الحب في المنفى
by بهاء طاهر, Bahaa Taher ـ «رواية كاملة الأوصاف» ـ د. علي الراعي - الأهرام «نموذج جديد للرواية الواقعية» ـ د. شكري عياد - الهلال «رواية نسجها مؤلفها باقتدار كبير» ـ د. جابر عصفور - الحياة «كأنى بهذا المبدع الكبير يريد أن يحفر في وجدان قارئه ما حدث.. حتى لاينساه أبدا» ـ فاروق عبد القادر - روزاليوسف «بهاء طاهر كاتب واضح مسيطر على مادته وأدواته. جديد في رؤيته ومتفرد في نوع أدائه. ...more</SPAN>ـ «رواية كاملة الأوصاف» ـ د. علي الراعي - الأهرام «نموذج جديد للرواية الواقعية» ـ د. شكري عياد - الهلال «رواية نسجها مؤلفها باقتدار كبير» ـ د. جابر عصفور - الحياة «كأنى بهذا المبدع الكبير يريد أن يحفر في وجدان قارئه ما حدث.. حتى لاينساه أبدا» ـ فاروق عبد القادر - روزاليوسف «بهاء طاهر كاتب واضح مسيطر على مادته وأدواته. جديد في رؤيته ومتفرد في نوع أدائه. الصدق هو النبرة الأولى التي تصافحك في سطوره، والتوازن الموضوعي هو العلامة الواضحة التي يقيم عليها بناء نصوصه» -علاء الديب - صباح الخير |
الحب في المنفى بهاء طاهر علاقة المثقف بالسلطة، وآثار التحولات الاجتماعية تكاد أن تكون القيمتين الغالبتين على أدب بهاء طاهر، واذا أضفناهما ثالثا يشغل بهاء طاهر وهو علاقة الشرق والغرب أو الذات والآخر لخرجنا بمعادلة تختزل المشروع الإبداعي لبهاء طاهر وهي قضية النهضة والتقدم، ولعل كتابه التاريخي "أبناء رفاعة " حول بعض شخصيات النهضة في التاريخ المصري الحديث يؤكد هذا التحليل، حيث حاول رصد تطور مسيرة النهضة في الوعي المصري الحديث. في روايته المبشرة "قالت ضحى" (1985) يناقش بهاء طاهر ظاهرة سلبية المثقفين وانقطاعهم عن التواصل مع حركة الشارع، وعملية الهدم والتغيير التي تمت في مجتمع الستينات في مصر الناصرية، وتصور الرواية عجز المثقفين، وانحرافهم عن التزامهم السياسي، وفي "قالت ضحى" نشهد التوتر بين الحلم بالعدل الاجتماعي وبين سطوة الحب، أو الصراع بين الحب والعدل معا، من خلال بحث مصر عن نفسها وانبعاثها. (منقول) |
السخرية ونقد الذات في رواية الحب في المنفي لبهاء طاهر
١١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧بقلم بوشعيب الساوري في روايته الحب في المنفي(1) يشتغل بهاء طاهر علي نقد الذات الفردية والجماعية برصد خيباتها وفشل مشاريعها وأحلامها علي أرض الواقع، وخيبات الشخصيات وخيبات الإنجاز العربي ساعيا إلي إزالة الأقنعة عما يظهر في السطح، وإظهار الواقع والذات العربية علي ما هي عليه عبر أسلوبي السخرية والاعتراف. 1 ـ الشخصيات وخيباتها تشترك شخصيات حب في المنفي في مجموعة من السمات:أ ـ إنها شخصيات مكتملة، تقدمها الرواية في لحظة اكتمالها، فيعمل السارد وتعمل معه الشخصيات علي إضاءة ذلك الاكتمال عبر مجموعة من الاسترجاعات، التي تؤكد أن وراء كل شخصية حكاية دعتها إلي المنفي. ب ـ كل الشخصيات الرئيسية في الرواية تعيش المنفي الاضطراري، انطلاقا من السارد ومرورا ببريجيت وإبراهيم ووصولا إلي يوسف، كانت تعاني في بلدها من مشكلة إما مرتبطة بتمسكها بمبادئ تتعارض مع واقعها أو أنها تحمل أفكارا معادية للنظام، كيوسف الذي هاجر نتيجة اشتراكه في مظاهرة ضد السادات (ص 76) فاضطر للفرار والسارد الذي ظل وفيا لعبد الناصر فتم إبعاده من الجريدة كمراسل لها بسويسرا. تفضل الشخصيات البقاء في المنفي علي العودة إلي بلدها. أفضل البقاء هنا علي العودة إلي البلد (ص 53). ج ـ جل الشخصيات لم تختر مصائرها، ولم تختر الوضع الجديد بالمنفي. تقول بريجيت النمساوية التي تعمل كمرشدة سياحية بجنيف: لم أختره ولكنه كان العمل الممكن لي كأجنبية في هذا البلد . ص 48). فمصائرها ليست بأيديها وتعرف أن ما تقوم به خارج عن إرادتها، وأنها مجبرة علي فعله: يقول السارد متسائلا عن وضعه: وكنت أسأل نفسي في دهشة هل ما زلت بالفعل صحافيا له حاسة الصحافي؟ بعد كل السنين التي مارست فيها البطالة في هذه المدينة الأوروبية أنقل الأخبار الرديئة لصحيفة رديئة؟ (ص 167). د ـ إن منفي الشخصيات مرحلة انتقالية لكنها طالت. هـ ـ يعمل السارد علي تسليط الضوء علي الشخصيات في لحظة فشلها وانهزام أحلامها علي أرض الواقع، فتؤمن بأنها كانت تحلم بأفكار لا تلائم الواقع، فتعيش خللا وجوديا، ما بين الواقع والحلم، ودائما ينتصر الواقع، لتفشل مشاريعها وأحلامها فالسارد كان يحلم بانتصار الثورة واستمرار الفكر الناصري، وإبراهيم كان يحلم بانتصار الفكر الماركسي، ويوسف الذي كان يحلم بأن يصبح صحافيا كبيرا لكنه انتهي إلي مشتغل في مقهي بالمنفي. كل أحلام الشخصيات، إذن تحطمت علي أرض الواقع، حتي بالمنفي عند ما حاول السارد ومعه يوسف إنشاء جريدة، فاكتشف السارد أن صاحب الفكرة وممولها الأمير حامد يقوم بأعمال مشبوهة، فهناك فشل في أرض الوطن وخارج الوطن كبريجيت التي فشلت في زواجها من إفريقي بوطنها النمسا، وفشلت في الحصول علي عمل بالمنفي، مما جعل الرواية تركز كثيرا علي خيبات الشخصيات، وتحاول تقديمها في أوضاع الهزيمة والخيبة، مما يجعلها تؤمن بفشلها، وتغير قناعاتها وتتخلي عن بعض مبادئها، لتدخل إلي مسارات لا ترضي بها، مثل السارد الذي أصبح يتقاضي أجرا بدون عمل. هذا الوضع دفع الشخصيات إلي السخرية من ذاتها ومن واقعها المتردي. 2 ـ السخرية ونقد الذات انعكس خطاب الفشل والخيبة علي أسلوب الرواية، فجعلها تندرج في سياق خطاب نقد الذات وتحريضها، بالتركيز علي خيباتها وزوال أوهامها، وهو خطاب ميز الرواية العربية، خصوصا بعد هزيمة 67 التي عرت خطاب الأحلام وأعلنت بداية خطاب الأزمة. والسخرية كأداة بلاغية، تندرج في هذا النقد الجاد، يلجأ إليها بهاء طاهر لتقديم رؤياه للعالم العربي وأوضاعه في فترة من فتراته الحرجة (اجتياح إسرائيل للبنان) ونهاية حكم عبد الناصر وبداية حكم أنور السادات بمصر، أمام هذه التحولات المتسارعة التي عرفها الوضع العربي لم يكن أمام السارد والشخصيات من وسيلة إلا السخرية من ذواتهم ومن الواقع الذي انتهي إلي غير ما كانوا يريدون. بذلك كانت السخرية أداة بلاغية مؤسسة لرواية حب في المنفي. تتأسس السخرية في رواية حب في المنفي علي ثلاث ركائز: ـ الأولي: السخرية من الذات ويقوم بها السارد، الثانية السخرية من الأنا العربية والواقع العربي، والثالثة سخرية الشخصيات من بعضها البعض. أ ـ السخرية من الذات: انعكست التحولات الكبري التي عرفها الواقع الخاص والعام للسارد، وفشل الأحلام والشعارات وانكسارها علي أرض الواقع، علي السارد فأدخلته في قلق وجودي وتوتر دفعاه إلي السخرية من ذاته ومن قيمه ومبادئه الخاصة من الذات، وتتأسس علي عنصرين وهما: ـ عدم رضي السارد علي وضعه الجديد يدفعه إلي السخرية من ذاته والنقمة عليها. يقول عن وضعه كمراسل صحافي بالمنفي: قيدني العمل؟ أي كذب! لم أكن أعمل شيئا في الحقيقة، كنت مراسلا لصحيفة في القاهرة لا يهمها أن أراسلها، ربما يهمها بالذات ألا أراسلها . (ص 5). يقول في سياق آخر: اكتشفت أنني أكذب (ص 56). ـ إحساس السارد وإيمانه بالعجز والفشل يدفعانه إلي السخرية من ذاته. يقول: ما أهمية ذلك التنقيب الذي انغمست فيه؟ أي كسب حققته حين عرفت من هو؟ لن تنقد أنت لبنان من دافيديان ولن تحارب إسرائيل باكتشافك (ص 175) وقد تصل السخرية أحيانا إلي حد تجريح الذات وجلدها. من أكون؟ ها أنا ذا أعرف أخيرا من أكون... لست مهما علي الإطلاق! لم أكن مهما في أي وقت ! (ص 150). ب ـ السخرية من الوضع العربي: تدخل السخرية من الوضع العربي في إطار نقد الذات العربية عموما بمبادئها وقيمها ومنجزاتها وخيباتها، وتنتج السخرية عبر نقطة التوتر بين ما كان يطمح إليه العرب وبين ما آلوا إليه من خيبات وفشل علي العديد من المجالات (عسكريا، سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا وثقافيا)، مما يدفع السارد إلي النقد. يقول عن وضع الصحافة: أما صحيفتنا بالذات كما تعلم فإن أهم أخبار العالم فيها لم تعد تتجاوز خمسة أسطر. نحن تطورنا . (ص 22). فالذات كانت تحكم بواقع أفضل لكنها تجد الواقع الفعلي قد أفضي إلي الأسوأ، فتحدث المفارقة، وتنقم الذات علي واقعها وعلي حاضرها الذي لم تعد تطيقه، فتعمل علي تشخيصه عبر حاسة النقد، لترصد انهزام الشعارات الكبري التي كان يحملها العرب وانكسارها علي أرض الواقع، يقول السارد علي لسان إبراهيم: كلنا توقف نمونا (ص 25). تعمل السخرية هنا علي تجاوز ما يظهر في السطح إلي عمق الأشياء وتزيل الأقنعة وتعري الواقع، وتجعله يظهر علي الصورة الحقيقية التي هو عليها، منذ أن انجلت الأوهام وفشلت المشاريع الكبري سواء علي مستوي الوحدة العربية وعلي مستوي الفكر الاشتراكي. يقول السارد: وأنا أقول [...] إذا سألتني أين هم العرب سوف أسألك أنا وأين هم عمال العالم الذين اتحدوا؟ (ص 39) لتعبر الرواية عن وعي جديد هو الخروج من زمن الأحلام إلي الاصطدام بخيبة الواقع والوضع العربي. ويمكن أن نقف عند نماذج من السخرية تطال جوانب محددة مثل: ـ السخرية من عادات المهنة بالمقارنة مع ما هي عليه في المنفي: عرفت أن الصحافيين هنا، مثل غيرهم، لا يرحبون بالعلاقات الاجتماعية التي لا تفيد . (ص 70) وفي ذلك إشارة إلي جدية العلاقات في الغرب مقارنة مع العلاقات الاجتماعية في العالم العربي والتي لا تفيد. ـ السخرية من التلفزيون: التلفزيون عندنا جهاز للتخلف العقلي . (ص 82). ـ السخرية من الوضع الثقافي: ونراها في شخص إبراهيم الذي لا يعرف من هو الشاعر خليل حاوي. نقتل شعراءنا بالصمت ونقتلهم بالنسيان، وأردت أن أسأل إبراهيم إن صح أن الشعراء هم ضمير الأمة، فما مصير الأمة التي تنسي شعراءها؟ (ص 33).وينتهي إلي مجموعة من التساؤلات: هل يمكن أن تقول لي أنت ما الذي جري؟ أقصد لماذا لم نعد نعرف أبدا أية فرحة حقيقية ولا حتي أية سكينة حقيقية؟ هل تعرف كيف صدر الأمر بحرماننا من السعادة؟ (ص 100). ج ـ سخرية الشخصيات من بعضها البعض: تتأسس انطلاقا من اشتغال الشخصيات علي التقاط المفارقات في كلام وأفعال وأفكار بعضها البعض، الأمر الذي يفضي إلي خلق موقف باعث علي السخرية، في إطار حوار سقراطي يتأسس علي صراع الأوعاء. مثلا عند ما يسأل إبراهيم بريجيت أثناء الحديث عن غينيا الاستوائية: وهل يتكلمون الاسبانية؟ (ص 49) كان سؤاله هذا باعثا علي السخرية فردت عليه بريجيت ساخرة: أنت صحافي، ومن إفريقيا أيضا، ولا تعرف إن كانوا يتكلمون الاسبانية أم لا؟ (ص 49). كما أن صراع الأوعاء، خصوصا بين السارد وإبراهيم، يدفعهما إلي السخرية من بعضها البعض، مثلا: سخرية السارد من إبراهيم المتمسك بالأفكار الشيوعية الذي يقول للسارد: هل تريد أن تعرف الجواب؟ لأنه طال الزمن أو قصر فهم البديل لأزمة أوروبا ولمشكلة العالم هم المستقبل وهم حتمية التاريخ . (ص 99) فيجيبه السارد ساخرا ولكن يا إبراهيم ولا أعتي الشيوعيين يقول ذلك الآن! ولا حتي الكرملين نفسه يحلم بأن يحدث هذا في الغرب. ما الذي جري لعقلك؟ (ص 99). كما تعمل الشخصيات علي إزالة الأقنعة عن بعضها البعض وتأكيد أن ما تقوم به من أفعال ليس مجانيا، مثلا بريجيت تجاه الأعمال الإنسانية التي يقوم بها الطبيب مولر تقول بريجيت: مما في ذلك دموعك أنت أيها المنافق! أنت ولجنة أطبائك الدولية . وكذلك السارد مع الأمير حامد صاحب مشروع جريدة بالمنفي الذي أراد أن يختبئ وراءها ويغطي أفعاله الدنيئة يقول السارد: هو باختصار يريدنا خاتمين في أصبعه لكي يفعل شيئا لا نعرفه . (ص 173). بذلك يظهر زيف ما يبدو علي السطح من أعمال جمعوية أو ثقافية ويتأكد أن كل عمل مجاني أو جمعوي وراءه أهداف ونوايا غير التي تظهر في السطح. إن السخرية أداة بلاغية تكشف الوجه الحقيقي للواقع وتكون خارجية (من قبل شخص آخر) عكس الاعتراف الذي يكون ذاتيا وتلقائيا وإراديا (داخلي) والذي بدوره يسير في تعرية الذات ونقدها. 3 ـ السرد أو الاعترافات تراوحت طريقة السرد في رواية حب في المنفي بين سرد إطار يقوم به السارد، واسترجاعات يقوم بها السارد والشخصيات، تلك الاسترجاعات التي تظهر في بعض الأحيان علي شكل اعترافات، وهناك شهادات للشخصيات الأخري، الشخصيات الثانوية أو العابرة في الرواية. فالملمح العام الموجه للسرد هو الاعتراف بالفشل والنقمة علي الذات والعالم. أ ـ السرد الإطار يقوم به السارد (بطل الرواية هو الإطار العام للرواية والموجه لها والمحدد لمساراتها، وهو الخيط الناظم للأشكال السردية الأخري، إذ يركز علي الذات في حالة فشلها وإحباطها. ب ـ الاسترجاعات: يتعلق الأمر بطريقة سردية تقوم بها جل الشخصيات الرئيسية في الرواية، بما في ذلك السارد، ويؤدي دورا أساسيا وهو إضاءة الوضع الحالي للشخصيات، وضع الفشل والإحباط والتأكيد علي أن وراء ما آلت إليه حكاية حدث ما. مثلا لإضاءة علاقة السارد بإبراهيم يقول السارد مسترجعا: كنت سعيدا بالفعل لرؤيته رغم أننا لم نكن صديقين حميمين في أي وقت، حتي عندما تزاملنا أول مرة كمحررين في صفحة الأخبار الخارجية أيام الشباب. كان هو ماركسيا متحمسا، يقول إنني مثالي وحالم، وكان رأيي فيه أنه متحجر وبعيد عن روح الناس . (من 22/23). في الغالب تكون هذه الاسترجاعات بدافع من الشخصيات أثناء تحاورها، ويكون السؤال هو الدافع للاسترجاع، مثلا أثناء حديث السارد مع إبراهيم، بعد لقائهما في المنفي، كانت أسئلة إبراهيم دافعا لاسترجاع السارد: قال بلهجة استنكار، تعني أنك لا تعرف السبب في طلاقك من منار؟ هززت رأسي نفيا وأنا أقول: كانت هناك مشاحنات كثيرة، تحدث بين كل زوجين كما تعرف، ولكنها لم تكن هي السبب الحقيقي (ص 27). نميز بين دورين للاسترجاعات إما تكون بدافع من السارد لإضاءة وضع ما أو علاقة ما، وإما بدافع من الشخصيات التي تحاول أن تفهم شيئا ما في حياة الشخصيات الأخري. ج ـ البوح: هناك حضور قوي للبوح في الرواية، إذ تبوح الشخصيات لبعضها البعض بشكل واع، وبشكل تلقائي، لوجود أشياء تتقاسمها، ووجود حقل نفسي مشترك هو الذي يدفعها إلي البوح. والبوح هنا بمثابة تداعيات حرة بلغة التحليل النفسي، لكنها تداعيات إرادية، تبوح الشخصيات بالمسكوت عنه وتبوح بكل شيء، تبوح بخيباتها وفشلها وإحباطها وعجزها. يقول السارد: وفي اعترافاتنا اليومية لم يعد هناك شيء يخفيه أحدنا عن الآخر . (ص 120)، وكأن الشخصيات أمام محلل نفسي، فهناك بوح متبادل بينها فالسارد يبوح لبريجيت وهذه الأخيرة تبوح للسارد، وإبراهيم يبوح للسارد وهذا الأخير يبوح لإبراهيم، إذ تبوح بما لا يقال عادة وما يخفي. تقول بريجيت في حديثها للسارد عن مولر: بيننا أشياء كثيرة... أول شيء أنه كان عشيق أمي . (ص 60). كان هذا النوع بمثابة علاج للشخصيات ووسيلة للتخفيف من حدة التجارب والأحداث وهذه الطريقة من صميم حياتنا العربية، فنحن عادة ما نعالج عبر الحكي للآخرين وفي الرواية البوح علاج للشخصيات يزيل عنها عبئاً ثقيلاً. ففي البوح راحة للشخصيات وتخلص من أعباء نفسية وكذلك في البوح تقليل من قيمة الشخصيات وأهميتها في أعين الآخرين، وفي ذلك جلد وتجريح للشخصية. د ـ الشهادات: تنفتح الرواية علي شهادات حقيقية لشخصيات حقيقية عن أحداث عرفها التاريخ المعاصر كشهادة بيدرو إيبانيزا الشيلي عن بعض الجرائم الحقيقية التي كانت ترتكب في الشيلي إبان الحكم الديكتاتوري، وهو أحد ضحاياها، وشهادة الممرضة النرويجية عما عاينته من مجازر في صبرا وشاتيلا. إن في هذه الشهادات صيحة تفضح الجرائم التي تمت في حق الإنسان. هـ ـ محكي اجتياح إسرائيل للبنان وذلك عبر ما تناقلته وكالة الأنباء وتراوح بين إظهار الحقيقة وإخفائها، وكذلك صور التلفزيون عن مجازر صبرا وشاتيلا. يمكن الحديث عن تنوع سردي كما وكيفا، بين الشهادات والسرد الإطار والاسترجاعات والبوح كل ذلك من أجل إعطاء صورة للذات والواقع قوامها الفشل والخيبة والعجز. هكذا تفاعل بها طاهر مع التحولات التي آل إليها العالم العربي من تصدع وخيبات وأزمات متواصلة ونهاية المشاريع الكبري، محاولا تشخيص هذا التصدع انطلاقا من السخرية من الذات ومن الواقع وتعريتها بأسلوب سردي قوامه البوح والاعتراف بالعجز والفشل والإحباط. وبذلك التأمت آليات الكتابة مع الثيمة الأساسية في الرواية. ملاحظة الهوامش 1- بهاء طاهر، الحب في المنفي، دار الهلال، ط. II، 1996. المصدر الانترنت |
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
بهاء طاهر حياته(ولد في القاهرة, مصر سنة 1935) مترجم و مخرج مسرحي و مؤلف روايات مصريّ نال الجائزة العالمية للرواية العربية عام 2008 عن روايته واحة الغروب. - ولد بهاء طاهر في محافظة الجيزة في 13 يناير سنة 1935. أعماله- حصل على ليسانس الآداب في التاريخ عام 1956 من جامعة القاهرة ودبلوم الدراسات العليا في الإعلام ـ شعبة إذاعة وتلفزيون سنة 1973. - عمل مترجمًا في الهيئة العامة للاستعلامات بين عامي 1956 و1957، وعمل مخرجًا للدراما و ومذيعًا في إذاعة البرنامج الثاني الذي كان من مؤسسيه حتى عام 1975 حيث منع من الكتابة. - بعد منعه من الكتابة ترك مصر وسافر في أفريقيا وآسيا حيث عمل مترجما. - و عاش في جنيف بين عامي 1981 و 1995 حيث عمل مترجما في الأمم المتحدة عاد بعدها إلى مصر حيث يعيش الآن (2010).
ورد بهاء طاهر جائزة مبارك للآداب التي حصل عليها عام 2009 في العام 2011 أثناء الاحتجاجات التي شهدتها مصر، وقال أنه لا يستطيع أن يحملها وقد أراق نظام مبارك دماء المصريين الشرفاء. |
عالم بهاء طاهر
١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٥بقلم محمد عبيد الله * *بهاء طاهر، الاسم المضيء لمبدع عربي مصري، اسم يجمع البهاء بالطهر، ليختزل كثيراً من صفات صاحبه، وعلامات تجربته؛ إنه الاسم الأدبي لمحمد بهاء الدين عبد الله طاهر، المولود في الجيزة قرب القاهرة في بدايات عام 1935، لأبوين يتحدران من الكرنك – الأقصر في صعيد مصر. درس في الجيزة وأتم دراسته الجامعية في جامعة القاهرة وتخرج فيها عام 1956 (ليسانس تاريخ)، ولاحقاً أكمل دراساته العليا في مجال التاريخ الحديث (1965)، وفي مجال وسائل الإعلام (1973). قدم بهاء طاهر مع مجايليه من أبناء جيل الستينات إسهامات أساسية في القصة القصيرة والرواية، كان لها دور جليّ في تطوير السرد العربي الحديث، وفي محاوراته الثرية مع الحياة العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، إنه واحد ممن أكّدوا حضور السرد ومركزيته، رغم أن القطاع الثقافي كلّه، قد تعرض لمحاولات متواصلة من الإقصاء والتهميش في الحقبة العربية المعاصرة. ولكن الانتماء إلى جيل لا يكفي لفهم التجربة الفريدة لهذا المبدع، الذي يصحّ أن نصفه بالتعبير العربي القديم، فنقول إن بهاء طاهر "نسيج وحده" بمعنى تحقيق الذات ومنحها سمات فارقة رغم السياقات الجماعية التي يتشكّل فيها المبدعون. إنه ابن زمانه ومكانه، ابن المؤثرات الكبرى التي شكّلت جيله، لكنه فتش عن سبل الاختلاف والمغايرة ليؤسس معالم خصوصيته وهويته الإبداعية، ويطوّر رؤيته استناداً إلى مشروعية الإبداع الفردي الذي قد يصبّ في السياق العام، لكنه يظل رافداً له لونه الخاص ومذاقه المختلف. تعلّم بهاء طاهر على نفسه الإنجليزية حتى أتقنها، فغدا مترجماً معروفاً منذ زمن مبكّر من حياته، ثم سهّلت له هذه المعرفة أن يطوف في العالم ويستقر في جنيف موظفاً في مكتب الأمم المتحدّة مدة أربعة عشر عاماً. وهذه التجربة في السفر والتنقل والعيش في دولة أوروبية، ليست مجرد تجربة عمل، بل هي إحدى التجارب التي تسللت إلى كتابات بهاء طاهر، وأضيفت إلى خبرته المصرية العربية. ولعلّ من يقرأ أعماله يلاحظ ذلك التنوع في بيئات القصص وأجوائها من البيئات المحلية في الصعيد والريف المصري إلى بيئة القاهرة بطبقاتها وأجوائها الغنية، ثم هناك ما يمكن تسميته بالبيئة العالمية والإنسانية، تلك التي جمع فيها شخصيات من ثقافات وبلدان مختلفة ووطّنهم في دولة جديدة، هي الرواية أو القصة القصيرة، هذا واضح مثلاً في قصته (بالأمس حلمت بك) وقصته (أنا الملك جئت) وروايته الفريدة (الحب في المنفى). من المصادر الأساسية التي تأثرت بها ترجمته الإبداعية خبرته الدرامية والإذاعية، وهو الذي انخرط في العمل الإذاعي منذ عام 1957، وأسهم في تأسيس ما يعرف بالبرنامج الثاني في الإذاعة المصرية (البرنامج الثقافي) وعمل معداً ومذيعاً ومخرجاً وتولى منذ عام 1968 موقع نائب مدير البرنامج الثاني، وأسهم أثناء عمله بتقديم الأعمال الروائية والقصصية في شكل الدراما الإذاعية، وأتقن فنون كتابة السيناريو، وعلّم ضمن التجربة نفسها مادة (الدراما) في قسم السيناريو بمعهد السينما. هذه الخبرات لم تذهب عبثا، ومن يدقق في قصصه ورواياته سيلاحظ أنه من أكثر الكتاب تميزاً في تقنية "الحوار"، حتى يغدو عنده عنصراً أساسياً لا تستغني القصة عنه. حوارات أشبه بالسيناريو حتى وهي موجزة، تنبض بالحياة وتسمح للشخصية بتقديم نفسها، وتمنح القارئ متعة خاصة في الاقتراب من أنفاس الشخصية ومن تدرج منطقها. يعبر بهاء طاهر عامه السبعين، يواصل إبداعه المتجدد، ودون أن يتخلى عن إيمانه القاطع بدور الثقافة، وحاجة المجتمع إليها؛ الثقافة عنده بصورها وفعالياتها المختلفة، أداة كبرى للتغيير والتنوير، سمّها ما شئت: رسالة أو قضية أو التزاماً، لكّنها ليست مجانية ولا عبثية. يلاحظ بهاء ما حلّ بالثقافة والمثقفين من كوارث وأزمات، وهو نفسه عايش منتصف السبعينات تجربة إقصائية، كانت جزءاً من إقصاء السلطة للمثقف، لكّنه رغم كل شيء يشدد في إبداعاته وكتاباته على دور الثقافة في فهم المجتمع وفي تحليله وفي صيانته، لأن الثقافة مرادفة للحرية وللوعي وللعطاء النبيل. ولا يمكن للثقافة أن تنهض ببعض ذلك دون أن يكون المثقف نفسه مستقلاً صلباً بعيداً عن الأشكال المعروفة من شراء الذمم وفسادها. بهاء من أولئك الصادقين الأحرار الذين اختاروا الثقافة أفقاً للحرية وسبيلاً رحباً نحو الكبرياء، ولعل كتاب بهاء طاهر المسمّى (أبناء رفاعة: الثقافة والحرية) من أبلغ الكتب العربية في التدليل على مكانة الثقافة والدفاع عن دورها وعن استقلالها وحريتها. بهاء طاهر، مبدع ومثقف تنويري، بأوضح معاني التنوير، قاص وروائي مجدّد، مسرحي ومترجم، إذاعي عريق، كاتب مجيد في مقالاته ودراساته، ناقد مسرحي، وخبير بشوؤن السيناريو والدراما، يعرف الصعيد الذي يسكن روحه، ويعرف القاهرة ويعيشها، مثلما يمتلك خبرة في مدن العالم، وفي ناسه، يعرف درس التاريخ ويراه مستمراً فينا، بمحتواه الأسطوري القديم أو بوقائعه التي يمكن تجريدها في صورة تجارب وأفكار إنسانية متكررة. إنها خبرات في الحياة والكتب، ومن جماعها تكونت هذه التجربة المتفردة في حركة الأدب العربي الحديث. في سياق الإبداع السردي يسلك اسم بهاء طاهر في جيل الستينات، الجيل الذي رسخ الكتابة ونقلها إلى أحوال جديدة رؤية وتشكيلاً. ولبهاء طاهر صوته الخاص وتجربته المميزة بعيداً عن الفكرة الجماعية في مبدأ التجييل. يمكنك أن تحدس بمبلغ عنايته بكل ما يكتبه، بحيث تجمع كتابته بين الأناقة التعبيرية والغنى الرؤيوي، ورغم وضوح حسمه لوظيفة الكتابة، فإنه أبدا لم يقع في فخاخ الأيدلوجيا أو لغة الشعارات، الكتابة عنده تجربة مغايرة لكل ذلك، لها اشتراطاتها الصعبة جمالياً ورؤيوياً، وربما لهذا السبب لم يكن يستعجل النشر، بل إن مجموعته الأولى تأخرت في الصّدور حتى عام (1972)، كما أن ما نشره ليس إلا نسبة محدودة مما كتب، إنه من أولئك المبدعين الذين يقدّسون الكلمة، ويتعاملون مع الكتابة بحرص واحترام وإجلال.. ولعل القيمة العالية لإنتاجه المنشور خير شاهد على جرأة الحذف والاصطفاء والاختيار، بحيث لا يمرّر كلمة ولا جملة ولا قصة تمريراً عبثياً أو يوردها أو ينشرها دون قناعة كاملة بأنها في مكانها الملائم وأنها تنهض بالوظيفة الإبداعية المأمولة. إنتاجه أقل عدداً وكماً من مجايليه ومن الأجيال اللاحقة، لكن الإبداع يعترف بالنوع لا بالكّم، وكاتب صعب مع نفسه على طريقة بهاء طاهر، ينحاز حتماً للنوع وللتميز، وليس لعدد الأعمال أو كثرة الظهور في الصحافة ووسائل الإعلام. كل من كتبوا عنه شهدوا بنزاهته، وبتواريه عن الشهرة التي تلاحقه، لا يميل إلى الظهور في الصحافة ووسائل الإعلام. لكن أعماله تفرض نفسها بتميزها وخصوصيتها وسحرها الخاص. ينشغل بهاء طاهر بجوهر الكتابة وليس بما يحيط بها من سلوكيات ومظاهر، ولذلك يمكن القول أن اسم بهاء طاهر من أسماء عصامية قليلة مردّ شهرتها إلى الإبداع ولا شيء غيره، ورغم غيابه عن مصر والعالم العربي منذ منتصف السبعينات وحتى منتصف التسعينات فقد عرفه القراء العرب وقدّروا تجربته، فاجتاز الامتحان الصعب مما يدلّ بعمق على تميز هذه التجربة وفرادتها الخاصة، وصمودها الذاتي دون دوافع أو عوامل مساندة مما يشيع في حياتنا الثقافية العربية. وحتى اليوم لبهاء طاهر أربع مجموعات قصصية، وخمس روايات، وبعض الكتب في النقد والدراسات. أما أعماله القصصية فهي الأعمال التالية بحسب طبعاتها الأولى: 1- الخطوبة وقصص أخرى، 1972: وفيها ثماني قصص قصيرة هي: الخطوبة، الأب، الصوت والصمت، الكلمة، نهاية الحفل، بجوار أسماك ملونة، المظاهرة، المطر فجأة، كومبارس من زماننا. 2- بالأمس حلمت بك، 1984: وفيها خمس قصص هي: بالأمس حلمت بك، سندس، النافذة، فنجان قهوة. نصيحة من شاب عاقل. 3- أنا الملك جئت، 1985: وفيها أربع قصص هي: أنا الملك جئت، محاكمة الكاهن كاي نن، محاورة الجبل، في حديقة غير عادية. 4- ذهبت إلى شلال، 1998: وفيها سبع قصص هي: أسطورة حب، فرحة، الملاك الذي جاء، من حكايات عرمان الكبير، شتاء الخوف، ولكن، أطلال البحر. أي أن مجموع القصص القصيرة التي نشرها أربع وعشرون قصة قصيرة في أربع مجموعات. ومن المناسب الإشارة إلى أن بعض ما ظهر تحت مسمى (القصة القصيرة) عند بهاء، أقرب لشكل الرواية القصيرة (النوفيلا) وخصوصاً قصص: بالأمس حلمت بك، أنا الملك جئت، محاورة الجبل.. وهذا الشكل الفني يحتاج دراسة خاصة يمكن أن تعتمد على أعمال بهاء طاهر، بما يسهم في بلورة شكل (النوفيلا) في الأدب العربي، واكتشاف خصوصيتها ومنقطها السردي الذي لا يقف عند حدّ الاختلاف في الحجم أو في عدد الصفحات، بل يتعداه إلى اختلافات جوهرية في الخطاب السردي وفي المبنى الحكائي بما يجعل منه نوعاً متميزاً عن القصة القصيرة والرواية وغيرهما من أنواع سردية. في مجال الإبداع الروائي، ظهر لبهاء طاهر خمس روايات هي: 1- شرق النخيل، 1985. 2- قالت ضحى، 1985. 3- خالتي صفية والدير، 1991. 4- الحب في المنفى، 1995. 5- نقطة النور، 2001. ومن ترجماته الأدبية، ترجمته لعمل يوجين أونيل المعنون بـ (فاصل غريب) الذي ظهر عام 1970 وترجمته رواية (ساحر الصحراء) لباولو كويلهو (1996). ومن دراساته: في مديح الرواية، أبناء رفاعة: الثقافة والحرية، 10 مسرحيات مصرية: عرض ونقد، البرامج الثقافية في الإذاعة. وقد ترجمت بعض قصصه إلى لغات عالمية، أما روايته (خالتي صفية والدير) فكان لها نصيب واسع من الشهرة العالمية إذ ترجمت إلى معظم اللغات العالمية المعروفة. هل من مفاتيح لهذا العالم الغني الذي شيّده بهاء طاهر على مدى عقود من الإبداع المتجدد المتألّق؟ يمكن أن نتوقف عند شخصية الراوي المشارك في القصّة التي تحمل عنوان (بالأمس حلمت بك)، ففي أحد حوارات الراوي ولقاءاته مع (آن ماري) (وهو اسم فتاة أجنبية يتعرف عليها بطل القصة بصورة قدرية أعقد من المصادفة) تقول له الفتاة: "قل لي أرجوك ماذا تريد؟ ماذا تريد؟ ما أريده مستحيل. ما هو؟ أن يكون العالم غير ما هو، والناس غير ما هم، قلت لك ليس عندي أفكار، ولكن عندي أحلام مستحيلة". لا نستطيع في ضوء التمييز بين الكاتب والراوي أن نقول بأن هذه الشخصية هي ذاتها شخصية بهاء طاهر، خصوصاً في عمل ينتمي للمتخيل السردي وليس للسيرة الذاتية، لكننا أيضاً نتوقف عند منطق هذا الراوي الذي يعمل في مدينة غريبة في أحد بلدان الشمال (أوروبا)، وتبدو تأملاته تأملات مبدع أكثر منه شخصية واقعية. على لسان هذا الراوي يسرّب الكاتب بعض المفاتيح التي قد تساعدنا على فهم وظيفة الكاتب والكتابة، وربط الإبداع بالتغيير، أي أنه ليس مجرد معمار لغوي برّاق، لكنه فعل يهجس بالتغيير والتأثير بكل ما يملك من سبل، حلم المبدع، وحلم بهاء طاهر أن يكون العالم أفضل وأنبل. كذلك يمكن أن ندخل عالم بهاء طاهر من خلال رحلة الدكتور فريد بطل قصة (أنا الملك جئت) وهي رحلة ممتدة بين العالم الأوروبي والقاهرة، ثم مغادرة العالم الصاخب إلى الصحراء، بما يذكّر برحلة الصحراء في الشعر العربي القديم الذي عرفه بهاء في صباه، رحلة أقرب إلى البحث عن المعنى وعن أسئلة كونية كبرى، وليست طلباً لماء أو كلأ، رحلة من الوجود وإلى الوجود بحثاً عن فهمه وإدراك جوهره. إنها رحلة القلق والتسآل، وهي بمجمولاتها المعرفية والوجودية تشير إلى رحلة الإبداع والمبدع، وإلى طبيعة أسئلته القلقة الحارة التي تظل تتردد وتغذي استمرار الكتابة. ولكن في كل حال لا يحكم بهاء على شخصياته، ولا يقاضيها، بل يرسم لها إطاراً كافياً يبرز فيه مختلف توجهات الشخصية في صورة تحليل أو تفسير، أما الحكم فمهمة القارئ بعد أن يطالع الوقائع والملابسات التي تجهد القصّة في استيفائها. في القصة التي تحمل اسم (الأب) زوج وأب، وإذ تنفتح على شتائم الزوج ووصفه تقول القصة "وقف الزوج بالقميص والبنطلون يلوح بربطة العنق وقد احتقن وجهه المدور" نتوقف عند هذا الوصف الخارجي وما ينمّ عنه من حداثة شكلية، وقد نتساءل عن الحاجة إليه، لكننا حين نصل إلى موقف تالٍ بعد انتقال الزوجة إلى بيت والدها وشكواها من زوجها ندقق في صورة الأب كما رسمتها القصة، فنجدها مرة أخرى ترسم صورة لملابسه، "أفتى أبوها بعد الغداء وهو يلبس جلباباً مقلّماً وطاقية من قماش الجلباب بأن الطلاق الشفاهي باطل". الذهنية واحدة، بين الزوج والأب في مقابل المرأة، رغم أن المظهر الخارجي حداثي عند الأول وتقليدي عند الثاني، الوعي تجاه المرأة لم يتغير من الجلباب والطاقية إلى القميص وربطة العنق، إنه تطور شكلّي لكنه يخبئ الأفكار الرجعية نفسها. وعلى هذه النحو من المفارقات الموحية، ومن الدقة في التفاصيل تتقدم قصص بهاء طاهر، تغرية بمظهرها البسيط، لكنها دوماً مما يسميه العرب (السهل الممتنع)، الذي ينطوي على بلاغة البساطة وعبقريتها الفريدة. ليس من وصف أو تفصيل دون توظيف أو معنى عميق، نسيج محكم التفاصيل، وكل شيء مستقر في مكانه، ينهض بوظيفته التعبيرية والجمالية |
الأديب بهاء طاهر:غادر الأدباء الساحة فى السبعينات فظهرت التيارات الإرهابية
الثلاثاء 15 يوليو 2008 6:04:20 م البشاير ـ خديجة حمودة وصف الأديب الكبير بهاء طاهر نفسه بأنه صعيدي مزيف.. حيث جاء والده من سوهاج للعمل في القاهرة وولد بها في المدينة ليعيش حياة صعيدية قاهرية ممزوجة بتقاليد الجنوب. واضاف أن حياته مجموعة من الترحال حيث ابتعد كثيراً عن مسقط رأسه وعن موطنه الأصلي مما يجعله في حالة شوق شديد للحياة والبقاء في أي منهما، كما قال بهاء طاهر فى برنامج علمتنى الحياة أن مغادرة الأدباء للساحة وللعمل العام كانت سببا فى ظهور وانتشار التيارات الارهابية السعيدية الثانوية يتذكر بهاء طاهر فترة تعليمه الثانوي والأحداث العالمية تسيطر على مشاعر الطلبة, وبرغم المعاناة من الغارات والحرب وحالة غلاء المعيشة التي عاني منها الجميع واختفاء بعض المواد التموينية, إلا أن المصريين كان لديهم أمل كبير في انتهاء الحرب وانتهاء الاحتلال, وفي هذا المناخ نشأ الشباب يمارسون السياسة داخل فصولهم الدراسية, حيث كان الفصل يتحول إلى برلمان سياسي يتحدث فيه حسب الطائفة التي ينتمي إليها وكان من بينهم الوفديين والشيوعيين والأقليات والإخوان المسلمين, إلا أن جميع هذه الأطياف كانت تشترك وتحد في المظاهرات التي تدعو للحرية ورحيل المحتل. وأوضح بهاء طاهر أن مدرسة السعيدية ظلت سنوات طويلة محاطة من جنود النظام في محاولة للسيطرة على شغب الطلاب وعلى مظاهراتهم. وتذكر بهاء طاهر أنه تأثر وجدانياً بهذه الحياة الثرية في التعليم الثانوي وكتب عنها إلا أن ما كتبه لم ينشر. وعلل السبب في ذلك إلى أنه اعتاد تقييم أي عمل يكتبه قبل نشره وأنه إذا أحس بأي نوع من القلل حول مستوى العمل أو جودته فإنه لا ينشره. دراسة التاريخ وحول اتجاهه لدراسة التاريخ وعدم التحاقه بكلية الحقوق قال طاهر إنه لا يوجد بين التاريخ والحياة المعاصرة سوي فرق بسيط, وأن الحياة المعاصرة هي امتداد للتاريخ, وهو ما دفعه لهذه الدراسة. وأشار إلى أن اختياره لتلك الكلية أدهش الجميع خاصة أن درجاته كانت متميزة في اللغات. وعن علاقته وزملاءه بالثورة قال إنهم كانوا يدعوه للثورة وهم طلبة من خلال مظاهراتهم وأن مدرسة السعيدية كانت أول مدرسة ينطلق طلابها بالهتاف والدعوة لطرد الملك فاروق من مصر. وعن أول صدمة تلقاها طاهر وزملاءه من ثورة يوليو أكد أنها محاكمات الثورة, وأضاف أنهم كانوا سعداء بالثورة وتوقعوا منها الكثير من الإنجازات لذلك كانت الصدمة قوية عندما أعلن عن تلك المحاكمات. الإذاعــــــــــــة وعن عمله في الإذاعة المصرية تأسيسه للبرنامج الثاني قال بهاء طاهر إنه بدأ عمله في الإذاعة في الفترة التي تم فيها إنشاء البرنامج الثاني, وأن فريق العمل كان يضم سميرة الكيلاني ومحمود مرسي وصلاح عز الدين برئاسة سعد لبيب الذي كان يمثل المايسترو في هذا الفريق وكان مطبقاً لكل معاني الديمقراطية في عمله. وعن مستقبل الإذاعة الآن في القرن الواحد والعشرين قال بهاء طاهر إنه يخالف الجميع ويري أن مستقبل الإذاعة مهم بالرغم من ظهور الفضائيات. وأكد أن هناك اهتمام متجدد على مستوى العالم وعودة المواطنين للإذاعة. وتحدث عن قضية استبعاده من الإذاعة عام 1975 فأوضح أن وزير الثقافة في ذلك الوقت يوسف السباعي قال (من ليس معنا فهو ضدنا) وبناء على هذه المقولة استبعد الكثيرين. وأوضح طاهرة أنه كان يشغل منصب نائب مدير البرنامج الثاني وكان ينتهج سياسة فتح الباب أمام جميع التيارات السياسية الموجودة في مصر, ومن بينها الشيوعية والمستقلين والدينية, ولذلك كانت بعض الجهات الأمنية تقدم شكاوي لوزير الثقافة ضد البرنامج الثاني والذي أطلقت عليه هذه الجهات اسم البرنامج الأحمر. وأشار طاهر إلى أنه عقب هذه الاتهامات وتزايدها تم استبعاد مجموعة كبيرة كان من بينهم أسماء لها قيمة في الحياة الثقافية سواء في الإذاعة أو الصحافة والأدب, واضطر هؤلاء للخروج من مصر مما أصاب الحياة الثقافية بما يشبه الشلل, وكان هذا هو السبب الحقيقي وراء ظهور التيارات الإرهابية لأنها لم تجد ثقافة تتصدي لها. عهد السادات والمنفي وحول ما إذا كان الرئيس السادات عالماً بكل ما يجري في المجتمع الثقافي أم أن المسئولين حوله كانوا يخفون عنه الحقيقة قال بهاء طاهر إن السادات كان على علم بالاتجاه السائد على الأقل, وذلك إن لم يكن على علم بالتفاصيل. ويتذكر طاهر أنه خرج يبحث عن منفي في العالم كله حيث عمل كمترجم حر فذهب إلى السنغال والهند وباريس وسيرلانكا ثم استقر عام 1981 في جنيف حتى عام 1995. وعن حياته في جنيف قال إنها مرت بمراحل مختلفة مثلها في ذلك مثل حياة أي مهاجر للغرب, وأنه عاني في البداية من رفض متبادل من جانبه ومن المجتمع في جنيف حيث لم يكن هناك انسجام وأن هذه المرحلة أنتج فيها كتاب ضم مقالة تحت عنوان لماذا يكرهنا الغرب...؟؟ وتضمن المقال مظاهر رفض الغرب للعرب وللمسلمين. وأشار طاهر إلى أنه بعد أحداث 11 سبتمبر اختلفت كراهية الغرب للعرب في الدرجة وليس في الأسلوب. وشدد على أن حالة الكراهية للعرب سببها أن علاقتهم بالغرب منذ الحياة المعاصرة هي علاقة المُستغل بالمستقل, حيث اتسمت دائماً باستغلال العرب, ولم تكن هناك أي درجة من الندية التي مكن أن توازن العلاقات Bahaa Taher was born in 1935 in Cairo and published his first short story in 1964. Bahaa was active in the left-wing and avant-garde literary circles of the 1960s and was one of the writers of the Gallery 68 movement. A storyteller and social commentator Taher lost his job in radio broadcasting and was prevented from publishing in the mid 1970s in Sadat's Egypt. In 1981 he chose to leave for Geneva to work as a translator for the United Nations. After many years of exile in Switzerland, he has returned recently to Egypt and is very active in all cultural circles. He has received much recognition in the last five years. Apart from the translation into English of two of his novels, his collected works were published in Cairo by Dar al Hilal in 1992, and a film was made about him as a leading member of the 60s generation by Jamil 'At iyyat lbrahim in 1995. Interview with Egypt Today. Bibliography at Arabworldbooks |
روافد
22/4/2005 مقدم البرنامج: أحمد علي الزين ضيف الحلقة: بهاء طاهر نص الحلقة الكاملة أحمد علي الزين: تحتفل هذه المدينة دائماً بشيء بهي على مستوى الإبداع، ويجتهد بعض مثقفيها ومؤسساتها الثقافية في ابتكار مناسبة وترسيخها لتصبح محطةً موسميةً أو لقاءً يجمع الكتاب والمبدعين من أنحاء العالم، ليناقشوا أحوال تجاربهم ونتاجهم، مؤتمر الرواية واحدٌ من هذه التقاليد وفي مثل هكذا مناسبات تلتقي بوجوهٍ أقمت معها صداقات قديمة دون أن تعرفها وذلك عبر كتابٍ شكل جسراً مؤجلاً لمثل هكذا صداقة، بهاء طاهر قد يكون أحدٌ منّا التقى به قاصاً وروائياً في كتاباته في شرق النخيل أو خالة صفية والدير التي سبقته إلى أوطان كثيرة وبلغات كثيرة، أو في منفاه عبر روايته "الحب في المنفى" أو في "واحة الغروب" الذي نال عليها جائزة بوكير مؤخراً، وكثرٌ الذين عرفوا منذ الخمسينات من خلال الإذاعة المصرية في برامجه الثقافية الرائدة، على كل حال قد لا تخطئه حين تشاهده بنحوله وسمرته يتهاذى بين صحبةٍ وأصدقاء، وتتهادى معه السبعون بعزيمة المحكوم بالأمل دائماً، في حدائق دار الأوبرا يتسكع الكلام ونتسكع ولا بد أن نسأل بهاء الذي يختزن في وجدانه أحلام القومي والعروبي القديم ويزين من المراحل بميزان العقل النقدي الحر لا بد أن نسأله عن حال مصر وعن أحوال أيامها؟ بهاء طاهر: حال مصر زي حال الأمة العربية كلها، لا يختلف عنه في كثيرٍ أو قليل يعني، نحن دي الوقت نمر بمرحلة فيها كثير جداً من الأسئلة التي تحتاح إلى إجابات في حقيقة الأمر، وكانت هناك إجابات مطروحة ثم تم التخلي عنها، ولكن لا أجد أن هناك إجابات جديدة مطروحة لا في مصر ولا في غير مصر من المنطقة العربية يعني، لذلك فالموقف هو الترقب في انتظار الظهور الجديد.. أحمد علي الزين: الجديد، من أين يظهر الجديد يعني ونحن في هذا الليل الطويل أو النفق؟ بهاء طاهر: الحقيقة منك ومني ومن كل الناس اللي بيعتبروا نفسهم عقول الأمة، اللي بيعتبروا نفسهم أنهم عليهم مسؤولية خاصة من ناحية شعوبهم وناحية أوطانهم، عليهم أنهم يشقوا الطريق، وعليهم أن يكونوا روّاد في البحث عن هذا الأفق الجديد، ولكن لا أرى في الوقت الحاضر أن هناك مثل هذا المسعى الجاد من المثقفين لاجتياز هذا الطريق. أحمد علي الزين: على سيرة المثقفين يعني كان لهم دور نهضوي تنويري يعني منذ مطلع العشيرينات وقبل، هذا الدور بلش هيك يتراجع تدريجياً حتى يحل محله نوع من الثقافات الغيبية والخرافية والـ.. يعني هيك ثقافات ظلامية إذا صح التعبير، وبدأ هيك دور المثقفين أو بعضهم يعني يذهب إلى الهامش يتهمش إلى العزلة إلى المنفى إلى الصمت أحياناً، كيف بتقرأ هالمؤشر هذا يعني؟ بهاء طاهر: الحقيقة خلينا نكون موضوعيين في الحكم على دور المثقف في المجتمع، المثقف رائد لمجتمعه لكنه ليس صانع لحركة هذا المجتمع، المثقف جزء من المجتمع، بمعنى أن ما يحدث في وطنه من متغيرات هو قادر على أن يلعب دور في تطويرها، لكنه ليس هو الذي يصنعها، ما يصنع حركة المجتمع هو إذا جاز لي أن أقول المجتمع ككل، المجتمع بمعنى سلطاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي التي تصنع حركة المجتمع، المثقف له دور في هذا له دور التنبيه إلى ما هو إيجابي والتنبيه أيضاً إلى ما هو سلبي في حركة هذا المجتمع، لكن لا يستطيع أن يصفق بمفرده، لا يستطيع أن يكون هو المحرك لحركة المجتمع لا يستطيع، لذلك عندما تقرأ تاريخ المجتمعات سواءً مجتمعاتنا العربية أو المجتمعات الأجنبية تجد أنه باستمرار اللحظات التي تحدث فيها نقلات اجتماعية خلينا نقول كده بيكون في هذا المحرك الرئيسي يعني عندك مثلاً ملك الشمس في فرنسا ها لويس الأربعة عشر ومن حوليه بقى مولير ومن حوليه كل اللي كانوا متمردين كانوا متمردين وكانوا يرغبون في تغيير المجتمع، ولكن هيئت لهم الفرصة حتى لو كان دفعوا ثمن فادح من التضحيات والمصادرة والبتاع، لكن هيئت لهم الفرصة لأن يبلغوا رسالتهم، أيضاً حدثاً نظير ذلك في مجتماعاتنا العربية في فترات معينة من التاريخ عندما أتاح محمد علي لرفاع التهطاوي ورهطه من من المثقفين فكرة إنشاء لأول صحيفة عربية الوقائع المصرية فكرة الترجمة فكرة التأليف، فنشأت حركة آتت أُكلها بعد ذلك بعشرات السنين لم تأتِ أُكلها في اللحظة نفسها، أيضاً في فترات أخرى في فترة الثورة المصرية الأولى في فترة ثورة سنة 19 عندما كانت هذه الثورة محركاً لظهور حركة أدبية مش بس أدبية واقتصادية أنك ما تقدرش تفصل زي ما قلت يعني فطلعت حرب في الاقتصاد، توفيق الحكيم وغيره في.. وطه حسين في الأدب، لا بد أن تكون الحركة حركة مجتمعية كاملة.. أحمد علي الزين: شبه متكاملة. بهاء طاهر: لازم، لا بد أن تكون متكاملة ما بين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي طبعاً. أحمد علي الزين: طبعاً اليوم اليوم المؤشر لا يشير يعني إلى هذا التوازن يمكن.. بهاء طاهر: خلينا لا نتشائم ربما أن يكون هناك مخاض.. أحمد علي الزين: يعني إذا أردنا تبيان ملامح للمستقبل بتقديرك هو قاتم؟ بهاء طاهر: يمكن الحاضر هو اللي قاتم، لكني آمل أن يكون المستقبل مشرق. أحمد علي الزين: بتقول أنت في مكان ما الفهم هو مدخل إلى التفاؤل، والفهم هو ليس أيضاً مسبب للحزن أحياناً. بهاء طاهر: حتى الحزن حاجة إيجابية يا أستاذ أحمد، حتى الحزن إذا كان يترتب عليه الرغبة في التغيير فهو شيء إيجابي يعني ليس بالضرورة أن نكون مستبشرين ضاحكين متفائلين طول الوقت إذا لم يكن في الواقع ما يدعو إلى هذا الاستبشار وإلى هذا التفاؤل نفسه، ربما يكون الحزن على ما تؤول إليه الأمور هو رغبة في تغيير هذه الأمور، أذكر كلمة أحب جداً تكرارها عن الكاتب الروسي المعروف شيوكوف في القرن 19، قال: "أنا لا أكتب عن أشياء محزنة لكي تبكوا وإنما لكي تغيروه". أحمد علي الزين: قد تكون "واحة الغروب" مدخلاً من مداخل التعرف على بهاء طاهر الكتاب الأخير أو الرواية الأخيرة التي تروي عن تجربة إنسانية وحضارية، تجربة حب بين محمود عزمي الضابط إبان الاستعمار الإنجليزي الذي ربطته حكاية حب سيدة من أصول إنجليزية وينفى إلى واحة صحراوية نتيجة لمواقفه وتأثراته بأفكارٍ نهضوية، يبدو بهاء طاهر يتكئ في هذه الرواية تحديداً على بعض معطيات نادرة ووقائع شحيحة عن ذلك الضابط لينسج عالمه وحكايته الخصبة في محاكاة الواقع، وقد يكون محمود عزمي الذي سماه محمود عبد الظاهر ليس إلا ركيزة ليبني عليها تلك الرحلة الصحراوية في مواجهة المجهول مع زوجته ورفاق دربه، ليسمح لخياله ورؤيته في جعل هوامش التاريخ والمنسي منه واحةً في هذا التصحّر الإنساني. بهاء طاهر: هذه الرواية حتى ولو كنت قد اتكئت فيها على التاريخ ولكني أقصد بها الحاضر. أحمد علي الزين: تحاكي الحاضر نعم. بهاء طاهر: طبعاً أقصد بها الحاضر تماماً، وطبعاً فيه حرص شديد على الحفاظ على البيئة التاريخية في ذلك العصر وعلى الواقع الاجتماعي في ذلك العصر، يعني أنا أذكر هنا رواية اسم الوردة أعتقد أنه أبدع فيها في إعادة خلق الجو التاريخي، وأيضاً لكي يبلغ رسالة معاصرة فيها من خلال هذه الرواية اسم "الوردة"، فنعم يستطيع الكاتب إذا ما ابتعث.. أحمد علي الزين: أخذ مسافة. بهاء طاهر: آه إذا ما ابتعث مرحلةً تاريخية واستطاع أن يُجسد هذه المرحلة التاريخية بنوع من الإقناع فإنه فعلاً يكون مكسباً، ولكن إذا ما اقتصر الكاتب على التسجيل التاريخي فإنه يعني أنا لا أحب روايات ولتر سكوت التاريخية مثلاً، لأنها عبارة عن سجل تاريخي ممكن أن تدخل أرشيف أي دار كتب، فتجد نفس الوقائع التي يتكلم عنها.. يعني ربما التاريخ إذا تم تناوله بدون الخيال المبدع لا يكون عملاً فنياً، لا يكون عملاً فنياً. أحمد علي الزين: يعني هذا بصير في صنف التاريخ، يعني بالنسبة للمؤرخين هذه وظيفتهم هنّ، ولكن الكتّاب أو الروائيين هنّ بياخذوا التاريخ مادة أو ذريعة لحتى يقوموا ببعض الأشياء، أنت مثل ما ذكرنا يعني بمعظم أعمالك ابن الواقع ابن حياتك اليومية ابن مشاهداتك ابن البيئة أينما كنت بالأمكنة يعني، والسؤال ذاته ما بتحسّ حالك أحياناً ممكن تقع في شيء من، المباشرة أو بيطغى عليك الواقع بزخمه أحياناً بيطغى على مخيلتك بحد منها؟ بهاء طاهر: لا يستطيع الكاتب أن يكون حكماً على هذا أستاذ أحمد، أنا دائماً أقول أنه هناك محكمتين للكاتب، المحكمة الأولى: هي محكمة الجمهور عندما يصدر العمل، فإذا أقبل الجمهور على عمل ورفض عملاً آخر ديه محكمة أولى يعني، وممكن تغلط ممكن هذه المحكمة تخطئ تماماً يعني، المحكمة الأخرى محكمة الاستئناف التي لا يمكن أن يردّ حكمها هي محكمة التاريخ، فإذا استطاع العمل أن ينفذ بعد صدروه بعشرات السنين فإنه يظل بالفعل عملاً استطاع أن يتجنب المباشرة، وأن يقدم شيئاً باقياً، من المهم جداً في الأدب أن يكون ما يقدمه الأدب. . أحمد علي الزين: أن يبقى شيئاً منه. بهاء طاهر: أن يكون فيه شيء أن يكون يتحدث عن شيءٍ باقٍ في الإنسان وفي المجتمع. أحمد علي الزين: يعني الغربال الحقيقي للإبداع مش النقاد هو التاريخ. بهاء طاهر: لا.. لا هو التاريخ. أحمد علي الزين: شو رأيك بالنقاد أنت؟ بهاء طاهر: والله أنا عاصرت عصر ذهبي للنقد يا أستاذ أحمد، عاصرت مدرسة هائلة من النقاد، ما زال لدينا بعض النقاد المجيدين جداً وإن كانوا مش منتظمين في الكتابة، كنت أريد أن أقول أنني غير راضٍ عن حركة النقد الآن على الإطلاق على الإطلاق بالرغم أن هناك نقاداً مجيدين في مصر وفي كل الوطن العربي، ولكن المسألة تتعلق بأمرين أستاذ أحمد في رأيي، المنابر التي تتاح لهؤلاء النقاد نمرة واحد، والمناخ الاجتماعي الذي يحيط بالنقد، يعني النقد ليس هو مجرد تقريض أو ذنب وليس هو مجرد.. أحمد علي الزين: قراءة سطحية للأشياء. بهاء طاهر: قراءة سطحية للأشياء، النقد أيضاً مرتبط بالمناخ الاجتماعي الذي يدور فيه الناقد، والحركة الأدبية بوجه عام. أحمد علي الزين: وبالعلاقات الشخصية أحياناً. بهاء طاهر: ده بقى النقد المريض الحقيقة هذا هو النقد المريض، هذا هو النقد الذي يمكن أن يسيء إلى الأدب لا أن يدفع به إلى الأمام. أحمد علي الزين: يعني ما استطاع النقاد العرب أو التجربة النقدية بعالمنا العربي أن تراكم تجربة يعني بنقدر نتكئ عليها أو يعني نستأنس بها أحياناً في قراءة.. بهاء طاهر: برضه زي ما قلت لك أستاذ أحمد لا تدعنا نوجه اللوم إلى النقد وإنما إلى المجتمع، حأضرب لك مثال صغير.. أحمد علي الزين: كله مرتبط ببعضه. بهاء طاهر: حأضرب لك مثال صغير جداً، يعني في الخمسينات والستينيات كانت الصحف اليومية تخصص للنقاد زي لويس عوض زي محمد مندور زي.. من كبار النقاد، ليس فقط صفحات بأكملها بل ملاحق بأكملها برغم أن عدد الصحف والمجلات في مصر وفي الوطن العربي تضاعف مراتٍ عدة، وإنما المساحة المتاحة للنقد تقلصت بشكل.. أحمد علي الزين: مرات عدة. بهاء طاهر: مراتٍ عدة أيضاً كما تفضلت حضرتك، كثيراً جداً يعني أصبحت وقلت هذا وأنا متشبث به أن الحفاوة العامة والاهتمام العام الإعلامي والنقدي بمباراة واحدة لكرة القدم ما بين فريقين رئيسيين توازي ما يكتب عن الأدب في على سنة على امتداد سنة بأكملها، فمن هنا العيب ليس عيب النقاد وحدهم، هو عيب الإعلام وعيب المجتمع. أحمد علي الزين: وأنت تقلب في صفحات قصصه وروايته تعثر على عاشقٍ من نسيجٍ خاص، عاشق لمصر كما يصفه محمود أمين العالم، هو من خلاصات تجربة اختلط فيها الإنسان بالثوري بالحالم بالمنكسر وبالمكابر، عاشقٌ مشحون بالشجن تكتشف سره خلف السطور، يظهر كعلامات أو ندوب لمآسٍ عاشها لفقد أهلٍ أو لحروب وهزائم، وتكتشف هذا المنسوب من الحب الذي يطفو، هذا المنسوب من الإيمان بدورٍ للثقافة، وهذا الشغف بحياةٍ راجحٌ فيها هواء الحرية معافاة من الظلم والجروح. طيب بنلاحظ بشغلك "منسوب الحب" عالي جداً. بهاء طاهر: يا ريت. أحمد علي الزين: يعني بتقديرك الحب بكل أصوله وفروعه هو خميرة جيدة لبناء عمل إبداعي أو حافز يعني؟ بهاء طاهر: بالطبع، يعني أنا شخصياً متفق معك تماماً في تعبيرك لدلالة الحب، والحب ليس فقط علاقة رجل وامرأة وإنما هي موقف من العالم، وموقف من الوجود، مهما تكون محباً للوجود أو كارهاً للوجود، فمن هنا أنا بعتقد فعلاً أن الحب هو مدخل رئيسي لرؤية الكون ولرؤية العلاقات الإنسانية. أحمد علي الزين: وللحياة. بهاء طاهر: ولرؤية العلاقات الإنسانية كمان. حين أنزل في الصباح كثيراً ما أجد على محطة الأوتبيس فتاةً شقراء في خدها طابع الحسن، بمجرد أن تراني قادماً من بعيد تحوّل وجهها للناحية الأخرى، لا تنظر في وجهي أبداً مهما طال وقوفي، وعندما أعود إلى البيت في المساء أفتح التلفزيون وأغلقه وأفتح الراديو وأغلقه، أتجول قليلاً في الشقة الخالية، وأعدّل أوضاع الصور على الحائط والكتب في الأرفف، أغسل صحوناً، أكلم نفسي في المرآة قليلاً، يتقدم الليل. |
أحمد علي الزين: بمجوعتك "بالأمس حلمت بكَ" بتقول كانت الكتابة آنذاك نوع من الهروب من الانتحار بما معناه.
بهاء طاهر: بالزبط قلت هذا الكلام، يعني ليس بالضروري الانتحار المادي وحتى الانتحار المعنوي يعني، لأني كنت أشعر في ذلك الوقت أن الحياة لا معنى لها، وأنني يعني أقضي أياماً لا أكثر ولا أعيش. أحمد علي الزين: يعني بتلاقي بالكتابة نوع من الخلاص أحياناً؟ بهاء طاهر: نعم بكل تأكيد. أحمد علي الزين: وبتقديرك ما بتتحول لفخ بمستوى ما للكاتب، كمان هو يعني كمان هو بيتورط بشغلة ما كانش منتبه كثير إلى أين تذهب به؟ بهاء طاهر: عندك أمثلة كثير أستاذ أحمد عن كتاب الكتابة كانت بالنسبة لهم انتحار يعني، بل ذاكر اللي كان يقعد يشرب قهوة وواقف هو بيكتب لغاية ما مات يعني، فيه كثير من الكتاب الكتابة قضت عليهم يعني، وهمونغي الذي انتحر لأنه لم يستطع أن يواصل الكتابة. أحمد علي الزين: يعني عندما بطل يكتب انتحر. طيب مثل ما بنعرف أستاذ بهاء أنت مبكراً يعني بدأت تكتب، ولكن ما كنت تنشر وكما تقول في بعض اللقاءات أنه كنت تهاب أمام النشر. بهاء طاهر: جداً، وما زلت، وما زلت يعني عندي كثير من الأعمال التي لم أنشرها. أحمد علي الزين: هذا راجع لمعايير عندك، لمعايير أنت حاططها بمكان ما من وعيك أم إلها علاقة بالثقة بالأشياء اللي بتكتبها؟ بهاء طاهر: الحقيقة لها علاقة بتقديسي للكلمة، أنا أذكر لما كنت أرى الدكتور طه حسين في الجامعة كنت أشعر بمهابة لا يشعر بها أصغر مواطن أمام أعظم إمبراطور يعني، كان شيئاً عظيماً في وجداني يعني.. أحمد علي الزين: وهو يستحق.. بهاء طاهر: طبعاً. أحمد علي الزين: وأنت متأثر فيه طبعاً؟ بهاء طاهر: طبعاً، وكنت أعتقد أنه الكتابة مهنة مقدسة، مهنة مقدسة بالفعل، يعني عندما تمسك القلم فأنت على علاقة بالمقدّس بشكلٍ ما يعني.. أحمد علي الزين: بشكلٍ من الأشكال. بهاء طاهر: فبشكلٍ من الأشكال، ولذلك أتهيب للكتابة لأنني أخشى في كثير من الأحيان ألا أكون على قدر هذه المهمة المقدسة. أحمد علي الزين: النبيلة. بهاء طاهر: إذا شعرت أنني وكثيراً ما أشعر أن ما أكتبه لا يساوي لا أنشره على الإطلاق. أحمد علي الزين: يبدو اليوم معظم الكتّاب هذه الخاصية شوي مش متوفرة عندهم بنفس المستوى اللي متوفرة عند جيلك على الأقل، أنه هالتهيب أما الورقة البيضاء يعني يمكن يقروها يقراها واحد أو 100 ألف، يعني هذا الاستسهال بتقديرك شو سببه؟ بهاء طاهر: ما لوش علاقة بالأجيال، له علاقة بموقف الكمال معلش أنا آسف دائماً بكرر الحكاية ديه، بس بموقف المجتمع من الكتابة، يعني موقف المجتمع من كتابات الجيل الذي ينتسب إليه طه حسين ويحيى حقي وغيرهما من كبار الكتّاب غير موقف المجتمع دي الوقت، فلم تعد فكرة أن الكتابة شيءٌ له هذا القدر الهائل من الأهمية موجودة في المجتمع، فلا تلومن الكاتب يعني أنا قلت في مرة من المرات أنه لو توافر الكاتب الآن أن يكتب عملاً يجمع بين عبقرية شكسبير والمتنبي ومن شئت من الكتّاب فأقصى ما يطمع إليه عمود في إحدى الصحف كانوا يقولوا له متشكر أو حاجة كده، لكن كان فيما مضى كان ظهور رواية لنجيب محفوظ أو مجموعة قصصية ليوسف إدريس أو مسرحية لمحمود دياب أو لغيرهم من الكتاب حدثاً اجتماعياً، يعني تلاقي الصحافة كلها وأجهزة الإعلام.. دي الوقت زي ما بقول لك كده عمود صغيّر وكلمتين والله كويس والله.. أحمد علي الزين: كثر الكلام وقلّ المعنى، طيب أنت هيك عاطفياً سياسياً يبدو الروح القومية عندك كانت هيك خصبة.. بهاء طاهر: وما زالت. أحمد علي الزين: وما زالت بس بدون شعارات براقة. بهاء طاهر: لا بدون شعارات براقة، وبدون انتماءات حزبية كمان. أحمد علي الزين: بتقول كنت بزمن عبد الناصر زمن الثورة كنت معها وضدها في آن، فسر لي. بهاء طاهر: هذا صحيح، بمعنى أن مش أنا لوحدي الحقيقة، جيلي بأكمله كنا معجبين غاية الإعجاب بالمبادئ التي أعلنتها الثورة، ولكن في نفس الوقت كنا نطمع باعتبار أنه من آخر سلاسات الإيه المرحلة مش عايز اسميها الليبرالية المرحلة البرلمانية كنا نمطع في أن تكون هناك حريات ديمقراطية تتيح لنا القدر الكافي من التعبير ومن النقد أيضاً يعني النقد يصوّب مسار الحركة. أحمد علي الزين: ومسار الثورات. بهاء طاهر: مسار الثورات، ولكن هذا لم يكن موجوداً على الإطلاق. أحمد علي الزين: غير متوفر. بهاء طاهر: فكان الشعور بتعانا فيما أسميته "ثنائية الوجدان" ما بين الحماس الشديد للمبادئ الثورية، وبين الرفض الشديد لممارساتها. قال أستاذنا الحكيم: الناس أجناس، والنفوس لباس، ومن تلبس نفساً من غير جنسه وقع في الالتباس، فسألناه: يا معلمنا فهل النفس قناع نرتديه إن أحببناه وإن كرهنا نبذناه، فردّ مؤنباً أوَلم أقل لكم: من تقنّع هلك؟ قلنا: فمن ينجو يا معلمنا؟ أطرق متأملاً ثم رفع رأسه يجول فينا ببصره، وقال في بطؤ: يا أبنائي وأحبائي أفنيت العمر في البحث والترحال، فما عرفت إلا أن الجواب هو السؤال. أحمد علي الزين: ليس غزيراً لكنه كثير العناية وأصبح كثير الانتشار، بهاء طاهر السبعيني يواصل بخفر التزامه بفعل الكتابة، فالإبداع عنده ليس ترفاً بل هو في مستوى ما محاولة للتنوير محاولة للتغيير أو للإسهام بفعلٍ خلاّق لا مجانية فيه أو لهوٍ أو عبثٍ، هو القادم من فِكر طه حسين وجيل النهضويين ومن أحلام عبد الناصر الذي كان يلتقي معه في منتصف الطريق، يبدو أنه كان يدرك معنى السقوط في فخاخ الإديولوجيا أو الانبهار ببهرجة الشعارات، هو قادمٌ من تجارب وخبرات صقلت حياته وكتاباته، هو الصعيدي الذي فتنه الكتاب واللغة والحكاية، ومنذ مطلع الخمسينات بدأ يؤسس لتجربته الخاصة قاصاً وروائياً تهيب أمام النشر حتى مطلع السبعينات كقاص، لكنه كان قد لمع ناقداً للمسرح فمترجماً وصاحب مقالة، في مطلع السبعينات تعرّض للإقصاء على يد الرئيس السادات حيث منع من النشر لحوالي ثمان سنوات، لكن هذا لم يمنع خزينه من التراكم، واحداً من التجارب المريرة التي عاشها بهاء طاهر فماذا عن تلك الأيام؟ بهاء طاهر: كان في ذلك الحين هناك اعتقاد أن الكتاب الذين يوصفوا بأنهم تقدميين و.. أحمد علي الزين: وثوريين. بهاء طاهر: وثوريين وإلى آخره، ليسوا ممن تلائمون أو يتلائمون مع فكر المرحلة، فما حدث لي حدث لعشرات الكتاب في ذلك الحين، كل لجأ إلى الشتات شرقاً وغرباً. أحمد علي الزين: أنت بالفترة السابقة قبل يعني من مطلع الخمسينات حتى بداية السبعينات كنت بمستوى عملك شبه يعني مطمئن ومتوازي شغلك مع طبيعة المرحلة، إلى أن إنه اشتغلت بالإذاعة فترة من الزمن فترة طويلة، بتقديرك العمل بهذا المجال الإعلامي بيوهم أحيان بتحقيق شيء مهم أنه الواحد حقق ذاته ليتناسى أو ينسى أو يتجاهل بعض الجينات المبدعة في ذاته؟ بهاء طاهر: من المؤكد هذا الوهم اللذيذ وهم التحقق من خلال العمل الإعلامي بيكون على حساب العمل الإبداعي، ولكن أنت كلمتني عن فترة أو عن مرحلة أنا شديد الاعتزاز بها، برغم ذلك القصور أو ذلك العيب الذي تفضلت بالحديث عنه، لأنه مرحلة العمل الإذاعي التي قمت بها كانت مرحلة إنشاء شيء جديد على غير مثالٍ سابق، وهو إنشاء أول برنامج ثقافي في العالم العربي، كانت تجربة زي ما قلت لحضرتك على غير سابق مثال كنا نبتكر طول الوقت نبتكر أشكال ونبتكر حلول، وحتى أنا أذكر أنني وزملائي في الإذاعة في ذلك الحين أذكر أننا كنا نبقى يعني مع معيد الدوام الرسمي من الساعة 8 إلى الساعة 2 كنا نبقى حتى لمنتصف الليل. أحمد علي الزين: في إحساس بالانخراط بهذا الشأن يعني بكل أحواله، لأنه أنت قضيتك هيدي كانت. يقول عنه الدكتور محمود عبيد الله قدم بهاء طاهر مع مجايليه من أبناء جيل الستينات إسهامات أساسية في القصة القصيرة والرواية، فكان له دور جليل في تطوير السرد العربي الحديث وفي محاوراته الثرية، إن بهاء طاهر نسيج وحده بمعنى تحقيق الذات ومنحها سمات فارقة، إنه ابن زمانه ومكانه تجمع كتاباته بين الأناقة التعبيرية والغِنى الرؤيوي، هو مبدعٌ ومثقفٌ تنويري من أؤلئك المبدعين الذين يقدسون الكلمة، طيب لو أردنا التحدث عن هيك مصادرك البدائية الأمكنة الأحداث الشخصيات أديش فينا نعطيها هيك مثلاً علاقة بالواقع وعلاقة بالمخيلة؟ بهاء طاهر: أنا بفتكر إنه لا يوجد ذلك النوع من الكتابة التي تستند كلياً على الإلهام، وإنما لا بد من أن يكون فيه عمل جدي من الكاتب لتنظيم هذا الـ.. أحمد علي الزين: الإلهام. بهاء طاهر: طبعاً، فلذلك أنا بفتكر أنه الواقع مصدر أي نعم الواقع مصدر أساسي للإلهام زيه زي الحلم، زيه زي الفانتازيا زيه زي أي حاجة ثانية، ولكن لا بد أنا أقول دائماً أن الكتابة هي إعادة الكتابة، الكتابة هي إعادة الكتابة بمعنى أنك تكتب الدفقة الأولى بما تسميه الإلهام ولكن هذا الإلهام يحتاج بعد كده.. أحمد علي الزين: لشغل كثير. بهاء طاهر: لشغل كثير. أحمد علي الزين: صحيح، يعني الأحداث اللي بتمر بحياة الإنسان بمختلف درجات المأساوية أو غير المأساوية يعني هي كمان أيضاً بتشكل حوافز لكتابه مش بالضرورة عن تلك المأساة أو هذا الفرح، بتقديرك كمان هي بتعلب دور؟ بهاء طاهر: نعم. ودور زي ما حضرتك قلت يمكن أن يكون إيجابياً وممكن أن يكون سلبياً، يعني إذا كانت يعني الفترة التي قضيتها أنا في بداية انتقالي للعمل في الغرب وقد استمر لفترة طويلة فترة السنين الأولى فيها لم أكن أستطيع الكتابة على الإطلاق، يعني كانت كأنك اقتلعت إنسان من جذوره كدا نبته من جذورها ورميتها يعني، والله الخروج منها أستاذ أحمد اقتضى جهد هائل يعني اقتضى جهد هائل، لأن أنت اشتغلت في الغرب وتعرف عن نوعية العمل في الغرب إنك بتعمل من الصباح الباكر حتى.. أحمد علي الزين: تتفرغ.. بهاء طاهر: حتى الليل، فتكون في نهاية العمل قد ابتزت منك كل الطاقة يعني.. أحمد علي الزين: يعني طالما فتحت هذا الحديث عن تجربة بجنيف يعني حيث عملت بالأمم المتحدة حوالي 15 سنة، يعني هلأ بس تنظر لها لهالتجربة ما بتلاقي أنها شكلت مصدر آخر لهالمخزون الروائي اللي عندك؟ بهاء طاهر: بالتأكيد بالتأكيد. أحمد علي الزين: "الحب في المنفى" روايتك هيدي ما إلها علاقة بالتجربة؟ بهاء طاهر: طبعاً، لها علاقة بالتجربة بالتأكيد يعني بالتأكيد.. أحمد علي الزين: بتحكي عن بيروت على كل الحال الحب في المنفى.. بهاء طاهر: طبعاً، كلها عن بيروت طبعاً، ولذلك اقتضت كتابتها مني سنين طويلة لأني أردت أن أكتب عن شيءٍ لم أره، عن صبرا وشاتيلا التي هزتني هزاً، إلى أن هداني الله إلى الحل، وأن يكون الرواية على لسان مراسل صحفي لم يعش التجربة وإنما يتلقى الأنباء عنها. أحمد علي الزين: يقال أستاذ بهاء أنه أنت ممكن تكتب أكثر من عمل بنفس الوقت صحيح هذا الكلام؟ بهاء طاهر: حصل، ما دمت مكلمك عن تجربة الحب في المنفى في أثناء كتابتي للحب في المنفى طلعت أربع كتب يعني طلعت رواية "قال الضحى" طلعت مجموعة "بالأمس حلمت بك" طلعت مجموعة "أنا الملك جئت".. أحمد علي الزين: بالأمس حلمت بك بعد موت الوالدة؟ بهاء طاهر: بعد موت الوالدة، لذلك فيها ذلك الجو الشجن الشديد يعني، وكتبت "خالتي صفية والدير" في أثناء كتابتي للحب يعني الرواية فضلت شغلاني عشر سنين بس ما كنت بكتب فيها عشر سنين، يعني أنا كانت شغلاني أكتب بعض الأفكار وأرميها أكتب بعض الصفحات وأرميها، وأتفرغ بقى للعمل الثاني خالتي صفية أو لقال الضحى أو لغيرها من الأعمال. أحمد علي الزين: طيب خلينا نعد مثل العادة هيك للبدايات، يعني أنت من مواليد 1935 في الجيزة؟ بهاء طاهر: في الجيزة من أسرة صعيدية. أحمد علي الزين: من أسرة صعيدية، يعني إذا بدنا نتحدث عن زمن الطفولة أديش كان منسوب السعادة منسوب الشقاء منسوب الفرح منسوب اللعب؟ بهاء طاهر: في الحقيقة لا أستطيع أن أصف طفولتي أنها كانت طفولة سعيدة لأ لا أستطيع، لأنه اقترنت ببعض التجارب المريرة جداً، يعني هذه الفترة فترة الطفولة كانت هي فترة الحرب العالمية الثانية.. أحمد علي الزين: بدايات الحرب العالمية الثانية. بهاء طاهر: بدايات الحرب العالمية الثانية، يعني عندما تفتح وعيي عندما ابتديت أفهم الدنيا كانت الغارات وظلام الأنوار في القاهرة وصوت القنابل وصوت المدفعية المضادة للطائرات ثم اقترنت بتجربة شخصية مريرة جداً بالنسبة لأسرتي ولي شخصياً، أنه كان هناك في الأسرة في الصعيد حيث كان كل الأعمام والأخوال وأبناء الأعمام وأبناء الأخوال وباء الملاريا الذي لم يكن له علاج آن ذاك في ذلك الوقت سنة 1942، وهذا قضى على معظم أفراد أسرتي الذين كانوا في الصعيد أعمام وأخوال وأبناء عم وأبناء أخوال، فكان جو الأسرة في فترة طفولتي جو من الحزن الحقيقي يعني الحزن الحقيقي نعم، وأظن أن هذه الفترة كان عمري وقتها سبع سنين أظن أنها تركت بصمة.. أحمد علي الزين: بصماتها لأ واضحة. بهاء طاهر: طبعاً. أحمد علي الزين: يعني هذا الشجن والحزن بأعمالك مزروع من ذلك الوقت؟ بهاء طاهر: ممكن. ولكن فرحات الطفولة كانت هي استماعي إلى القصص التي كانت ترويها أمي، هذه هي الفرحة الحقيقية أيضاً. أحمد علي الزين: بتقول مع الشيخوخة تتضح أكثر صورة الطفولة. بهاء طاهر: صحيح حقيقي بالنسبة لتجربتي الشخصية ما أعرفش.. أحمد علي الزين: أنت عم تشوفها بطريقة أوضح؟ بهاء طاهر: نعم. أحمد علي الزين: من وقت سابق؟ بهاء طاهر: نعم. أنا ما أعرفش هذا النقوص إلى الوراء تعليله النفسي إيه أو تحليله النفسي إيه ما أعرفش، ولكني شعرت بهذه المسألة عندما كنت أكتب رواية "خالتي صفية والدير" ذكرياتي عن الصعيد كلها مستمدة من زياراة صيفية في فترة العطلات المدرسية للقاري، فكنت أكتب الرواية في جنيف ولم أكن قد زرت مصر بقالي 10 سنين عندما ابتدأت كتابة هذه الرواية، فإذا بكل الصعيد أحمد علي الزين: حضر. بهاء طاهر: حاضراً في غرفتي في جنيف، وكل اللغة الصعيدية وكل المصطلحات، فقلت في ذلك الحين أنه يبدو أنه الواحد لما بيقدم بيكبر في السن بينكس إلى الوراء للطفولة بنوع من.. أحمد علي الزين: ليش؟ ليش بتقديرك تشبثاً بالحياة أكثر، والدفاع عن الحياة أو.. بهاء طاهر: ربما محتاجة لخبير نفساني يقول لنا إيه السبب، مش عارف يا عم الكاتب بدون كتابة مالوش وجود الحقيقة ما لوش وجود. أحمد علي الزين: بهاء طاهر أو محمد بهاء الدين عبد الله طاهر هو اختزالٌ آخر يقوم به باسمه مثلما يفعل في اختزالاته للكتابة، مولودٌ في الجيزة عام 1935 من أبوين متحدرين من الكرنك الأقصر صعيد مصر، درس التاريخ في البداية وتخرج عام 1956 وتابع تخصصه في هذا المجال وفي مجالات الإعلام والدراما، بدأ حياته العملية في الإذاعة المصرية حيث أسهم في تقديم المعرفة والرواية، أتقن فنون الكتابة الدرامية ودرّس مادة الدراما والسيناريو في معهد السينما، وكتب في النقد، بدأ في نشر أعماله على أول السبيعينات نذكر منها: "الخطوبة" وقصص أخرى "بالأمس حلمت بك" "أنا الملك جئت" وفي الرواية "شرق النخيل" و"قال الضحى" "خالتي صفية والدير" "الحب في المنفى" "نقطة نور" و"واحة الغروب". بهاء طاهر: كانت فكرة الكتابة حاجة محترمة جداً في الجيل الذي أنتسب إليه، يعني فكرة وجود طه حسين فكرة وجود الكتّاب العمالقة في ذلك الحين خلت يعني طموح كل شاب صغير يبقى كاتب يعني الأولاد طموحه أن يبقى لاعب كرة مش كده ولا أيه؟ لكن.. أحمد علي الزين: فكرة التماثل بلا شك يعني. أحمد علي الزين: نعم. فكانت الكتابة أمل كبير جداً عند الناس يعني فكرة الثقافة كانت فكرة لها احترامها الكبير جداً، أذكر يعني في فترة الدراسة في المدرسة الابتدائية كان كلنا نقلد أساليب الكتاب الكبار وكده يعني، لكن بعضنا بيستمر وبعضنا بيتوقف، أنا كتبت الشعر ولكنه كان شعر بالغ الرداءة برضه في هذه الفترة، ولم أحاول أن أنشر منه أي شيء يعني، لكن لسببٍ أو لآخر استمريت في حب القصة وكتابتها، يعني كنت قارئ نهم للقصة والرواية منذ سن مبكر جداً يعني.. أحمد علي الزين: بأكثر من لغة؟ بهاء طاهر: بأكثر من لغة يمكن من المرحلة الثانوية، لأنه أنا ما تعلمت في المدارس.. أحمد علي الزين: بس لا يبدو.. شو بيعني لك الزمن يعني؟ بهاء طاهر: مش بس من دي الوقت حتى وأنا صغير جداً قبل السبعينات.. أحمد علي الزين: كنت تشعر.. بهاء طاهر: كنت أشعر بأنه صراع الإنسان الحقيقي هو صراع مع الزمن، بمعنى أنك تريد أن.. يمكن نجيب محفوظ في الحرافيش أوضح الحكاية دي جداً في إحدى الشخصيات التي حاول أن يكون خالداً يعني، بمعنى أن كل إنسان حتى الطفل يعني عندما يواجه بفكرة نهاية الحياة وبتاع بيحاول أن يتحدى مش ضروري يتحدى بمعنى أنه بيحاول أن يثبت وجوده في مقابل فكرة العدم، إنه يريد أن يثبت أنه يستطيع أن يترك بصمة يستطيع أن يحقق ميزاته حتى ولو من خلال الإنجاب ومن خلال استمرار الحياة بالمعنى الفسيولوجي. أحمد علي الزين: أشكال من الخلود يعني. بهاء طاهر: طبعاً. أحمد علي الزين: بس غير أكيدة على الإطلاق؟ بهاء طاهر: على الإطلاق. أحمد علي الزين: شيء مؤسف، ربما الأدب أو الإبداع بشكل عام هو بيحقق هذا المقدار؟ بهاء طاهر: حتى هذا العزاء أيضاً أستاذ أحمد مش عزاء كافي، لكن على الأقل محاولة يعني نبش يعني محاولة نبش خربشة يعني. أحمد علي الزين: من إيمتى بلشت تحس أنه ما فيش وقت كفاية لحدّ القول كل ما يجول في بالك يعني في أي مرحلة؟ بهاء طاهر: في مراحل كثيرة الحقيقة، يعني أنا كنت بعتقد أنه آخر ما سأنشره هو رواية "الحب في المنفى" وقلت هذا الكلام، قلت أنا خلاص قلت كل ما عندي ومش حأكتب بعد كده يعني، ولكن.. أحمد علي الزين: مع إنه أنت مش غزير كثير نسبة للـ.. بهاء طاهر: لا خالص، ولا كانت من ضمن أحلامي أني أكون غزير، لم يكن من ضمن أحلامي خالص أنه أنا أكون كاتب غزير.. أحمد علي الزين: لم تسعَ؟ بهاء طاهر: لا إطلاقاً، زي ما قلت لك لست متهيباً فقط من فكرة النشر، ولكني متهيّب أيضاً من فكرة التكرار، أن أكرر ما سبق أن قلته، فلذلك أحاسب نفسي حساباً عسيراً، وبما أن الكتابة في عصرنا هذا لم تعد ذلك الشيء المهم جداً الذي كانته في صباي فلذلك لم.. حافز الاستمرار لم يكن يعني موجوداً، أنا قلت أنا رح أقول في هذه الرواية كل ما لدي وأمتنع عن الكتابة عن "الحب في المنفى" ولكن شاءت الأقدار أنه أكتب بعد كده. أحمد علي الزين: نعم. الآن يعني عندما هيك بتحاول تلتفت إلى الوراء بتحسّ بنوع من الرضا عن مسار هالتجربة، والسؤال التقليدي اللي عادةً الواحد بيسأله أنه فيما لو خيّر المرء أن يعيد حياته أو يصنعها بيده هو بتعيد نفس التجربة أم.. بهاء طاهر: توفيق الحكيم ردّ على هذا السؤال قال: أرجع أشتغل لاعب كرة، لكن أنا مش رح أقول كده مش حأرجع أشتغل لاعب كرة حأقول أنه أنا بكل تواضع بكل يعني تجرّد أنني أشعر أنني أديت ما عليّ في حدود الإمكان في حدود الإمكان فعلت ما أستطيع أن أعمله. أحمد علي الزين: يعني أنت من الناس اللي كنت تشعر دائماً بحكم انتماءك الفكري وأنه عليك مهمة يعني يفترض أن تقوم بها.. بهاء طاهر: جداً، عندي هذا الإحساس طبعاً سواء نجحت أم لم أنجح ولكن بما أني كتبت كتاب أبناء رفاع الذي سجلت فيه مسار تطور الفكر.. أحمد علي الزين: والنهضة. بهاء طاهر: والإبداع وإسهام يعني حتى الفصل الأول منه اسمه "ماذا قدم المثقفون لمصر؟" إحساس بأنه الكاتب ملقي على كاهله مسؤولية عظمى عندي هذا الإحساس طول الوقت طبعاً، أما إن كنت نجحت أو فشلت فهذا لا أستطيع أن أحكم عليه طبعاً. أحمد علي الزين: يعني الرواية بتقديرك بتقوم بدور معيّن بدور اجتماعي؟ بهاء طاهر: بدور اجتماعي أنا شديد الثقة من ذلك، وأردّ على من يقولون أن أنهم فكرة الفن للفن وفكرة الإبداع من أجل الإبداع أنه أكثر الأعمال ابتغاءً لوجه الفن تتضمن رسالة اجتماعية ورسالة سياسية، ما فيش أبداً ذلك العمل التجريدي خاصةً أظن سارتر استثنى الشعر من الحكاية ديه، ولكن حتى الشعر يساهم. أحمد علي الزين: نعم. يعني ما زلت بتعقد الأمل على دور لمشروع المثقفين المتنورين يعني رغم دخولنا مثل ما سألنا في البداية بهذا النفق؟ بهاء طاهر: النفق آه، شوف أستاذ أحمد أعتقد أنه ده الأمل، هل سيتحقق هذا الأمل أم لا أنا لست متنبئاً ما أقدرش أتنبأ، لكن هو ده الأمل هو ده الأمل أن تعود أن يعود للأمة إدراك أهمية عقلها. أحمد علي الزين: طيب هذا الإسفاف اليومي في كل شيء في السياسة في الإعلام وفي الصحافة وحتى في الأدب يعني بين هلالين إذا فينا نسميه أدب، هذا بتقديرك ما بيساهم في تخريب الذوق العام والوعي والـ.. بهاء طاهر: بكل تأكيد، بكل تأكيد بيسهم في تخريب الوعي وبيسهم في.. ولكن يمكن في كل مرحلة كانت هناك ذلك الصراع بين ذلك الجهد التخريبي وذلك الجهد البنّاء، يمكن دي الوقت دي الوقت في العصر اللي إحنا عايشينه ده الجهد التخريجبي.. أحمد علي الزين: شغال أكثر. بهاء طاهر: أكثر، ولكن لحسن الحظ ما زال ذلك الجزء البنّاء يحاول أن يحفر لنفسه طريقة، إذا اختفى ده فعلاً بقى ما فيش أي أمل، إذا اختفت محاولة الجانب البنّاء في الفكر أن يفرض وجوده لا يعود هناك أمل ما لم تعد الأمة الاعتراف بأهمية دور العقل ودور الفكر فلا أمل لها. أحمد علي الزين: يقول عنه محمود أمين العالِم كتابات بهاء طاهر من هذه الكتابات الهامسة التي تنساب إليك بهدوءٍ آسر بليغ تربت على مشاعرك في نعومة ورقة مهما بلغت حدتها الدرامية وعمقها الدلالي، إنه قصاصٌ شاعرٌ متصوّف تفيض شاعريته وصوفيته برؤيا إنسانية حادة تغريك برومانسيتها الظاهرة عما ورائها من حكمة وعقلانية وإحساس عميق بالمسؤولية والالتزام، هو عاشقٌ عظيم لمصر، باحثٌ دائب البحث عن أسرارها وأغوارها مهمومٌ بما تعانيه من أوجاعٍ وأشواق |
بهاء طاهر - يؤكد على اثر مرحلة الطفولة حيث يصف ذلك على انه " أنا ما أعرفش هذا النقوص إلى الوراء تعليله النفسي إيه أو تحليله النفسي إيه ما أعرفش، ولكني شعرت بهذه المسألة عندما كنت أكتب رواية "خالتي صفية والدير" ذكرياتي عن الصعيد كلها مستمدة من زياراة صيفية في فترة العطلات المدرسية للقاري، فكنت أكتب الرواية في جنيف ولم أكن قد زرت مصر بقالي 10 سنين عندما ابتدأت كتابة هذه الرواية، فإذا بكل الصعيد حاضر في غرفتي في جنيف. وكل اللغة الصعيدية وكل المصطلحات، فقلت في ذلك الحين أنه يبدو أنه الواحد لما بيقدم بيكبر.- ولد بهاء طاهر في محافظة الجيزة في 13 يناير سنة 1935. - حصل على ليسانس الآداب في التاريخ عام 1956 من جامعة القاهرة ودبلوم الدراسات العليا في الإعلام ـ شعبة إذاعة وتلفزيون سنة 1973. - عمل مترجمًا في الهيئة العامة للاستعلامات بين عامي 1956 و1957، وعمل مخرجًا للدراما و ومذيعًا في إذاعة البرنامج الثاني الذي كان من مؤسسيه حتى عام 1975 حيث منع من الكتابة. - بعد منعه من الكتابة ترك مصر وسافر في أفريقيا وآسيا حيث عمل مترجما. - و عاش في جنيف بين عامي 1981 و 1995 حيث عمل مترجما في الأمم المتحدة عاد بعدها إلى مصر حيث يعيش الآن (2010). - الاسم الأدبي لمحمد بهاء الدين عبد الله طاهر، المولود في الجيزة قرب القاهرة في بدايات عام 1935، لأبوين يتحدران من الكرنك – الأقصر في صعيد مصر. - درس في الجيزة وأتم دراسته الجامعية في جامعة القاهرة وتخرج فيها عام 1956 (ليسانس تاريخ)، ولاحقاً أكمل دراساته العليا في مجال التاريخ الحديث (1965)، وفي مجال وسائل الإعلام (1973). - إنه ابن زمانه ومكانه، ابن المؤثرات الكبرى التي شكّلت جيله، لكنه فتش عن سبل الاختلاف والمغايرة ليؤسس معالم خصوصيته وهويته الإبداعية، ويطوّر رؤيته استناداً إلى مشروعية الإبداع الفردي الذي قد يصبّ في السياق العام، لكنه يظل رافداً له لونه الخاص ومذاقه المختلف. - تعلّم بهاء طاهر على نفسه الإنجليزية حتى أتقنها، فغدا مترجماً معروفاً منذ زمن مبكّر من حياته، ثم سهّلت له هذه المعرفة أن يطوف في العالم ويستقر في جنيف موظفاً في مكتب الأمم المتحدّة مدة أربعة عشر عاماً. - وهذه التجربة في السفر والتنقل والعيش في دولة أوروبية، ليست مجرد تجربة عمل، بل هي إحدى التجارب التي تسللت إلى كتابات بهاء طاهر، وأضيفت إلى خبرته المصرية العربية. - عايش منتصف السبعينات تجربة إقصائية، كانت جزءاً من إقصاء السلطة للمثقف، - يمكن أن ندخل عالم بهاء طاهر من خلال رحلة الدكتور فريد بطل قصة (أنا الملك جئت) وهي رحلة ممتدة بين العالم الأوروبي والقاهرة، ثم مغادرة العالم الصاخب إلى الصحراء، بما يذكّر برحلة الصحراء في الشعر العربي القديم الذي عرفه بهاء في صباه، رحلة أقرب إلى البحث عن المعنى وعن أسئلة كونية كبرى، وليست طلباً لماء أو كلأ، رحلة من الوجود وإلى الوجود بحثاً عن فهمه وإدراك جوهره. إنها رحلة القلق والتسآل، وهي بمجمولاتها المعرفية والوجودية تشير إلى رحلة الإبداع والمبدع، وإلى طبيعة أسئلته القلقة الحارة التي تظل تتردد وتغذي استمرار الكتابة. - وصف الأديب الكبير بهاء طاهر نفسه بأنه صعيدي مزيف.. حيث جاء والده من سوهاج للعمل في القاهرة وولد بها في المدينة ليعيش حياة صعيدية قاهرية ممزوجة بتقاليد الجنوب. - واضاف أن حياته مجموعة من الترحال حيث ابتعد كثيراً عن مسقط رأسه وعن موطنه الأصلي مما يجعله في حالة شوق شديد للحياة والبقاء في أي منهما - يتذكر بهاء طاهر فترة تعليمه الثانوي والأحداث العالمية تسيطر على مشاعر الطلبة, وبرغم المعاناة من الغارات والحرب وحالة غلاء المعيشة التي عاني منها الجميع واختفاء بعض المواد التموينية, إلا أن المصريين كان لديهم أمل كبير في انتهاء الحرب وانتهاء الاحتلال - وأوضح بهاء طاهر أن مدرسة السعيدية ظلت سنوات طويلة محاطة من جنود النظام في محاولة للسيطرة على شغب الطلاب وعلى مظاهراتهم - وعن علاقته وزملاءه بالثورة قال إنهم كانوا يدعوه للثورة وهم طلبة من خلال مظاهراتهم وأن مدرسة السعيدية كانت أول مدرسة ينطلق طلابها بالهتاف والدعوة لطرد الملك فاروق من مصر - وعن أول صدمة تلقاها طاهر وزملاءه من ثورة يوليو أكد أنها محاكمات الثورة, وأضاف أنهم كانوا سعداء بالثورة وتوقعوا منها الكثير من الإنجازات لذلك كانت الصدمة قوية عندما أعلن عن تلك المحاكمات - يقول في مجوعته "بالأمس حلمت بكَ" ان الكتابة كانت آنذاك نوع من الهروب من الانتحار بما معناه. ليس بالضروري الانتحار المادي وحتى الانتحار المعنوي يعني، لأني كنت أشعر في ذلك الوقت أن الحياة لا معنى لها، وأنني يعني أقضي أياماً لا أكثر ولا أعيش. - ينظر الى الكتابة كنوع من الخلاص. - يرى بأن الأحداث اللي بتمر بحياة الإنسان بمختلف درجات المأساوية أو غير المأساوية تشكل حوافز للكتابه. - كتب روايته بالامس حلمت بك بعد موت والدته . - في رد على سؤال في برنامج روافد حول نسبة السعادة والبؤس في الطفولة يقول :" في الحقيقة لا أستطيع أن أصف طفولتي أنها كانت طفولة سعيدة لأ لا أستطيع، لأنه اقترنت ببعض التجارب المريرة جداً، يعني هذه الفترة فترة الطفولة كانت هي فترة الحرب العالمية الثانية". - ويصف حياته "بدايات الحرب العالمية الثانية، يعني عندما تفتح وعيي عندما ابتديت أفهم الدنيا كانت الغارات وظلام الأنوار في القاهرة وصوت القنابل وصوت المدفعية المضادة للطائرات ثم اقترنت بتجربة شخصية مريرة جداً بالنسبة لأسرتي ولي شخصياً، أنه كان هناك في الأسرة في الصعيد حيث كان كل الأعمام والأخوال وأبناء الأعمام وأبناء الأخوال وباء الملاريا الذي لم يكن له علاج آن ذاك في ذلك الوقت سنة 1942، وهذا قضى على معظم أفراد أسرتي الذين كانوا في الصعيد أعمام وأخوال وأبناء عم وأبناء أخوال، فكان جو الأسرة في فترة طفولتي جو من الحزن الحقيقي يعني الحزن الحقيقي نعم، وأظن أن هذه الفترة كان عمري وقتها سبع سنين أظن أنها تركت بصمة. == احداث كثيرة ربما اثرت في حياة بهاء طاهر ، ظروف مصر ، الاستعمار ، والنضال ضد الملكية ، ثم ظروف الحرب العالمية الثانية ، والترحال والسفر، والمنع من الكتابة، لكن واضح ان اهم العوامل التي اثرت في بهاء طاهر هي موت اقاربه في مرض الملاريا وهو طفل كما يقول....وربما ان ذلك هو السبب الرئيس الذي جعله يصف طفولته بأنها كانت بائسة رغم نسمات الفرح التي كانت تتمثل فيما كانت ترويه الام من قصص. وفي ذلك تفسير للدافع الذي جعله يكتب " بالامس حلمت بك" والتي جاءت بعد موت امه علما بأنن لا نعرف تحديدا متى توفي واليده. ولا شك انه يمكننا ان نزعم بأنه عاش مأزوما بسبب موت اقاربه بمرض الملاريا في طفولته المبكرة. مأزوم. |
والان مع سر الافضلية في رواية:
20- مدارات الشرق – نبيل سليمان – سوريا مدارات الشرق".. نبيل سليمان يفتش عن سبب اخفاقات العرب دمشق- نيفين الحديدي: تمثل رواية مدارات الشرق للكاتب نبيل سليمان محاولة لاستجلاء ورصد العلاقات المجتمعية في الحياة السورية ومكنوناتها بصورة دقيقة وعميقة وهي بذلك ليست رواية تاريخية بالمعنى الضيق المتعارف عليه للتاريخ بقدر اهتمامها بتطور هذه العلاقات خلال فترة تاريخية معينة تتصف بأنها الأكثر حساسية وتأثيراً. وفي هذه الرواية الرباعية وخاصة الجزء المعنون بالأشرعة يعيدنا نبيل سليمان إلى البدايات الحقيقية لسقوط الإمبراطوريات وتكون الدول وتشكل القوى ليقول للقارئ بصوت هامس وغير مباشر أحيانا.. إن تلك البدايات أوصلتنا إلى هنا وهي مرحلة مفصلية في حياة سورية حيث الحرب العالمية الأولى وتفتت الدولة العثمانية. وحاول الكاتب في هذه الرواية الإحاطة بالوطن الجديد سورية من كل مفاصله وعبر تشكيلاته المدنية والبدوية والفلاحية ليضع يده على الآلام الدفينة والخفية لمجموعات عانت كثيراً من القسوة إضافة إلى المعاناة الجمعية في العلاقة مع النظام العثماني الذي كان شديد العدل بتوزيعه الجهل والحرمان والإفقار على الجميع غير مبال بالتباينات المذهبية. كما يتبين لقارئ أجزاء مدارات الشرق جميعها أن الكاتب نبيل سليمان يفتش عن وجوه انهيار العالم العربي وإخفاقه ويمارس الكتابة الروائية كشكل من المساءلة والقلق والبحث عن المعرفة وكشهادة معرفية أخلاقية ترصد واقعا يغترب فيه الإنسان وتصفه بشكل ينفيه ويغير شكل النظر إليه. ومن حيث الأسلوب تتميز الرواية بالإمتاع والفائدة معا والمهارة في تطوير الشخصيات فهي تبتعد عن الوعظ أو إلقاء الدروس وتفتح أعين القارئء على الواقع بطريقة فنية لتخبره كيف كانت الحياة وكيف تصرف البشر تاركة مساحة كبيرة من الحرية والمعرفة حتى يستعيد ما جرى ثم يحكم عليه مكتسباً مزيداً من الإدراك والوعي. وإضافة إلى الجمالية اللغوية التي توازت مع غنى المحتوى فقد استطاع نبيل سليمان أن يدمج الوثائقي بالتخيلي وأن يستشف العام من تفاصيل الوقائع والأحداث ليدخل بذلك مرحلة جديدة ضمن هاجسه الطموح بتطوير فن الرواية ولعل مدارات الشرق تتابع طريق الرواية العربية من حيث انها كتابة للتاريخ تفيض عن الأخيرة مذكرة بثلاثية نجيب محفوظ ومدن الملح لعبد الرحمن منيف وبروايات غالب طعمة فرمان. يشار إلى أن مدارات الشرق صدرت عن وزارة الثقافة في أربعة أجزاء من القطع الكبير هي بنات نعش والأشرعة والتيجان والشقائق للكاتب نبيل سليمان المعروف كروائي وناقد حيث صدرت له ست عشرة رواية وثلاثة وعشرون كتاباً في النقد الأدبي والشأن الثقافي وترجمت بعض أعماله إلى الإنكليزية والروسية والإسبانية والفارسية. منح جائزة غالب هلسا للإبداع الثقافي عام 1993 عبد الله باشر حبيل للرواية عام 2004 وضعت عن رواياته مؤلفات وأطروحات جامعية عديدة وشارك في مؤتمرات وندوات ومن رواياته ينداح الطوفان 1970، المسلة 1980 سمر الليالي 2000 ومن مؤلفاته.. مساهمة في نقد النقد الأدبي 1980، فتنة السرد والنقد 1994، الثقافة بين الظلام والسلام 1996 وغيرها. –سانا- == دراسة حول " مدارات الشرق". http://www.nizwa.com/articles.php?id=436 درج الليل درج النهار - رواية نبيل سليمان هذه الرواية للمؤلف نبيل سليمان.. من خلال تصفحي السريع لصفحات هذه الرواية لمست أنها تتناول جوانب عصرية طازجة.. فالرواية منشورة لأول مرة عام 2005م.. فهي من أعمال الكاتب الأخيرة.. وقد ضمنها أفكاراً تعالج التعسف والقهر الإنساني.. وصولاً حتى إلى غوانتانامو.. |
الساعة الآن 01:57 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.