الآية "136" من سورة البقرة. +++الآية "1" من سورة الطلاق. ++++الآية "6" من سورة المائدة. +++++الآية "4" من سورة التحريم. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ السّابعُ عشرَ
في الجَمْعِ يُرَادُ بِهِ الوَاحِدُ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ الإتْيانُ بذلكَ، كما قَالَ تَعالَى: {مَا كانَ للمُشْرِكينَ أنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ}*، وإنمَّا أرادَ المَسْجِدَ الحَرَامَ، وقالَ عزَّ وجَلَّ: {وإذ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فادَّارَأْتُمْ فيها}**، وكانَ القاتلُ وَاحِدًا. *الآية "17" من سورة التوبة. **الآية " 72" من سورة البقرة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثامنُ عشرَ
في أمْرِ الوَاحِدِ بِلفظِ أَمْرِ الاثْنَينِ تَقُولُ العَرَبُ: افْعَلَا كَذَا، والمُخَاطَبُ وَاحِدٌ، كما قالَ اللهُ عزَّ وجَلَّ: {أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ كلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ}* وهُوَ خِطَابٌ لِمَالكٍ خَازِنِ النَّارِ. وكما قالَ الأعْشَى: وَصَلِّ عَلَى خَيرِ العَشِيَّاتِ والضُّحَى ولا تَعْبُدِ الشَّيطانَ واللهَ فاعْبُدَا ويُقالُ: إنّهُ أرَادَ واللهَ فاعبُدَنْ، فقَلَبَ النُّونَ الخَفِيفةَ أَلِفًا. وكَذلِكَ في قولِهِ عزَّ وجلَّ: {ألْقِيَا في جَهَنَّمَ}**. *الآية "24" من سورة ق. **الآية "24" من سورة ق. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ التاسعُ عشرَ
في الفِعْلِ يَأتي بِلفْظِ المَاضي وهُوَ مُستَقْبَلٌ وبِلفظِ المُسْتَقْبَلِ وهوَ مَاضٍ قالَ اللهُ تَعالَى: {أتى أمرُ اللّهِ}*: أي يأتِي. وقالَ جلَّ ذِكرُهُ: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى}**، أي لم يَصَّدَّقَ ولمْ يُصَلِّ . وقال عزَّ مِنْ قائلٍ في ذِكرِ الماضِي بِلَفْظِ المُسْتَقْبَلِ: {فَلِمَ تَقتُلونَ أنْبيَاءَ اللهِ مِنْ قَبلُ}*** أيْ لِمَ قَتَلتُمْ؟ وقالَ تَعالَى: {واتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ}+، أيْ ما تَلَتْ. وقدْ تَأتي كانَ بِلَفْظِ الماضِي ومعنَى المُسْتَقْبَلِ، كما قال الشاعر: فَأدْرَكْتُ مَنْ قَدْ كانَ قَبْلِي ولَمْ أدَعْ لِمَنْ كانَ بَعْدِي في القَصَائِدِ مَصْنَعَا أيْ لِمَنْ يَكونُ بَعْدِي. وفي القُرْآنِ: {وكانَ اللهُ غَفورًا رَحيمًا}++ أيْ كانَ ويَكونُ وهُوَ كَائنٌ الآنَ جلَّ ثَنَاؤُهُ. *الآية "1" من سورة النحل. **الآية "31" من سورة القيامة. ***الآية "91" من سورة البقرة. +الآية "102" من سورة البقرة. ++الآية "106" من سورة النساء. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ العِشرونَ
في المَفْعُولِ يَأتِي بِلفْظِ الفَاعِلِ تَقُولُ العَرَبُ: سِرٌّ كاتِمٌ أيْ مَكتُومٌ، ومَكانٌ عَامِرٌ أي مَعْمُورٌ. وفي القُرْآنِ: {لَا عَاصِمَ اليَومَ مِنْ أمْرِ اللّهِ}* أيْ لَا مَعْصومَ. وقالَ تَعَالَى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ}**، أي مَدفُوقٍ. وقال: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}***، أيْ مَرْضِيَّةٍ. وقالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: {حَرَمًا آمِنًا}**** أيْ مَأمونًا. وقالَ جَريرُ: إنَّ البَليَّةَ مَنْ تَمَلُّ كَلَامَهُ فانْقَعْ فُؤادَكَ مِنْ حَدِيثِ الوَامِقِ أيْ من حَدِيثِ المَومُوقِ. *الآية "43" من سورة هود. *الآية "6" من سورة الطارق. *الآية "21" من سورة الحاقة. *الآية "67" من سورة العنكبوت. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفَصْلُ الواحدُ والعشرونَ
في الفَاعِلِ يَأتي بِلَفْظِ المَفْعُولِ كما قالَ تَعالَى: {إنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأتِيّا}* أي آتيًا، وكما قالَ جلَّ جلالُهُ: {حِجَابًا مَسْتُورًا}** أي سَاتِرًا. *الآية "61" من سور مريم. **الآية "45" من سورة الإسراء. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثّاني والعِشرونَ
إجْرَاءِ الاثْنَينِ مَجْرَى الجَمْعِ قال الشَّعبيُّ في كَلامٍ لَهُ في مَجْلِسِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ مَرْوانَ: رَجُلانِ جَاؤُوني، فقالَ عبدُ المَلكِ: لَحَنْتَ يا شَعبيُّ، قالَ يا أمَيرَ المُؤمِنينَ لَمْ أَلْحَنْ معَ قولِ اللّهِ عَزّ وجلَّ: {هَذانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ}*. فقالَ عبدُ الملكِ: للهِ درُّكَ يا فَقيهَ العِراقَيْنِ** قَدْ شَفيتَ وكَفَيتَ!! *الآية "19" من سورة الحج. **وهما: الكوفة والبصرة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثالثُ والعشرونَ
في إقَامَةِ الاسْمِ والمَصْدَرِ مَقَامَ الفَاعِلِ والمَفْعُولِ تقولُ العَرَبُ: رَجُلٌ عَدْلٌ أيْ عَادِلٌ، ورَضِيٌّ أي مَرْضِيٌّ، وبنو فُلانٍ لَنَا سِلْمٌ أيْ مُسَالِمُونَ، وحَرْبٌ أي مُحَارِبُونَ. وفي القُرْآنِ: {ولكنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ باللهِ}*، وتقديرُهُ: ولكنَّ البِرَّ بِرُّ مَنْ آمَنَ باللهِ، فَأضْمَرَ ذِكرَ البِرِّ وحَذَفَهُ. *من الآية "177" من سورة البقرة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الرابعُ والعشرونَ
في تَذْكِيرِ المُؤَنَّثِ وتَأنيثِ المُذَكَّرِ في الجَمْعِ هوَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ، قالَ عَزَّ وجَلَّ: {وقَالَ نِسْوَةٌ في المَدِيْنَةِ"}*، وقال تَعَالَى: {قالت الأعرابُ آمَنَّا}**. *من الآية "30" من سورة يوسف. *من الآية "14" من سورة الحجرات. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الخامسُ والعشرونَ
في حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى المَعْنَى في تَذْكِيرِ المُؤَنَّثِ وتَأنِيثِ المُذَكَّرِ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ تَرْكُ حُكْمِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وحَمْلِهِ على مَعْنَاهُ كما يَقُولُونَ: ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ، والنَّفْسُ مُؤنَّثَةٌ، وإنَّما حَمَلُوهُ على مَعْنَى الإنْسانِ أو مَعْنى الشَّخْصِ. قالَ الشَّاعرُ: ما عِنْدَنَا إلَّا ثَلاثَةُ أَنْفُسٍ مِثْلُ النُّجومِ تَلَألَأتْ في الحِنْدِسِ* وقال عُمَرُ بْنُ عبدِ اللهِ بْنِ أبي رَبِيعَةَ: فكانَ مِجَنِّي** دُونَ ما كُنْتُ أَتَّقِي ثلاثُ شُخُوصٍ كاعِبانِ*** وَمُعْصِرُ فحمِلَ ذلكَ عَلَى أنَّهنّ نِساءٌ. وقالَ الأعْشَى: لِقَوْمٍ وكانُوا هُمُ المُنْفِدِينَ شَرَابَهُمُ قَبْلَ تَنْفَادِهَا فأنَّثَ الشَّرَابَ لمَّا كانَ الخَمرُ في المَعنَى وهي مُؤنّثَةٌ، كما ذَكَرَ الكَفَّ وهيَ مؤنَّثةٌ في قَولهِ: أرَى رَجُلًا مِنْهُمْ أَسِيفًا كأنَّما يَضُمُّ إلى كَشْحَيْهِ كَفًّا مُخَضَّبَا فحَمَلَ الكَلامَ على العُضْوِ وهو مُذَكَّرٌ. وكَمَا قالَ الآخَرُ: يا أيُّها الرَّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتَهُ سَائلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذهِ الصَّوتُ أيْ مَا هَذه الجَلَبةُ؟ وقال الآخرُ: مِنَ النَّاسِ إنْسانانِ دَيْنِي عَلَيْهِما مَلِيئانِ، لوْ شَاءَا لَقدْ قَضَيانِي خَليلَيَّ أمّا أمُّ عَمرٍو فَواحِدٌ وأمَّا عَنِ الثّاني فَلا تَسَلَانِي فَحَمَلَ المَعْنى عَلى الإنْسانِ أو عَلَى الشَّخْصِ. وفي القرآنِ: {وأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعةِ سَعيرًا}+، والسَّعِيرُ مُذَكَّرٌ، ثمَّ قالَ:{إذَا رَأتهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعيدٍ}++، فَحملَهُ على النَّارِ فأنَّثَهُ، وقالَ عزَّ اسْمُهُ: {فأحْيَينا بهِ بَلْدَةً مَيْتًا}+++ ولم يَقُلْ مَيْتَةً لأنَّهُ حَمَلهُ على المكانِ. وقالَ جلّ ثناؤُهُ: {السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِه}++++ فَذَكَرَ السَّماءَ وهيَ مُؤَنَّثةٌ لأنَّهُ حَمَلَ الكَلامَ عَلى السَّقْفِ وكلُّ مَا عَلاكَ وأظلَّكَ فهوَ سَماءٌ واللهُ أعلمُ. *الحِنْدِس: هو الظلام الشديد. **المجن: الترس وقيل الوقاية في الحرب مطلقًا. ***الكاعب: المرأة نتأ ثدياها، والمعصر البالغة، يقال: أعصرت الفتاة أدركت. +من الآية "11" من سورة الفرقان. ++من الآية "12" من سورة الفرقان. +++من الآية "11" من سورة ق. ++++من الآية "18" من سورة المزمل. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ السادسُ والعشرونَ
في حِفْظِ التَّوَازُنِ العَرَبُ تَزيدُ وتَحْذِفُ حِفظًا للتَّوَازُنِ وإيثارًا لَهُ، أما الزِّيَادَةُ فكمَا قَالَ تَعَالَى: {وتَظُنُّونَ باللَّهِ الظُّنُونا}*، وكما قال: {فأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}**. وأمَّا الحَذْفُ فَكَما قَالَ جلَّ اسْمُهُ: {واللَّيلِ إذا يَسرِ}*** وقال: {الكبيرُ المُتعَالِ}+، وقال: {يومَ التَّنادِ}++ و{يَومَ التَّلاقِ}+++. وكما قالَ لَبِيدُ: إنَّ تَقْوَى رَبِّنا خَيرُ نَفَلْ وبإذْنِ اللَّهِ رَيْثِي وَعَجَلْ أي وعَجَلِي، وكما قالَ الأعشَى: ومِنْ شَانئٍ كاسِفٍ وَجهُهُ إذَا مَا انْتسَبتُ لهُ أنْكَرَنْ أي أنْكَرَنِي. *من الآية "10" من سورة الأحزاب. **من الآية "67" من سورة الأحزاب. ***من الآية "4" من سورة الفجر. +من الآية "9" من سورة الرعد. ++من الآية "32" من سورة غافر. +++من الآية "15" من سورة غافر. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
لفصلُ السابعُ والعِشرونَ
في مُخَاطَبَةِ اثْنَينِ ثُمَّ النَّصِّ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ العَرَبُ تَقولُ: ما فَعَلْتُما يا فُلَانُ؟ وفي القُرآنِ: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يا مُوسَى}*. وفيه: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى}**، خاطب آدمَ وحوَّاءَ، ثُمَّ نَصَّ في إتْمامِ الخِطَابِ على آدمَ وأَغْفَلَ حَوَّاءَ. *"49" من سورة طه. **"117" من سورة طه. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثامنُ والعشرونَ
في إضَافَةَ الشَّيءِ إلى صِفَتِهِ هيَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ إذْ تَقولُ: صَلَاةُ الأُولَى، ومَسْجِدُ الجَامِعِ، وكتابُ الكَامِلِ، وحمَّاد عَجْرَدٍ، وعَنقَاءُ مُغْرِبٍ ويَومُ الجُمُعَةِ، وفي القُرْآنِ: {والدَّارُ الآخِرَةِ خَيرٌ}*، وكَمَا قالَ عَزَّ ذِكرُهُ في مكانٍ آخر: {قُلْ إنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً}**، وقالَ تَعَالى: {إنَّ هَذا لَهُوَ حَقُّ اليَقينِ}***. فأمَّا إضَافَةُ الشَّيءِ إلى جِنْسِهِ فَكَقَولِهِمْ: خَاتَمُ فِضَّةٍ وثَوبُ حَريرٍ وخُبْزُ شَعِيرٍ. *"109" من سورة يوسف. **"94" من سورة البقرة. ***"96"من سورة الواقعة. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ التّاسعُ والعِشرونَ
في المَدْحِ يُرَادُ بهِ الذَّمُّ فَيَجْرِي مَجْرَى التَّهَكُّمِ والهَزْلِ العَرَبُ تَفعلُ ذلكَ فَتقولُ للرَّجُلِ تَسْتَجْهِلُهُ: يا عَاقلُ، وللمَرْأَةِ تَسْتَقْبِحُهَا: يا قَمَرُ. وفي القُرْآنِ: {ذُقْ إنَّكَ أنْتَ العَزيزُ الكَريمُ}*. وقالَ عَزَّ ذِكْرُهُ: {إنَّكَ لَأَنْتَ الحَلِيمُ الرَّشِيدُ}. *"49" من سورة الدخان. **"87" من سورة هود. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثّلاثونَ
في إِلْغَاءِ خَبَرِ (لَوْ) اكْتِفَاءً بِمَا يَدُلُّ عَلَيهِ الكَلَامُ وثِقَةً بِفَهْمِ المُخَاطَبِ ذلكَ مِنْ سُنَنِ العَرَبِ كقَولِ الشَّاعِرِ: وَجَدِّكَ لَوْ شَيءٌ أتَانَا رَسولُهُ سِواكَ ولَكنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعَا والمَعْنَى: لو أتانا رَسولٌ سِواكَ لَدَفَعْنَاهُ. وفي القُرآنِ حِكَايَةٌ عنْ لُوطٍ قال: {لو أنَّ لي بِكُمْ قُوَّةً أو آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}*. وفي ضِمْنِهِ: لكُنتُ أكُفُّ أذاكُم عَنِّي. ومثلُهُ: {ولو أنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبالُ أو قُطِّعَتْ بِهِ الأرضُ أو كُلِّمَ بِهِ الموتى بَل للهِ الأمْرُ جَميعًا}**. والخَبَرُ عَنْهُ مُضْمَرٌ كأنه قال: لكَانَ هَذا القرآنُ. *"80" من سورة الدخان. **"31" من سورة الرعد. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الواحدُ والثّلاثونَ
فيما يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ وقَدْ نَطَقَ القُرْآنُ باللُّغَتَيْنِ مِنْ ذلكَ السَّبِيل قال اللهُ تَعَالَى: {وإنْ يَرَوا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوه سَبِيلًا}* وقال جلَّ ذكرُهُ: {هَذهِ سَبِيلِي أدْعُو إلى اللّهِ على بَصِيرةٍ}**. ومِنْ ذلكَ الطَّاغُوتُ، قالَ تَعَالَى في تَذْكِيرِهِ: {يُرِيدُونَ أنْ يَتَحَاكَمُوا إلى الطَّاغوتِ وَقَدْ أمِرُوا أن يَكْفُرُوا بِهِ}***. وفي تَأنِيثِهَا: {والّذِين اجْتَنَبوا الطَّاغوتَ أنْ يَعْبُدُوهَا}****. *"146" من سورة الأعراف. **"108" من سورة يوسف. ***"60" من سورة النساء. ****"17" من سورة الزمر. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثّاني والثَّلاثونَ
فِيمَا يَقَعُ عَلَى الوَاحِدِ والجَمْعِ مِنْ ذَلكَ الفُلْكُ، قالَ اللّهُ تَعَالى: {في الفُلْكِ المَشْحُونِ}* فَلَمَّا جمعَهُ قَالَ: {والفُلْكِ الّتي تَجْرِي في البَحرِ}**. ومِنْ ذَلكَ قَولُهُمْ: رَجُل جُنُبٌ ورِجَالٌ جُنُبٌ، وفي القُرْآنِ: {وإنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَرُوا}***. ومن ذلك العَدُوُّ. قَالَ تَعَالَى: {فإنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إلَّا رَبَّ العَالَمِينَ}*** وقَالَ: {وإنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدوٍّ لَكُمْ وهوَ مُؤمِنٌ}****. ومِنْ ذلكَ الضَّيْفُ: قالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ: {هَؤلاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحونِ}*****. *"119" من سورة الشعراء. **"164" من سورة البقرة. ***"6" من سورة المائدة. ****"77" من سورة الشعراء. *****"92" من سورة النساء. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الثالثُ والثّلاثونَ في جَمْعِ الجَمْعِ العَرَبُ تَقُولُ أَعْرَابٌ وأعارِيبٌ، وأَعطِيَةٌ وأعطِياتٌ، وأَسْقِيةٌ وَأسقيَاتٌ، وطُرُقٌ وطُرُقاتٌ، وجِمالٌ وجِمالاتٌ، وأَسْوِرَةٌ وأَساوِرٌ، قال اللهُ عَزَّ وجلَّ {إنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالقَصْرِ كَأنَّهُ جِمالاتٌ صُفْرٌ وَيلٌ يَومئذٍ للمُكَذِّبِينَ} وقالَ عزَّ وجَلَّ {يُحَلَّونَ فِيها مِنْ أسَاوِرَ مِن ذَهّبٍ". وليْسَ كلُّ جَمعٍ يُجْمَعُ كَمَا لا يُجْمَعُ كلُّ مَصْدَرٍ. *"34-32" من سورة المرسلات. **"31" من سورة الكهف. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفَصلُ الرّابعُ والثّلاثونَ في الخِطَابِ الشَّامِلِ للذُّكْرَانِ والإنَاثِ ومَا يُفَرّقُ بَيْنَهُمْ قالَ اللهُ عزّ وجلّ {يا أيُّها الّذينَ آمنُوا اتَّقُوا اللّهَ}* وقالَ: عزَّ وجَلَّ {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ}** فَعَمَّ بِهذا الخِطابِ الرِّجالَ والنِّسَاءَ وغَلَّبَ الرِّجَالَ، وتَغْلِيبُهُمْ من سُنَنِ العَرَبِ. وكانَ ثَعلبُ يَقولُ العَرَبُ تَقولُ: امْرُؤٌ وامْرَآنِ وقَوْمٌ، وامْرَأةٌ وامْرَأتَانِ ونِسْوةٌ، لا يُقالُ للنِّسَاءِ قَومٌ، وإنَّما سُمِّي الرِّجالُ دُونَ النِّساءِ قومًا لأنَّهُمْ يَقومونَ في الأُمُورِ، كما قَالَ عَزَّ ذِكرُهُ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ على النِّساءِ}*** يُقالُ قَائمٌ وقُوَّمٌ كَمَا يُقَالُ زَائرٌ وَزُوَّرٌ، وصَائِمٌ وصُوَّمٌ، ومِمَّا يَدُلُّ عَلى أنَّ القَومَ رِجالٌ دُونَ النِّساءِ قَولُ اللّهِ تَعالَى {يا أيُّها الّذينَ آمَنُوا لا يَسْخَرُ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أن يَكُونُوا خَيرًا مِنْهُم ولا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أن يَكُنَّ خَيرًا مِنْهُنَّ}****. وقَوْلُ زُهيرٍ: وما أَدْرِي وسَوفَ إخَالُ أدْرِي أقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أم نِسَاءُ *"102" من سو رة آل عمران. **"78" من سور الحج. ***"34" من سورة النساء. ****"11" من سورة الحجرات. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ الخامسُ والثّلاثونَ
في الإخْبَارِ عَنِ الجَمَاعَتينِ بِلفْظِ الإثْنَينِ العَرَبُ تَفْعَلُهُ، كما قالَ الأسْودُ بْنُ يَعْفُرَ: إنَّ المَنَايَا والحُتوفَ كِليهِما في كلِّ يَومٍ تَرْقُبانِ سَوادِي وقالَ آخرُ: أَلَمْ يُحْزِنكِ أنَّ حِبالَ قَيْسٍ وتَغْلِبَ قَدْ تَبَايَنَتا انْقِطَاعَا وقد جاءَ مْثلُهُ في القُرْآنِ، قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: "أَوَلَم يَرَ الّذينَ كَفَرُوا أنَّ السَّموات والأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا* فَفَتَقْنَاهُمَا}** *رتقا: منطبقتين، فتقناهما: فصلنا إحداهما عن الأخرى والذي عليه أكثر المفسرين"كانتا رتقًا أي شيئا واحدًا ملتئمًا، ففتقناهما أي: فتقنا السماء بالمطر والأرض بالنبات". **"30" من سورة الأنبياء. |
رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
الفصلُ السّادسُ والثّلاثونَ
في نَفْي الشَّيْءِ جُمْلَةً مِنْ أَجلِ عَدَمِ كَمالِ صِفَتِهِ العَرَبُ تَفعَلُ ذَلكَ، كمَا قَالَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ في صِفَةِ أهلِ النَّار {ثُمَّ لَا يَموتُ فِيهَا ولَا يَحْيَا}*. فَنَفَى عَنْهُ المَوتَ لأنَّهُ لَيسِ بِموتٍ صَرِيحٍ، ونَفَى عنْهُ الحَياةَ لأنَّها لَيْستْ بِحَياةٍ طَيِّبَةٍ ولا نَافِعَةٍ، وَهَذا كثيرٌ في كَلامِ العَرَبِ، قالَ أبُو النَّجْمِ: يَلْقَيْنَ بالجِنَاءِ والأجارِعِ * كلَّ جَهيضٍ ليِّنِ الأكارِعِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ ولا بِضائِعِ يَعْني أنَّهُ لَيسَ بِمحفوظٍ لأنَّه أُلقِيَ في صَحْرَاءَ ولا بِضَائعٍ لأنَّهُ مَوجُودٌ في ذَلكَ المَكَانِ. ومِنْ ذَلكَ قولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ {وتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى} أي ماهم بسكارى مِنْ شُرْبٍ ولكنْ سُكَارَى مِنْ فَزَعٍ وَوَلَهٍ. *"74" من سورة طه. **في الطبعة المصرية "يُلْقَيْنَ بالخِبارِ والأجارِعِ....." وسياق التفسير يناسب أن يكون ضبط الكلمة "يُلْقِيْنَ" فتدبر ذلك. ***"2" من سورة الحج. |
الساعة الآن 08:46 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.