أقصوصتان : نزار ب. الزين*
      نظم  طلبة الجامعة و المدارس الثانوية تظاهرة ضخمة ندد خلالها المتظاهرون بوعد بلفور ، و بلغ الحماس أشده عندما اقترب المتظاهرون من المجلس النيابي ، و كانوا يرددون الهتافات التي بلغ صداها عنان السماء : 
   << يسقط بلفورعميل الصهيونية >>  
  << يا عزيز يا عزيز داهية تاخد الإنكليز >> 
  << فلسطين بلادنا ، و اليهود اعْدانا >> .... 
  ثم ...
  و على حين غرة ، 
  لمح  "عصام" غريمه "نعيم" الذي استقوى عليه منذ وقت قريب ، فأهانه و أوسعه ضربا حتى أدماه ، فصاح "عصام" بأعلى صوته مشيرا إلى "نعيم" : 
  << يا شباب ...هذا يهودي .. جاسوس يهودي....>> ،
  فاندفع أقرب المتظاهيرين إلى "نعيم" ، و بدؤوا بتهشيمه ، 
  ثم .....
  تركوه ملقىً على الأرض  مضرجا بدمه  ، بين الحياة و الموت  .
    الهاشمي  وليٌّ لا أحد يعرف اسمه الحقيقي أو سبب الاعتقاد أنه وليّ ، أو لماذا بني له هذا المقام ذو القبة الخضراء ؟! فحتى شاهد قبره محا  الزمان ما كُتب عليه . 
   أما أغلب رواده فمن النساء من طالبات الحاجة ؛ فبعد أن تدفع الواحدة منهن ما فيه النصيب لحارس المقام ، تتقدم نحو القبر فتتلو الفاتحة ، 
  ثم ... 
  تهمس للولي بحاجتها  !!!! 
  ثم ....
  تربط منديلا  أو قطعة من قماش على السور القصير المحيط بالقبر ، لعلها بهذه العلامة تذكِّر الوليّ بحاجتها . 
  و يعيش في المقام حارسه مع زوجته و اثنين من أطفاله ، فيتحول المقام ليلا  إلى غرفة نوم ، و في زاوية منه تقوم الزوجة بالطهي و غسل الصحون حينما  يخلو من زائراته .
  و بسبب بخله الشديد كان الزوجان يتشاجران باستمرار ،
  و لكن .. 
  ذات يوم اشتعل الشجار بينهما متجاوزا المألوف ، فقد لجأ الزوج إلى العنف ، فأنهك زوجته صفعا و ركلا ، 
  ثم ..
  طردها و طفليها شر طرده .
  *** 
  ما أن شاهدها شقيقها الكبير و هي على هذا الحال المزري حتى استشاط غضبا ، و بات ليلته و هو يفكر بوسيلة ينتقم فيها لشقيقته ، و إذ أصبح الصباح كان قد أضمر أمرا ،
  ثم ...
  بدأ التفيذ ..... 
  فقام بجولة ، أخذ يخبر خلالها  كل من رآه ، بمن فيهم إمام جامع الحي ، أن شقيقته زوجة حارس مقام "الهاشمي" ، شاهدت بأم عينيها قبر الوليِّ ينبثق منه قطرات من ماء طهور و كأنه مخلوق حي يتعرق ، و قد وَضَعت على رأسها المصاب بالشقيقة المزمنة قطرات منه ، فتوقف الألم في الحال إلى غير رجعة ، و وضعت قطرات منه على جرح في يد ابنها فاختفى لفوره ، 
  ثم ......
  أضاف ، أنه لم يهن عليه أن يحتكر صهره هذه الكرامة أو يتكسب منها ،
  ***
  رُفِع أذان الظهر فألقى إمام الجامع قبيل بداية الصلاة على غير عادة ، خطبة موجزة دار موضوعها حول كرامات الولي "الهاشمي" ، و منها هذه الكرامة الجديدة ....
  ثم ......
  ما أن فرغ الناس من أداء صلاتهم حتى اندفعوا نحو المقام فاقتحموه ، و إذ اعترضهم حارسه أوسعوه ضربا ،
  ثم ........
   أخذ كل منهم ينتزع قطعة من سور القبر ، بعد أن يئسوا من العثور على ماء الكرامة ! ،
  ثم ..........
  التفتوا إلى سترة القبر فتقاسموها نتفا صغيرة ،
  ثم ...........
  إلى ما تبقى من محتواه ، من شموع و قناديل و سواهما فتقاسموها ،
  و من لم يحظَ بقطة قماش من السترة ، أو جزءاً من شمعة ، أو كسرة من حطام قنديل ، التفت إلى القبر نفسه و الأرضية المحيطة به ، ليستولي و لو على حفنة من تراب ، 
  ثم ............
  بلغ الخبر نساء الحي و الأحياء المجاورة ، فاندفعن نحو المقام ، و إذ وجدنه قاعا صفصفا ، التفتن إلى شجرة الجوز التي تظلله ، و ابتدأن في تقاسم لحاءها بداية ، 
  ثم ........
  و بمساعدة أولادهن تقاسمن أوراقها و قطعا من أغصانها ، 
  ثم ..............
  تركنها بعد أن أمست كعجوز تسعينية في حمّام  السوق !!!.
  *************************
       سوري مغترب
     إتحاد كتاب الأنترنيت العرب