![]() |
رد: مقتطفات من كتاب ~ لا تحزن ~
ضريبةُ الكلامِ الخلاَّبِ
إنّ سعادتنا تكملُ في قيامِنا بواجبنا مع خالقِنا ، ثم مع خلْقِه ، مع اللهِ ثم مع الإنسانِ . إن الكلام سهلٌ نطقُه وتجبيرُه وزخرفتُه ، لكن الأصعب من ذلك صياغتُه في مُثُلٍ عليا من الصفاتِ الحميدةِ والأعمالِ الجليلةِ ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ . إنَّ الآمر بالمعروفِ التارك له ، والناهي عن المنكرِ الفاعل له ، يُوضعُ – كما في الحديث الصحيح – يوم القيامةِ في النارِ ، فيدورُ بأمعائِه كما يدورُ الحمارُ برحاهُ ، فيسأله أهلُ النارِ عن سرِّ هلاِكه ، فقال : كنتُ آمرُكم بالمعروفِ ولا آتيهِ ، وأنهاكُم عن المنكرِ وآتيةِ . يا أيُّها الرجلُ المعلِّمُ غَيرهُ هلاَّ لنفسِك كان ذا التعليمُ وقف الوعظُ الشهيرُ أبو معاذ الرازي فبكى وأبكى الناس ، ثم قال : وغيرُ نقيِّ يأمرُ الناس بالتقى طبيبٌ يداوي الناس وهُو عليلٌ كان بعضُ السلفِ إذا أراد أن يأمر الناس بالصدقةِ ، تصدَّق هو أولاً ، ثم أمرهم ، فاستجابُوا طواعيةً . وقرأتُ أن واعظاً في عهدِ القرونِ المفضَّلةِ ، أراد أن يأمر الناس بالعِتْقِ ، وقد طلب منه كثيرٌ من الرقيق أن يسأل الناس ذلك ، فجمع نقوداً في وقتٍ طويل ثم أعتق رقبةً ، ثم أمَّ فأمرَ بالعِتْق ، فاقتدى الناسُ وأعتقُوا رقاباً كثيرة . |
رد: مقتطفات من كتاب ~ لا تحزن ~
كما تدين تُدان
عجباً لنا ! نريدُ من الناسِ أن يكونوا حلماء ونحنُ نغضبُ ، ونريدُ منهم أن يكونوا كرماء ونحن نبخلُ ، ونريد منهم الوفاء بحسن الإخاءِ ، ونحن لا نؤدي ذلك . تُريدُ مهذَّباً لا عيب فيهِ وهل عُودٌ يفوحُ بلا دُخانِ وقالوا : من لأخيك كلِّه . وقال آخر : ولست بِمُسْتبْقٍ أخاً لا تلُمُّهُ على شعثٍ أيُّ الرجالِ المهذَّبُ وقال ابنُ الروميُّ : ومِنْ عجبِ الأيامِ أنَّك تبتغي الـ ـمهذَّب في الدنيا ولست مُهذَّبا |
رد: مقتطفات من كتاب ~ لا تحزن ~
اثبتْ أُحُـدُ
إنَّ منْ طبيعِة المؤمنِ : الثبات والتصميم والجزم والعزم ، ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ﴾ ، أما أولئك : ﴿ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ ﴾ ، وفي قرارِهم يضطربون ، وعلى أدبارِهم ينكصون ، ولعهودِهم ينقضون . إن عليك أيُّها العبدُ إذا لمع بارقُ الصوابِ ، وظهر لك غالبُ الظنِّ ، وترجَّح لديك النفعُ ، أن تُقدِم بلا التواءٍ ولا تأخُّرٍ . اطَّرحْ ليتاً وسوفاً ولعلْ وامضِ كالسيف على كفِّ البطلْ لقد تردَّدَ رجلٌ في طلاق زوجته التي أذاقْته الأمرَّيْن ، وذهب إلى حكيمٍ يشتكيه ، قال: كم لك من سنة مع هذه الزوجةِ ؟ قال : أربع سنواتٍ . قال : أربع سنواتٍ وأنت تحتسي السُّمَّ ؟! صحيحٌ أن هناك صبراً وتحمُّلاً وانتظاراً ، لكن إلى متى ؟ إن الفطِن يعلمُ أن هذا الأمرين يتمُّ أو لا يتمُّ ، يصلحُ أو لا يصلحُ ، يستمرُّ أو لا يستر ، فْليتخذْ قراراً . والشاعرُ يقولُ : وعلاجُ ما لا تشْتهِيـ ـهِ النفسُ تعجلُ الفراقِ والذي يظهرُ من السِّيرِ واستقراءِ أحوالِ الناسِ ، أن الإرباك والحيرة يأتيهم في مواقف كثيرةٍ ، لكن غالب ما يأتيهم في أربعِ مسائل : الأولى : في الدراسةِ واختيارِ التخصُّصِ ، فهو لا يدري أيَّ قسم يسلكُه ، فيبقى في ذلك فترةً . وعرفتُ طُلاَّباً ضيَّعُوا سنواتٍ بسبب تردُّدِهم في الأقسامِ ، وفي الكلياتِ ، فيبقى بعضهم متردداً قبل التسجيل ، حتى يفوته التسجيلُ ، وبعضُهم يدخلُ في قسمٍ سنةً أو سنتين ، فيرتضي الشريعة ثم يرى الاقتصاد ، ثم يعودُ إلى الطبِّ ، فيذهبُ عمرُ شَذَرَ مَذَرَ . ولو أنه درس أمره وشاور واستخار الله في أولِ أمرِهِ ، ثم ذهب لا يلوي على شيء ، لأحرز عمره وصان وقته ، ونال ما أراد من هذا التخصُّصِ . الثانية : العملُ المناسبُ ، فبعضهم لا يعرفُ ما هو العمل الذي يناسبُه ، فمرةً يعتنقُ وظيفةً ، ثم يتركُها ليذهب إلى شركةٍ ، ثم يهجرُ الشركة إلى عمل تجاري بحتٍ ، ثم يحصلُ على العدمِ والإفلاسِ والفقرِ ثم يلزمُ بيته مع صفوفِ العاطلين . وأقولُ لهؤلاءِ : من فُتح له بابُ رزقٍ فلْيلزمْهُ ، فإنَّ رزقه منْ هذا المكانِ ، ومنْ لزم باباً أُوتي سهولته وفَتْحه وحكمته . الثالثة : الزواجُ ، وأكثرُ ما يأتي الشباب الحيرةُ والاضطرابُ في مسألةِ اختيارِ الزوجةِ ، وقد يدخلُ رأي الآخرين في الاختيارِ ، فالوالدُ يرى لولدهِ امرأةً غير التي يراها الابنُ أو التي تراها الأمُّ ، فربما وافق الابنُ رغبة والدِه ، فيحصلُ ما لا يريدُه ، وما يحبَّه ، وما لا يقدمُه . ونصيحتي لهؤلاءِ أن لا يُقدمُوا في مسألة الزواجِ بالخصوصِ إلا على ما يرتاحون إليه في جانبِ الدين والحُسْنِ والموافقةِ ، لأن المسألة مسألةُ مصيرِ امرأةٍ لا مكان للمجازفةِ بها . الرابعة : تأتي الحيرةُ والاضطرابُ في مسألةِ الطلاقِ ، فيوماً يرى الفراق ويوماً يرى المعايشة ويوماً يرى أن يُنهي المعايشة ، وآخر يرى أن يقطع الحبْل ، فيصيبه من الإعياء ، وحُمَّى الروحِ ، وفسادِ الرأي ، وتشتُّتِ الأمرِ ، ما اللهُ به عليمٌ . إن على العبدِ أن يُنهي هذه الضوائق النفسية بقرارِه الصارمِ ، إن العمر واحدٌ ، وإن اليوم لن يتكرَّر ، وإن الساعة لن تعود ، فعليه أن يعيشها سعادةً يشارك فيها بنفسِه ، يشاركُ بنفسِه في استجلابِ هذه السعادةِ ، وتأتي هذه السعادةُ باتخاذِ القرارِ . إن العبد المسلم إذا همَّ وعزم وتوكل على اللهِ بعد أن يستخير ويُشاوِر ، صار كما قال الأول : إذا همَّ ألقى بين همَّيْه عينهُ وأعرض عن ذكْرِ العواقبِ جانبا إقدامٌ كإقدام السيل ، ومضاءٌ كمضاءِ السيفِ ، وتصميمٌ كتصميمِ الدهرِ ، وانطلاقٌ كانطلاقِ الفجرِ ، ﴿ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ﴾ . |
رد: مقتطفات من كتاب ~ لا تحزن ~
اتخاذُ القرار
﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ﴾ . ﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ . إن كثيراً منا يضطربُ عندما يريد أن يتخذ قراراً ، فيصيبُه القلقُ والحيرةُ والإرباكُ والشكُّ ، فيبقى في ألمٍ مستمرٍ وفي صداعٍ دائمٍ . إن على العبدِ أن يشاور وأن يستخير اللهَ ، وأن يتأمَّل قليلاً ، فإذا غلب على ظنه الرأيُ الأصوبُ والمسلكُ الأحسنُ أقدم بلا إحجام ، وانتهى وقتُ المشاورةِ والاستخارةِ ، وَعَزَم وتوكَّل ، وصمَّم وَجَزَم ، لينهي حياة التردُّد والاضطرابِ . لقد شاور الناس وهو على المنبر يوم أُحُد ، فأشاروا بالخروجِ، فلبس لأمته وأخذ سيفه ، قالوا : لعلَّنا أكرهناك يا رسول الله ؟ لو بقيت في المدينةِ . قال : (( ما كان لنبي إذا لبس لأمته أن ينزعها حتى يقضي اللهُ بينه وبين عدوِّهِ )) . وَعَزَم على الخروجِ . إن المسألة لا تحتاجُ إلى ترددٍ ، بل إلى مضاءٍ وتصميمٍ وعزمٍ أكيدٍ ، فإن الشجاعة والبسالة والقيادة في اتخاذِ القرارِ . تداول مع أصحابِه الرأي في بدرٍ : ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾ ، ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى ﴾ ، فأشارُوا عليه فَعَزَم وأقدم ، ولم يلوِ على شيءٍ . إن التردٌّد فسادٌ في الرأيِ ، وبرودٌ في الهمَّةِ ، وَخَورٌ في التصميمِ وشَتاتٌ للجهدِ ، وإخفاقٌ في السَّيْرِ . وهذا التردُّدُ مرضٌ لا دواء له إلا العزمُ والجزمُ والثباتُ . أعرفُ أناساً من سنواتٍ وهم يُقدِمون ويُحجمون في قراراتِ صغيرةٍ ، وفي مسائل حقيرةٍ ، وما أعرفُ عنهم إلا روح الشكِّ والاضطرابِ ، في أنفسِهم وفي من حولهم . إنهم سمحوا للإخفاقِ أن يصل إلى أرواحِهم فَوَصَلَ ، وسمحُوا للتشتُّتِ ليزور أذهانهم فزار . إنه يجب عليك بعد أن تدرس الواقعة ، وتتأمَّل المسألة ، وتستشير أهل الرأي، وتستخير ربَّ السماواتِ والأرضِ ، أن تُقدِم ولا تُحجِم ، وأن تُنْفِذ ما ظهر لك عاجلاً غير آجلٍ . وقف أبو بكر الصدِّيق يستشيرُ الناس في حروبِ الردةِ ، فأشار الناسُ كلهم عليه بعدمِ القتالِ ، لكنَّ هذا الخليفة الصدِّيق انشرح صدرُه للقتالِ ، لأن هذا إعزازٌ للإسلامِ ، وقطْعٌ لدابر الفتنةِ ، وسحقٌ للفئاتِ الخارجةِ على قداسةِ الدينِ ، ورأى بنورِ اللهِ أن القتال خيرٌ ، فصمَّم على رأيه ، وأقسم : والذي نفسي بيدهِ ، لأُقاتلنَّ من فرَّق بين الصلاةِ والزكاةِ ، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدُّونه لرسولِ الله لقاتلتُهم عليه . قال عمر : فلما علمتُ أن الله شرح صدر أبي بكر ، علمتُ أنه الحقُّ . ومضى وانتصر وكان رأيهُ الطيب المبارك ، الصحيح الذي لا لُبْس فيه ولا عِوَجَ . إلى متى نضطربُ ؟ وإلى متى نراوحُ في أماكنِنا ؟ وإلى متى نتردَّد في اتخاذِ القرارِ ؟ إذا كنت ذا رأي فكنْ ذا عزيمةٍ فإنَّ فساد الرأي أنْ تتردَّدا إنَّ منْ طبيعةِ المنافقين إفشال الخطَّةِ بكثرةِ تكرارِ القولِ ، وإعادةِ النظرِ في الرأي : ﴿لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ﴾ . ﴿ الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾. إنهم يصطحبون « لو » دائماً ، ويحبون « ليت » ويعشقون « لعلَّ » فحياتُهم مبنيةٌ على التسويقِ ، وعلى الإقدامِ والإحجامِ ، وعلى التذبذبِ ، ﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء ﴾ . مرةً معنا ومرةً معهم ، مرةً هنا ومرةً هناك . كما في الحديثِ : (( كالشاة العائرةِ بين القطيعين من الغنمِ )) وهو يقولون في أوقاتِ الأزماتِ : ﴿ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ ﴾ . وهم كاذبون على اللهِ ، كاذبون على أنفسهم ، فهم يسرون وقت الأزمةِ ، ويأتون وقت الرخاءِ وأحدُهم يقول : ﴿ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي ﴾ . إنه لم يتخذ إلا قرار الإخفاقِ والإحباطِ . ويقولون في الأحزابِ : ﴿ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ﴾ . ولكنَّه التخلصُ من الواجبِ ، والتملُّصُ من الحقِّ المبينِ . |
رد: مقتطفات من كتاب ~ لا تحزن ~
لكل ّ من يمر ّ من هـُنا
لا تفوّت على نفسك فرصة قراءة هذا الكتاب فـ فيه من الدّرر الثمينة الشيء العظيم وفــّق الله شيخنا لكل ّ خير وحفظه من كل سوء سـ أعود لاحقـًا لأكمل ان شاء الله ~ |
رد: مقتطفات من كتاب ~ لا تحزن ~
اقتباس:
السلام عليكم.. بعد إذنك أختي امل.. مرحبا بك اخي ايوب.. الشيخ عايض القرني عانى في حياته ولكن هذه المعاناة ليست في طفولته ولو شاهدت { برنامج نقطة تحول } ربما وجدت ما تتساءل عنه ربما تجد الحلقة فيــ يوتوب برنامج نقطة تحول http://www.youtube.com/watch?v=-T9KRc3_GAM .. |
الرِّفْقُ يُعينُ على حصولِ المقصودِ
مرَّتْ آثارٌ ونصوصٌ في الرفقِ ، والرفقُ شفيعٌ لا يُرَدُّ في طلبِ الحاجاتِ ، ولك أن تعلم أن الطريق الضيق بين جدارين ، الذي لا يتسع إلا لمرور سيارةٍ واحدةٍ فَحَسْبُ ، لا تدخلُها هذه السيارة إلا برفقٍ من قائدِها وحذرٍ وتوقٍّ ، بينما لو أقبل بها مسرعاً وأراد المرور من هذا المكان الضيقِ لاصطدم يمْنةً وَيسْرَةً وتعطلتْ سيارتُه ، والطريقُ لم يزِد ولم ينقصْ ، والسيارةُ هي هي ، لكنَّ الطريقة هي التي اختلفت، تلك برفقٍ وهذه بشدَّةٍ . والشجرةُ الصغيرةُ التي نغرسُها في حوضِ فناءِ أحدِنا ، إذا سكبت عليها الماء شيئاً فشيئاً تشربُ منه وينفعُها ، فإذا أخذت كميةً من هذا الماء بعينهِ وحجْمه وألقيته دفعةً واحدة لاقتلعت هذه النبتة من مكانِها ، إن كمية الماءِ واحدةٌ ولكن الأسلوب تغيَّر . إن منْ يخلعُ ثوبه برفقٍ يضمنُ سلامة ثوبِه ، خلاف من يجذِبُه بقوةٍ ويسحبُه بسرعةٍ ، فإنه يشكو من تقطُّعِ أزرارِه وتمزُّقِهِ . ومن اللطائف في انكشافِ عَدَمَ صدقِ إخوةِ يوسف في مجيئِهم بثوبِهِ ، وزعْمِهم أن الذئب أكله : أنهم خلعُوا الثوب برفق فلم يحصل فيه شقوقٌ ، ولو أكله الذئبُ كما زعموا لمزَّق الثوب كلَّ ممزَّقٍ ، ولم يخلْعْه خلْعاً . إن حياتنا تحتاجُ إلى رفقٍ نرفقُ بأنفسِنا : (( وإن لنفسِك عليك حقاً )) . نرفقُ بإخواننا : (( إن الله رفيق يحب الرفق )) . نرفقُ بالمرأةِ : (( رفقاً بالقواريرِ )) . على الجسورِ الخشبيِة التي بناها الأتراكُ على ممراتِ الأنهارِ ، مكتوبٌ في أول الجسرِ : رفقاً رفقاً . لأن المارَّ بهدوءٍ لا يسقطُ ،أما المسرعُ فجديرُ أن يهوي إلى مستقرِّ النهر . وفي مذكّراتٍ لأديب سوريٍّ كان يسكنُ في مدينة « السلمية » ، وله درَّاجةٌ ناريةٌ ، أراد أن يعبر بها على جسر بناه الأتراكُ من الخشبِ على النهرِ ، وهم بنوْه لمن أراد أن يمشي بدراجته متئداً متأنياً ، قال هذا الرجل : فذهبتُ مسرعاً على جسري ، فلما أصبحتُ من أعلى الجسرِ متوسِّطاً النهر ، نظرتُ يَمْنَةً ويَسْرَةً ، وأنا لم أرفقْ بنفسي ولا بدراجتي فاضطربتْ بي واختلَّ نظري ، فوقعتُ بدراجتي في النهرِ ... وكانت قصةً طويلة . إنَّ على مداخلِ حدائقٍ الزهورِ والورود في بعضِ مدنِ أوروبة : لوحةٌ مكتوب فيها : «تَرَفَّقْ» ، لأن الداخل مسرعاً لا يرى ذاك النبت الجميل ولا يضمنُ سلامة ذاك الوردِ الباهي ، فيحصل الدعس والدفس والإبادة ، لأنه ما رفق ولا تأنَّى . هناك معادلة تربوية تقول : إن العصفور تربوية تقول : إن العصفور لا يترفَّقُ كالنحلة . وفي الحديث : (( المؤمنُ كالنحلة ، تأكلُ طيباً وتضعُ طيباً ، وإذا وقعتْ على عُودٍ لم تكسْرِه )) . فالنحلة لا تُحِسُّ بها الزهرةُ أبداً ، وهي تعلقُ الرحيق بهدوء ، وتنالُ مطلوبها برفقٍ . والعصفورُ على ضآلةِ جسمِه يخبرُ الناس بنزولِه على سنابل ، فإذا أراد النزول سقط سقوطاً ، ووثب وثْباً . ولا أزالُ أذكرُ قصة الرسَّام الهنديِّ ، وقد رسم لوحةً بديعة الحسنِ ملخَّصها : سنبلةُ قمح عليها عصفورٌ قد وقع ، وهذه السنبلة مليئةٌ بالحبِّ ، مترعرعةُ النموِّ ، باسقةُ الطولِ ، وعلَّقها الملِكُ على جدارِ ديوانِه ، ودخل الناسُ يهنِّئون الملك بهذه اللوحةِ ويشكرون الرسَّام على حسنِها ، ودخل رجلٌ فقيرٌ مغمورٌ في وسطِ الزحامِ فاعترض على اللوحةِ ، وأخبرَ أنها خطٌأ ، وضجَّ الناسُ به وصجُّوا ، لأنه خالف الإجماع، فاستدعاه الملكُ برفقٍ وقال : ما عندك؟ قال : هذه اللوحةُ خطٌأ رسمُها ، وَغَلطٌ عرْضها . قال : ولِمَ ؟ قال : لأنَّ الرسام رسمَ العصفور على السنبلةِ وترك السنبلة مستقيمةً ممتدةً ، وهذا خطٌأ ، فإنِّ العصفور إذا نزل على سنبلة القمحِ أمالها، وأخضعها ، لأنه ثقيلٌ لا يملكُ الرفق . قال الملكُ : صدقت . وقال الناسُ: صدقت . وأنزل اللَّوْحة ، وسُحبت الجائزةُ من الرسامِ . إنَّ الأطباء يُوصون بالرفقِ في تناولِ العلاجِ ، وفي مزاولةِ العملِ والأخذِ والعطاءِ . فذاك يقلعُ ظفْره بيده ، وذاك يباشرُ سِنِّه بنفسِه ، وآخر يَغُصُّ باللقمة ، لأنه أَكَبرَها وما أحسن مضْغها . إن الماء يترفَّقُ ، وإن الريح تُزمجرُ فتدمِّرُ . قرأتُ لبعضِ السلفِ أنه قال : إن مِن فِقْهِ الرجل رِفْقَهُ في دخولِه وخروجِه منه ، وارتداءِ ثوبِه وخَلْعِ نعلِه وركوبِ دابتهِ . إن العَجَلةَ والهوجَ والطيْشَ في أخذ الأمورِ وتناولِ الأشياء ، كَفِيلةٌ بحصولِ الضررِ وتفويتِ المنفعِة ، لأن الخَيْرَ بُني على الرفقِ : (( ما كان الرفقُ في شيء إلاَّ زانه ، وما نُزع الرفقُ من شيء إلاَّ شانهُ )) . إنَّ الرفق في التعاملِ تُذعنُ له الأرواحُ ، وتنقادُ له القلوبُ ، وتخشعُ له النفوسُ . إن الرفيق من البشرِ مِفتاحٌ لكلِّ خَيْرٍ ، تستسلمُ له النفوسُ المستعصية ، وتثوبُ إليه القلوبُ الحاقدةُ ، ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾ . |
وقفــــةٌ
طه حسين يتحدَّثُ بصيغةِ الغائب : « كان يرى نفسه إنساناً من الناسِ وُلد كما يُولدون ، وعاش كما يعيشون ، يقسِّم الوقت والنشاط فيما يقسِّمون فيه وقتهم ونشاطهم ، ولكنه لم يكنْ يأنسُ إلى أحدٍ ، ولم يكنْ يطمئنُّ إلى شيء ، قد ضُرِب بينه وبين الناسِ والأشياء حجابٌ ظاهرُه الرضا والأمنُ ، وباطنُه من قِبَلِه السخطُ والخوفُ والقلقُ واضطرابُ النفسِ ، في صحراء موحشة لا تحدُّها الحدودُ ، ولا تقومُ فيها الأعلام ، ولا يتبيَّن فيها طريقه التي يمكنُ أن يسلكها ، وغايته التي يمكن أن ينتهي إليها » . يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : « إنها تمرُّ بالقلبِ لحظاتٌ من السرور أقول : إن كان أهلُ الجنة في مِثْلِ هذا العيش ، إنَّهم لفي عيشٍ طيِّبٍ » . وقال إبراهيم بن أدهم : « نحن في عيش لو علم به الملوكُ لجالدونا عليه بالسُّيوفِ » . |
حتى تكون أسعد الناس
• الإيمانُ يُذْهِبُ الهموم ,ويزيلُ الغموم , وهو قرةُ عينِ الموحدين , وسلوةُ العابدين . • ما مضى فاتَ , وما ذهبَ ماتَ ,فلا تفكرْ فيما مضى , فقد ذهب وانقضى . • ارض بالقضاءِ المحتومِ , والرزقِ المقسومِ , كلُّ شيءٍ بقدرٍ ، فدعِ الضَّجَرَ . • ألا بذكر اللهِ تطمئنُّ القلوبُ , وتحطُّ الذنوبُ , وبه يرضى علاّمُ الغيوبِ , وبه تفرجُ الكروبِ . • لا تنتظرْ شكراً من أحدٍ , ويكفي ثواب الصمدِ , وما عليك ممَّنْ جحدَ , وحقدَ, وحسدَ. • إذا أصبحت فلا تنتظرِ المساء , وعشْ في حدودِ اليومِ , وأجمعْ همَّك لإصلاحِ يومِك . • اتركِ المستقبلَ حتى يأتي , ولا تهتمَّ بالغدِ ؛ لأنك إذا أصلحت يومك صلح غَدُكَ . • طهِّرْ قلبك من الحسدِ, ونقِّهِ من الحقدِ , وأخرجْ منه البغضاء , وأزلْ منه الشحناءَ. • اعتزلِ الناس إلا من خيرٍ , وكن جليس بيتِك , وأقبلْ على شأنِك , وقلِّلْ من المخالطةِ . • الكتابُ أحسنُ الأصحابِ , فسامرِ الكتب , وصاحبِ العِلْمَ , ورافقِ المعرفة . • الكونُ بُني على النظامِ , فعليك بالترتيبِ في ملبسِك وبيتِك ومكتبِك وواجبِك . • اخرجْ إلى الفضاءِ , وطالعِ الحدائق الغناء وتفرَّجْ في خَلْقِ الباري وإبداعِ الخالقِ . • عليك بالمشي والرياضةِ , واجتنبِ الكَسَلَ والخمولَ, واهجرِ الفراغَ والبطالةَ . • اقرأ التاريخَ ، وتفكرْ في عجائبهِ ، وتدبْر غرائبَه واستمتعْ بقصصِه وأخبارِه . • جدِّدْ حياتَك , ونوِّعْ أساليبَ معيشتِك , وغيِّرْ من الروتينِ الذي تعيشُه . • اهجر المنبهاتِ والإكثار منها كالشاي والقهوةِ, واحذرِ التدخين والشيشةَ وغَيْرَها. • اعتنِ بنظافة ثوبِك وحسنِ رائحتِك وترتيبِ مظهرِك مع السواكِ والطيبِ . • لا تقرأْ بعض الكتبِ التي تربِّي التشاؤمَ والإحباطَ واليأسَ والقنوطَ . • تذكرْ أن ربَّك واسعُ المغفرةِ يقبلُ التوبة ويعفو عن عباده , ويبدلُ السيئاتِ حسناتٍ |
حتى تكون أسعد الناس
• اشكرُ ربَّك على نعمةِ الدينِ والعقلِ والعافيةِ والسِّتْرِ والسمعِ والبصرِ والرزقِ والذريةِ وغيرِها . • ألا تعلمُ أن في الناس من فَقَدَ عقله أو صِحَّتَه أو هو محبوسٌ أو مشلولٌ أو مبتلًى ؟! . • عشْ مع القرانِ حفظاً وتلاوةٌ وسماعاً وتدبراً فإنه من أعظمِ العلاجِ لطردِ الحزنِ والهمَّ . • توكلْ على اللهِ وفوِّضْ الأمرَ إليه , وارضَ بحكمِه , والجأ إليه , واعتمْد عليه فهو حَسْبُك وكافيكَ . • اعفُ عمَّنْ ظلَمَك , وصلْ من قطعَك , وأعطِ من حرمَك , واحلمْ على من أساءَ إليكَ تجدِ السرورَ والأمنَ . • كَرِّرْ «لا حولَ ولا قوَة إلا باللهِ » فإنها تشرحُ البالَ وتصلح الحالَ , وتُحمل بها الأثقالُ , وترضي ذا الجلال . • أكثر من الاستغفارِ , فمعَه الرزقُ والفرجُ والذريةُ والعِلْمُ النافعُ والتيسيرُ وحطُّ الخطايا . • اقنعْ بصورتِك وموهبتِك ودخلِك وأهلِك وبيِتك تجدِ الراحةَ والسعادةَ . • اعلم أن مع العسرِ يسراً ، وأن الفرجَ مع الكَرْبِ وأنه لا يدومُ الحالُ ، وأن الأيامَ دولٌ . • تفاءلْ ولا تقنطْ ولا تيأسْ , وأحسن الظنَّ بربِّك وانتظرْ منه كلَّ خيرٍ وجميلِ . • افرحْ باختيارِ اللهِ لك , فإنك لا تدري بالمصلحِة فقد تكونُ الشدةُ لك خيْراً من الرخاء . • البلاءُ يقرِّبُ بينك وبين اللهِ ويعلِّمك الدعاء ويذهبُ عنك الكِبْرَ والعُجْبَ والفَخْرَ . • أنت تحملُ في نفسِك قناطير النعم وكنوز الخيرات التي وهبك الله إياها . • أحسن إلى الناس وقدمِ الخير للبشرِ ؛ لتلقى السعادة من عيادةِ مريضٍ وإعطاءِ فقيرٍ والرحمةِ بيتيمٍ . • اجتنبْ سوء الظنِّ ، واطرحِ الأوهامَ ، والخيالاتِ الفاسدةَ ، والأفكارَ المريضةَ . • اعلم أنك لستَ الوحيدَ في البلاءِ , فما سَلِمَ من الهمِّ أحدٌ , وما نجا من الشدةِ بَشَرٌ . • تيقَّن أن الدنيا دارُ محنٍ وبلاءٍ ومنغِّصاتٍ وكدرٍ فاقبلْها على حالِها واستعنْ باللهِ . |
الساعة الآن 06:58 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.